![]() |
سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر
بنو إسرائيل قبل الموسوية
بقلم
فــائز الــبرازى
ذهب معظم الدارسين والمهتمين التاريخيين والدينيين إلى دراسات نقدية ، ودراسات مقارنة ، ودراسات تراجم لما " أصبح يسمى بالتوراة " الكتاب الديني اليهودي . فقد تم إكتشاف ( التوراة العبرية ) وشرحها وتزينها المرة تلو المرة ، من قبل أجيال متعاقبة قام بها حاخاميون وأحبار لأكثر من ألفي عام . ونجد كثيرآ من أعمالهم في " التلمود " وهو مجموعة واسعة من القوانين – الشريعة – اليهودية ، والأساطير ، مع تفسير مستلهم يعرف بإسم ( ميدراش ) . وكان بعض الحكماء والمؤلفين حتى في " العهد القديم " يروعون مما كانوا يجدون في التوراة ، إلى الحد الذي جعلهم يتحركون بهدف إعادة كتابة الكتاب المقدس ، فتترك ببساطة الفقرات التي يجدونها " فظة " أو قابلة للإعتراض . وقد وجدت بعض النصوص التي أعيدت كتابتها في الترجمات الأقدم للتوراة العبرية ، إلى اللغة اليونانية ، أو الآرامية ، وهي اللغة القديمة المتأخرة التي من المحتمل أن يكون يسوع تكلم بها . وتمتع المترجمون الأتقياء !! الذين نقلوا التوراة إلى الآرامية ، بحرية التلاعب بالنص الأصلي ، وكانوا يبذلون جهدهم في " شرح " حكايا " القتل المربكة " أثناء مطاردة الرب لموسى خلسة ومحاولة قتله . وكانت إحدى المقاربات الأكثر غرابة في عملية ( تنظيف التوراة ) ، هي التي أقرت من قبل / الماسورتيين / . وهم جيل من الكتاب الحاخاميين الذين سعوا إلى حفظ الطبعة الرسمية من التوراة العبرية في القرن الخامس ق في – عهد المشاعية – ومن ضمن " الإشارات المساعدة المضافة " إلى ما أطلق عليه إسم "( النص الماسوريتي ) سلسلة طويلة من " التحذيرات " التي تميز بين ما ( كتب ) ، وبين ما ( قيل ) . أي ما قام الحاخاميون بتعريفها بالقول : - إنها كلمات معينة يفترض أن تقرأ بصوت عال ، بصورة " مختلفة " عما كتب فعليآ في النص . كما كان هناك " تعليم / إشارة " في النص المكتوب إلى كلمات وجمل مكتوبة ، يجب أن ( لا تقرأ ) بشكل مسموع ، أو مفهوم ، حتى لاتتم المساهمة أثناء الصلاة في " الكنيس " بنقل الكلمات والجمل " السيئة والشتائم والألفاظ الداعرة " . وترى دراسات توراتية حديثة العهد ، ومن جانب معظم الدارسين والنقاد حتى في هذه الأيام ، أن ( التوراة) هي بمثابة " مزج " للأسطورة وللمعتقد الديني وللشريعة ، بدءآ من الأسفار الخمسة الأولى للتوراة العبرية التي نقلت بتمامها وكمالها [ من فم الله إلى يد موسى ] ، ثم ماكتب وما أضيف منذ أكثر من ألفي عام في الماضي البعيد ، من مؤرخين ومشرعين ومن أقوال أنبياء وملوك . ويعتقد أن : صاموئيل ، وأشعيا ، وآرميا ، ودانيال ، على سبيل المثال ، هم كتاب الأسفار التي تحمل أسماءهم ، وكذلك كتب الملك سليمان نشيد الأنشاد وكتب داود المزامير . وكذلك ماكتبه رواة قصص مجهولين لايعدون ، وأجيزت من قبل حاخاميين قدماء منذ أواخر العهد التوراتي . كل ذلك – وبإختصار – جعل هناك مئات من " التوراة " ، كنص يدعى أنه صحيح . إضافة إلى عشرات " الترجمات المختلفة " لمعظم تلك النصوص – التوراة - . والتي أهمها : الكتاب المقدس طبقآ للنص الماسوريتي – فيلادلفيا : جمعية النشر اليهودية . الإنجيل المقدس : العهدين القديم والجديد : ترجمة الملك جيمس ، ناشفيل . الإنجيل الأمريكي الجديد : مؤسسة أمريكا للإنجيل الكاثوليكي . الإنجيل الإنكليزي مع الأبوكريفا . التاناخ : الكتاب المقدس ، طبقآ للنص العبري التقليدي . إنجيل اوكسفورد الجديد مع الحواشي ومع الأبوكريفا : ترجمة مراجعة أصوليآ . إنجيل مرجع سكوفيلد : ترجمة تحت إشراف الملك جيمس . كل ذلك .. و ( بنو إسرائيل ) محور أساسي ورئيسي وهام تدور حوله " التوراة " !! في مقابل : الأغيار ، البشر ، والعالم .. فمن هم بنو إسرائيل ؟؟ وما هو تاريخهم ؟ .. خاصة قبل الموسوية .. نادرة هي الدراسات والأبحاث التي تتناول هذه الأسئلة والإجابات عنها . ونادرة أكثر ، طباعتها ونشرها.. بنو إسرائيل .. هم " قبيلة يعقوب " . فقد ورد في النص " الماسوريتي " للتوراة كلمة [ حوري ] . وفي الترجمة " السبعونية " للتوراة ، وهي ترجمة يونانية قديمة يرى فيها معظم المثقفين والمترجمين التوراتيين – عددهم 70 - ، أن البدء كان للقبيلة مع ( حمور وعشيرته ) ، قبل يعقوب . وكانوا حوريين بالفعل . أي : ينتمون إلى شعب من شعوب الشرق الأدنى القديم . وكان موضع سكناهم يقع في الشمال والغرب من ( كنعان ) . كما أن هناك بعض المثقفين الآخرين يرون أن ( يعقوب وأبنائه ) كانوا يرتبطون بما كان يطلق عليه إسم " هابيرو " .. ( عابيرو ) . وهم شعب غامض ، إعتقد أنهم " غزاة من البدو " طافوا في العالم القديم . ومما يثير الفضول بصورة خاصة ، هو ذكر " العابيرو " بالإرتباط مع غزو مدينة " شكيم " في رسائل ( تل العمارنة ) . وهي حقيبة للمراسلات الدبلوماسية المصرية يعود تاريخها إلى فترة : " القرن التاسع عشر قبل الميلاد " . وصيغة " عابيرو " تفهم الآن على أنها تشير بصورة عامة إلى ( شعب لا أرض له ) . كان يتألف من قبائل عديدة ، قل عددها إلى مستوى : الهائمين ، واللاجئين ، والمرتزقة ، والرقيق ، في كل أنحاء الشرق الأدنى القديم . يعقوب / إسرائيل ، في أرض الكنعانيين : --------------------------------------- وصل / يعقوب / وابنائه إلى فلسطين أرض الكنعانيين . وأنفق يعقوب كلمات معسولة كثيرة ، ناهيك عن الهدايا والطعام والشراب والملابس ، كي يعلم الرجل الذي يدعى " حمور " شيخ القبيلة هناك في بعض أرض كنعان . وقد دفع / يعقوب م مئة من القطع الفضية ل " حمور " ، مقابل قطعة من الأرض بنى فيها بيته ورعى قطيع أغنامه . إلا أنه لم يكن " مرتاحآ " وبقي قلقآ لأنه بقي [ غريبآ في أرض كنعان ] .. سفر التكوين 31 : 34 . دينة / شكيم بن حمور // المجزرة الأولى : --------------------------------------- [ خرجت دينة بنت " ليه " التي ولدتها ليعقوب لترى بنات البلد . فرآها " شكيم بن حمور " رئيس البلد فأخذها وضاجهعا وأذلها ] .. سفر التكوين 34 / 1 و 2 . عندما أيقظت الجلبة في الجوار يعقوب ، خرج ليسأل ما المشكلة ؟ . أجابت إحدى الفتيات خادمة إبنته دينة . [ أختنا – إبنتك – دنست ] . أعلنت الفتاة ، ثم ساد الصمت وإرتفع صوت بكاء النساء . سأل يعقوب : دنست ؟ .. ماذا تعنين ؟ . كررت الفتاة قولها : دنست ، من قبل شعب يحمور . سأل يعقوب : أين دينة الآن ؟ .. وماذا حدث ؟ . قالت الجارية : " عند عودتنا من البئر لملأ الجرار بالماء .. تقدم شاب وقال لدينة أنت جميلة .. لم أر فتاة بجمالك " .. ثم [ وضع ذراعه حول كتفها ومشى معها نحو بستان أشجار على الجانب الآخر من الطريق ] . و " عندما وصلا إلى الأشجار زلت قدم دينة ووقعت ووقع هو أيضآ فوقها " . [ وبقيا ساكنين لفترة ومن ثم لم أستطع أن أرى أنه كان يسحب ثوبها ] . و [ تعلقت نفسه بدينة بنت يعقوب وأحب الفتاة ولاطفها ] . سفر التكوين 34 : 3 سكتت الجارية . وقال يعقوب تابعي : " أخذ الشاب دينة ورمى بنفسه فوقها وإستلقى معها ، ثم أخذها إلى البيت الكبير على جانب الطريق ، وعندما دخلت إلى البيت ، هرعنا إلى هنا لكي نخبرك بما حدث " . سأل يعقوب : وهل تعرفون هذا الرجل الذي فعل ذلك ؟ هل تعرفون إسمه ؟ أجابت النساء : " قالت النساء عند البئر أن إسمه شكيم وهو إبن الأمير " . في اليوم التالي : أتى حمور أمير البلاد مع شاب بلباس فاخر وحرس ، إلى مدخل بيت يعقوب .. " كلم شكيم أباه قائلآ خذ لي هذه زوجة . وسمع يعقوب أنه قد دنس دينة إبنته وكان بنوه مع الماشية في الصحراء . فسكت يعقوب حتى جاؤوا . [ تكلم حمور معهم قائلآ أن شكيم إبني قد علقت نفسه بإبنتكم فأعطوها له زوجة ] .. سفر التكوين 34 : 4-8 . بعد وجبة طعام داخل بيت يعقوب إقتصرت على حمور ، خرجا إلى الحشد .. " السلام عليكم " قال حمور، وهو يخطو ببطء وتأن خارج بيت يعقوب . وتبع يعقوب حمور وخاطبهم هو أيضآ بصوت هادئ قائلآ : " أن جارنا الطيب الأمير حمور هنا .. " . " لقد سمعنا لم هو هنا " همهم / شمعون / وقد تجرأ على مقاطعة أبيه يعقوب وقال : " ونحن مستعدين لأن نفعل مايجب فعله لنثأر لأختنا " . وبدأ حمور الكلام قائلآ : " أنا لاأعرف تمامآ ماحدث البارحة مابين إبني وأختك ، وربما لايعرف الحقيقة أي منا " . [ وصاهرونا أعطونا بناتكم وخذوا بناتنا . وأقيموا معنا وهذه الأرض بين أيديكم اقيموا بها واتجروا وتملكوا ] .. هكذا قال حمور .. سفر التكوين 34 : 9 – 10 . [ وقال شكيم لأبيها وأخوها هبوني حظوة في عيونكم وما تقترحون علي أؤده لكم . أكثروا علي المهر والعطايا جدآ فأعطيكم كما ترسمون لي وأعطوني الفتاة زوجة ] .. سفر التكوين 34 : 11 – 12 . ضحك لاوي – إبن يعقوب – قائلآ : " وبذلك دنس إبنك أختنا ، والآن يريد أن يتزوجها " . فألقى حمور نظرة عطف على لاوي وإرتسمت أصغر إبتسامة على وجهه . ثم تكلم مع والد لاوي . " أنتم غرباء في أرضنا ، وتعيشون مابيننا فوق قطعة أرض كانت لي " . قال حمور برقة لم تخف النقد غير المحكي ، وتابع القول : " ولكن إذا تزوجت إبنتك إبني – إذا أعطيتم بناتكم لرجالنا ، وأخذتم بناتنا لرجالكم ، فلن تعودوا غرباء ، وستصبح أنت واحد منا " . ولم يخطئ يعقوب في فهم مغزى دعوة حمور . إلا أن لاوي ثابر على توجيه الإهانات إلى الشيخ الأمير . وهمس الشاب لاوي كالأفعى قائلآ : " ربما نستطيع أن نفعل شيئآ آخر لبناتكم إلى جانب الزواج منهن ، وربما تكون لدى إبنك فكرة عما أعني " . ورد حمور مرة ثانية على لاوي وهو يوجه خطابه إلى يعقوب وقال : " إذا تزاوجتم معنا فإن بإمكانكم أن تعيشوا معنا وكأنكم ولدتم في المنطقة ولستم غرباء وحسب ، والأرض ستفتح ذراعيها لكم ، وبإمكانكم أن تنتقلوا بحرية من مكان إلى آخر ، وبإمكانكم أن تبيعوا محاصيلكم وبضائعكم ، وبإمكانكم أن تشتروا الأرض التي ترغبون بشرائها " .. المكيدة / التآمر / المجزرة : --------------------------- [ فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور بكيد ومكروا بهما لأنه دنس دينة أختهم . وقالوا لهما : لانستطيع أن نصنع هذا أن نعطي أختنا لرجل أقلف لأنه عار عندنا ] .. سفر التكوين 34 : 13 – 14 . وتصاعدت مشادات بين شكيم وشمعون وتوترت الأقوال وإزداد الغضب من الطرفين .. وتقدم لاوي وتكلم بهدوء وطلاوة وبطء .. قال لاوي : " إن مايريد أخي قوله هو أننا لانستطيع أن نفعل ماتطلبون ، حتى لو أردنا ذلك . فنحن لانستطيع أن نعطي أختنا بالزواج إلى رجل لم يختتن – فهذه هي شريعة شعبنا ولايمكن التفكير بفعل أمر آخر " .. وتشكك شكيم ، وشمعون من كلام لاوي ، وكأنهما لم يفهماه .. كل من منطلقه .. [ لكننا بهذا نوافقكم تصيرون مثلنا بأن يختن كل ذكر منكم ، فنعطيكم بناتنا ونتخذ بناتكم ونقيم عندكم ونصير شعبآ واحدآ . وإن لم تقبلوا منا أن تختتنوا نأخذ أختنا ونمضي . فحسن كلامهم عند حمور وشكيم إبنه ] .. سفر التكوين 34 : 15 – 18 . وتابع لاوي حديثه : " لست أنت وحدك ، بل كل رجل من شعبكم يجب أن يختتن أيضآ " .. قال شكيك ، " سنفعل ما تريدون " بصوت متهدج وكأن الخوف والإشتياق كانا يتصارعان في حنجرته وهو يتكلم . [ولم يلبث الفتى أن صنع ذلك لأنه كان قد شغف بإبنة يعقوب ، وكا هو أوجه جميع أهل بيت أبيه . فلما دخل حمور وشكيم إبنه باب مدينتهما خاطبا أهلها بذلك ] سفر التكوين : 34- 19 . [ وسٌمع لحمور وشكيم إبنه من خرج من باب مدينته وإختتن كل ذكر منهم الخارجين من باب المدينة ] سفر التكوين 34 : 24 . وصفت الفتاة خادمة دينة بصفاقة التعابير الفظيعة التي رأتها على وجوه قوم حمور ، واظهلات تمثيليآ لأبناء يعقوب ، كيف غطى الرجال الأجزاء الخاصة بهم بأيديهم وكأنهم كانوا يريدون حماية أنفسهم من سكين الخاتن . وواصلت الفتاة القول : " وهكذا إنتهى كل الرجال الأشداء والقادرون إلى إتفاق تام مع الأمير الطيب ، واختتن كل منهم في الوقت المحدد " . وسأل شمعون وهو يخون مشاعر القلق عنده ، لأن كل شيئ يعتمد على الجواب : " كل منهم " ؟ وأضاف : " هل مر كل رجل منهم من تحت السكين ؟ " . أحنت الفتاة رأسها بوقار ، ثم إنفجرت في ضحك داعر مع شمعون ولاوي وباقي الأخوة . [ وكان في اليوم الثالث وهم يتألمون ، أن غبني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دينة أخذا كل واحد سيفه ودخلا المدينة آمنين فقتلا كل ذلك ] .. سفر التكوين 34 : 25 [ وحمور وشكيم إبنه قتلاهما بحد السيف وأخذا دينة من بيت شكيم وخرجا ] .. سفر التكوين 34 : 26 . لقد عرف شمعون ولاوي ، أن كل رجل باق في مدينة حمور – ومن ضمنهم حمور نفسه وغبنه شكيم – كان في الفراش ، ولايزال ملفوفآ بالأربطة والأضمدة في المكان الذي قطعته سكين الجراح . ولم يكن الرجل الناضج المكتمل الذي اختتن قبل فترة وجيزة في حالة تسمح له بالنهوض ومغادرة الفراش والسير في المدينة . فكل خطوة تسبب له آلامآ لفترة أخرى . وعلى ذلك حسب الشقيقان حساباتهما . وإستل شمعون ولاوي ، عند أول بيت واجههما ، سيفيهما ، ودفعا الباب بأكتافهما فإنفتح . وبدءا بذبح الخادمتين وكل من في المنزل . وتم تكرار العملية الوحشية نفسها في الدار الأخرى ، في الخيمة ، والكوخ ، والمنزل . وكان شمعون ولاوي يتجولان في شوارع مدينة حمور ويؤديان عملهما بإنتظام ومنهجية . كانا راعيين عرفا كيف يذبحان المخلوق الحي بسرعة وإقتدار . أما الآن فقد وضعا خبرتهما في عمل جديد ، رغم كونهما ينظران إلى ضحاياهما نظرة أدنى ، مما كانا ينظران إلى الحيوان الذي يذبحانه لمائدتهما . وقد ذبحوا حتى شروق الشمس كل الرجال الذين إختتنوا ، بإستثناء رجلين في طول المدينة وعرضها . وكان البيت الأخير عائد لحمور وشكيم . وكان حمور نصف ناهض في فراشه عندما رأى شمعون ولاوي على عتبة باب الغرفة ، ووصلا إليه قبل أن يصرخ . وكانت ضربة واحدة بنصل السيف الحاد على رقبته كافية لإسكاته إلى الأبد . وظهر شكيم وراءه يجأر كالثور ، إلا أنه لم يبق غير الخدم يسمعون صوته ، وبضربة أخرى من النصل سقط شكيم صريعآ هو الآخر . بحث شمعون ولاوي في البيت من غرفة إلى غرفة ، وقد غطت كل منهما طبقة من الدماء المتناثرة ، إلى أن وجدا دينة في غرفة نوم مزينة بصورة باذخة ، أقيمت إلى جانب المنزل حتى يوم العرس . " تعالي يا أختاه " قال شمعون وهو يأخذها من يدها ويذهب نحو باب البيت ، وتعابير الرعب التي لاتوصف على وجهها ، ولم يروا تلك التعابير حتى على وجوه الضحايا . " فلقد جئنا لكي نأخذك إلى البيت " . [ ثم دخل بنو يعقوب على القتلى وغنموا مافي المدينة من أجل تدنيس أختهم . وأخذوا غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل مافي المدينة وما في الصحراء . وسبوا وغنموا جميع ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وسائر مافي البيوت ] سفر التكوين 34 : 27 – 29 . [ فقال يعقوب لشمعون ولاوي قد أشقيتموني وأخبئتما ريحي عند أهل الأرض والكنعانيين والفيرزيين وأنا في نفر معدود فيجتمعون علي ويقتلونني فأهلك أنا وبيتي ] سفر التكوين 34 : 30 . عنف يعقوب أولاده سائلآ : " هل تعرفون مانوع المأزق الذي سببتم لي ؟ " . وصار ينوس إلى الأمام وإلى الوراء أمام بيته وهو يقول : " لقد سببتم لنا كلنا مشكلآ كبيرآ . لقد جعلتم إسمي ملوثآ أمام شعب هذه البلاد ، الكنعانيين والبيرزيتيين . فاليوم قتلتم مئة منهم ، ولكننا لانزال قلائل وهم كثيرون . ألم تفهموا أنهم يجمعون بعضهم إلى بعض ضدي ويذبحوني بسبب ما فعلتم ؟ سيحطمونني أنا وبيتي ! " . رؤية دراسية متخصصة : ============== يقول / جوناثان كيرتش / كاتب أمريكي وباحث في التوراة وباحث في الدراسات الإنجيلية: ( صوت واحد لم نسمعه في وصف التوراة لإغتصاب دينة ، وهو صوت دينة نفسها . فبينما يلقي فريق الرجال الكلمات ويتماحكون ، ويتآمرون مع بعضهم البعض ، وضد أحدهم الآخر ، لم يكلف أحد منهم نفسه مشقة سؤالها إن كانت تريد أن تتزوج شكيم أو أن تراه مذبوحآ . ويذكرنا صمت دينة ، وهو أمر غريب جدآ وإستفزازي جدآ ، بأن كاتب التوراة يخفي أكثر بكثير مما يكشف لنا في قصه لحكاية دينة وشكيم ) . لقد إفترض أحد الحاخاميين العقلاء ! القدماء ، أن دينة غامرت في الخروج من خيمة أبيها : " وتزينت كعاهرة " . وظن حاخام آخر أن شكيم إستأجر فريقآ ماجنآ من النساء المرتدات ليغنين ويرقصن ويلعبن في الشوارع بغية إغراء دينة بالخروج من مجمع يعقوب وبذلك يستطيع أن يغتصبها . يعظ الحاخام : " ولو أنها بقيت في البيت لما حدث معها شيئ . إلا أنها إمرأة .. وكل النساء يحببن أن يعرضن أنفسهن في الشارع " . ويتراجع القراء المعاصرون بالطبع ، أمام مثل هذا الكره للنساء . إلا أن الحاخاميين القدماء ، بصرف النظر عن مدى شبقهم الجنسي الذي يظهر لنا الآن ، كانوا يجيبون على كل شيئ غير عادي في النص نفسه . فإن إمرأة في العصر التوراتي ، شابة وغير متزوجة وتعيش بين غرباء ، تغامر بالخروج من مخيم والدها ، وتبحث عن رفقة من النساء في المحلة ، كان فعلآ جريئآ . فقد كانت دينة تتحدى أدب السلوك " البروتوكول " القاسي والضيق الذي يتحكم بحياة زوجات وبنات الآباء . وكانت مغامرة دينة جريئة وخطيرة جدآ في عيني الكاتب التوراتي ، إلى الحد الذي جعلها لاتظهر تقريبآ في قصتها الخاصة بها ، ولا نزال نسمع صدى لصوت دينة في نص التكوين 34 . ويصر بعض القراء على أن القصة تهمس بكلمات قصة حب مقموع ، أكثر من كونها رواية دموية عن الإغتصاب والثأر . ولم تترجم أي من الكلمات أو العبارات التي إستخدمت من قبل المؤلف التوراتي ، في وصف مافعل شكيم لدينة ، ترجمة أمينة لتعني " الإغتصاب " . حتى في الترجمات الإنكليزية المعروفة . لذا بإمكاننا أن نسأل : هل إغتصب شكيم دينة فعلآ ؟ أم أن شيئآ أكثر دقة جرى مابين الأمير الشاب المصاب بالحب ، وإبنة يعقوب المغامرة ؟ . وإذا تذكرنا تأكيدات شكيم الملتهبة ورغبته الملحة بالزواج من دينة ، فقد يغرينا ذلك بالتفكير بأن كلا الإثنين : شابين وغير متزوجين ، وكل منهما من قبيلة مختلفة عن الأخرى ، أغرم أحدهما بالآخر بصورة عميقة جدآ ، إلى الحد أنهما تجرءا على الإرتباط ببعضهما بنوع من أنواع اللقاء الجنسي المحرم . وأن دينة أقامت في بيت شكيم بعد اللقاء الأول ، إنطلاقآ من الإختيار – الهروب – أكثر من الإلزام ، فقد ندرك أن الإثنين عاشقين ، لامغتصب ولا ضحية . والواقع أن بعض المثقفين أظهروا أن إغتصاب دينة ، أقحم في النص التوراتي من قبل كاهن أو ناسخ بدافع خفي . عقاب غريب لجريمة إغتصاب : ------------------------------- حتى لو كان شكيم مغتصب . فإن إقتراحه بالزواج أقل غرابة مما يبدو للوهلة الأولى ، إذا ماقيمنا العقاب الشاذ على جريمة الإغتصاب في ظل " القانون التوراتي " . فطبقآ لسفر " تثنية الإشتراع " ، فإن أي رجل يطأ فتاة بكرآ " فأمسكها وضاجعها " ، يجب أن يدفع لوالدها خمسين من الفضة ، ويتزوج المرأة التي أخطأ بحقها ... سفر تثنية الإشتراع 22:28:29 . ولتجنب إضافة الشتم إلى الأذى ، بالطبع فإن المغتصب يلزم بالزواج من ضحيته في حال موافقة المرأة وأسرتها على ذلك . وتقضي التوراة بأن المغتصب لايسمح له أبدآ بأن يطلق ضحيته التي تحولت إلى زوجه ، وهذا الزوج لايماثل الزوج في زواج عادي . = تبادر إلى ذهني عادات بعض القبائل العربية القديمة وقانونها حول " الإغتصاب " بشكل مقارب لعقوبة المغتصب في القانون التوراتي . حيث يلزم بدفع المال لأهل المغتصبة ، ويسمى ( حق دوس الفراش ) = . ولم تقل لنا التوراة عما حدث لدينة بعد ( ليلة المجزرة ) في بيت شكيم . وكل ماعرفناه ، أن دينة لازالت في بيت يعقوب إلى حين . وبعد سنوات لحقت يعقوب كل عشيرته إلى مصر ، حيث توج إبنه المفضل / يوسف / مستشارآ لفرعون .. سفر التكوين 34:10 . . ويقدم الأدب القديم الذي يربط نفسه بالتوراة ، صورة غريبة غرابة غروتسكية – فن زخرفي يحيل كل ماهو طبيعي إلى بشاعة أو حالة كاريكاتورية – وخاتمة تهكمية بالرواية التوراتية . فقد يكون شمعون قد عرض الزواج على أخته " المدنسة " طبقآ لصورة تأمل ساخنة جدآ رسمها حكيم حاخامي . أو ربما تزوجت من قس مصري رفيع المقام وولدت إبنة تزوجت يوسف فيما بعد ، حسب مصدر تقليدي آخر . وجعل المؤلف التوراتي الذي قص قصة دينة المسألة مختلفة . إذ إستخدم هذا المؤلف ، الختان للنيل من " الآخر " شكيم وقومه . ويبدو أن راوي القصة يقول أن هاهنا قبيلة مختلفة جدآ عن الإسرائيليين ، بحيث أن من الضروري إجراء ختان جماعي بغية تطهيرهم قبل أن تخطب إبنة واحدة من إسرائيل إلى الأمير . ومع ذلك فإن مشهد " الزواج الخارجي " كان بغيضآ جدآ على أخوة دينة إلى الحد الذي جعلهم يشعرون أنهم مجبرون على القيام بمذبحة لمنع " هذا الإتحاد المحرم ، مع الغريب " . ويمكن رؤية سخرية قاسية في واقع أن شمعون ولاوي ، شعرا بأنهما حرين في قلب شعائر الختان المقدسة ، إلى شكل من أشكال التعذيب والخداع ، بغية منع الزواج من الإنعقاد بصورة نهائية . وبالنسبة إلى القارئ المعاصر ، وإلى عدد معين من مفسري التوراة ، فإن إستخدام الطقس المقدس في جعل الرجال عاجزين ، وبذلك يصبح من السهل أكثر قتلهم . ليس حيلة قذرة وحسب ، بل أنها تدنيس للمقدسات . وينطوي الختان الجماعي المطلوب من قبل اخوة دينة في أحسن الأحوال ، على نوع من العدالة الفظة . فقد جٌرح شكيم وكل الذكور من قبيلته ، في نفس العضو الذي إستخدمه شكيم في " تدنيس " الفتاة بالدرجة الأولى . إلا أن المؤلف التوراتي الذي أعاد قص قصة دينة وأخواتها ، لم يكن يطلق فكاهة سادية على حساب شكيم . بل بالأحرى كان يذكر قراءه بما كان يعتبر من جانب القيادة الدينية القائمة ، بمثابة تهديد جدي لبقاء الإسرائيليين الحقيقي : المتمثل بإغراء " الآلهة الغريبة " وإغراء شركاء الفراش من الغرباء . مجازر توراتية : ---------------- تنذر مجزرة شكيم وشعبه حسب ما رويت في سفر التكوين ، بالمجازر الموجودة في الأسفار التالية في التوراة . وهي نوع من ( التصفية العرقية ) المقصود منها تطهير أرض الميعاد ، بإزالة المتعبدين من النساء والرجال لإله زائف ، يجد به الإسرائيليون ضلالآ مبينآ . ويتمثل ذلك في قصص توراتية كثيرة = مثل : تامارا ويهوذا ، إبنة يفتاح ، بطلات وشهيدات سفر القضاة ، تامار وأمون .. الخ = وعلى أن أهمها : ( قصة الساغا ) البطولية للخروج من مصر : الأسطورة القومية المثيرة للإسرائيليين ، وحجر الزاوية في التوراة نفسها . ونجد هنا قصة رديئة جدآ ، هي " مرآة " صورة دينة وشكيم . إنها القصة التي يكون فيها ضحية الإغواء " أمير إسرائيلي " من قبيلة شمعون ، والغاوية إمرأة " ُمدينية " . إلا أن موسى في هذه القصة والإله نفسه ، أقر على وجه الخصوص العقاب الذي نزل بالمدينيين . وحدثت قصة الأمير الإسرائيلي وحبيبته المدينية في البرية أثناء تجوال الإسرائيليين بعد خروجهم من مصر . ويواجه موسى الذي بقي معلقآ ، مابين إله غريب الأطوار ، والإسرائيليين الذين ينحبون .. حادثة أخرى من الإرتداد من جانب شعب الله المختار ، الذين [ يرتكبون الآن الزنا مع بنات مؤاب ، ويضحون على أضرحة آلهتهم ] .. سفر التكوين 25 : 1 – 9 . ولا زال منقحو التوراة مجبرون على التعامل مع حقائق التاريخ القديم ، وهو غني جدآ بالأساطير والمعارف المكتسبة عن طريق الخبرة ، يرسمون بوضوح الزواج المختلط من قبل بعض أعظم الأنبياء والملوك في إسرائيل . وهكذا فإن التوراة مجبرة على التوفيق ما بين " تقليدين مختلفين " . أحدهما يجيز ، وحتى أنه يبارك الزواج من غير الإسرائيليين والإسرائيليات ، والآخر يدينه بصورة جازمة وحازمة ويحرمه . وهذا من ناحية : حقيقة أن / موسى / تزوج من / صفورة / ، وهي إمرأة مدينية ، اعتبرت أساسية جدآ إلى الحد الذي لايمكن تجاهلها . وهي مهمة جدآ في تاريخ إسرائيل إلى الحد الذي لايجوز التنديد بها . فقد صورت / صفورة / في سفر الخروج ، بمثابة " بطلة " أنقذت عمليآ حياة / موسى / حين عمد " الرب " نفسه إلى محاولة قتل موسى . ومن ناحية أخرى يجري تذكير القراء بأن الله لايشجع مثل هذه الزيجات حين يتعلق بالإسرائيليين العاديين . محكمة الضمير ! التوراتية : ---------------------------- يمكن قراءة التوراة على أنها وضمن أشياء أخرى غريبة ، كتيب عن بقاء أمة من الخارجين . والأب : ( الباطريارك ) يعقوب ، مثل أباه وجده ، والأجيال التي لاتعد من أحفادهم . هو [ غريب في أرض غريبة] حسب ماقال موسى . وإعتنق " إستراتيجية " ستنقلب في أغلب الأحيان إن لم يكن دائمآ ، إلى إستراتيجية مؤثرة على حفظ الحياة والعلائق والهوية ضد الغرباء ، وضد منظمي المذابح . وحين يوبخ يعقوب ولديه ، فإنه كان يفضل الدبلوماسية على الحرب . وعلى النقيض من ذلك : كان شمعون ولاوي محاربين إندفعا بإحساس قوي من الخوف أكثر من التقدير البارد للقوة العسكرية النسبية . إن التعارض مابين يعقوب ، وأولاده ، هو تعارض مابين الأجيال والقيم والفلسفات والإستراتيجيات . وزنت " محكمة الضمير التوراتية " حسب ما كتب أحد المثقفين ، أفعال شمعون ولاوي ، ووجدتها خفيفة . واصدر يعقوب الحكم وهو على فراش الموت ، وكان يحتبس بركته عن شمعون ولاوي . معلنآ لهما أنهما إبنين وخلفين حقيرين لأنهما تصرفا بالتحديد ، بطيش كبير وإفراط لالزوم له ، وأنكر عليهما أي حصة في أرض الميعاد . بدأت محكمة الضمير التوراتية ، وكأنها حرضت بالآلام الناتجة عن " الهولوكست " ، بإعادة النظر في التناقض مابين يعقوب وأبنائه . وغفترض العلم التوراتي في فترة ماقبل الحرب ، وهو علم عنصري إصلاحي صريح ، أن : شمعون ولاوي ، هما ( البطلين الحقيقين ) وليس يعقوب ، في التكوين 34 . لأنهما على وجه التحديد ، إستلا سيفهما وخاضا غمار حرب ! ضد شكيم للثأر . وتطرح التوراة سؤالآ متبقيآ هنا : ماهو الشيئ الذي أقنع باقي الكنعانيين لئلا يثأروا لأنفسهم من الإسرائيليين لقتلهم شكيم ، حسب ماخاف يعقوب من أن يفعلوا ؟ ونجد تفسيرآ في الفقرة التي تتبع قصة دينة في سفر التكوين : [ ثم إرتحلوا فحل رعب الله على أهل المدن التي حواليهم فلم يسعوا وراء بني يعقوب ] .. سفر التكوين 35 : 5 . " أمر الله يعقوب وعشيرته فجأة بأن يتركوا المكان حيث سفك دم شكيم وشعبه – الهروب – وأن ينصبوا خيامهم في موضع آخر من أرض كنعان . وطهر يعقوب منزله بإصدار أمر بإبعاد أي صنم أو أية معدات لعبدة الأصنام . ثم إتجهت العشيرة نحو مخيم جديد في مكان يسمى " بثيل " . وإنقلب خوف يعقوب من أن الكنعانيين سيحشدون قواهم ضد الإسرائيليين ، إلى خوف لا أساس له " . أي : أن ( رعب الله ) قد حل في قلوب الكنعانيين ، وردعهم عن الثأر لأنفسهم ، نتيجة تطهير يعقوب لبيته من الآلهة الأخرى . وتسمح لنا قراءة حميمة للتكوين 34 ، بأن نرى أن التوراة تقدم رؤيتين للغريب ، ومقاربتين للتعامل معه . إحداهما تحرضنا على القيام بالحرب . وتشجعنا الأخرى على صنع السلام ، وحتى كما توحي قصة دينة وشكيم بصورة سرية ، صنع الحب . وفي الحقيقة .. ليس مهمآ كم يظهر لنا إنتقام شمعون ولاوي من شكيم وأهله مفرطآ . فالتوراة " توحي " أن طريقة يعقوب ، وطريقة المقاتلين ، ملائمتين . كل منها في وقتها . " لكل أمر أوان " . ونقرأ في الفقرة الإحتفالية في سفر الجامعة : [ للحب وقت وللبغض وقت ، للحرب وقت وللصلح وقت ] .. سفر الجامعة 3 : 1-8 . ومن المأساوي ... أن لاتقول لنا التوراة أبدآ بوضوح أو بتأكيد .. كيف ومتى نختار بينهما . إن القطعة المحيرة من : التكوين ، التي تظهر فيها قصة دينة ، مثل الكثير في التوراة ، يمكن أن تستخدم لإثبات هذا الإختيار أو ذاك . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع : ===== حكايا محرمة في التوراة . جوناثان كيرتش . قاموس إنجيل انكور . الموسوعة اليهودية . كتاب من التوراة . ريتشارد فريدمان . كتاب الله صورة ذاتية . جاك ميلز – حائز على جائزة بولتزر . الله يعرف . جوزيف هيلر . إضافة إلى الترجمات المذكورة سابقآ ، ومراجع أكثر من أن تذكر هنا ، وكلها ضمن كتاب ( حكايا محرمة في التوراة ) . -------------------------- فائز البرازي / كاتب سوري 22 / 12 / 2006
..............."
إنتهى نقل هذا الجزء
يحى الشاعر
- يتبع -
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
شـكرا لزيارتكم للموقع
أنتم الضيف
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |