![]() |
سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر
وثائق ثورة يوليو نيكسون يقول إذا أراد العرب حلاً فليس أمامهم غير المخطط الأميركي، سيسكو عرض في القاهرة الصداقة مقابل اتفاق منفرد فرفض المصريون
وثائق جديدة تنسف أكاذيب أعداء ثورة يوليو
دكتورة هدي عبد الناصر
7 - 6
.............
نيكسون يقول : إذا أراد العرب حلاً فليس أمامهم غير المخطط الأميركي، سيسكو عرض في القاهرة الصداقة مقابل اتفاق منفرد فرفض المصريون 6 ـ7
تناولت الحلقات الماضية توجه ناصر الجديد نحو التعددية والفصل بين السلطات والاعلاء من قدر السلطة التشريعية، وأظهرت كيف تستطيع دولة إذا احتشدت أن تحقق المعجزات،
فوسط حطام يونيو وإعادة بناء القوات المسلحة تمكنت مصر من تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة بينما كانت تجند معظم طاقاتها للجبهة.
كما أبرزت محاضر الجلسات السلوك الأميركي تجاه مصر والذي لا يختلف عن سلوكها الحالي، لكن رد فعل النظام المصري هو الذي يختلف. فالتعامل من موقع الندية كان الغالب على تصرفات عبدالناصر سواء تجاه أميركا أو روسيا، فمع أميركا اشترط لعودة العلاقات أن تعلن واشنطن تأييدها لانسحاب اسرائيلي كامل الى حدود 4 يونيو 67. ومع روسيا تؤكد المحاضر انه لا نفوذ بسبب الصداقة ولا تأثير للقرار الذي كان مستقلاً ونابعاً من أفكار زعامات مصر وظروفها تماماً.
كانت رؤية عبدالناصر ان اسرائيل لن تجنح أبداً الى السلام إلا إذا وجدت نفسها في قبضة خطر قوة قاهرة وان التوحد العربي وانشاء جبهة شرقية تضم العراق مع الأردن وسوريا وجبهة عربية تجعل مصر مستفيدة من امكانات الجزائر العسكرية هو الطريق لهزيمة اسرائيل. أظهرت المحاضر أيضاً كيف كان عبدالناصر على صلة بهموم الجماهير ونبضها ومشاكلها.. كيف كان يلعب أحياناً دور لسان حالها في مواجهة المسئولين الذين يفرضون المزيد من الضرائب ويتجاوزون القانون باسم الثورة وهي بريئة من أفعالهم، ودليل ذلك ان ناصر لم يوقع قرار اعتقال واحد لأي مشارك في مظاهرات فبراير 68 الشهيرة والتي لم يعتقل بعدها غير ثلاثة أشخاص، وكيف أبدى تسامحاً يحسد عليه أي زعيم ونحن بعد زمنه بأربعة وثلاثين عاماً تجاه منتقديه.
تتناول هذه الحلقة جلستان (20 و21) للجنة المركزية ناقشتا التدخل الأميركي القوي الذي يحاول فرض حل على العرب (كما يحدث الآن). وكذلك رؤية اميركا للسلام، فواشنطن ترى انه ليست هناك فرص لحل سلمي طالما أصرت مصر على انسحاب اسرائيل الكامل لخطوط الرابع من يونيو وطالما أصرت على موقفها من ضرورة عودة كل اللاجئين.
جاء سيسكو الى القاهرة وعرض صداقة أميركا على المصريين مقابل اتفاق منفرد يعيد سيناء كاملة، فلما رفضت القاهرة أكد نيكسون انه ليس أمام العرب إلا المخطط الأميركي إذا أرادوا السلام!! وفيما يختص بالأوضاع الداخلية أشار ناصر الى معرفته بوجود صراعات شخصية داخل الاتحاد الاشتراكي، مما دفعه الى انشاء لجان المواطنين كبديل شعبي تتجمع فيه كل الجهود استعداداً للمعركة.
مشروع روجرز عُقدت الجلسة العشرون للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والدقيقة الخامسة عشرة مساء يوم 3 فبراير 1970 برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر. والتى توقفت اجتماعاتها فى الفترة من سبتمبر إلى أوائل فبراير، نظراً لمرض الرئيس جمال عبد الناصر، مما دعاه إلى الابتعاد عن الاجتماع باللجنة لعدة أسابيع وقد سافر خلالها للعلاج فى الاتحاد السوفييتى. لكنه تابع اثناء مرضه التطورات السياسية الخاصة بالصراع العربى الاسرائيلى. مثلما وقع عدة اتفاقيات للتسليح خاصة فى مجال الصواريخ.
وبدأ الرئيس جمال عبد الناصر اجتماعات الجلسة بالتحدث عن مشروع وزير الخارجية الأميركى «روجرز» المقدم للجمهورية العربية المتحدة لحل الصراع فى الشرق الأوسط، ونتائج زيارته لليبيا والسودان. ومناقشة الوضع العسكرى على جبهة القتال، والتسليح. ومناقشة تشكيل لجان المواطنين من أجل المعركة بهدف احتواء نشاط الجماهير وتعبئتها للدفاع الشعبى والمدنى، وتحقيق التضامن الكامل مع عائلات الجنود فى القرى والمدن وجميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة.
وقد أصدرت اللجنة التنفيذية العليا الأسس والمبادئ التى يقوم عليها تأسيس القواعد الجماهيرية فى كل المستويات المحلية للجان المواطنين من أجل المعركة، مع تحديد الصلة بين هذه اللجان والاتحاد الاشتراكى العربى من خلال إيجاد ربط عضوى وتنظيمى بين الطرفين بصورة تقضى على الصراع الاجتماعى والشخصى داخل الاتحاد الاشتراكى، والذى أشار إليه الرئيس عبد الناصر فى حديثه خلال مناقشات الجلسة؛ مما يعكس رغبته فى إعادة تصحيح أوضاع قوى الشعب العامل وتحالف جبهاته المختلفة فقال: «هُو قبل المناقشة، عايز أقول إن أنا صاحب الفكرة.. ليه قلت هذه الفكرة؟.. الحقيقة قلت هذه الفكرة لأن عايزين تعبئة الجهود من أجل المعركة.. الاتحاد الاشتراكى موجود وخارجه معروف، وكلنا عارفين الاتحاد الاشتراكى.. أنا عارف الاتحاد الاشتراكى فى الجيزة.. وفى القليوبية، وعارف أين يكون الكبت فى الاتحاد الاشتراكى.. وأين يظهر ده.. وده ماعندوش فرصة.. كل ده أعرفه بالكامل. هُو فيه صراع فى الاتحاد الاشتراكى، نحن لا ننكر أن هناك صراعاً اجتماعياً.. وهناك أيضاً صراع شخصى داخل الاتحاد الاشتراكى، وكل واحد له مجموعة فى الاتحاد. تعالوا بقى علشان المعركة.. الحقيقة علشان نربط الاتحاد الاشتراكى بلجان المواطنين.. هذا أيضاً لأن الاتحاد الاشتراكى بيهمنى، وأنا أيضاً صاحب فكرة الاتحاد الاشتراكى.. اللي هي قوى الشعب العاملة.. وتحالف قوى الشعب العاملة، وأريد أن ينجح. ماهو الاتحاد الاشتراكى يعنى ماهو بتاعنا. أنا كان فى رأيى إن العملية اللى تربط بين الاثنين هى انه لازم عضو لجنة المواطنين يكون عضواً فى الاتحاد الاشتراكى» ويستكمل حديثه قائلاً: «الحقيقة ان الناس متحمسة للمعركة، والناس عايزه تعبئ نفسها للمعركة.. والناس عايزه تشتغل، وبعدين احنا أيضاً عايزين نبنى الاتحاد الاشتراكى. أنا رأيى ان لو أنا فى الاتحاد الاشتراكى مضبوط.. وعندى عملية مضبوطة.. وماشى بوسائل مضبوطة، أنا باخَلى لجان المواطنين من أجل المعركة بطريق غير مباشر هى قوة وسند للاتحاد الاشتراكى. هذا فى الحقيقة رأيي». كما تطرق النقاش إلى ضرورة اتخاذ خطوات جديدة لإعادة تنظيم العديد من المواقع التنفيذية والسياسية بصورة تعالج الانطباعات السيئة التى ترسبت لدى جموع الجماهير حول الفساد المتفشى فى الأجهزة التنفيذية، وقد علق الرئيس على ذلك بقوله: «بالنسبة لإعادة التنظيم فى المواقع التنفيذية.. احنا اتكلمنا عنه فى بيان 30 مارس، ولكن مااقدرش آخد قرارات وأقول: أعمل كذا. يعنى واحد قاعد بالليل وقال كلمتين، ولكن بيشتغل 90%.. أسيبه، فيه واحد حاقد وبيعمل لهدم النظام.. لازم أعتقله، وفيه ناس من الاتحاد الاشتراكى بيتكلموا، وفيه فى لجان المحافظات واحد قاعد يبين للمجموعة انه ذو حيثية ومهم، هذه هى طبائع الأمور. كل هذه عينات موجودة فى الاتحاد الاشتراكى، 7 ملايين.. كيف نتخلص من هذه العناصر، ومن أن تُكَون 10 آلاف حزب من 10 آلاف؟». وانتهت فعاليات الاجتماع بالقرارات والتوصيات التى توصلت إليها اللجنة المركزية التى من أهمها قبول استقالة على صبرى من رئاسة لجنة شئون التنظيم، وتعيين شعراوى جمعة أمينا لها، ثم قرار الموافقة على تشكيل لجان المواطنين من أجل المعركة، وفقاً لعدة أسس ومبادئ معينة.
عرض للصداقة عُقدت الجلسة الواحد والعشرون للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، فى الساعة السادسة وعشرين دقيقة مساء يوم 21 أبريل 1970، برئاسة محمد أنور السادات نائب رئيس الجمهورية ، نظراً لمرض الرئيس جمال عبد الناصر، تم عرض جدول أعمال الاجتماع الذى يتضمن تطورات الموقفين العسكرى والسياسى، خاصة فى ظل زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركى «جوزيف سيسكو» للقاهرة.
بدأ وزير الخارجية محمود رياض فى عرض تقرير وزارة الخارجية حول نتائج تلك الزيارة، شارحاً أن مساعد وزير الخارجية الأميركية «جوزيف سيسكو» طلب فى زيارته الأخيرة للقاهرة إقامة علاقات صداقة بين واشنطن والدول العربية، وأنه يسعى إلى إقناع الدول العربية بصداقة الولايات المتحدة، وأنه إذا خرج من هذه الزيارة بإقناع الجمهورية العربية المتحدة بهذه الصداقة فإنه يكون قد حقق نجاحاً كبيراً. ويعلل وزير الخارجية ذلك، بأن الولايات المتحدة ليس لديها جديد فى مجال سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط خلال تلك الفترة، ولا تستطيع الضغط على إسرائيل لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، فى نفس الوقت الذى ترغب فيه أن تفتح حواراً مباشراً بينها وبين الدول العربية لا يكون الاتحاد السوفييتى طرفاً فيه بشرط أن تقبل مصر المشروعات الأميركية الخاصة بتسوية الصراع العربى الإسرائيلى.
وقد أوضح وزير الخارجية محمود رياض ذلك بقوله أمام أعضاء اللجنة المركزية المجتمعين : أوضح جوزيف سيسكو «ان هدف المباحثات المباشرة هو ان نقبل ما قدم لنا من مشروعات اميركية ، فهناك مشروع متعلق بمصر وآخر يتعلق بالاردن ، فاذا ما وافقنا عليهما - كما قدما الينا - كان على «يارنج» ان يأخذهما ، ويبدأ القيام بالاتصالات بيننا وبين اسرائيل من ناحية ، وبين الاردن واسرائيل من ناحية اخرى ، لتنفيذ هذا المخطط الاميركى. أو المشروعات الاميركية ، وهو يبرز نقطتين تمثلان الخط العريض للسياسة الاميركية اولهما : أنه اذا كانت مصر ستصر على الانسحاب الكامل لاسرائيل من كل الاراضى العربية ، فعندئذ لا يكون هناك حل سلمى ،ثانيهما : اذا اصرت مصر على عودة اللاجئين ، فعندئذ لن يكون هناك حل سلمى. كما اضاف هذا الموقف يتماشى مع رسالة الرئيس الاميركى ريتشارد نيكسون الى الكونغرس وهى انه اذا اراد العرب حلا ، فليس امامهم الا المخطط الاميركى ، وما عداه فهو مرفوض.
وضع الأردن وحول تساؤل طرحه أحد أعضاء اللجنة المركزية حول موضوع التعديل الوزارى الذى حدث فى الأردن خلال تلك الفترة، وهل له علاقة باندلاع المظاهرات التى اجتاحت الأردن على إثر زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركى «سيسكو»، ومدى تأثير تلك التطورات على مستقبل الأردن فى ظل الصراع العربى الإسرائيلى؟ أكد وزير الخارجية محمود رياض فى تقريره لأعضاء اللجنة: «الأوضاع السياسية فى الأردن تجعل موضوع التعديل الوزارى الأخير أمراً عادياً. وإذا راقبنا الأمور فإننا نجد أن كل سنة تقريباً يحدث تعديل وزارى أو أكثر، لكن ليس هناك أى مظهر من مظاهر التغيير، لأن رئيس الوزراء هُوَ هُوَ.. وزير الخارجية هو نفس الشخص، بل إن العناصر الجديدة التى دخلت الوزارة تعتبر من العناصر الوطنية المعروفة بتعاونها أصلاً مع الفدائيين ومع العناصر الفلسطينية، فإذا كان ولابد من عمل مقارنة، فالتعديل إلى الاتجاه الأحسن، لا إلى الاتجاه الأسوأ ».
وحول استمرارية الدور الفعال للسياسة الخارجية المصرية فى دعم ومساندة قضية فلسطين التى تعتبر أهم القضايا المصيرية للدول العربية عامة، والجمهورية العربية المتحدة خاصة، أكدت نتائج الاتصالات التى أجراها وزير الخارجية محمود رياض، والتى طرحها للنقاش فى اجتماعات الجلسة، أنه لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطينى، وأن رغبة مصر فى انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة لا تثنيها عن متابعة حقوق الشعب الفلسطينى، وأن الرئيس جمال عبد الناصر حينما ذكر عبارة «الأراضى العربية» فى كل أحاديثه وحواراته فى الاجتماعات السابقة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى كان يقصد الانسحاب الإسرائيلى من: الجولان، والقدس، والضفة الغربية، وسيناء دون قيد أو شرط، مع إيجاد حل فعلى لموضوع اللاجئين، لأنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يغفل أو يتجاهل أى مشروع تسوية سلمية مقترحة للصراع العربى الإسرائيلى القضية الفلسطينية أو حقوق الشعب الفلسطينى، مشيراً إلى مساعى الساسة الإسرائيليين بدءًا من وزير الدفاع وانتهاءً برئيسة الوزراء، إلى محو هوية ووجود الشعب الفلسطينى وتحويله إلى لاجئين مشردين مستشهداً بقول رئيسة الوزراء الإسرائيلية «جولدا مائير»: «أنه لا يوجد ما يسمى بشعب فلسطين» ، وإلى خطاب الرئيس الأميركى «ريتشارد نيكسون» فى الكونغرس الأميركى الذى تجاهل تماماً القضية الفلسطينية، أو أى ذكر للشعب الفلسطينى وحقوقه.
وحول زيارة الرئيس الليبى معمر القذافى للجزائر، ودورها فى إحداث تقارب إيجابى فى التنسيق العسكرى مع الجزائر؟ وتحقيق التنسيق السياسى والعسكرى مع المغرب العربى، خلصت المناقشات إلى أنه لا علاقة بين هذه الزيارة وزيادة التعاون العسكرى بين مصر ودول المغرب العربى، لأن التعاون قائم فعلياً، وأن هذه الزيارة جاءت لتأكيد العلاقات بين الجزائر وليبيا، خاصة فيما يتعلق بمشروعات البترول، مع تأكيد أن أى تعاون بين ليبيا والجزائر أو أى دولة عربية أخرى يمثل فائدة ومصلحة عربية عامة.
تكامل بين المثلث الذهبي كما ناقش أعضاء اللجنة المركزية فى هذا الاجتماع اتفاقيات التكامل الاقتصادى الموقعة بين السودان ومصر وليبيا والدور المصرى فيها، حيث اتجهت الدبلوماسية المصرية إلى مراعاة وضع بند ينص على جواز انضمام أى دولة عربية لهذا الاتفاق، وعدم قصر الاتفاق على الدول الموقعة فقط، كخطوة تساهم فى إقامة التكامل الاقتصادى العربى، وكذلك مناقشة تقرير وزير الخارجية حول المؤتمر الثلاثى الخاص بالتعليم الذى عُقد فى ليبيا، ووجهت فيه الدعوة لكل وزراء التربية والتعليم فى الدول العربية لحضور هذا المؤتمر، وقد حضره جميع وزراء التعليم العرب عدا دولة واحدة، والتأكيد على أن الاتفاق الثلاثى بين مصر وليبيا والسودان تنظر إليه مصر باعتباره نواة لتعاون أشمل وأكبر مع الدول العربية.
وحول تساؤل بشأن نتائج المباحثات التى تجرى بين الدول الأربع الكبرى - الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتى، وفرنسا، وبريطانيا - بشأن الشرق الأوسط ونتائجها علق وزير الخارجية قائلاً: «هذه المحادثات مستمرة فعلاً، وهناك محاولات تُبذل اليوم، لأن الدول الأربع قد وصلت ـ فى الوقت الحالى ـ إلى طريق مسدود، فالأميركان يرفضون التحرك أكثر من المشروعات التى قدموها، ونحن بالتالى رفضنا هذه المشروعات. واليوم هم يحاولون أن يجروا حصراً لما تم الاتفاق عليه، وللنقاط التى اختلفوا عليها، أو التى لم يصلوا إلى اتفاق بشأنها حتى الآن. فجميع الاجتماعات التى تعقد اليوم ـ وتسمعون عنها ـ يحاولون فيها أن يضعوا على الورق النقاط التى وصلوا فيها فعلاً إلى اتفاق، والنقاط التى لم يصلوا فيها إلى اتفاق بعد، ومجرد أن تجتمع أربع دول ويحاول مندوبوها أن يضعوا على الورق بعض أفكار سياسية، تصبح العملية من أشق الأمور، إذ أن كل كلمة تستغرق مناقشة ساعة أو ساعتين، ولذلك ستستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً، حتى يحددوا فى النهاية ما هى نقاط الاتفاق، وما هى نقاط الخلاف، ثم يبدأون بعد ذلك مرحلة جديدة لمحاولة التقارب، فيما يتعلق بالنقاط المختلفة عليها، إذاً فالمحادثات مستمرة حتى الآن».
الجبهة الشرقية وبمناقشة سؤال حول الجبهة الشرقية ودور العراق العسكرى فيها، خاصة بعد حل مشكلة الصراع بين الحكومة العراقية والأكراد، فقد أشار الأعضاء إلى أن العراق لا يبذل جهداً فى الجبهة الشرقية - عكس ما كان سائداً فى الفترة الماضية - فى الوقت الذى صعد فيه السوريون الموقف العسكرى على الجبهة مع إسرائيل، ومع ذلك فإن إجمالى الموقف على الجبهة لا يتناسب مع تطور الأحداث، وقد طالب الأعضاء وزير الخارجية بتقديم شرح وافٍ لهذه النقطة، مع شرح الموقف تجاه بناء القواعد العسكرية الدفاعية، وحجم ونوع المعوقات التى تواجه هذه العملية.
وفى تعليق نائب رئيس الجمهورية - محمد أنور السادات - الذى يرأس الجلسة نيابة عن الرئيس جمال عبد الناصر على النقاط السابقة خاصة فيما يتعلق بموضوع موقف العراق من الجبهة الشرقية قال: «فى مؤتمر المواجهة الأخير، كان قد قُدم اقتراح من مندوب العراق الفريق عماش، بعد أن قدم الفريق فوزى - القائد العام - تقريره لمؤتمر المواجهة، ووضح فيه أن هناك التزامات لم توف بالنسبة للعراق، فتقدم مندوب العراق باقتراح أن نجعل مسرح العمليات مسرحاً واحداً، بدلاً من أن تكون هناك قيادة شرقية وقيادة غربية، تكون هناك قيادة واحدة. والحقيقة إن مؤتمر المواجهة كله وافق على هذا الاقتراح، وقد عدله السيد الرئيس كالتالى: «أن يكون للقائد العام ثلاثة نواب، أحدهم عراقى، والثانى سورى، والثالث أردنى». وبما أن إسرائيل تعمل بقيادة واحدة.. وفى مسرح واحد.. وبفكر واحد، نعمل نحن أيضاً بقيادة واحدة.. وفى مسرح واحد.. وبفكر واحد».
ورغم أن مندوب العراق فى مؤتمر المواجهة قد ذكر أنه سينقل لحكومته هذا القرار الذى وافق عليه المؤتمر بالإجماع، فإن الحكومة العراقية لم توافق رغم أنه اقتراح عراقى بالأساس، وعدله الرئيس جمال عبد الناصر ليتناسب وطبيعة العمل العربى المشترك. ورغم انتهاء مشكلة الأكراد مع الحكومة العراقية، إلا أن العراق لم يوف بالتزاماته تجاه الجبهة الشرقية.
أما بالنسبة للتحرك السورى على الجبهة الشرقية فقد استشهد نائب الرئيس بعبارة الرئيس جمال عبد الناصر فى حديثه للصحفى الهندى «كارنجيا» قائلاً: «والله الجبهة السورية تحركت، واحنا بنبارك هذه الحركة.. فطبيعى أن لهم ظروفهم، ونحن لا نستطيع أن نطلب من أحد أكثر مما يطيق، فهم يتحركون بالمعدل الذى يستطيعون به مواجهة الأمور».
أما بالنسبة لسير برنامج بناء قواعد الدفاع العسكرية فى منطقة القناة وفقاً لجدول زمنى، أوضحت المناقشات بين أعضاء اللجنة خلال هذا الاجتماع أن عملية بناء تلك القوات، وإن كانت تسير وفقاً للجداول الزمنية الموضوعة، إلا أن بناء تلك القواعد فى خط القناة سيستغرق بعض الوقت باعتبار أن هناك تدخلاً مستمراً من العدو فى تلك المناطق
ميزانية الصمود وبعد انتهاء الأعضاء من مناقشة الأوضاع السياسية داخلياً وعربياً ودولياً انتقل النقاش إلى بحث الشئون الاقتصادية الداخلية للدولة، والتى بدأت بعرض الدكتور محمد لبيب شقير ـ رئيس اللجنة الاقتصادية ـ الأسس العامة لخطة وميزانية عام 70/1971، والمبادئ التى حكمت إعداد وتحضير أجهزة الدولة للخطة وللميزانية، وهى: أولوية المعركة وكان هذا المبدأ مبدأ أساسياً فى السنوات الماضية، ولكنه جرى تأكيده بشكل عام.. وبصورة أكثر قوة بالنسبة لميزانية عام 70 ـ 1971، على أساس أنه كلما اقترب الوقت لإحراز النصر والتحرير، كلما تطلب الأمر زيادة الدفعة المالية لمواجهة أعباء المعركة، وقد علق د. لبيب شقير قائلاً: «وتأسيساً على ذلك، فإنه يمكن القول بأن المعركة فى ميزانية وخطة العام المقبل ـ 70 ـ 1971 ـ سوف تحصل على ما يزيد على 500 مليون جنيه، بالقياس إلى ما كان مدرجاً فى ميزانية - أو خطة - العام الماضى وهو حوالى 417 مليون جنيه. وهذا يعنى أنه فى مشروع الميزانية 100 مليون جنيه زيادة عما كان مخصصاً لها العام الماضى». ثم تطرق الحوار إلى مناقشة المبدأ الثانى الذى حكم الإعداد لميزانية وخطة عام 70 ـ 1971، وهو استمرار تحقيق معدل نمو مقبول فى الاقتصاد المصرى، الأمر الذى يتطلب نبذ السياسة الانكماشية الاقتصادية - رغم ظروف المعركة - والانطلاق فى عملية التنمية بأقصى ما يمكن فى حدود ما تسمح به أولويات المعركة.
ورغم الرغبة العارمة فى تحقيق معدل تنمية متوازن، إلا أن الأعضاء ومن خلال مناقشاتهم لتقرير اللجنة الاقتصادية أكدوا على أن هناك عاملين قد يؤديا إلى التأثير على معدل النمو أولهما: معدل الإنتاج الزراعى خاصة بالنسبة لمحصول القطن. وثانيهما: حجم الاستثمارات. وفى رده على أعضاء اللجنة المركزية بالنسبة لهاتين النقطتين قال د. لبيب شقير: «الواقع أن الإنتاج الزراعى فى العام الماضى، وخصوصاً فى المحصول الرئيسى وهو القطن، كان قد وصل إلى مستوى لم يصل إليه إنتاج القطن فى تاريخنا كله، حيث بلغ المحصول حوالى 10.8 ملايين قنطار، وهو رقم لم يبلغه إنتاج القطن فى تاريخ مصر فى سنواتها السابقة، وإذا أ ردنا أن نبنى بلادنا على توقعات واقعية، فإننا يجب أن نعود بتوقعاتنا إلى المستوى العادى للمحصول مزيداً زيادة طفيفة. ولذلك فإنه من المتوقع فى خطة العام المقبل أن يكون محصول القطن 9 ملايين و750 ألف قنطار. وهذا يعنى أنه سوف يحدث نقص فى محصول القطن عن العام الحالى، بما يساوى مليون قنطار، قيمته - بالنسبة للإنتاج الزراعى - حوالى 20 مليون جنيه. ومع ذلك، وبالرغم من هذا النقص، الذى هو شئ طبيعى، فإن قطاع الزراعة - فى مشروع الخطة - يحاول أن يُثبتْ القيمة الكلية للإنتاج الزراعى عما كانت عليه فى العام الماضى. ومعنى هذا أن قطاع الزراعة يحاول أن يزيد الإنتاج الزراعى فى مختلف المحاصيل الأخرى، بما يعوض النقص الذى تبلغ قيمته حوالى 20 مليون جنيه فى محصول القطن».
وحول المبدأ الثالث الذى تستند إليه اللجنة الاقتصادية المتفرعة من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى فى إعداد خطة وميزانية عام 70 ـ 1971، وهو العمل على إبقاء مستوى الاستهلاك المحلى على ما هو عليه، وزيادته زيادة طفيفة، بصورة لا تجعل المعركة تلقى بعبء ثقيل على استهلاك الفرد، فقد امتنعت أجهزة الدولة - المعنية بالأمر - عن إنقاص معدل الاستهلاك إنقاصاً كبيراً، أو حتى إنقاص محدود، ويتضح ذلك من بيانات اللجنة الاقتصادية، والتى توسعت فى منح اعتمادات النقد الأجنبى لقطاع التموين وإعطائه المبالغ التى تكفل له التوسع عما كان عليه فى عام 69 ـ 1970.
ثم تعددت المناقشات حول باقى المبادئ التى تترواح بين سلامة الميزان التجارى فى التعامل مع الخارج، وتحقيق السيولة النقدية الدولية اللازمة، وضمان تمويل الاستيراد اللازم للمعركة والاستهلاك والتنمية. وتوافر قنوات التمويل الداخلى وتعبئة المدخرات المحلية، بحيث لا يُترك ادخار بعيداً عن التعبئة للمعركة وللتنمية على حد سواء.
مناقشة الاقتصاد الاسرائيلي ناقش الأعضاء أيضاً خلال الاجتماع أوضاع الاقتصاد الإسرائيلى، وعقد مقارنة بين مدى قدرة اقتصاد الدولتين على تحمل أعباء المعركة والاستنزاف العسكرى الذى بدأ بينهما منذ عام 1969، مستشهدين بما نشر فى المجلات المالية الدولية حول الوضع الاقتصادى لإسرائيل خلال تلك الفترة، مما يعكس مدى الجهد المبذول فى الاقتصاد المصرى فى محاولة الحفاظ على توازن وضعه خلال مرحلة الاستنزاف.
وقد ناقش الأعضاء بعض البيانات التى وردت فى تقرير وزير المالية الإسرائيلى الخاص بميزانية عام 70 ـ 1971، والتى اتضح من خلالها توازن الوضع الاقتصادى للجمهورية العربية المتحدة مقارنة بنظيره الإسرائيلى رغم وقوعهما تحت ظروف دولية وإقليمية واحدة، وقد علق د. لبيب شقير على ذلك قائلاً: «يشكل العجز فى المدفوعات الخارجية، وتضاؤل الاحتياطى من الدولارات من النقد الأجنبى أهم مشكلة اقتصادية فى إسرائيل، ويصل حجم العجز بالنسبة لإسرائيل 5 ـ 11 مليون دولار ـ عجز جار فى العام المقبل ـ أى عجز يقدر بحوالى 500 إلى600 مليون جنيه تقريباً. ولمواجهة هذا العجز تحاول إسرائيل أن تستورد رؤوس أموال قيمتها حوالى 1000 مليون دولار، منها حوالى 250 مليون دولار تبرعات، عن طريق ما يسمى ب«سندات إسرائيل» ـ أهم جزء منها يأتى من الولايات المتحدة ـ ولكنها فى نفس الوقت تحاول أن تواجه هذا العجز فى النقد الأجنبى، عن طريق إغراء رأس المال الأجنبى، ونتيجة لهذا فإن من بين هذه الإجراءات أنها قد بدأت فى بيع أنصبتها.. أنصبة الحكومة فى بعض الشركات التى كانت تساهم فيها. من ناحية ثانية: فإن الاحتياطى الأجنبى حالياً وصل فى إسرائيل إلى أقل.. أو إلى حوالى 350 مليون دولار، بينما من المقدر أنه فى ظل الظروف العادية - وليس حتى فى ظل ظروف الحرب - التى هى ظروف أكثر سهولة من ظروف الحرب، يجب ألا يهبط الاحتياطى الأجنبى لإسرائيل عن 500 مليون دولار، وهم يتوقعون أنه فى ظروف الستة أشهر المقبلة، إذا لم يحدث حل يعضد ويقوى هذا الاحتياطى الأجنبى من جانب الجهات الأجنبية - وخصوصاً الولايات المتحدة - فإن الاحتياطى سوف ينخفض عن ذلك بكثير، لأنهم يفقدون يومياً من هذا الاحتياطى ما بين مليون وأربعة ملايين دولار بحسب الظروف».
ويتضح من مناقشات الأعضاء خلال الاجتماع مدى أهمية المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل، وأهمية تسهيلات دفع ثمن صفقات السلاح التى تعطيها للحكومة الإسرائيلية، لأن هذه المساندة تمنع الأثر الكامل للاستنزاف الذى تجريه الجمهورية العربية المتحدة فى اقتصاد إسرائيل. وتنعكس الأوضاع الاقتصادية المستنزفة فى إسرائيل على نسبة الضرائب المفروضة على الشعب الإسرائيلى، فقد ارتفعت نسبة الضرائب بمعدل 41 من الدخل القومى الإسرائيلى.
ويتضح مما سبق أن حالة الاستنزاف التى فرضتها مصر على إسرائيل منذ عام 1969 قد أثرت فعلياً فى الجانب الاقتصادى لإسرائيل، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة تساعد إسرائيل، فهى فى الواقع إنما تتدخل لكى تمنع الاقتصاد الإسرائيلى من أن يتحمل بشكل كامل أثر حرب الاستنزاف، مما يعكس المساندة الأميركية الكلية العسكرية والسياسية والاقتصادية لإسرائيل.
وتعكس الخطة الاقتصادية لعام 70 ـ 1971 إرادة المجتمع المصرى على الصمود وردع العدوان، وتحمله أعباء المعركة دون أن يؤدى ذلك إلى انهيار اجتماعى أو اقتصادى فى الدولة، بل على العكس فقد تم تخصيص مبلغ 484 مليون جنيه للقوات المسلحة والطوارئ بما فيها الدفاع المدنى ورعاية المهجرين. كما تعكس الخطة قدرة المجتمع على تحقيق التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، حيث تم تخصيص 338 مليون جنيه لأغراض التنمية المختلفة، مع الاعتماد على الموارد الحقيقية والذاتية للمجتمع فى تمويل أعباء الدفاع، والإنفاق الحكومى المدنى، مع تقليل فرص الاعتماد على المدخرات الخارجية إلا فى أضيق الحدود، على ألا يتعدى هذا الاعتماد نحو 60 مليون جنيه وفقاً لما أقرته ميزانية عام 70 ـ 1971.
ثم ناقش الأعضاء بعد ذلك مجالات توزيع الاستثمار القومى البالغ إجماليه 338 مليون جنيه فى الخطة المقترحة لعام 70 ـ 1971، ثم نوقشت سياسة الإسكان، وحجم الاستثمارات فى قطاع الإسكان المتوسط وفوق المتوسط، ومشاكل قطاع النقل بمستوياته المختلفة فى أقاليم الدولة.
".................."
![]()
![]()
A Man ... A Nation ...
الـرجوع الى الفهـرس للمتابعة والمواصلة
شـكرا لزيارتكم للموقع
أنتم الضيف
رجوع الى بداية الصفحة
![]()
![]()
© 2007 جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US