Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

العــولمة وحتمـية التكـتل العـربي
مـن أيـن نـبـدأ

بقلم

 دكتورة‏ ‏هدي جمال عبد الناصر

 

وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال‏:‏ من أين نبدأ ؟ إن الإجابة ليست بالمهمة السهلة‏,‏ ولكن يمكن وضع بعض النقاط علي طريق الحل‏,‏ أري أن الكثيرين ممن
:‏تناولوا موضوع العولمة بالتحليل يتفقون حول‏
 

:أولا‏
إن تقبل البعض للعولمة باعتبارها قدرا حتميا‏,‏ ورفض آخرين لها باعتبارها امتدادا للهيمنة الرأسمالية الغربية هو مدخل غير مجد‏.‏ فالعملية هنا ليست القبول أو الرفض للعولمة‏,‏ فنحن أمام ظاهرة آخذة في الاتساع وتتداعي تأثيراتها في قطاعات هامة من حياتنا‏,‏ وما ينبغي أن تتجه إليه الجهود هو كيفية التعامل معها‏.‏

:ثانيا
إن العولمة التي توفر وسائل الهيمنة الخارجية‏,‏ يمكن‏-‏ إن استخدمنا وسائلها بكفاءة واقتدار‏-‏ أن نحمي هويتنا القومية‏,‏ بل وأن نجعل ثقافتنا أكثر حيوية وتطورا‏,‏ بمزيد من انفتاحها علي العالم‏,‏ وحوارها مع الثقافات الأخري‏.‏ إن التحديات الكبري يجب أن تستنفر المقاومة لدي الدول ذات الثقافات الحية والإمكانات البشرية الغنية‏.‏

:ثالثا
إن افتراض قيام ثقافة عالمية واحدة هو افتراض مستحيل‏,‏ فالثقافة ترتبط بالإنسان‏,‏ وطالما وجدت اختلافات في الجغرافيا والتاريخ والتجارب والطموحات القومية فإن ظاهرة التعدد الثقافي لن تختفي‏.‏ وتلعب اللغة القومية هنا دورا مهما‏,‏ خاصة وأن الترجمة بين اللغات لا تنقل إلا المعني السطحي من دون روح الثقافة‏.‏ كذلك فإن ثقافة العولمة تعتمد أساسا علي اللغة الإنجليزية التي لا يتقنها إلا النخبة في العالم العربي‏,‏ وهذا يعطي ميزة نسبية للإعلام العربي‏,‏ حيث تؤدي رابطة اللغة‏,‏ عندما تتلاقي مع أساليب الاتصال الحديثة من أقمار صناعية وشبكة اتصال إلكترونية‏,‏ إلي مزيد من أواصر الاقتراب بين أبناء الوطن العربي‏,‏ ومن التلاحم الثقافي اليومي‏.‏
ولعل ذلك يدعونا إلي مقاومة اتجاهات تهميش اللغة العربية بدعوي أن إتقان اللغة الأجنبية من متطلبات القرن الحادي والعشرين‏:‏ فلقد بدأ الاتجاه في العديد من الجامعات العربية لاستحداث أقسام التدريس باللغات الأجنبية في مجال العلوم الإنسانية كالحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية بديلا عن اللغة العربية‏,‏ وأخشي أن يؤدي ذلك إلي خلق نظام طبقي في إطار المعاهد العلمية‏,‏ وإلي إضعاف الارتباط باللغة العربية‏,‏ وإضعاف الرغبة في دراستها‏,‏ لأن السوق تغلق أبوابها في وجه أنصار الثقافات الوطنية‏.‏ إن الانفتاح علي الثقافات الأخري‏,‏ وإتقان اللغات الأجنبية‏,‏ لا يعني إضعاف لغتنا العربية التي تشكل وجدان الأمة وأداة تفكيرها‏.‏

:رابعا
إن التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي هو شرط أساسي للمشاركة بإيجابية في القرن الحادي والعشرين‏,‏ ولعل ذلك يكون حافزا لنا لوضع خطط لتنشيط دور العلم والثقافة في حياتنا‏,‏ تلعب فيها الحكومات والجامعات والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني دورا أساسيا‏.‏

:خامسا
إن الدور الذي يلعبه الإعلام في حوار الثقافات والاتصال والتفاعل فيما بينها لم يزل سطحيا وهامشيا‏:‏ فالمحتوي الثقافي في القنوات الفضائية العربية لا يتناسب مع القوة التكنولوجية التي تمتلكها‏,‏ وليس قادرا علي أن ينافس الإعلام الخارجي الذي يتدفق حرا طليقا عبر الأقمار الصناعية‏.‏ لذلك فإن التركيز علي الإبداع والتجديد في الرسالة الإعلامية يتطلب اتساع المشاركة السياسية‏,‏ والسماح بمزيد من حرية التعبير‏,‏ وإنشاء وسائل إعلام عربية دولية باللغة العربية وبغيرها من اللغات‏,‏ حتي تعبر رسالتها حدود الوطن العربي وتربط العرب في المهجر بأصولهم القومية العربية‏.‏

:سادسا
إن الهدف الأساسي للعولمة هو الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تقود إلي المواجهة الثقافية‏.‏ ولن نتمكن من التصدي لهذه الهيمنة إلا بالعمل العربي المشترك والتكتل العربي‏,‏ فالعالم العربي يحتاج إلي تخطيط إستراتيجي واضح الأهداف‏,‏ وحشد لطاقات المجتمع العربي البشرية والاقتصادية بتحقيق التكامل الاقتصادي‏,‏ والتنمية الشاملة‏,‏ وتأكيد الهوية القومية‏.‏
وفي هذا الصدد أعتقد أن تداعيات العولمة يجب أن تكون هي المنبه العصري الذي يجب أن يؤدي إلي التغيير العميق في العالم العربي‏,‏ وفي هذه المرة تأتي دعاوي التغيير من النخبة المثقفة ومن العمالة المعطلة‏,‏ وليس كما كان الوضع في الماضي عندما طرح التغيير من خلال القيادات التاريخية التي جسدت آمال الأمة‏.‏ وإذا كانت أوروبا تحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية‏,‏ فأولي بنا أن نتصدي لمحاولات الهيمنة الأمريكية والأوربية معا‏.‏
وفي إطار هذا التكتل العربي يمكن وضع مشروع ثقافي قومي يهدف إلي حماية هويتنا القومية‏,‏ ويشمل تعريب التعليم الجامعي‏,‏ ودعم المؤسسات العلمية والإنتاج الأدبي والعلمي والفني‏,‏ وتشجيع حركة الترجمة في الأدب والعلوم والفلسفة إلي اللغة العربية‏.‏


العــولمة وحتمـية التكـتل العـربي
بقلم : د‏.‏هدي جمال عبد الناصر

من الملاحظ الاهتمام بظاهرة العولمة في الوطن العربي‏,‏ ودراسة تحدياتها السياسية والاقتصادية والثقافية‏,‏ والتخطيط لمواجهتها‏,‏ وذلك له ما يبرره‏.‏ فإن الموقع الإستراتيجي للعالم العربي مجاورا لأوروبا‏,‏ وفي منتصف الطريق إلي آسيا والشرق الأقصي‏,‏ مكونا كيانا ثقافيا عربيا واحدا ووحدة حضارية إسلامية‏,‏ كل ذلك جعله هدفا مباشرا لسياسات العولمة‏,‏ كما يتضح من الكتابات الغربية مثل نهاية التاريخ و صراع الحضارات‏.‏
ولعل مما يبشر بالخير أن ذلك الاهتمام بظاهرة العولمة يأتي من مستويات مختلفة في العالم العربي‏:‏ من بعض الحكومات والجامعات ومراكز الأبحاث والجمعيات الأهلية‏,‏ ومن المثقفين والكتاب والفنانين والعمال‏.‏ كل يعبر عن الجانب الذي يمسه مباشرة‏.‏

:سابعا
يجب أن تحتفظ الدولة بدورها القيادي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ وفي المحافظة علي الثقافة والهوية القومية بمقاومة الضغوط الغربية لإتباع سياسات غير نابعة من المصلحة القومية‏.‏ وأود أن أشير هنا إلي أن قوي العولمة غير قادرة علي أن تحكم سيطرتها إلا من خلال مؤسسات الدولة القومية‏,‏ التي تضع التشريعات والقوانين والقرارات التي تسهل هذه السيطرة‏.‏ وفي نفس الوقت‏,‏ فمازالت الدولة القومية تلعب دورا لا ينافس في مجال الأمن الداخلي‏,‏ وتحقيق الاستقرار المطلوب الذي يسمح للشركات المتعددة الجنسية أن تمارس نشاطها الاقتصادي بما يعود بالفائدة علي الطرفين‏.‏ ومفهوم الأمن هنا يتعدي الإطار العسكري أو البوليسي إلي إطار أوسع هو الأمن الاجتماعي والاقتصادي‏,‏ الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في جو من الاستقرار السياسي‏,‏ والتفاعل الديمقراطي السليم بين المواطنين‏.‏ ومما لا شك فيه أن التكتل العربي من شأنه أن يدعم قدرات الدول العربية في هذا الاتجاه‏.‏

:ثامنا
إن ما يثير القلق في الحقيقة ليس مجرد الغزو الثقافي الغربي‏,‏ فلدينا ثقافة بقيت متماسكة عبر العصور‏,‏ ولها نسق قوي يستطيع أن يتطور ويواجه المستقبل‏,‏ ولكن العامل الخطير هنا هو التبعية السياسية والاقتصادية التي تقود إلي الخلخلة الثقافية‏,‏ وإلي الاهتزاز في ثقة الشباب في هويتهم العربية‏,‏ وإلي انتشار الشعور بالإحباط بينهم‏,‏ وخاصة مع حملات التشكيك في كل ما هو قومي‏,‏ التي تقودها بعض أجهزة الإعلام الأجنبية والعربية في منظومة متسقة أهدافها‏.‏
ولست أري في هذا التحدي جديدا إلا من حيث مداه‏,‏ ومن حيث مقدار العجز الذي بلغته الدولة عن السيطرة والرقابة عليه‏.‏ ويذكرنا ذلك بفترات قريبة من تاريخنا كانت مكرسة فيها محطات الإذاعة الأجنبية الناطقة بالعربية للتشكيك في هويتنا وفي عروبتنا‏,‏ إلا أن رد الفعل كان عكسيا‏,‏ فقد تمسكت الجماهير بعروبتها‏,‏ وافتخرت بهويتها‏,‏ وكان ذلك في إطار عاملين أساسيين‏:‏
‏1‏ ـ قوة المد القومي العربي في الخمسينات والستينات الذي واكب حركات التحرر من الاستعمار الغربي‏,‏ والذي توفرت له القيادة التي نجحت في إعادة طرح الفكر القومي مقرونا بالإنجازات القومية المعروفة‏,‏ وتجاوبت النخب المثقفة في العالم العربي معه بإسهاماتها الفكرية‏,‏ وبالحوارات التي جرت بين فصائلها الفكرية المختلفة‏.‏
‏2‏ ـ وصول ثمار التنمية الاقتصادية التي بدأت بعد التحرر من الاستعمار إلي الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة‏.‏
إذن إن مفتاح التمسك بالهوية القومية والاحتفاظ بالتميز الثقافي يكمن في الاستقلال السياسي المبني علي حد أدني من الاستقلال الاقتصادي وعدالة التوزيع‏,‏ والاتجاه إلي التكتل العربي علي كافة المستويات‏,‏ أيا يكون الشكل الذي يتخذه هذا التكتل في البداية‏.‏
ولا يجب أن ننسي أننا أصبحنا في عصر بعث القوميات علي مستوي العالم‏,‏ وذلك بعد انتهاء الاستقطاب الدولي في زمن الحرب الباردة‏.‏ ومن هنا أجد التناقض شديدا بين هذه الظاهرة العالمية نحو بعث القومية وبين الادعاءات من حولنا حول ضعف الارتباط القومي وضعف الهوية القومية في العالم كله‏.‏ فلماذا يؤدي هذه الوضع في العالم كله إلي إثارة التميز الثقافي القومي‏,‏ ويؤدي في وطننا العربي إلي الظاهرة العكسية ؟ اللهم إلا إن كانت الظاهرتان المتناقضتان تخدمان الهدف وهو تفكيك الدولة‏.‏
إن تلك حملة يجب ألا نتوقف عندها‏,‏ حيث أن القومية العربية توحد بين الأقطار العربية‏,‏ بينما يذكي نمو الشعور القومي في أوروبا مثلا الفرقة بين دول الوحدة الأوروبية‏,‏ ورغم ذلك اتخذت خطوات عملية علي مدي نصف قرن جعلت من أوروبا قوة جديدة تستعد لتأخذ مكانها المميز‏.‏
لقد أقلق هذا الاختلاف في مفهوم القومية في العالم العربي عنه في الغرب الكثير من الباحثين الغربيين‏,‏ وخاصة في فرنسا‏.‏ ومن هنا كانت الحملات المكثفة علي دعوة القومية العربية منذ الخمسينات‏,‏ تلك الحملات التي لم تنجح إلا من الناحية الظاهرية فقط‏,‏ فالوجدان العربي مازال تنبض فيه الحياة‏,‏ تغذية الثقافة العربية والماضي المشترك‏,‏ وتدعمه اللغة العربية وتحميه‏,‏ ولكنه يحتاج إلي عنصر غاب سنوات طويلة وهو الإرادة العربية الواعية بقيمة التكتل العربي بدرجاته وأشكاله المختلفة‏,‏ وإن نبع هذه المرة من الحاجة إلي الاحتماء في مواجهة قوي العولمة‏.‏
وإنه لمما يشجع علي المضي في هذا الاتجاه وجود عدو رئيسي للعرب وهو الصهيونية التي تعمل علي استغلال قوي العولمة لمصلحتها‏,‏وساعدها علي ذلك آلياتها التنظيمية منذ بداية القرن‏.‏ والأمثلة هنا كثيرة منها محاولة إسرائيل استخدام آليات السوق الرأسمالية لكي تجعل من نفسها وسيطا بين العرب والغرب‏,‏ وكذلك العمل علي السيطرة علي العديد من وسائل الاتصال العالمية لتنقل في أغلب الوقت وجهة النظر الصهيونية‏.‏
إنه مع تقديرنا لصعوبة عملية التكتل العربي الفاعل‏,‏ إلا أنها قضية مصيرية ينبغي المضي فيها بصيغة جديدة تلائم العصر الذي نعيش فيه‏,‏ وتحمي الهوية والسيادة في العالم العربي في الحاضر والمستقبل‏.‏



 

الأهرام
5.7.1999

........."

إنتهى النقل

يحى الشاعر


Graphic by Martin


Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US