Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 جمال عبدالناصر

الى

أعضاء المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية

الميثاق الوطني

الباب العاشر

 السياسة الخارجية

 
البــاب العـاشـر
السياسة الخارجية

إن السياسة الخارجية لشعب الجمهورية العربية المتحدة هى انعكاس أمين وصادق لعمله الوطنى، إن أى سياسة خارجية لأى وطن من الأوطان لا تكون انعكاساً أميناً وصادقاً لعمله الوطنى تصبح ادعاءً يكشف نفسه بنفسه، ويصبح نفاقاً واتجاراً بالشعارات، إن تلك هى المهزلة التى تقع فيها الحكومات الرجعية حين تحاول للتضليل أن تستعير سياسة خارجية براقة لا تكون صدى للواقع الوطنى وتعبيراً عنه.

إن الشعوب الواعية تفضح هذه الحكومات وتقتص منها حساب الضلال الذى حاولت أن تزيفه عليها، والسياسة الخارجية لشعب الجمهورية العربية المتحدة انعكاس أمين وصادق لعمله الوطنى تمتد فى ثلاثة خطوط حفرت مجراها عميقاً ومستقيماً فى نضال شعب باسل صمد لكل أنواع الضغط وانتصر عليها.

إن الخطوط الثلاثة العميقة فى السياسة الخارجية للجمهورية العربية تعبيراً عن كل مبادئها الوطنية هى:
- الحرب ضد الاستعمار والسيطرة بكل الطاقات والوسائل، وكشفه فى جميع أقنعته، ومحاربته فى كل أوكاره.
- والعمل من أجل السلام؛ لأن جو السلام واحتمالاته هى الفرصة الوحيدة الصالحة لرعاية التقدم الوطنى.
- ثم التعاون الدولى من أجل الرخاء؛ فإن الرخاء المشترك لجميع الشعوب لم يعد قابلاً للتجزئة، كما أنه أصبح فى حاجة إلى التعاون الجماعى لتوفيره.

إن شعب الجمهورية العربية المتحدة فى حربه ضد الاستعمار ضرب مثلاً حياً مازال أسطورة فى تاريخ نضال الشعوب، إن شعبنا كشف الاستعمار العثمانى وقاومه برغم التحايل عليه بأستار الخلافة الإسلامية، ثم قاوم شعبنا الغزو الفرنسى حتى أرغم المغامر الذى دوخ أوروبا كلها على أن يرحل بالليل عبر البحر الأبيض إلى فرنسا، ثم صمد لمؤامرات الاستعمار العالمى واحتكاراته الدولية التى استعملت أسرة محمد على، وتدافعت موجاته الثورية واحدة إثر أخرى، حتى جرفت أمامها بعد سنوات طويلة من التضحيات النبيلة كل الحواجز التى أقامها الاستعمار على أرضه لحماية وجوده، لقد واجه شعبنا ثلاث إمبراطوريات هى الإمبراطورية العثمانية والفرنسية والبريطانية، وقاوم غزوها لبلاده وانتصر عليها، إن شعبنا دفع خلال عشرات السنين بل مئاتها ثمناً غالياً لانتصاره على الاستعمار، لكنه فى النهاية حصل على النصر، الذى برر أمام التاريخ كل التضحيات وشرف مقدارها.

وبعد النصر الثورى العظيم صباح 23 يوليو، وفى طريق الشعب إلى التقدم الثورى، داست الجموع المنتصرة بأقدامها بقايا العهد الملكى الدخيل، ودكت حصون الإقطاع، واجتثت جذور الرجعية، لقد كانت تلك كلها هى الركائز التى ثبت الاستعمار عليها وجوده فوق أرضنا، وبانقضاض شعبنا عليها وتدميرها، فإن الوجود الاستعمارى فقد حلقات اتصاله بأرض الوطن الطاهرة، ومن ثم كانت الخطوة الباقية هى إرغام قواته على الرحيل وراء البحر، بعد أن طوت أعلامها، وابتلعت كبرياءها.

إن شعبنا بعد عشرات السنين من الاستعمار فاز بإرغام القوى العدوانية على الجلاء مرتين فى عام واحد، هو 1956 الفاصل فى نضالنا الوطنى، إن الاستعمار الذى جلا عن أرضنا طبقاً لاتفاق تم تنفيذه فى يونيه سنة 1956، ما لبث أن عاد فى أكتوبر من نفس العام، متصوراً أنه قادر على إخضاع إرادة شعبنا وإذلاله وإجباره على الركوع خضوعاً لإرادة المستعمرين.

إن شعبنا الذى عقد العزم على حماية استقلاله، ورفض كل الحيل الاستعمارية التى حاولت أن تجره إلى مناطق النفوذ، وقاد مقاومة هائلة فى الشرق الأوسط كله ضد حلف بغداد حتى أسقط، لم يتردد فى مواجهة العدوان المسلح الثلاثى، الذى أقدمت عليه اثنتان من دول العالم الكبرى، زحفت عليه من القاعدة الاستعمارية التى خلقتها المؤامرات الرامية إلى إرهاب الأمة العربية وتمزيقها وهى إسرائيل، إن الاستعمار فى معركة السويس كشف نفسه، وكشف قواعده، وكشف أعوانه.

إن الاستعمار انقض على شعب مصر بالسلاح؛ لأن الشعب المصرى حاول أن يحقق استقلاله ويبنى تقدمه من أحد موارده الوطنية، التى طال استغلال الاستعمار له، واحتكاره لكل عائده وقيمته.

إن الشعب المصرى باسترداد قناة السويس، ضرب الاستعمار واحتكاراته فى الصميم، وأثبت صلابته بتحمله العنيد لتبعات إصراره، إلى حد قبول المعركة المسلحة فى وجه قوى زاحفة جرارة. إن الشعب المصرى بثباته الرائع وبقتاله المرير ضد الغزو، استطاع أن يهز الضمير العالمى ويحركه بصورة لم يسبق لها مثيل فى التطور الدولى، ولقد كان التحول الرائع فى المعركة نقطة فاصلة فى حركات التحرير.

إن الشعب المناضل الذى كان يواجه الطغاة الكبار وحده لم يعد وحيداً، وإنما انقلب الموقف رأساً على عقب، نتيجة للمقاومة الوطنية الباسلة. إن الذين تجمعوا ضد شعبنا ليعزلوه، وجدوا أنفسهم فى عزلة عن الدنيا كلها، بينما وقفت شعوب العالم كلها مع شعبنا تشد أزره وتلوح له بأيديها، تحية له وتضامناً معه.

إن الهزيمة المريرة التى منى بها الاستعمار فى حرب السويس، أنهت عصر المغامرات الاستعمارية المسلحة. إن نهاية هذا العهد البغيض بالنسبة لكل شعوب العالم تحققت بفضل نضال شعبنا. إن الاستعمار الذى مازال متمسكاً بأهدافه غير أسلوبه، إن شعبنا كان بالمرصاد لكل محاولات التنكر والتخفى، وواصل مطاردته لها وتجميع قوى الشعوب ضدها.
إن إصرار شعبنا على محاربة الأحلاف العسكرية التى تريد أن تجر الشعوب رغم إرادتها إلى فلك الاستعمار، كان صوتاً عالياً بالحق، ارتفع فى جميع المجالات منبهاً ومحذراً.

إن إصرار شعبنا على تصفية العدوان الإسرائيلى على جزء من الوطن الفلسطينى، هو تصميم على تصفية جيب من أخطر جيوب المقاومة الاستعمارية ضد نضال الشعوب، وليس تعقب سياستنا للتسلل الإسرائيلى فى إفريقيا غير محاولة لحصر انتشار سرطان استعمارى مدمر.

إن إصرار شعبنا على مقاومة التمييز العنصرى، هو إدراك سليم للمغزى الحقيقى لسياسة التمييز العنصرى، إن الاستعمار فى واقع أمره هو سيطرة تتعرض لها الشعوب من الأجنبى بقصد تمكينه من استغلال ثرواتها وجهدها، وليس التمييز العنصرى إلا لوناً من ألوان استغلال ثروات الشعوب وجهدها، فإن التمييز بين الناس على أساس اللون هو تمهيد للتفرقة بين قيمة جهودهم.

إن الرق كان الصورة الأولى من صور الاستعمار، والذين مازالوا يباشرون أساليبه يرتكبون جريمة لا يقتصر أثرها على ضحاياهم، وإنما يلحقون الأذى بالضمير الإنسانى كله، وبما أحرزه من انتصارات.

إن شعبنا لم يدخر جهداً فى سعيه نحو السلام، إن السعى نحو السلام قاد خطى شعبنا إلى مراكز دولية، أصبحت لها الآن من قوة الإشعاع ما يضئ الطريق نحو السلام، إن شعبنا الذى ساهم بكل إخلاص فى أعمال مؤتمر باندونج وإنجاحه، والذى شارك فى أعمال الأمم المتحدة، وحاول عن طريق هذه الأداة الدولية العظيمة دفع الخطر عن السلام، أثبت شجاعة فى الإيمان بالسلام، لقد تكلم من باندونج مع غيره من دول آسيا وإفريقيا، نفس اللغة التى تكلم بها أمام الكبار الأقوياء فى الأمم المتحدة.

إن شعبنا فى دعوته إلى السلام وفى عمله لتوطيد احتمالاته، اشترك مع الجميع وواجه الجميع بقوة التعبير الحر، إن شعبنا الذى شارك فى الجهود الإنسانية العظيمة المكرسة لتحريم التجارب الذرية، وشارك إيجابياً فى العمل من أجل نزع السلاح، إنما كان يصدر عن إيمان مطلق بالسلام؛ لأنه يؤمن إيماناً مطلقاً بالحياة.

إن شعبنا يعرف قيمة الحياة لأنه يحاول بناءها على أرضه، إن صدق دعوته للسلام ينبع من حاجته الماسة إليه. إن السلام هو الضمان الأكيد لقدرته على الاستمرار فى معركته المقدسة من أجل التطوير، إن العمل من أجل السلام هو الذى سلح شعبنا بشعار عدم الانحياز والحياد الإيجابى، إن ارتفاع هذا الشعار اليوم على قارات كثيرة من العالم، هو تحية عظيمة لإخلاص شعبنا فى خدمة السلام.

إن الدعوة الأولى لأول مؤتمر لدول عدم الانحياز.. هذه الدعوة التى صدرت من القاهرة ولقيت استجابة رائعة لدى الكثير من الشعوب، كانت فى نفس الوقت تقديراً إنسانياً للمنهج الذى سلكناه فى خدمة السلام، بعد إيماننا به وإخلاصنا له، بل إن الذين يحاولون اليوم استغلال شعار عدم الانحياز والحياد الإيجابى، ليستروا أمام شعوبهم انحيازهم إلى معسكرات الحرب والاستعمار، إنما يقدمون إطراءاً غير مباشر لشعبنا، الذى كان رائداً فى رفع هذا الشعار عن إيمان وفى النضال من أجله.. عن حاجة حقيقية إليه نابعة من صميم كفاحه لإحراز التقدم.

إن التعاون الدولى من أجل الرخاء المشترك لشعوب العالم هو امتداد طبيعى للحرب ضد الاستعمار.. ضد الاستغلال، وهو استطراد منطقى للعمل من أجل السلام لتوفير الجو الأمثل للتطوير.

إن التعاون الدولى من أجل الرخاء يصل بالسياسة الخارجية للجمهورية العربية إلى الهدف النهائى، الذى تسعى إليه سياستها الخارجية انعكاساً لنضالها الوطنى، إن شعبنا يمد يده لجميع الشعوب والأمم العاملة من أجل السلام العالمى والرخاء الإنسانى، إن المعارك الدولية التى خاضها شعبنا، إنما كانت معارك دفاعية خاضها قتالاً عن حقوقه المشروعة، وحقوق الأمة العربية التى يشعر بانتمائه الحيوى إليها، انتماء الجزء إلى الكل، ولقد رفع شعبنا حتى فى أحلك ظروف المعارك القاسية - التى أرغم على خوضها - شعاره الخالد: السلام لا الاستسلام، إيماءة واضحة إلى أنه يقبل التعاون الدولى، ولكنه يقاوم السيطرة، إن شعبنا يؤمن أن الرخاء لا يتجزأ وأن التعاون الدولى من أجل الرخاء هو أقوى ضمانات السلام العالمى.

إن السلام لا يمكن أن يستقر فى عالم تتفاوت فيه مستويات الشعوب تفاوتاً مخيفاً، إن السلام لا يمكن أن يستقر على حافة الهوة السحيقة، التى تفصل بين الأمم المتقدمة والأمم التى فرض عليها التخلف، إن الصدام المحقق بين التخلف والتقدم هو الخطر الثانى الذى يهدد السلام العالمى، بعد الخطر الأول الذى يكمن فى نشوب حرب ذرية مفاجئة. إن التعاون الدولى من أجل الرخاء هو الأصل الوحيد فى تطور سلمى يقارب ما بين مستويات الأمم، ويزرع المحبة بينها بديلاً عن سموم الكراهية.. إن التعاون الدولى من أجل الرخاء من جانب الدول المتقدمة، هو التكفير الإنسانى الذى يشترك فيه المسئولون وغير المسئولين عن العصر الاستعمارى.

إن التعاون الدولى يمتد على جبهة عريضة، تحاول الجمهورية العربية أن تتحرك عليها، إنه يشمل فتح الأسرار العلمية للجميع، فإن احتكار العلم يهدد البشرية بنوع جديد من السيطرة الاستعمارية، كذلك هو يشمل الدعوة إلى توجيه الذرة للسلام؛ حتى تستطيع أن تخدم قضية التطوير، وتضئ جوانب التخلف العظيم، كذلك هو يشمل التبشير بفكرة توجيه المبالغ الطائلة التى توجه إلى صنع الأسلحة النووية، لتخدم الحياة بدل أن تترصد لها وتتربص بها، كذلك هو يشمل الدعوة إلى مواجهة التكتلات الاقتصادية الدولية؛ بحيث لا تستخدم بواسطة الأقوياء لتحطيم محاولات غيرهم من أجل التقدم.

إن شعبنا يمد نواياه المعززة بالأعمال لتحقيق التعاون الدولى عبر كل المحيطات وإلى كل الأقطار، وإذا كان شعبنا يؤمن بوحدة عربية، فهو يؤمن بجامعة إفريقية ويؤمن بتضامن آسيوى - إفريقى، ويؤمن بتجمع من أجل السلام يضم جهود الذين ترتبط مصالحهم به، ويؤمن برباط روحى وثيق يشده إلى العالم الإسلامى، ويؤمن بانتمائه إلى الأمم المتحدة وبولائه لميثاقها، الذى استخلصته آلام الشعوب فى محنة حربين عالميتين، تخللتهما فترة من الهدنة المسلحة.
إن الإيمان بهذا كله لا يتعارض مع بعضه ولا يتصادم، وإنما حلقات سلسلة واحدة. إن شعبنا شعب عربى ومصيره يرتبط بوحدة مصير الأمة العربية. إن شعبنا يعيش على الباب الشمالى الشرقى لإفريقيا المناضلة، وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن تطورها السياسى والاجتماعى والاقتصادى. إن شعبنا ينتمى إلى القارتين اللتين تدور فيهما الآن أعظم معارك التحرير الوطنى، وهو أبرز سمات القرن العشرين.

إن شعبنا يعتقد فى السلام كمبدأ، ويعتقد فيه كضرورة حيوية؛ ومن ثم لا يتوانى للعمل من أجله، مع جميع الذين يشاركونه نفس الاعتقاد.

إن شعبنا يعتقد فى رسالة الأديان وهو يعيش فى المنطقة التى هبطت عليها رسالات السماء. إن شعبنا يعيش ويناضل من أجل المبادئ الإنسانية السامية التى كتبتها الشعوب بدمائها فى ميثاق الأمم المتحدة، إن فقرات كثيرة فى هذا الميثاق قد كتبت بدماء شعبنا، ودماء غيره من الشعوب.

إن شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق.. بالكفاية والعدل.. بالمحبة والسلام. وإن شعبنا يملك من إيمانه بالله، وإيمانه بنفسه ما يمكنه من فرض إرادته على الحياة ليصوغها من جديد وفق أمانيه.

أيها الإخوة:

هذا هو الميثاق.. هذا هو مشروع الميثاق أقدمه إليكم. والله يوفقكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.
..............."
 
- إنتهى النقل -
 

يحى الشاعر

 


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US