Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

القطاع العام من الخمسينات إلى الستينات

بقلم

سامى شرف

 

القطاع العام من الخمسينات إلى الستينات

  مع بداية ثورة يوليو 1952 تصاعدت الآمال باستقلال وطنى واستقلال اقتصادى ، وبناء للاقتصاد يوفر تحسنا ملموسا فى مستوى المعيشة ويحقق الطموحات التى بنتها الجماهير عندما تغير نظام الحكم وجاءت الثورة . وقد كان الرافد الثانى لقضية بناء الاقتصاد ، عدالة توزيع عوائده وهما الضلعان اللذان عرفا فيما بعد باسم : التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية .

  ورغم أن النموذج الذى استهدفته الثورة تم بناؤه عاما بعد عام حتى اكتمل فى الستينات ، رغم ذلك فقد كانت المؤشرات العامة تشير إلى تكامل فى السياسة الاقتصادية وشئون المجتمع ، بل تشير إلى تكامل بين مسارات السلام والحرب عندما جرى فرضها على مصر بالعدوان الثلاثى سنة 1956 ، وربما كان بناء السد العالى أو تأميم قناة السويس خير نموذج لهذا التكامل ، فأى منهما لم يكن مجرد معركة اقتصادية لكنه كان معركة اقتصادية وسياسية وعسكرية فى آن واحد ، كما سبق أن ذكرت فى فصل آخر من هذه الشهادة .

  على هذا الطريق جاءت تجربة القطاع العام لتصبح جزء من المنظومة السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ، ورغم أن تدخل الدولة فى الاقتصاد من خلال اختيار مشروعات رائدة قد بدأ مبكرا مع تجربة مجلس الإنتاج الذى رشح عددا من المشروعات الصناعية الرائدة إضافة لتجربة الإصلاح الزراعى ، ورغم أن هذا التدخل قد بدأ مبكرا فى النصف الأول من الخمسينات فإن تجربة القطاع العام قد بدأت بعد ذلك بقليل ، ومرت بمراحل ثلاث :

  المرحلة الأولى عندما اتسع الصدام بين مصر والمصالح الأجنبية ، وهى فترة العدوان الثلاثى سنة 1956 حينذاك قامت مصر بتمصير الشركات الأجنبية وأقامت المؤسسة الاقتصادية التى باشرت العمل كقطاع عام مملوك للدولة وله حصة فى هذه الشركات .

  المرحلة الثانية عندما بدأت خطة التنمية فى أول الستينات وعجز القطاع الخاص عن الوفاء بأهداف الخطة فى عامها الأول ، ومن ثم قررت الثورة القيام بالتأميمات الكبرى والتى تمت فى يوليو سنة 1961 ، وأطلق عليها لأول مرة اسم " القرارات الاشتراكية " وهى قرارات شملت التأميم وأمور أخرى .

  المرحلة الثالثة استكمال التأميمات ، وهو ما تم فى تاريخ لاحق بعد ثلاث سنوات من التجربة .

  وفيما عدا التمصير فقد جاءت الإجراءات استجابة لحاجة تنموية ، ولم تبدأ كاختيار أيديولوجى ، حيث كان تدخل الدولة ضروريا لتعبئة المدخرات وحشد الإمكانيات من أجل إطلاق التنمية .

  ويلاحظ رجال الاقتصاد أن ما تم تأميمه كان ـ وبعد سنوات من التجربة ـ هو الأقل فى الأصول المملوكة للدولة بينما كان ما أضافته الدولة من استثمارات جديدة هو القسط الأكبر فى نهاية الستينات .

  وقد تغيرت تنظيمات القطاع العام أكثر من مرة من حيث توزيعه على مؤسسات عامة ، أو مؤسسات نوعية فى تاريخ لاحق ، ولكن ، وفى كل الأحوال كانت فكرة التكامل قائمة بين قطاع للإنتاج ، وآخر للتوزيع والتسويق ، وثالث للتمويل . وكان ذلك التنظيم سواء عاما ( يجمع أكثر من تخصص ) ، أو نوعيا ( يفصل كل قطاع بذاته ) ، كان التنظيم كفيلا بتحقيق الأهداف المرجوة من حيث :

  • زيادة الإنتاج زيادة الدخل .
  • فتح الأسواق الخارجية .
  • اكتساب التكنولوجيا الحديثة .
  • تشغيل اليد العاملة .
  • وذلك إضافة إلى توحيد القواعد التنظيمية والوظيفية وتسهيل شئون الرقابة على المال العام .

وبالرغم من أن كثرة التغييرات التنظيمية قد أحدثت نوعا من عدم الاستقرار فى بعض الأحيان إلا أن تجربة القطاع العام كانت هى ذاتها تجربة تكوين طبقة الإدارة فى مصر حيث تخرج منها الغالبية العظمى من المديرين الذين تولوا شئون الشركات والاهيئات فى مصر خلال الخمسين عاما الأخيرة سواء كانت هذه الشركات والهيئات تابعة للقطاع العام أو أنشأها فيما بعد القطاع الخاص أو كانت شركات مشتركة .

وقد تكونت هذه الخبرة الإدارية عبر اهتمام بقضية التدريب إضافة للمارسة العملية ومواجهة المشاكل ، وقد دفع المجتمع ثمن اكتساب الخبرة حيث شهدت التجربة إيجابيات وسلبيات ، وهو أمر طبيعى ، ولكن المحصلة النهائية وفق ما انتهى له مؤرخو الاقتصاد فى مصر وعلى سبيل التحديد الدكتور على الجريتلى والدكتور اسماعيل صبرى عبد الله ، ناهيك عما نشره البنك الدولى فى تقريره رقم A870 بتاريخ 5يناير1976 الجزء الخاص بمصر من أن نسبة النمو الاقتصادى كانت بمعدل 6.2% سنويا بالأسعار الثابتة الحقيقية وارتفعت فى الفترة من 1960 حتى 1965 إلى معدل وصل إلى 6.6% ، كانت :

أولا : تحقيق أعلى معدل نمو فى العالم الثالث خلال الستينات حيث بلغ المعدل نحو 6ـ7 بالمائة سنويا مما ساعد على المضى نحو الهدف المعلن وهو مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات ، وإن كان ذلك المعدل قد تأثر بعدوان 1967 الذى كان من أهدافه الرئيسية إجهاض التجربة المصرية فى مجال التنمية .

ثانيا : كان القطاع العام قادرا على التوظيف شبه الكامل ، فتراجعت نسبة البطالة إلى حد كبير .

ثالثا : ساعد القطاع العام على استقرار الأسعار ، بل إن تحريك الأسعار ـ مثلما حدث فى الأرز وبقرش أو قرشين للكيلو جرام الواحد ، كان محل اهتمام ومراجعة من القيادة السياسية . وإذا كانت وجهات النظر قد اختلفت بعد ذلك حول أهمية احترام السوق والعرض والطلب أو حول أولوية الجانب الإجتماعى ورفع المعاناة عن الفقراء . . وإذا

  كانت هناك وجهات نظر حول هذا الأمر ولكل منهما حجته فإن ثورة يوليو قد اختارت ـ وقد تسلمت معدلا عاليا للفقراء ـ أن تنحاز اجتماعيا للطبقات الأضعف والأفقر ، وأن تدفع من ميزانياتها ما يساعد على تثبيت الأسعار ما أمكن .

  رابعا : كانت تجربة القطاع العام ن والذى أنشأ نحو الألف مصنع فى الستينات هى الأساس فى التحول من اقتصاد زراعى متخلف وتابع وهو الوضع عام 1952 ، إلى اقتصاد متنوع ، زراعى صناعى أكثر تقدما ، وأكثر استقلالا ، وتم إرساء قواعد الصناعة الثقيلة وتوفير الكهرباء فى هذه المرحلة .

  ولم يمنع اتباع فلسفة التخطيط الإلزامى ، أو قيام قطاع عام واسع ، أو الاستعانة بالكتلة الاشتراكية اقتصاديا وعسكريا من فتح الباب أمام الشركات الغربية التى تملك خبرات عالية وكان ذلك واضحا فى مجالات الدواء والبترول ، بل إن مجالا كاستصلاح الأراضى شهد استثمارا إيطاليا لبعض الوقت .

  خامسا : فى هذا الإطار كان القطاع العام هو أساس الدخول فى مجال الصناعات الحربية والتى شهدت باكورة صناعة طائرات وصواريخ ، إضافة للذخائر والأسلحة الخفيفة والمعدات . وبينما جرى إجهاض تجربة الصواريخ وتجربة الطائرات فقد مضت وحتى الآن تجربة الفروع الأخرى فى الصناعات الحربية والتى اتسعت لتضم شركاء عرب ، ثم انكمشت مرة أخرى لأسباب سياسية بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل .

  سادسا : كان القطاع العام وبشهادة الاقتصاديين الذين مارسوا العمل حينذاك ـ أعنى الدكتور عبد العزيز حجازى ، الذى أكد على هذا فى أكثر من مناسبة ـ هو الأساس الذى اعتمدت عليه مصر فى حرب سنة 1973 ، حيث أن الجبهة الداخلية هى العمق الذى يساند القوات المسلحة فى الجبهة العسكرية ن وحيث أن الوفاء بحاجات الجيش وحاجات الشعب فى نفس الوقت يعتمد على مرفق الإنتاج الوطنى وهو ما تحقق قبيل وأثناء وبعد حرب عام 1973 .

  سابعا : كان القطاع العام أداة رئيسية من أدوات التحول إلى الاشتراكية سواء من حيث توفير الموارد اللازمة للتنمية ومن ثم للتشغيل وزيادة الدخل ، أو من حيث عدالة التوزيع ، ولذا وعندما جاءت نهاية حقبة التأميمات فى الستينات ، كان توزيع الدخل القومى النصف تقريبا لعوائد التملك والنصف للأجور . . ويقابل ذلك حاليا أقل من 30 بالمائة للأجور و70 بالمائة لعوائد التملك .

  وإضافة أخرى لمؤشرات أخرى لعدالة التوزيع من خلال سياسة التسعير وإيجارات المساكن والعلاج المجانى والتعليم المجانى وتوسيع الخدمات الثقافية وغيرها .

  ثامنا : زاد القطاع العام من الانتماء الوطنى حين أحس العمال أنهم ملاك للمشروعات وحين شاركوا فى الأرباح وفى الإدارة مما أشعل الحماس فى الوحدات الاقتصادية من أجل :

  إنتاج أكثر ، وإنتاج أفضل ، واقتصاديات أحسن ، وضرب للفساد والانحراف .

  كان العمال ومن خلال الآليات التى تم ابتكارها حينذاك قوة دافعة فى وحداتهم كما كانوا مدرسة تخرج منها الراغب فى المشاركة السياسية والمجتمعية .

  كانت ديموقراطية الإنتاج نقطة تحول رئيسية فى تاريخ الطبقة العاملة وتاريخ الوطن العربى

 

رجوع الى بداية الصفحة  

 
Graphic by Martin
A Man ... A Nation ...


الـرجوع الى الفهـرس للمتابعة والمواصلة


شـكرا لزيارتكم للموقع

أنتم الضيف

 

رجوع الى بداية الصفحة
 



© 2007  جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.

© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US