Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

الناصرية – تنهض من جديد بعد هزيمة حزيران
 بقلم
زياد شليوط
المصدر
 
 
 
 
في كثير من الأدبيات التي تناولت الناصرية كفكر ونهج سياسي قاد الأمة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ،وخاصة تلك التي كتبها بعض المفكرين والباحثين الجدد الذين وضعوا الديمقراطية مثالا وشعارا أعلى لهم ، ذهبت إلى ترسيخ فكرة باتت تتردد إلى حد التسليم بها وتقول بأن الناصرية هزمت مع هزيمة حزيران عام 1967، وقصدوا بذلك الناصرية كطريق ونهج سياسي وكفكرة قومية جامعة تؤمن بالطريق القومي وفي صلبه طريق الوحدة. ووصل الأمر بالبعض إلى حد إعلان انتهاء الناصرية كدرب ونهج مع نهاية العدوان ونتيجته المؤلمة، واعتمدوا فيما ذهبوا إليه إلى الانتكاسة السياسية التي أصابت المشروع الناصري القومي الوحدوي في ظل الاهتمام الأول للزعيم عبد الناصر في المرحلة الجديدة المتمثل في إعادة بناء قواته المسلحة بهدف إزالة آثار العدوان واستعادة الأراضي المحتلة ، وبناء دولته من جديد سياسيا وتنظيميا ، مما أشغله عن القضايا القومية الخارجية . لكن عبد الناصر لم يدر ظهره ولا مرة للهموم القومية وأكبر دليل على ذلك أنه دفع حياته ثمنا للقضايا القومية وتوفي في سبيل حقن الدماء العربية التي سالت في الأردن في النزاع المسلح بين الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية ، قبل أن يحقق حلمه باسترداد الأراضي العربية المحتلة. 
وتحولت تلك المقولة إلى شبه قانون أو قاعدة من يخالفها يحسب مباشرة في خانة المعادين للديمقراطية والمتزمتين برأيهم، وخشي الكثيرون من مناقشتها لئلا يوصموا بوصمة جاهزة. وبما أن التاريخ ليس ملكاً لأحد وبما أن الفكر في حركة دائمة، أعتقد أنه آن الأوان لأن نناقش تلك المقولة نقاشا علميا فكريا دون أحكام مسبقة . ومثلما أن عبد الناصر لم يكن الهاً وتجربته ليست دينا ، كذلك من أطلق تلك المقولة ليس بنبي وكلامه ليس منزلا.
وقفة 9و10يونيو – بعث جديد للثورة
بعد ظهور النتيجة المأساوية لعدوان الخامس من حزيران 1967 الذي نفذه الجيش الإسرائيلي بأوامر وأسلحة أمريكية ، ظهر الرئيس جمال عبد الناصر أمام شعبه مكسور الخاطر ، حزينا يعلن استقالته التاريخية من جميع المناصب الرسمية والعودة إلى صفوف الشعب. عندها مادت الأرض المصرية والعربية وأعلنت رفض الهزيمة والاستسلام وأعادت لابنها الحزين كرامته وعزه ، وحددت الجماهير العربية مطلبها بالبدء من جديد لكن مع القائد الوحيد القادر على ذلك وصاحب الشرعية والثقة الجماهيرية. واعتبر عبد الناصر تلك الوقفة "بعثا جديدا للثورة" في بيان 30 مارس 1968 " وتجديدا لشبابها ، والهاما لا يخيب، وضوءا لا يخبو أمام طريق المستقبل".
تلك الوقفة الشعبية التي شكلت استفتاء شعبيا تلقائيا لقيادة عبد الناصر الثابتة والمتجددة في آن ، منحت القائد الحرية والالتزام في العمل والتحرك ، فالقائد لمس بحسه الشعبي الأصيل أن الشعب يمنحه حرية الحركة والعمل بثقة من يعلم أنه ملتزم بارادة الجماهير التي منحته تلك الثقة الغالية والتي عرف عبد الناصر كيف يصونها ويحولها إلى رافعة للعمل في مسار تجديد الثورة واعادة شبابها. وكان على عبد الناصر أن يكبت مشاعره الشخصية تجاه رفاقه وأصدقائه ، وهي التي شكلت نقطة ضعف ايجابية عنده في المرحلة الأولى من الثورة والتي استغلها بعض المقربين منه استغلالا سيئا، وكانت أصعب خطوة اتخذها عبد الناصر في هذا المضمار محاسبة المشير عبد الحكيم عامر ، وزير الحربية ، رفيق عمر ودرب عبد الناصر ، وصديقه الأثير والحبيب، لكن إرادة الجماهير كانت ماثلة أمام ناظري عبد الناصر في ضرورة كبت المشاعر الشخصية لأن مصلحة الوطن فوق أي مصلحة أخرى ، وكانت تلك ترجمة للمقولة التي اجترحها عبد الناصر أن لا صوت يعلو على صوت المعركة.
أ) على الصعيد العسكري وتحرير الأرض المحتلة:
" ان المعركة لها الأولوية على كل ما عداها" هذا ما تعهد به عبد الناصر في بيان 30 مارس أمام الشعب المصري ، وفعلا بات تحقيق هدف إزالة آثار العدوان وبناء القوات المسلحة في سبيل ذلك أهم ما يشغل تفكير وجهد ووقت عبد الناصر. فاتجه عبد الناصر يستعجل التسليح الحديث من الاتحاد السوفييتي من جهة، ويعد الكوادر الحديثة والقيادات المؤهلة المخلصة ، فعين الفريق محمد فوزي وزيرا جديدا للحربية والضابط عبد المنعم رياض رئيسا للأركان ، وكم كان حزن عبد الناصر كبيرا عليه عند استشهاده في مارس 1969 أثناء إحدى العمليات العسكرية ، لأن عبد الناصر كان يعقد الآمال على هذا الضابط الشاب الذي أعد الخطة العامة لتحرير الأرض، ومن شدة حب عبد الناصر له حضر بنفسه جنازته معارضا كل التحذيرات الأمنية التي تحظر عليه الظهور بين الجماهير. واستطاع عبد الناصر تأهيل الجيش المصري واعادة الثقة له بنفسه وقدراته بالسرعة القصوى ، واستعاد الجيش قدراته وخاض عدة معارك حربية مع الجيش الاسرائيلي بعد أشهر قليلة من النكسة، ثم دخل الجيش في حرب الاستنزاف والتي كبدت اسرائيل خسائر جسيمة مما اضطرها إلى الموافقة على قرار وقف اطلاق النيران. وبات الجيش المصري جاهزا لخوض حرب التحرير التي وعد بها القائد ، وكما يذكر الفريق محمد فوزي في مذكراته " وأصدر الرئيس جمال عبد الناصر توجيهاته في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس 1970 كي تستعد القوات المسلحة لبدء معركة تحرير الأرض بالقوة بعد مضي الـ90 يوما المحددة في قرار وقف إطلاق النيران المؤقت أي في 7/11/1970" ( مذكرات الفريق أول محمد فوزي عن حرب الثلاث سنوات ص. 380)
ب) على الصعيد السياسي الداخلي:
شرع عبد الناصر بتطهير نظام الحكم من "مركز القوى" التي عاثت فسادا في البلاد قبل الـ 67 مستغلة الثقة التي منحها عبد الناصر لعناصرها ، لكن تلك العناصر خانت الثقة ومنها أقرب المقربين إلى عبد الناصر شخصيا، واتجهت نحو ملذاتها ضاربة عرض الحائط بالواجبات والمسؤوليات الوطنية. فوجد عبد الناصر نفسه في وضع يحتم عليه اتخاذ اجراءات قاسية بحق تلك المراكز وأجرى لها محاكمات علنية لوضع الحقائق التي كانت خافية أمام الجماهير لتكون مشاركة في القرار والحكم.
بعدها أقدم عبد الناصر على اجراء اصلاحات داخلية بهدف النهوض بأجهزة الحكم وأذرعه المختلفة وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي ، الذي تم اقرار إعادة بنائه بواسطة الانتخاب من القاعدة إلى القمة ، وأدرك عبد الناصر أن ساعة الخيار الديمقراطي أزفت بعدما تخلص من أصحاب النفوذ الذين حاولوا عرقلة مسيرة الديمقراطية وتطبيق البند السادس من أهداف ثورة 23 يوليو باقامة حياة ديمقراطية سليمة، فدعا إلى حشد كل القوى الشعبية على أساس الديمقراطية ، واستكمالا لهذا نادى عبد الناصر ببناء الدولة الحديثة التي لا تقوم إلا بالعلم والتكنولوجيا بعد الديمقراطية . تلك الاقتراحات وغيرها شحنت الشعب المصري بارادة جديدة فعاد الأمل وعادت الثقة إلى نفوس أبناء الشعب الذي أبدى كل استعداد للتعاون مع قائده الذي استجاب لمطالب الجماهير ، واستمر هذا التحالف الفريد من نوعه بين الشعب وقائده في السراء والضراء.
ج) على الصعيد العربي العام:
من الخطأ بل من الخطل الاعتقاد للحظة واحدة أن جمال عبد الناصر قد تراجع عن سياسته العربية القومية وأهمل حلم الوحدة العربية. صحيح أن انشغال عبد الناصر بالقضايا الداخلية المتمثلة في اعادة بناء الدولة الحديثة والقوية والسعي نحو تحقيق الهدف المباشر بازالة آثار عدوان الخامس من حزيران ، لكن كل ذلك لم يأت على حساب الالتزام العربي العام . وفي اقتراحه للدستور الجديد للدولة والذي قدمه في بيان 30مارس جاء في البند الأول " أن ينص الدستور على تحقيق وتأكيد الانتماء المصري إلى الأمة العربية ، تاريخيا ونضاليا ومصيريا ، وحدة عضوية فوق أي فرد وبعد أي مرحلة." 
إن قناعات عبد الناصر بالقومية العربية لا تحتاج إلى اثباتات وبراهين ، ولم يتزعزع ايمانه يوما بالقومية العربية لأنه لم يؤمن بالأنظمة والزعامات العربية بل آمن بالشعب وهذا ما كان يردده دوما ، خاصة وأن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج خرج أيضا إلى الشوارع يعلن رفض تنحي عبد الناصر قائده القومي ويطالبه بالعودة لقيادة الأمة العربية أيضا نحو النصر وتحقيق الأهداف القومية. فعبد الناصر وهو في قمة حزنه في خطاب التنحي أعلن أن أمل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر وسيبقى بعده وعاد على هذا المبدأ في الخطابات التالية.
وجاءت البشائر بانتصار الخيار القومي بنجاح ثورتين في بلدين مجاورين لمصر بالتحديد ، حيث ثار الضباط الأحرار على النظام الملكي في كل من السودان وليبيا ، مما جدد الثقة لعبد الناصر بصحة دربه وأمده بالعزم على العمل العربي الموحد. ومن جهة أخرى ومناقضة ، وقعت الواقعة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية في الأردن وبات خطر القضاء على المقاومة الفلسطينية وشيكا ، والأخطر من ذلك أن الدم العربي سال في الأردن مثل الماء وبلغ عدد القتلى عشرات الآلاف ، وكان لا بد لعبد الناصر قائد الأمة وحامل همومها إلا أن يلغي أيام الاستراحة التي ألزمه بها أطباؤه بعد تدهور حالته الصحية نتيجة عمله المتواصل على مدار 24 ساعة في اليوم ، وعاد القائد إلى القاهرة ليجمع القادة العرب ويحضر إليه الملك حسين والسيد ياسر عرفات ويلزمهما يايقاف الاقتتال الداخلي ، ولا ينجح في ذلك إلا بعدما انهكت قواه نهائيا ولم يعد يحتمل قلبه كل هذا الجهد والتعب والحزن وكانت النهاية التراجيدية للزعيم والقائد والأب. ومع موته ماتت الأحلام بتحقيق الأهداف التي سعى إليها مصريا وعربيا.
حقبة جديدة من الناصرية
وهكذا يصل بنا الاستنتاج إلى أن هزيمة الخامس من حزيران لم تكن نهاية الناصرية ، بل أنها شكلت رافعة لبداية حقبة جديدة من الناصرية تقوم على بناء الدولة المصرية الحديثة والديمقراطية والقوية التي تعيد للدولة والشعب كرامتهما المسلوبة ، وفعلا حققت بدايات عملية في هذا الاتجاه . وشكلت الحقبة الجديدة إعادة التفكير في أساليب تحقيق الوحدة العربية ، ومن الأكيد أن عبد الناصر أجل هذا الموضوع إلى حين الانتهاء من قضية تحرير الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس الشرقية ، وبعدها يعود لتلبية نداء الشعب العربي كله وخاصة على ضوء نجاح ثورتي السودان وليبيا وحركة التصحيح في سوريا واستقرار النظام الجمهوري في اليمن. لكن القدر كان العدو الأول للناصرية والقومية حين قطف قائد المسيرة قبل أوانه وهو في الثانية والخمسين من العمر وفي عز التحولات نحو تحقيق الأهداف المرسومة ، ولو قيض لعبد الناصر أن يعيش خمس سنوات أخرى فقط لكانت صورة الأمة العربية تختلف اختلافا كليا عما شاهدناه بعد وفاته وحتى يومنا هذا.
لقد آمن عبد الناصر بالشعب والكفاءات والزمن كضمانات لتحقيق أهدافه ، وخلص إلى ذلك في نهاية بيان 30 مارس باعلانه " ان سجل نضالنا يشهد لشعبنا أن الشعب الذي غير بكفاحه خريطة الشرق الأوسط ، وأزال من فوقها سيطرة الامبراطوريات الاستعمارية القديمة، وتصدى في وسطها لمحاولات الاستعمار الجديد، وتحمل تبعات الوحدة العربية سلما وحربا، وفجر عصر الثورة الاجتماعية، وبنى أعظم السدود، وقهر الصحراء وأقام أول قاعدة عربية للصناعة المتقدمة، هذا الشعب يملك المقدرة ويملك التجربة لتجاوز هزيمة عارضة في تاريخه وتاريخ أمته."
فعلا تحققت نبوءة عبد الناصر القائمة على الخطوات العملية التي قام بها، لكن المؤسف في الأمر أن تجاوز الهزيمة تم في عهد خلفه ، وبعدما أتم عبد الناصر كل التجهيزات، الذي خان الأمانة فيما بعد وتراجع عن كل انجازات سلفه، مما عنى عمليا توقف المسيرة الناصرية على الصعيدين المصري والعربي ، وهذا أعاد مصر والوطن العربي إلى عصر ما قبل القومية الحديثة بقيادة جمال عبد الناصر.
( شفا عمرو/ الجليل)

 
 
Graphic by Martin
A Man ... A Nation ...


الـرجوع الى الفهـرس للمتابعة والمواصلة


شـكرا لزيارتكم للموقع

أنتم الضيف

 

 



© 2007  جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.

© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US