Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf
الـحـــديث الصــحــفـى
ثلاث مراحل للصراع بعد صدمة 5 يونيو
 
كتاب
 نـاصر محـارباً
تأليف
لورا جيمس 
- 4 -
 
 
"... أدليت للمؤلفة بمعظم البيانات الواردة أدناه توثيقا لتاريخ ثورة 1952
لذلك ، أعيد عرضهم على القارىء العربى مرة أخرى لتكملة سطور التاريخ ..."
سامى شرف
 
 

كتاب ـ ناصر محارباً ـ الحلقة (4)

كتاب ـ ناصر محارباً ـ الحلقة (4) 
 
ثلاث مراحل للصراع بعد صدمة 5 يونيو

تأليف :لورا جيمس 
 
 
يجد القارئ نفسه هنا على موعد مع المرحلة الدقيقة والشائكة، التي بدأت مع قيام إسرائيل بهجومها الكاسح على الجبهات العربية في الخامس من يونيو 1967 وحتى انطلاق حرب الاستنزاف، لكن الأرض الممتدة بين هذين المنعطفين تبدو لنا شائكة ومعقدة بلا حدود، وهذا التعقيد يبدأ مما حدث بالفعل في يوم الاثنين الأسود ذاك ثم يمر بالنهاية المأساوية التي لا تزال ظروفها ملتبسة حتى اليوم ومثيرة للجدل التي لقيها المشير عبدالحكيم عامر، وتلا ذلك أجندة إصلاح الجيش المصري وما حدث تحت سماء المجتمعين العربي والدولي لنصل أخيرا إلى المعادلة التي تتألف من المقاومة والرد والتحرير والتي خرجت حرب الاستنزاف من تحت عباءتها. 
 
 
 
في السطور الأولى من الفصل الثامن الذي يحمل العنوان الدال «كابوس واحد مستمر ـ ما بعد الهزيمة» تقرر المؤلفة في صفحة 123 من الكتاب بإيجاز شديد ما وقع في الخامس من يونيو. في صباح ذلك اليوم، شنت إسرائيل هجومها الذي أعدت له منذ سنوات على مصر، حيث تم تدمير معظم الطيران المصري في الساعات الأولى، قبل أن تتمكن الطائرات من مغادرة مدارجها المدمرة. بالتوازي مع ذلك تجاهل المشير عبدالحكيم عامر الخطط القائمة، وأصدر أمراً بانسحاب فوري من شبه جزيرة سيناء، وهو الانسحاب الذي سرعان ما تحول إلى فوضى شاملة. ردت القوات الأردنية، الموضوعة تحت قيادة مصرية، على اندلاع الحرب بشن هجوم على إسرائيل، جوبه برد ساحق. في السابع من يونيو استولت القوات الإسرائيلية على شرم الشيخ، قطاع غزة والقدس الشرقية. وبحلول اليوم التالي كانت الضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء بكاملها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي مساء ذلك اليوم وافقت الحكومة المصرية على وقف إطلاق النار. 
 
 
 
في المرحلة الأولى من الحرب، لم تجر سوريا حراكاً إلا فتح النيران عبر الحدود، وعندما حاقت الهزيمة بالدول العربية الأخرى طلبت دمشق أيضاً وقف النار، غير أن إسرائيل بعد سويعات من ذلك، وعلى وجه التحديد في فجر التاسع من يونيو تقدمت قواتها على الجبهة السورية فسيطرت على هضبة الجولان. وحذر السوفييت في غضون ذلك الأميركيين من أنهم سيتدخلون، وتم تمرير هذا التحذير إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول الذي تجاهله. وحركت الولايات المتحدة أسطولها السادس لردع الاتحاد السوفييتي، وبدا أن نشوب مواجهة بين القوى العظمى يعد أمراً ممكن الحدوث. وفي نهاية المطاف تم إقرار وقف لإطلاق النار عبر مفاوضات مكثفة في مساء العاشر من يونيو. 
 
 
 
نهاية وبداية.... لم يكن أحد في مصر يتوقع مثل هذه الكارثة، ولسوف يقدر لجمال عبدالناصر في وقت لاحق أن يصل إلى وصف الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة بأنها «كابوس واحد مستمر». حقاً إن الرجل بعد خطاب تنحيه ورد فعل الشارع المصري العارم على هذا الخطاب قد كفلا له الاستمرار سياسياً، لكن شيئاً هائلاً وعميقاً ومزلزلاً وقع له، بحيث أن الزعيم اليوغسلافي جوزيب بروز تيتو أبلغ الزعماء السوفييت في 11 يوليو بقوله عن عبدالناصر إنه لا يزال في حالة صدمة وليس بمقدوره تفهم الكثير من الأمور. وأضاف: «لست أدري ما إذا كان من الممكن الحديث معه». يقول الكثيرون إن عبدالناصر لم يعد الرجل الذي كان عليه قبل الهزيمة، بل ولا يتردد العاهل الأردني الملك حسين في القول إنه أصبح رجلاً مختلفاً، وأنه كان هناك جرح غائر في روحه إلى حد أنه بدا كما لو كان قد مات في ذلك اليوم. ويشير سيد مرعي إلى أن الشيب غزا شعر عبدالناصر، واختفى البريق من عينيه، وبدا مفعماً بالمرارة، وحاول أن يخفي جراحه بلا جدوى. 
 
 
في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار مباشرة أعيدت بقايا الجيش إلى الثكنات، وعلى الرغم من أن اللوم وقع على كاهل عامر فيها يتعلق بالهزيمة، إلا أنه رفض التقاعد، ونظر إليه على أنه الرجل الذي جلب هزيمة مدوية، وحاول القيام بانقلاب عندما أدرك أن استقالته، خلافاً لاستقالة ناصر، ستقبل فورا.. ووضع رهن التحفظ في داره، في أغسطس، وبعث إليه ناصر بثروت عكاشة ليعرض عليه المنفى المريح في أوروبا، بحسب ما تنقله المؤلفة عن عكاشة في مقابلة أجرتها معه خصيصاً للكتاب، لكن عامر رفض هذا العرض، وأقدم ـ فيما يبدو ـ على الانتحار بعد ذلك بوقت قصير، مسدلاً ستاراً غامضاً على نهاية مأساوية. 
 
 
في غضون ذلك بدأ عبدالناصر المهمة الصعبة المتمثلة في المعالجة النشطة لأجندة إصلاح الجيش المصري، والتي استهلها بتعيين رجل عرف طوال عمره بانضباطه الصارم، وهو الفريق محمد فوزي قائداً أعلى للجيش وتعيين رجل عرف بالكفاءة والاقتدار من العسكريين وهو اللواء عبدالمنعم رياض رئيساً للأركان. وبدأت عملية الإصلاح تأخذ مدارها بالتجنيد الشامل لحملة المؤهلات العليا وإعادة تسليح الجيش وتدريبه. 
 
 
في هذا الإطار ذاته تأتي الملاحظة الشهيرة لبروفيسور مالكولم كير، التي ذهبت مثلاً في عالم الدراسات العربية، حيث كتب يقول: «منذ يونيو عام 1967 كفت الحياة السياسية العربية عن أن تكون شيئاً طريفاً». 
 
 
شهدت القمة العربية التي عقدت في الخرطوم إطلاق اللاءات العربية الشهيرة، وطور عبدالناصر تحالفاً وثيقاً مع العاهل الأردني الملك حسين، كما تميزت صلته بالعاهل السعودي الملك فيصل بالود، إن لم يكن الدفء، حيث قلبا صفحة جديدة في العلاقات بين بلديهما. 
 
 
وفي أوروبا أصبح ينظر إلى فرنسا في ظل قيادة شارل ديغول على أنها تقف موقفاً يتسم بروح الصداقة من العواصم العربية، بل إن العلاقات العربية مع بريطانيا تحسنت بشكل ملحوظ. 
 
 
أما العلاقات بين القاهرة وواشنطن فقد ظلت بعد الحرب مباشرة تحت تأثير ما وصف بـ «الكذبة الكبيرة» من منظور واشنطن، ويقصد به ما أعلنه راديو القاهرة من أن الطائرات الأميركية والبريطانية، قد شاركت في الهجوم الإسرائيلي الشامل، حيث اضطر ناصر إلى قطع العلاقات في أعقاب هذا الاتهام، ويشير عبداللطيف بغدادي الذي كان في مكتب عامر في صبيحة الخامس من يونيو إلى أن عبدالناصر ربما تلقى معلومات خاطئة من عامر الذي تلقى بدوره معلومات غير دقيقة من صدقي محمود قائد الطيران المصري. 
 
 
بغض النظر عما انتهى إليه الأمر في هذا الصدد، فإن عبدالناصر ظل ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها مرتبطة بصورة وثيقة بإسرائيل. غير أن بذور اختلافين دقيقين كانت ماثلة بالفعل: 
 
 
ـ الأول: أن الاعتقاد بوجو تواطؤ بين الولايات المتحدة وإسرائيل قاد القاهرة إلى استنتاج انهما على ارتباط أقوى مما كان الاعتقاد سائداً في الماضي، حيث أصبحا يعملون الآن في تعاون استراتيجي كامل فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. 
 
 
ـ الثاني: أن الثورة المرتسمة لدى مصر لميزان القوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل بدأت في التغير، ويتذكر سامي شرف أنه كان من الصعب تمييز من يسيطر على من في إطار العلاقة الملتبسة بين البلدين. ولكن أشرف غربال الذي سيبقى سفيرا لمصر لدى واشنطن سنوات طويلة يضع النقاط على الحروف بطريقته الخاصة حيث يقول إن حرب 1967 أوضحت أن «إسرائيل لم تكن حملاً صغيراً، وإنما كانت قوة عسكرية كبرى، وهي لم تلق بالاً إلى النصح الأميركي. 
 
 
المقاومة ـ الرد ـ التحرير 
 
 
كان العامل المساعد الذي دفع باتجاه هذه التغيير هو المواجهة القائمة بين مصر وإسرائيل عبر قناة السويس. وقد صُور هذا الصراع الغريب والسكوني والمحدود بصفة عامة بأنه الفاصل بين حربين، وبالتالي فإن من الصعب تحديد ما كان عبدالناصر يعتزمه في هذه المرحلة على وجه الدقة وفي كل مرحلة من المراحل المنفصلة التي حددها، حيث كانت القيادة المصرية مولعة بتقسيم الأمور إلى ثلاثة أجزاء. 
 
 
على سبيل المثال تحدث عبدالناصر عن الصراع مع إسرائيل على أساس أنه يتألف من ثلاث مراحل، هي على التوالي: المقاومة والرد والتحرير. غير أنه استخدم مكونات ثلاثية مختلفة في مناسبات متباينة، بحيث أن المرء قد يجد نفسه مضطراً إلى التساؤل عما إذا كان إعلان القيادة المصرية عن مرحلة جديدة مرتبطاً بظروف موضوعية تفرض مرحلة جديدة بالفعل أم له علاقة بإدراكها لمستوى السخط الداخلي. 
 
 
أياً كان الأمر فإن «المقاومة» كانت الاصطلاح الذي استخدم غالباً للإشارة إلى المرحلة الأولى التي أعقبت مواجهة 1967، والتي استمرت حتى أغسطس 1968، واتسمت بالتركيز على إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتحصين الدفاعات على امتداد قناة السويس، وفي الوقت نفسه استمرت مفاوضات الأمم المتحدة غير أن الأهداف العسكرية المصرية كانت لها الأولوية على المبادرات السياسية. 
 
 
تلك كانت المرحلة التي تنبأ فيها الفريق فوزي بأن الحرب ستكون عنيفة وضارية وممتدة وسوف تعتمد على العمليات العربية المشتركة، وحرصت المؤسسة العسكرية المصرية على إظهار معدنها الصلب، حيث كانت تعتقد أن المواجهة هي الخيار الوحيد، وأمضى عبدالناصر ساعات طويلة في مكتبه مع فوزي وعبدالمنعم رياض ليلا ونهاراً عاكفين على متابعة توسيع نطاق الجيش وتنظيمه وتدريبه. 
 
 
كانت المساعدة من الاتحاد السوفييتي شديدة الأهمية لإنجاز هذا الجهد، لكن الكرملين كان يقف موقفاً متشدداً للغاية حيال أداء الجيش المصري المتوضع في حرب يونيو، ووصلت الأمور إلى حد تعرض مراد غالب السفير المصري لدى موسكو للإهانة في الشارع، وعندما وافق المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي على تجديد الدعم العسكري أصر على البدء «من البداية» وليس إرسال أسلحة متقدمة إلى مصر، وتوقع أيضاً أن يتم دفع المقابل عنياً من خلال الصادرات المصرية إلى موسكو. 
 
 
على امتداد صيف 1967 تعددت «الحوادث» العسكرية على امتداد قناة السويس، التي فسرها الانجليز بأن القاهرة تحاول من خلالها استبقاء «وهم» استمرار القتال، بينما لم يستبعد الأميركيون أن تقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة إلى إسرائيل عبر القناة. 
 
 
غير أن اللحظة الرئيسية التي غالباً ما يتم إبرازها باعتبارها المرادف لاستئناف العمليات العسكرية كانت اغراق البحرية المصرية للمدمرة الإسرائيلية «إيلات» في 21 أكتوبر 1967. 
 
 
وتشير المؤلفة إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا الاغراق يشكل جزءا من خطة مصرية مقصودة، وذلك على الرغم من أن وزير الدفاع المصري آنذاك، أمين هويدي، يؤكد لنا أن أمر الاغراق صدر عن عبدالناصر نفسه، وليس عن أي مستوى قيادي آخر. 
 
 
كانت هذه الضربة موجعة حقاً لإسرائيل، بحيث دفعتها إلى الرد في 24 أكتوبر من خلال القصف الشامل لصافى التقطير المصرية في السويس، وهي خطوة كان هويدي يتوقعها حيث أمر رجال الإطفاء بالاستعداد لها وبدأ عمليات إخلاء السويس من المدنيين. 
 
 
وتستنتج لورا جيمس من غياب رد مصري على الرد الإسرائيلي بالقوة نفسها أن اغراق «إيلات» لم يكن تصعيداً مصرياً كبيراً تم التخطيط له مسبقاً. وهي تشير إلى أن الهدف الأساسي المصري في تلك المرحلة كان منع «تجمد» الجبهة والحيولة دون قيام إسرائيل بتعزيز سيطرتها على سيناء. 
 
 
ومع مرور الوقت دون أن يتحقق انسحاب إسرائيلي على غرار ما وقع بعد العدوان الثلاثي تكرست صورة إسرائيل باعتبارها عدوا شريرا وتوسعيا، ونظر إلى تل أبيب على أنها لنا تتردد في استغلال أي علامة تدل على ضعف عربي، مثل الموافقة على إجراء مفاوضات مباشرة. 
 
 
واستقر في وعي صناع القرار العربي في تلك المرحلة أن إسرائيل المتصلبة والتوسعية لن يتم اخراجها من الأراضي المحتلة بالوسائل السياسية وحدها، وساد الاقتناع بأن المواجهة العسكرية المتجددة ستكون ضرورية في نهاية المطاف للتعامل معها. 
 
 
تكرس العداء لأميركا أيضا في ضوء إعادة التقويم المصرية للعلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت القنوات الدبلوماسية والسرية مفتوحة بين القاهرة وواشنطن، الأمر الذي سهل المناقشات واسعة النطاق بين الجانبين. 
 
 
خيارات ما بعد الهزيمة 
 
 
تؤكد المؤلفة أن الخيارات التي كانت مطروحة أمام عبدالناصر بعد هزيمة 1967 كانت محدودة بكل المعايير، خلافاً لما أوصت به الحركة النشطة التي قامت بها القاهرة على مختلف المستويات في هذه المرحلة، فقد ظل مقيداً بضغط الرأي العام وبالحاجة إلى الاحتفاظ بتأييد النخبة، وبالأولويات العربية، وبحقائق الواقع على مستوى القوى الدولية. 
 
 
كان هدف سياسته الخارجية قد صيغ بوضوح في خطاب استقالته، وهو إزالة آثار العدوان، غير أنه من سوء الطالع أن كيفية تحقيق هذا الهدف لم تكن على القدر نفسه من الوضوح. 
 
 
في البداية انشغل عبدالناصر، بالطبع، بالتعرض المريع للهجوم من قبل إسرائيل وافتقار مصر إلى أي خيار عسكري قابل للتحقيق بصورة عملية. ومن المهم أن نلاحظ في هذه المرحلة أن ماوتسي تونج قد اقترح ان تلجأ مصر إلى حرب العصابات في سيناء، وهو الاقتراح الذي لم يجده عبدالناصر مفيداً، فسيناء صحراء مكشوفة، وليس من الممكن شن حرب تحرير شعبية فيها بسبب محدودية سكانها، ولكن ماو ـ فيما يبدو ـ لم يقتنع بالطرح المصري وشدد على ضرورة تدريب المقاتلين الفلسطينيين للقتال وفق الرؤية الثورية التقليدية. 
 
 
المشكلة الحقيقية هي ان عبدالناصر إذا لم يكن بمقدوره شن الحرب، فإنه في الوقت نفسه لم يكن باستطاعته اقرار السلام، وكل ما من شأنه ان يفسر على انه قبول للهزيمة، مثل التخلي عن الأرض أو القبول بالتفاوض المباشر مع الإسرائيليين أو التوصل إلى اتفاق منفصل أو توقيع معاهدة إقليمية كان شأنه الإخلال بالتوازن الداخلي والإقليمي الحرج. 
 
 
كنتيجة لهذا كله صاغ عبدالناصر استراتيجية معقدة، حسب تعبير المؤلفة، تجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي في ان، وفسر هذا الأخير على أنه يعني استرضاء الرأي العام العالمي. والى حد ما فقد كان هذان الجانبان يكمل أحدهما الآخر. 
 
 
وبالنسبة لبعض المراقبين بدا عبدالناصر، في وقت من الأوقات، كما لو كان يعطي الأولوية للخيار السياسي، وقد أوضح في هذا الصدد للرئيس العراقي أنه بما أن مصر عاجزة عن شن هجوم لتحرير الأرض، فإنه ليس لدينا بديل في الوقت الراهن سوى المبادرة السياسية. 
 
 
المشكلة الحقيقية هنا هي ان عبدالناصر لم يكن على استعداد للقيام بتنازلات سياسية كبيرة للوصول الى حل سياسي. وتشير المؤلفة الى انه إذا كانت دوافعه تظل مسألة مثيرة للجدل اليوم فإنه مع توفر الكثير من الوثائق الجديدة، فليس مدهشاً أن القادة العالميين المعاصرين لم يكونوا مقتنعين بأنه جاء فيما يتعلق بالخيار السياسي. 
 
 
هنا على وجه الدقة يذهب مالكولم كير الى القول إنه على الرغم من الخطاب التكتيكي، فإن عبدالناصر كان ملتزما بجدية بمبدأ التعايش مع اسرائيل مقابل استعادة الأراضي المفقودة. 
 
 
ربما لم يكن التوصل إلى تسوية سلمية مقبولة لمصر أمرا قابلاً للتحقيق وعلى الرغم من ذلك فإن المؤلفة ترى أن هناك لحظات كان يمكن لعبدالناصر فيها ان يعطي للتسوية السلمية فرصة أفضل من دون أن تترتب على ذلك تكاليف داخلية مفرطة. حيث كان يمكنه الموافقة على النص الاميركي اللاتيني لقرار الأمم المتحدة او تقديم تنازلات بين الحين والآخر والتي اقترحت ثم سحبت وربما يرجع عدم القيام بذلك من جانبه إلى انه لم يجده جديراً بعناء القيام به. 
 
 
من منظور المؤلفة فإن هذا الجانب مرتبط بصوره المتغيرة عن الولايات المتحدة واسرائيل والعلاقات بينهما، والتي قادته الى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تجبر إسرائيل على الانسحاب من الاراضي المحتلة وأكدت اقتناعه القائم بأن اسرائيل لن تنسحب ابدا طواعية من الارض التي استولت عليها، ودفعت هذه الصور عبدالناصر الى ان يخلص إلى أنه لديه مجال للمناورة بعد هزيمة يونيو أضيق مما كان لديه بالفعل على ارض الواقع. 
 
 
هكذا فإن المنهاج الذي لجأ اليه عبدالناصر والذي يجمع بين الجانبين السياسي والعسكري في آن واحد اصبح عصياً على الاستمرار فيه عندما لم يعد مقتنعا بأن الوسائل السياسية ستخدمه الى نطاق يتجاوز الاهداف التكتيكية، ومن هنا فإنه لم يتردد في ابلاغ وزير الإعلام محمد فايق بقوله: سنفعل كل ما بوسعنا لعمل الموقف سلميا ولكنني لا اتوقع ابدا ان هذا سيكون ممكنا. 
 
 
ويشير موفد أميركي زار القاهرة لتبادل وجهات النظر في يونيو 1968 الى ان ملاحظات عبر الناصر السابقة كانت تشير الى اعتقاد ضمني بأنه لايبدو في الافق حل سياسي للأزمة، حيث ألمح عبدالناصر في اللقاء معه بصورة غامضة إلى أن الموقف ليس له سوى حل واحد، من دون ان يفصل القول في طبيعة هذا الحل الذي يتصوره. 
 
 
غير ان الحقيقة القائلة إن عبدالناصر كان متشككا فيما يتعلق بالاحتمالات التي يمكن الوصول اليها عبر العمل الدبلوماسي لم تعن بالضرورة ان الحل العسكري سيكون عمليا كذلك، وكل ما هنالك ان هذا الحل الأخير بدا لعبدالناصر الشيء الوحيد المتبقي الذي يمكنه أن يجربه على أرض الواقع. 
 
 
لكن ما هي أبعاد هذا الحل الأخير الذي تعيق على عبدالناصر ان يجربه باعتباره الشيء الوحيد المطروح امامه في مواجهة موقف تاريخي شأنك يزداد كل يوم تعقيداً. 
 
 
اضاءة 
 
 
ان الحقيقة القائلة ان عبدالناصر كان بعد هزيمة 1967 متشككا فيما يتعلق بالاحتمالات التي يمكن الوصول اليها عبر العمل الدبلوماسي لم تعن بالضرورة ان الحل العسكري سيكون عمليا كذلك، وكل ما هنالك ان هذا الحل الاخير بدا لعبدالناصر الشيء الوحيد المتبقي الذي يمكنه ان يجربه على ارض الواقع. 
 
 
عرض ومناقشة: كامل يوسف حسين 
 

__________________


إن النصر عمل والعمل حركة والحركة فكر والفكر فهم وإيمان وهكذا فكل شئ يبدأ  
بالإنسان

 

 

 
Graphic by Martin
A Man ... A Nation ...


الـرجوع الى الفهـرس للمتابعة والمواصلة


شـكرا لزيارتكم للموقع

أنتم الضيف

 

رجوع الى بداية الصفحة
 



© 2007  جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.

© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US