![]() |
من أقلام الأصدقـاء والاضـيوف
الفن و المعتقد
بقلم
فـائز البرازى
الفن يعبر عن مرحلة من مراحل الوعي ، بالإيجابية أو السلبية فيكون صورة لتطور وعي مجتمع ما ، أو يعبر عن سلبية هذا المجتمع وتخلفه وسفاسفه .
الفن : كتابة ، شعر ، موسيقى ، رسم ، نحت ، مسرح ، سينما ، ترجمات .. الخ ، هو تعبير عن مشاعر وأحاسيس ومواجهة وتصدي لخلق إبداعات تتفوق حتمآ على وتيرة الحياة وركود حركة المجتمع ، متجاوزة الصنمية العقلية والفكرية المتحجرة . والفن في إبداعاته يرتبط إرتباطآ وثيقآ ( بالجمال ) ، وإن كان مفهوم الجمال هو مفهوم متغير بتغير العصور ، ولا بد أن يلقي بإنعكاساته على الإبداعات الفنية . وبالتالي أصبح من العسير والمعقد اليوم أن يتم تقييم الأعمال الفنية كما هي تعقيدات العصر الذي نعيشه . فاليوم أصبح هدير الآلات وصخب الحياة والتوترات ، سمات العصر الذي لم يعد قادرآ على إجادة الصمت والتأمل والتمييز .
فبين شحنات وسائل الإعلام الحديث من أفكار وضجيج ، من صور الإعلانات والأفلام والمسلسلات ، من المعارض الحديثة لركام الرمال والأحجار والكتل المعدنية وأعقاب السجائر الملقاة كلها على أرض " المعرض " بلا مبالاة صاخبة ولا معنى والتي أصبحت كمواصفات لجماليات هذا العصر . وبين روائع القصص والمسرحيات والسيمفونيات ولوحات اللوفر وأعظم قصائد الشعراء ، فإن الفرق بين هذا وذاك ، هو الفرق تمامآ بين طبيعة هذا العصر ، وطبيعة تلك العصور . بين بقايا صراعات ومعارك في داخل الفرد ، ومع خارجه في أفكار السخط والقلق والعقد النفسية ، وبين التوازن النفسي والإحساسي والعقلي والعملي .
لقد عبر أحد فناني العصر عن هذه النزعات المتمردة / بيير مازار / عن ذلك بقوله : ( استعمل الفن مرة واحدة ثم ألق به في سلة المهملات ) . وكذلك الشاعر افيطالي / مارينتي – 1909 / رافعآ لواء التمرد على إبداعات التراث والفنون القيمة ، بقوله : ( سوف نتغنى بحب الخطر والجسارة وروح التمرد . سوف نشيد بالصراع والعدوان والسباق المحموم . سوف نمجد الحروب وروح العسكرية والقوة المدمرة . وفن الفوضى الهدام والأفكار القاتلة . سوف نزدري النساء ونعاف الجمال . هلموا يا مضرمي الحرائق أشعلوا النار في المكتبات ، وحولوا الطوفان إلى المتاحف لتتحول إلى رماد ) .
ونستطيع القول : أن " الذات " هي الأساس في تذوق الإبداع الفني . ولابد من " المعرفة " والإحاطة بلغة الفن ليسهل علينا الفهم والإستيعاب . ولا بد من عملية مصالحة بين " الذات " وبين " الموضوع " . بين " الوجدان " وبين " العقل " لأن هذه المصالحة ضرورية في عملية ( التأمل الجمالي ) ، ليكون الجمال شيئآ حسيآ كامنآ في ذاتنا ، وشيئآ ماديآ كامنآ في الموضوع .
ومن هذه النقطة بالذات ، أرى أن نعيش بعضآ من عبقريات التاريخ لعمالقة مبدعين . لم يكونوا معبرين عن العمل الإبداعي العظيم ، من ناحية جمالية فقط ، وإنما إستخدموا ذلك ليسقطوا أفكارهم ومعتقداتهم ورؤاهم الفلسفية ، والدينية ، والمجتمعية ، والسياسية ، على إبداعاتهم . فظهرت آية في الجمال المتوج بالمعتقد العقلي .
في عام 1452 ولد / ليوناردو دافنشي / وصفه المؤرخون بأنه رائد الأسلوب الجديد في فن التصوير أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر . ويعتبر بحق فنان / أسطورة . ليس كفان تشكيلي فقط ، بل بآرائه وبحوثه في سيرته الغامضة ، بعبقريته الفذه وفكره الثاقب طرح كثير من " النظريات " التي أثبتها العلماء بعد ذلك . مثل نظرية دوران الأرض حول الشمس ، ونظرية / نيوتن / في الجاذبية ، ونظرية / وليم هارفي / في الدورة الدموية . وسما بخياله فصمم بعض المخترعات التي تحققت بعد ذلك بمئات السنين ، مثل الطائرة والغواصة والدبابة والقنابل المشحونة بالغازات السامة .
وكان منهج / دافنشي / في البحث يختلف عن المثقفين في عصره . فهو لم يأخذ بالنزعة المثيولوجية ، ولم يحاول الرجوع إلى فلاسفة الإغريق أو الرومان ، بل إعتمد على التجربة الحسية المباشرة بعيدآ عن كل نظرة ميتافيزيقية . وقام بنفسه بتشريح جسم الإنسان ، وراقب حركات الطيور في طيرانها ، ودرس هبوب العواصف وتلاطم الأمواج وتجمع السحب ، وإنكب على دراسة علوم الهندسة والمنظور والميكانيكا ، وسجلها في " رسوم " دقيقة تدل على قوة الملاحظة . وإعتمد في فنه على تجربته الباطنية الخاصة . فأضفى كل ذلك على لوحاته غلالة من السحر والإثارة المبهمة . ويقال أن أعظم أعماله وأشهرها : ( الجيوكوندا ) – ( العشاء الأخير ) .
فالجيوكوندا ، أو " الموناليزا " – السيدة ليزا - ، هي التحفة الخالدة التي رسمها في أربع سنوات . وكانت هناك صلة وثيقة تربط الفنان بهذه الفاتنة ، وبزوجها التاجر الفلورنسي / فرانسسكو دل جيوكوندو / . وقد كتب الكثير عن الجيوكوندا من تحليلات وآراء وتقييمات فنية . فهي ليست مجرد صورة شخصية لإمرأة معينة ، بل لقد إلتقت فيها الرؤية بالرؤيا ، والحقيقة بالخيال ، كما إلتقت أغوار النفس بأسرار الطبيعة . نحتار أمامها في وصف الإبتسامة ، إن كانت ملائكية أو شيطانية ، والعينين الساحرتين ذواتي النظرات الهائمة الوادعة أو الماكرة . كما أننا لانستطيع أن نحدد عمر " ليزا " وقت أن أبدع لها الفنان صورتها . لقد ( أسقط ) عن ملامحها معالم الزمن وبصمات السنين ، وترتسم في المخيلة كأسطورة رائعة تتراقص كأطياف سحرية تسري في وجداننا أنغام من الهمس الشاعري ، يخرج من بين شفتيها المطبقتين على أسرار الفتنة الغامضة .
وفي لوحة ( العشاء الأخير ) ... يقدم عنها الكاتب الأمريكي / دان براون / كما عن غيرها من الأعمال الفنية ، والرموز بقوله : ( ان وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق والطقوس السرية في هذه الرواية ، هو وصف دقيق وحقيقي ) .. وبقصته ، شيفرة دافنشي ، ومع ما اتهم فيه بأن كتاباته تستند إلى " الأناجيل الغنطوسية " ، فهو يبرز ما عرف عن دافنشي عن إظهاره بعض "معتقداته " في لوحه ومنها العشاء الأخير . يقول براون : (ان دافنشي قد أظهر "الكأس المقدسة " في لوحته ، فهي حاضرة في العشاء الأخير . كان الرسم يبين شخص ذو شعر أحمر كثيف ويدان ناعمتان مطويتين وصدر صغير . لقد كان الشخص دون أدنى شك .. إمرأة فدافنشي كان بارعآ في رسم الفروق بين الجنسين . وكانت هذه المرأة " مريم المجدلية " . وكان يسوع والمجدلية يلبسان ثيابآ متماثلة تمامآ ، لكن بألوان متعاكسة . إنه " ين و يانغ " وان لفظة " رفيقة " الواردة في إنجيل فيليب ، باللغة الآرامية ، تعني حرفيآ " الزوجة " . كما تظهر اللوحة ، يدآ تظهر من بين جماعة الحواريين ، تحمل خنجرآ ، وهي لاتعود إلى أي أحد على الإطلاق . إنها مفصولة عن الجسد .. يد مجهولة .)
وبعيدآ عن المعتقدات الدينية ، فإن دافنشي هنا ، قد عبر بواسطة هذه اللوحة ، عن معتقداته . وإن أكثر الفنون تأثيرآ ، من أدب ورسم وموسيقى ، تروي بشكل " غير مباشر " معتقدات مبدعيها .
غـــويــا :
يمكن بحق إعتباره عبقري ( النهج السريالي ) قبل ظهور السريالية بأكثر من مائة عام . كانت شخصيته متناقضة .. يرسم بالنهار ويعربد في الليل ويصارع الثيران في أيام الآحاد والأعياد . انه فنان إسبانيا / فرانسيسكو جويا /. عاش عصر اسبانيا في أواخر القرن الثامن عشر ، عصر الفساد والإنحلال ، وعايش شعبها الذي طحنه الفقر ، وشبابها المحروم وفتياتها الضائعات . كما عايش أفراد البلاط الإسباني وحاشيته الأرستقراطية الباذخة . وتوثقت صداقته مع شقيق الملك شارل الثالث ، وأصبح مرسمه مقصدآ للوجهاء من علية القوم . وعين رسام البلاط الملكي الاسباني بعد وفاة الملك شارل الثالث ، وتولي شقيقه الحكم بإسم شارل الرابع صديق غويا ورفيق مغامراته ، فبلغ عندها الحد الأقصى في سلاطته وتهوره . كان يرسم اللوحات الملكية الساخرة والتي تعلق في أروقة القصور والمتاحف ، وكأنها ( هجاء ) لاذع ولعنة على العبث والرذيلة المقنعة المحصنة خلف الأسوار العالية . فكان الأمراء والأميرات يبدون وكأنهم عجنوا من دماء تنضح بها وجوههم في استفزاز وسذاجة ، حتى الطفل الرضيع على ذراعي مربيته . وكما رسم / دوقة ألبا / وسمى لوحتيه : " مايا العارية " و " مايا مرتدية ثيابها " . وكان قد ترسب في ذهنه ووجدانه صورة قاتمة مهينة تثير اليأس والسخرية . وصب جام سخريته وغضبه على الناس والمجتمع وحتى على نفسه . قعكف على مجموعة لوحات حفرها على النحاس ، وتعرف بإسم
( لوس كابريكوس ) فكانت من أروع وأصدق ما رسمه فنان عالمي في التاريخ ، جسد فيها انحلال المجتمع الإسباني ، مجتمع العبث والشهوات والضياع والإستغلال والقهر والفقر .
وعندما اقتحم الفرنسيون الأراضي الإسبانية عام 1808 ، وشهدت البلاد ويلات الحرب ووحشية الغزاة والتنكيل والمجازر ، ظهر / غويا / فنان اسبانيى كمواطن غيور يذوب في حب وطنه . فأخرج مجموعته الثانية المسماة :
( كوارث الحرب ) ثم مجموعته الثالثة ( فظائع الحرب ) ، فأصبحت لوحاته الملحمية بمثابة صيحة وعي وزفرة ألم وصحوة ضمير تستعر هائجة في وجه القهر والظلم والتسلط والإحتلال . وبعد إنزياح الغزو وسقوط نابليون ، عاد / فرديناند السابع / إلى حكم بلاده ، فأحضر غويا إلى مجلسه وقال له : ( إنك تستحق النفي ، بل تستحق الشنق . لكنك غويا .. فنان اسبانيا العظيم . لذا سأنسى كل مافات .. وستظل في مكانك ومكانتك ) . لكن غويا كان قد برم حياة القصر والشهرة ، فإنضوى على نفسه يرسم آخر لوحاته بأسلوب سريالي متشائم ،ثم رحل عام 1824 إلى مدينة بوردو الفرنسية مع بداية الحرب الأهلية افسبانية عام 1823 ومات معتل الصحة كليل البصر زاهد في الحياة .
بيار – أوغست رينوار
ولد في مدينة ليموج 1841 وإنتقل مع أسرته المتوسطة المستوى إلى باريس ليبحث والده عن مورد رزق . كانت الدولة مركزية الحكم إقتصاديآ وسياسيآ ، وتمكنت البرجوازية من السيطرة على الشؤون السياسية في البلاد ، وتمكنت من جعل نابليون بونابرت يحكم كامل أوروبا . كان / رينوار / الدارس الأكاديمي للفن تحت إشراف الكونت / الفريد دي نيويكرك / الذي كان يرفض " المدرسة الواقعية " في الفن ، نظرآ لكونها ( ديمقراطية بشعة ) . وأثناء دراسته إرتبط بصداقة مع / كلود مونيه / ، وكان يعتقد رينوار بوجوب تقدير العمل الفني تبعآ " لوظيفته" ضمن المجتمع . وكان رائد فني مع بعض زملائه أمثال : مونيه ، أميل زولا – كاتب أيضآ ، فقد غستطاع ومن خلال صوره في توليد شيئ جديد أصبح إسمه بعد خمسة سنوات [ الفن الإنطباعي ] .
يقول رينوار في مذكراته : ( يريد الناس في وقتنا الحاضر أن نشرح لهم كل شيئ . ولكن لو غستطاع شخص أن يفسر صورة ، فلن تعود بعد ذلك عملآ فنيآ . هل أخبركم ما هي الصفات التي أعتقد أنها مهمة للفن الحقيقي ؟ يجب أن يكون هذا الفن غير قابل للوصف وغير ممكن تقليده . يجب على العمل الفني أن يأسر الناظر ويحمله بعيدآ . فالفنان يوصل رغباته فيه لأن التيار الذي يشعه في هذا العمل يجذب الناظر غلى عمله بإندفاع ورغبة ) .
لقد رسم رينوار كل عناصر الحياة الحقيقية التي كان يشاهدها . ولقد كوّن العديد من معاصري تلك الحقبة ، فكرة أن الإنطباعية هي " تجسيد للمبادئ الشيوعية " ، وأنها تدعو إلى " إستخدام العنف غير المقيد " ، وكان أفراد الطبقة الوسطى الباريسية في ذلك الوقت يرتجفون خوفآ من موجة " الفوضوية " التي إرتكب أعضاؤها إغتيالات كثيرة ، ولما في اعتقادهم من أن الإنطباعيين لهم ميول فوضوية ، وإمتنعوا عن شراء لوحات هؤلاء الرسامين . إلا أن هذه الأفكار كانت خاطئة .
في عام 1910 إشتدت أمراض رينوار وزاد إلتهاب المفاصل وتشوهت يداه وأصبح أسير الكرسي المتحرك ، فكان مع هذا يربط الفرشاة بأصابعه المتصلبة ويرسم بألم شديد . ثم إتجه إلى صنع التماثيل .. فكان يستخدم أيدي آخرين لتشكيل الصلصال تبعآ لتعليماته ، وساعده في ذلك الشاب الإسباني ، وتلميذه / ريتشارد غينو / . فصنع رينوار تماثيل لم يلمسها بيديه . كانت أعمالآ من صنع فكره ، صنعت وفق أفكاره حول ما هو جميل في الإنسان .
إنها .. إرادة الحياة . فلا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس ..
كان القرن التاسع عشر أكثر فترات التاريخ إزدحامآ بتحولات المسار الفني وظهور المدارس والتغييرات الجديدة المتعاقبة . ثم بعد بصفه الثاني ظهر سيلآ من النزعات المستحدثة : " التأثيرية " وما بعدها من الأساليب التعبيرية والرمزية والمستقبلية والوحشية . ثم ظهرت مع بدايات القرن العشرين الأساليب ذات الطابع الخاص ، أي التي طغت فيها شخصية الفنان وعالمه الخاص ، على حركة الإبداع .. [ مرحلة الفن للفنان ] . وتوالت عوالم التكعيب والتجريد والدادية والسيريالية ومتاهات ما وراء الطبيعة واللاشعور والأحلام ، وغيرها من الأبحاث الغارقة في الفردية .
الدادية :
من رحم الحرب العالمية الأولى ومن مآسيها وإفرازاتها للموت والفقر والضياع والرعب والدمار ، تسرب اليأس الكامل والعقد النفسية إلى نفوس المفكرين وإزدادت حدته في وجدان الفنانين فأفرزوا هذه الكئابة التي سيطرت عليهم ، على هيئة تعبير مأساوي كزفرات الألم وأنين الجرحى . فأخذوا بدورهم يحطمون كل إحساس بالجمال المفقود . فلا وقت للحب ولا مجال للإستمتاع بالفن والتغني بالجمال . وتسابق الأدباء والشعراء والرسامون في التعبير عن مآسيهم ، بسلوكيات شاذة غريبة هدفها إبراز القبح وتحطيم الجمال . فظهرت نزعات العبث واللامعقول والهوس واللاشيئية . وإختاروا لحركتهم هذه اسمآ غريبآ هو ( الدادية ) في عام 1916 .
وكان شعار الدادية : ( ان كل شيئ يساوي لاشيئ ، إذن اللاشيئ هو كل شيئ ) . فخلقوا فن ينقض الفن ليناظر الخراب والدمار . واطلقوا عليه اسم " شيئ ضد الفن " .
في عام 1924 ظهرت ( السريالية ) كحركة فكرية تجمع بين تمرد الدادية على حدود المنطق ، وبين الإهتمام بأسرار العقل الباطن والعمل على الكشف عنها . وواكبت ( السريالية ) أبحاث علم النفس والتحليل النفسي ، مع شيوع نظريات العالم / سيجموند فرويد / وطريقته في التحليل النفسي التي ترتكز أساسآ على ( الأحلام ) . التي يرى فيها رموز حقيقية لحياة الإنسان وسلوكياته ونفسيته في ماضيه وحاضره ومستقبله ، وليس مجرد صور لأحداث متداخلة لايحكمها منطق .
فكانت ( السريالية ) وفي بيانها الأول عام 1924 تتلخص في التعبير عن خواطر النفس في مجراها الحقيقي ، بعيدآ عن كل رقابة يفرضها العقل ، ثم الإيمان بسلطان الأحلام المطلق ، والعمل على إحلال هذا المذهب مكان كل مذهب آخر في حل مشكلات الحياة . ومن هنا إلتحق الكثير من أتباع " المدرسة الدادية " ، بالسريالية هروبآ من نظرة الدادية المأساوية ، وهروبآ من الواقع المؤلم للحقيقة التي عانوا منها في سنوات الحرب ، ولجوءآ إلى عالم
" الأحلام " بعيدآ عن الحقيقة المرة . وهذا ما يفسر معنى ( السريالية ) ، بأنه : ما وراء الحقيقة ، أو ما فوق الواقع . إنها نوع من تفسير الظواهر والغوص في اللاشعور .
وهو الأساس الذي إتخذه / سلفادور دالي / في التعبير الفني . وكانت كلماته الشهيرة : ( العباقرة لا يموتون ، وليس لهم الحق في أن يموتوا .. لذلك لن أموت ) . قالوا عنه أنه " أعقل مجنون " . كان يحطم زجاج نوافذ المعارض الفنية ليدخل منها ، وينقض على كبار المدعوين ويخرج مقصآ يقص به " ربطات عنقهم " . يقول أيضآ : ( إنني ملهم .. إنني مقدس . وأنا وصولي .. وبأي ثمن أبحث عن الجاه والمال ، عملآ بالقول الشائع : لايمكن بناء مجتمع من غير بنوك . أنا خالي من العيوب وأرفض الإنتماء لا إلى اليمين ، ولا إلى اليسار . أنا لا ألتزم . فالملتزمون هم الخدم . أنا فوضوي . أنا أعظم فناني عصري ، أو على الأصح كلهم أسوأ مني . أعجبني في نيويورك كثرة البنوك والشذوذ . أنا لست بهلوانآ ولكني مهرج . أنا متوحش .. أفعل كل ما هو صارخ وغير معقول ، عملآ بقول / أندريه بريتون / " زعيم السرياليين " : أن علينا أن ننزل إلى الشارع ونطلق النيران عفو الخاطر . أنا شديد البخل والحمد لله . أريد أن أصبح مليونيرآ . لقد تعلمت هذا الدرس من اسبانيا . فأعظم شعرائها وأكثرهم عبقرية / سير فانتيس / مات فقيرآ معدمآ .. و / كريستوفر كولومبس / الذي أعطى اسبانيا قارة بأكملها ، مات في السجن لأنه كان مدينآ عاجزآ عن سداد ديونه . ومن هذين الدرسين قررت ألا أقنع بالعبقرية ، بل هدفي أن أكون عبقريآ مليونيرآ ) .
وأخيرآ .. فالفن الحقيقي هو الممثل لمعتقد وقضية . الفنان ومن خلال معتقده الذي هو جزء منه ومن دافعه للإبداع ، هو صاحب قضية . القضية والمعتقد لايمكن أن يكونا مجرد لوحة أو تمثال أو قصيدة أو قصة ، مع كل مايمكن أن يحتوا من جماليات جامدة قاصرة على اللون وعلى الجودة وعلى اللغة الشاعرية . لكنهم ومن خلال ذلك الفنان " المبدع " يجب أن يكونوا على علاقة ضميرية ووجدانية وعقلية ، مع الناس ومع الواقع ومع إنتصارات الأمة وهزائمها ، وفي كل لحظات الوعي والإدراك .
===================
المراجع : سلسلة الفن العالمي
روائع الفن العالمي
--------------
فائز البرازي / كاتب سوري
20/4/2006
..............."
![]() |
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
شـكرا لزيارتكم للموقع
أنتم الضيف
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |