![]() |
سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر
ـ أكاذيب كثيرة ترددت ـ
حول علاقة ثورة يوليو بأمريكا
- 1 -
أكاذيب كثيرة ترددت حول علاقة ثورة يوليو بأمريكا.. قال البعض إن الضباط الأحرار كانوا عملاء للمخابرات المركزية الأمريكية..!!
..............."
إنتهى نقل هذا الجزء
يحى الشاعر
- يتبع -
وقال البعض الآخر إن الثورة المصرية أصبحت بعد ذلك عميلة للاتحاد السوفيتي..
ووصلت الأمور إلي حد ترديد الأساطير رغم أن الحقيقة التي تأكد منها العالم بأسره أن ثورة يوليو كانت وماتزال تمد يد الصداقة للجميع ولكنها رفضت وما تزال ترفض بكل حسم أي مساس باستقلال مصر.. وسيادتها.. وكرامتها..
خلال الحرب العالمية الثانية، توجهت أنظار القوي الوطنية المصرية نحو مباديء الرئيس الأمريكي ويلسون الأربعة عشر التي تنادي بحق الشعوب في الحرية والاستقلال.. وفي نفس الوقت، تزايد الاهتمام الأمريكي بمصر، خاصة مع تقدم القائد الألماني روميل في الصحراء الغربية ليهدد المواقع الاستراتيجية للحلفاء في مصر التي أصبحت مركزا حيويا للدفاع عن منطقة الشرق الأوسط..
ومنذ عام 1945، تطورت العلاقات المصرية الأمريكية في مجالات عديدة وتزايد النفوذ الأمريكي في مصر بشكل ملحوظ خاصة بعد أن أكدت تجربة الحرب العالمية مدي الأهمية الاستراتيجية لمصر..
وخلال الفترة من 1948 وحتي 1952، زادت الصادرات المصرية لأمريكا بينما تضاعفت الواردات ثلاث مرات في نفس الوقت الذي تصاعدت فيه حدة التوتر بين مصر وبريطانيا خاصة بسبب مشكلة فلسطين ورغبة المصريين في الاستقلال التام.
الخطط الأمريكية
ورغم حرص الحكومة المصرية علي كسب ود الحكومة الأمريكية إلا أن واشنطن كانت تسعي لاخفاء مخططاتها بالنسبة لمصر حتي لا تثير حليفتها بريطانيا.. وهكذا، تعاطف الأمريكيون مع الحركة الوطنية المصرية ضد الإنجليز دون أن يعلنوا هذا الموقف صراحة ولكن مع اندلاع الاضطرابات الداخلية خاصة حريق القاهرة في يناير 1952 وتفاقم حالة السخط العام ضد الفساد، اشتعلت مخاوف واشنطن من احتمال أن يستغل الشيوعيون هذا الموقف للقفز إلي السلطة في مصر وبدأ السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري يتحرك علنا علي الساحة السياسية المصرية وتردد أنه عقد لقاءات مع الضباط الأحرار الذين كانوا يخططون للقيام بالثورة..
وفي صباح 23 يوليو 1952، قام جمال عبدالناصر ورفاقه الضباط الأحرار بالثورة وتمكنوا من السيطرة علي الموقف.. وبعد 3 أيام، تم طرد الملك فاروق..
وعندما تأكدت طبقة الإقطاع والرأسمالية من عجز بريطانيا عن التدخل لانقاذ الموقف تطلعت رموز هذه الطبقة إلي أمريكا لمساعدتهم ولكن واشنطن كانت تنظر إلي الجهة الأخري وتأمل في أن يكون الضباط الأحرار أكثر حكمة وأن يسعوا إلي تحقيق طموحات الشعب المصري بالتعاون معها!!
وبالفعل، دعمت أمريكا مطلب قادة مصر الجدد في الحصول علي الاستقلال التام.. ومارست واشنطن ضغوطا هائلة علي بريطانيا الحليفة علي أساس أن وجود الدول الاستعمارية في مشروع الدفاع الغربي ضد السوفييت سيفجر الكراهية ضد الغرب ويلطخ سمعة الدول الغربية في المنطقة بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية..
ووصلت الأمور إلي حد تأييد أمريكا لموقف مصر في السودان بل ودعم كل الطموحات المصرية بشرط واحد هو أن توافق القيادة المصرية علي خطط السياسة الأمريكية سواء في مصر أو الشرق الأوسط.. ولكن لأسباب عديدة، أهمها الدعم الأمريكي لإسرائيل، لم تتقبل القيادة المصرية الجديدة هذه المخططات الأمريكية..
ورغم ذلك، فقد كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يدركون أن مصر في أشد الاحتياج للمساعدات الاقتصادية والفنية والعسكرية الأمريكية.. ولذلك تدعمت العلاقات بين الضباط الأحرار وأمريكا خاصة بعد أن وصف اتشيسون وزير الخارجية الأمريكي مصر بأنها دولة تنتمي للعالم الحر وبعد أن أدركت واشنطن استحالة الدفاع عن الثروات البترولية في الشرق الأوسط دون احتواء الثورة المصرية داخل التحالف الغربي وقد ترددت روايات عديدة وصل بعضها إلي مرحلة الأساطير حول حقيقة العلاقة بين الضباط الأحرار والولايات المتحدة الأمريكية.. وأشهر هذه الروايات بكل تأكيد هي تلك التي ذكرها رجل المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاند في كتابه الشهير 'لعبة الأمم'.. فقد أكد كوبلاند أن تقارير المخابرات الأمريكية قبل ثورة 23 يوليو كانت توصي بمساندة وتأييد القادة الجدد الذين سوف يتولون السلطة في مصر. وقال كوبلاند أنه رتب لقاءات بين مسئول المخابرات الأمريكية كيرميت روزفلت ومندوبين عن الضباط الأحرار في شهر مارس عام ..1952 ووفقا للوثائق الرسمية الأمريكية، فإن السفير الأمريكي بالقاهرة جيفرسون كافري بعث بتقرير إلي واشنطن في مايو 1952 قال فيه: إن الجيش المصري قادر علي حسم الموقف وتشكيل حكومة وطنية تستطيع القوي الغربية الدخول في حوار مثمر وناجح معها..'.
ومنذ الساعات الأولي للثورة، كان هناك حرص من جانب القادة الجدد في مصر علي إقامة علاقات وثيقة مع رجال السفارة الأمريكية وخاصة الملحق العسكري البحري ديفيد ايفانز الذي التقي ببعض الضباط الأحرار ليلة الثورة وسألهم عما إذا كان بوسعه أن يبعث بتقرير إلي السفير الأمريكي كافري الذي لم يكن موجودا بالقاهرة في ذلك الحين..
كراهية الشيوعية ورفض الإخوان
ونقل ديفيد ايفانز بعد ذلك عن محمد نجيب القائد المعلن أو الرسمي للثورة قوله 'إن الضباط الأحرار يبغضون الشيوعية تماما ويرفضون الاخوان المسلمين ويعتزمون الحفاظ علي مصالح القوي الكبري والمحافظة علي حقوق الأجانب. وكانت هذه رسالة موجهة إلي أمريكا من قادة الثورة علي حد قول جايل ماير مؤلف كتاب 'مصر والولايات المتحدة.. سنوات التكوين' وهكذا، كان من الطبيعي أن تعتبر أمريكا ماحدث في مصر 'مسألة داخلية'!! واستمر التقارب بين الجانبين وأبلغ الضباط الأحرار السفير الأمريكي كافري صراحة برغبتهم في تنمية العلاقات مع الولايات المتحدة ووصف محمد نجيب السفير كافري بقوله 'إنه من الدبلوماسيين القلائل الذين نثق بهم'.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت رغبتها في احتواء ثورة يوليو وراء ترحيبها بوصول الضباط الأحرار إلي السلطة!
ويظهر ذلك بوضوح من خلال تعليقات الصحف الأمريكية علي ثورة يوليو.. فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الثورة في مصر إندلعت بسبب تصرفات الملك فاروق وحاشيته والتي أدت إلي فقدانه العرش وطرده من مصر علي أيدي الضباط الصغار الذين يشعرون بمتاعب وهموم بلادهم وتدهور أوضاع الجيش..
أما صحيفة واشنطن بوست فوصفت محمد نجيب القائد الرسمي للثورة بأنه مثل الزعيم التركي مصطفي كمال أتاتورك..
وقالت صحيفة 'يو. إس. نيوز' إن الملك فاروق كان غارقا في الفساد والانحطاط والإبتزاز وإن مصر في عهدها الجديد سوف تنال احترام وتقدير الرأي العام العالمي..
باختصار، كان الانطباع الأمريكي هو أن اللواء محمد نجيب صديق لأمريكا وقاد ثورة بيضاء ضد الاستعمار القديم الذي ترفضه الولايات المتحدة.
وجاءت أحداث الشغب التي قام بها العمال في كفر الدوار في أغسطس عام 1952 وأسلوب القمع الذي اتبعه الضباط الأحرار للقضاء عليها لكي تؤكد لواشنطن أنها تراهن علي الجواد الرابح خاصة بعد أن أعلن اللواء محمد نجيب صراحة 'إن الجيش سوف يسحق أي محاولة شيوعية في البلاد'.
لغز أمريكي !
وجاء الترحيب الأمريكي بهذا التصريح علي لسان دين اتشيسون وزير خارجية الرئيس الأمريكي ترومان الذي أعلن في 3 سبتمبر 1952 أن حكومة الرئيس ترومان تقدر تقديرا تاما موقف الثورة في مصر..' ويرجع السر في هذا الترحيب الأمريكي بالثورة إلي اعتبارين أساسيين: الأول أن أمريكا كانت تستعد لوراثة الامبراطورية البريطانية وكان لابد من الإطاحة بالأوضاع التي كانت سائدة في مصر والشرق الأوسط خلال فترة النفوذ البريطاني لتحل محلها قوي جديدة تستطيع أمريكا التفاهم معها لخدمة مصالحها..
أما الاعتبار الثاني فهو موقف ثورة يوليو المناهض للشيوعية بمجرد توليها السلطة.. وكانت هذه نقطة شديدة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة التي كانت قد بدأت مبكرا مرحلة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وكانت مستعدة لدعم أي دولة أو نظام يبدي استعدادا للصدام مع السوفييت أو يرفض الدخول معهم في علاقات صداقة أو تعاون..
ونتيجة لذلك، تطورت العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا بشكل ملحوظ خاصة بعد تولي أيزنهاور الرئاسة في واشنطن حيث قرر زيادة المعونات الفنية الأمريكية لمصر التي اعتبرها قائدة العالم العربي وقال هارولد ستاسن مدير برنامج التبادل التجاري الأمريكي أمام الكونجرس.. إن مصر لابد وأن تتبوأ مكانة خاصة في ظل نظام الحكم الجديد الذي يحظي بتأييد الرأي العام المصري والذي يرغب في دعم علاقاته بالعالم الغربي..
وبالفعل حصلت مصر علي مساعدات أمريكية للنهوض بالزراعة والصناعة والتعليم..
ولكن بوادر انتهاء شهر العسل بين الضباط الأحرار وأمريكا بدأت تلوح في الأفق منذ نهاية عام 1953 وذلك لثلاثة أسباب رئيسية.. الأول هو توتر العلاقات المصرية الانجليزية والذي ترك آثارا سلبية علي علاقات مصر بأمريكا..
أما السبب الثاني فهو رفض مجلس قيادة الثورة المصري التام لمشروع أمريكا الخاص بالدفاع الغربي عن الشرق الأوسط والنقطة الثالثة هي تزايد احتمالات الحرب بين مصر وإسرائيل وتردد أمريكا في الاستجابة لطلبات أصدقائها المصريين من السلاح الذي تحتاجه مصر للدفاع عن نفسها..
ويري الكثيرون من المؤرخين أن السبب الرئيسي لحالة المد والجزر التي شهدتها العلاقات المصرية الأمريكية في بدايات الثورة يرجع بالتحديد إلي خطأ فادح ارتكبته واشنطن.. فقد اعتقد جون فوستر دالاس وزير خارجية أيزنهاور أن الضباط الأحرار مجرد نموذج من ضباط أمريكا اللاتينية الذين يقومون بانقلابات عسكرية في جمهوريات الموز.. لذلك، كان دالاس يتوقع أن يبادر قادة الثورة المصرية إلي تنفيذ الرغبات والأوامر الأمريكية مقابل ما يحصلون عليه من دعم وتأييد..
والحقيقة.. أن هؤلاء الضباط الأحرار ينتمون جميعا تقريبا إلي الطبقة الوسطي المصرية التي كانت في ذلك الحين تمتليء بمشاعر الوطنية الصادقة وتطمح في القيام بتغيير يدفع بالبلاد خطوات كبري إلي الأمام.. وكان الاستقلال بالنسبة لهؤلاء الضباط يمثل عصبا شديد الحساسية يتعين علي أي طرف يتعامل معهم أن يتجنب الاقتراب منه.. وهذا بكل تأكيد مالم تفعله أمريكا أو ما عجزت عن أن تفعله.. لذلك، كان من الطبيعي أن يحدث الصدام الحتمي بين حركة وطنية حقيقية قادتها مجموعة الضباط الأحرار وبين التوجهات الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة التي أرادت فقط أن تستبدل النفوذ الأمريكي في مصر بالنفوذ البريطاني..
ورغم كل الاتهامات التي وجهت للضباط الأحرار بالعمالة للمخابرات المركزية الأمريكية والعمل لحساب الاستعمار الأمريكي الجديد إلا أن الحقيقة تبقي وهي أن قيادات الثورة المصرية رفضت مبدأ التبعية منذ اللحظة الأولي وحتي اللحظة الأخيرة.. نعم.. كانت ثورة يوليو حريصة علي الصداقة مع أمريكا ولكنها رفضت بحسم التبعية والعمالة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان هذا هو نفس الموقف الذي اتخذته مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي رفض أن تكون مصر دولة تابعة للاتحاد السوفيتي..
وأيضا كان هذا هو الموقف الذي التزمت به مصر ومازالت في عهد الرئيس محمد حسني مبارك..
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة
You are my today's
Web guest
Thank you for your visit
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US