![]() |
سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر
العــولمة وحتمـية التكـتل العـربي بقلم
دكتورة هدي جمال عبد الناصر
:ثانيا :ثالثا :رابعا :خامسا :سادسا من الملاحظ الاهتمام بظاهرة العولمة في الوطن العربي, ودراسة تحدياتها السياسية والاقتصادية والثقافية, والتخطيط لمواجهتها, وذلك له ما يبرره. فإن الموقع الإستراتيجي للعالم العربي مجاورا لأوروبا, وفي منتصف الطريق إلي آسيا والشرق الأقصي, مكونا كيانا ثقافيا عربيا واحدا ووحدة حضارية إسلامية, كل ذلك جعله هدفا مباشرا لسياسات العولمة, كما يتضح من الكتابات الغربية مثل نهاية التاريخ و صراع الحضارات. :سابعا :ثامنا
........."
إنتهى النقل
يحى الشاعر
مـن أيـن نـبـدأ
:أولا
إن تقبل البعض للعولمة باعتبارها قدرا حتميا, ورفض آخرين لها باعتبارها امتدادا للهيمنة الرأسمالية الغربية هو مدخل غير مجد. فالعملية هنا ليست القبول أو الرفض للعولمة, فنحن أمام ظاهرة آخذة في الاتساع وتتداعي تأثيراتها في قطاعات هامة من حياتنا, وما ينبغي أن تتجه إليه الجهود هو كيفية التعامل معها.
إن العولمة التي توفر وسائل الهيمنة الخارجية, يمكن- إن استخدمنا وسائلها بكفاءة واقتدار- أن نحمي هويتنا القومية, بل وأن نجعل ثقافتنا أكثر حيوية وتطورا, بمزيد من انفتاحها علي العالم, وحوارها مع الثقافات الأخري. إن التحديات الكبري يجب أن تستنفر المقاومة لدي الدول ذات الثقافات الحية والإمكانات البشرية الغنية.
إن افتراض قيام ثقافة عالمية واحدة هو افتراض مستحيل, فالثقافة ترتبط بالإنسان, وطالما وجدت اختلافات في الجغرافيا والتاريخ والتجارب والطموحات القومية فإن ظاهرة التعدد الثقافي لن تختفي. وتلعب اللغة القومية هنا دورا مهما, خاصة وأن الترجمة بين اللغات لا تنقل إلا المعني السطحي من دون روح الثقافة. كذلك فإن ثقافة العولمة تعتمد أساسا علي اللغة الإنجليزية التي لا يتقنها إلا النخبة في العالم العربي, وهذا يعطي ميزة نسبية للإعلام العربي, حيث تؤدي رابطة اللغة, عندما تتلاقي مع أساليب الاتصال الحديثة من أقمار صناعية وشبكة اتصال إلكترونية, إلي مزيد من أواصر الاقتراب بين أبناء الوطن العربي, ومن التلاحم الثقافي اليومي.
ولعل ذلك يدعونا إلي مقاومة اتجاهات تهميش اللغة العربية بدعوي أن إتقان اللغة الأجنبية من متطلبات القرن الحادي والعشرين: فلقد بدأ الاتجاه في العديد من الجامعات العربية لاستحداث أقسام التدريس باللغات الأجنبية في مجال العلوم الإنسانية كالحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية بديلا عن اللغة العربية, وأخشي أن يؤدي ذلك إلي خلق نظام طبقي في إطار المعاهد العلمية, وإلي إضعاف الارتباط باللغة العربية, وإضعاف الرغبة في دراستها, لأن السوق تغلق أبوابها في وجه أنصار الثقافات الوطنية. إن الانفتاح علي الثقافات الأخري, وإتقان اللغات الأجنبية, لا يعني إضعاف لغتنا العربية التي تشكل وجدان الأمة وأداة تفكيرها.
إن التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي هو شرط أساسي للمشاركة بإيجابية في القرن الحادي والعشرين, ولعل ذلك يكون حافزا لنا لوضع خطط لتنشيط دور العلم والثقافة في حياتنا, تلعب فيها الحكومات والجامعات والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني دورا أساسيا.
إن الدور الذي يلعبه الإعلام في حوار الثقافات والاتصال والتفاعل فيما بينها لم يزل سطحيا وهامشيا: فالمحتوي الثقافي في القنوات الفضائية العربية لا يتناسب مع القوة التكنولوجية التي تمتلكها, وليس قادرا علي أن ينافس الإعلام الخارجي الذي يتدفق حرا طليقا عبر الأقمار الصناعية. لذلك فإن التركيز علي الإبداع والتجديد في الرسالة الإعلامية يتطلب اتساع المشاركة السياسية, والسماح بمزيد من حرية التعبير, وإنشاء وسائل إعلام عربية دولية باللغة العربية وبغيرها من اللغات, حتي تعبر رسالتها حدود الوطن العربي وتربط العرب في المهجر بأصولهم القومية العربية.
إن الهدف الأساسي للعولمة هو الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تقود إلي المواجهة الثقافية. ولن نتمكن من التصدي لهذه الهيمنة إلا بالعمل العربي المشترك والتكتل العربي, فالعالم العربي يحتاج إلي تخطيط إستراتيجي واضح الأهداف, وحشد لطاقات المجتمع العربي البشرية والاقتصادية بتحقيق التكامل الاقتصادي, والتنمية الشاملة, وتأكيد الهوية القومية.
وفي هذا الصدد أعتقد أن تداعيات العولمة يجب أن تكون هي المنبه العصري الذي يجب أن يؤدي إلي التغيير العميق في العالم العربي, وفي هذه المرة تأتي دعاوي التغيير من النخبة المثقفة ومن العمالة المعطلة, وليس كما كان الوضع في الماضي عندما طرح التغيير من خلال القيادات التاريخية التي جسدت آمال الأمة. وإذا كانت أوروبا تحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية, فأولي بنا أن نتصدي لمحاولات الهيمنة الأمريكية والأوربية معا.
وفي إطار هذا التكتل العربي يمكن وضع مشروع ثقافي قومي يهدف إلي حماية هويتنا القومية, ويشمل تعريب التعليم الجامعي, ودعم المؤسسات العلمية والإنتاج الأدبي والعلمي والفني, وتشجيع حركة الترجمة في الأدب والعلوم والفلسفة إلي اللغة العربية.
العــولمة وحتمـية التكـتل العـربي
بقلم : د.هدي جمال عبد الناصر
ولعل مما يبشر بالخير أن ذلك الاهتمام بظاهرة العولمة يأتي من مستويات مختلفة في العالم العربي: من بعض الحكومات والجامعات ومراكز الأبحاث والجمعيات الأهلية, ومن المثقفين والكتاب والفنانين والعمال. كل يعبر عن الجانب الذي يمسه مباشرة.
يجب أن تحتفظ الدولة بدورها القيادي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وفي المحافظة علي الثقافة والهوية القومية بمقاومة الضغوط الغربية لإتباع سياسات غير نابعة من المصلحة القومية. وأود أن أشير هنا إلي أن قوي العولمة غير قادرة علي أن تحكم سيطرتها إلا من خلال مؤسسات الدولة القومية, التي تضع التشريعات والقوانين والقرارات التي تسهل هذه السيطرة. وفي نفس الوقت, فمازالت الدولة القومية تلعب دورا لا ينافس في مجال الأمن الداخلي, وتحقيق الاستقرار المطلوب الذي يسمح للشركات المتعددة الجنسية أن تمارس نشاطها الاقتصادي بما يعود بالفائدة علي الطرفين. ومفهوم الأمن هنا يتعدي الإطار العسكري أو البوليسي إلي إطار أوسع هو الأمن الاجتماعي والاقتصادي, الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في جو من الاستقرار السياسي, والتفاعل الديمقراطي السليم بين المواطنين. ومما لا شك فيه أن التكتل العربي من شأنه أن يدعم قدرات الدول العربية في هذا الاتجاه.
إن ما يثير القلق في الحقيقة ليس مجرد الغزو الثقافي الغربي, فلدينا ثقافة بقيت متماسكة عبر العصور, ولها نسق قوي يستطيع أن يتطور ويواجه المستقبل, ولكن العامل الخطير هنا هو التبعية السياسية والاقتصادية التي تقود إلي الخلخلة الثقافية, وإلي الاهتزاز في ثقة الشباب في هويتهم العربية, وإلي انتشار الشعور بالإحباط بينهم, وخاصة مع حملات التشكيك في كل ما هو قومي, التي تقودها بعض أجهزة الإعلام الأجنبية والعربية في منظومة متسقة أهدافها.
ولست أري في هذا التحدي جديدا إلا من حيث مداه, ومن حيث مقدار العجز الذي بلغته الدولة عن السيطرة والرقابة عليه. ويذكرنا ذلك بفترات قريبة من تاريخنا كانت مكرسة فيها محطات الإذاعة الأجنبية الناطقة بالعربية للتشكيك في هويتنا وفي عروبتنا, إلا أن رد الفعل كان عكسيا, فقد تمسكت الجماهير بعروبتها, وافتخرت بهويتها, وكان ذلك في إطار عاملين أساسيين:
1 ـ قوة المد القومي العربي في الخمسينات والستينات الذي واكب حركات التحرر من الاستعمار الغربي, والذي توفرت له القيادة التي نجحت في إعادة طرح الفكر القومي مقرونا بالإنجازات القومية المعروفة, وتجاوبت النخب المثقفة في العالم العربي معه بإسهاماتها الفكرية, وبالحوارات التي جرت بين فصائلها الفكرية المختلفة.
2 ـ وصول ثمار التنمية الاقتصادية التي بدأت بعد التحرر من الاستعمار إلي الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة.
إذن إن مفتاح التمسك بالهوية القومية والاحتفاظ بالتميز الثقافي يكمن في الاستقلال السياسي المبني علي حد أدني من الاستقلال الاقتصادي وعدالة التوزيع, والاتجاه إلي التكتل العربي علي كافة المستويات, أيا يكون الشكل الذي يتخذه هذا التكتل في البداية.
ولا يجب أن ننسي أننا أصبحنا في عصر بعث القوميات علي مستوي العالم, وذلك بعد انتهاء الاستقطاب الدولي في زمن الحرب الباردة. ومن هنا أجد التناقض شديدا بين هذه الظاهرة العالمية نحو بعث القومية وبين الادعاءات من حولنا حول ضعف الارتباط القومي وضعف الهوية القومية في العالم كله. فلماذا يؤدي هذه الوضع في العالم كله إلي إثارة التميز الثقافي القومي, ويؤدي في وطننا العربي إلي الظاهرة العكسية ؟ اللهم إلا إن كانت الظاهرتان المتناقضتان تخدمان الهدف وهو تفكيك الدولة.
إن تلك حملة يجب ألا نتوقف عندها, حيث أن القومية العربية توحد بين الأقطار العربية, بينما يذكي نمو الشعور القومي في أوروبا مثلا الفرقة بين دول الوحدة الأوروبية, ورغم ذلك اتخذت خطوات عملية علي مدي نصف قرن جعلت من أوروبا قوة جديدة تستعد لتأخذ مكانها المميز.
لقد أقلق هذا الاختلاف في مفهوم القومية في العالم العربي عنه في الغرب الكثير من الباحثين الغربيين, وخاصة في فرنسا. ومن هنا كانت الحملات المكثفة علي دعوة القومية العربية منذ الخمسينات, تلك الحملات التي لم تنجح إلا من الناحية الظاهرية فقط, فالوجدان العربي مازال تنبض فيه الحياة, تغذية الثقافة العربية والماضي المشترك, وتدعمه اللغة العربية وتحميه, ولكنه يحتاج إلي عنصر غاب سنوات طويلة وهو الإرادة العربية الواعية بقيمة التكتل العربي بدرجاته وأشكاله المختلفة, وإن نبع هذه المرة من الحاجة إلي الاحتماء في مواجهة قوي العولمة.
وإنه لمما يشجع علي المضي في هذا الاتجاه وجود عدو رئيسي للعرب وهو الصهيونية التي تعمل علي استغلال قوي العولمة لمصلحتها,وساعدها علي ذلك آلياتها التنظيمية منذ بداية القرن. والأمثلة هنا كثيرة منها محاولة إسرائيل استخدام آليات السوق الرأسمالية لكي تجعل من نفسها وسيطا بين العرب والغرب, وكذلك العمل علي السيطرة علي العديد من وسائل الاتصال العالمية لتنقل في أغلب الوقت وجهة النظر الصهيونية.
إنه مع تقديرنا لصعوبة عملية التكتل العربي الفاعل, إلا أنها قضية مصيرية ينبغي المضي فيها بصيغة جديدة تلائم العصر الذي نعيش فيه, وتحمي الهوية والسيادة في العالم العربي في الحاضر والمستقبل.
5.7.1999
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
Web guest
Thank you for your visit
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US