Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

ـ الكـتاب الـثانى ـ

ـ الباب السابع ـ

ثــورة يولـيو وحـزب الـوفـد  

 

Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 


 

ثورة يوليو وحزب الوفد

عادت آخر حكومة لحزب الوفد إلى الحكم سنة 1950 بأغلبية كبيرة جدا لم تحصل عليها فى أى انتخابات سابقة ، ولم تكن هذه صدفة أو اعترافا بالحق من الملك أو سلطات الاحتلال البريطانى ، لكنها كانت تعبيرا عن إجماع الإرادة الوطنية المصرية على حسم المعركة مع الاحتلال البريطانى الذى جثم على صدر الشعب المصرى والأرض المصرية لمدة سبعين عاما قهرا واستنزافا .

وفى هذه المناسبة أعلن حزب الوفد أنه أصبح على الشعب المصرى أن ينتزع حريته واستقلاله بيديه ، وأن الأسلوب التفاوضى السلمى لا مكان له، ولم يعد هناك أمام الشعب المصرى إلا طرد المستعمر بالقوة .

وبعد مفاوضات ومباحثات بين القاهرة ولندن امتدت من سنة1920 إلى سنة 1951، وبلا جدوى أعلن حزب الوفد استجابته لإرادة الشعب المصرى بإلغاء معاهدة 1936 ثـم معاهدة 1899 التى تنظم العلاقة مع السودان ، وشاهدت البلاد مظاهرة شعبية كبرى لم تشهد مصر مثيلا لها منذ عام 1919.

نتيجة لهذا فإنه كان من البديهى أن يقوم حزب الوفد ، حزب الأغلبية الساحقة بتعبئة الجماهير وتسليحها لمواجهة قوات الاحتلال ، وبعد التعبئة الشعبية فكان لابد أن تعنى المقاومة بموقف قوات الجيش والبوليس ، حيث كانت هاتان القوتان دائما بعيدة عن نبض الشارع المصرى ومحرومة من لعب أى دور سياسى، وبالطبع كان ذلك مقصودا ومخططا من قبل الاحتلال والقصر؛ وذلك بهدف حرمان الشعب المصرى من ذراعة اليمنى وقوته الباطشة فى معركته مع الاحتلال وفساد القصر. لهذه الأسباب كان تحديد موقف الجيش مسألة فى غاية الأهمية.. إلا أن كل الظروف كانت مؤاتية لإشراك هاتين القوتين الأساسيتين لصالح المعركة ، بل أذهب لأبعد من هذا وأقول ضم هاتين القوتين للمعركة ، فلأول مرة فى تاريخ مصر قام البوليس المصرى بالإضراب العام تحت ستار مطالب فئوية ، لكنها لم تخلو من المضمون الوطنى .

فى نفس الوقت الذى عاد فيه الجيش المصرى من حرب فلسطين، يحمل جراح وآلام أمة بأكملها، وقد تكشفت له كل الحقائق ، وأولها حقيقة أن المعركة الأساسية والحقيقية فى القاهرة.

وفى اعتقادى أن السبب الرئيسى الذى جعله يتقاعس عن إثبات قدراته وتثبيت قوة الحزب هو أن الباشوات ساورهم قلق شديد من احتمالات تطور الأمور ، وأن مقاومة مسلحة قد يتولد عنها ـ وهذا شىء طبيعى ووارد – ثورة شعبية ، فإذا ما تحقق إجلاء المستعمر بالدماء فستتسرب السلطة وربما الثروة ـ وهذا وارد أيضا – إلى جماهير المقاومة والغلابة من الشعب المقاتل الحقيقى . هذا إذا تذكرنا أن هذه الفترة كانت حبلى بتيارات تقدمية وصلت إلى صفوف حزب الوفد نفسه ، بقيام جناح متشدد داخله ـ الطليعة الوفدية ـ وكان هؤلاء الباشوات الذين اختاروا فؤاد سراج الدين من أبناء الإقطاع الذين لا شبهة فيهم سكرتيرا عاما للحزب ودفعوه دفعا إلى هذا المنصب المتفرد لتكون مهمته هى تأمين الحزب بالدرجة الأولى وتأمين مصالح المتحكمين فى أموره . ولم يكن غريبا أبدا أن تنتهى المقاومة إلى كارثة وأن تحترق القاهرة فى 26يناير1952 ، وبعدها بشهور قليلة تقوم ثورة 23 يوليو 1952 .

كانت زعامة الوفد - حزب الأغلبية كما كان يطلق عليه ـ أسرع الزعامات فى القبول بالأمر الواقع الجديد، وكان زعيمه مصطفى النحاس متواجدا فى الخارج وقت أن قامت الثورة وبعد عودته من المصيف فى سويسرا فى شهر أغسطس اتجه إلى لقاء أعضاء مجلس قيادة الثورة بناء على رغبته الشخصية، وصرح لمرافقه فى هذه الزيارة ، ـ فؤاد سراج الدين ـ وهو فى طريقه إلى اللقاء ، أنه لا يستطيع أحد أن يقف فى مواجهة الدبابة ، وكان هذا ردا على نصيحة مرافقه من أن أعضاء مجلس الثورة ما هم إلا مجموعة من الشباب الضباط صغار ولا يفقهون شيئا فى السياسة وأنه يجب أن يعاملهم زعيم الأمة من هذا المنظور .

ولكن ذلك لم يكن رأى باقى القيادات فى حزب الوفد ، وفى مقدمتهم فؤاد سراج الدين ومعه بعض الذين كانوا يعبرون عن فلسفة الوفد فى صحفهم ومنهم الأخوان " أبو الفتح ".

ونشير هنا إلى أنه كان قد جرى اتصال سابق بين بعض الضباط الأحرار؛ ومنهم ثروت عكاشة ووجيه أباظة وعيسى سراج الدين وأحمد أنور وآخرين - سواء مباشرة أو عن طريق بعض أقارب هؤلاء الضباط- وفؤاد سراج الدين الذى كان يهيمن على الحزب بهدف تنسيق النشاط الفدائى فى منطقة قناة السويس فى ضوء الدفعة القوية التى وفرها إعلان النحاس باشا إلغاء معاهدة1936 ، لكن فؤاد سراج الدين رفض التجاوب مع هذا الطلب مؤثرا عدم الدخول فى مقامرة مع الجيش تجنبا لمزيد من الصدام مع الملك الذى كان يسعى من جانبه لفرض هيمنته على الجيش ، والتصدى لأية اتجاهات معارضة بداخله 0 واعتذر فؤاد سراج الدين عن قبول العروض الوطنية لأن الوفد يؤمن بالملكية الدستورية .

وبعد قيام الثورة كان العامل الاجتماعى هو الأسرع فى نشوب الأزمة بين الثورة ومختلف القوى السياسية السابقة بما فيها الوفد ، فقد مارست هذه القوى ضغوطها على رئيس الوزراء على ماهر الذى كلفته الثورة مما جعله يتخذ موقفا معارضا لقانون الإصلاح الزراعى  ويطرح بدلا منه الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية التى تفرض على من يمتلك أكثر من خمسمائة فدان، بينما كان مشروع القانون يقضى بتحديد الملكية الزراعية بمائتي فدان إضافة إلى مائة فدان للأسرة على أن يكون للمالك حرية اختيار قطعة الأرض التى يريد الاحتفاظ بها ويتم تعويضه عما يؤخذ منه فى شكل سندات على الحكومة .

وجرت اتصالات مجددة مع فؤاد سراج الدين ضمن ما جرى مع باقى القوى السياسية الأخرى ، وكانت اللقاءات معه تتم بواسطة جمال عبد الناصر نفسه ، لكنه أخذ يماطل ويراوغ ويصر على أفضلية الضرائب التصاعدية والتى لم تكن تكفى لحل المشكلة الاجتماعية والسياسية فى البلاد ، وأدرك جمال عبد الناصر أنه لا مجال للتفاهم مع هذه الفئة، وأنه مجرد إقطاع يضع مصالحه ومصالح الطبقة التى ينتمى إليها فوق أى مصلحة وطنية ، وبينما كانت الاتصالات جارية كان باشاوات الوفد قد اتفقوا مع باشاوات القصر الملكى وأذناب الاحتلال وتكونت فيما بينهم "رابطة الملاّك " ، تتزعمها سيدة وفدية . . . وقادت هذه الرابطة حملة ضارية ضد قانون الإصلاح الزراعى ووصفته بأنه " شيوعية حمراء " !! ، ولم يتدخل فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد ليبدى رأيه فى الحملة أو يعمل على تطويقها 0 وصدر برنامج حزب الوفد فى أغسطس 1952 دون أن يتضمن أى إشارة إلى الإصلاح الزراعى بل كان تعبيرا عن البدائل التى طرحها سكرتير الوفد ورفضها قائد الثورة ، مما أثبت لقادة الثورة أن ملكية الأرض بالنسبة لهؤلاء السياسيين الإقطاعيين تفوق فى رأيهم حرية الوطن وكرامته.

وكان أن أعفى على ماهر من رئاسة الوزارة وتولاها اللواء محمد نجيب ، وصدر قانون الإصلاح الزراعى فى التاسع من سبتمبر 1952 . وحاول الباشا فؤاد سراج الدين أن يتراجع ، ولكن الوقت كان قد فات ، وحاول البعض أن يتلمس الأعذار لتبرئة الوفد ولكن فؤاد سراج الدين لم يجرؤ على الإنكار ، فقد كانت كل المفاوضات والحوارات مسجلة فى محاضر رسمية .

كان مجال الصدام الآخر مع الثورة متمثلا فى إصرار الوفد على الاحتفاظ بنفس أفكاره وأساليبه السابقة ، والتطلع للمشاركة فى الحكم على أساسها 0 ورغم واقعية النحاس فى تفهم الوضع الجديد إلا أنه كان يتصور أن الوزارة سوف تعرض عليه ، وأن تعيين على ماهر هو مجرد تعيين مؤقت ، وقد شهدت الأسابيع الأولى للثورة كما أسلفت جدلا واسعا داخل مجلس قيادة الثورة حول الأسلوب الأنسب للحكم ، وهل يثير تسليم الحكم للأحزاب بعد إجراء انتخابات نيابية وهو اتجاه كان يتبناه جمال عبد الناصر ، أم تواصل النخبة العسكرية الجديدة ممارستها للحكم حتى يمكن تحقيق كل الأهداف السياسية والاجتماعية التى جاءوا من أجلها ، وكان الحل الوسط الذى توصلوا إليه بعد إعلان عبد الناصر انسحابه هو مطالبة الأحزاب السياسية بتطهير صفوفها وتنقية برامجها لتتواءم مع الأوضاع الجديدة تمهيدا لدخول الانتخابات بعد فترة انتقالية قصيرة ، ومرة أخرى لم تظهر هذه الأحزاب وفى مقدمتها الوفد أى استعداد جدى لقبول التغيير وركزوا على العكس على الجوانب الشكلية والمظهرية ، وقاد ممثلهم والمعبر عنهم أحمد أبو الفتح حملة صحفية تنادى بالتعددية السياسية والنظام الحزبى ، وتناول إنذار مجلس قيادة الثورة . . . بكثير من التجريح مما كان له أثره فى النهاية فى إقناع كل أعضاء القيادة الجديدة بمن فيهم جمال عبد الناصر باستحالة تحقيق أهداف الثورة بالتعاون مع نفس القوى التى أفسدت الحياة السياسية فى مصر على مدى العهود السابقة .

وتحولت المعركة بين سكرتير حزب الوفد وبين الثورة إلى صراع طبقى مستميت أستمر حتى يوم وفاته سنة2000 ،

والكل يعلم أن سكرتير الحزب يعلن دائما أنه لا يعترف بالفترة من 23يوليو1952 حتى 28سبتمبر1970 ، وأنها بالنسبة له لا تحسب ولابد أن تحذف !!!  ، كما أن الوفد يرى دائما أنه الأمة ، وأن ما عداه دخلاء على هذه الأمة، ولم يحد عن هذه القاعدة منذ أول وآخر حكومة ائتلافية اشترك فيها فى أواخر العشرينات .

وحدث أن معظم القواعد الحزبية فى معظم الأحزاب القديمة قد انصرفت عن أحزابها بعد صدامها مع الثورة وانحازت إلى الثورة .

وكان أن انسحبت القوى الحزبية تدريجيا من الحياة السياسية أمام عاصفة التغيير التى أثارتها ثورة يوليو1952 ، وانتقلت بعض عناصرها إلى منفى اختيارى فى الخارج ، ثم قدمت نفسها أداة طيعة للقوى الاستعمارية المعادية للثورة، وأنشأت إذاعة مصر الحرة بتمويل بريطانيا وإشرافها الكامل ، والتى ظلت تدس سمومها ضد النظام السياسى وقيادة جمال عبد الناصر لسنوات طويلة بعد ذلك .

وبعد تأميم شركة قناة السويس واجتياح طوفان حماس جماهير الشعب كله ، حدث أن ذهب وفد من شباب الطليعة الوفدية وعلى رأسهم واحد من أبرزهم هو أبوبكرحمدى سيف النصر وطالبوا زعيم الوفد مصطفى النحاس بإعلان تأييد التأميم وإصدار بيان بذلك يمكن أن يمهد لمصالحة جديدة بين الثورة وزعيم الوفد مباشرة ، لكن النحاس أعلن أنه بصفته الشخصية يؤيد تماما قرار التأميم ، ويؤيد الثورة بوجه عام ، لكنه بصفته زعيم الوفد لابد أن يجتمع بالهيئة الوفدية لكى يصدر عنها البيان السياسى ، واتصل هؤلاء الشباب بسكرتير حزب الوفد فؤاد سراج الدين لكنهم صدموا بمعارضته للفكرة أساسا ورفضه عقد أى اجتماع، بل قام بالتعقيب بتصريحات علنية يؤكد فيها أن قرار التأميم كان خطأ وتهورا ، ولم يعد أحد من شباب الطليعة الوفدية إلى الحزب بعد هذا اللقاء .

لقد كان البعد الاجتماعى هو نقطة الصدام الحقيقية بين الثورة والوفد ومع سائر القوى الحزبية الأخرى ، ذلك أن هذه القوى كانت تستمد نفوذها السياسى من واقع سيطرتها على النسبة الكبرى من مصادر الثروة الاقتصادية فى البلاد وبخاصة الأراضى الزراعية ، وتعمل على استثمار هذا الوضع فى سبيل فرض هيمنتها على العملية السياسية بالكامل ، يؤكد ذلك نسبة مشاركة ملاك الأراضى والرأسماليين الكبار فى مجالس الوزراء والمجالس النيابية المتعاقبة ومجالس إدارات الشركات الكبرى إلى جانب سيطرتهم على المواقع المهمة والحساسة فى الدولة ومع موجة التغيير التى جاءت بها الثورة والرغبة فى إعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية بما يكفل استرداد الأغلبية المسحوقة لحقوقها فى الثروة والسلطة ، فلم يكن من السهل إقامة تعايش مع هذه القوى التى تعمل فقط للمحافظة على مكتسباتها ومصالحها.

ولا يفوتنى أن أنوه فى هذا المجال عن أنه لم يكن غريبا أن يكون دليل حزب الوفد "ملكى" يؤمن بالملكية وبأسرة محمد على الكبير . وليس عجيبا أن يكون المستشار الإعلامى والسياسى للحزب صحفى قضى تسع سنوات فى السجن بتهمة الجاسوسية ، وأمضى زهرة شبابه ضد الوفد وسكرتيره وبنى كل شهرته ومجده فى الدفاع عن الملك فاروق والقصر . كما أنه ليس عجيبا أن يكون كاتب الحزب الأول مديرا سابقا لفندق قى سويسرا تملكه المخابرات المركزية الأمريكية ومديرا سابقا لمحطة إذاعة فرنسية ضد ثورة الجزائر ، وسمسارا ومدير دعاية وترفيه لملوك وأمراء النفط . وبالمناسبة فقد كان مثل اللورد هاو هاو البريطانى الخائن الذى كان يذيع من محطة إذاعة برلين ضد وطنه خلال الحرب العالمية الثانية . فمن أين كان يصرف اللورد هاو هاو المصرى على إذاعته وهو يقول انه عاش مع أسرته فى الخارج أيام الرئيس عبد الناصر لا يملك مالا ولا جنسية ؟ من أين كان يصرف على إذاعته ونشاطه فى أوروبا ؟ 

من أين كان يحصل على المال ليعيش فى أفخم فنادق أوروبا بل ويمتلك ابن شقيقته الهارب فندقا فى أسبانيا من ذوى النجوم الخمسة  ؟ 

لم يقل لنا أحد منهم كيف تكونت ثروة أسرة أبو الفتح التى امتلك عائلها أسهما فى شركات كثيرة وساهم فى إنشاء بنك القاهرة  ؟ 

نحن نعلم ، والجميع يعلم أن أحمد أبو الفتح بدأ حياته محررا فى صحيفة الأهرام، وباع ما ورثه من أطيان قليلة ليساهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه لإنشاء جريدة " المصرى " ، وشاركه فى قيامها كريم ثابت باشا أحد خدام الملك فاروق، والصحفى محمد التابعى الذى كان من أصدقاء الملك فاروق أيضا .

تكونت ثروة أبو الفتح من التجارة فى الورق فى السوق السوداء خلال الحرب العالمية الثانية ولما اشتد عودها ساندتها إعلانات الشركات الأمريكية والبريطانية .

لقد فوجئ المصريون بالوفد يتحالف بل ويندمج مع الإخوان المسلمين وداس على تاريخه. وشن الإخوان المسلمين منذ البداية حربا على الوفد وتحالفوا مع كل القوى السياسية ما دامت هى ضد الوفد ـ وحينما احتج جناح داخل الإخوان المسلمين ونادى بالتعاون مع الوفد طردوا وفصلوا من الجماعة 0 ولم يكن انضمام الإخوان المسلمين إلى الوفد الجديد مجرد انتهازية متبادلة فقط ولكن تعبئة لكل قوى اليمين العلمانى والدينى والسلفى فى تنظيم واحد يحمى المصالح الكبيرة والمدن الحرة ويحفظ مصر فى فلك الغرب الأمريكى وممالك النفط .

إن ما صنعته ثورة يوليو لم يكن وحيا إلهيا ، لكنها نقلت نبض الشعب إلى ساحة العمل الوطنى، ولم يدع لا الرئيس عبد الناصر ولا غيره من قادة الثورة أنهم هم بداية الحركات الوطنية فى مصر ، لكنهم قالوا بأن الثورة هى أداة التحول التى امتلكها الشعب من خلال قواته المسلحة لتغيير واقعه 0

لعلنا كلنا نذكر أن أهم وأبرز شعار رفع قبل ثورة يوليو من جميع الأحزاب السياسية التى كانت متحكمة فى الحياة السياسية، وفى أرزاق هذا الشعب كان مقاومة الفقر والجهل والمرض، وهو ما كان حزب الوفد بصفة خاصة يطنطن به ليل نهار سواء كان يحكم أو كان خارج الحكم، وكان من أشهر الحملات التى قادها هذا الحزب أيضا ما سمى " مشروع الحفاء"، وكان أشهر الأمراض هو البلهارسيا التى تنتقل من الماء إلى الأقدام الحافية ، وكانت مصر تعتمد على محصول واحد هو القطن الذى احتكر زراعته الإقطاع – كان معظم زعماء الوفد من الإقطاعيين- لصالح مصانع لانكشاير !!.

الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أخرجت الإنجليز الذين كانوا سيخرجون فيما بعد ، وأن الثورة أممت شركة قناة السويس، وكان عقدها سينتهى فيما بعد سنة 1968 !!!.

الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أصدرت قانون الإصلاح الزراعى الذى كان شعارا مرفوعا من قبل الثورة !

الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها نادت بالقومية العربية والنحاس باشا شارك فى تأسيس الجامعة العربية، كما نادى النحاس باشا بالحياد فى حرب كوريا فالحياد الإيجابى ليس شيئا جديدا.

والقروض أيام عبدالناصر لم تتعدى مليارين من الدولارات بما فيها قروض السد العالى والتصنيع وتسليح القوات المسلحة .. كل القروض فى عهد الرئيس عبد الناصر كانت قروض لأغراض إنتاجية، ولم تكن قروض لسلع استهلاكية، وتحول الاقتصاد المصرى بناء على ذلك من اقتصاد زراعى إلى اقتصاد زراعى وصناعى 0

الوفد يرى أن السد العالى كان وبالا على مصر، وأنه لا فائدة منه طالما أننا تركنا إسرائيل تصنع القنبلة الذرية وتهدد السد ، بل إن الوفد يرى أن مصر مسئولة عن تنفيذ إسرائيل لخط أنابيب أشدود وإنجاز صناعة بتروكيماوية وأسطول تجارى ، وكأن مصر وحدها هى التى تمتلك مفاتيح السياسة العالمية، ولم يقل لنا الوفد كلمة واحدة عن حماية السد العالى لمصر سنوات طويلة من آثار الفيضانات العالية أو نقص المياه فى حالة الفيضان المنخفض مما كان يسبب كوارث فى كلتا الحالتين 0

الوفد ينظر للثورة بعين واحدة ومن زاوية واحدة، وينكر على الشعب المصرى كفاحه ضد المستعمر البريطانى وضد إسرائيل، وطموحه فى مجتمع أكثر تقدما يستطيع المواطن العادى أن يحصل على كافة حاجاته الأساسية من تعليم وصحة ومسكن وملبس؛ مما انعكس على ارتفاع نسبة المواليد، وارتفاع مستوى الأعمار للمواطن المصرى دون ما الدخول فى تعقيدات الإحصائيات وغيرها من الكلام الكبير .. بنظرة قصيرة على إنجازات الوفد وإنجازات ثورة يوليو يمكن للفرد العادى أن يحكم على من كان يعد ولا ينفذ، ومن كان يحقق أمانى المواطن البسيط فى حياة كريمة، على أرض وطن حر قوى.

 

إن هذه العنتريات التى تكتب الآن ليست إلا من قبيل تصفية حسابات .. لا تبدد من رصيد الرئيس عبد الناصر بقدر ما تبدد من رصيد مصر الإسلامى والعربى والإفريقى والدولى. وإن هذه العنتريات فى نظرى هى نوع من السقوط الأخلاقى يقع فيه كل من تعميهم وتغيبهم أحقادهم عن رؤية الحقيقة، وتسول لهم أنفسهم تشويه الحقائق.

والآن ليس من الصعب الحكم على من أساء إلى من ؟ هل الوفد الذى أساء لثورة يوليو ولمصر والأمة العربية أم العكس ؟ ومن الذى أساء إلى مصر وإلى التاريخ وحتى تراث الوفد نفسه  ؟

 

 

 

Graphic by Martin

 


Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US