![]() |
مرور 34 سنة على إنقلاب السادات فى مايو من عام 1971
أحداث مايــو 1971..خلافاً في الرأي؟ أم صراعاً على السلطة؟
هيكل .. والصورة الجديدة للسادات
هل كان السادات..ضحية لضغوط نفسية؟
دراسة بقلم
محمد فؤاد المغازى
ـ 6 ـ
محمد فؤاد المغازي
كاتب ومحلل سياسي - المانيا
elmoghazy@gmx.de
7/12/2005
هيكل .. والصورة الجديدة للسادات
«الجزء السادس والأخير»
هل كان السادات..ضحية لضغوط نفسية؟
لم يكن انقلاب مايو 1971 قاصرا على أوضاع قائمة _وإنما إلي جانب ذلك_ كان انقلابا شمل شخصية السادات بأفكاره وبدوره وبطموحاته. فكان من الطبيعي أن تنعكس نتائج هذا كله على كل شئ.. بدءا من إعادة كتابة الأحداث التاريخية المعروفة للجميع، وصولا إلي صياغة جديدة للمجتمع المصري.
فقد جرت محاولة فاشلة لكتابة التاريخ بصياغة جديدة شملت مرحلة التحضير للثورة، وتحديد دور الأفراد في تلك الثورة..وفقا لرغبة السادات، والذي تولي بنفسه كتابة المحطات الرئيسية في هذه الصياغة الجديدة.
لكن هذه الصياغة الجديدة لمرحلة هامة من تاريخ مصر الحديث قد أوقعت السادات في تناقضات حادة، وجرته إلي الوقوع في فخ ترويج أكاذيب ظاهرة. فقد قال وكتب السادات الكثير عن ثورة يوليو وجمال عبد الناصر في مرحلة تاريخية سابقة..بالغ فيها بالإشادة والمديح بالثورة وبقائدها جمال عبد الناصر. ثم جاءت مرحلة ما بعد أحداث مايو عام 1971 ، أنقلب موقف السادات من النقيض إلي النقيض، وبهذا تولي السادات تكذيب نفسه بنفسه وبدون تدخل من الآخرين.
وهذا يفسر لنا قدوم السادات على سحب ما كتبه ونشره في السابق.." فأمر بعد وصوله إلى السلطة بسحب كل كتبه من الأسواق وهى ثلاثين شهرا في السجن، ثورة على النيل أو قصة الثورة كاملة، صفحات مجهولة، يا ولدى هذا عمك جمال." (1)
وهكذا، عرف الناس ولأول مرة أن الرئيس السادات كان هو المؤسس الأول لتنظيم الضباط الأحرار وليس جمال عبد الناصر. وأن جمال عبد الناصر الذي كانت ترتيبه الثالث في تنظيم الضباط الأحرار التابع للسادات _كما جاء في مذكراته_ قد تسلم منه قيادة التنظيم بعد أن أصبح السادات ملاحقا من قبل أجهزة الأمن الداخلية والخارجية، بسبب نشاطه ونضاله.
ثم تبع ذلك، أن تحول جمال عبد الناصر إلي مصدر لإزعاج السادات يرهقه بمشاكله الشخصية ومشاكل تنظيم الضباط الأحرار. فجاء في مذكرات السادات ما نصه:" ومما لا شك فيه أن عبد الناصر وهو الحذر دائما بتكوينه كان واثقا كل الثقة أنني سوف أقف إلي جانبه باعتباري قوة لها تجربتها ولها تاريخها..قوة تسانده في الصراعات التي بدأت داخل الهيئة التأسيسية حتى قبل قيام الثورة..ولذلك كان يهرع إلي عندما أعود إلي القاهرة في أجازة ليشرح لي المصاعب التي يلقاها من بعض الأعضاء..وعندما نعود إلي الذاكرة إلي تلك الأيام البعيدة لا أبالغ إذا قلت إن عبد الناصر كان يقضي معي خمسة أيام كاملة في كل أجازة من أجازاتي التي لم تكن تتعدي الأسبوع...هذا إلي جانب أن عبد الناصر كان يضع تجربتي محل تقدير..أذكر أنه في سنة 1951 طرأت له فكرة أن تبدأ الثورة بحركة اغتيالات واسعة، وسألني في هذا فقلت له" غلط يا جمال..ما هي النتيجة..إلي أين ستصل؟ إن الجهد الذي يبذل في حركة الاغتيالات يساوي تماما الجهد الذي يبذل في قيام الثورة ولذلك دعنا نأخذ الطريق المباشر المستقيم..وليكن هدفنا المباشر هو الثورة." (2)
ولابد لأي كاتب أو باحث أن يتوقف عند بعض المفردات التي وردت على لسان السادات..مثل مصطلح القوة الذي استخدمه مرتين، أو مصطلح يهرع.
ولم يعد جمال عبد الناصر في رؤية السادات الجديدة هو ذلك القائد والمعلم والملهم والأخ والصديق..وإنما تحول فجأة إلى شخصية مليئة بالعقد، لا تعرف الوفاء في علاقاتها مع الآخرين.
كما لم يعد يروق للسادات أن يعتقد الناس أن أسلوب إدارته للحكم هو امتداد لنهج عبد الناصر.." إن الناس ينظرون إلى على أنني خليفة لجمال عبد الناصر، وذلك ليس صحيحا، فأنا لا أحكم مصر طبقا لأسلوبه، ولكن أحكمها طبقا لأسلوب رمسيس الثاني. ذلك ما يفهمه الشعب المصري وما يريده." (3)
ونحن..نجزم أن غالبية الشعب المصري لا تعرف شيئا عن الأسلوب الذي اتبعه رمسيس الثاني في الحكم، ولا ندري إن كان الرئيس السادات نفسه يلم بتاريخ رمسيس الثاني ومنهجه في الحكم.
لكن قد يكون بين السادات ورمسيس الثاني نقطة تشابه والتقاء.. فقد"…أراد رمسيس الثاني أن يخلد نفسه بأن يكتب هو التاريخ. ويكتبه على أكثر الأحجار مقاومة للزمن...شئ واحد لم يفطن له رمسيس الثاني. ذلك أن الأجيال التي فتنتها فكرة الخلود ستكتشف أنه لم يكتب التاريخ بل زيفه. فقد أكتشف علماء التاريخ المصري القديم أن رمسيس الثاني قد زيف التاريخ فنسب كل انتصار الآخرين إليه، واستخدم في تزييف التاريخ أسلوبين:
أولهما: بأن سطر على جدران معابده تاريخ انتصارات لم يكن هو صاحبها ونسبها إلى نفسه.
وثانيهما: بأن قوض أركان ما شيده أسلافه من معابد، وأنتقى منها أحجارها المسطرة بتاريخ النصر والحكمة وحشرها في بناء جدران معابده. وهكذا ترك لنا رمسيس مجموعة من التماثيل والمعابد تحمل تاريخا مغلوطا جمع مفرداته من خياله ومما سطر أسلافه من تاريخ." (4)
وتمادي السادات في أحاديثه المتناقضة ليظهر نفسه في ثوب البطل..والشخصية الأسطورية، فذكر في كتابه (البحث عن الذات)، انه عندما تم القبض عليه بسبب تعاونه مع عملاء من مخابرات النازي، أن ما أسف عليه هو أن اعتقاله حال بين إرسال النص الكامل لمعاهدة قد أعدها ليعرضها على روميل. (5)
لقد اتسعت دائرة التضخيم لشخصية السادات ودوره لدرجة أبعدته عن أي مصداقية. فكيف يمكن لضابط صغير في الجيش المصري أن يقوم بإعداد معاهدة مصرية _ ألمانية..سوف يكون الطرف المقابل له في التوقيع عليها هو الجنرال رومويل!!!
إن ما ورد على لسان السادات من أقاويل لم نجد ما يؤيدها من معاصريه الذين شاركوا في الإعداد والقيام بالثورة، خاصة من قبل أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار.
ويستغرب هيكل هذا التحول الذي شمل دور السادات الجديد المتعلق بالثورة وقيادتها، وهو الطرف الذي لم يكن له دور رئيسي لا في التخطيط للثورة أو في إنجاحها، ولم يكن في بادئ الأمر واحدا من بين أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار.( 6)
كان الغرض من وراء تلك الصياغة التلفيقية والساذجة حول دور السادات، لا يخرج عن كونه محاولة تستهدف الإساءة إلي جمال عبد الناصر بوصه شخصية تاريخية ومحورية في مصر والمنطقة العربية. وهي خطوة تمهيدية..مهمة ومطلوبة عندما تحين ساعة التغيير الشاملة لأوضاع المجتمع المصري وأوضاع المنطقة العربية بأسرها.
أمتد انقلابات السادات لتصل إلي حد الانقلاب على انتمائه الطبقي. فظهرت عليه وعلى أسرته فجأة أعراض العبقرية والترف، وبصورة مستفزة للمصريين فرأوا فيه نسخه من الخديوي إسماعيل.
كما أصبحت زوجته السيدة جيهان تحمل لقب سيدة مصر الأولى وهو تعريف لم يسبق لقواعد البرتوكول المصرية أن عرفته في السابق، ولكنه منزوع من البروتوكول الأمريكي. كما استكملت زوجته السيدة جيهان السادات دراستها عندما أصبح السادات رئيسا للجمهورية العربية المتحدة، فحصلت على الثانوية العامة ثم على الليسانس من كلية الآداب، ثم درجة الماجستير.
كما أصبح لها دورا مؤثرا في السياسة المصرية نتيجة لتنقلات زوجها الكثيرة "…فأصبحت زوجته جيهان بهذا الشكل عيونه وآذانه. وسرعان ما جمعت حولها بلاطا خاصا بها يتكون من زوجات بعض رجال الأعمال والسياسيين والضباط. كذلك ضم هذا البلاط عددا من سيدات الطبقة القديمة البارزة قبل الثورة." (7)
أحتار الجميع في تفسير الانقلاب الذي أقدم عليه السادات، وتحول إلي ظاهرة لا يمكن تجاهلها. فكان تفسير الأمريكيين والإسرائيليين متطابقا، فردوا التغييرات الانقلابية عند السادات إلي عوامل وعقد نفسية، رافقته منذ طفولته فأثرت سلبا _فيما بعد_ على منهجه وسياساته.
فسلك هنري كيسينجر نفس الطريق، وأعتمد على البعد النفسي ليفسر به حقيقة الدوافع والأسباب التي جعلت السادات يقبل ما يمليه عليه الآخرين رغم أن الظرف الموضوعي لا يفرض عليه قبول شروط الآخرين:
"...الحقيقة أنني مندهش من سلوك السادات لأن الرئيس المصري لا يظهر أنه حتى الآن على استعداد لاستعمال كل قوي الضغط السياسي التي خلقها الموقف العالمي الجديد في مفاوضاته لفك الارتباط. إن السادات يستطيع استعمال هذه الضغوط لكي يفرض اتفاقا شاملا وعلى شروطه. وحتى لو تجددت المعارك فإن العالم سوف يلقي اللوم على إسرائيل".
ثم تساءل كيسنجر:" إنني لا أعرف لماذا لا يحاول السادات استعمال حقائق الموقف الجديد لكي يضغط من أجل انسحاب إسرائيلي شامل". ثم تولي الإجابة على سؤاله:" وقال بالحرف الواحد أيضا..أن السادات فيما يبدو لي وقع ضحية الضعف الإنساني. إنه يتصرف بسيكولوجية سياسي يريد أن يري نفسه وبسرعة راكبا في سيارة مكشوفة داخلا في موكب منتصر إلي شوارع السويس بينما آلاف من المصريين يصفقون ويهللون له." (8)
ولم يتوقف التحليل النفسي عند حدود فهم وتفسير سلوكيات السادات، ,وإنما أرجعوا أسباب الصراع العربي_ الإسرائيلي إلي عقد وحواجز نفسية. فذكر شيمون بيريز أن أسباب العداء بين العرب والإسرائيليين بفعل الحقد:"...إن عدو إسرائيل ليس عنصرا، ولا شعبا، ولا حكما، ولا نظاما. إن عدونا هو سياسة الحقد التي تتبعها مصر، وعندما يحين الوقت، سوف يتضح ذلك للمصرين أنفسهم." (9)
قد يكون ما كتبه موريس دوفرجيه حول دور العامل النفسي وعلاقته بالصراعات السياسية، خاصة فيما يتعلق في تحليل ظاهرة الحرمان عند الأفراد، هو المدخل في فهم سلوكيات السادات.
فعامل الحرمان كما يقول دوفرجيه من شأنه أن يخلق لدي الأفراد رغبة في التعويض. فظواهر العنف والاستبداد يمكن أن تكون ثمرة ضعف نفسي، وعجز الفرد عن السيطرة على نفسه، وفرض احترامه على الآخرين، فيختبئ هذا العجز وراء الموقف المناقض تخفيا وتسترا.
وهناك تعليلات نفسية أخرى للاستبداد والتسلط والعنف ترجع ذلك إلى إخفاق أصاب الفرد أو أن الآخرين يستخفون به أو يعدونه دونهم قدرا. فالضعاف والحمقى والخائبون يحاولون أن يؤكدوا ذواتهم بإذلال من هم أعلى منهم، وبالسعي إلى إنزالهم إلى ما دون مستواهم. (10)
وجزء كبير مما قال به دوفرجيه ينطبق على الظروف الاجتماعية التي نشأ فيها السادات ورافقته طوال حياته"...فمن التعقيدات الدفينة في أعماق وجدان السادات انه ورث عن أمه كل تقاطيعها. وورث مع هذه التقاطيع مشاعر غاصت في أعماقه إلى بعيد." (11)
هل كان السادات..جزء من مؤامرة؟
كانت قائمة الاتهامات الموجهة للرئيس السادات من قبل خصومه وأعدائه تبدأ باتهام نظامه بالفساد، مرورا بأنه دمر المشروع الناصري، وصولا إلي ارتكابه جرم الخيانة الوطنية والقومية.
واستند أصحاب هذا الموقف وأغلبهم من المنتمين للتيارين القومي والإسلامي إلى:
أولا: إلي المنهج الذي اتبعه السادات في تعامله مع أعداء الأمس (الولايات المتحدة، وإسرائيل).
ثانيا: تعامله مع مؤسسات الحكم ومساعديه من المصريين، وعلاقاته بشركائه من العرب.
ثالثا: وهذا هو الأهم، حجم التنازلات التي قدمها السادات للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على حساب الأمن والمصالح الوطنية والقومية. لكن حجم المعلومات الموثقة والتي لم يجري تكذيبها حتى الآن، كان مصدرها الأستاذ هيكل، فقد أورد في مؤلفاته من المعلومات ما يدين ويجرم الرئيس السادات، دون أن يوجه للسادات أي اتهام بشكل مباشر.
بذخ السادات..ومصادر التمويل
لم يكن الترف والبذخ سلوكا خاصا وقاصرا على السادات وحده، وإنما شاركه في هذا أفراد أسرته، وفي المقدمة منهم السيدة زوجته جيهان السادات سيدة مصر الأولي..جاء هذا في وصف أحمد بهاء الدين الذي كانت تربطه بأسرة السادات علاقات شبه أسرية.." أنني أعرف تماما كل ما يوجه إلي السيدة جيهان السادات من اتهامات، سواء كانت اتهامات مالية أو اتهامات بالتدخل في شئون الحكم..وأستطيع أن أقول إنني شخصيا لست مؤهلا لمعرفة مدى نصيب هذه الاتهامات من الصحة…فالسيدة جيهان كانت تجمع في تكوينها مزاجين معا..فهي كما تهوي الأبهة والفخامة في أعظم صورها، فإنها تهوي بالدرجة نفسها ما نسميه بالأمزجة الشعبية الصميمة..تهوى أثمن الفراء والمجوهرات، كما تهوى الطعمية والفول المدمس!" (12)
أما سامي شرف فبحكم عمله كوزير لشئون رئاسة الجمهورية، وأقرب الناس معرفة بالأمور الخاصة بالرئيس وأسرته، فقد ذكر في شهادته ما يستدل منه، أنه كان يعلم الكثير عن علاقات السادات المشبوهة مع بعض أمراء الخليج، وتصرفاته المالية المتعلقة بالمؤتمر الإسلامي، وما يتعلق ببند المصاريف السرية. والهدايا التي كانت تصله من أمراء الخليج. (13)
وعلى ما يبدوا أن ميول البذخ قد ظهرت مبكرة عند السادات، وبالتالي كان لزاما عليه أن يبحث عن مصادر إضافية تساعده علي تلبية متطلبات هذا السلوك المترف، رغم ما قد يترتب على ذلك من إساءة تلحق بشخصه.
وقد ذكر السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه في السنوات الأولي للثورة تقاضى أجرا عن أحاديثه الإذاعية..مما جعله في موضع مساءلة.." سألني عبد الناصر عن أحاديثي في صوت العرب..وقال أن الإذاعة دفعت لي حوالي 400 جنيها مقابل تلك الأحاديث..قلت نعم..فعلا حدث...واستمر عبد الناصر في كلامه بما يشير إلى الناس تتكلم وأن كلام الناس كثير." (14)
ثم تأتي شهادة هيكل لتفسر وتربط بين ميول السادات لحياة البذخ، وبين عوامل نفسية ضاغطة عند السادات، ومناخ عام يسمح لنمو العلاقات الإنسانية..عبر تبادل الهدايا بين أفراد هم بحكم موقعهم يوجهون سياسات دول ومجتمعات.
ففي.." خلال سنوات عمل السادات في المؤتمر الإسلامي، كان السادات يتلقى الكثير من الهدايا في عالم يؤمن بالهدايا كوسيلة من وسائل توثيق الصلات. ومن سوء الحظ أن الهدايا الكثيرة التي تلقاها شجعت لديه ميلا مكبوتا للترف ضغطته سنوات الحرمان الطويلة. لكن الحق يقال أنه كان كريما في تقديم الهدايا قدر كرم الآخرين في تقديمها." (15)
ولا نعتقد أن الأستاذ هيكل قد قصد تقديم وصفا لشكل العلاقات السائدة فحسب. أو قصد أن يدلي بشهادة تؤكد كرم السادات تجاه الآخرين. وإنما ما قصده هيكل من وراء شهادته، هو أن يحرك فضول الباحث والقارئ ليسأل، من أين أتي السادات بالأموال التي تغطي نفقات بذخه؟
خصوصا إذا علمنا، أن السادات قد نشأ في أسرة فقيرة لم يرث عنها شيئا يساعده في تغطية نفقات بذخه وبذخ أسرته. فضلا عن ذلك، لم يكن دخله من الوظائف التي تولاها يكفى لتغطية ثمن الهدايا المتبادلة مع الآخرين والتي شملت..سيارة، وفراء ومجوهرات.
وهنا يتقدم هيكل ليضع أمامنا عدد من المصادر ساهمت في تمويل الترف المكبوت عند السادات. فيذكر أن السادات تولي رعاية شؤون ومصالح الشيخ المبارك الصباح الثرى الكويتي واللاجئ السياسي في مصر، وبطريقة سرية لا يعلم بها أحد في البدء، لكن واقعة شهيرة سنة 1966 كشفت عن علاقته بالشيخ المبارك الصباح.
فعندما وجه الكونجرس الأمريكي دعوة للسادات بوصفه رئيسا للبرلمان المصري، عندها المح السادات للشيخ الكويتي "…إلى أن بدل السفر الرسمي الذي يتقاضاه كان أقل مما ينبغي، فإذا بالشيخ المبارك الصباح يحرر له شيكا بمبلغ 35 ألف دولار، ووصل إلى علم عبد الناصر فطلب منه إعادة الشيك إلى الشيخ." (16)
ويذكر هيكل، أنه عندما أصبح السادات رئيسا للجمهورية اختفت المستندات، باعتبارها الشهادة الموثقة على علاقة السادات بالشيخ المبارك الصباح.
بعدها يتقدم هيكل خطوة ثانية، فيكشف لنا عن دور لكمال أدهم رئيس جهاز المخابرات السعودي في حياة السادات، ويحدد تاريخ العلاقة الشخصية بينهما إلي عام 1955، في وقت كانت مصر والسعودية تقفان في معسكرين متصارعين بسبب حرب اليمن.." والحقيقة أن الصلة بين الاثنين كانت وثيقة إلي حد أن جريدة أل واشنطن بوست نشرت على صدر صفحتها الأولى في عدد 24 فبراير 1977 أن كمال أدهم كان طوال الستينات يمد السادات بدخل ثابت. ولقد كان نشر هذه الواقعة ضمن سلسلة التسرب الكبير للأسرار الذي أعقبت (ووتر جيت)، ثم كشف وثائق المخابرات الأمريكية." (17)
فإذا ما عرفنا أن من بين الأسماء التي تولت إمداد السادات بالمساعدات المالية هو كمال أدهم رئيس جهاز المخابرات السعودي لتوصلنا إلى طرح السؤال..ماذا قدم السادات لكمال أدهم في مقابل إمداده بدخل ثابت؟ وماذا تعني إشارة هيكل..أنه عندما أصبح السادات رئيسا للجمهورية العربية المتحدة.." كان كمال ادهم من أول الذين ترددوا عليه ثم كان بعد ذلك من أكثر الذين كانوا يترددون عليه." (18)
والسؤال: ما هي دوافع هيكل في الكتابة حول وصف حياة الترف والبذخ للسادات وأسرته، وهو لا يملك مصادر ذاتية لتغطية تكاليف حياة البذخ؟ هل كان بقصد الإشارة إلي حالة ضعف آنساني أصيب بها السادات، دفعته إلي التورط في علاقات مشبوهة بحثا عن مصادر لتمويل سلوكيات ترفه، الأمر الذي يصبح فيه السادات صيدا لصقور المخابرات؟
وماذا يعنى تعبير..أن كمال أدهم كان من أول الذين يترددون على السادات؟ وماذا يعنى تعبير من أكثر الذين كانوا يترددون عليه؟ ومعروف عن الأستاذ هيكل أنه يختار كلماته بعناية ويزن مدلولاتها بدقة!
السادات لا يثق في أركان نظامه من المصريين..لماذا؟
استبعاد وزارة الخارجية:
ومع أن السادات كانت لديه القناة السعودية _لاتصالاته بالأمريكان_ فإنه بدأ يشعر بحاجته إلي قناة مستقلة تنقل ما يريده سرا إلي واشنطن. ومع قرب نهاية 1971 أصبح للسادات قناة اتصال سرية خاصة تولاها الفريق أحمد إسماعيل مدير المخابرات وبين يوجين ترون ممثل المخابرات الأمريكية. (19)
الأمر الذي أنهي عمليا أي دور لوزير الخارجية المصري محمود رياض وخبراء وزارته في إدارة شؤون مصر الخارجية، بل أكثر من هذا فقد تعطل دور وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز في التعامل مع مشكلة الشرق الأوسط، عندما تولي أمرها هنري كيسينجر.
ولقد لاحظ آخرون ممن تعاملوا مع الرئيس السادات بصورة مباشرة _ ومن بينهم الرئيس الأمريكي جيمى كارتر_ ظاهرة انعدام الثقة بينه وبين مساعديه من المصريين المرافقين له في الوفد التفاوضي في كامب ديفيد.
فكتب الرئيس كارتر في مذكراته "الحفاظ على الأيمان" التي نشرت في نوفمبر سنة 1982 بعد سنة من مقتل السادات ما نصه:" لاحظت في كامب ديفيد أن السادات يريد أن يتخذ قرارات مصر بنفسه ولم يكن يحب وجود أحد من مساعديه معنا. وكان يبدو بشكل أو آخر غير مستريح إذا كانوا قريبين منا. كان السادات يقضى وقتا قليلا مع مساعديه، على العكس من ذلك كان بيجين.
أما التفاوض مع مناحم بيجم فكان أكثر مشقة..يصفها كارتر: " كنا نعد أي صيغة نراها معقولة، ثم كنت أخذها للسادات الذي كان يلقى عليها نظرة سريعة ويوافق عليها بسرعة وأحيانا يدخل عليها تعديلات طفيفة. ثم كنت أؤخذ نفس هذه الصيغة إلى بيجين، وإذا بنا نقضي ساعات وأحيانا أياما يشترك فيها الوفد الإسرائيلي كله." (20)
ثم تأتي رواية وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم الذي رافق الرئيس السادات في مفاوضاته في كامب ديفيد لتؤكد علي صحة ما ورد في مذكرات الرئيس جيمي كارتر، وكيف كان السادات يتخذ القرار السياسي بصورة انفرادية جعلت وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم يقول أن:"...المشكلة الأولي بالنسبة لي _محمد إبراهيم كامل_ أصبحت تصرفات الرئيس السادات العفوية والمرتجلة والتي يفاجئنا بها دون سابق إنذار والتي تشكل خروجا وانحرافا عن الخط السياسي والتكتيكي الذي نتبعه. وغالبا ما ينتهي ذلك إلي أوضاع تسئ إلي موقفنا مما يتطلب منا مجهودا إضافيا لإصلاحه. وقلت ألا يري أسلوب الجانب الآخر؟ وأن مناحم بيجين لا يقدم على خطوة قبل أن يقتلها بحثا مع مجلس وزرائه. وأضفت أني أصبحت في حيرة من أمره وأجد صعوبة كبيرة في العمل معه." (21)
هذا النهج الذي فرضه السادات في طريقة تعامله مع القضايا المصيرية لمنطقة بأكملها، قد دفع بوزير الخارجية المصري أن ينظر إلي رئيسه نظرة ريبة وشك، فلم يعد يصدق أن كل ما يقوله السادات يمثل الحقيقة.
ويفسر محمد إبراهيم ذلك بقوله:"...لا شك أن إسرائيل كانت قد تجمعت لديها دراسة تحليلية كاملة لشخصية السادات وسيكولوجيته شارك في تكوينها ما زودها به هنري كيسينجر منذ مفاوضاته المكوكية في سنتي 1974 و1975، ودراستها لتصريحات السادات وأحاديثه وتصرفاته وما كان ينقله إليها عزرا وايزمان من خلال اجتماعاته المنفردة وأحاديثه المطولة مع السادات إلي غير ذلك من المصادر." (22)
ويصف وزير الخارجية المصري كيف كان يسمع لأول مرة عن تنازلات قدمها الرئيس السادات لإسرائيل دون استشارته، أو الحوار معه بشأنها، مبررا ذلك بقوله أنه يقدم هذه التنازلات من أجل الولايات المتحدة والرئيس كارتر شخصيا.
وكيف تراجع الرئيس السادات عن موقفه بقطع مفاوضات كامب ديفيد والعودة إلي مصر، بعد أن أبعدنا (أعضاء الوفد المصري) وأنفرد به الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. بعدها أبلغ السادات أعضاء الوفد المصري بأنه سيوقع علي أي شئ يقترحه الرئيس الأمريكي كارتر دون أن أقرأه، وعندما سأله محمد إبراهيم وزير الخارجية لماذا توقع عليه دون أن تقرأه؟ إذا أعجبنا فعلنا وإلا فلا نوقع. صاح السادات بل سأوقع عليه دون أن أقرأه.
الخلاصة التي انتهي إليها محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري ومن خلال تجربته مع السادات في كامب ديفيد أنه:" لم أعد أفهم شيئا مما يدور في عقله أو من تصرفاته وتقلباته غير المتوقعة، وقلت لنفسي بأن مثل هذا الشخص لو كان رب عائلة صغيرة لسارعت بالحجر عليه، فما البال وهو رئيس مصر يتحكم في مصائر أربعين مليونا من البشر.
هل هو بهذه البلاهة أم هل أصابه الجنون، ولماذا يتحول إلي عبد ذليل في حضرة كارتر يتلقى تعليماته كأنه موظف عنده..ولماذا؟ " (23)
حول نقد المنهج التفاوضي للرئيس السادات ورد في شهادة أحمد بهاء الدين ما يؤكد على غياب الثقة بين السادات ومعاونيه من وزارة الخارجية:" ففي المراحل السابقة من الاتصالات بيننا وبين إسرائيل، عن طريق الأمريكان. تمكن كارتر من تجاوز كثير من العقبات التي كانوا يقيمونها.
وفي إحدى مقابلاته مع الرئيس السادات قال له كارتر: أن إسرائيل تكرر حجة ليس لدي أي رد عليها..إنهم ما زالوا غاضبين بشدة لأنك ترفض لقاء علنيا مباشرا ورسميا بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي..أنهم يكررون أن رفض مصر هذا اللقاء المباشر العلني أمام العالم كله، وأمام الرأي العام المصري والعربي، معناه أن مصر ليست جادة في التوصل إلي سلام حقيقي..وأنها تريد أرضها بدون مقابل..وإلا فما الذي يجعل مصر تصمم على الاتصالات السرية أو على المناقشة عن طريق طرف ثالث؟ وأنا أدرك الصعوبات التي تواجهك لكي تقدم على هذه الخطوة، وحساباتك لردود فعل الرأي العام.
وفي النهاية سأل كارتر السادات: إذا تغلبنا على كل العقبات واطمأنت نفسي إلي أن إسرائيل مستعدة لأن تستجيب لكل الطلبات التي تراها ضرورية، فهل أنت مستعد في هذه الحالة لأن تقدم على هذه الخطوة التي لا مفر منها، وأن يتم لقاء رسمي وعلني على مستوي سفراء أو وزراء أو رؤساء وزارة، وجها لوجه؟
وأجاب السادات: نعم..وفي هذه الحالة أنا مستعد لذلك!!
بعدها فتح الرئيس السادات الورقة المطوية التي كانت في يده، وقال لي: هذا خطاب شخصي جدا لم يطلع عليه مخلوق. بخط جيمي كارتر..أنه يقول لي فيه أنه يعتقد أن الجانب الإسرائيلي وصل إلي ما نريد، وأنه آن الأوان لأن أنفذ وعدي السابق له بأن اقترح طريقة للقاء رسمي مباشر على مستوي عال بين مصر وإسرائيل…ولم يعطيني السادات، الخطاب لكي أقرأه، ولكنه أخذ يطويه عدة طيات حتى أبقي منه سطرا واحدا في آخر الخطاب يمكن قراءته..وقال لي: أقرأ هذه الجملة ! قرأت سطرا بخط جيمي كارتر هو آخر سطر قبل توقيعه يناشد السادات أن يلبي ما قاله لي مستخدما عبارة "I PLEAD TO YOU MR. PRESIDENT .." وترجمتها للعربية تعني " أرجوك يا سيادة الرئيس " أو " أنني أناشدك "أو" أنني أستعطفك".
وأخذ مني السادات الخطاب وطواه وأعاده إلي جيبه..وقال لي..أرأيت ! الرئيس الأمريكي يناشدني ويستعطفني " انه يعرف مدي شعبيتي في أمريكا! ولعلك قرأت في الصحف الأمريكية أنني لو رشحت نفسي للانتخابات في أمريكا لنجحت في الانتخابات!!!
ويستنتج أحمد بهاء الدين من هذا اللقاء.."أن هذه الواقعة أثارتني جدا..أثارتني لأنني شعرت أن السادات قد أصبح فعلا فوق سحابة عالية من الأحلام لا يمكن إنزاله منها، وأن الإعلاميين الإسرائيلي والأمريكي والغربي الهائلين قد أثروا فيه بأكثر من كل تصوراتي، ولا أنسي هنا أن أروي واقعة تكشف لنا عن الطريقة التي كانوا يعزفون بها على الأوتار التي تؤثر في السادات أن درسوا شخصيته بدقة…والمدى الذي ذهب إليه الإسرائيليين باللعب على عواطف الرئيس السادات…وأعود لأحاول الإجابة عن سؤال لم يطرح نفسه إلا بعد ذلك بزمن..فقد جاء في مذكرات الكثيرين من الجانب الأمريكي مثل كارتر وفانس ومن المصريين..الدهشة من السادات فكان يتساهل أحيانا أثناء مفاوضات كامب ديفيد في بعض الأمور أكثر مما كان يتساهل جيمي كارتر، مما كان يثير دهشة هذا الأخير." (24)
لقد ظل من أهم أهداف إسرائيل هو انتزاع الاعتراف بها من قبل أكبر دولة عربية هي مصر. لذا فإن محاولات إسرائيل تحقيقا لهدفها لم تتوقف. فقد سعت إلي الاتصال بالساسة المصريين قبل قيام ثورة 23 يوليو وبعدها.
فقد سبق لإسرائيل أن حاولت الاتصال بشخصيات مصرية مثل حسين سري باشا، وأحمد عبود باشا المالي الكبير، وإسماعيل شيرين مستشار الملك فاروق، وبساسة مقربين من حزب الوفد أمثال محمود أبو الفتح صاحب جريدة المصري.
كما يذكر انتوني ناتنج أنه جرت اتصالات بين عبد الناصر وموشي شاريت في عام 1953، عن طريق المكتب الصحفي التابع للسفارة المصرية في باريس وعن طريق غيره من قنوات الاتصال بين الحين والحين. (25)
ونحن نشك في أن ما أورده انتوني ناتنج غير صحيح وغير واضح، فهو لم يوضح..من هو الطرف الذي اتصل بالطرف الآخر؟ وهل استجاب عبد الناصر لما كان يطرحه موشي شاريت؟ أم أن ما جري كان في إطار إيصال رغبة من الطرف الإسرائيلي لعبد الناصر، شأنها شأن الكثير من المحاولات.
لقد أزاح هيكل الغموض وصحح الخطأ الذي ورد في كتاب انتوني ناتنج حول اتصالات ثورة يوليو 1952 بإسرائيل، معتمدا في ذلك على الوثائق الإسرائيلية، وعلى الوثائق المحفوظة في رئاسة الجمهورية:
" والذي حدث كما تروي الوثائق الإسرائيلية. هو أن أحد مستشاري سفارة إسرائيل في باريس سلم للوزير المفوض المصري"علي شوقي" خطابا من بن جوريون إلي اللواء محمد نجيب _ وعندما وصل الخطاب إلي القاهرة_ وكانت وزارة علي ماهر باشا هي القائمة بأمور الحكم فيها خلال الشهور الثلاثة الأولي_ كان قرار علي ماهر باشا بعد التشاور مع محمد نجيب وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة (ينهم جمال عبد الناصر) هوأن هذه المحاولة الإسرائيلية لا ينبغي الرد عليها.
ذلك أن الرد بأي جواب يعني الدخول في حوار مع إسرائيل لا يريده النظام الجديد ولا يستطيع تحمل عواقبه ثم إن الرفض الصريح قد يثير على الجانب الآخر ما لا لزوم لإثارتهم خصوصا في هذا الوقت المبكر من عمر النظام الجديد. وهو في كل الأحوال مشغول بفتح باب المفاوضات مع الإنجليز من أجل الجلاء، وليس في صالحه أن تتقاطع الخطوط وتتداخل بأي شكل في حوار مهما تكن طبيعته مع إسرائيل."
أما وجه الغرابة كما يراها هيكل:"أن الوثائق الإسرائيلية تواصل الإشارة إلي اتصالات ورسائل يجري تبادلها بين القاهرة وتل أبيب مرورا بباريس. ربما أضفت أنني أعرف عن تحقيق جري في شأن اللغز عندما بدأت بعض حكايات تتسرب إلي سماع الحكومة الأمريكية في الظروف التي كثف فيها الرئيس أيزنهاور مساعيه النشيطة لتحقيق "سلام في الأرض المقدسة". وهو ما يحاوله كلينتون الآن سنة 2000.
ثم حدث في تلك الفترة (أواخر سنة 1954) أن روبرت ماكلوي المبعوث الشخصي للرئيس أيزنهاور سأل في القاهرة عن نقطة معينة قال: أنها وردت في سياق رسائل متبادلة بين القاهرة وتل أبيب عن طريق باريس.
وبدأ ذلك في القاهرة مبعث دهشة وحيرة، ثم تقرر إجراء بحث تطور إلي تحقيق تبين منه أن بعض "الشطار" من المصريين في باريس قاموا بعملية لحسابهم الشخصي. ووفق تقرير مكتوب ومحفوظ في ملفات رئاسة الجمهورية في مصر وفي هيئة المخابرات العامة أيضا. فقد ظهر أن هؤلاء "الشطار" تطوعوا لعمل سياسي لا يدخل في اختصاصهم، ثم أقنعوا بعض الجهات في مصر وقتها بأنهم تمكنوا من تجنيد دبلوماسي مهم بالسفارة في باريس.
وأنهم حصلوا منه على معلومات سرية في مقابل مبالغ يدفعونها له _وعلى الناحية المقابلة_ فإن ذلك الدبلوماسي الإسرائيلي جرى إيهامه بأنه فتح خط اتصال مع القاهرة. ودار كلام وطارت مبالغ حولتها المخابرات المصرية وقتها إلي باريس لصالح "عملية مهمة". ثم تبين في النهاية أنها أحلام صغيرة على الناحية، وأوهام كبيرة على الناحية الأخرى!"
"ووجد جمال عبد الناصر نفسه مضطرا إلي إبلاغ "ماكلوي" بأن ما وصل إليهم عن اتصالات تجري في باريس "هجص" ( حسب تعبير) لا أساس له. ثم يعترف بأن بعضهم لسوء الحظ وجدها وسيلة لزيادة دخله والاستمتاع بمباهج الحياة أكثر في باريس.
وأن إجراءات مناسبة قد تم اتخاذها. ثم أوضح عبد الناصر ل"ماكلوي" أنهم (يقصد الأمريكان) كان يجب عليهم أن يستدلوا بالمنطق العادي على أن نظاما قام على حركة بدأت من القوات المسلحة، وبدأت كرد فعل لتجربة حرب فلسطين التي شارك فيها عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة _كان مستحيلا عليها استحالة كاملة أن تقترب_ وفي بداية أيامها من أي مغامرة مع إسرائيل وراء سيناء، وخصوصا أن أمامها أزمة مع الإنجليز الذين يحتلون ضفاف قناة السويس." (26)
لقد رفض عبد الناصر أي شكل من أشكال الاتصال بينه وبين قادة إسرائيل. كما أن جميع الوساطات التي سعي إليها كلا من النائب العمالي البريطاني "ريتشارد كروسمان"، ومحاولة الإدارة الأمريكية في عقد لقاء بين ناصر وبن جوريون، أو أي لقاء على أي مستوي.
حتى وبعد أن تراجع المطلب الأمريكي إلي مطالبة الرئيس ناصر بأن يكتب خطابا موجها إلي الرئيس أيزنهاور في الوقت الذي يكتب فيه بن جوريون خطابا موجها للرئيس أيزنهاور مما يوفر الفرصة في البحث عن نقاط الخلاف أو التقارب.
ولقد جرت محاولات من قبل رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي كوسيجين، وناحوم جولدمان مستعينا بوساطة الرئيس تيتو. كما تردد أسم هنري كوهين الذي ترأس أكبر الأحزاب الشيوعية في مصر "حركة حدتو"، ثم جاء عمدة "فلورنس" هو الآخر ليتوسط، بعدها كان الدور على الرئيس الروماني تشاوشيسكو. وهكذا رغم تعدد المحاولات فإنها لم تحقق أي تقارب أو لقاء بين ثورة يوليو وإسرائيل..فقد ظل عبد الناصر على موقفه.( 27)
ويذكر أحمد بهاء الدين أن موشي ديان قد أرغم واحدا من الشخصيات الفلسطينية قدري حافظ طوقان من زعماء الضفة الغربية على حمل رسالة إلي عبد الناصر يعرض عليه فيها:"…أن الروس لن ينفعوه وأن الأمريكان لن ينفعوه..الروس لن يعطوه سلاحا يتفوق على السلاح الأمريكي يمكنه من هزيمة إسرائيل. وأمريكا لم يعد لديها قوة ضغط على إسرائيل كما يتوهم، مهما فكر في تنازلات يعطيها لأمريكا. وأن إسرائيل تعرف تماما أن القوتين العظميين لا مصلحة لأحدهما في إيجاد حل سلمي ينهي الصراع. وأن أمريكا وروسيا على السواء تحاول كل منهما استخدام إسرائيل لتحقيق مصالحهما في إطار صراعهما…وأن متاعب إسرائيل وشكوكها في أهداف أمريكا لا تقل عن متاعب جمال عبد الناصر وشكوكه في أهداف روسيا…قل لجمال عبد الناصر أن يجربنا مرة واحدة ! نحن نعترف أن لديه ألف سبب للشك فينا كإسرائيليين..ولكننا تعلمنا الكثير كما تعلم هو الكثير..إننا ندعوه بكل قوة وصدق أن يجرب التفاهم مباشرة معنا دون أي وسيط سرا أو علنا! على مستوي عسكريين أو مدنيين!..على مستوي وزراء أو سفراء! بل على مستوي أصغر موظفين في أبعد سفارتين لنا في العالم ! المهم أن يحاول أن يجربنا مباشرة وبجدية..أمريكا وروسيا معا لن تعطياه أي شئ..نحن وحدنا الذين نعطيه ما يشاء! ولا سبيل لذلك إلا الاتصال المباشر بدون أي طرف ثالث". (28)
كان موقف عبد الناصر الرافض لأي اتصال سري مع قادة إسرائيل قائما على إدراكه أن تلك المحاولات من شأنها أن تلحق أضرارا بالعلاقات بين مصر والكثير من الدول العربية، وأعتبر.." أن منطق أي لقاء سري مستبعد. والأفضل منه إذا كان هناك شيء يستحق..أن تكون الأمور كلها علنية لا يخفي منها شيء على الرأي العام العربي. (29)
لقد أجري أحمد بهاء الدين مقارنة بين منهجين متناقضين للاتصال والتفاوض مع إسرائيل. الأول يمثله عبد الناصر، والثاني يمثله السادات. فمع عبد الناصر كان الإسرائيليون على استعداد لتقديم تنازلات وإعطاء عبد الناصر ما يريد _رغم وجود سيناء تحت الاحتلال_ في الوقت الذي لم يحصل فيه السادات على الكثير رغم ما حققه المصريون من نصر عسكري في حرب أكتوبر 1973.
كما استنتج بهاء الدين أن رسالة إسرائيل إلي عبد الناصر عبر قدري حافظ طوقان قد أوصلت نفس الرسالة إلي أنور السادات وأنه أقتنع بهذا القول. كما ربط أحمد بهاء الدين بين محتوي الرسالة، وبين ما طرحه السادات في مبادرة 4 فبراير 1971."
استبعاد وزارة الحربية:
بعد انقلاب مايو 1971 أصبح السادات طليق اليد، فلم يعد مجبرا في أن يشرك مؤسسات الدولة والنخبة السياسية التي تشاركه السلطة في القرارات المصيرية المتعلقة بمصر وبمحيطها العربي. وتحول مبدأ عدم المشاركة الحقيقة في القرارات السياسية الذي أعتمده السادات إلي قاعدة في تعاملاته مع المصريين في داخل دائرة السلطة أو خارجها. فالرئيس يصدر أوامره وتعليماته، وعلى العاملين معه بغير حوار، أو مراجعة في تنفيذ تلك الأوامر.
وتطبيقا لقاعدة تهميش مؤسسات السلطة..وخضوعا لقاعدة المضطر الذي يريد أن يحقق خطوات ترضي الرئيس الأمريكي وبالتالي إسرائيل، نري السادات يستبعد مؤسسة الجيش (وزارة الحربية) في إشراكها في أخطر القرارات العسكرية، مثل قرار إنهاء عمل الخبراء السوفيت الذي فاجئ به وزير الحربية محمد صادق "…الذي اعترته الدهشة حين أطلعه السادات على نواياه يوم 7 يوليو، قبل يوم واحد من قيامه بإخطار السفير السوفيتي بقراره الخطير." (30)
فتم إخراج السوفيت من مصر بطريقة مهينة، رغم أن وجودهم كان بطلب من عبد الناصر، وأن هناك اتفاق جري بين ناصر والقيادة السوفيتية يقضي بترحيل الخبراء السوفيت قبل اندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل، وكان السادات على علم بهذا الاتفاق.
فلماذا أقدم السادات على اتخاذ قراره بدون استشارة المؤسسة العسكري؟ ولماذا تم الإعلان عن قراره بهذا الأسلوب المهين للسوفيت؟ وهل توقع السادات أن يحصل لمصر على مكاسب من الأمريكيين والإسرائيليين في مقابل هذا الإجراء ؟
وهنا نورد تعليق هنري كيسنجر على إجراءات السادات بشأن الخبراء السوفيت في مصر، حيث يمكن تقييم ما قاله كيسينجر كنقد موجه لقرار السادات.." لماذا لم يقل لنا ما كان ينوى أن يفعله. ربما لو قال لنا لكنا قدمنا له شيئا في المقابل "وفى السياسة كما في أي شئ آخر فإن أحدا ليس مستعدا لأن يدفع ثمنا في شئ حصل عليه بالفعل." (31)
وبهذا يكون السادات قد أضاع مكاسب كان يمكن لمصر أن تحصل عليها مقابل إبعاد السوفيت تماما عن مشاركة فعالة في قضية الصراع العربي_ الإسرائيلي.
أم أن الثمن الذي رغب السادات في الحصول عليه مقابل طرد الخبراء السوفيت هو أن يكون وحده في الدائرة الضوء والشهرة..كما يذهب البعض؟ وهل يمكن أن تصبح الشهرة بديلا عن تحقيق المصالح الوطنية؟
" كان السادات يعرف أن قرار إخراج الروس سوف يكون قرارا دراماتيكيا إلى آخر درجة، وأنه سوف يثير العالم كله، ولم يكن لديه الاستعداد لأن يشاركه في أضواء هذه اللحظة أحد. ولقد تصور أنه بمجرد إعلانه قرار طرد السوفيت فإن الأمريكيين سوف يكونون سعداء إلى درجة تجعلهم يستجيبون لأي شئ يطلبه. وفى ذلك كانت حساباته خاطئة." (32)
ويضيف هيكل:" وفى الحقيقة _وللأنصاف_ فإن الاتحاد السوفيتي لم يقصر في معاملة مصر أثناء حرب أكتوبر أو بعدها مباشرة، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل _بصرف النظر عما قيل أو يقال_ أن كل ما تحقق في حرب أكتوبر تحقق بسلاح سوفيتي. وبعد حرب أكتوبر مباشرة فإن الاتحاد السوفيتي قدم لمصر250 دبابة من طراز (تى 62) هدية من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي تعويضا عن خسائر الحرب. كما أنه باع إليها فيما بعد ثلاث أسراب من طائرات الميج 23 المتطورة.
ومع ذلك فقد كانت مكافأته هي استبعاده من مؤتمر جنيف ديسمبر 1973...وفى إبريل 1974 كان السادات عنيفا في هجومه على الاتحاد السوفيتي بأنه قصر في التزامه بتعويض مصر عن كل خسائرها في القتال دون أن يشرح الأساس الذي جعله يتصور أن هناك التزاما سوفيتيا بتعويض مصر عن خسائرها." (33)
وينفي الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ما قاله السادات عن موقف الروس من قضية دعم مصر عسكريا، وأن ما كان يقول به أو يكتبه السادات ملئ بالأكاذيب، خاصة حول ما ذكره السادات من:" أن السوفيت لم يعطونا شيئا، ونحن الذين صنعنا الكباري التي عبرنا عليها." (34)
ويضيف سعد الدين الشاذلي أن السادات قد تسبب في إحداث كوارث عسكرية ثم نسبها لغيره من الأفراد، كما جري بخصوص الثغرة العسكرية على الضفة الغربية لقناة السويس. وأن السادات كان يكذب على العرب:"المصيبة الكبرى أننا في بلد ما يقوله رئيس الجمهورية هو الصحيح، وما يقوله الآخرين خطأ." (35)
إن استبعاد كلا من وزارة الخارجية والحربية في المشاركة بالرأي ليطرح العديد من الأسئلة: ماذا لو أن الاتحاد السوفيتي تعامل مع الرئيس المصري، فأوقف دعمه الاقتصادي، والعسكري، والسياسي لمصر..ردا على الإهانة الموجهة إليه من السادات؟
هل كان بإمكان الجيش المصري أن يحقق ما حققه في حرب أكتوبر عام 1973 بدون الدعم العسكري السوفيتي؟ ولماذا كان الرئيس المصري يوجه ندائه إلى الشعب المصري يطالبه فيه بمعاداة الولايات المتحدة الأمريكية ثم يسلك هو سياسة مناقضة تماما لنداءاته؟ "…الأمريكان لما أقول الأعداء يبقى هم الأعداء الأصليين وليس الإسرائيليين." [36)
................
على أثر المظاهرات التي قام بها الطلبة المصريون عام 1972، بسبب عدم وضوح موقف السادات من قضية تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل بعد عدوانها في يونيو عام 1967. فقد صدر بيانا سياسيا عن صفوة النخبة المثقفة في مصر تؤيد الحركة الطلابية، ووقع عليه ما يقرب من مائة صحفي، وعددا من الكتاب المشاهير في مصر من بينهم نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم الذي صاغ عبارته الشهيرة والتي يستشف منها السخرية، والتشكيك في مصداقية ما يقال ويصدر عن القيادة السياسية في مصر حول قضية تحرير الأرض.
تقول هذه العبارة:" لقد كثر الكلام عن المعركة دون معركة حتى صارت المعركة مضغة في حلوقنا لا نستطيع أن نبتلعها ولا نستطيع أن نلفظها." (37)
وعلى أثر صدور هذا البيان السياسي الصادر للكتاب والصحفيين في مصر. شن السادات حملة هجوم على الجميع، لكنه ركز هجومه على الكاتب الروائي الشهير توفيق الحكيم معتبرا إياه.." رجل عجوز استبد به الخرف وانه يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، وانه في مقابلته مع الدكتور حاتم أبدى آراء انهزامية. ثم أضاف أنها محنة أن رجل رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض في أواخر عمره." (38)
كانت دائرة الشكوك حول السادات تتسع وتستقطب الكثيرون من الداخل والخارج. فقد تأكد لأحمد بهاء الدين من خلال الحوار الذي دار بينه وبين السادات حول مظاهرات الطلبة في عام 1972، أن السادات ينوي القيام بفعل شئ ما..وغير معروف للمصريين:
"هل نسيت مظاهرات وأحداث 1972 وبيان الكتاب والصحفيين؟ لقد كنت أنت شيخ هذا البيان واستخدمت العجوز المخرف بتاعكم توفيق الحكيم…وعندما قررت نقل هؤلاء إلي الاستعلامات استثنياك أنت وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ". ورد أحمد بهاء الدين على تعنيف السادات له بقوله:"يا سيادة الرئيس أنني لن أدافع عن نفسي في هذا الموضوع ولكنني أريد أن أدافع عن أصغر طالب جامعي خرج في المظاهرات وهتف ضدك مقتنعا بأنه لن تكون هناك معركة عسكرية…كان لديك يا سيادة الرئيس قائد عام للقوات المسلحة ونائب رئيس وزراء ووزير دفاع اسمه صادق…كان يزور معسكرات الجيش ويتكلم مع الضباط والجنود ويقول لهم أنه لن يكون هناك معركة عسكرية…وأنه ليس لدينا سلاح…وأن الروس لا يردوننا أن نحرر أراضينا." (39)
ثم تأتي رسالة توفيق الحكيم إلي الرئيس السادات كتبها في حضور عدد من مشاهير المثقفين في مصر، وحملها إليه الأستاذ محمد حسنين هيكل. وقد ورد في هذه الرسالة أن د. عبد القادر حاتم القائم بأعمال رئيس الوزراء قد أبلغ هذه الصفوة من المثقفين:
" بأن هذه المعركة في الحقيقة لن تكون أكثر من مناوشة محدودة يستلفت بها أنظار العالم إلى خطورة الموقف المتفجر في المنطقة ليسرع إلى منع الكارثة بتسوية مقبولة. وقال _عبد القادر حاتم أيضا_ إن التسوية التي تقبلها مصر ليس بالضرورة الانسحاب الكامل دفعة واحدة، بل يكفى الحل الجزئي في إطار الحل الشامل." (40)
وعندما قرأ السادات رسالة توفيق الحكيم أصيب بصدمة شديدة _حسب وصف هيكل_ وسأل هيكل:"محمد..هل هناك صورة أخرى من هذا الخطاب؟ "…فتجاهلت مقصده الحقيقي وقلت له..إن الخطاب كما ترى بخط يد توفيق الحكيم". وكان تعليق السادات على ما جري:
" كنت أتصور أن حاتم يصلح رئيسا للوزراء وأنا الآن أعرف حدوده". ثم أضاف" إن توفيق الحكيم يجب أن "يعقل" ولم يكن له أن يكتب مثل هذا الكلام ولا حتى لي...بدت لي كل هذه التعليقات غريبة في معانيها ودلالاتها، ولكني أرى بعيني وأسمع بأذني، ولم يكن أمامي غير أن أصدق ما أراه وأسمعه مهما كانت مرارته." (41)
"ولم تمضى إلا أسابيع حتى راح السادات يشيد بتوفيق الحكيم الذي اتهمه بالخرف وبأن قلمه يقطر بالحقد الأسود، وفيما بعد أنعم عليه بأرفع وسام مصري، وهو قلادة النيل." (42)
وكعادة الأستاذ هيكل لم يذكر لأحد أسباب الصدمة التي أصابته من جراء ردة فعل السادات على رسالة توفيق الحكيم. ولا فسر لنا هيكل فحوي تساؤلات السادات ومدلولات كلماته التي سمعها منه؟ وهو المحلل الكفء، والذي توفرت له فرصة الإلمام بأبعاد المشكلة كلها أكثر من أي شخص آخر.
لقد حصر هيكل مهمته في إطار دور الراوي، حتى لا يتهم بأن ما يرويه عن الرئيس السادات كان بسبب دوافع شخصية وتصفية حسابات. وترك للقارئ مهمة التحليل المتشعب والذي يقبل أكثر من تفسير، ويقود إلي العديد من الاستنتاجات من بينها توجيه تهمة ارتكاب جرم الخيانة العظمي إلي السادات.
فمن بين المعاني والاستنتاجات التي وردت في رواية هيكل هو أن د. حاتم قد أوصل معلومات خاصة بخطط السادات، إلي أطراف ما كان يجب أن تعرفها، فالحكيم ونجيب محفوظ ومن شاركهم في هذا اللقاء يمثلون صفوة النخبة الفكرية والثقافية في مصر، ويمكن أن تكون لردود أفعالهم ما قد يفسد على السادات سياساته وخططه.
ويبن حرص السادات على أن تبقي خططه غير معروفة للصفوة من المصريين، لإدراكه أن لا أحد من أفراد الصفوة يشاركه الرأي، ويتقبل سياسته المتعلقة بالقضية الوطنية والتي يجري التعامل معها وفق نهج تكتيكي يسعى لتضليل الرأي العام في مصر والمنطقة العربية.
وبهذا لم يعد الرفض لخطط السادات وتوجهاته محصورا في مؤسسات الدولة، سواء الدور المنوط بوزارة الخارجية التي شهدت تتابع استقالات أربعة من وزراء الخارجية المصريين في الفترة من زيارة السادات إلي القدس المحتلة( تاريخ)، وصولا إلي توقيع معاهدة كامب ديفيد (تاريخ)، أو المؤسسة العسكرية (الجيش).
كانت أغلب الروايات تذهب إلي أن السادات يراوغ بشأن الحرب مع إسرائيل، لكن تلك السياسات كانت تصطدم بموقف المجتمع المصري بكل طوائفه ومؤسساته، الذي وصل إلي قناعة كاملة بأن إسرائيل لن تعيد لمصر سيادتها وحقوقها بالتفاوض، وإنما من خلال معركة عسكرية يستعيد بها المصريون أرضهم وكرامتهم، وكان الشعب المصري على استعداد لدفع تكاليف هذا النصر العسكري.
كذلك، اصطدمت رؤية السادات وخططه بالقواعد والنهج الذي أرساه عبد الناصر في أسلوب التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة حول دورها في إطار الصراع العربي_ الإسرائيلي، حيث أعتبر ناصر أن أمريكا.."…لا تملك وحدها أو تقدر على حل المشكلة. فالاتحاد السوفيتي طرف في معادلة القوة في الشرق الأوسط ولا يمكن استبعاده، بل إن مصر ليست مستعدة لاستبعاده بعد كل ما قام به، لكن ذلك ليس قيدا على القرار المصري…كما أن هناك وباستمرار مشكلة في أي مشروع تتقدم به الولايات المتحدة، فحجم الإرادة وراء هذه المشروعات مجهول على الأقل بالنسبة للأطراف العربية…وأن الولايات المتحدة لا تقيد نفسها بمشروع تتقدم به، وإنما تغيره طبقا للضغوط التي تتعرض لها، ولهذا فإن ما تقدمه الولايات المتحدة لا يمكن وصفه بأنه حل متكامل، وإنما اقتراح من جانبها.
وإذا كان الأمر أمر مقترحات، فالأمم المتحدة هي المجال.
وإذا كانت هناك نية في جعل المقترحات الأمريكية فاعلة في حد ذاتها، فمن الأفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع كل الأطراف قبل تقديم أية مقترحات. كما أن التشاور مع الأطراف الدولية مهم.
ثم إن احتكار تصورات الحل لمقترحات أمريكية، مع ما هو مترسب لدي العرب من تحيز أمريكي لإسرائيل، كفيل بأن يثير من اللحظة الأولي شكوكا عربية في أي مبادرة لا تحمل غير الهوية الأمريكية." (43)
وهنا يتبن لنا أن أننا أمام رؤيتين متناقضتين في التعامل مع قضية الصراع العربي_ الإسرائيلي. رؤية عبد الناصر الذي يطرح المقاومة كسبيل وحيد في التعامل مع الصراع العربي_الإسرائيلي. وإذا كانت هناك فرصة _ وهي ضئيلة للغاية_ لحل سياسي للصراع العربي_ الإسرائيلي، فإن ناصر كان يرفض التعامل مع تلك المبادرات بسرية..وبعيدا عن الرأي العام العربي.
أما السادات فكان ينطلق من قناعته بأنه لا قدرة للعرب على المقاومة، وأن عليهم القبول بما تفرضه موازين القوة لأطراف الصراع، مما يعني القبول بتقديم تنازلات جوهرية للطرف الأقوى، على أن يجري تقديم تلك التنازلات وفق صياغة تراعي عدم استفزاز الرأي العام العربي، وأن تجري في إطار من السرية.
كان الجديد الذي جاء به السادات..قد لخصته معادلته الشهيرة القائلة..أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك بيدها 99% من أوراق حل الصراع العربي_ الإسرائيلي.
كانت معادلة الرئيس السادات فضلا عن كونها تحمل الكثير الكثير من المبالغة والإفراط والخطأ في تقييم دور الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها كانت تمثل خطوة تمهيدية..ومدخلا له على طريق إقناع الرأي العام المصري أولا برؤيته في التعامل مع الصراع العربي_الإسرائيلي، ومبررا له في قبول الشروط الأمريكية كاملة، بمعني آخر القبول بشروط إسرائيل بشكل غير مباشر.
إلباس المبادرات الأمريكية والإسرائيلية..الزي الفرعوني
عندما جاء كيسنجر إلى القاهرة في 6 نوفمبر 1973 بدأت الأشياء كل الأشياء تتبدل، وكانت البداية هي تغيير الصورة التي كان عليها الاتحاد السوفيت قبل حرب أكتوبر عام 1973، فأصبح "الاتحاد السوفيتي هو العدو الحقيقي...وأن هذه سوف تكون آخر حرب بين مصر وإسرائيل." (44)
تشكلت الاستراتيجية الجديدة كما حددها السادات في التخلص من الإرث الناصري:"إن الجيش الثالث ليس لب المشكلة في واقع الأمر، فأنا أريد أن أفرغ من مشكلته لأتحول إلى مهام أكبر، فأنا مصمم على إنهاء ميراث عبد الناصر ( determiny to end Nasser , legacy) وأريد أن أعيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبأسرع ما يكون". (45)
ووفقا لرواية الصحفي الأمريكي جوزيف كرافت أن السادات يريد القيام بتغييرات أساسية في توجهات السياسة المصرية:"علاقة إستراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة تكفل تنسيقا مصريا أمريكيا كاملا في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأنه خلال الحركة من أجل تنفيذ هذا الاتفاق الإستراتيجي، فإن الرئيس السادات يريد من الولايات المتحدة الأمريكية تعهدات بحماية نظامه وحماية شخصه في فترة يتوقعها حافلة بالقلاقل والمشاكل." (46)
إن مطلب السادات المباشر في أن تتولي الولايات المتحدة الأمريكية حمايته، لدليل آخر نضيفه إلي ما سبق من أدلة في أن الرئيس السادات كان مقتنعا بأن الغالبية لا تؤيده في سياساته، وأن الأطراف التي سيتم التسليم بشروطها، ومن ثم تأمين مصالحها..ستكون حريصة على حياة السادات..أكثر من حرص المصريين.
لقد فاجئ السادات هنري كيسنجر بطلب هو أن يترك له تولى طرح المبادرات الأمريكية والإسرائيلية باعتبارها مبادرات ومقترحات مصرية. يذكر كيسنجر:" قال لي _السادات_ فكرة أعجبتني، فقد طلب أن نكف عن تقديم مقترحات ومبادرات تحمل أسم الولايات المتحدة أو علمها، وقال لي، إذا جاءتكم فكرة أو خطرت لك مبادرة، فأعطوها لي وأنا أقوم بطرحها باعتبارها اقتراحا أو مبادرة مصرية. ثم شرح لي أسبابه قائلا: إن شعوب المنطقة ترسب لديها شك كبير في أي شئ تتقدمون به أو تتقدم به إسرائيل. إذا تقدمت إسرائيل باقتراح وقبلته أنا، فسوف أجد من يصيح في وجهي بأن القبول باقتراح إسرائيل خيانة.
وإذا تقدمتم انتم _أمريكا_ باقتراح أو مبادرة وقبلته أنا، فسوف أجد من يصيح في وجهي بأن هذه تبعية. وأما إذا تقدمت أنا باقتراح أو مبادرة ولم يعجب الآخرين، فأقصى ما يمكن أن يقولوه أنه خطأ. ولكن عندما تقبلون اقتراحي أو مبادرتي، وتقبله إسرائيل، فإن هذا القبول سوف يبين أن رأينا هو الذي ساد، وهذا في حد ذاته يعطى للمصريين نوعا من الرضا كفيل بتهدئة المشاعر وتجاوز الشكوك." (47)
وتطبيقا لما قال به السادات في إلباس المقترحات الإسرائيلية أو الأمريكية لباسا فرعونيا، فقد قبل السادات بمقترحات تقدمت بها جولدا مائير ليكسنجر لعرضها على السادات، في الوقت الذي كان فيه كيسنجر يتشكك كثيرا في قبول السادات لتلك المقترحات، وعندما عرضها عليه كيسنجر "أمسك السادات بالورقة وألقي نظرة عليها، ثم قال على الفور: حسنا إنني أوافق. والأكثر غرابة أنه في مؤتمر صحفي عقده الاثنان بعد انتهاء محادثاتهما، فإن أنور السادات قال للصحفيين _دون أن تطرف له عين_ إنه هو الذي قدم النقاط الست، وأسماها كالعادة (نقاطه الست)." (48)
ومن المفارقات التاريخية، أن السادات استخدم نفس الأسلوب وقام بنفس الدور الذي سبق لأمين عثمان (باشا) الاضطلاع به في إطار أحداث 4 فبراير من عام 1942. فقد كان أمين عثمان يمثل حلقة الوصل بين المندوب السامي البريطاني السير مايلز لامبرسون بوصفه الحاكم الفعلي في مصر، والنحاس باشا.
فعندما طلب المندوب السامي من أمين عثمان أن يزرع في عقل النحاس باشا فكرتين:
"الفكرة الأولى: أن يقنع النحاس بالعمل على تعيين "حسين سري" رئيسا للديوان بدلا من حسنين.
والفكرة الثانية : العمل على نقل حسنين ليصبح رئيسا للتشريفات.
وخشية من أمين عثمان الذي تراء له أنه إذا ما طرح مطالب السفير البريطاني بطريقة متغطرسة وإملائية لا تحترم ولا تقدر مكانة ودور النحاس باشا..فمن المحتمل أن يرفضها النحاس باشا، فأقترح أمين عثمان على المندوب السامي البريطاني لامبرسون " بأنه سوف يعمل وفق ما طلب منه، ولكنه سوف يوحي للنحاس باشا بأن هذه الأفكار من عنده وليس من عندي". ووافق المندوب السامي!! (49)
وهذا ما فعله السادات مع هنري كيسنجر بعد 31 سنة. أما المفارقة القدرية أن السادات قدم للمحاكمة بتهمة اغتيال أمين عثمان باشا، والذي كان ينظر إليه في مصر بأنه واحد من عملاء سلطة الاحتلال البريطاني!!
السادات يبلغ الأمريكان بخططه العسكرية
إن من أهم الوثائق إثارة للجدل تلك.." الرسالة التي بعث بها السادات ووقع عليها مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل يوم السابع من أكتوبر عام 1973، ولم يمضي على بدأ القتال أكثر من عشرين ساعة، وبعد أن نجح المصريون في عبور قناة السويس.
وكان أخطر ما ورد في هذه الرسالة ما جاء في الفقرة رقم (6)، والتي تتضمن تبليغ الولايات المتحدة الأمريكية بنواياه السادات وخططه العسكرية:" إننا لا نعتزم تعميق مدي الإشتباكات أو توسيع مدي المواجهة".
لقد تناول هيكل تحليل ما ورد في الرسالة من حيث الشكل والمضمون:
فمن ناحية الشكل فإن هذه الرسالة جري توصيلها إلي هنري كيسنجر عن طريق القناة السرية التي تمر عبر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية…ومعني ذلك أن السرية كانت موجهة إلي وزارة الخارجية المصرية وإلي الوفد المصري في نيويورك الذي لم تكن لديه بالطبع وسيلة لمتابعة الاتصالات الجارية في القناة الخلفية. في حين أن كيسنجر كان يتعامل مباشرة مع الوفد الإسرائيلي ومع السفارة الإسرائيلية في واشنطون.
يتصل بهذا الجانب من ناحية الشكل أمر على درجة شديدة من الخطورة. ذلك أن العودة إلي هذه القناة السرية في هذا الوقت…كانت تعني العودة إلي ما قبل الحرب وقبل العبور المعجزة، فإن الجانب المصري، سواء وعى ذلك أو غاب عنه، عاد إلي استئناف الحديث مع كيسنجر من حيث تركه آخر مرة في فبراير1973، مع أن الصورة العامة بعد القتال اختلفت تماما عما قبله. وكان أبسط ما تقتضيه وتفرضه الحقائق المستجدة على الجانب المصري هو أن يعطى نفسه بداية جديدة تتناسب مع حجم التغيير الكبير الذي تحقق منذ ساعات بما يشبه قوة انفجار نووي. أما من ناحية الموضوع، فإن بعض العبارات كانت_ ولا تزال_مثيرة للدهشة والاستغراب:
1_ إن العبارة التي وردت في الرسالة والتي جاء فيها بالنص في البند (6) من الرسالة.."إننا لا نعتزم تعميق مدي الإشتباكات أو توسيع مدي المواجهة". كانت أول مرة_ربما في التاريخ كله_ يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة، ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حرية في الحركة السياسية والعسكرية على النحو الذي يراه ملائما له وعل كل الجبهات.
وذلك أن هذا التعهد ب "عدم تعميق مدي الإشتباكات أو توسيع مدي المواجهة" معناه بالنسبة لإسرائيل _وقد كانت الرسالة في خاتمة المطاف واصلة إليها_ أنها تستطيع أن تعيد ترتيب موقفها بأعصابها هادئة، وتستطيع تنظيم أولوياتها. وقد كان ذلك ما حدث فعلا، واختارت إسرائيل _الواثقة من نوايا الجانب المصري_ أن تركز كما تشاء على الجبهة السورية، ثم تعود بعد ذلك إلي الجبهة المصرية لتصفية بقية الحساب." (50)
لم يوجه هيكل إلي السادات أي تهمة، ولكنه أورد من الوثائق، وما اتبعها من تحليلاته ما يكفي لتوجيه تهمة الخيانة العظمي للرئيس السادات. فما حملته الرسالة من شأنه أن يعرض الأمن القومي المصري لخطر حقيقي، هذا فضلا عما تعرض له الأمن السوري، ومن ثم الأمن القومي العربي من خطر حقيقي قد وقع بالفعل.
يروي الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر، كيف مارس السادات الكذب على القيادة السورية من قبل أن تبدأ الحرب.." ففي شهر إبريل 1973 أخبرني وزير الحربية بأنه يرغب في تطوير هجومنا في الخطة لكي يشمل الاستيلاء على المضايق. فأعدت له ذكر المشكلات المتعلقة بهذا الموضوع…وبعد نقاش طويل أخبرني بأنه إذا علم السوريين بأن خطتنا هي احتلال 10_15 كم شرق القناة فإنهم لن يوافقوا على دخول الحرب معنا، وأخبرته بأن بإمكاننا أن نقوم بهذه المرحلة وحدنا.
وأن نجاحنا سوف يشجع السوريين للانضمام إلينا في المراحل التالية، ولكنه قال أن هذا الرأي مرفوض سياسيا، وبعد نقاش طويل طلب إليَّ تجهيز خطة أخري تشمل تطوير الهجوم بعد العبور إلى المضايق، وأخبرني بأن هذه الخطة سوف تعرض على السوريين لإقناعهم بدخول الحرب، ولكنها لن تنفذ إلا في ظل ظروف مناسبة، ثم أضاف قائلا:" فلنتصور مثلا أن العدو تحمل خسائر جسيمة في قواته الجوية _وهو عنصر التهديد الأساسي_ وأنه قرر سحب قواته من سيناء، فهل سنتوقف نحن على مسافة 10_15 كم شرق القناة لأنه ليس لدينا خطة لمواجهة مثل هذا الموقف"؟
لقد كنت أشعر بالاشمئزاز من هذا الأسلوب الذي يتعامل به السياسيون المصريون مع إخواننا السوريين، ولكني لم أكن لأستطيع أن أبوح بذلك للسوريين. وقد ترددت كثيرا وأنا أكتب مذكراتي هذه، هل أحكي القصة أم لا، وبعد صراع عنيف بيني وبين نفسي قررت بأن أقولها كلمة حق لوجه الله والوطن. إن الشعوب تتعلم من أخطائها، ومن حق الأجيال العربية القادمة أن تعرف الحقائق مهما كانت هذه الحقائق مخجلة." (51)
في الوقت الذي أخفي فيه السادات عن مساعديه من المصريين خططه ونوياه، نجده يستدعي قيادات فلسطينية لإبلاغها بخططه المتعلقة بالحرب وبالحل. جاء هذا في شهادة فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية في 11/8/2002، أي بعد ما يقرب من 30 عاما من حرب أكتوبر عام 1973.
يروي فاروق القدومي أنه ذهب برفقة أبو أياد (صلاح خلف) للقاء السادات تلبية لدعوته، وكان هذا قبل بدء حرب أكتوبر عام 1973 بشهر ونصف تقريبا، قال السادات لهما:
" سوف أخبركم بشئ. بكره هتقوم الشرارة وهقطع القناة وبعد 10 كم هوقف، وهتيجي الدول الكبرى تحوش بينا، ولذلك عايزكم تجيبوا 400_500 فدائي وتكلموا المشوار. ومش عايز بالفعل يعرف أحد". (52)
إذا كان السادات يبرر إخفاء نواياه وخططه عن معاونيه من المصريين بغية حرصه لعدم تسريب معلومات تتعلق بأهم القضايا وهي قضايا الحرب، فلماذا أبلغ السادات القيادات الفلسطينية؟ _ لماذا كشف السادات أوراقه للقيادات الفلسطينية وأخفاها عن المصريين؟ ماذا لو أن القيادات الفلسطينية لم تجد في خطط السادات ما يحقق لها مصالحها، فأقدمت على كشف خططه؟
لقد انطوي إبلاغ السادات للقيادات الفلسطينية عن خططه على عدد من الحقائق:
- أنه أكد على الفجوة الكبيرة بينه وبين معاونيه من الوزراء المصريين خاصة في وزارة الخارجية، ووزارة الحربية، وأصحاب الرأي والفكر في مصر.
- أن التبليغ في حد ذاته يؤكد على صحة الاستنتاجات التي توصل إليها محمد حسنين هيكل أن رسالة السادات من حيث الشكل أكدت على أن تغييب دور المصريين.
- أنه يؤكد – أيضا- على صحة الاستنتاجات التي توصل إليها أحمد بهاء الدين، بأن السادات ينوي فعل شئ ما، بغير مشاركة من المصريين.
- لقد تكرر ذكر المسافة التي سوف تصل إليها القوات المسلحة المصرية شرق قناة السويس والتي حددت ب 10 كم ( في مبادرة موشي ديان، مبادرة السادات 4 فبراير 1971، الخطة العسكرية لعبور الجيش المصري إلي الضفة الشرقية لقناة السويس 10_15 كم، ثم تكرار نفس الرقم 10 كم في حديث السادات مع القيادات الفلسطينية)، هذا الرقم اللغز (10 كم) يشير إلي أمرين:
- أن يكون قد جري بشأن هذه المسافة اتفاقا مباشرا بين السادات والولايات المتحدة الأمريكية. _ أو أن يكون قد جري بشأن هذه المسافة اتفاقا غير مباشر، بمعني، أنه ورد في الأحاديث التي كانت تجري بين هنري كيسنجر والسادات، وترك للسادات وباتفاق غير مباشر أيضا أن يختار توقيت الحرب، لكن بغير أن يتخطى المسافة التي ذكرناها وهي 10 كم، بعدها يتم وقف إطلاق النار، وتلجأ الأطراف المتحاربة إلي تسوية سياسية تتولاها الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها.
الجائـزة ..هي دور مصـر
دور مصــر في محيطها العربـــي والدولـــي:
إن أفضل من تناول دراسة دور مصر في محيطها العربي والخارجي هو العالم الجغرافي د. جمال حمدان الذي تناول بالتحليل مكونات وعناصر هذا الدور:" فأول ما تنفرد به مصر الضخامة...وهى حقيقة أدركها دائما جيرانها طوال التاريخ قديما وحديثا. فمصر وحدها هي ثلث العرب...إذن مصر على أساس الحجم البشرى الدولة الأولى بين العرب…ففي كل محيط جغرافي واسع نجد عادة دولة ضخمة الحجم تحيط بها كوكبة من الدول الصغرى نسبيا، ولا تملك هذه إلا أن تشعر بثقل وزن الدولة الأولى سياسيا وحضاريا: كالصين في شرق أسيا...والهند في جنوب القارة، وألمانيا في وسط القارة الأوربية، والولايات المتحدة في أمريكا الشمالية، والبرازيل في الجنوبية...ولكن مصر لا تستمد ثقلها من الحجم الخام وحده، بل ومن تجانسها الشديد أيضا، فوحدتها الجنسية واللغوية مطلقة، وأقليتها الدينية تعد محدودة…وكل من الأغلبية والأقلية على حدة لا تعرف التشيع أو التشرذم الطائفي، والكل يؤلف وحدة وطنية على درجة نادرة من التماسك في الوطن العربي...ومصر هي البلد العربي الوحيد الذي لا يعرف القبائل ولا القبيلة ولا مشاكلها السياسية والاجتماعية التقليدية.
"...في التغيير السياسي تسجل مصر المعاصرة ثورة واحدة...من هنا كانت مصر أكثر من عضو ضخم في الجسم العربي، أنها رأس، ورأس موح ومؤثر. ثم هي جهاز عصبي مركزي فعال...أن مصر كانت أسبق الدول العربية إلى المجال العالمي وأقدرها عليه...ومن هذه الأوضاع جميعا تحتمت على مصر مسئولية الحماية والدفاع عن العروبة، ابتداء من الصليبيات والتتار حتى الاستعمار الأوروبي الحديث والاستعمار الصهيوني الأحدث...من نفس هذه الأوضاع ينبع عداء القوى الاستعمارية لمصر...فهم يعلمون عن يقين أن هنا قلعة العرب وهنا مفتاح القلعة فكانت دائما هدفا لضارباتهم ومؤامراتهم…ومحاولاتهم الدائمة لعزل مصر.
ولا نكاد نسمع عن مثلها بالنسبة للبلاد العربية الأخرى...ففي وزن مصر وقوتها يكمن خطرها، ولكن أيضا الخطر عليها. ويأتي موقعها الجغرافي ليمنحها المزيد من التفرد وأبرز ما في هذا الموقع أنه كالقلب من الجسم، وهمزة الوصل بين أسيا العربية وأفريقيا العربية...فهي التي قدمت المغرب العربي إلى المشرق العربي تاريخيا وجغرافيا...وفى كل الحالات كانت تلعب دور المنار للإسلام ودور المنبر للعروبة...فإن تكن أرض الجزيرة هي جزيرة العرب فيزيوغرافيا واثنولوجيا، فإن مصر هي جزيرة العرب سياسيا وقوميا...فبحكم الموقع وبحكم هذه العلاقات النقية مع العروبة فإن مصر _وحدها تقريبا_ هي التي امتصت واستوعبت عناصر عينات من كل الشعوب العربية أو معظمها .
...إن هذا الوضع الخاص نفسه كان دائما سلاحا ذو حدين، فطالما استغله أعداء مصر وأعداء العروبة ضد مصر وضد العروبة. فهذا الوضع الخاص لا يعنى بداهة إلا شيئا واحدا هو "الزعامة الطبيعية" في العالم العربي، أو أن مصر في العالم العربي كالقاهرة في مصر، وهذا بالدقة ما يفزع الاستعمار." (53)
لقد أثار دور مصر العربي جدلا بين رواد عصر التنوير د. طه حسين الذي كان يدعوا إلى التوجه نحو أوروبا والارتباط بحضارتها، بينما انصب جهد ساطع الحصري إلي التنبيه إلى أن"...قدر مصر ومكانتها في إطار العروبة...وراح منذ مطلع الثلاثينيات يكتب حول هذا الموضوع ، وسط التيار الرئيسي للقومية المصرية آنذاك الذي كان يمثله من المفكرين أحمد لطفي السيد وطه حسين، ووسط تيار عربي يميل إلى النظر إلى بغداد لا القاهرة باعتبارها مركز الحركة العربية...إن الحديث عن جهد ساطع احصري لا يعنى تجاهلا لبعض المفكرين المصريين أمثال إبراهيم المازني وزكى مبارك ومحمود عزمي." (54)
لقد نجح الحصري في حواراته مع د. طه حسين الذي سلم في النهاية بما ذهب إليه الحصري، فانتقل من القول بأن مصر تشكل بمفردتها أمة قائمة بذاتها إلي القول:" أن الوحدة العربية كما يفهمها ذووها يجب أن تتحقق بشكل إمبراطورية جامعة، أو اتحاد مشابه للاتحاد الأمريكي أو السويسري ". ويصل د. طه حسين إلي أبعد من ذلك عن التوافق بين العقل المصري القديم، والعقل المصري الحديث في دور توحيدي.
فالعقل المصري القديم يدعو إلي صيغة الخلافة والوحدة الإسلامية، وأن العقل الحديث يدعو إلي الانضمام إلي نظام الحكم المعاصر والوحدة العربية.
ويسجل ساطع الحصري:" إن أهم الأحداث التي لا بد من تسجيلها في صحائف تاريخ نشوء الفكرة القومية في البلاد العربية _ بكل اهتمام هو: القفزة الرائعة التي قفزها التفكير السياسي والعمل الوطني والشعور العام في مصر من فوق متاهات اللاعروبة إلي مرتفعات العروبة الحقَّة. كان ذلك بفضل إيمان الرئيس جمال عبد الناصر وعمله البطولي المتواصل." (55)
ويؤيد ما قال به المفكر القومي العربي ساطع الحصري حول دور عبد الناصر في بناء التيار والحركة القومية العربية في مصر، مفكر قومي عربي ذائع الشهرة هو د. عبد الله عبد الدايم. فيصف أن الفكرة العربية القومية كانت ضعيفة للغاية ويجهلها الكثيرون في مصر قبل ظهور عبد الناصر:" كان الكثيرون إما على جهل بالقومية العربية، وإما لا يعبئون بها. وكنا نحن طلاب في ذلك الحين _ في القاهرة _ (أعتذر إذا قلت هذا) نُعَلِّمَ أساتذتنا معني القومية.
وكنا نجتمع بهم أحيانا في منازلهم ونتحدث إليهم عن الحركة القومية والمد القومي. وأنشأنا رابطة باسم رابطة الطلاب العرب…وبدأنا بنشاط عربي كبير في ذلك الحين لكن ظل محدودا…الفكرة القومية مفروض أن تكون مسيرة طويلة وليست مسيرة قصيرة محدودة العمر.
إن عبد الناصر لا شك أنه قفز بها قفزة إلي حد ما جريئة أكثر من اللازم، وكان له الفضل في ذلك. فلولا عبد الناصر لما دخلت القومية العربية إلي مصر بهذه السهولة. فله فضل كبير لأنه فعلا أدخل القومية العربية إلي مصر. لكن عندما أدخل القومية العربية إلي مصر ما أشرك الجماهير الشعبية الكبيرة في الحركة القومية. أعطاها الشعارات التي تعنيها( التخلص من الإقطاع، المصانع، الشغل) لكنه لم يصنع نظرية قومية.
وضع نظريات وأفكار عن طريق التجربة والخطأ. كانت النتيجة أن الجماهير الشعبية التي كانت تصفق له، لكن بقي الفكر القومي عند الطليعة المثقفة. ويسجل للتاريخ أن بقيت بقية من المثقفين الناصريين يفخر بها العالم العربي." ([56])
د. نديم البيطار وهو مفكر عربي تخصص في دراسة القضايا الوحدة والقومية، كتب حول دور مصر في قضية الوحدة العربية يقول:"...أشرت إلى أن أهم القوانين الأساسية هو قانون الإقليم _القاعدة_ الذي يجب أن يتوفر لعملية الانتقال من التجزئة إلى الوحدة…وأن مصر في العصر الناصري كانت تمثل النموذج للإقليم القاعدة، وبغياب الناصرية جمد وشل عمل القوانين الأخرى التي تتوفر لنا، في الواقع، بشكل قل أن تتوفر لأية تجربة وحدوية أخرى.
كما يشير نديم البيطار _أيضا_ إلى أن الساداتية تسير في طريق مسدود. وأن مصر سترجع إلى دورها كقاعدة، لأن الحل الوحدوي هو الحل الوحيد." (57)
رؤية المحيط الخارجي..لدور مصـر:
الرؤية البريطانية لدور مصر:
كان الصراع السياسي والعسكري بين قوى الاستعمار الأوروبي من البريطانيين والفرنسيين للسيطرة على مصر يمثل اعترافا بالدور المتميز لها في محيطها العربي، ويأتي مشروع هنرى كامبل عام 1905 من أجل تشكيل جبهة استعمارية للسيطرة على المنطقة العربية لأطول فترة ممكنة، كدليل يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لدور مصر من الناحية الجيوبوليتيكية، والسياسية والتاريخية والثقافية والدينية. (58)
الرؤية الإسرائيلية لدور مصر:
حول أهمية دور مصر في محيطها العربي، خاصة دورها في إطار الصراع العربي الإسرائيلي..كتب شيمون بيريز.." ينبغي الملاحظة أولا، أن ثمة مرشحين عربا للصلح مع إسرائيل. هناك مرشحون من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة (مثلا لبنان، الأردن، تونس) لكن ما ينقص هو المرشح الأول.
وهذا المرشح الأول كان دائما وسيظل أبدا..مصر. إن مفتاح السلم وخطر العدوان يوجد إذن في مكان ما على ضفاف النيل. مصر هي مقدمة الصف كما أنها أهم الدول العربية." (59)
أما حول دور مصر في ظل قيادة عبد الناصر أشار شيمون بيريز:
" علينا إذن أن ندرس موقف مصر تجاه الخلاف العربي_الإسرائيلي: يبدو لي أن جمال عبد الناصر يؤمن لمصر، بشخصيته وسياسته، الانتقال من مصر القديمة، الملكية، الخاضعة للعوامل الأجنبية، المتخلفة، إلى مصر الحديثة الأكثر استقلالا، والتي سيزداد نموها في المستقبل أكثر فأكثر.
إلا أنه من الصعب أن يستطيع رجل واحد، أو جيل واحد، أن يؤمن انتقالا من هذا النوع نظرا لكبر الهوة وعمقها...إن طبيعة الحركة الناصرية لا تضمن إحلال السلم المطلق. فالواقع أن هذه الحركة هي حركة تبشيرية.
وما أكثر أصدقاء عبد الناصر الذين يعتبرونه أعظم رجل عربي منذ النبي محمد...فعبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" يتحدث عن الدوائر الثلاث التي يريد أن يضع بلاده وحركته في وسطها (الدائرة العربية، الدائرة الإسلامية، الدائرة الأفريقية). فطموحه في مستوى القوى العالمية التي يشملها.
وما دام عبد الناصر ينقاد لهذا الطموح، فإن مكانه في التاريخ سيرتبط بالانتصارات التي يحققها خارج الحدود المصرية، فالسلم في الشرق الأوسط سيظل في خطر، وسلامة إسرائيل لن تكون مؤمنة...لكن القادة العرب لا يقبلون بأن يتولى ناصر قيادة أمورهم…ومع ذلك فكل القادة العرب مضطرون للقبول بسلطته بسبب المشكلة الإسرائيلية.
لذلك فإن الوحدة العربية تحت ظل عبد الناصر لا يمكن أن تكون إلا وحدة سلبية. أعنى أنها موجهة ضد إسرائيل، حتى إذا عدل عبد الناصر عن مشاريعه العدوانية ضد إسرائيل وجد عليه أن يتخلى، حكما، عن كل أمل بتوحيد العالم العربي." (60)
وهنا نجد أن شيمون بيريز قد أشار إلي نقطة على جانب كبير من الأهمية، حينما ربط دور مصر في إطار الصراع العربي _ الإسرائيلي وبين توحيد المنطقة العربية، بمعني أن وحدة العرب مرهونة بتحرير كامل التراب الفلسطيني.
الرؤية الأمريكية لدور مصر:
تخيل وزير خارجية الولايات المتحدة جون فوستر دالس في فترة ما، أن تسوية للصراع العربي_ الإسرائيلي يمكن أن تتم من خلال حلف يجمع العرب والإسرائيليين، وكانت خطة دالس مؤداها أنه ربما كان الأفضل أن تبدأ عملية السلام بين العرب وإسرائيل بالدول العربية الصغيرة (الأردن، لبنان)، وانتهت تجربته باغتيال الملك عبد الله، ورئيس وزراء لبنان رياض الصلح، فعاد دالس إلي الاقتناع بأنه إذا كانت هناك فرصة لتحقيق سلام بين العرب وإسرائيل، فإن السبيل الوحيد لتحقيقه لا بد أن يبدأ من القاهرة." (61)
وتوالت المشاريع الأمريكية لتضع مصر ودورها في مركز الصدارة. لكن مصر عبد الناصر رفضت المشاريع الأمريكية، حلف بغداد، الحلف الإسلامي، ومشروع أيزنهاور. لكن ظل الحلم الأمريكي في إخضاع مصر ودورها مستمرا، حتى تهيأت فرصة تحقيقه في فترة حكم السادات.
رؤية الاتحاد السوفيتي لدور مصر:
إن حجم المساعدات الاقتصادية الذي قدمها الاتحاد السوفيتي لمصر، وهي مساعدات تأتي في المرتبة الأولي -قياسا- كما أشرنا في السابق على غيرها من المساعدات التي كان يقدمها الاتحاد السوفيتي لكل من الصين، والهند، ودولا من أوروبا الشرقية.
يضاف إلي ذلك المساعدات المستمرة في مجال التسليح، والصناعة. ثم الدعم السياسي للإتحاد السوفيتي ومعه كل أطراف حلف وارسو من دول أوروبا الشرقية دعما للقضية العربية ومصر موازيا للدعم الأمريكي الأوروبي لإسرائيل.
كل هذا ليؤكد على أهمية مصر ودورها بالنسبة للإتحاد السوفيتي. ففضلا عن تحقيق حلم الروس في الوصول إلي المياه الدافئة، فقد هيئ التعاون بين القاهرة وموسكو الفرصة في أن يصبح هناك تواجدا ودورا للاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية وإفريقيا، مخالفا لدور الاستعمار الغربي القديم والحديث.
السادات..والمقايضة على دور مصر
هل تعامل السادات مع دور مصر..بالمؤامرة؟
لقد ظلت خطط السادات ومشاريعه محبوسة لا يمكنه الإعلان عنها، حتى جاءت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لتخلق له رصيدا سياسيا جرى تضخيمه بشكل مصطنع، ليكون نقطة البدء في انقلاب متكامل ومترابط في أهدافه ومبرمج في مراحله.
بدأ المشروع الانقلابي المتكامل للرئيس السادات بالتسليم بشروط الولايات المتحدة الأمريكية كاملة. وظهر هذا واضحا في إطار ما عرف بالاتفاق الإستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة، ثم انضمت إليه إسرائيل في سنة 1974، ففي حديث لصحيفة "جيروزاليم بوست" في 16 إبريل 1982، صرح إسحاق رابين أنه:" في سنة 1974 كان هناك اتفاق بالتراضي بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وإسرائيل على مفهوم إستراتيجي واحد يرتكز على ثلاث نقاط:
أ - إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقود عملية السلام في المنطقة مع إبعاد الاتحاد السوفيتي تماما. وكذلك أوروبا الغربية.
ب - أن كلا من مصر وإسرائيل سوف تكونا حجر أساس توأمين في سياسة للمنطقة تقودها الولايات المتحدة.
ج - أن عملية السلام سوف تتم على مراحل." (62)
كان دور مصر الجديد بقيادة السادات، معاكسا تماما لما كان عليه دورها في فترة الحقبة الناصرية، وبالتالي فإن هذا الانقلاب في دور مصر يمثل في حد ذاته الجائزة الكبرى، وهو المدخل لإحداث تغييرات جذرية، تشمل مجمل علاقات المجتمع المصري، داخليا، وعربيا ودوليا.
هذا التغيير الذي شمل دور مصر تحت حكم السادات يفسر الأسباب، ويمثل إجابة على العديد من الأسئلة، ومن بينها..لماذا كانت أجهزة الاستخبارات في السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تحرص على أن تمد السادات بمرتب ثابت؟ ويفسر لماذا تدفقت المعونات والقروض المالية من الولايات المتحدة الأمريكية وأنظمة الخليج النفطية على نظام السادات، بينما منعت في السابق عن النظام الناصري؟
فبموجب هذه القروض والمساعدات المالية للنظام الجديد في مصر، أن ساهمت في خلق شريحة اجتماعية روعي في نشأتها أن تظل مصالحها مرتبطة بالتبعية للمشروع الغربي المتعلق بمصر وبالمنطقة العربية.
ونتيجة لتغيير وتغييب دور مصر، وما طرأ على علاقات مصر بإسرائيل تحولت مصر إلي دولة شرق أوسطية، شأنها شأن تركيا أو باكستان أو إيران زمن الشاه.
هل كان السادات يجهل حقيقة..دور مصر؟
هناك من يقول أن خطأ السادات في تعاملاته مع دور مصر عائد لجهله بمكونات هذا الدور. وكان هيكل من بين من أشاروا إلي هذا النقص عند السادات. فهو لم يدرك حقيقة دور مصر ومكوناته..وإمكانياته.." فلم يكن يفهم الطبيعية الحقيقية لمصر _ ولقد سطحها فيما كان يقوله عن أخلاق القرية_ لكن طبيعة مصر كانت أمرا مختلفا عن هذا التسطيح، وكذلك كانت علاقات مصر ببقية شعوب الأمة العربية.
ولقد استطاع فقط أن يفهم أن مصر هي القائد الطبيعي للعرب، لكنه أفترض أن العرب سوف يكونون مرغمين على إتباعه في أي طريق يختاره، وكان ذلك خطأ. إن جوهر القيادة وقوة الفعل الكامنة فيها مسألة أعقد بكثير مما كان تصوره. لكنه لم يكن يرى ذلك. ولقد خلط في هذه المسألة بين الرئاسة والقيادة. فالرئاسة لها طاعة بالقانون، ولكن القيادة لا يمكن أن تمارس دورها إلا بالإقناع الكامل بأن الدور الذي تقوم به يعبر عما يشعر به الآخرون في ضمائرهم ويعجزون وحدهم عن تحقيقه. فالرئاسة سلطة، أما القيادة فدور وإذا توقف أداء الدور فان دعوى القيادة التي تترتب عليه تفقد حقها في أن تقود." (63)
والسؤال: هل صحيحا أن السادات كان يجهل حقيقة دور مصر؟ لأنه أخطأ في فهم مكونات هذا الدور؟ " كان السادات كثيرا ما يعطي الانطباع بأن تصرفاته وليدة انفعالاته، ولم يكن ذلك صحيحا في المطلق. ربما كان صحيحا في بعض المسائل الصغيرة، لكنه في المسائل الكبرى كانت قرارات السادات دائما ما تجئ نتيجة حسابات طويلة. وإن كانت هذه الحسابات تدور وتجرى وتصل إلي نتائجها داخل شخصيته الخاصة والعوامل التي كونتها." (64)
أم أن ما أصاب دور مصر بالشلل والتجميد كان نتيجة اتفاق سري بين السادات وبين من لهم مصلحة في إلغائه؟ نحن لا نتفق مع مقولة الأستاذ هيكل بأن السادات كان يجهل مكونات الدور وتفاعلاته في إطار محيطه العربي.
إذا سلمنا بعجز السادات عن فهم طبيعة دور مصر، فكيف نفسر _مثلا_ تهديد السادات بأنه سوف يطلب من الشعب المصري أن يدير ظهره للعرب، وذلك ردا على الرفض الشامل لمجمل سياساته المتعلقة بدور مصر في محيطها الإقليمي؟
وهل كان تغيير أسم الجمهورية العربية المتحدة وعلمها، إلي جمهورية مصر العربي بغير دلالة سياسية مرتبطة بدور مصر؟ وأن هذه التغييرات التي نفذها السادات كانت تتم بسبب رؤيته الجاهلة..التي لم تقدر ولم تستوعب حقيقة دور مصر العربي؟
لقد كان دور مصر من أهم الموضوعات المطروحة على قائمة المقايضة، ففي مقابل تجميد دور مصرفي محيطها العربي، كان انسحاب إسرائيل من سيناء. ففي حديث جري بين أحمد بهاء الدين والدكتور محمود فوزي _أهم شخصية دبلوماسية مصرية في القرن العشرين_ حول المقايضة على دور مصر في مقابل عودة سيناء، كانت شهادة د.محمود فوزي على النحو التالي:
" لقد عرضت سيناء على مصر وأنا في السلطة مرتين، مرة في عهد عبد الناصر ومرة في عهد السادات، وقد رفضا الرجلان العرض وأنا أشهد أمامك بذلك. وقلت له: أنا أصدق أن سيناء عرضت علينا ورفضناه..وعندما خطب جمال عبد الناصر وردد شعار "القدس قبل سيناء" أخذت هذا الشعار على محمل الضغط السياسي والعمل النضالي فحسب.
قال د. فوزي: لقد عرضت علينا سيناء مرتين ولكن بشروط لا يمكن أن يقبلها أي رئيس دولة مصري مهما كان اتجاهه. وسأل أحمد بهاء د. فوزي: ما هي هذه الشروط المستحيلة؟
أجاب د. فوزي: كانوا مستعدين لإعادة سيناء كاملة بلا زيادة ولا نقصان! أما الشرط المستحيل فهو: أن تخرج مصر من العروبة نهائيا وبجميع الأشكال!! يعني تصبح دولة شرق أوسطية أو دولة البحر الأبيض المتوسط، ولكن ألا تعود لها صلة سياسية بأي شكل مع ما يسمي بالعالم العربي..تصبح تركيا أو اليونان أو إيران!
إن تركيا وإيران دولتان مسلمتان وفي مجلس الأمن مثلا يصوتان دائما ضد إسرائيل، ولكن الحرب مع العالم العربي كله، لا يعني أن تدخل تركيا أو إيران الحرب. هذا هو الموضوع المطلوب من مصر مقابل سيناء..ولا أصدق للحظة واحدة أن السادات سيقبل أو يستطيع أن يقبل ذلك.
ثم جاءت المحادثات المصرية_ الإسرائيلية لتكشفت بدورها عن أهمية دور مصر في إطار الأمن الإسرائيلي، وقد عبر عايزر وايزمان في حديثه مع الجنرال الجمسي عن ذلك بقوله..:" اسمع يا جنرال جمسي ! أنت رجل عسكري وأنا رجل عسكري..وكلانا يعرف أن هذه المستوطنات _الموجودة في سيناء_ ليس لها أي قيمة عسكرية على الإطلاق..ولكن المسألة سياسية تماما. إننا واثقون من نوايا السادات.
ولكن السادات لن يعيش إلي الأبد..فلنفرض أن خلافا نشب يوما بيننا وبين سورية أو الأردن مثلا..ماذا يكون رد فعل مصر؟ هل هو الفعل التلقائي القديم بأن تكون مع الطرف العربي مخطئا أم مصيبا؟ وحربا وسلما؟ أم ستتصرف كدولة على علاقات مع كل الأطراف تميز بين المخطئ والمصيب وتكتفي بإدانة من تراه مخطئا؟ لو أننا نضمن استمرار هذه الروح الجديدة التي لم تمتحن بعد لأخلينا ليس المستوطنات فقط، ولكن لأخلينا النقب كله!! فلا مصلحة لنا في وجود جبهة مصرية نواجهها!
ويعلق أحمد بهاء الدين بقوله:"عندما سمعت هذه القصة على لسان المشير الجمسي وجدته تفسيرا عمليا لما قاله لي د. محمود فوزي بالضبط قبل سنوات..وشعرت يومها أن السادات قد سار بمصر فعلا في طريق مستحيل، وأن المسألة أخطر من مجرد عقد معاهدة صلح مع إسرائيل ووجدت في نوعية حملات السادات والإعلام الموالى له ضد العرب بعد كامب ديفيد. إن حفر الهوة التي تستحيل بها إقامة أي جسر مع العرب أمر مقصود لذاته وجزء غير مكتوب من الثمن." (65)
ومن المؤكد أن السادات قد أدرك أن سياساته وطموحاته قد عزلته مصريا وعربيا برغم الضجيج الإعلامي من حوله، وأصبحت حياته الشخصية في خطر حقيقي، فلم يتردد من أن يطلب من صديقه هنري كيسنجر أن.." تتولى الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل مسئولية أمنه، لأنه يعرف أن مؤامرات كثيرة سوف تحاك ضده من السوفيت ومن العرب، بل ومن بعض العناصر في داخل مصر نفسها." (66)
خلاصة
من خلال كتابات أساتذة لنا من بينهم الأستاذ أحمد بهاء الدين، وأستاذنا محمد حسنين هيكل تعلمنا..وتعلم الكثيرون من أبناء جيلي _ ونحن في مطلع صبانا_ أن التهمة بغير دليل تسيء لصاحبها، وعرض وفهم الأشياء بغير منهج مضيعة للعقل وتبديدا للوقت. لذا فنحن في حالة من الدهشة لهذا التحول الذي أقدم عليه الأستاذ هيكل في الموقف والرأي، خصوصا بالنسبة للقيادات الناصرية.
كان حياد هيكل يمثل مصدرا من مصادر قوته، لأنه يبقي صاحبه دوما في دائرة موضوعية تنعكس ايجابيا على كتاباته وتحليلاته. وعلى غير العادة لم يكن هذا موقفه بالنسبة للقيادات الناصرية، فكانت سمة التجني والتعسف سمة ظاهره في الرواية والتحليل الخاصة بالقيادات الناصرية..خاصة والأستاذ هيكل يتفرد وحده _من بين الكتاب والسياسيين في المنطقة العربية، وحتى من بين الأفراد الذين كانوا على اتصال مباشر بالسلطة بمن فيهم تلك القيادات الناصرية_ في تقديم أهم وأغزر مادة للتأريخ السياسي للمرحلة الناصرية، والمرحلة التي شملت فترة حكم السادات.
ونحن نعتقد أن ما جاء في المادة التاريخية..وفي التحليلات التي قدمها هيكل..والمتعلقة بالقيادات الناصرية، قد اختلط فيها العام بالخاص، وأن الحديث بصراحة حول تلك القيادات لم يكن كله صريحا.
فعلي سبيل المثال..تحول التأريخ لبداية الانقلاب على المشروع الناصري إلي معركة سياسية، والتراشق بتوجيه الاتهامات. فكان هناك انقسام بين الكتاب والباحثين..وبين من شاركوا في أحداث مايو 1971، حول الإجابة على السؤال متى بدأ الانقلاب على المشروع الناصري.
فمنهم من راح يؤرخ لانقلاب السادات على المشروع الناصري فربطه بأحداث مايو عام 1971. ومنهم من قال أن انقلاب السادات على المشروع الناصري جاء عقب حرب أكتوبر عام 1973.
والحقيقة أن الانقلاب على المشروع الناصري قد بدأ تنفيذه بعد أن توفرت الشروط الموضوعية لهذا الانقلاب، والتي وفرت له النجاح.
فأحداث وفرت تصفية القيادات الناصرية، وبالتالي فانقلاب 15 مايو عام 1971 لم في ظاهرة انقلابا على المشروع الناصري بشكل مباشر، وإنما وفر انقلاب 15 مايو الشرط الأول فهيئ وأنجز المرحلة للانقلاب الشامل فيما بعد على المشروع الناصري. فبعد أحداث مايو عام 1971 لم يكن هناك مؤشرات واضحة ومباشرة تشير إلي أن هناك نوايا أو محاولات انقلابية على المشروع الناصري.
ثم جاءت حرب أكتوبر لتستكمل بدورها الشرط الثاني، وبتوافر الشرطين توفرت الظروف الموضوعية للبدء في الانقلاب على المشروع الناصري بشكل بدأ في البداية غير مباشر، لكن معدلات الانقلاب كانت متسارعة، وأصبح التخفي أو الإنكار أمرا غير ممكن.
بمعني أن التخلص من القيادات الناصرية عقب أحداث مايو عام 1971 كانت لازمة، فبغير ذلك لم يكن في مقدور السادات أن يتفرد بجني ثمار انتصار أكتوبر العسكري على الإسرائيليين وحده، لأن هناك من سيشاركونه في هذا النصر ويأتي الرئيس جمال عبد الناصر على رأس القائمة..والتي ستضم أيضا القيادات الناصرية. وعندها يصبح مجرد التفكير في تصفية المشروع الناصري أو الاقتراب منه أمرا محفوفا بالمخاطر لأصحاب هذا التوجه.
وبهذا، يكون العد التنازلي للقيام بتصفية المشروع الناصري قد بدأ مع أحداث 15 مايو عام 1971، وتكون حرب أكتوبر عام 1973 بنتائجها قد أعطت الضوء الأخضر للبدء في تنفيذ تصفية المشروع الناصري.
لذلك فنحن نري أن التأريخ لبداية الانقلاب على المشروع الناصري قد بدأ بعد أن توفرت شروط التغيير. فكان انقلاب مايو 1971 يمثل المرحلة الأولي الغير معلنة بالانقلاب على المشروع الناصري..مبتدءا بالانقلاب على القيادات الناصرية..فتحقق بذلك الشرط الأول لعملية التغيير. بعد ذلك تحقق الشرط الثاني بفعل النصر العسكري لحرب أكتوبر عام 1973.
................
لقد توقع الأستاذ هيكل للسادات دورا مخالفا للدور الذي اختاره السادات لنفسه. فالرئيس السادات كان واحدا من بين الرؤساء الذين تابع هيكل أدوارهم على المسرح السياسي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية..وعقب رحيل الكثيرين من جيل الثوار العظام..أمثال ماوتسى تونج، هوشى منه، نهرو، تيتو، وجمال عبد الناصر.
جاء السادات من رحم ثورة وسائل الاتصال، فظهر عصر القادة النجوم اللامعة، وتضم قائمتها أسماء مثل البابا بول الثاني، جاكلين كيندى، هنرى كيسينجر، ليش فاليسيا، وعلى وجه اليقين..أسم الرئيس أنور السادات. "...ومع ذلك فإن الشهرة في النهاية لا يمكن أن تكون بديلا للسياسة." (67)
لكن قبل أن يصبح السادات واحدا من قادة عصر النجوم اللامعة، كانت توقعات هيكل وتنبؤه أن يصبح واحدا من بين جيل كبار الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد، أن يكون قريب الشبه بترومان، وذلك لوحدة التقارب والتشابه بين ظروف الاثنين، فكلا منهم وصل إلى السلطة بعد موت شخصية عملاقة، فترومان جاء خلفا لروزفلت، والسادات جاء خلفا لعبد الناصر، وكان ترومان والسادات صورا باهته إذا ما قورنت بمن خلفوهم في السلطة.
ثم جاءت خلافة كلا من ترومان والسادات في وسط ظروف حرب وصراع لم يحسم بعد"...وعلى الرغم من ذلك فإن موقع ترومان في البيت الأبيض، ووقر المسئوليات، واستعداداته، والتحديات أنضجته وجعلت منه واحدا من الرؤساء الكبار في تاريخ أمريكا الحديث، وقد تصور هيكل"...أن نفس الشيء يمكن أن يحدث للسادات." (68)
لكن السادات بعد أن ترسخ موقعه على رأس هرم السلطة في مصر وبمساعدة هيكل، لم يصبح ترومان العرب كما توقع هيكل وتنبئ، وإنما ضل الطريق، فسار في اتجاه استوديوهات هوليود. وبعد سنوات من حكمه المطلق، تكشفت أمام هيكل حقيقة السادات، ولم يفلح موقعه ووقر المسئولية من التغلب على أسباب القصور والضعف فيه، كما لم تفلح عوامل الأمن والطمأنينة أن تساهم فتظهر أحسن ما فيه.
وينتهي هيكل فيصف حقبة السادات وما خلفته من آثار في مقدمة كتابه خريف الغضب، الطبعة المصرية بقوله:" ...إن ذلك أحدث على مستوى الأمة العربية كلها آثارا سوف تتكشف عواقبها يوما بعد يوم. إن ذلك العهد كله كان _مع الأسف_ خطأ تاريخيا. والخطأ التاريخي أفدح من الجريمة _على حد تعبير دزرائيلي_ خصوصا حين يكون الخطأ على مستوى يسمح له بالتأثير على مصائر الأمم." (69)
لقد أختار هيكل مقولة "الخطأ التاريخي" التي وردت على لسان دزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا السابق، فالمقولة تتضمن مصطلح لم يرد _على ما نعتقد_ في كتابات هيكل ونعني بذلك مصطلح "الجريمة"، وهو ما أراد هيكل قوله فما جري في زمن السادات كان أفدح من الجريمة.!!
في جلسة ضمت كلا من ناصر والسادات وهيكل، طرح عبد الناصر سؤالا تولي هو بنفسه الإجابة عليه:"هل تتصور أن الأمريكان سوف يتركون مصر في حالها عندما أذهب؟ وأجاب ناصر..لا تتصور لحظة أن ذلك يمكن أن يحدث. "ثم استطرد ناصر…من يدرى أنهم لا يقومون الآن بإعداد رجل مثل سوهارتو في مكان ما من صفوف الجيش".
وكانت ردة فعل السادات على ما قاله ناصر:" لو أن أحدا دلني على مثل هذا الرجل وأين هو..لقطمت رقبته بيدي هاتين." (70)
لقد تحقق ما كان عبد الناصر يتوقعه من الأمريكيين من أنهم لن يوقفوا عدائهم لمصر قبل أن يسلم نظامه بشروطهم كاملة، سواء كان في السلطة أو خارجها. كذلك توقع جمال عبد الناصر بأن الأمريكيون يقومون بإعداد شخصا ما على شاكلة سوهارتو في إندونيسيا..ليتولى نفس الدور في مصر.
لقد نسى السادات في غمرة الأحداث ما قاله أمام ناصر، ونسي أيضا ما قاله يوما لجريدة النيويورك تايمز الأمريكية، وما كرره أمام عدسات التلفزيون الفرنسي في 24/3/1971، وما دأب على ذكره في خطابه السياسي بصفة دورية، من تحديد لمناطق محرمة ليس من حقه الاقتراب منها أو اتخاذ قرار بشأنها، باعتبارها ثوابت لا تراجع عنها:
- لا اعتراف بإسرائيل، ولا تفريط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
- وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الأول للشعب العربي، وبأن هدفها الإستراتيجي هو القضاء على مصر ليتسنى لها القضاء على العرب.
- لا لنزع سلاح سيناء.
- إسرائيل عدو سافل وغادر.
ثم بعد ذلك، فقد حذر الجميع من أن من يقبل التفريط في تلك المبادئ فإن:
" شعبنا هنا سوف يحطم أي شخص يفكر في ذلك "
وكانت هذه هي مأساة السادات أنه أعتقد..أن ذاكرة الشعوب سلة بغير قاع.ويتعجب هيكل من موقف الغرب تجاه السادات الذي أعجبوا به وهو إلى حد بعيد، معزولا إلى أبعد الحدود في عالمه؟ لماذا أصبح الرئيس السادات الذي أسماه كيسنجر في محاضرة له سنة 1972 "مجرد بهلوان سياسي" بعد سنتين بالعدد شخصية عظيمة تماثل شخصية بسمارك حسب تعبير كيسنجر نفسه؟
… الغريب أن بسمارك خلق ألمانيا الموحدة من ولاية واحدة فيها، في حين السادات فرق وحدة الأمة العربية وهو يرأس أكبر دولة من دولها. ثم لماذا كان الحزن على السادات في الغرب أكثر منه في أمته؟ ولماذا شيعه إلى مثواه الأخير عدد كبير من الساسة الأجانب، بينما لم يشترك في موكب الجنازة سوى الموظفين الرسميين المصريين وبعض الزوار الأجانب؟ لماذا سقط السادات بهذه السرعة من ذاكرة مصر والعالم كرجل كان كل تصرف من تصرفاته يملأ شاشات التلفزيون؟
"…إن كثيرين خصوصا في الغرب، يجب أن يسألوا أنفسهم أخيرا، لماذا يعجز بعض الزعماء الذين يتحدثون لغة الغرب ويقولون للغرب ما يجب أن يسمعه، عن أن يكونوا مسموعين في أوطانهم وأن يحصلوا على ثقة مواطنيهم؟ إن قائمة مثل هؤلاء طويلة تبدأ بشانج كاى تشيك في الصين، وسوهارتو في إندونيسيا، والشاه في إيران وموبوتو في زائير، وماركوس في الفليبين، والسادات في مصر وآخرون غيرهم." (71)
لقد نجح فرد واحد ظل طوال عشرين سنة يمثل أداة الثورة المضادة - في رأي الكثيرين- في جسد ثورة 23 يوليو، رجلا كان أكثر من غيره يرفع عقيرته بالوفاء للناصرية وناصر، رجلا ظل عشرون عاما يكيل المديح لناصر، دون أن يخجل، وكانت من بعض صفاته المعروفة عند الشعب المصري – بالذات- أنه الشخص الوحيد الذي لم يقل كلمة لا " لعبد الناصر" وأن عبد الناصر كان يلقبه بالبكباشي..نعم." (72)
------------------
[1] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[2] أنور السادات. البحث عن الذات. قصة حياتي. القاهرة. 1979.
[3] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[4] د. عصمت سيف الدولة. هل كان عبد الناصر دكتاتورا؟ بيروت.
[5] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[6] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[7] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[8] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[9] شيمون بيريز. من الفكر الصهيوني المعاصر. يوم قريب ويوم بعيد. بيروت. 1968.
[10] موريس دوفرجيه. مدخل إلي علم السياسة. ترجمة د.سامي الدروبى. د.جمال الأتاسى. دمشق. بدون تاريخ.
[11] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[12] أحمد بهاء الدين. حوارات مع السادات. الفصل الحادي والعشرون. مجلة المصور المصرية. العدد.3245. 19/12/1986.
[13] سامي شرف. يتحدث لعبد الله أمام. عبد الناصر. كيف حكم مصر؟
[14] محمد أنور السادات. البحث عن الذات.
[15] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[16] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[17] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[18] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[19] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[20] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[21] محمد إبراهيم كامل. مذكرات. (وزير خارجية مصر السابق). السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد. دمشق.1984.
[22] محمد إبراهيم كامل. السلام الضائع. مرجع سابق.
[23] محمد إبراهيم كامل. السلام الضائع. مرجع سابق.
[24] أحمد بهاء الدين. حوارات مع السادات. الفصل العشرون. مجلة المصور المصرية. العدد 3244. 12/12/1986.
[25] انتوني ناتنج. ناصر. مرجع سابق.
[26]محمد حسنين هيكل. عام من الأزمات ! كلام في السياسة. القاهرة.2001.
[27] محمد حسنين هيكل.عواصف الحرب وعواصف السلام.
[28] أحمد بهاء الدين. حوارات مع السادات.
[29] محمد حسنين هيكل. عواصف الحرب وعواصف السلام.
[30] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[31] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[32] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[33] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[34] سعد الدين الشاذلي. رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية عام 1973 (السابق). قناة الجزيرة. قطر. برنامج "شاهد على العصر". 11/4/1999.
[35] سعد الدين الشاذلي. شاهد عصر.
[36] السادات. خطاب. جامعة أسيوط. الوثائق العربية. 1971. مرجع سابق.
[37] أحمد بهاء الدين. محاوراتي مع السادات. القاهرة. الطبعة الثانية. بدون تاريخ. رقم الإيداع. 1816/87.
[38] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب.
[39] أحمد بهاء الدين. حوارات مع السادات. الفصل الرابع.
[40] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[41] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[42] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[43] محمد حسنين هيكل. عواصف الحرب وعواصف السلام. مرجع سابق.
[44] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[45] محمد حسنين هيكل. أكتوبر 73. السلاح والسياسة. مرجع سابق.
[46] محمد حسنين هيكل. أكتوبر 73. السلاح والسياسة. مرجع سابق.
[47] محمد حسنين هيكل. أكتوبر 73. السلاح والسياسة. مرجع سابق.
[48] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[49] محمد حسنين هيكل. سقوط نظام.القاهرة. 2003.
[50] محمد حسنين هيكل. أكتوبر73. السلاح والسياسة. مرجع سابق.
[51] سعد الدين الشاذلي. مذكرات. حرب أكتوبر. مرجع سابق.
[52] فاروق القدومي. رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية. قناة المنار. برنامج في منتصف الطريق. 11/8/2002.
[53] د. جمال حمدان. شخصية مصر. دراسة في عبقرية المكان. الجزء الثاني. القاهرة. 1984.
[54] د. محمد أنيس. ثورة 23 يوليو قضايا الحاضر. مرجع سابق. تعقيب على محاضرة. أحمد صدقي الدجانى. الإطار التاريخي لثورة 23 يوليو.
[55] د. محمد أحمد خلف الله. مصر من مقولة الفرعونية إلي الأيمان بالعروبة. مجلة الطليعة العربية. تشرين الأول 1985.
[56] د. عبد الله عبد الدايم. حوار في قناة المنار الفضائية. بيروت.
[57] د. نديم البيطار. مجلة الشراع. مجلة مصر. عدد فبراير. 1982.
[58] د. حسن صبري الخولى. سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين. المجلد الأول. القاهرة. 1973.
[59] شيمون بيريز. يوم قريب ويوم بعيد. مرجع سابق.
[60] شيمون بيريز. يوم قريب ويوم بعيد. مرجع سابق.
[61] محمد حسنين هيكل. عواصف الحرب وعواصف السلام. مرجع سابق.
[62] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[63] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[64] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[65] أحمد بهاء الدين. حوارات مع السادات. الفصل العشرون. مرجع سابق.
[66] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع. سابق.
[67] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[68] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
*- مثل الأستاذ أحمد بهاء الدين، محمد حسنين هيكل، محمد إبراهيم وزير الخارجية السابق، سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، ومن الأمريكيين الرئيس السابق جيمي كارتر، هنري كيسنجر، ومن الإسرائيليين موشي ديان.
[69] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[70] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[71] محمد حسنين هيكل. خريف الغضب. مرجع سابق.
[72] جان لاكوتير. عبد الناصر. بيروت. 1971.
-
![]()
Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
Web guest
Thank you for your visit
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US