Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 

من أقلام الأصدقـاء والاضـيوف

 

الفوضى الخلاقة  و المجتمعات الدولية

 

بقلم 

فـائز البرازى 

 

 

قد نكون في معظمنا قد سمع مصطلح ( الفوضى الخلاقة ) للمرة الأولى من مسؤولي الإدارة الأمريكية – المحافظون الجدد – وخاصة من السيدة / كونديزا رايس / . لقد طرحت السيدة " كوندي " هذا المصطلح وبدون أن يكون هناك اية أهمية لديها أو لدى الإدارة التي تمثلها ، من أن توضح " معنى الفوضى الخلاقة " ، ولا تأثيراتها وإنعكاساتها السيئة على المجتمع الدولي وخاصة " دول الجنوب " ، صعودآ بنتائجها على " دول الشمال " . وكأن هذه الإدارة الأمريكية كان لها السبق في إختراع البارود ، أو في تحويل الرمال إلى ذهب ، خيميائيآ .

وبعيدآ عن الإستئثار بالمصطلح ، وعن النتائج والتأثيرات ، ومن باب ( المعرفة ) بالشيئ ، فلا بأس أن نعلم شيئآ عن هذا المصطلح وترابطاته وتأثيراته ومنعكساته ، على المجتمعات الإنسانية .

وإن كانت هذه الإدارة الأمريكية ستتوارى في دهاليز السياسة الأمريكية ومساراتها ، أو لا . فمن الغبن والغفلة أن نظن أن هذا المصطلح والمبدأ سيتوارى من وقائع السياسات الأمريكية والدولية القادمة . وهذا ليس تخمينآ أو مجرد عداء – مبرر – للإدارات الأمريكية ، ولكنه يمس الواقع بتاريخيته وصولآ إلى الحاضر .

فالسياسة الأمريكية – تحديدآ - ، ومنذ بداية تشكل الأمة الأمريكية في مدى منظور قريب ، وحتى الحاضر ، وإلى المستقبل ، كنتيجة لتركيبة أممية إجتماعية ، ووعي زائف او حقيقي يعتمد على تشكل

" عقل " بماضيه وتراثه وثقافته ، ستظل السياسة الأمريكية وإنطلاقآ من بدء التشكل ، ومرورآ في كل تاريخها الثقافي والمعرفي والسياسي ، وحتى أمد غير منظور ، على ذات الأسس والمنطلقات والأسانيد عبر الزمن والتاريخ .

بداية .. ومع وصول المهاجرين إلى الأرض الجديدة ، هربآ أو طمعآ أو إبعادآ ، وقف القساوسة البروتستانت ليعلنوا أن هذه الأرض الجديدة هي " القدس الجديدة " التي يبدأ منها ومن بنائها ، العالم المسيحي المبشر به في العهد القديم ، والتي ستنطلق لإستعادة ( القدس ) وإحلال اليهود فيها بعد طرد الأغيار منها – الطرد والإحلال : أساس العقلية والسياسة لديهم . طرد وقتل أهل أمريكا الأصليين ، وأهل فلسطين الأصليين - ، كخطوة أساسية لتوفير ظروف تحقق معركة " هرمجدون " ، وعودة المسيح المنتظرة . وسيطر هذا " الهاجس الديني اللاهوتي " على مجمل ثقافة وتفكير المتدينين الأمريكيين ، وخاصة المسؤولين منهم المتوالين صعدآ وبسبب دعم هذا الهاجس ، إلى مراكز القرار في السياسة الأمريكية عمومآ .

وتلازم مع هذه القناعة الدينية / الهاجس ، إستغلال المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال لهذا الشعب " المؤمن " ولقناعته وثقافته ، في دفع الأمور وحركة المجتمع والسياسة والدولة نحو مفهوم وضرورة التسلح والهيمنة والسيطرة على العالم ، وعلى منطقة الشرق الأوسط تحديدآ ، بإعتبار أن ذلك يخدم القيم الثقافية والدينية والأخلاقية للشعب الأمريكي المؤمن . وبأن ذلك هي الوظيفة التي أوكلها الله لأمريكا لتحقيق خياراته وقراراته . ومن هنا تلازم خطان مع بعضهما البعض ، وإرتكن كل خط على الآخر :

1-   خط ديني إيماني لاهوتي ، ثقافي يحيط بمعظم المجتمع الأمريكي .

2-  خط علماني جامح : خلق إلهه الجديد – المال – على أكتاف إله المجتمع المتدين .

هذان الخطان لا إنفكاك بينهما منذ البداية وحتى الآن ولمستقبل غير منظور .

وهذه ( الفوضى ) الدينية والثقافية والأخلاقية ، إنعكست لتشكل واقعآ على الآرض .

وأستطيع القول : أن " الفوضى " في حد ذاتها المتشكل ، هي في طبيعة الحال ( نظام ) . طالما أن للفوضى فلسفة ، وتوجهات ، ومناهج وصولآ إلى نتائج . إنها بالأدق ( الفوضى المنظمة ) ، وليست " فوضى النظام " .

 

               نظرية الفوضى العلمية :

                 -----------------------

( الفوضى ) هو فرع جديد من فروع العلم ، التي تعنى بدراسة ظواهر الإضطراب والإختلال واللانظام زاللاخطية ، في مختلف المجالات . كالمناخ ،وأجهزة الجسم عند الإنسان ، وسلوك التجمعات الحيوانية ، فضلآ عن الإقتصاد والتجارة وحركة الأسواق المالية ، تطورآ نحو حركة المجتمعات الإنسانية والسياسة .

وهي بداية فلسفة : تدعو للمشاركة الفعالة بين العلماء من مختلف التخصصات . فالتقسيم التقليدي للعلوم إلى فروع مستقلة وتخصصات متباعدة ، يشكل عقبة في طريق التقدم العلمي . ولقد بلغ النجاح مداه عندما تحطمت الحواجز بين العلوم ، وبرز مفهوم التطبيق المتبادل للخبرات العلمية ، حيث يمكن لكل علم أن يستفيد من الإكتشافات والأطروحات والإختراعات التي تأتي بها العلوم الأخرى وتكتشفها.

والفوضى عندما تحل .. يتوقف العلم الكلاسيكي . فما دام للعالم علماء يبحثون في قوانين الطبيعة ، فسوف يعاني من إهمال لظاهرة : الإضطراب في الغلاف الجوي وفي البحار والمحيطات ، وفي ظاهرة التقلب في التجمعات الحيوانية البرية ، وظاهرة تذبذب القلوب والعقول .

فالجانب غير المنتظم من الطبيعة ، أي الجانب الذي يفتقر إلى الإستمرارية ويمتلئ بالأخطاء ، يمثل " لغزآ " للعلم والعلماء .

وفي حقبة السبعينيات من القرن الماضي ، بدأ عدد قليل من العلماء يشقون طريقهم وسط الفوضى والإضطراب ، وكان من بينهم علماء في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا ، وكانوا جميعآ يسعون إلى معرفة الصلات بين مختلف أنواع الإضطراب . وهكذا توصل علماء الفيسيولوجيا – علم وظائف الأعضاء – إلى إكتشاف نظام مدهش يحكم الفوضى التي تنشأ وتتطور داخل قلب الإنسان ، وتكون السبب الرئيسي في الوفاة المفاجئة التي تفتقر إلى ما يفسر حدوثها . وعلى جانب آخر ، تعرف علماء البيئة على عوامل نشأة " حشرة العتّة " وفنائها . أما علماء الإقتصاد فقد تمكنوا من الكشف عن بيانات قديمة حول أسعار الأسهم ، وحاولوا طرح نوع جديد من التحليل .

ولقد أدى ما تمخضت عنه هذه البحوث كلها ، إلى وصف للعالم الطبيعي بما في ذلك أشكال السحب ، وممرات الضوء ، والتوأمة المجهرية للأوعية الدموية ، والتشابك العنقودي للنجوم في مجراتها .

بعد عشر سنوات .. أصبحت " الفوضى " إسمآ لحركة سريعة النمو تعمل على إعادة تشكيل المؤسسة العلمية ، فكثرت المؤتمرات حول " الفوضى " كما صدر العديد من المجلات الدورية المتخصصة التي تتناولها .

من ناحية أخرى .. عمل مديرو البرامج الحكومية المنوط عليها تدبير الموارد اللازمة للبحث العلمي في القوات المسلحة ، وفي وكالة المخابرات المركزية ، وفي وزارة الطاقة ، على توفير مزيد من الإعتمادات لبحوث " الفوضى " . بل وإتجهت إلى إنشاء وحدات مالية خاصة لهذا الغرض .

الآن .. وقد بدأ العلم البحث في ظاهرة "الفوضى " ، فقد تبين أنها موجودة في كل مكان : من عمود الدخان المتصاعد من " سيجارة " مشتعلة ويتحطم في دوائر جامحة ، والراية ترفرف تحت تأثير الرياح ، والمياه المتدفقة من صنبور تبدأ بنمط منتظم ثم سرعان ما تتحول إلى عشوائية . وتظهر كذلك – الفوضى – في سلوك الطقس ، وفي تحليق الطائرة في الجو ، وفي حركة السيارة على الطريق ، وفي مسار النفط في الأنانيب تحت الأرض .

ولقد أدى إدراك ذلك ، إلى تغيير في الطريقة التي يصنع بها رجال الأعمال قراراتهم فيما يتعلق بالتأمين ، وفي الأسلوب الذي ينظر به علماء الفلك إلى النظام الشمسي ، وفي الطريقة التي يتحدث بها " المنظرون السياسيون " عن الضغوط التي تؤدي إلى صراع مسلح .

ويذهب أقوى الداعين لهذا ( العلم الجديد ) إلى حد القول بأن علم القرن العشرين ، سوف يخلد في التاريخ بسبب ثلاثة عوامل هي : النسبية  -  الميكانيكا الكمية  -  الفوضى . ويذهبون أبعد من ذلك إذ يعلنون أن : ( الفوضى ) هي ثالث أعظم ثورة في العلوم الفيزيائية في القرن العشرين .

لقد بدأت الدراسات الحديثة حول ( الفوضى ) في حقبة الستينات من القرن العشرين ،عندما إزداد افدراك بحقيقة أنه يمكن " نمذجة " النظم بواسطة معادلات رياضية بسيطة جدآ ، وأن الإختلافات الدقيقة في المدخلات يمكن أن تؤدي إلى " فروق شاسعة " في المخرجات . وهذه ظاهرة عرفت بظاهرة ( الإعتماد الحساس على الظروف والأحوال الأولية ) .

وفي المناخ – على سبيل المثال - ، تترجم هذه الظاهرة إلى ماسمي مجازآ ( بتأثير الفراشة ) .. إشارة إلى فكرة أن الفراشة التي تحوم في الهواء في بكين اليوم ، يمكنها أن تحول نظم العواصف في نيويورك في الشهر التالي .

وكان / إدوار لورنز / العالم في مجال الأرصاد الجوية ، هو من أوائل الباحثين والمكتشفين ( لنظرية الفوضى ) منذ عام 1960 .

 

                   الفوضى والمجتمعات :

                      ---------------------

منذ وقت مبكر لعبت " فلسفة الفوضى " دورى في التنظير والأبحاث الإجتماعية والسياسية والدولية . وكانت الدراسات في مناهج الفكر التقليدية الأساسية الثلاث والمتنافسة هي :

منهج هوبز – منهج غروتيوس – مذهب كانت .

والتي على تنافسها وإختلافها في بعض ما أتت به حول مفهوم ( المجتمع الفوضوي ) ، والتي هي قراءات متقاربة للأسلوب الذي كان تاريخ الفكر الخاص بالمجتمعات والعلاقات الدولية ، وبكل ما تطور به هذا الفكر داخل أوروبا بدءآ من القرن الخامس عشر . كانت هذه المناهج تعلق أهمية كبيرة على أهمية التاريخ والمنهج التاريخي ، والحاجة إلى إرجاع صلب المجتمع الدولي إلى التاريخ .

بينما لم يتجه " الواقعيون " إلى إبراز أهمية القوى المنهجية ، إلا في القرن العشرين ، بعد أن ساد الإعتقاد بأن ( فكرة المجتمع الفوضوي ) أمر عفا عليها الزمن ، وساد الإعتقاد مثلآ ، بأن / كانت / : ما هو إلا مجرد منظر ديمقراطي للسلام ، وأنه من المؤمنين بمذهب ( التدخل لمصلحة الديمقراطية ) .

ان أهم الأفكار التي ظهرت في خلق فكرة ( المجتمع الفوضوي ) ، هي ناجمة عن إدراك المدى الذي وصل إليه النظام العالمي من فشل بالسيطرة من منظور واحد . لذا كان برأي مؤيدي الفكرة : أن العوامل الفاعلة كالأثر الواضح لعملية العولمة الإقتصادية ، ونشر الديمقراطية السياسية ، والأهمية المتزايدة للمجتمع المدني المتخطي " للحدود القومية " ، وتعاظم كثافة المؤسسات الدولية ونطاقها ومداها ، والمشكلات المتعددة والمتراكبة الناجمة عن تفكك الدول وتعاظم المطالبة بالكيانات الإثنية وحقوقها ، قد تطورت إلى حد جعل التركيز على " مجتمع الدول " قاصرآ وباليآ تمامآ .

وكان أكبر منتقدي ( المجتمع الفوضوي ) ، المفكر / هيدلي بول / بما له من مكانة مرموقة في ميدان دراسة المجتمعات والعلاقات الدولية .

وكان رأي / بول / : أنه لابد من وجود عرضآ نموذجيآ للأسلوب الذي ينبغي أن نصوغ بموجبه آراءنا حيال المطالب بإحداث التغيير .  فهو لم يتجاهل التغيير ، لكنه دعا إلى التأني في " تحليل عملية التغيير " . وكان ثابتآ في رأيه ، بأن الإتجاهات والمظاهر المعاصرة التي تبدو من نماذج " الحداثة " والتي تتراوح بين : الشركات متعددة الجنسيات ، وخصخصة العنف على شكل جماعات إرهابية أو أمراء حروب ، ستظهر لنا مألوفة بدرجة أكبر حين ندرسها من خلال " منظور تاريخي " طويل المدى بشكل كاف . وأنه يمكننا أن نكسب كثيرآ من مقارنة الحاضر بحقب سابقة من التغيير .

كما أن العلاقات الدولية لايمكن فهمها أو دراستها حصرآ من " منظور الأقوياء " . وأن مجتمعآ دوليآ راسخآ ، لابد أن يرتكز على معنى من المعاني الأخلاقية والشرعية . وبأن هذا بدوره ، يجب ان يبرز مصالح الأعضاء " الأضعف " في المجتمع الدولي ، والقيم السائدة لديهم .

فالعولمة و" نشر الفوضى " ، بلغ حدآ كبيرآ في ممارسة ضغوط شديدة من أجل تحقيق التجانس والتقارب في العالم – بشكل وهمي - . ولكنها أيضآ دفعت العالم في إتجاه مقاومتها وإنعكاس تيارها عليها . وأصبح من الواضح أيضآ ، أنه كما يتحرك " النظام القانوني الدولي " بشكل أكبر في إتجاهي التضامن ، وتخطي " الحدود القومية " ، وإنخفاض " منسوب السيادة " ، كذلك يرتفع المستوى السياسي للإختلاف الإجتماعي والثقافي ، وللقواعد الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبحقوق الشعوب ، وبمجموعة متعاظمة من القضايا الإقتصادية والبيئية ، بما لها من أثر بالغ العمق في .. ( التنظيم الأهلي للمجتمع ) .

وبهذا تصبح القيم المتباعدة أكثر بروزآ فيما يتحرك النظام القانوني نحو " الأدنى " .. متجهآ من مذهب الشعارات ذات الفكر السامي ، " هبوطآ " إلى قواعد عملياتية مفصلة ومقحمة بشدة في كل هذه المجالات وإلى وسائل أشد على صعيد تطبيقها ، من خلال " التوسع في وضع العقوبات والشروط " .

ويبقى السؤال :  إلى أي مدى يمكن أن يزدهر المجتمع حقآ في وسط فوضوي ؟ .

·   هل في وسع عوامل إمكانية " التكيف الإجتماعي " ، أن تتغلب على " مظاهر العداء والخصام " الملحوظة في كل نظام الدول ، وفي المجال الدولي ، أو في أي ظرف . ؟

·   هل تطغى أهمية " الترابط الإقتصادي " في كل من المجالين ، على ميدان الصراع ، أم تخفف حدته ، أم أن الوضعين سيتعايشان ببساطة . وألا ستؤدي الصراعات إلى " تفتيت المجتمع" ؟

·   هل يمكن لتظام دولي عالمي يفتقر إلى ثقافة مشتركة ، أن يكون مجتمعآ أصيلآ وقويآ ، حتى مع وجود شبكات مكثفة من القواعد والمؤسسات ؟

·   ماذا سيحدث للنظام العالمي حين تتحداه الدول ، عبر العنف والضعف الداخليين ، إضافة إلى العنف الخارجي والعدوانية المألوفين فيما بينهما ، وحين تفرز القواعد والمؤسسات الخاصة بالمجتمع المتخطي للحدود القومية ، في حد ذاتها إضطرابات تفوق ما تحققه من نظام ؟ .

من هنا كان لابد من إعادة النظر في " فلسفة المجتمع الفوضوي " ، بإجراء المزيد من التمحيص التجريبي في مجال السياسة العامة ، وكذلك إلى إجراء دراسات تأملية معيارية في مجال إستقصاء الإمكانيات ، لإدخال المزيد من الإهتمامات " الأخلاقية " ، في ممارسات العناصر الفاعلة على المسرح العالمي .

 

                   الفوضى الخلاقة الأمريكية :

                   --------------------------- 

حتى نستطيع مقاربة هذه النظرية وإستيعاب أبعادها بشكل موجز ونسبي ، فإنني أتصور مثالآ بسيطآ يلم بشكل ما بهذه الفكرة :

( طاولة بليارد ) موضوع في منتصفها " مثلث منتظم ومنظم " من الكرات المختلفة الأرقام والألوان.

    الطاولة : - هي الحدود العامة التي تمسك وتقيد حركة الكرات من الإنفلات إلى الخارج .

   الكرات : -  هي في مجموعها الدول أو القوى أو الأهداف المرغوب بتحريكها وإعادة تشكيلها .

  العصا  : - هي " القوة " الفاعلة في " ضرب " وتحريك هذه الكرات ، ونشر " الفوضى " في إنتظامها ومنظومتها السابقة .

وتأتي ( الضربة الأولى ) ، لتبعثر الكرات ضمن الحدود الحاكمة للعبة .

شخص مشاهد من خارج اللعبة وقوانينها ، يرى الوضع الأول " نظام " ، بينما يرى الوضع الثاني  :

" فوضى غير مفهومة " .

وتتوالى الضربات بالعصا .. لكل كرة على حدة .

أحيانآ .. يتم إصطياد الكرة المضروبة " مباشرة " وإسقاطها في " الحفرة " .

أحيانآ .. يتم ضرب كرة بأخرى ، إما لدفعها لوضع مناسب للاعب ، أو لإسقاط الكرة الثانية بواسطة الكرة الأولى في " الحفرة " .

ويستمر الشخص المشاهد غير فاهم ولا مستوعب " لعبثية " هذه الفوضى ..

في النهاية .. يفوز اللاعب في إسقاط جميع الكرات في " الحفرة " ، وتبقى هناك بشكل منتظم آخر ، عما كانت عليه في بداية اللعبة ، ولكن غير مرئية .

وهنا يكون اللاعب قد حقق " فوزآ " بإحداث ( الفوضى في النظام ) ليشكل ويخلق نتيجة فوزه نظام آخر غير مرئي بداية ، حتى يعاد صف الكرات في معركة جديدة .

وعندما أقول – لاعب / مع وجود إثنان أو أكثر ، فهو رمز وهو أيضآ صراع بين طرفين للفوز " بلعبة الفوضى " .

وفي السياسة والواقع .. فقد بدأت الإمبراطورية الأمريكية ، في سياسة ( الفوضى الخلاقة ) بالإستيلاء على " الأمم المتحدة " مع كل السوء الذي تعيشه هيئة الأمم المتحدة ، إبتداءآ من : ميثاقها ، إلى إلتباسات توجهاتها ، إلى تعبيرها عن " الدول القوة " لا عن جميع الدول العالمية ، إلى فشلها بأن تكون ( هيئة أممية محايدة وأخلاقية وقانونية عادلة ) . مع هذا لم تتورع الإمبراطورية الأمريكية عن الإستيلاء عليها وإستخدامها " كمؤسسة معبرة عن الرغبات والتصرفات الأمريكية " .

إن " الفوضى الخلاقة " إستمرت ( كأداة ) وليست هدف ، لتحقيق المشروع الرئيسي والأساسي للإمبراطورية الأمريكية ، وهو مشروع ( النظام العالمي الجديد ) .

وهو مشروع ليس بجديد مع تطوره وتصاعده الدائم ، إنما هو مشروع بدأ منذ تأسيس أمريكا ، وطباعة أول دولار ليكون أحد أهم الوسائل والنشر والتبشير لهذا النظام الجديد .

وعندما تتعثر " الفوضى الخلاقة " سياسيآ ، وهي في بدايتها متعثرة – وأرجو حتى نهايتها - ، فإنها تقرر إستخدام وسلوك سبل أخرى أصبحت واضحة ، خاصة في الشرق الأوسط ، نقطة البدء والأساس والمفتاح الهام لتحقيق مشروع النظام العالمي الجديد ، عندها تستخدم بعد التعثر السياسي وتسلك سبل أخرى :

1-   الأعمال العسكرية المباشرة .

2-   الأعمال العسكرية الغير مباشرة .

3-   الضغوط السياسية والإقتصادية .

4-   إحداث تغييرات جذرية في مناهج التعليم والثقافة .

5-  إستخدام ( الإعلام ) كديكتاتور أكبر ، يجمل وحشيته ، ويعيث فسادآ في العقول ، ويضع " التشابك والفوضى والتفكيك " ، كحالة عقلية وفكرية ونفسية أمام الشعوب .

6-  دعم وتزعم معظم حركات المجتمع المدني ولو من وراء ستار أو ظهور أو إشعار بوجود " امريكا " ، أو حتى بشكل مباشر وواضح وصريح وداعم في تبنيها – أمريكا – لحركات الإصلاح في المجتمعات ، " حرصآ منها على هذه المجتمعات " !! .

ومن أسف .. فإن إستخدامها لمعظم المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية ، ( كأداة ) للسيطرة على العالم تحقيقآ لمآربها وأهدافها ، أصبح واضحآ في مجالات : المرأة – الطفولة – المساعدات الإنسانية – حقوق الإنسان .. ، ظاهرها الخير والإنسانية والعدالة ، وباطنها الشر والتسخير والهيمنة والإستعباد .

هذه الوسائل والسبل هي ما تعتمد عليها "سياسة الفوضى الخلاقة " . وتعتمد عليها بمنهجية وبرامج " منظمة " .. تخلق ( الفوضى ) في الواقع كرغبة وتوجه للتغيير والتطوير ، وفي العقول ، وفي أنماط التفكير ، وفي التوجهات الإجتماعية والسياسية والثقافية .. لتسود الفوضى في كل مكان وركن .. ذاتي وعام ، ليتم بعدها ( لملمة الخيوط ) وخلق نظام جديد من هذه الفوضى السائدة والمنتشرة .

وعندما عبر ( الفوضويون ) عن أنفسهم في فلسفتهم وتوجهاتهم كمذهب أثار ما أثار في المجتمعات ، قالوا :نحن فوضويون برفضنا " للنظام القائم " – في السياسة والثقافة والمجتمع - ، لكننا نمثل ( نظامآ ) فوضويآ يجب أن يسود العالم .

 

فمن قال أن الفوضى ليست نظامآ ؟؟ .

======================= 

       المراجع :

الفوضى              / جيمس جليك .

المجتمع الفوضوي / هيدلي بول .

        ----------------

فائز البرازي / كاتب سوري

         27/11/2006 

           

       ..............." 


Graphic by Martin

A Man ... A Nation ...

 

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

شـكرا لزيارتكم للموقع

أنتم الضيف

 





© 2007  جميع الحقوق محفوظة لكل من سامى شرف ويحى الشاعر.
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
 
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US