![]() |
نجاح خطة استدراج المشير إلى منشية البكري
سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف
ـ 13 ـ
الجزء الأول - البداية الأولى
الحلقة الثالثة عشر
..............."
إنتهى نقل هذا الجزء
يحى الشاعر
- يتبع -
وردت لنا معلومات في نفس اليوم من داخل منزل المشير عامر تؤكد أنه تمت مناقشات طويلة بين المقيمين والمؤيدين للمشير وأنهم منقسمون الى مؤيد لقبول الدعوة ومعارض لها، فالقسم الأول كان يرى أن هذه الدعوة هي بمثابة فاتحة خير قد تنهي المشكلة بين الرجلين وتعود المياه الى مجاريها ولو لفترة معقولة كما حدث من قبل على مدار السنوات الماضية، والطرف الآخر كان يعارض هذه الدعوة وأن على المشير أن يرفضها بعدما حدد كل طرف أهدافه وكانوا مقتنعين أن الرئيس لن يتراجع عن الاصرار على ابعاد المشير عن القوات المسلحة كحد أدنى وفي قبول ذلك اقرار بادانة المشير وتثبيت أنه المسؤول عن الهزيمة العسكرية ونجح عباس رضوان في اقناع المشير عبدالحكيم عامر بالتوجه لمقابلة الرئيس في منشية البكري.
التقينا نحن الثلاثة في مكتبي عقب صلاة الجمعة 25 أغسطس ،1967 شعراوي جمعة وأمين هويدي وأنا ثم دخلنا الى منزل الرئيس وفي الصالون الرئيسي قام الرئيس بالمراجعة النهائية للخطة وأقرها وقال ان ساعة الصفر هي الرابعة بعد الظهر من نفس اليوم واستفسر هل يكفي الوقت أم نبدأ مبكرا عن هذا التوقيت فوافقنا وقد حدث أثناء خروجنا ونحن في الصالة المؤدية لباب الخروج أن لاحظت أن الضابط “النوبتجي” الموجود داخل المنزل في هذا اليوم هو الرائد محمد طنطاوي شقيق العقيد محمود أحمد طنطاوي مرافق المشير عامر، والذي يعد من الضباط الأكفاء، ولم يكن ينتمي لأي من الأطراف المتصارعة لكن القدر وضعه في هذا الموقف الذي لايحسد عليه - فعدت الى الرئيس وعرضت عليه فكرة استبداله بضابط آخر حيث من المؤكد أن محمود طنطاوي سيحضر مع المشير وسيتم القبض عليه وسيكون الموقف فيه احراج لعناصر كثيرة من جانبنا ومن الجانب الآخر، فقال الرئيس يبقى محمد طنطاوي كما هو حتى الساعة السادسة مساء ثم يعود الى مكتب السكرتاريا الخاصة عندما يدخل أمين هويدي الى هنا للاشراف على الطاقم الذي سيكون داخل المنزل.
وخرجنا الى مكتبي وقررنا تأخير بدء الاتصالات واستدعاء المسؤولين الذين سيشاركون في التنفيذ لآخر لحظة ممكنة حيث اتصلت في الرابعة تماما بالرئيس تليفونيا لأخذ موافقته النهائية على بدء العملية “جونسون”.
وعندها بدأنا استخدام شبكة الاتصالات الحمراء المشفرة، والتي كانت تصل بين مكتبي وكل من وزير الحربية ووزير الداخلية ومدير المخابرات العامة ومدير المباحث العامة ومدير المخابرات الحربية وقائد الحرس الجمهوري فقام شعراوي جمعة باستدعاء اللواء حسن طلعت للحضور الى سكرتاريا المعلومات بمنشية البكري، كما اتصلت بالفريق أول محمد فوزي وطلبت منه الحضور ومعه اللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية والعميد سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية، واتصلت بالعميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري ليحضر الى مكتبي.
واتفقنا اثناء ذلك على ان يقوم كل من شعراوي جمعة وسامي شرف بالقبض على مرافقي المشير عامر فور وصوله الى منشية البكري ودخوله إلى المنزل وأن يسلموهم للحرس الجمهوري.
وعندما اكتمل وصول الذين استدعيناهم، عقد في مكتبي اجتماع كان الحضور فيه كلا من:
شعراوي جمعة وزير الداخلية، أمين حامد هويدي وزير الحربية، سامي شرف مدير مكتب الرئيس للمعلومات، الفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة، اللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية، اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة، العميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري، والعميد سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية.
وتم تلقين الحضور كل فيما يخصه من واجبات حسبما ورد في الخطة، مع التنبيه مشددا على محاولة تفادي اطلاق النار قدر المستطاع، وترك لكل من هؤلاء المسؤولين حرية التصرف في أي موقف قد يطرأ أو يكون مفاجئا على أن يكون الجميع على اتصال دائم بسامي شرف شخصيا اما على شبكة اللاسلكي أو على خطوط التليفونات الساخنة أو الحمراء المشفرة التي رتبت لهذا الغرض كما وضعت شبكة القيادة العامة للقوات المسلحة وشبكة شرطة النجدة اعتبارا من ساعة الصفر تحت تصرف هذه العملية كأفضلية أولى.
ومن الساعة السادسة والنصف بدأ وصول زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات، وكان حضورهم لمنشية البكري أمراً عادياً وطبيعياً كثيرا ما يحدث خصوصا في أوقات الازمات أو في أيام الجمعة، ولكن بعد نحو خمس عشرة دقيقة أي في السابعة الا ربعاً تقريبا وصل المشير عبدالحكيم عامر وقمت مع شعراوي جمعة بتنفيذ مهمتنا، وهي اعتقال المرافقين للمشير ووضع سيارته تحت الحراسة بعد تفتيشها في جاراج منشية البكري.
وقد حدث أن ثار محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس عندما توجهنا الى مكتبه للقبض على العقيد محمود أحمد طنطاوي واعتبر أن ما يتم دون علمه فيه اهدار للثقة به من الرئيس وعندما تمادى في ثورته أقنعناه بأن ما يحدث هو على علم نسبي به حيث ان الرئيس قال له منذ ساعة انه ستتم بعض الاجراءات في منشية البكري، الرئيس على علم بها ومرتبة بأوامره وان كل هذه الاجراءات لمصلحة الشرعية وأخيرا هدأ نسبيا وعلى مضض ولكن بعد أن استنفد من الوقت ما يزيد على نصف ساعة كنا نحن في حاجة الى كل ثانية منها وفي اعتقادي أن محمد أحمد لم يكن يتوقع أن تكون الاجراءات ضد عبدالحكيم عامر خاصة.
ووفق ما كان واردا في الخطة فقد دخل الى منزل الرئيس في الساعة السابعة تماما كل من: أمين هويدي ومحمد المصري من مكتبي وأحد الضباط الأحرار والعميد صلاح شهيب من الياوران وأحمد شهيب من الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة عن دائرة مصر الجديدة وكان العميد محمد الليثي ناصف يمر باستمرار حول المنطقة وداخل المنزل.
كما بدأت من مكتبي والى جواري شعراوي جمعة في تسجيل ما يدور داخل الصالون الرئيسي بمنشية البكري وللتاريخ فان ما دار قد تم تسجيله بالكامل ولا أعلم أين توجد الآن هذه التسجيلات وان كنت قد أودعتها في أرشيف التسجيلات السري للغاية في سكرتاريا الرئيس للمعلومات بمنشية البكري وما أذكره الآن أن حوارا تم أساسا بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، استعرض فيه الرئيس تاريخ العلاقة الوطيدة والصداقة المتينة مع عامر وتطوراتها على مدى السنوات الطويلة السابقة وعلى الرغم من انه كان من الواجب مساءلة المشير عامر عما حدث في أزمات 1956 و1961 و1962 بالدرجة الأولى وغيرها وأخيرا ما حدث في يونيو1967 فقد تم احتواء كل هذه الأزمات بتأثير الصداقة وحفاظا على وحدة القيادة ووحدة البلاد... استطرد الرئيس موجها كلامه للمشير بما نصه حسبما أذكر بقدر الامكان- “... ولكن كونك تتآمر يا عبدالحكيم وليس يا حكيم كما كان يناديه باستمرار وكما تعودنا كلنا على سماعه فهذا وضع لا يمكن قبوله أو السكوت عليه، ويعني أيضا أنك تتنكر للاتفاق الذي تم بيننا عقب نجاح الثورة في 23يوليو من أن أي واحد فينا من أعضاء مجلس قيادة الثورة اذا اختلف أو لم يكمل المسيرة لأي سبب كان، لا يتآمر”...
فقاطعه المشير عامر قائلا: “أنا لا أتآمر ولم أتآمر وأنا بأرفض كلامك ده..!!”.
فرد الرئيس قائلا: “انك تآمرت فعلا وسوف أذكر لك حادثة واحدة من وقائع ثابتة، عندي الكثير منها وبأقول لك: انت بعثت بسكرتيرك محمود أحمد طنطاوي للفريق صدقي محمود من خمسة أيام برسالة تتضمن انك تنوي الاستيلاء على السلطة، وانك تطلب من صدقي محمود أن يشترك معاك ويحضر لمقابلتك، ولكن صدقي أبدى عدم موافقته لدرجة أن حرم الفريق صدقي شتمت سكرتيرك وطردته من المنزل وقفلت الباب بشدة خلفه. ودي واحدة من آلاف غيرها.
وللحقيقة فقد أقر العقيد محمود طنطاوي بهذه الواقعة في قضية محاكمة ضباط المشير ورواها بالتفصيل وأقواله محفوظة في سجلات المحاكمة بالصوت والصورة .
وأضاف عبدالناصرقائلا: تحب نقول وقائع تآمرية تانية علشان الاخوة كمان يعرفوا ويتأكدوا من اللي بيحصل من تصرفات غير مسؤولة وغير محسوب المصائب اللي حا تترتب على المضي فيها بلا حساب لما نحن فيه من وضع حساس داخليا وخارجيا، واستطرد عبدالناصر قائلا:
“أنا الحقيقة موش عارف ليه انت بتربط نفسك بالقوات المسلحة وبقيادة الجيش، هل احنا لما قمنا بالثورة كان هدفنا أن أتولى أنا رئاسة البلد وانت تتولى قيادة الجيش ؟.. عايز أفكركم كلكم وانت بالذات مين اللي رشحك واقترح وأصر على تعيينك قائدا عاما موش أنا اللي كنت وراء هذا التعيين واذا كان الأمر كذلك طيب ألم يكن من الطبيعي بعد الانفصال وما حدث وموقف الجيش ومكتبك هناك ودورك أن تحاسب على ما حدث؟ وحتى بعد ذلك ألم تكن هناك أكثر من مؤامرة ضد النظام ضبطت وهي من صنع رجال يعملون في مكتبك يا عبدالحكيم؟. ثم انتقل عبدالناصر بعد ذلك ليقول له كم مؤتمراً عقد بحضورك ومشاركتك شخصيا قبل الحرب وبماذا نفسر حماسك انت والقيادات العسكرية للحرب؟.. وبرقية كراتشي التي أرسلت بالشفرة من المشير عبد الحكيم عامر الى الرئيس جمال عبد الناصر أثناء زيارته لباكستان في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول 1966 تلك الزيارة التي كان من المفروض ان تنتهي يوم 15 ديسمبر 1966 وتاليا نصها:
“من عبد الحكيم عامر
الى الرئيس جمال عبد الناصر
لقد استمعت اثناء وجودي هنا الى عدد من الاذاعات العربية ووجدتها تشهر بنا دهائيا وتتهم الجيش المصري بانه يختبئ خلف قوات الطوارئ. وأرى ان نبحث جديا ضرورة طلب سحب هذه القوات حتى لا يتهمنا احد بأننا لا نستطيع أن نتحرك بسرعة وحرية لنجدة العرب”. ليست ببعيدة وهي موجودة.... هل اعترضتم ؟ هل قلتم انكم غير مستعدين ؟ ثم تعرض الرئيس لسلوك وتصرفات أفراد مكتب المشير عامر سواء على الصعيد العام أو الخاص وختم كلامه مستفسرا: “ازاي تتآمر على النظام يا عبدالحكيم؟!”
وعند هذا الحد من اللقاء، انفعل المشير عامر وبدأ يفقد أعصابه فقال له الرئيس:
“الأمور واضحة.. انت راجل متآمر وعليك أن تقدر الموقف الصعب اللي بنمر فيه وعليك أن تلزم بيتك من الليلة”.
أعلن عبدالحكيم عامر رفضه لهذا القرار وهنا حاول بعض الحاضرين (الأصوات كانت متداخلة) لكن اتضح صوت أنور السادات بعد ذلك محاولا اقناع المشير بقبول هذا القرار إلا أن المشير قال له انتم بتحددوا اقامتي وبتحطوني تحت التحفظ قطع لسانك يا... يا...”.
(ووصف أنور السادات كما سبه بما يعف لساني أن أذكره أو أعيده).
وللأمانة فقد تدخل الكل محاولين اقناع المشير بأن هذا القرار يحقق مصلحة البلاد العليا، الأ أنه أصم أذنيه تماما وبدا أنه يعيد النظر في كل شيء متجها بفكره وبصره الى بيت الجيزة والاستعدادات والرجال هناك والمجموعة التي كانت معترضة على اتمام هذا اللقاء.
وفي هذه الأثناء كانت الاتصالات بيني وبين كل من الفريق فوزي واللواء حسن طلعت واللواء محمد أحمد صادق مستمرة، وكان أهم البلاغات هو أن القوة نجحت في حصار منزل المشير بالجيزة ثم بعد ذلك أبلغت بأن هناك حريقاً وأن نيراناً تندلع من داخل منزل المشير وجاءني بلاغ من داخل البيت من مصدري هناك بأن النيران نتيجة محاولة كل من عباس رضوان وشمس بدران وبعض الضباط حرق أوراق وخرائط في بدروم المنزل من ضمنها أوراق جمعها شمس بدران من غرفة نوم المشير على عجل وترك ورقتين أو سقطتا منه وهاتين الورقتين كانتا من أهم الدلائل أثناء المحاكمة لاثبات التآمر وادانته.. وكنت أبلغ عبدالناصر أولا بأول بكل هذه البلاغات اما عندما يخرج من الصالون ويتصل بي من غرفة مكتبه لمعرفة آخر الأخبار أو كنت أبلغ بها أمين هويدي لينقلها للرئيس. وعندما طالت المدة التي كانت مقدرة لانهاء الوضع في الجيزة خرج جمال عبدالناصر الى مكتبه واتصل بعباس رضوان في الجيزة برقم تليفون كان عباس قد أملاه للرئيس عندما تحدث معه في اليوم السابق وقال الرئيس لعباس رضوان:
“يا عباس انت مسؤول عن انهاء الوضع عندك في الجيزة. ثم عاد الرئيس بعد فترة للاتصال به مرة أخرى وقال له: “يا عباس أنا بأحملك المسؤولية عن عدم فض الموقف في الجيزة”.
ثم صعد عبدالناصر الى الدور العلوي حيث غرفة نومه واتصل بي مستفسرا عن أي معلومات جديدة وكان الفريق فوزي في هذه اللحظة معي على جهاز اللاسلكي يبلغني بالحريق فأبلغت الرئيس به الذي قال لي قول لفوزي يحاول أن ينهي الوضع قبل الفجر بأي وسيلة وأبلغت الفريق فوزي بالحديثين اللذين دارا بين الرئيس وعباس رضوان. وكان الفجر يكاد ينبلج واذا بالفريق محمد فوزي يتصل ليبلغنا بتمام انهاء الاعتصام والقبض على كل من كانوا داخل المنزل. وفي هذه الأثناء صعد الرئيس الى الدور العلوي بعد أن قال للمجتمعين: “لما تهدأ الأمور ابقوا اندهوا عليّ”.
وحدث أن خرج المشير من الصالون متوجها الى دورة المياه وقابل أمين هويدي على الباب فقال له: أهلا بوزير حربيتنا.. الله.. الله.. ده انتم مجهزين كل حاجة والحكاية محبوكة على الآخر.. “ودخل دورة المياه ثم خرج بعد قليل حاملا ورقة سيلوفان فارغة وكوبا في يده رماها على طول امتداد ذراعه قائلا: “اطلعوا بلغوا الرئيس ان عبدالحكيم خد سم وانتحر” ثم دخل الى الصالون بهدوء ليجلس على نفس الكنبة التي كان يجلس عليها وهو يبتسم في هدوء وكأنه لم يفعل شيئاً، فصعد أمين هويدي مهرولا الى الدور العلوي ليبلغ الرئيس الذي استقبله على رأس السلم وقال له أنا سمعت ما قيل واللي بيحصل ده كله تمثيل.
استدعى الدكتور الصاوي حبيب طبيب الرئيس الخاص وكان موجودا في منشية البكري فدخل على عجل وحاول أن يقوم باسعاف المشير الذي رفض أن يستجيب له مما اضطر معه أن يقوم حسين الشافعي بالامساك بالمشير بشدة حتى يتمكن الدكتور من حقنه وحاول أن يضع اصبعه في فمه ولكن من دون جدوى.
وفي الساعة الرابعة وخمسين دقيقة تقريبا اتصل الفريق أول محمد فوزي وأبلغني أنه أنهى العملية بنجاح ومن دون أي خسائر وأن المنزل أصبح خاليا إلا من عائلة المشير فأبلغت الرئيس بذلك وكذا أمين هويدي الذي كان داخل منزل الرئيس وبعد لحظات عبرت الشارع من خلفي سيارة زكريا محيي الدين وبها الثلاثة عبدالحكيم عامر وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي متوجهين الى بيت المشير عامر في الجيزة حيث حددت اقامته هناك بين أهله وأولاده فجر يوم السادس والعشرين من أغسطس1967 تحت حراسة أفراد من القوات المسلحة المصرية.
وحضر الفريق فوزي الى سكرتاريا الرئيس للمعلومات نحو الخامسة والنصف صباحا بعد أن تأكد من تأمين الأوضاع بالكامل في منطقة الجيزة وبعد القاء القبض على كل الذين كانوا موجودين ببيت المشير وفي مقدمتهم شمس بدران وعباس رضوان والألوية عثمان نصار وعبدالحليم عبد العال والمقدم جلال هريدي كما قام بالتنسيق مع مدير الشرطة العسكرية ومدير المباحث العامة بالقبض على كل العناصر الأخرى الذين رحلّوا اما الى السجن الحربي أو الى معتقل القلعة الذي رحل اليه أيضا شمس بدران وعباس رضوان كما تم تفريغ المنزل من كل الأسلحة والذخائر والتي حملت في ثلاثة عشر “لوري” حمولة 3 أطنان وتولى قيادة الحراسة على المنزل اثنان من العمداء يتناوبان على مدى الأربع والعشرين ساعة وكانت تعليمات الرئيس المشددة عدم المساس بأسرة المشير وأن تكون موضع الرعاية الكاملة حتى لو حدث أي نوع من التطاول وبعد السيطرة على المنزل بدأ تفتيش المكاتب والبدروم فقط وضبطت كل بقايا الأوراق والخرائط المحروقة وكذا نسخ كثيرة من الاستقالة وبعض أوراق لم تحرق كانت ذات فائدة في التحقيقات والمحكمة بعد ذلك.
وبعد أن استقر المشير في المنزل تم قطع جميع الخطوط التليفونية ما عدا خطاً واحداً فقط رؤي الابقاء عليه وقد حاول المشير عامر أن يتصل بالرئيس أكثر من مرة لكنه لم يستجب له فأرسل إليه ورقة تسلمها محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس يطلب فيها رفع الاقامة الجبرية عنه والا فان الرئيس سيندم ومرة أخرى لم يستجب عبدالناصر للتهديد.
النقطة التالية في الحقيقة كنت مترددا في كتابتها لكن بعد تفكير رأيت أن أسجلها للأمانة وللتاريخ فان بعض الذين وردت أسماؤهم في هذه القضية اما من خلال البلاغات أو من الذين كتب المشير عامر أسماءهم في أمر العمليات والتحرك فكان منهم أسماء لشخصيات بارزة ومسؤولين كبار منهم من استدعاه الرئيس جمال عبدالناصر ليتأكد بنفسه من حقيقة موقفه ومنهم من جاء بنفسه للرئيس واعترف بالدور الذي كان سيقوم به وأكتفي بهذا القدر دون الاعلان عن الأسماء وبعضهم قد انتقل الى رحمة الله.. كما أن الرئيس قد رأى إعطاءهم فرصة أخرى لأنهم بادروا بالابلاغ ولأنهم لم يخفوا عنه الحقيقة.
وفي 13/9/،1967 ومع تواصل نشاط واتصالات المشير عامر تليفونيا ومعه بعض من أقاربه واخوته بهدف تأليب الرأي العام ضد النظام بعد 26/8/1967 أصدر الرئيس قرارا بنقل المشير عامر الى مكان أمين منعزل يتعذر معه اجراء مثل هذه الاتصالات والنشاط وكلف الفريق أول محمد فوزي مرة ثانية بتنفيذ القرار فتوجه وبصحبته الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان واللواء سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية وبعض الضباط من الحرس الجمهوري الى منزل المشير وكان الضابط المسؤول عن الحراسة في ذلك اليوم العميد محمد سعيد الماحي الذي شارك في تنفيذ المهمة.
وقد دخل الفريق عبدالمنعم رياض أولا ودعا المشير عامر لتنفيذ أمر رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة فأبى تنفيذه وتردد في البداية ولكن الفريق رياض تلطف معه ونصحه بمرافقته، وفي تلك اللحظة تناول عبدالحكيم عامر شيئا وضعه في فمه وأخذ يمضغه مما لفت أنظار الكل والعائلة وصرخت احدى كريماته بأن أباها تناول سما ثم دخل المشير في مرحلة فقدان الاتزان فاصطحبه الفريق عبدالمنعم رياض بسرعة الى الخارج وحاول هو والفريق أول محمد فوزي أن يضعوه في سيارة الاسعاف التي كانت مجهزة كاجراء احتياطي الا أن عامر رفض ركوبها فما كان منهما الا أن وضعاه في سيارتهما وتوجهوا الى مستشفى المعادي للقوات المسلحة والتي كانت أخطرت على عجل لعلاج حالة طارئة. وفي الطريق الى المستشفى طلب الفريق رياض من المشير اخراج ما في فمه وبعد تمنع اضطر لطرد باقي ما كان في فمه وكان عبارة عن مادة تشبه اللادن الأصفر في ورق سولفان.. فتلقفه ضابط الحرس المرافق الرائد عصمت محمد مصطفى وكان معه النقيب محمد نبيل ابراهيم والنقيب عبدالرؤوف حتاتة من الحرس الجمهوري ووضع الرائد عصمت ما تلقفه في منديل ورق حيث سلمه للمعامل فور وصولهم الى المستشفى وهناك أجريت الاسعافات السريعة وعمل الأطباء: اللواء عبدالحميد مرتجى والعميد محمود عبدالرازق والعميد عبد المنعم القللي والمقدم عبد المنعم عثمان والرائد أحمد محمود عبدالله والرائد حسن عبد الحي على محاولة غسيل لمعدته ولما رفض أعطي محلولا ليتقيأ وتم ذلك فعلا وعندما قال له اللواء عبدالحميد مرتجى قائد المستشفى بعد تقيئه بشدة أنه لم يعد هناك خطر الآن على حياته قال المشير “ده أسوأ خبر سمعته”.. وبعد فترة قرر الأطباء أن حالته مستقرة وطبيعية ومطمئنة وبناء على ذلك فقد قرر الفريق فوزي استئناف المهمة واتجه بالركب الى استراحة المريوطية وفي الساعة السابعة مساء ذلك اليوم أظهرت المعامل نتيجة تحليل ما لفظه وتقيأه المشير عامر وأبلغ المقدم طبيب عبدالمنعم عثمان أن التحليل أظهر آثارا لمادة الأفيون.
وفي استراحة المريوطية التي سبق اختيارها كمقر لاقامة المشير عامر كان في استقبالهم هناك قرابة الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر، العميد محمد الليثي ناصف ومجموعة من ضباط الحرس الجمهوري والنقيب طبيب مصطفى بيومي حسنين وبعض أفراد الخدمة والاعاشة والحراسة ولم يطلب المشير شيئاً سوى عصير الجوافة.
وقد مكث الفريق محمد فوزي والفريق عبدالمنعم رياض مع المشير نحو الساعة دار فيها حوار حول الموقف العسكري. وقال لهم المشير أن عليهم أن يطلبوا تعويض السلاح من الاتحاد السوفييتي الذي هاجمه واعتبره أنه خذل مصر وقال لهما عندكم الرجالة كتير في البلد، وكل ما عليكم هو استئناف القتال.. ثم قال لهم: “يا فوزي ويا رياض... تبلغوا الرئيس أنه اذا لم ينه هذا الوضع في أربعة وعشرين ساعة فانه سيتحمل مسؤولية ما سيحدث..” وقد أبلغ الفريق فوزي هذه الرسالة للرئيس. بعدما غادر هو والفريق عبدالمنعم رياض الاستراحة، وكان المشير قد طلب ماكينة حلاقة وبعض الكتب التي وصلته في نفس الليلة.
النهاية
في يوم 14 سبتمبر/ ايلول 1967 لم يتناول المشير أي طعام الا بعض السوائل وفي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم تم تغيير النوبتجيات الطبية والحراسات واستلم الرائد طبيب ابراهيم البطاطا نوبته وشرح له زميله حالة المشير الصحية وتطوراتها وطمأنه بأن الحالة تشير الى التحسن كما ذكر له الأدوية التي أعطاها له، ولم يتناول المشير طعام الغذاء نظرا لاستمرار القيء فقد قرر اتمام تغذيته بمحلول الجلوكوز عن طريق الوريد وقرابة الساعة الرابعة من بعد الظهر أبدى المشير للدكتور البطاطا شكوى من ألم في أسنانه فأعطاه حقنة نوفالجين. وبعد ذلك دخل المشير الحمام وتقيأ ثم طلب بعض الماء ليغتسل في غرفته فحمل له أحد السفرجية (منصورأحمد) الماء الى السرير فاغتسل ثم رقد على السرير، وفي الساعة الخامسة مساء دخل الطبيب حجرة المشير فوجده نائما وكان نبضه وضغط دمه طبيعيين وبعد السادسة بقليل وأثناء توجه الطبيب مرة ثانية الى غرفة نوم المشير سمع استغاثة السفرجي منصور الذي نادى عليه ليسرع الى غرفة المشير حيث قرر أنه سمع صوت “شخير” عال صادر عن المشير ولما دخل الطبيب وجده راقدا على الفراش في حالة غيبوبة ونبضه ضعيف فسارع باعطائه حقنة “كورامين” و”أمينوفلين” كما أجرى له تنفسا صناعيا من أنبوبة الأوكسجين ولم يجد ذلك كله حيث تحققت وفاة المشير عبدالحكيم عامر قرابة الساعة السادسة وأربعين دقيقة.
وكان المشير كما قلت من قبل قد رفض تناول أي طعام وان كان قد تناول القليل من عصير الليمون وعصير الجوافة وكما قال الذين كانوا في الاستراحة فان المشير عامر لم ينطق بأي عبارات في الدقائق التي سبقت وفاته وكل ما تكلم به مع الطبيب أثناء تعليق أنبوبة الجلوكوز: أنه لافائدة من كل اللي بتعمله ده ولا فائدة من وراء تلك الرعاية، وكان في هذه الأثناء يدور البحث والمعاينة بواسطة الفريق أول محمد فوزي والعميد محمد الليثي ناصف لمكان آخر يتم فيه تنفيذ تحديد اقامة المشير وكانا في منطقة المعادي لاستكشاف موقع فيلتين كمكان بديل لاستراحة المريوطية التي يمكن أن يكون لها وضع خاص لدى المشير لأسباب تاريخية وعاطفية، الا أن تدهور حالة المشير الصحية ترتب عليها إخطارهما أثناء المعاينات فقطعا المهمة.
وفي الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة أبلغني العميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري بنبأ وفاة المشير عبدالحكيم عامر فقمت بابلاغ الخبر للرئيس بالاسكندرية في الحال وكان الخبر صاعقاً بالنسبة لنا جميعا، أما بالنسبة للرئيس فقد وضع سماعة التليفون بمجرد سماعه الخبر ثم عاد وطلبني فورا بعد ذلك مستفسرا عن التفاصيل فقلت له لا تفاصيل لدي الآن ولكن الفريق أول محمد فوزي والعميد محمد الليثي ناصف سيبلغاني بالتفاصيل لدى وصولهما الى الاستراحة، فأمر الرئيس بابلاغ وزير العدل والنائب العام وكبير الأطباء الشرعيين فورا لاتخاذ الاجراءات القانونية والتحقيق، كما قال لي أن زكريا محيي الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري في طريقهم للقاهرة الآن وحتى أصل الى القاهرة تكون الصورة واضحة أمامي، ولم ينتظر الرئيس تجهيز السيارات أو الحراسات بل توجه لركوب أول سيارة كانت أمامه في استراحة المعمورة ووصل الى منشية البكري لمتابعة الموقف من مكتبه وبدأت التحقيقات على الفور تحت اشراف السيد عصام الدين حسونة وزير العدل وانقسم التحقيق الى قسمين:
الأول: تحقيق الطب الشرعي وقد أشرف عليه الدكتور عبدالغني سليم البشري وكيل وزارة العدل لشؤون الطب الشرعي ويعاونه الدكتور يحيى شريف أستاذ الطب الشرعي بجامعة عين شمس والدكتور علي عبدالنبي استاذ الطب الشرعي بجامعة القاهرة والدكتور كمال السيد مصطفى. مساعد كبير الأطباء الشرعيين.
والثاني: يتولاه النائب العام المستشار محمد عبدالسلام يعاونه المحامي العام وعدد من رجال النيابة العامة ويتولى التحقيق في كل ظروف الحادث ومع كل الذين كان لهم أدنى علاقة به بمن فيهم أسرة المشير وأطقم الحراسة وهيئة مستشفى القوات المسلحة بالمعادي وكل من كان في استراحة المريوطية.
وأصدرت النيابة العامة أول بيان لها يوم 16/9/1967 جاء فيه أن التحقيقات بدأت بسؤال كل من الفريق فوزي والفريق عبدالمنعم رياض وكل من كان له صلة في هذه المأمورية منذ أن بدأت وكذا هيئة مستشفى المعادي الخ وجاء في البيان بعد ذلك ما يلي بالنص: “... كما ثبت اليوم بصفة قاطعة من التحليل الضوئي والكيماوي الذي أجرته مصلحة الطب الشرعي أن المادة التي وجدت مخفاة تحت الشريط اللاصق وزنها 150 ميليجرام هي مادة “الأكونيتين”، وهي عقار شديد السمية، سريع الأثر، يكفي نحو ميليجرام أو اثنين منه لاحداث الوفاة في مثل الظروف والحالة التي شوهد عليها الجثمان”.
الخليج الإماراتية
9.10.2003
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
زيارتكم هى رقم
Web guest
Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT,
International Computer Consulting & Training, Germany, US