Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

 ـ   الإصلاح  و الموروث  ـ

بقلم 

فــائز الــبرازى 

 

جميعنا نريد الإصلاح .. فلم لم يتحقق ؟؟

 

وأحاول في تسطيري هذا أساسآ ، تناول " الموروث النقلي والعقلي " . وهي نقطة قلما ركزنا عليها في تناولنا ( للإصلاح ) الذي نطالب به بأشكاله السياسية والإجتماعية والإقتصادية و .. الخ .

الإصلاح الجذري ، لا الشكلي .

 

فالإصلاح أساسآ والذي يجب البدء به والعمل عليه ، وحتى مع وقائع أدنى من أساسياته ، هو :

( إصلاح العقل العربي ) .

 

فمع أن " العقل " في العالم من حيث تركيبته أو وظائفه ، هي متشابهة إن لم أقل واحدة ، إلا أن لكل عقل " فردي " ، وعلى الأخص " جمعي " ، تأثره بما ينجم عنه عند تشكله . أي : أن ( العقل ) بتأثره بنمط الحياة ، وبنمط المحيط ، وبنمط الموروث ، يشكل أساسآ لتكون عقل أي أمة أو مجتمع أو فرد .

 

وفي ( العقل العربي ) ، فإن من أكبر تأثيرات نمط المعرفة وشكلها ومحتواها ، هو تأثير ( الموروث). (فالنقل) عندنا هو الأعظم تأثيرآ ، والتراث الشعبي يعتمد كأمر يجب تجاوزه في الأعم ، عليه . ويكون أكثر تسليمآ وتمسكآ به عما يمكن أن يستجد في المعرفة والعلم والتطور الإنساني .

 

ولكي لانبقى في التقول النظري .. فهناك أمورهامة في الواقع ، لها إنعكاسات جد سلبية على ( نمط التفكير ) العقلي الذي نتمسك به ، وعلى سبيل المثال لا التحديد :

 

·       النقل عن " عقل التراث " .

·       وضع العقل الإنساني في زنزانة التاريخ .

·   الإستناد إلى العامل الميتافيزيقي المعتمد على تفسيرات غيبية ، ليس للواقع والعلم إرتباط بها ولو بالحد الأدنى .

 

وهذه الأمور الثلاثة التي أراها – في رأيي – أساسية ومميزة عن بقية العوامل ، وهي مترابطة يصعب تفكيكها إلى وحدات مستقلة قائمة بذاتها .

 

وبالشكل المتشابك لهذه الأساسيات ، فإننا قد إستسلمنا بدون بحث أو تفعيل للعقل ، أو إستخدام لأي منهج علمي إنساني ، وخاصة في الأنثروبولوجي – علم الإنسان - ، إلى ما مارسه هؤلاء المفكرين والباحثين عبر التاريخ في ظرفهم ومكانهم وزمانهم ، لما يجب أن نمارسه نحن .

 

إن الإصلاح بحاجة إلى حوامل . ونحن لانزال نستخدم الحوامل القديمة لأننا " نخاف " من إستخدام حوامل جديدة . وهنا لا أدعو إلى قطيعة معرفية ، والبحث عن نظريات جديدة خارج بيئتها ومجتمعها ومسارها التاريخي . فقوتنا في الإصلاح مستمدة من " التواصل المعرفي " ، إذ لايمكن البدء من الصفر وإلغاء جميع المعارف والقطع معها ، فهذا سيعيدنا إلى الكهوف .

 

إن تطور المعرفة وإغنائها ، على نقيض مع شعار القطيعة المعرفية . كما أن إستخدام الحوامل القديمة ، تؤدي غلى قطيعة معرفية مع الواقع .

 

ففي الدين .. إعتمد الفقهاء والباحثين والمفكرين فيما مضى ، إعتمدوا وفعلوا العقل في نصوص القرآن الكريم ، الذي هو [ حمال أوجه ] كما قال سيدنا علي رضي الله عنه . وقصده كان على جــــزء

" المعاملات " لا " العقائد " . بينما لايزال علماءنا وفقهاءنا ومجتهدينا في أغلبهم الأعم ، كسالى ومستسلمين ، أو مستحسنين للقديم – بغض النظر عن الأسباب العديدة لذلك – لقديم عقول الموتى . بل أنه أحيانآ يناقضوها ويصبغوها بالتخلف ، عودة إلى زمان ومكان وظروف عنها ، تغتال مقولة :

 

[ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ] . هذا الذي يقال عنه : ( الفكر الديني ) ، وهو فكر إنساني خاضع للصواب والخطأ لامعصومية له ، بل عليه النقد والرفض يوجه ، في الأغالب .

 

هذا النقل في معظمه يفتقد التجديد والتطوير ، لإلغاء الكثير من الموروث ومن نتاج العقول السابق المحكوم بالظرف والزمن والمكان . ولا يزالون يعتقدون ، بأن ( نقل عقل التراث ) هو الواجب الذي يؤدونه بكل كفاءة وحق . بينما يكونون قد ( وضعوا العقل الإنساني في زنزانة التاريخ ) . فمن زاره يجده هَرٍم لايستطيع حراكآ ، ولا يملك فائدة لنفسه ولا للآخرين ، كشيئ معروض في متحف التاريخ .

إن الأجدى بنا والأنجع ، ضرورة العودة إلى ( المعرفة القرآنية ) لإصلاح فكرنا الديني .

 

إذ أن المتفق عليه لدى أغلب المسلمين ، فقهاء وعامة ، أن القرآن الكريم قد أتى بالأجوبة على تساؤلات الإنسان .. فالإسلام بشقيه :  العقائد  - والمعاملات قد حرص على علاقة الإنسان بالخالق تحريرآ للإنسان من المادية المجردة ، وتمثلآ للخلق الإنساني القويم . فقدم " الثوابت " التي لاتتغير ولا تتبدل بتغير الزمن والمكان والإنسان ، في مجال ( العقائد ) . وترك لقول ( القرآن صالح لكل زمان ومكان ) حقله في مجال ( المعاملات ) .

 

ومع هذا الإتفاق ( بالنص والكلمة ) ، إلا أن هناك إختلاف جذري فيما يتعلق " بالمعاملات " .. بين المتعصبين والمنغلقين وضيقي الأفق والعقل ، وبين الوسطيين ومنفتحي الأفق والعقل لصالح خدمة الإنسان وعمارة الكون وتقدم الإنسانية . فالمعاملات – كما أرى – هي المرتبطة بالزمان والمكان والظروف والحياة والإنسان .. فهي منفتحة .. ولا يمكن أن تؤخذ ( بحرفيتها ) كما " العبادات " ... إنها القابلة للتجديد والتغيير ضمن " المصالح الإلهية المرسلة " . إنها ( رمزية ) وليست حرفية .

ويحضرني هنا قصة واقعية طريفة .. جرت بين / اللورد كريمر / الحاكم البريطاني لمصر ، وبين الشيخ / محمد عبده / توضح ما أريد قوله :

 

سأل / كريمر / في إحدى جلسات الحوار مع الشيخ : هل صحيح أن قرآنكم قد أجاب على كل التساؤلات ، وأعطى كل الأجوبة ؟

قال الشيخ : نعم .. تمامآ .

قال كريمر : هل تستطيع ياشيخ أن تجيبني ، ومن قرآنكم ، كم رغيف خبز يصنع من كيس الطحين ؟

قال الشيخ : أمهلني لغد ، فأجيبك ... ووافق كريمر .

في الغد عاد الشيخ وقال لكريمر : أنه يصنع / ... كذا رغيف / وحدد له عدد الأرغفة .

قال كريمر : وهل هذا الجواب مذكور في قرآنكم ؟

قال الشيخ : نعم .. فإستمر كريمر متسائلآ : هل تستطيع أن تحدد لي الآية المتضمنة هذه الإجابة ؟

قال الشيخ : نعم .. [ إسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ] . وأنا سألت أهل العلم في هذا الموضوع .

 

إذآ .. أين المشكلة ؟؟

 

وإسمحوا لي وخلافآ لأصول البحث المنهجي العلمي ، بأن أضع النتيجة / الجواب ، قبل العرض والنقاش والبحث والجدل والمقارنة البحثية الموصلة للنتيجة ..

 

النتيجة / الجواب : أن المشكلة تكمن في ( عقولنا ) .. في الدين .. اليهودي ، المسيحي ، الإسلامي .. لم نتجاوز فترة ( الدين الإلهي ) بضع عشرات من السنين .

 

وفي آخر الرسالات السماوية .. الإسلام .. فإن " الدين الإلهي " لم يعد مأخوذآ به كمضمون حقيقي ، مع مقتل / عثمان / الخليفة الثالث ، ليحل محله " الدين السياسي المشوه " .

 

قلة من تستطيع أن تستوعب وتشرح : " الخلاف الإنساني " بين الشيعة : بطوائفها .. وبين الإسماعيلية بطوائفها .. وبين الحشاشين – وأختُلف إن كانت التسمية بسبب تناول الطائفة حشاش الأرض أثناء الحصارات ، أم بسبب تناول الحشيش المخدر - . وبين السنة ومذاهبها المختلفة . حيث كانت (النتيجة ) أن يصب ( الإختلاف السياسي ) مكان ( الإختلاف الفقهي ) وإن إرتدى لبوسه .

هذا في الدين ..

 

وفي ( الوطنية ) .. أصبحت ( وجهات نظر ) خاضعة للنقاش والحوار والتجيير والتبرير . وهي ليس كذلك .

 

وفي القومية : أصبح للإثنيات الأقلية – خارج الحق الإنساني وحقوق المواطنة – إتجاه الهيمنة والسيطرة على الأكثرية القومية .

 

وفي الشيوعية : تعزز مفهوم " الإنشقاق " والخروج للتلاقي مع الليبرالية ، بل والعولمة المتوحشة.

 

وفي الناصرية : أصبح هناك : ناصريون دينيون ، وناصريون شيوعيون .. ناصريون إشتراكيون ، وناصريون رأسماليون .

 

وفي الإسلام السياسي : وبعد / حسن البنا / الأخوان المسلمون .. أصبح هناك : إسلام أمريكي ، وآخر شيعي ، وآخر سني ، وآخر بريطاني ، حتى وصل إلى إسلام " بن لادن " والقاعدة ، وهناك الوهابية ، والفاطمية ، والسلجوقية بموروثاتها ..

 

وفي الليبرالية : في عالمنا العربي .. إنتقلت من حرية التعامل والسياسات افقتصادية الحرة ، إلى ديكتاتورية الطبقة الرأسمالية والإعلام والشركات الإستعمارية العابرة للقارات ( على حساب الفرد ) أساس المذهب الليبرالي .

 

لذلك أقول : أن الجواب / على أين المشكلة ؟ .. هو في ( عقولنا ) .

 

إنه الصراع الذي لم يحسم لدينا .. بين ( النقل ) وبين ( العقل ) .. بين الفردية والأنوية بالمرايا العاكسة للذات ، وبين الجماعية والمؤسسات والحوارات وتقبل الآخر ، خارج مرآة نفسنا الفردية . بين دور البطل والزعيم والقائد والملهم .. وبين دور الشعب والمؤسسات الناظمة للدولة والمجتمع .

( إن محمدآ قد مات ) والإسلام باق . و ( عبد الناصر ) وأبطال الأمة قد ماتوا ، ومعارك التحرر والبناء والوحدة القومية ، باقية تنتظر الإنجاز .

 

ومرة أخرى .. أين المشكلة ؟؟

 

المشكلة كبيرة .. قد لانستطيع – في معظمنا – إستيعابها .. المشكلة قد عبر عنها الشاعر والأديب والمناضل الفلسطيني / محمود درويش / إذ قال : [ المشكلة الكبرى .. قد بدأت عندما نزل القرد من على الشجرة ، وسار على قدمين .. ] .

 

أنستطيع التمثل بين : التقليد والأصالة ؟ .. بين التكرار / النقل ، وبين الإبداع / العقل ..

هل سنستمر في الترداد الببغائي ؟؟ ألا يحق لنا ، بل وواجبآ لحقنا الإنساني ، أن نكون أكثر من قرد وببغاء ؟

 

ومن اسف .. لقد اصبح مسار تفكيرنا ، ومسيرة حياتنا ، مصدر ذاتي لإنتاج الأزمات وصناعة الكوارث . سواء أكان هذا المصدر نتاج مثقفين هم حراس المعاني والقيم ومنتجين للتطوير والتجديد ومعالجة المشاكل ، فأصبحوا أول أدوات الضياع والمآسي ، وتحولوا – في معظمهم – من أسانيد للقيم الإنسانية والحضارية والفكرية ، إلى عابثين بها .

 

أو كان هذا المصدر ، نحن الأفراد بكل مستوياتنا ، ننتج الأزمات والمآسي والكوارث ، كنتيجة لتفكيرنا ولنظرتنا إلى ذواتنا وهوياتنا !! ومشاعرنا التي تقتات على الحب والكره في فهم وممارسة الحياة ، وتواصلنا مع بعضنا، ومع الآخر المختلف . فنجعل هذه المشاعر " الغير متفكرة " – ولا أقول المفكرة- مرجعآ أساسيآ لايتغير ولا يتبدل .. لتبقى مرجعيته أحكامآ مسبقة جاهزة ، وقد تكون " وراثية " في معظمها .

 

والنتيجة : هي أن الواقع يتغير ، بخلاف مانراه ونتصوره ، أو حتى نريده .. يتغير نحو الأفضل للآخرين ، ونحو مزيد من التأزم والتردي والتخلف والإقتتال بالنسبة لنا .

إننا من حيث مساهمتنا في إنتاج أزماتنا وصناعة كوارثنا ، إنما نمثل : [ الوجه الرابع لثالوث الكاهن والسياسي والتاجر ] كما ذكر الأستاذ / علي حرب / .

 

ان الأساس في عملنا ومنطلقنا يجب أن يتوجه نحو إعادة ( بناء العقل العربي ) .. فليس على درجة من الأهمية بالنسبة لهذا التوجه ، أن نتفق أو نختلف .. بل المهم أن نبني ونستوعب : أصولآ في جدل    المحاكاة والفهم والإستيعاب ، لبناء " أصول التفكير وممارسته " في كل جزيئات حياتنا ..

إن قناعتنا بأمر ... لايعني أنه حقيقة ..

ورفضنا لأمر ... لايعني إلغاء الحقيقة ..

 

 

     فائز البرازي

25/12/2006

    

..............." 

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

A Man ... A Nation ...

 

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

شـكرا لزيارتكم للموقع

أنتم الضيف

 





© 2007  جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
 
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US