![]() |
رجـل الخـط السـاخـن
بقلم عـادل حموده
الثلاثاء 25 يناير
السيد
رجل الخط الساخن ! - عادل حمودة
أرسلت في Tuesday, January 25 بواسطة admin
زائر كتب "
رجل الخط الساخن !
بقلم :عادل حمودة
لا يتصور رجل السياسة نفسه إلا في ثلاثة أماكن.. المكتب.. حيث يمارس عمله، السجن.. حيث يدفع ثمن مواقفه، والقبر.. حيث تنتهى حياته، هكذا.. كان جمال عبدالناصر يلخص وجوده في الدنيا.. ليفسر سر عزلته عن الحياة الاجتماعية.. بعيدا عن جلسات النميمة.. وشبكات المصالح.وقد شاءت الأقدار أن ينتقل من المكتب إلى القبر دون أن يمر بالسجن.. لكن.. ذلك لم يكن مصير رجاله المقربين له..
ومنهم كاتم أسراره.. ومسؤول معلوماته.. والطرف الثاني من «خطه الساخن».. سامي شرف.. فقد انتقل من المكتب إلى السجن.. ومن السجن إلى بيته.. ليكتب مذكراته التي نُشرت أخيراً تحت عنوان «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر».
ولد «سامي عبدالعزيز محمد شرف» في الساعة الثالثة من صباح 21 أبريل عام 1929 في فيللا بحي مصر الجديدة أصبحت فيما بعد مدرسة حكومية ومقره الانتخابي حيث يدلي بصوته في الحجرة التي تنفس فيها شحنة الهواء الأولى.. وحتى هذه اللحظة لايزال الرجل يعيش في مصر الجديدة.. ولكن.. ليس في فيلا.. ولا في قصر.. وإنما في شقة متواضعة.. ضيقة.. تساقط طلاؤها.. فيها صوره وأوراقه وذكرياته.
تنتمى جذوره العائلية إلى قبائل عربية هاجرت من الأراضى الحجازية ينتسب إليها شاعر الرسول حسان بن ثابت واستقرت في الشرقية.. خرج منها فيما بعد الشيخ حسونة «النواوي» شيخ الجامع الأزهر.
. أما والده فقد مارس الطب في بريطانيا وعاد حاملا الدكتوراه في الجراحة من أدنبرة، وأصبح مفتشا للصحة في أكثر من محافظة، وقد تمني أن يكمل ابنه رسالته، ويصبح طبيبا مثله، ووافقه الابن على ذلك رغم أنه كان يميل إلى الدراسة العسكرية، وبالفعل اصطحب الأب ابنه إلى عميد كلية الطب الدكتور علي إبراهيم باشا، وقال له:
«يا باشا أنا عايز ابني سامي يكمل مشواري»، وطلب استثناءه من المجموع باعتباره ابن طبيب، فوافق الباشا قائلا: «روح ادفع المصاريف».
كانت المصروفات 45 جنيها في السنة الدراسية غير ثمن الكتب.. ولم يكن مع الأب تلك المصروفات فذهب إلى مراب يهودي تعود الاقتراض منه، ولما طلب منه خمسة وعشرين جنيها قال مسيو حنانيا: «يا دكتور عبدالعزيز: الخمسة وعشرين يتردوا أربعين يوم الخميس»®. أي بعد ثلاثة أيام فقط.. وفار الدم في عروق ابنه الذي كان حاضرا..
وقرر أن يقدم أوراقه إلى كلية التجارة انتظارا لطلب دفعة جديدة للكلية الحربية.. لكن.. يوم الكشف الطبي في اختبارات الكلية الحربية أصيب بمرض التيفود.. فلم يلتحق بتلك الدفعة التي عُرفت بدفعة 1948(وهو عام تخريج الدفعة)، وهى دفعة تسببت في كثير من المتاعب السياسية فيما بعد.
. وكان من أبرز ضباطها شمس بدران.. وزير الحربية الأسبق في مصر ورجل المشير عبدالحكيم عامر المقرب الذي حاول الانقلاب على جمال عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967.
التحق سامي شرف بالكلية الحربية في سبتمبر 1947 وأطلقت على دفعته اسم «الكوليرا»®. نظرا لانتشار مرض «الكوليرا» في تلك السنة.. وقبل أقل من 3 سنوات تخرجت تلك الدفعة ليجد نفسه في سلاح «المدفعية».
وهو ما شجعه على الزواج بعد أن أصبح «ملازم أول» راتبه 12 جنيها في الشهر.. واختار جارتهم في السكن لتكون نصفه الآخر.. السيدة تغريد.. ليتزوجا في عام 1951 ليكوّنا عائلة من 4 أبناء وبنات و 12 حفيدا.
بعد الثورة بثلاثة أيام فقط انتدب «سامي شرف» للعمل في المخابرات الحربية، ليكون واحدا من المجموعة الأولى التي أسست المخابرات العامة.. لكن.. كانت علاقته بجمال عبدالناصر هى نقطة التحول في حياته الشخصية والسياسية..لقد استمرت تلك العلاقة 18 سنة.. حوالى 6480 يوما.. نحو 15520 ساعة.
كان اللقاء الأول بينهما في نهاية عام 1951. كان سامي شرف يدرس في مدرسة الشؤون الإدارية دورة للترقي لرتبة نقيب..وكان جمال عبدالناصر يقوم بتدريس مادة التحركات والمخابرات في تلك الدورة، التي ألغيت بسبب حريق القاهرة في (26 يوليو 1952) وإعلان حالة الطوارئ في الجيش.. لكن.. رغم ذلك أبدى جمال عبدالناصر إعجابه به قائلا: «إذا استمريت بهذا الأسلوب في العمل سيكون لك مستقبل يبشر بالخير».
والحقيقة أن سامي شرف الذي عرفته عن قرب بعد خروجه من السجن، الذي وضعه فيه أنور السادات في القضية التي عُرفت بقضية «15 مايو» هو شخص حاد الذاكرة.. دؤوب.. سريع البديهة.. يهوى الحصول على المعلومات وتوثيقها.. قادر على العمل لساعات طويلة.. يتحمل الإرهاق رغم تعرضه لأزمات صحية حادة وخطيرة في السنوات الأخيرة.
في ليلة الثورة.. بالتحديد في منتصف الليل، فوجئ بزميله محمد المصري على باب بيته يطلب منه الاستعجال في ارتداء ملابسه العسكرية، دون أن يبدي أسبابا.. فاستجاب لطلبه دون تردد.. فقد كان يعرف أن الجيش يغلي من الداخل، ومنشورات الضباط الأحرار تضاعف من كثافة البخار.. وفي الطريق قال له محمد المصري:
«إن الثورة قد قامت»®. ثم كلفه بمهام محددة قام بتنفيذها دون سؤال.. لكن المهمة الأولى له بعد نجاح الثورة بثلاثة أيام كانت تقديم نفسه للمخابرات الحربية، حيث كلف بالتوجه إلى مبنى مصلحة التليفونات والتلغراف (في قلب القاهرة) لمراقبة البرقيات المرسلة من الصحافيين الأجانب والواردة إليهم باعتباره يجيد الإنجليزية والفرنسية.
بعد يومين استدعاه زكريا محيي الدين (المسؤول عن المخابرات الحربية) ليبلغه باختياره عضوا في هيئة جديدة شُكلت باسم «هيئة مراقبة الإدارة الحكومية» يشرف عليها جمال عبدالناصر.. تتبع مجلس قيادة الثورة، وتتكون من عشرين ضابطا من الضباط الأحرار.. كانت بمثابة الرقابة الإدارية الآن.. وبعد أيام استدعاه جمال عبدالناصر ليقول له:
«إزيك يا أستاذ.. أنت حاتشتغل في المخابرات ومش فيها..إيه رأيك؟» ولم يفهم كيف سيعمل في المخابرات دون أن يكون فيها؟..قال جمال عبدالناصر: «وحدتك ستكون مع زكريا محيي الدين في المخابرات، لكن تكليفاتك ستكون مني مباشرة وتقاريرك تعرض عليّ وحدي».
وكانت أول مهمة يكلف بها منه هى التأكد من ما يشاع حول قيام «مصطفى أمين» بعمل أرشيف سرى خاص به بعيدا عن صحيفة «أخبار اليوم» يستخدم فيه محررين بعينهم للحصول على معلومات وأخبار والقيام بمهام خاصة ليست للنشر وأن هؤلاء المحررين يتلقون منه رواتب شخصية، ولو كان ذلك صحيحا فأين هذا الأرشيف؟ وماذا يحوى؟.
وبالنص يقول سامي شرف في مذكراته: إنه بدأ على الفور بتحديد مكان ذلك الأرشيف ومحتواه في مبنى «أخبار اليوم» بعملية اختراق لأشخاص قريبين منه بعدما أقام صلات شخصية معه ومعهم..ولا يتردد في أن يذكرهم بالاسم، وقد أصبحوا فيما بعد من نجوم الصحافة المصرية ورؤساء تحريرها.
كان نجاح هذه المهمة مشجعا لتكليفه بمهمة أصعب، وهى الحصول على الأرشيف السري للبوليس السياسي قبل الثورة الذي كان يرأسه اللواء محمد إبراهيم إمام، بعد شيوع الاتهام بين الصحافيين والسياسيين بتعاملهم معه وتقاضيهم مصروفات سرية منه.. وقد نجح سامي شرف في الاتصال به وجاء الرجل بنفسه إلى مكتبه وهو يحمل حقيبة صغيرة بها متعلقات شخصية.
. فقد توقع احتجازه.. لكن.. ذلك لم يكن في الحسبان.. كان كل المطلوب منه أن يكشف عن مكان أرشيفه السري.. فقال: إن ذلك الأرشيف وضع بعد حريق القاهرة في غرفة سرية بقصر «عابدين» يصعب الوصول إليها، ووجدها سامي شرف فرصة ليسأله عن المسؤول عن إشعال النار في القاهرة يوم 26 يناير 1952، وكان ما قاله مفاجأة:
إن شرارة الحريق الأولى أطلقها الملك فاروق بترتيب خاص مع بعض المحيطين به لإحراج حكومة «الوفد» التي كانت شعبيتها تتزايد منذ توقيع «معاهدة 1936»، وفي الوقت نفسه سعى الملك بذلك الفعل الإجرامي إلى ممارسة الضغوط على الإنجليز الذين كانوا يتعاملون معه بأساليب مهينة ويتعاطفون مع «الوفد» منذ حادث 4 فبراير 1942.
لكن.. الشرارة التي أطلقها الملك سرعان ما فقد الأمن السيطرة عليها، واستغلتها عناصر متطرفة من الشيوعيين والإخوان المسلمين وحزب «مصر الفتاة» لتحويل البلاد إلى فوضى فيسهل التخلص من النظام.. لقد لعب الملك بالنار فكان أول من احترق بها.. فلم تمر سوى شهور قليلة حتى كان الملك فاروق شخصيا يغادر البلاد مطرودا منها.
وكانت المفاجأة الأكثر إثارة على لسان رئيس البوليس السياسي: إن حركة «الضباط الأحرار» كانت مرصودة، وكان مقررا اعتقال رموزها الكبار وعلى رأسهم جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وجمال سالم .
وصلاح سالم وحسن إبراهيم وأنور السادات وعبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين ووجيه أباظة وخالد محيي الدين وحسين ذو الفقار صبرى وعبدالمنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبدالحي.. وغالبيتهم شكلوا فيما بعد مجلس قيادة الثورة بعد نجاحها.
لقد كانت تلك المهمة السرية الأولى التي كلف بها جمال عبدالناصر الضابط الشاب سامي شرف هى بداية الثقة فيه، وهى ثقة لم يكن الرجل الذى غيّر النظام السياسي والاجتماعي في مصر يمنحها بسهولة لأحد، إن كل من عمل معه .
وبالقرب منه كان يشعر أنه في اختبار يومي.. لقد كان الخطأ الأول للواحد منهم هو في الوقت نفسه الخطأ الأخير، وظلت هذه القاعدة هى قاعدة الاستمرار والبقاء في مؤسسات الدولة الحساسة فيما بعد.
إن شهادة سامي شرف الذي كان مسؤولا عن رئاسة الجمهورية سنوات طويلة، تتفجر بأسرار مثيرة وغامضة.. تستحق أن ننتظرها فيما بعد.
ـ كاتب مصري
البيان الإماراتية"
............."
![]()
Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
Web guest
Thank you for your visit
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US