Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

مرور 34 سنة على إنقلاب السادات فى مايو من عام 1971

 أحداث مايــو 1971..خلافاً في الرأي؟ أم صراعاً على السلطة؟

القيادات الناصرية..وهدفهم المرحلي

دراسة بقلم

محمد فؤاد المغازى

ـ 3 ـ 

«الجزء الثالث»

محمد فؤاد المغازي

كاتب ومحلل سياسي - المانيا

elmoghazy@gmx.de

  6/4/2005

أحداث مايــو 1971..خلافاً في الرأي؟ أم صراعاً على السلطة؟

 

«الجزء الثالث»

القيادات الناصرية..وهدفهم المرحلي:

في الجزء الأول رصدنا موقع أطراف الصراع أو الخلاف الذي جري بشأنه أحداث مايو عام 1971 في السلطة، وقلنا أن السادات كان أضعف الأطراف. في الجزء الثاني تحدثنا عن تحديد الهدف المرحلي للسادات وأفراد معسكره والذي تحدد بالتخلص من القيادات الناصرية بوصفه صاحب المصلحة الوحيد في انقلاب مايو. في هذا الجزء نتعرض للهدف المرحلي للقيادات الناصرية والأسباب التي ساهمت في تشكيله وتحديده.

بعد حرب حزيران عام 1967 وجه الرئيس عبد الناصر نشاط الدولة في اتجاه العمل لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وذلك من خلال إعداد المجتمع المصري والجيش لخوض "معركة عسكرية"، يتمكن فيها الجيش المصري من إلحاق الهزيمة العسكرية بإسرائيل.

وبهذا يكون الرئيس ناصر هو الذي حدد الهدف المرحلي للقيادات الناصرية، وأن أكثر ما فعلته تلك القيادات أنها جعلت من نفسها الجهة الأمينة والمسئولة بحكم موقعها في السلطة، وبحكم انتمائها العقائدي للناصرية، عن تنفيذ ما حدده عبد الناصر من سياسات وأهداف.

وبسبب إصرار القيادات الناصرية وتمسكها بالحل العسكري، جعلها عرضة للهجوم من قبل خصومها، فتولي الخطاب الإعلامي والدعائي لنظام السادات ومعسكره وصف القيادات الناصرية بأنهم جماعة من المغامرين لا يمتلكون رؤية واضحة لقضايا " الحرب والسلام". وبأنهم جماعة هدفهم الاستيلاء على كامل السلطة، حتى وإن كان الثمن هو الخروج على الشرعية الدستورية، أو زج مصر والمنطقة العربية في حرب مجهولة النتائج.

في ذلك الوقت، لم يتهيأ للقيادات الناصرية أي فرصة للرد على الاتهامات الموجهة إليهم، وإيصال رؤيتهم للرأي العام في مصر، ولا سمح لوسائل الإعلام المصرية والعربية بالاتصال بهم. غير أن البعض منهم قد تمكن من تسريب جزء من مذكراته خارج السجن، مثال علي صبري حيث تولت مجلة 23 يوليو الصادرة في لندن نشر جزء من مذكراته.

ونشير هنا، أن الشهادات التي أدلي بها عدد من القيادات الناصرية والخاصة بعلاقاتهم بالسادات، وبأحداث مايو 1971، قد وردت في فترات زمنية وأماكن متفرقة، فكان البعض منهم ما زال في السجون، والبعض الآخر الذي أفرج عنه ما يزال تحت رقابة أجهزة الأمن، وكان من بينهم من غادر مصر إلي الخارج. هذا التباعد الزمني والمكاني يفسر لنا، أن تلك الشهادات _ لم يجري الاتفاق بشأنها فيما بينهم، بفعل العوائق التي أشرنا إليها_ وهي بشكل قاطع أي اتفاق جري بينهم يتعلق بالتخلص من الرئيس السادات.

كما أظهرت تلك الشهادات أن القيادات الناصرية كانت على خلاف وتباين فيما بينهم شمل تحليلاتهم ورؤيتهم لمختلف القضايا. وأن موقفهم من السادات كان يمثل شأنا فرديا، وليس نتيجة لمخطط تم الاتفاق عليه. ولا تنكر القيادات الناصرية أن خيار الحرب والتمسك به شكل اتفاقا مشتركا بينهم جميعا لأنه المخرج الوحيد، وأن الحلول السياسية إذا ما تمت فإن الخاسر الوحيد هو الطرف المصري..لأنه يتفاوض من موقف وموقع الطرف الأضعف الذي يجب عليه وحده تقديم تنازلات للطرف الأقوى..هذا ما كان عبد الناصر يؤكده أمام الرأي العام والمشاركين له في إدارة الدولة.

لقد ورد في شهادات القيادات الناصرية المتعلقة بقضيتي: اختيار السادات خلفا لناصر، وقضية التآمر على السادات:

شهادة ضياء الدين داود:

يؤكد ضياء الدين داود على:" أن الذي كان يحكم تفكيرنا في ذلك الحين...ويملى علينا المواقف، ويغلق أمامنا أبواب التفكير المطلق..كان هدف المعركة، وما يمكن أن يؤثر على المعركة." (1)

أما ما يتعلق باختيار السادات خلفا لناصر، فكان اختياره"…منذ اللحظات الأولي كطوق للنجاة من أي خلاف أو أي مشكلة لزعزعة الأوضاع القائمة..وأنا أعتقد أن مرد هذا هو ضعف البناء في التنظيم السياسي." (2)

بعد أكثر من 17 عاما، يضيف ضياء الدين داود تفصيلات أخري..تتعلق باختيار السادات من قبل القيادات  الناصرية خلفا لعبد الناصر. فيروي أن تعيين السادات في منصب نائبا لرئيس الجمهورية مفاجئة للجميع. فأنا لا أملك إجابة قاطعة أستطيع قولها.

ولكن الرئيس عبد الناصر كان بينه وبين رفاقه ممن قاموا بالثورة علاقات متفاوتة من الود والخلاف والاتفاق وغير ذلك. وما أعلمه شخصيا أنه كان لا يثق في قدرات السادات بالشكل الذي يتصور معه أن يكون حاكما لمصر. ولعل ذلك كان سببا في أن الرئيس ناصر لم يوليه منصبا تنفيذيا، وأقصي ما وصل إليه أنه كان وكيلا لمجلس الأمة عندما كان البغدادي رئيسا له. ثم رئيسا لمجلس الأمة.

ويعود سبب تعيين الرئيس عبد الناصر السادات نائبا له فيما أعلمه ويعلمه البعض ضمن ظروف سفر عبد الناصر إلي المغرب، وورود تقارير أمنية تحذر من أن هناك خطر على حياته. فكان على عبد الناصر أن يختار بين تعيين حسين الشافعي أو أنور السادات.

...............

- لم يدخل في خاطرنا ولم يتصور أحد منا، ولا خطر ببال أي مصري في مصر، أن أنور السادات يمكن أن يقدم على ما أقدم عليه من تفريط بعد ذلك. صحيح كان لدينا معلومات أنه سوف يتخلص منا..ووصلنا معلومات مما قاله، لكن لم نكن نتصور أنه سوف يتعامل مع قضية الحرب على هذا النحو.

فقد علمنا أنه بعد عبور الجيش إلي الضفة الشرقية للقناة، تخندق الجيش على بعد 10 كم من القناة. وهذا شريط ضيق في ظهره مانع مائي لا يصلح للدفاع عنه، ولسوف يستتبع ذلك اختراقات عسكرية تقوم بها إسرائيل، وكان هذا التحليل سابق على عمليات الاختراق..ويشير أيضا إلي أن هناك اتفاق على وقف إطلاق النار.

فما قام به السادات بعد عبور القوات المسلحة أعاد للأذهان ما جاء في مبادرته السياسية في 4 فبراير من عام 1971، والتي طالبت - آنذاك -  من إسرائيل الابتعاد عن شرق قناة السويس بـ 10 كم، يتبعها فتح القناة، وقد منعناه من ذلك.

أما حول الأخطاء التي ارتكبتها القيادات الناصرية في أحداث مايو 1971 ذكر ضياء داود:

- أن الغالبية من القيادات الموجودة كانت تري أنه لا يجب أن يصل الخلاف بينهم وبين السادات إلي الجماهير الواسعة، لأن ذلك سوف يحدث ردود فعل في الشارع، وفي الجيش، سوف تؤثر بدورها على المعركة العسكرية، وكان هذا خطأ في التصور ارتكبناه.

فبعد وفاة عبد الناصر قدمنا استقالاتنا إلي السادات، وقلنا له لك أن تختار من يعاونك، لكن أملنا - فقط -  هو أن تتم عملية العبور التي كانت هي أمل عبد الناصر وأملنا معه..سواء بنا أو بغيرنا. كان رد السادات " أنتم لبستوني النصيبة دي وعايزين تسيبوني وتمشوا." وهنا نري إلي أي حد وصل تمويه السادات. الذي كان يمشي في خط آخر، لا ندري بتفاصيله.

أما شهادة شعراوي جمعة فوردت في حديثه عن الأخطاء التي ارتكبت من قبل القيادات الناصرية فأوصلت إلي ما يسميه هو بنكبة 15 مايو 1971إلي :"…العاطفة، حيث تغلبت علينا فنسينا سجل أنور السادات. كنا نهدف إلي استمرارية الوضع استعدادا للمعركة..لقد كانت المعركة في نظرنا حتمية...لقد لعب هذا التوجه دورا حاسما...إننا لم نفكر في انقلاب، رغم قدرتنا عليه لسبب واحد بسيط هو بأن المعركة قريبة. ولا نريد حدوث انقسامات، وحرصنا على صلابة الجيش وتماسكه، وهكذا تركنا الأمور لأنور السادات. وكان من الأخطاء التي ارتكبناها أيضا أننا عندما استقلنا لم نذع أسباب الاستقالة...كان توجهنا الكلى ليس لحسم الصراع على السلطة، بل لمواجهة العدو واستئناف القتال." (3)

عبد الهادي ناصف ينفي هو الآخر في شهادته التهمة المنسوبة إليهم كقيادات ناصرية بتدبير انقلاب ضد السادات، صحيح أن المعارضين البارزين للسادات يمثلون أقلية داخل اللجنة المركزية _وهذا طبيعي_ لكن اللجنة كلها كانت مقتنعة بآرائهم، وتصوت معهم.

كان عدد اللجنة المركزية 150 عضوا، وقادة المعارضة لا يزيد عددهم عن 18 عضوا. نحن كنا في الحقيقة أفراد ولم نكن جماعة بيننا تنسيق، كان السادات يقول جماعة علي صبري أو جماعة مايو، وللأسف، ولسوء الحظ لم نكن جماعة، كنا مجموعة من الأفراد، ولذلك استطاع _السادات_ أن يضربنا، لو كان هناك حد أدنى من التنسيق فيما بيننا لكان فشل السادات محققا. كانت جميع المفاتيح بأيدي الذين ضربوا في مايو عام 1971، ومن يعود إلى تحليل الطريقة التي تم فيها عزل علي صبري، فقد ضربنا السادات كأفراد ثم أخترع مؤامرة وخطط، وكل هذا  فبركة لا أساس لها من الصحة. (4)

لقد وصلت العلاقات فيما بين القيادات الناصرية والسادات إلى الحالة التي جاء توصيفها على لسان عبد الهادي ناصف:" لم يكن منا من يفكر بعقلية انقلابية في مواجهة تناقضات رئيس الجمهورية، وكان منتهى واجب الفرد منا هو، أن يعلن عن موقفه ويصر عليه، سواء في مجلس الوزراء أو في اللجنة التنفيذية العليا، أو في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، كان الموقف الناقد لمؤسسة الرئاسة..نعم. لكن المتمرد عليها..لم نفكر في هذه الصيغة على الإطلاق." (5)

جاءت شهادة سامي شرف متأخرة بأكثر من ربع قرن من الزمان، وتؤكد بدورها على أن القيادات الناصرية لم يجمعهم تنظيم أو أي نوع من أنواع الارتباط الجماعي، وإنما توحدوا حول الإيمان بمشروع عبد الناصر، وبحتمية إنجاز معركة عسكرية وتوفير ضمانات النصر لها، وعليه فلم يفكروا في الانقلاب على السادات رغم قدرتهم على ذلك.

كما يذكر سامي شرف:" نحن كنا مصرين على المعركة، وعلى العبور وتحرير الأرض، وهو كما ظهر من خلال اتصالاته مع الأمريكان كان يريد أن يتجه اتجاها آخر مخالفا 180 درجة، هذا التوجه السياسي المختلف هو الذي أثار الخلاف بيننا وبينه. ونحن غلبنا عنصر الشرعية وعبرنا عن رفضنا لهذا التوجه السياسي بالاستقالة. أنني كوزير عضو مجلس الوزراء اختلفت مع رئيس الدولة في سياسة عامة يحق لي أن أستقيل تعبيرا عن رفضي." (6) 

ويستطرد سامي شرف ليؤكد هو الآخر على أن القيادات الناصرية لم تسعي ولم تفكر في الانقلاب على السادات قائلا: فحتى إذا كنا نريد التخلص من السادات، فالموضوع لم يكن بمثل هذه السهولة التي نتكلم بها الآن، لأن هذا كان يعني ضرورة التخلص من أشخاص هم أعضاء في مجلس الأمة ووزراء وأعضاء في الاتحاد الاشتراكي ورجال أعمال ومقاولين وغيرهم.

وإذا كان مطلوبا القيام بانقلاب في ظل ظروف فيها الأرض المصرية والعربية محتلة، وفي وقت كانت كل الترتيبات والإجراءات تسير في اتجاه واحد فقط هو التحضير للمعركة مهما كانت الأسباب أو المعوقات - وكان هذا إصرارا من جانبنا.

وهذا يعني، أن القيام بانقلاب - وفق الظروف التي كانت قائمة - سيترتب عليه اصطدام بين فصائل الجيش، وإذا لم يحدث هذا في داخل القوات المسلحة،  فإن الصدام كان سيحدث بالقطع بين وحدات الحرس الجمهوري، وكانت ستحدث مذابح وحرب أهلية وكانت إسرائيل ستتحرك بالتأكيد لتحقيق هدف سريع يتمثل في ضرب قواعد الصواريخ على امتداد جبهة القناة في منطقة قناة السويس.

وإذا اتسعت دائرة الصدام، فإن البلد ستنقسم على مستوى الشارع، ألا يشكل هذا مسئولية تاريخية تحكمها أخلاقيات ومبادئ وطنية بغض النظر عن النتائج التي ترتبت على موقفنا الذي يعتبره البعض سلبيا، لكن لكي نحكم على ما حدث وموقفنا لابد أن نحكم عليه وفق ظروف ووقت ومكان حدوثه..الخيار كان انقلابا أو استقالة، وتجسد رفضنا لسياسة رئيس الدولة الشرعي في تقديم الاستقالة.

لقد حدثت ضغوط شعبية فيما بعد أملت على السادات أن يخوض المعركة، وقلصت فرص المناورة السياسية داخليا وإقليميا ودوليا. هناك نقطة لا تقل أهمية عما ذكرته وهي أن السادات استغل الشرعية _والشعب المصري كما نعلم كلنا يقدس الشرعية_ صور الأمر على أنه صراع على السلطة وليس خلافا على مبادئ، بمعني هل تستمر الثورة أم لا تستمر. (7)

محمد فائق ذكر في شهادته ما تعرضت له التجربة الناصرية من هجمة شرسة، لا تستند إلي حقائق، فجرى اختزالها في إطار مرحلة تعذيب، وهذا أيضا غير حقيقي. أما بخصوص ما جري من أحداث في مايو 1971، فقد تعرض لنا السادات بأننا كنا نتآمر عليه وهذا غير صحيح. ويتساءل محمد فائق كيف يمكن لوزير الإعلام المشترك في انقلاب على السادات أن يقدم استقالته ويترك الوزارة التي ستتولى أجهزتها الإعلامية بث بيانات الانقلاب، وبث الدعاية التي تساهم في إنجاح هذا الانقلاب.."
 
إنني أعتقد أن الأمور أصبحت الآن أكثر وضوحا. فلم نكن مجموعة واحدة كما قيل عنا. غير أن هذه المجموعة كانت مهمومة حقيقة بتصفية آثار العدوان. وبموضوع الحرب. لقد عبر السادات عن وجهة نظره عن موضوع الحرب في كتابه"البحث عن الذات". فكان له تصورا مخالفا لنا، وهذا هو أصل الخلاف الحقيقي. فقد كان السادات متصورا أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على أن تحسم موضوع انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية بدون حرب، وأن أمريكا تملك 99% من أوراق الحل.
 
وأن المشكلة كانت في السابق بين الولايات المتحدة وبين عبد الناصر، وبرحيل عبد الناصر انتهت أسباب المشكلة. وكنت أختلف أنا والمجموعة مع هذا الطرح، خصوصا وأن الحرب كانت على الأبواب، والتي كان يجب أن تتم في ربيع 1971 وكان هذا أفضل توقيت من وجهة نظري.

حيث كانت الاستعدادات في الجيش كانت قد اكتملت بشهادة القادة العسكريين من المصريين ومن الخبراء الروس، وتسبق في توقيتها انتهاء تدريبات الطيارين الإسرائيليين الجدد في إيران والتي كان متوقعا لها أن تنتهي في نهاية عام 1971. وبالتالي كان توازن القوي - آنذاك- أفضل من عام 1973. فلماذا إذن تأخير المعركة؟

ويطرح محمد فائق الأسباب التي تحول دون قيام القيادات الناصرية بانقلاب على السادات، ويرجع ذلك إلي استحالة أن يقوم ثوار يوليو بانقلاب من الداخل، لو أن هذا تم كانت تصبح أكبر نصيبه، فمعني ذلك أنه سيتكرر. وعلى الرغم مما فعله السادات تجاه القيادات الناصرية، يؤكد محمد فائق أنه لم يكره السادات أو يحقد عليه:

" لكني غضبت لأنه وضعني في السجن لمدة عشرة سنوات لكوني قدمت استقالتي.  النظام الذي يسمح بخلق محاكم استثنائية، وإعلام يزور الحقيقة، ورئيس دولة يزور الحقيقة ويقول: أنه كان حصار حول التلفزيون بغرض منع الرئيس السادات من الحديث للناس. ومسألة حرق شرائط قيل أنها شرائط للتجسس على الناس. كل هذه التهم ليس لها أساس من الصحة." (8)

الخلاصــــــة:

كان تجنب حرب بين إسرائيل ومصر أمرا شبه مستحيل، فالمعركة العسكرية كانت شروطها الموضوعية أصبحت خارج دائرة من في السلطة سواء كان السادات أو القيادات الناصرية. فقد ترك عبد الناصر مجتمعا قد تهيئ نفسيا وسياسيا للحرب، وجيشا توفرت له من الإمكانيات والكفاءة العسكرية من معدات وتدريبات ما يمكنه من خوض هذه الحرب.

وبالتالي لا يمكن أن تكون قضية الحرب أو السلام موضوعا للنزاع أو الصراع بين السادات والقيادات الناصرية، إلا إذا كان هناك عدم إدراك من أحد الأطراف بما حدث من متغيرات متعلقة بالحرب، وهذا غير وارد، فالجميع كانوا على علم بتلك المتغيرات، وبشكل تفصيلي.

فحول الاستعدادات للحرب كتب هيكل أن:"عصر عبد الناصر قد توقف بانتهاء حرب أكتوبر، فقد بنى عبد الناصر من القوى الفاعلة والمؤثرة ما كفل الاستمرار بعده حتى يتحقق هدف كان عبد الناصر يضعه في مكان الصدارة من أولوياته وهو مواجهة العدوان أو ما أسماه "إزالة آثار العدوان." ولم يكن يمكن لأي أحد يأتي من بعده أن يغير شيئا في هذا الاتجاه.

فأنور السادات لم يكن يملك ذلك ليس فقط بسبب اليقظة الشعبية، وأن التجربة كانت حية وصوت ناصر يرن في الأسماع والأذهان، ولكن أيضا لأن ناصر بنى قوى فاعلة مثل القوات المسلحة المصرية التي كان توجهها الواحد والوحيد هو قتال العدو وتصفية عدوانه...ولعل الاختيار الوحيد الذي كان متاحا للسادات هو اختيار التوقيت لكنه، لم يكن حرا في أكثر من ذلك." (9)

كذلك، ليس من الخطأ القول أن موقف المؤسسة العسكرية في مصر كان أقرب إلي ما تطرحه القيادات الناصرية بشأن الحرب والسلام. فالحرب إذا ما انتصر فيها الجيش المصري سوف تتيح للمؤسسة العسكرية فرصة تستعيد من خلالها ما فقدته في حرب يونيو عام 1967، وأولها شرفها العسكري، مضافا إليه الإمتيازات المادية والمعنوية.

وهكذا، تحولت الأهداف المرحلية للطرفين إلي أرضية للخلاف والصدام. فلم يكن من بينهم من هو على استعداد للتنازل للطرف الآخر، فلا السادات يريد أن يظل رئيسا مقيد السلطات كما يعتقد ويشعر، ولا القيادات الناصرية مقتنعة بأحقية السادات أن ينفرد بالسلطة، ويتحول إلي شخصية تاريخية مصطنعة.." فليس في شخصيته، ولا في تاريخه مع الثورة أو قبلها ما يعطيه تميز زعامي...لم يكن أمامنا مبرر لاستمرار ظاهرة أن رئيس الجمهورية هو كل السلطة. لقد كان جمال عبد الناصر ظاهرة تاريخية لم يصنعها أحد منا، وإنما الأحداث والمعارك والمواجهات هي التي صنعته، ولم يكن هناك معنى لاصطناع وافتعال هذه المسألة." (10)

ترتب على التناقض القائم بين الأهداف المرحلية للطرفين المتنازعين طرح السؤال أيهما يبدأ؟

هل يبدأ السادات بتصحيح الخلل في موازين السلطة، فيصبح السادات له من الصلاحيات ما كان لعبد الناصر من قبل؟

أم كان في مقدور القيادات الناصرية أن تستمر واثقة من أن السادات سوف ينتهي به الأمر لخوض المعركة العسكرية من غير أن يكون في مقدوره استبدال الحل العسكري بالحل السياسي في ظل وجودهم في السلطة؟ ونشير هنا إلي أن الهدف المرحلي للقيادات الناصرية لم يكن مرتبطا بزمن محدد، مثلما ارتبط الهدف المرحلي للسادات الذي كان عليه أن يسبق الآخرين إذا ما أراد تطبيق ما يراه من حلول للصراع العربي - الصهيوني.

فالقيادات الناصرية كانت تري أن تحقيق النصر العسكري على إسرائيل من شأنه أن يترتب عليه:

أولا: تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل بعد حرب يونيو 1967.

ثانيا: أن يشكل النصر العسكري على إسرائيل مدخلا تستعيد فيه الناصرية عافيتها ودورها الذي كانت تتمتع به قبل حرب يونيو 1967.

ثالثا: أن يصنع النصر العسكري المرتقب شكلا من أشكال التوازن المعنوي للمجتمع المصري والعربي، ويضع نهاية لاستخدام الهزيمة العسكرية كسند في الهجوم الدائم على التجربة الناصرية، والتي حولها خصوم وأعداء الناصرية إلي تحويلها كواحدة من الهزائم الكبرى في التاريخ.

في بحث للأستاذ جميل مطر حول  قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي تعرض في دراسته إلي كيفية توظيف هزيمة حزيران العسكرية دعائيا من قبل أعداء عبد الناصر والناصرية، فكتب:"...لاشك أن معركة 1967 كمعركة في سلسلة معارك الصراع العربي_الإسرائيلي تستحق الاهتمام، لكن الذي يثير الاستغراب هو ذلك الإصرار العنيد من جانب أطراف وقوى  سياسية مصرية وعربية ودولية باعتبارها إحدى الهزائم الكبرى في التاريخ العالمي. ثم استغلالها وتوظيف نتائجها لتعميق الشعور بالهزيمة في نفوس جماهير العرب…فصارت تنازلات ما بعد نصر أكتوبر تنسب إلى هزيمة يونيو...لقد أتاحت الأخطاء التي تسببت في الهزيمة العسكرية للقوى المعادية لثورة يوليو في الداخل والخارج، أن تحول الهزيمة العسكرية إلى هزيمة ساحقة للثورة ولمصر.

إذ أمكن للغزو الإعلامي الهائل…من تسريب مفاهيم مزيفة عن تضحيات مصر الاقتصادية في سبيل فلسطين، وعن الرخاء المنتظر نتيجة للتسليم ليس فقط بوجود إسرائيل بل وفى حقها في هذا الوجود، أي بحقها في عزل مصر، وقد شاركت بالفعل مصالح متعددة غربية وعربية في تعميق هذا الشعور لدى المصريين وكان الهدف المشترك لكل تلك المصالح أن تكون مصر الجديدة دولة بلا قضية وطنية أو قومية، ولكن بعشرات القضايا المفتعلة مع أعداء وهميين في الداخل والخارج." (11)

وفي غمرة التركيز على الهزيمة العسكرية واستخدامها بهدف إلحاق الضرر بالتجربة الناصرية، يذكر هيكل أن بين الأهداف التي حددتها إسرائيل من عدوان يونيو عام 1967 ثلاثة أهداف:" كسر الدرع الفولاذي (والمقصود هنا بالدرع الفولاذي هو مصر الناصرية) الذي احتمت به " المقدسات:المحرمات " العربية في موقف الرفض الذي اتخذته إزاء الدولة اليهودية." (12)

ويشير الاقتصادي المصري د. رمزي زكي إلي الخسائر المالية والاقتصادية المترتبة على عدوان يونيو1967.." كنتيجة للهجوم الضاري الذي قاده الاستعمار والصهيونية لتحطيم التجربة الناصرية في التحرر الاقتصادي والتنمية المستقلة." (13)

 مراجع:

(1) ضياء الدين داوود. مجلة الشراع. مجلة مصر. العدد 63. بيروت.

(2) مجلة الشراع. مجلة مصر. بيروت. 30/5/1983. العدد 63.

(3) شعراوي جمعة. مجلة الشراع. مجلة مصر. العدد 236. بيروت. 1986.

(4) ثورة 23 يوليو. قضايا الحاضر. بحوث. مرجع سابق.

(5) عبد الهادي ناصف. شاهد عصر. من تسجيلات للندوة التي ألقاها في مدينة بوخم في الفترة 21_22/7/1984.

(6) عبد الله أمام. عبد الناصر كيف حكم مصر؟ مرجع سابق.

(7) عبد الله أمام. عبد الناصر كيف حكم مصر؟ مرجع سابق.

(8) محمد فائق. حديث لقناة ART . أوروبا. برنامج : إين هم الآن؟ بتاريخ 3/7 و 10/7/2002.

(9) محمد حسنين هيكل. أحاديث في العاصفة. القاهرة. 1987. 

(10) عبد الهادي ناصف. شاهد عصر. مرجع سابق.

(11) جميل مطر. بحث. ثورة 23 يوليو. قضايا الحاضر. مرجع سابق. بحوث. الصراع العربي-الإسرائيلي.

(12) محمد حسنين هيكل. عواصف الحرب وعواصف السلام. مرجع سابق.

(13) د. رمزي زكي. دراسات في أزمة مصر الاقتصادية مع استراتيجية مفترضة للاقتصاد المصري في المرحلة القادمة. القاهرة.

 

-


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US