Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 

سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر

ـ الكـتاب الـثانى ـ

ـ الباب الثالث عشر ـ 

بقلم

سامى شرف 

 

Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

حكاية إعادة تنظيم القضاء

ـ آخر تعديل مارس 2005 ـ

ـ 13 ـ

 

لقد كتب الكثير حول ما أطلق عليه " مذبحة القضاء "

ومن كتب أو تحدث هم من الذين عاصروا الحدث أو من الذين يعتقدون أنهم أضيروا أو من بعض ثالث يريد أن يثبت بطولة اثناء هذه المرحلة أو من بعض رابع للأسف شارك فى مراحل اتخاذ القرار بإعادة تنظيم القضاء ولكنه يساير الزفة الآن لأسباب غير معروفة وتبدو غريبة فعلا .

وقامت مؤسسة أخبار اليوم بتبنّى حملة صحفية استمرت لفترة كان محورها أن جمال عبد الناصر فصل المئات من القضاة لأنهم رفضوا أن يصدروا أحكاما تتفق مع مزاجه . . هكذا !

والمعركة ببساطة شديدة هى سياسية بالدرجة الأولى ، ولم تكن أبدا ـ والله يشهد ـ أنها كانت تدخلا فى العدالة .

المعركة تبناها فئة معروفة بالاسم كانت تقاتل حتى لا تعمل بالسياسة ، وجاء عدوان 5 يونيو 1967 فوجدت هذه المجموعة أن الفرصة ـ بما هيئته الظروف ـ قد سنحت لكى تتدخل فى السياسة لتصفى حسابات مع ثورة يوليو 1952 ، وبدت هذه المجموعة ـ سواء بقصد أو بدونه ـ تتخذ مواقف رافضة للنظام فى اخطر سنوات مرت بالبلاد فى ظل نزيف فى أعماق كل بيت .

وللأسف فإن مسئولا رسميا لم يتكلم حتى الآن عن هذه القضية الهامة ، ولقد كان هناك أعضاء مجلس الوزراء من الذين شاركوا فى مناقشة هذه القضية وعاصروها ، وهناك محاضر رسمية وتسجيلات لجلسات مجلس الوزراء ، وهناك وثائق وتقارير لجان شكلت لم تر النور حتى الآن .

لم تكن إعادة تنظيم القضاء اغتيالا سريا ، بل كانت لها مقدمات ، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يتابع تطوراتها ، وكان هناك مسئولون على مختلف المستويات عاصروا الأحداث وشاركوا فيها .

عموما فإن المسئولية الحقيقية تقع على عاتق من يكتبون التاريخ وأنا لست منهم .

أعود لأقول أن كل ما كتب حتى الآن بما فى ذلك كتب صدرت من مطابع مجهولة ولم يرد اسمها على غلاف الكتاب فى الوقت الذى حملت فيه صفحات بعضها وثائق أو هكذا ادعى كاتبها أنها وثائق

كما تحدث البعض فى الفضائيات ومع معدّين بذاتهم وانطلق أغلبهم من موقع شخصى بحت ولا يروى من القصة إلا الجزء الذى يصوره وكأنه بطل ، وانه المدافع الوحيد عن العدالة التى أراد أن يفترسها جمال عبد الناصر الذى افترس كل شىء جميل فى هذا البلد الطيب .. ! !

قد يكون بعض من هؤلاء قد أضير عندما أعيد تنظيم القضاء وهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبى " المخوزق يشتم السلطان " ، لكن يبقى مع ذلك أن الأمانة تقتضى أن تروى الوقائع كاملة كما لا يجب ألا تعزل عن ظروفها ودوافعها وخلفياتها .

إن جمال عبد الناصر هو أول من رفع شعار " سيادة القانون " باعتبارها الضمان الأكيد للديموقراطية ، فكيف يذبح حراس هذا القانون ؟

إن من هؤلاء الذين كتبوا وتحدثوا ظلوا يحتلون لآخر لحظة من عمرهم الوظيفى مناصبهم فى سلك القضاء ، وخرجوا قبل أيام من بلوغهم السن القانونية للتقاعد ، وخرجوا يقولون ويدّعون أنه لم يكن هناك احترام للقانون ، ولم يقولوا ماذا فعلوا بحكم وظائفهم ومسئولياتهم لإقرار العدالة وقد كانوا الأمناء عليها ، ولماذا لم يقدموا استقالاتهم ، أو حتى يقولوا لوزيرهم أو المسئولين عنهم رأيهم هذا .

ماذا يقال عن رجل مفترض فيه أنه بحكم مهنته إقرار العدالة والمحافظة على حقوق الشعب ، ثم استمر يمارس عمله أليس من حقنا أن نسأل أين ضمير رجل العدل ؟ !

وأن نقول أيضا إذا كان لديك ضمير ووقائع وإدانات ، فلماذا لا تتصرف كما يمليه عليك ضميرك وواجبك ؟ لماذا تسأل وتستشير والقانون يعطيك حق التصرف دون أن تستشير أحد ؟. . ماذا فعلت ؟ ولماذا سكت ؟ ولماذا لم تستقل ؟

كانت هذه مقدمة لابد منها

وأعود فأقول لقد كانت رؤية الرئيس جمال عبد الناصر للقانون وكما جاء فى ميثاق العمل الوطنى الذى صدر فى مايو سنة 1962 كالآتى :

" إن القانون فى المجتمع الحر خادم للحرية وليس سيفا مسلطا عليها . "

وإن الكلمة الحرة ضوء كشاف أمام الديموقراطية السليمة ، وبنفس المقدار فإن القضاء الحر ضمان نهائى وحاسم لحدودها . "

" وحرية الكلمة هى المقدمة الأولى للديموقراطية ، وسيادة القانون هى الضمان الأخير لها . "

" وسيادة القانون تتطلب منا الآن تطويرا واعيا لمواده ونصوصه بحيث تعبر عن القيم الجديدة فى مجتمعنا . "

إن كثيرا من المواد التى ما زالت تحكم علاقاتنا الاجتماعية قد جرت صياغتها فى جو اجتماعى مختلف ، وإن أول ما ما يعزز سلطان القانون هو أن يستمد حدوده من اوضاع المجتمع المتطورة . "

" إن القانون أيضا ، وهو فى حد ذاته صورة من صور الحرية ، لابد أن يسايرها فى اندفاعها إلى التقدم ، ولا يجب أن تكون مواده قيودا على تصدر القيم الجديدة فى حياتنا . "

وفى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى سنة 1962 طرح الرئيس جمال عبد الناصر وجهة نظره بوضوح فى أمور خمسة ردا على سؤال لأحد أعضاء المؤتمر وهى وذلك بعد مناقشة طويلة مسجلة فى محاضر رسمية نشرت فى الجريدة الرسمية لوقائع مناقشات المؤتمر القومى للقوى الشعبية والذى أقر ميثاق العمل الوطنى فى 22 مايو1962 ، كما كانت هذه المناقشات مذاعة على الهواء ونشرت في جميع الصحف كاملة . ومن ضمن ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر عن علاقة الدولة بالاتحاد الاشتراكى وعلاقتها بالقضاء ما يلى :

" . . لابد أن نحدد العلاقة بين الاتحاد الاشتراكى والدولة لأننا لا نستطيع أن نفصل الدولة عن الاتحاد الاشتراكى ولا يمكن أن ننسى أن هناك تناقضا فى المجتمع ولا يمكن أن نترك هذا التناقض . . فقد يجتمع الأطباء فى وزارة الصحة مثلا ويقولون أنهم مستقلون . إن مستشفى القصر العينى – بما فيه من فساد مستقل أيضا – وكيف تكون الدولة مسئولة وكل واحد فيها يقول أنه مستقل؟ . . ثم . . اهو الإستقلال ؟ إن استقلال القضاء مثلا الذى يتردد كثيرا ، نجد فى حالته أن رئيس الجمهورية هو الذى يعين رؤساء المحاكم وله حق توقيع الحركة القضائية لاعتمادها وله كذلك ألا يعتمدها . ووزير العدل هو الذى يعرض هذا الموضوع . . فهل هذا تدخل فى استقلال القضاء ؟ إن استقلال القضاء المقصود به ألا تتدخل الدولة فى حكم القاضى و ألا تهدده بالفصل مثلا إذا لم يحكم بشكل معين فى قضية ما . . هذا هو استقلال القضاء ، وهو أساس التعامل بين الناس .

أما إذا قلنا إن الجامعة مستقلة والقضاء مستقل فإنه لا داعى لوزارة التعليم العالى ووزير التعليم العالى إذن . . وكذلك فإنه لا يكون هناك داع لوزير العدل . . بل لا يستطيع مجلس الأمة أن يناقش موضوعا مثل موضوع الجامعة لأنه لا يوجد مسئول من الجامعة فى السلطة التنفيذية وبالتالى لا يمكن أن يوجه المجلس سؤالا إلى الحكومة عن التطور الجامعى كما حدث مثلا لأن الجامعة مستقلة عن الحكومة وعن الدولة .

إن الدولة الاشتراكية مسئولة عن كل شىء . . والجامعة مثلا يمكن أن تكون مستقلة لو كانت تدار برأسمال خاص والحقيقة أن الدولة هى التى تمول الجامعة وتشرف عليها .

بل إننا لم نترك اليوم مصنعا مستقلا استقلالا ذاتيا كاملا ، فنحن نرسل ميزانية كل مصنع إلى مجلس الأمة لكى يراجعها . . فكيف يمكن – فى هذه الدولة المسئولة عن كل شىء – أن تقول إن الجامعة مستقلة ولا شأن للدولة بها ؟ 

ولو كانت الجامعة مستقلة فإنه لا يمكن أن يناقش موضوع الجامعات فى مجلس الأمة لأنه على هذا الأساس كيف يناقشه والجامعات مستقلة ؟ . . ونقول أن القضاء مستقل لكنه مستقل من ناحية الأحكام . . أما التنقلات والتعيينات واختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى وكل هذه الشئون فإنها تسير وفق التنظيم العادى . . أى أن الأمور فى هذه النواحى تخضع للناحية التنفيذية والقضاء مستقل من ناحية الأحكام وضمانها .

كذلك فإنه لا توجد أية جامعة فى العالم مستقلة لا فى الدولة الرأسمالية ولا فى الدولة الشيوعية . . فالجامعات فى الدول الرأسمالية يديرها أصحاب النفوذ فى الطبقة الرأسمالية وتتبع الجامعات فى الدول الشيوعية نفس الشىء . . أى يسيطر عليها أصحاب النفوذ والسلطة فى الدولة الشيوعية .

بالنسبة للسلطة القضائية : باستمرار من أول الثورة كنا بنعطى للسلطة القضائية كل تقديس . . وأنا بأقول لكم هنا من أول يوم لم أتدخل . . وبأعتبر أن صمام الأمان فى البلد كان القضاء بطريقة تدعو لأن نفخر بها . . وأنا

طول السنين اللى فاتت . . العشر سنين–

لم أتدخل . . و يوم ما كان فيه حاجات سياسية . . كنا بنعمل محكمة ثورة

ثم بلور وجهة نظره فى مسألة القضاء فى خمسة نقاط على سبيل التحديد وهى :

أنه يرى أن نظرية فصل السلطات غير مطبقة فى أى بلد من بلدان العالم .

أنه يقدس القضاء ويحترمه ويعتبره صمام الأمان فى مصر ، وأن هذا الرأى اتخذ منذ اليوم الأول للثورة ، وأن القضاء المصرى مدعاة للفخر والاعتزاز .

أن الثورة أقامت محاكم خاصة لعدد من القضايا السياسية رغبة منها فى إبعاد القضاء عن الانغماس فى السياسة .

أن الثورة لم تتدخل فى القضاء أبدا طوال سنوات عمرها .

أن موضوع إشتراك القضاة فى الاتحاد الاشتراكى ـ وهو ليس حزبا ـ يمكن ان يكون فى إطار خاص به ، وعلى كل فقد تركه للجنة التى تبحث أمور تشكيل الاتحاد الاشتراكى .

ويؤكد الرئيس جمال عبد الناصر هنا أيضا أن القضاء كان مشاركا فى مجالات العمل التى خاضتها الثورة ، وكانت هناك لجان يدخل القضاة فى عضويتها لكى تضبط أى إجراءات تنفيذية لقرارات الثورة ، ومن أبرز هذه القرارات والقوانين ، قانون الإصلاح الزراعى واللجنة العليا لتصفية الإقطاع واللجان الفرعية المنبثقة عنها ولجان الحراسات التى كانت تقوم فى كل عضويتها على المستشارين والقضاة .

ولم تصدر أى شكوى أو نقد من رجال القضاء ، ولم يثر ، ولو مرة واحدة ، أن أحدا من رجال القضاء اتخذت الدولة منه موقفا نتيجة لقول تفوه به ، أو أنه حكم بغير ما يمليه عليه واجبه وضميره كرجل عدل ورجل قانون ، أو أن الدولة حرضت أحدا أن يصدر حكما بعينه . . فالدولة كانت حريصة باستمرار على وضعية القضاء وعلى استقلاليته وتوفير المناخ الملائم لأداء رسالته بعيدا عن أى تيارات أو انحرافات . 

وفى إبريل سنة 1963 شرح الرئيس جمال عبد الناصر وجهة نظره فى موضوع الفصل بين السلطات من خلال اجتماعات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق ـ وكان من الحضور جهابذة فى القانون والسياسة ـ وقال :

" أنا أعتبر أن عملية الفصل بين السلطات خدعة كبرى . . ليه؟ . . لأن الحقيقة إنه ما فيش حاجة اسمها فصل السلطات ، لأن اللى عنده الأغلبية فى البرلمان هو اللى بياخد السلطة التنفيذية . . والتشريعية . . إذن القيادة السياسية اللى عندها الأغلبية ، يبقى فى إيدها السلطة التشريعية وإذا أصبح فى إيدها السلطة التشريعية بالتالى أصبح فى إيدها السلطة القضائية ، لأن السلطة القضائية خاضعة للسلطة التشريعية مهما قالوا إنها مستقلة . . وإن الكلام ده اللى طلع فى فرنسا أيام مونتسيكيو على فصل السلطات كلام نظرى ولكنه واقعا لم ينفذ . . نأخذ إنجلترا كمثل ، حزب المحافظين دخل الانتخابات أخذ الأغلبية فى البرلمان . . بقت السلطة التشريعية فى إيد مين ؟ . . حزب المحافظين . . حزب المحافظين ألف الوزارة ، بقت السلطة التنفيذية فى إيد مين ؟ . . فى إيد حزب المحافظين . . إزاى هنا بنقول فصل السلطات . . إذا فقد الأغلبية فى السلطة التشريعية بالتالى بيحصل إيه ؟ . . لازم يسقط من السلطة التنفيذية . . إذن اللى عايز يحتفظ بالسلطة التنفيذية يجب أن يحتفظ بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية . . إذن القيادة للاثنين واحدة . . مبدأ فصل السلطات عملية فى الكتب ولكنها غير موجودة واقعيا أبدا . . والبلد الوحيد اللى ممكن يحصل فيه هذا الموضوع هى الولايات المتحدة الأمريكية ولو إنه بينتج عن هذه الحقيقة تضارب كبير فى العمل ، وفيه أحد رؤساء الولايات المتحدة سمّوه الرئيس " فيتو " كل قرار بييجى له من المجلس. . ماعندوش أغلبية فى المجلس. . يعمل عليه "فيتو" ويرجّعه وبيحاولوا لغاية دلوقتى يتغلبوا على هذه المشكلة بأن الرئيس ما يقدمش قرار إلا بيجيب الكونجرس من الحزبين وبياخذ القرار نتيجة التشاور مع الكونجرس "

كانت هذه هى النظرة الموثقة نحو القضاء والقانون .

ولم يعترض أحد من القضاة على هذا الكلام منذ سنة 1962

وأستطيع أن اقول بكل جرأة وبشىء من التحد أيضا ، أن جمال عبد الناصر لم يتدخل قط فى القضاء بل حافظ على استقلاله وقدمت قضايا كثيرة للمحاكم تحدث عنها عبد الناصر باعتبارها تتناول أخطاء ضد المجتمع ، كما أدان فى خطاباته بعض من اتهموا ولكن القضاء برأهم . وعلى سبيل المثال قضية وكيل وزارة الزراعة الذى اتهم فى قضية رشوة وجاء القضاء وقال أنه برىء وعاد الرجل إلى عمله . ولعلنا كلنا نذكر قضية كمشيش وأن الاتجاه العام كان نحو إدانة عائلة الفقى فى مقتل صلاح حسين ، واتخذت هذه القضية أبعاد سياسية كبيرة ، ولكن القضاء حكم بأن عائلة الفقى لم ترتكب جريمة القتل وبرأها القضاء ، بل أدان كذلك إجراءات التعذيب التى وقعت على هذه العائلة وكان القاضى الذى أصدر هذا الحكم عضوا فى التنظيم الطليعى للاتحاد الاشتراكى .

كان هناك تعاون مخلص وجاد مع القضاة الذين بادلوا الثورة هذا الإخلاص واشترك القضاة فى كثير من اللجان التى شكلتها ضمانا للعدالة منذ بداية الإصلاح الزراعى اللجنة العليا لتصفية الإقطاع التى ساهم فى أعمالها عددا من المستشارين وكانت كل حالة تعرض عليها كانها قضية توضع أمام محكمة يقررون الرأى القانونى قبل إصدار القرار ، ولجان الحراسات كانت كلها من المستشارين والقضاة ضمانا للعدالة . ولم نسمع أى شكوى من رجال القضاء بأن الدولة قد تدخلت فى أعمالهم . كما لم تتخذ الدولة موقفا من احد منهم لأنه أخل بعمله مثلا أو أنه حكم بغير ما يمليه عليه واجبه كرجل عدل ، وأسأل بدورى ، هل طلبت الدولة من قاض أيا كان أن يصدر حكما لا يرضى هو عنه أو حكما يخالف القانون او ضمير القاضى نفسه . وهذا لم يحدث بالقطع .

بالنسبة للقضايا السياسية فقد رأت الدولة أن تشكل محاكم خاصة كمحكمة الثورة ومحكمة الغدر بعيدة عن القضاء العادى أو باشتراكه ، وكان القضاة من أعضاء مجلس الثورة ، كل ذلك حتى لا تتدخل الثورة فى القضاء ، وسواء كان ذلك سليما أم غير سليم فقد كان القانون يعطى الدولة هذا الحق وقد مارسته ، وقال الرئيس عبد الناصر كلمته بأن فى هذا إبعاد للقضاء عن السياسة .

وكان طوال الوقت منذ قيام الثورة هناك مكتب للشئون القانونية " المكتب الفنى " ، يتبع رئيس الجمهورية مباشرة يعمل به مجموعة من المستشارين القانونيين من مختلف أفرع القضاء ومجلس الدولة والنيابة العامة ، وكان هذا المكتب يراجع كل التشريعات والقرارات قبل إصدارها وكان يستشير الهيئات القضائية والقانونية المعنية فيما يعرض عليه ، وكان يراجع القضايا و الأحكام التى كانت تخضع لتصديق الحاكم العسكرى العام قبل أن يصدق عليها رئيس الدولة .

وعلى جانب آخر فلقد قام البعض من كبار رجال القضاء بارتكاب أخطاء وكان النظام يقوم ـ عن طريق وزير العدل ـ من المستشار أحمد حسنى أول وزير للعدل بعد الثورة إلى السادة فتحى الشرقاوى ومحمد أبو نصير وعصام الدين حسونة وغيرهم ، باستدعاء المخطئين بواسطة التفتيش القضائى ويواجههم بما هو منسوب إليهم ويطلعهم على ما يثبت الأخطاء وكثيرا ما كان القاضى المنسوب إليه هذه الأخطاء يتقدم بالاستقالة فى صمت وبدون إعلان من جانب النظام حرصا على بقاء الصورة العامة للقضاء على نقائها .

و لقد أوقع السيد المستشار رئيس محكمة النقض الدولة فى حرج أكثر من مرة . المرة الأولى عندما كان عضوا فى وفد قانونى رسمى سافر للخارج ليمثل مصر فى أحد المؤتمرات القانونية الدولية وقابل أحد أقارب الرئيس كنيدى فدعاه لزيارة مصر ، وكانت العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية مقطوعة ، وكان موقفا حرجا للدولة . . فالدعوة حكومية ، والعلاقات مقطوعة بين البلدين بما يمكن أن تفسر الدعوة تفسيرات سياسية لم تكن واردة فى ذلك الوقت . وانتهى البحث إلى أن تستقبل وزارة السياحة قريب كنيدى حتى لا تحرج رئيس محكمة النقض الذى وجه الدعوة ولا تحرج الدولة التى لا تتبادل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والتى كان موقفها معها حادا . ويبدو أن السيد المستشار رئيس محكمة النقض لم يقتنع بهذا المنطق واعتبر أن ذلك موقفا شخصيا من وزير العدل ـ السيد محمد أبو نصير ـ ضده لأنه هو الذى وجه الدعوة ، وردا على ذلك فقد أرسل مدير مكتبه ليستقبل قريب كنيدى فى المطار ويرافقه بسيارته الحكومية ، وسكت وزير العدل !

لكن الأزمة تكررت مرة ثانية عندما وجه نفس المستشار رئيس محكمة النقض الدعوة الرسمية إلى رئيس محكمة سيلان لزيارة مصر . ولم يكن من المعقول أن يوجه أى مسئول الدعوة باسم الحكومة دون الرجوع لأحد ، فتلك أمور لابد أن هناك قواعد تنظمها ، فليس من المنطق أن يسمح لأى موظف كبير مهما بلغت درجته أن يوجه الدعوة لم يشاء من الأجانب لزيارة البلاد فقد ينتج عن ذلك أضرار جسيمة ، وقد يكون الشخص المدعو معاديا للبلاد أو للنظام . . وحتى الوزير لا يملك هذه الدعوة الشخصية قبل موافقة رئاسة البلاد ووزارة الخارجية ، هذه الاعتبارات والأصول تغاضى عنها السيد المستشار رئيس محكمة النقض ـ عمدا أو بدون قصد ـ ذلك أمر مرفوض . ولقد بعث السيد وزير العدل برسالة إلى السيد المستشار رئيس محكمة النقض يطلب منه ألا يتصل بجهات خارجية إلا عن طريق وزارة العدل التى تقوم بالاتصال بوزارة الخارجية التى يتم عن طريقها أن تأخذ الدعوة مسارها الرسمى .

وهناك حقيقة هامة هى أن الرئيس أنور السادات كان بطل هذه القضية وصانعها فقد كان هو رئيس اللجنة التى اقترحت تطهير القضاء وأعد هو وبخط يده ، والذين كانوا معه قائمة بأسماء الكثير من القضاة طالبوا بتطهيرهم ، ولم يستجب لطلبهم . ويجىء الرئيس السادات بنفسه ويعلن فى نادى القضاة بعد ذلك أثناء توليه الرئاسة ويوجه خطابه للقضاة قائلا لهم: " أصحاب المقام الرفيع القضاة ! ! " وهو لم بكن بالقطع يعنى ما يقول خاصة عندما أعلن " أن عهد ذبح القضاة قد انتهى وانه جاء عصر تكريمهم ! ! " وكان هو الذى أراد ذبح القضاة كما سيتضح فى السطور الآتية . 

الوضع كان يتلخص فى الصورة التالية :

كان النظام لا يريد دخول القضاء فى السياسة ، وكان يعتبر أنه موضوع مؤجل ، كالقوات المسلحة والشرطة .

وأن نادى القضاة وهو مؤسسة اجتماعية صرفة ، دخل الملعب السياسى سواء بنشاط بعض أعضائه ، أو باستغلال مجلة القضاء فى مقالات ذات طابع سياسى .

إن ترك الأمور بهذه الصورة يعنى إصابة النظام ككل بنوع من التفكك ، أو سهولة استغلال مثل هذا وضع خطير لإحداث فراغ أو انقلاب أو شىء من هذا القبيل خصوصا وأن هذه الفترة كانت مشحونة بنشاط داخلى وخارجى يهدف لإثارة نوع من الحرب النفسية التى أعقبت عدوان 5 يونيو 1967 والذى فشل فى إسقاط النظام .

لا ننسى أن الوضع العام بعد مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر كان يحتاج باستمرار لنوع خاص من الانضباط والجدية فى التعامل مع الأحداث والتطورات بشكل يجهض أى محاولة لإنجاح الحرب النفسية ضد المجتمع المصرى ، وبالتالى حماية النظام .

بداية الأزمة

الأزمة بدأت بعد أن أصدر نادى القضاة ـ وهو هيئة اجتماعية ـ بيانا سياسيا طبع فى مطبعة سرية بإحدى شركات القطاع العام ووزع على وكالات الأنباء والسفارات الأجنبية ، ينتقدون فيه النظام وتم توزيع هذا البيان يوم 29مارس سنة 1968 أى قبل صدور بيان 30مارس سنة1968 بيوم واحد بالرغم من اتصالات تمت بين كل من السيدين شعراوى جمعة ومحمد حسنين هيكل مع المستشار ممتاز نصار وآخرين من زملائه .

كانت هناك مناقشات قبل عدوان 5 يونيو1967 حول القضاء ودوره فى المجتمع الاشتراكى ومناقشات حول نظرية الفصل بين السلطات ، وانتهز البعض من الذين أعلنوا رفضهم الصريح العمل بالسياسة مؤثرين أن يكون للقضاء استقلاله بعيدا عن السياسة فرصة مظاهرات الطلبة عام 1968 لكى يدخلوا السياسة من أوسع أبوابها ، وأن يكون دورهم الوقوف ضد النظام فى تلك الظروف . لم تكن القضية كما حاول مصطفى أمين الذى كان متهما فى قضية تجسس ـ بعد الإفراج الصحى عنه ـ هى أن عبد الناصر ذبح المئات من القضاة لأنهم أصدروا أحكاما عادلة أغضبته . لقد رأى الرئيس عبد الناصر أن تصرف القضاة مما يستلزم وقفة خاصة بعد تصاعد الأزمة وشكلت لجنة لدراسة المشكلة واقتراح الحلول لها ، وكانت اللجنة برئاسة السيد أنور السادات الذى طلب إبعاد أضعاف العدد الذى خرج فعلا . . وهو الذى اقترح إبعاد المستشار ممتاز محمد نصار عبد الله ، وأنه لم يشر إلى وضع قواعد عامة يمكن أن تطبق . و الكشوفات التى قدمها السادات تضمنت أسماء لم تخرج لأن اللجنة التى راجعت الأسماء فى رئاسة الجمهورية أصرت على وضع قواعد لاستبعاد القضاة الذين لن يعودوا إلى مواقعهم بعد حل الهيئات القضائية وإعادة تشكيلها من جديد .

والآراء حول فصل السلطات لم تكن جديدة ، ولكن حدثت مغالطة من بعض أعضاء نادى القضاة سنة 1968 وليس فى سنة 1963 . . والمغالطة أنه حدث إدعاء جانبه الصواب من أن النظام طرح هذه المقولة ، وهم يردون عليها فى مقالات وردت فى مجلة القضاة التى تصدر عن نادى القضاة . والسؤال لماذا هذا التوقيت بالذات بعد مرور خمس سنوات، وفى العدد الثالث من مجلة القضاء نشر المستشار ممتاز نصار ( من أقطاب حزب الوفد ، وكان رئيسا للهيئة البرلمانية الوفدية فى سنة 1984 ) ، رأيه كاملا وواضحا إلا أنه نسى أو تناسى أن رأى النظام قيل قبل حرب يونيو 1967 وليس بعدها كما قال السيد المستشار . . كما أن وجهة النظر التى ترفض نظرية الفصل بين السلطات قد عبرت عن نفسها أيضا فى وسائل الإعلام . . وكان الرأى الذى يطالب بالإبقاء على نظرية الفصل بين السلطات أعتبر أن الإخلال بها هو هدم لاستقلالية القضاء فى حين أن الرأى الآخر يرى أن ذلك لا يؤثر على حرية القضاء .

وكان فى نفس الوقت أغلبية القضاة يرفضون عضوية الاتحاد الاشتراكى ، فهو اشتغال بالسياسة وهم " كسلطة مستقلة " لا علاقة لهم بالسياسة على الإطلاق .

كما أن قانون السلطة القضائية ينص فى المادة 73منه على منع اشتغال القضاة بالسياسة ، وتقول المادة " إنه يحظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية ، ويحظر على القضاة الاشتغال بالعمل السياسى " .

الحقيقة كان هناك اختلافات فى الرؤى ، ففريق من رجال القضاء يرى ويقول باستقلال القضاء وعدم تدخل أو دخول غير المتخصصين فيه ، وبأنهم سلطة لها كيانها واستقلالها ، ومن ثم فينبغى أن تتدعم هذه المفاهيم ، وتنطلق لتحقق أقصى غاياتها استقلالا ، وانطلاقا حرا فى ظل القانون0 وفريق آخر من رجال القضاء ينادى بسقوط هذه النظريات ويريد أن يدخل فى بعض مجالس القضاء أفراد من الشعب يمثلون ضمير الأمة ، وأن دولا غربية استخدمت هذا الأسلوب فى نظام المحلفين ، وأن كل الدول الاشتراكية تأخذ بهذه النظرية ، وفى ذلك دفع للعدالة وضمان أكيد لتطبيق القانون بما يتمشى مع الغرض الذى شرع من أجله ، كما أن هذه المطالب لا تمس بأى حال حيدة القضاء فى الخصومة القضائية ، ولا تمس ضمانات تحقيق العدالة ، وهو الأمر الذى تأخذ به دول عديدة فى العالم لا يمكن أن تتهم بأن قضاءها منحاز أو أنه خاضع للسلطة التنفيذية .

إذن كنا أمام نوع من الصراع المشروع بين رأيين قانونيين رأى تمثله مدرسة رافضة لكل جديد ، وأخرى ترى ضرورة التجديد ليتم التلاؤم مع المجتمع الجديد .

من المعروف أن تنظيم طليعة الاشتراكيين ، وهو التنظيم الذى أنشأه الرئيس عبد الناصر داخل التنظيم السياسى وجعله سريا ليقود العمل السياسى ، أقول هذا التنظيم شق طريقا له بين القليل جدا من رجال القضاء على سبيل التجربة ، وكان عدد من المستشارين والقضاة ورجال النيابة العامة ومجلس الدولة والنيابة الإدارية أعضاء فى هذا التنظيم برئاسة السيد محمد أبو نصير ، وكان أعضاء المجموعة القيادية المستشارين على نور الدين وعمر الشريف وعلى كامل وإبراهيم هويدى وعلى شنب ومحمد لطفى . الذين كانوا مؤمنين بأنه لابد أن يطل رجال القضاء على السياسة ويعملوا على تدعيم هذا الهدف ، ومما هو جدير بالذكر أن محكمة القضاء الإدارى قالت فى الحكم الذى أصدرته فى 26يناير1974 فى القضية رقم 707سنة19ق عليا بشرعية وجود هذا التنظيم داخل القضاء .

فى ظل هذا المناخ ووجود تيارين متعارضين ، أحدهما ينادى بضرورة انضمام رجال القضاء للتنظيم السياسى ، والآخر يصر على إبعاد القضاء عن السياسة . . أحدهما يرى أن نظرية الفصل بين السلطات شعار غير مطبق فى الواقع حتى فى فرنسا التى خرج منها الشعار ، وأن بقاؤه هو هروب من المواجهة الحقيقية للواقع المحلى والعالمى ، والتيار الآخر يرى أن فى استمرار بقاء هذه النظرية استمرار لبقاء القضاء كسلطة مستقلة ودعم لازم لكيانه . كما دارت مناقشات حول ضرورة إحياء نوع من القضاء الشعبى ، وهنا ثارت ثائرة عدد من رجال القضاء الذين يرون أن القضاء عمل لا يمارسه سوى المتخصصون وحدهم دون سواهم .

فى ظل ذلك الجدل كان مقررا أن تجرى انتخابات التجديد لعدد من أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة عام 1968 .

وللعلم فإن نادى القضاة ليس نقابة مهنية وليس تجمعا سياسيا ، ولكنه ناد اجتماعى وثقافى فقط ، كما أنه لا يضم كل قضاة مصر ، وقد أنشئ سنة1939 وكان الغرض من إنشائه كما نص قانونه على توثيق رابطة الإخاء والتضامن بين جميع رجال القضاء ورعاية مصالحهم ، وتسهيل سبل الاجتماع والتعارف بينهم ، وإنشاء صندوق للتعاون والادخار لصالح الأعضاء ومساعدة أسر من يفقدهم النادى من أعضائه ، ويقبل به أعضاء القضاء والنيابة ، والحقيقة أنه غالبا ما كانت تحدث صدامات بين القضاة فى انتخابات ناديهم نتيجة سيطرة نزعات انتخابية مختلفة وهو أمر غريب وسط مجتمع القضاة . . وما خلاف سنة1963 ببعيد حيث اختلف الوزير مع أعضاء مجلس إدارة النادى حول من يرأس النادى ؟ هل رئيس محكمة النقض ؟ بينما كان بعض الأعضاء وعلى رأسهم المستشار ممتاز نصار ضد الفكرة وهى قصة معروفة فى الأوساط القضائية .

جاء موعد انعقاد الجمعية العمومية لنادى القضاة يوم الثامن والعشرين من مارس1968 وكان جدول الأعمال يتضمن المسائل التقليدية لأية جمعية عمومية لناد اجتماعى ثقافى وإجراء انتخابات ثلث الأعضاء التى تمت بالتزكية تقريبا 0والغريب أنه فى هذا الاجتماع تلى مشروع بيان تصدره الجمعية العمومية التى أقرته وسط تصفيق حاد من الحاضرين .

كان هذا البيان معدا ومطبوعا من قبل انعقاد الجمعية العمومية ووزع على الأعضاء قبل انعقاد الجمعية العمومية ، إلا أن الشىء الملفت للنظر أن البيان لم يعد بمعرفة مجلس إدارة النادى كما هو مفروض رسميا وعرفا -وأن أعضاء المجلس فوجئوا بالبيان ، وأن أحدا من النادى لم يأذن بطبعه ، وأن مجلس إدارة النادى قد كلف وكيل النادى المستشار الصادق المهدى ورئيسه بكتابة بيان تتضمن خطوطه الرئيسية أن القضاء سلطة وليس مرفقا ، وأن القضاة يهيبون بالسيد رئيس الجمهورية أن يسير فى خطواته لاستخلاص الأرض المحتلة ، وأنهم يطالبون بتعزيز درجات رجال القضاء بما يكفل لهم حياة كريمة ، ولكن البيان الذى أعد خلسة وطبع ووزع على الجمعية العمومية كان مختلفا عن هذا تماما . . بل طبع ووزعوه على وكالات الأنباء وعلى السفارات الأجنبية ، وبالرغم من المحاولات التى بذلت لتأجيل توزيع البيان قبل برنامج 30 مارس بواسطة السيدين شعراوى جمعة و محمد حسنين هيكل ، إلا أن المستشار ممتاز نصار رفض يومها وكما ورد فى كتابه " معركة العدالة " يكشف تفاصيل أخرى تؤكد نيته فى إتباع أسلوب الرفض لأى محاولة لفض الاشتباك بل الإصرار على خلق معركة ضد النظام .

ولقد كانت الأوضاع مستقرة دون أن يعكرها شىء حتى وقوع النكسة سنة 1967 والتى اقتضت إجراء عملية إعادة ترتيب شامل للدولة وطرح الرئيس جمال عبد الناصر أفكارا عديدة حول إعادة تشكيل النظام السياسى فى مصر ، كان من أبرزها اقتراحه فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى

أعلى سلطة فى البلاد –

فى الثالث والرابع من أغسطس1967 بالأخذ بنظام التعددية الحزبية ، واعتبار الاتحاد الاشتراكى حزب ، والسماح بإنشاء حزب آخر معارض له كتجربة للتعددية ـ مما سيرد تفصيلا فى موقع آخر من هذه المذكرات ـ ولكن ما يهمنا هنا أن هذه الحوارات والمناقشات التى تناولت كل جوانب الوضع السياسى فى مصر قد تطرقت إلى موقف القضاء ، وهل يجرى إخضاعه للتسييس مع كل من القوات المسلحة والشرطة أم يظل مبتعدا عن أية إطارات سياسية ، وكان رأى الرئيس عبد الناصر أن القوات المسلحة والشرطة أمرهما مؤجل نظرا لظروف المعركة ، أما بالنسبة للقضاء فقد قال الرئيس "أن هذا الموضوع يخص المجتمع القضائى وهو الذى يقرر ذلك من عدمه " .

وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد تحدث فى 18ابريل 1968 فى مؤتمر شعبى بالمنصورة وشرح رأيه بالنسبة لانضمام القضاة للتنظيم السياسى فقال :" إننى لست ميالا فى الوقت الحاضر لاشتراك القضاء أو القوات المسلحة أو الشرطة فى التنظيم السياسى . . وبأقول فى الوقت الحاضر . . لازم فى الأول يتم بناء التنظيم السياسى ويثبت فاعليته ويثبت صدق تعبيره عن قوى الشعب العاملة وأصالة تجسيده لسلطتها ، وبعد هذا يكون فى استطاعتنا إن إحنا نبحث موضوع اشتراكها فى التنظيم السياسى ، وإخلاص القوات المسلحة للنضال الشعبى الآن يكون بمقدرة تحقيق النصر فى معركة الوطن وإخلاص القضاء للنضال الشعبى أولا بإقامة العدل .

وكان القضاة كما سبق أن ذكرت منذ البداية قد أبعدوا عن السياسة ، فلم يدخلوا فى التنظيمات السياسية وإن كان المستشار بدوى حمودة رئيس المحكمة العليا قد رفض هذا الاستبعاد فى اجتماع عام معلنا أنه يفاخر بأن ينضم إلى عضوية الاتحاد الاشتراكى ، كما لم تتدخل الثورة فى القضايا على الإطلاق ، بل إن هناك الكثير من القضايا تحدث عنها الرئيس عبد الناصر وأصبحت قضايا رأى عام إلا أن المحاكم برأت المتهمين فيها ، بل لقد برأت المحكمة عائلة الفقى فى قضية كمشيش الشهيرة ، وكان من المفارقات أن الذى أصدر الحكم هو أحد أعضاء التنظيم الطليعى من القضاة كما عرف فيما بعد . . وكانت فى النهاية رؤية الرئيس عبد الناصر للقانون واضحة فهو الذى أطلق شعار "سيادة القانون " ، وقال إن سيادة القانون تعنى تطويرا واعيا لنصوصه ليكون فى خدمة العلاقات الاجتماعية ، وأن العدل حق مقدس لكل مواطن لا يمكن أن يكون سلعة غالية وبعيدة المنال على المواطن ، وأن القانون فى المجتمع الحر خادم للحرية وليس سيفا مسلطا عليها .

ومع ذلك فقد شهدت هذه المرحلة تحرك بعض رجال القضاء ، وكان بعضهم يشغل مواقع رفيعة المستوى فى السلك القضائى والبعض الآخر كانوا أعضاء فى مجلس إدارة نادى القضاة ، والغريب أن بعض الذين رفضوا صراحة العمل بالسياسة مؤثرين أن يكون للقضاء استقلاله بعيدا عن السياسة استثمروا فرصة مظاهرات الطلبة عام 1968 بعد عدوان 5يونيو1967 ، لكى يدخلوا فى السياسة من أوسع أبوبها ، وأن يكون دورهم الوقوف ضد النظام فى تلك الظروف ، وأن يسمعوا أصواتهم للسفارات الأجنبية ، وهو إجراء كان من المفروض أن ينأى عنه القضاة خاصة بعد الحوار الذى تم مع السيدين شعراوى جمعة ومحمد حسنين هيكل . . وبدأ هذا النشاط بترويج إشاعات مفادها أن وزير العدل يريد أن يملى إرادة معينة على المجتمع القضائى ، كما بدءوا يرددون مصطلحات غريبة مثل مرشحو السلطة والمرشحون الأحرار، وكأن السلطة عدو غاصب ، وهناك من يريد أن يتحرر من هذا القيد – شىء غريب فعلا ! - ، فى نفس الوقت الذى تحركت فيه مجموعات أخرى من الأسرة القضائية تضم مستشارين وقضاة فى محكمة النقض ومحاكم الاستئناف فى القاهرة والإسكندرية وأسيوط وهى أكبر المحاكم فى مصر لمقاومة الاتجاهات السابقة ووصفوها بالزيف ، وكان ذلك يهدد بوقوع انقسام فى الأسرة القضائية .

ورغم أن قانون السلطة القضائية الذى يتمسك به القضاة ينص على عدم تدخل القضاة فى السياسة ، وأن القضاة أنفسهم يرفضون المشاركة فى السياسة بل إنهم يتخذون موقفا مضادا تماما لهذا الاتجاه ، إلا أنه بدأت بعض الأصوات تتصاعد تدريجيا لممارسة بعض الأنشطة السياسية يشكل مباشر أو غير مباشر ، مخالفين بذلك قانون السلطة القضائية .

والواضح أن وقوع عدوان 5يونيو 1967 شكل فرصة حاول بعض رجال القضاء استثمارها ليس فقط فى مجال التدخل فى السياسة خروجا على تقاليد السلطة القضائية ، بل وكمحاولة من البعض لتصفية الحسابات مع ثورة 23يوليو .

ففى خلال الربع الأول من سنة 1968 وبالتحديد فى شهر مارس كان يجرى التحضير لإصدار بيان 30 مارس الذى طرح تصورا جديدا لمنهج العمل السياسى ، وإعادة البناء المؤسسى فى الدولة بشكل عام من القاعدة إلى القمة ، وفى مقابلة بين المستشارين ممتاز نصار ومحمد عبد السلام ويحيى الرفاعى ومحمد إبراهيم أبو علم – ولكل منهم قصة - مع السيد شعراوى جمعة وزير الداخلية جرت يوم 25مارس1968 فى مكتبه بوزارة الداخلية – يرجع للمذكرة ومحضر الاجتماع المسجل عن هذا اللقاء فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات وأرشيف إدارة المباحث العامة – أثاروا مجددا موقف القضاء من السياسة فطلب منهم السيد شعراوى جمعة الانتظار حتى صدور بيان 30مارس فى الأيام القليلة القادمة ، لكنهم واصلوا بعد هذه المقابلة ترويج آرائهم حول أحداث ومقالات وكتابات سبق نشرها قبل 5 يونيو 67 ولم تكن مثارة فى ذلك الوقت ، فالمقالات هذه نشرت فى مارس 67 قبل العدوان ، ولكن القضاة لم يقولوا رأيهم إلا فى 28مارس1968 إذن فقد كان ما حدث يوم 5 يونيو 1967 فقط مجرد مناسبة لكى يقول القضاة رأيهم فى رفضهم دخول الاتحاد الاشتراكى ومشاركة الشعب فى القضاء وغيرها من المسائل التى طرحت 0 كما سارعوا بإعداد بيان طبع فى إحدى مطابع القطاع العام ، وهى مطبعة شركة النصر للاستيراد والتصدير وطبع منه عدة آلاف ووزع فى الداخل والخارج على نطاق واسع ، كما وزع على النقابات المهنية والعمالية والهيئات والسفارات الأجنبية ، ونشر فى صحف الخارج بل وتلقفته بعض الصحف فى بيروت وبعض الدول الغربية لتنشره وتصور النظام المصرى بأنه قد انتهى ، وليس أدل على ذلك مما جاء على لسان المستشار محمد عبد السلام فى كتابه " سنوات عصيبة " ، وأثار البيان ضجة ، ولاقى ترحيبا فى الداخل والخارج ، ويبدو أن بعض السفارات الأجنبية استغلته فطبعت منه صورا وزعتها على نطاق واسع ، الأمر الذى أثار حفيظة السلطات فاعتبرت البيان تحديا لها 0 كما صدر عددا خاصا لمجلة القضاة كان عنوانه " بيان وقرارات الجمعية العمومية لقضاة الجمهورية العربية المتحدة المنعقدة بناديهم بالقاهرة فى 28مارس1968 " ، صرحت الرقابة أيضا بنشره . . . (يرجع للنص) .

كان البيان سياسيا بالدرجة الأولى صدر من أفراد يناضلون من أجل أن يبتعدوا عن السياسة ويقول البيان:

" يؤمن رجال القضاء كسائر أفراد الشعب بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وأن القضاة يرفضون أية محاولة لفرض تنازلات سياسية تحت أى ضغط من الضغوط .

صلابة الجبهة الداخلية تقتضى إزالة كافة المعوقات التى اصطنعتها أوضاع ما قبل النكسة أمام حرية المواطنين ، ومن هنا وجب تأمين الحرية الفردية لكل مواطن ، فى الرأى والكلمة ، والاجتماع ، وفى النقد ، والحوار ، والاقتراح والإحساس بالمسئولية والقدرة على التعبير الحر ، ولا يكون ذلك إلا بتأكيد مبدأ الشرعية الذى يعنى فى الدرجة الأولى كفالة الحريات لكافة المواطنين وسيادة القانون على الحكام والمحكومين على سواء .

تحقيقا لسيادة القانون فإنه يتعين البدء فورا فى إزالة كافة البصمات التى شوهت بها أوضاع ما قبل النكسة ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرما تهم ، فلا تسلب أو تمس إلا طبقا لأحكام القانون العام وحده ، وبحكم من القضاء وحده ، وبالإجراءات المتبعة أمامه .

إن قيام سلطة قضائية حرة مستقلة ينفرد الدستور بتأكيد استقلالها وبيان ضمانات أعضائها، يعد ضمانة أساسية من ضمانات شعبنا ، ومن ثم دعامة أساسية من دعامات صلابة الجبهة الداخلية ، ولقد وجد الشعب فى قضائنا دائما وفى مختلف الظروف الأمن والإنصاف ، واستقر ذلك فى ضميره لما قام عليه هذا القضاء من أصول ثابتة تؤكد حريته ، وتدعم حيدته ، ومن أبرز هذه الأصول البعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، حتى يتأكد لهم النقاء والتجرد والحيدة " .

"ورفض البيان بعد ذلك منح سلطة الحكم إلى غير القضاة المتخصصين المتفرغين وهو ما كان يعبر عنه بإشراك الشعب فى القضاء .

كما تعرض البيان لضرورة بقاء النيابة كجزء لا يتجزأ من السلطة القضائية .

وفى نهاية البيان عاد الذين كتبوا البيان يلخصون موقفهم مؤكدين أنه " بمناسبة الأحداث الكبرى التى مرت بها أمتنا وانفعالنا بها كمواطنين ، وبمناسبة إجراء التغيير فى جميع المجالات ، وبمناسبة ما نشر فى السنة الأخيرة من بعض المسئولين وغيرهم من مقالات وبحوث عن وضع السلطة القضائية وكيانها ، يعيش القضاة الظروف الدقيقة التى تمر بها ؀

البلاد اليوم بالإسهام فى الحوار ، ويبدون فيما يلى رأيهم الفنى . 

استنكروا العدوان وطالبوا الدولة بالتعبئة الكاملة بحيث يشعر كل مواطن بأنه والجندى فى ساحة القتال سواء ، وأكدوا على ضرورة الحريات ، وبقاء القضاء كسلطة مستقلة ، وأن يكونوا بعيدين عن المشاركة فى أية تنظيمات سياسية فى الاتحاد الاشتراكى على كافة المستويات .

وأنه يجب الحرص على عدم المساس باختصاصات السلطة القضائية ، وعدم اشتراك غير المتخصصين فى أداء رسالة القضاء .

ويلاحظ على هذا البيان ما يلى :

أنه صدر فى 28مارس1968 أى قبل صدور بيان 30 مارس بيومين بما يعنى استباق الأحداث والرغبة فى فرض آراء بذاتها على الدولة .

وأن البيان لا يعبر عن الجمعية العمومية لقضاة مصر ، بل عن الجمعية العمومية لنادى القضاة ، وهو ناد اجتماعى ثقافى ، والفارق واضح تماما ويدركه رجال القضاء ، فالجمعية العمومية للقضاة معنية بالعملية القضائية المجردة والتى نص عليها فى قانون تنظيم القضاء ، وعادة ما تجتمع لتوزيع الأعمال برئاسة رئيس المحكمة وبناء على دعوته ، واختصاصها قضائى بحت ، وكأن التصور المطلوب إبرازه أن هذا البيان صادر عن قضاة مصر ، وبعضهم لم يكن عضوا فى نادى القضاة ، والبعض لم يشارك فى الجمعية العمومية .

وأن البيان يحمل خروجا واضحا سواء على مهمة نادى القضاة بأبعادها الاجتماعية والثقافية أو على مبدأ فصل القضاء عن السياسة الذى ارتضاه القضاة فى قانونهم الخاص .

كان الأمر يبدو كما لو أن القضاة قد حولوا بيانهم إلى منشور يوزع على نطاق واسع فى الداخل والخارج وبأعداد كبيرة ، وهو أمر غير جائز وخاصة من القضاة بالذات .

ومن سخريات القدر أنه بعد صدور هذا البيان بثلاثة أيام فقط أى فى أول إبريل 1968 عقد مستشارو محكمة استئناف القاهرة جمعيتهم العمومية بحضور جميع الأعضاء وأثار أحد المستشارين ضرورة تأييد بيان 28مارس 1968 ( بيان نادى القضاة ) - وجىء بالبيان فعلا وتلى فى الاجتماع . . وأعترض جميع الحاضرين على ما جاء فى البيان فيما عدا العضو الذى أثار الاقتراح ، بل وصدر عن الجمعية العمومية بيانا أقره الحاضرين بالإجماع جاء فيه أنهم أطلعوا على بيان نادى القضاة ورأوا فيه خروجا على حياد القضاء ومهمته ، وهى الحكم بين الناس حاكمين ومحكومين وأنهم يعتبرون أن بيان 30مارس هو المعبر عن آرائهم .

وقد أودع هذا البيان ضمن سجلات محكمة استئناف القاهرة –

المحضر والبيان ضمن محفوظات سجلات محاكم الاستئناف - يرجع إليه – .

أعقب هذا اجتماع آخر لمجلس القضاء الأعلى واتخذوا قرارا مماثلا لما انتهى إليه مستشارو الاستئناف ، كما أشادوا ببيان 30 مارس ، وجاء فى صدر بيانهم أنهم هم القائمين على شئون القضاء والممثلين لرجاله 0 ثم توجهوا إلى القصر الجمهورى بوفد مكون من المستشارين عادل يونس ومحمد عبد السلام وحسن صفوت السركى وأحمد فؤاد سرى وحسن فهمى البدوى وعبدالعال عبد الرحمن وسجلوا الكلمة التالية :

" إن مجلس القضاء الأعلى القائم على شئون القضاء يسجل بمزيد الاعتزاز والفخر موقف الصمود والكفاح الرائع والإرادة الصلبة للأمة العربية فى مواجهة العدوان ، ويتجه بالتحية والتقدير إلى قائد النضال الوطنى الرئيس جمال عبد الناصر ، ويعلن فى عزم لا يلين أن رجال القضاء جميعا يساندونه فى كفاحه البطولى حتى يبلغ النصر ، وإنه لبالغه بإذن الله ، ويشيدون بما جاء فى بيان 30 مارس من كفالة حصانة القضاء فى الدستور ، ومن أن القضاء هو الميزان الذى يحقق العدل ويرد على أى اعتداء على الحقوق والحريات ، وقد كان رجال القضاء ولا يزالون من طلائع قوى الشعب المناضلة فى كل مجال قومى ليحقق الأهداف التى اتفق العزم على تحقيقها فى ظل زعامتكم " .

وتم نشره فى وسائل الإعلام وأدرج ضمن السجلات الرسمية للدولة .

ثم عقد رؤساء المحاكم الابتدائية على مستوى الجمهورية كلها مؤتمرا فى الإسكندرية أصدروا بعده بيانا طالبوا فيه بوضع حد لما يشيع جوا من الفوضى والإرهاب من بعض القضاة .

ولم يساعد ذلك كله على إثناء المجموعة التى أعدت بيان 28مارس فقد أصدر نادى القضاة عدد ين من مجلة القضاة ، وهى مجلة متخصصة لا علاقة لها بالسياسة لكن العددين تم تخصيصهما لمناقشة موضوعات سياسية من وجهة نظر تتناقض و فكر الثورة ولم تمنع الرقابة أو تصادر العددين . . وفى العدد الثانى يوليو1968 كتب الأستاذ محمد عصفور بحثا كبيرا حول كتابه عن استقلال السلطة القضائية ، وكانت الرقابة قد اعترضت عليه ومنعته من النشر من قبل .

انقسم القضاة على أنفسهم . . فأغلب كبار رجال القضاء استنكروا تصرفات النادى والموقف الذى اتخذه باعتباره خارجا عن اختصاصات وقانون النادى ذاته ، وعن عمل القاضى المحدد له قانونا .

وفى نفس الوقت وصلتنا معلومات وردت نتيجة اختراق إحدى السفارات الأجنبية فى الخارج تفيد بوجود مؤامرة لتدبير إحداث انقلاب عسكرى تشارك فيه هيئات مدنية وشخصيات ذات مناصب رفيعة طلبت عدم إدراج أسمائها إلا بعد نجاح الانقلاب ، وقد ثبت من المتابعة أن هناك مجموعة من رجال القضاء بدءوا فى الاتصال بأحد هذه الأسماء بالذات وفى هذه المرحلة على وجه الخصوص .

الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى) . ) 

كان يجرى متابعة هذه التطورات بألم شديد حتى بدأت تصدر أحكاما قضائية بطرد فلاحين من أراضيهم المستأجرة لصالح بعض كبار الملاك ، وقد تبين أن بعض القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام من بين الذين سبق أن طبقت على أسرهم أو عليهم أحكام قانون الإصلاح الزراعى ، مما أعطى مؤشرا أن القضية لا تنصب فقط على علاقة القضاء بالسياسة بل تمتد إلى نوع من تصفية الحسابات واستغلال أوضاع ما بعد يونيو1967 ، ظنا منهم أن النظام يعانى من ثغرات يمكن استغلالها لصالح فئات اجتماعية معينة ، وبدأت الحركة تتصاعد تدريجيا ، وأصبح الوضع كالآتى :

معركة سياسية أو قانونية اندلعت بعد يونيو 1967 ولم تكن وليدة ولا جديدة . *

البيان الذى أصدره بعض القضاة يحمل وجهة نظرهم فى النكسة –

حسبما ادعوا جاء متأخرا سنة تقريبا * 

* السيدان شعراوى جمعة ومحمد حسنين هيكل الذين طلبا منهم أن يتريثوا يومين اثنين فقط فقد يرى القضاة فيما سيعلنه الرئيس غنى عن بيانهم ، لكن المستشار ممتاز نصار رفض وقال إن بيانهم لا يمكن أن يتضمن إلا التمسك بسيادة القانون ، وموقف شعراوى وهيكل غير متناقض ، ولو كان المستشار نصار مكانهم وجاء من يناقشه فى مثل هذا الموضوع لطلب منه أن يتريث ، وإذا كان الأمر يتعلق بالحريات وأمن المواطن وسيادة القانون وغيرها من الأمور فإن رئيس الجمهورية سيتناول بنفسه هذه الأمور بعد يومين ، وهو الذى كان يردد فى هذه المرحلة عبارة " من البديهى نحن مع سيادة القانون ونحن أيضا مع استمرار الثورة . . سيادة القانون هى ضمان للديموقراطية . . ففيم العجلة والإصرار إذا كان الهدف هو المصلحة العامة ، وليس تحدى السلطة أو اصطناع البطولات أو اتخاذ مواقف مضادة فى وقت كانت الدولة تواجه بحملة من النقد .

ولم يكن الجو العام صافيا تماما لأسباب عديدة :

* فالمحكمة الخاصة التى شكلت لمحاكمة المسئولين عن الطيران فى 5يونيو1967 كانت أحكامها أضعف مما كان يتوقعه الرأى العام وأثارت استياء عاما .

العدو الإسرائيلى يطل على الضفة الشرقية لقناة السويس وجنوده يعربدون فى مقابل الجندى المصرى.*

الشباب المصرى ممزق ويرغب فى أعمال التغيير فى كل مجالات الحياة فى البلد علاوة على المظاهرات التى* عمت البلاد رافضة الواقع الذى كان سائدا فى ذلك الوقت .

القيادة السياسية فى قمة الانشغال ليل نهار من أجل إعادة بناء القوات المسلحة . *

* ازدياد الحرب النفسية من اتجاهات مختلفة عربية وأجنبية تسعى للقضاء على نظام ثورة يوليو 52 19 .

كل الجبهات المعادية تستغل الفرصة لتصفية حساباتها السابقة والمتراكمة مع الثورة . *

فى هذا الوقت بالذات يتجمع عدد من القضاة ليقولوا رأيهم حول مقالات صحفية نشرت قبل عدوان 5 يونيو 1967 ولم تكن مطروحة فى تلك الفترة ، هذا علاوة على مطالبتهم بأن يكون القضاء سلطة وليس مرفق وهو ما طرح قبل خمسة سنوات كاملة فى سنة 1963 ولم يبد القضاة رأيهم أو يعترضوا عليها من قبل . . لا تلميحا ولا تصريحا .

وفى مارس 1969 جرت الانتخابات لنادى القضاة وبرز فيها الصراع بين مؤيدى مبادئ بيان 28مارس وخصوم هذا البيان ومهاجميه وصّور أنصار البيان المعركة بأنها معركة بين قائمتين :

قائمة أعدت باسم الحكومة . . . وهذا لم يحدث . 

قائمة أعدها المستشار ممتاز نصار وإخوانه أصحاب بيان 28مارس .

جرت الانتخابات وكأنهامعركة ذات أهداف سياسية ، فى الوقت الذى لم تكن أبدا معارك الانتخابات فى نادى القضاة لها أدنى علاقة بالسياسة منذ أن قام هذا النادى باعتباره ناد ثقافى اجتماعى ، والقضاة أنفسهم لا يعملون بالسياسة ولا يريدون ذلك 00 ففيم إذن المعركة . . ولماذا أصلا تجرى معركة، إلا إذا كان هناك من يريد المعركة لأسباب وأغراض أخرى خافية لا يمكن تبريرها أو التكهن بها . . وألفت النظر لبعض الشعارات التى رفعت أثناء الحملة مثل السلطة الضعيفة والمهزومة " . . . الخ 

ولم يساعد ذلك كله على إثناء المجموعة التى أعدت بيان 28مارس فقد أصدر نادى القضاة عدد ين من مجلة القضاة ، وهى مجلة متخصصة لا علاقة لها بالسياسة لكن العددين تم تخصيصهما لمناقشة موضوعات سياسية من وجهة نظر تتناقض و فكر الثورة ولم تمنع الرقابة أو تصادر العددين . . وفى العدد الثانى يوليو1968 كتب الأستاذ محمد عصفور بحثا كبيرا حول كتابه عن استقلال السلطة القضائية ، وكانت الرقابة قد اعترضت عليه ومنعته من النشر من قبل .

انقسم القضاة على أنفسهم . . فأغلب كبار رجال القضاء استنكروا تصرفات النادى والموقف الذى اتخذه باعتباره خارجا عن اختصاصات وقانون النادى ذاته ، وعن عمل القاضى المحدد له قانونا .

وفى نفس الوقت وصلتنا معلومات وردت نتيجة اختراق إحدى السفارات الأجنبية فى الخارج تفيد بوجود مؤامرة لتدبير إحداث انقلاب عسكرى تشارك فيه هيئات مدنية وشخصيات ذات مناصب رفيعة طلبت عدم إدراج أسمائها إلا بعد نجاح الانقلاب ، وقد ثبت من المتابعة أن هناك مجموعة من رجال القضاء بدءوا فى الاتصال بأحد هذه الأسماء بالذات وفى هذه المرحلة على وجه الخصوص .

الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى) . ) 

كان يجرى متابعة هذه التطورات بألم شديد حتى بدأت تصدر أحكاما قضائية بطرد فلاحين من أراضيهم المستأجرة لصالح بعض كبار الملاك ، وقد تبين أن بعض القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام من بين الذين سبق أن طبقت على أسرهم أو عليهم أحكام قانون الإصلاح الزراعى ، مما أعطى مؤشرا أن القضية لا تنصب فقط على علاقة القضاء بالسياسة بل تمتد إلى نوع من تصفية الحسابات واستغلال أوضاع ما بعد يونيو1967 ، ظنا منهم أن النظام يعانى من ثغرات يمكن استغلالها لصالح فئات اجتماعية معينة ، وبدأت الحركة تتصاعد تدريجيا ، وأصبح الوضع كالآتى :

معركة سياسية أو قانونية اندلعت بعد يونيو 1967 ولم تكن وليدة ولا جديدة . *

البيان الذى أصدره بعض القضاة يحمل وجهة نظرهم فى النكسة – حسبما ادعوا – جاء متأخرا سنة تقريبا * 

* السيدان شعراوى جمعة ومحمد حسنين هيكل الذين طلبا منهم أن يتريثوا يومين اثنين فقط فقد يرى القضاة فيما سيعلنه الرئيس غنى عن بيانهم لكن المستشار ممتاز نصار رفض وقال إن بيانهم لا يمكن أن يتضمن إلا التمسك بسيادة القانون ، وموقف شعراوى وهيكل غير متناقض ، ولو كان المستشار نصار مكانهم وجاء من يناقشه فى مثل هذا الموضوع لطلب منه أن يتريث ، وإذا كان الأمر يتعلق بالحريات وأمن المواطن وسيادة القانون وغيرها من الأمور فإن رئيس الجمهورية سيتناول بنفسه هذه الأمور بعد يومين ، وهو الذى كان يردد فى هذه المرحلة عبارة " من البديهى نحن مع سيادة القانون ونحن أيضا مع استمرار الثورة . . سيادة القانون هى ضمان للديموقراطية . . ففيم العجلة والإصرار إذا كان الهدف هو المصلحة العامة ، وليس تحدى السلطة أو اصطناع البطولات أو اتخاذ مواقف مضادة فى وقت كانت الدولة تواجه بحملة من النقد .

ولم يكن الجو العام صافيا تماما لأسباب عديدة :

* فالمحكمة الخاصة التى شكلت لمحاكمة المسئولين عن الطيران فى 5يونيو1967 كانت أحكامها أضعف مما كان يتوقعه الرأى العام وأثارت استياء عاما .

العدو الإسرائيلى يطل على الضفة الشرقية لقناة السويس وجنوده يعربدون فى مقابل الجندى المصرى.*

الشباب المصرى ممزق ويرغب فى أعمال التغيير فى كل مجالات الحياة فى البلد علاوة على المظاهرات التى* عمت البلاد رافضة الواقع الذى كان سائدا فى ذلك الوقت .

القيادة السياسية فى قمة الانشغال ليل نهار من أجل إعادة بناء القوات المسلحة . *

* ازدياد الحرب النفسية من اتجاهات مختلفة عربية وأجنبية تسعى للقضاء على نظام ثورة يوليو 52 19 .

كل الجبهات المعادية تستغل الفرصة لتصفية حساباتها السابقة والمتراكمة مع الثورة . *

فى هذا الوقت بالذات يتجمع عدد من القضاة ليقولوا رأيهم حول مقالات صحفية نشرت قبل عدوان 5 يونيو 1967 ولم تكن مطروحة فى تلك الفترة ، هذا علاوة على مطالبتهم بأن يكون القضاء سلطة وليس مرفق وهو ما طرح قبل خمسة سنوات كاملة فى سنة 1963 ولم يبد القضاة رأيهم أو يعترضوا عليها من قبل . . لا تلميحا ولا تصريحا .

وفى مارس 1969 جرت الانتخابات لنادى القضاة وبرز فيها الصراع بين مؤيدى مبادئ بيان 28مارس وخصوم هذا البيان ومهاجميه وصّور أنصار البيان المعركة بأنها معركة بين قائمتين :

قائمة أعدت باسم الحكومة . . . وهذا لم يحدث . 

قائمة أعدها المستشار ممتاز نصار وإخوانه أصحاب بيان 28مارس .

معركة ذات أهداف سياسية ، فى الوقت الذى لم تكن أبدا معارك الانتخابات فى نادى القضاة لها أدنى علاقة بالسياسة منذ أن قام هذا النادى باعتباره ناد ثقافى اجتماعى ، والقضاة أنفسهم لا يعملون بالسياسة ولا يريدون ذلك 00 ففيم إذن المعركة . . ولماذا أصلا تجرى معركة، إلا إذا كان هناك من يريد المعركة لأسباب وأغراض أخرى خافية لا يمكن تبريرها أو التكهن بها . . وألفت النظر لبعض الشعارات التى رفعت أثناء الحملة مثل السلطة الضعيفة والمهزومة " . . . الخ 

فإصدار بيان 30مارس مفروض منطقيا أنه جاء لينهى الأزمة ، إذا كانت هناك أزمة أصلا، لأنه يلتقى وبيان النادى ، ولو كانت المعركة بعد ذلك حول التطبيق لكانت معركة مبررة ومقبولة ، ولكنها لم تكن كذلك 0 – إن إن مجتمع المثقفين يرفض الوصاية ، فإذا صورت المعركة وكأنها معركة بين مرشحو الحكومة أو السلطة وفى غيبة التزام حزبى أو عقائدى فان النتيجة هى فوز المرشح الذى يواجه مرشح السلطة ، وهذا ما حدث فقد حصلت القائمة التى يتزعمها المستشار ممتاز نصار على متوسط 900 صوت فى حين حصل المرشحون الآخرين على متوسط 700 صوت ، وكان فرق الأصوات يتراوح بين 100 و 200 صوت لكل مرشح ، إذن لم يكن هناك ، رغم الدعاية المركزة ، رفض مطلق وحاسم من جانب القضاة للقائمة التى قيل عنها ظلما أنها حكومية . وإذا كانت المعركة كما صورت بين أنصار البيان وخصومه فقد رفض عدد كبير من القضاة الكبار ـ سنا ومقاما ـ البيان كما كانت نتائج الانتخابات تشير أيضا لرفض الكثيرين للمنحى الذى نحاه بعض أعضاء النادى .

الحقيقة أحب ألا يفوتنى أن أعلق على قضية القضاء سلطة أم وظيفة فان القول بأنه سلطة هو من قبيل الجدل النظرى ذلك أن لكل وظيفة سلطة ، فكمسارى القطار مثلا هو موظف وصاحب سلطة على الركاب ويطبق عليهم لوائح الوظيفة والمؤسسة التى يتبعها .

تمادى البعض بعد ذلك فى محاولات لإثارة الرأى العام ، وخلق زعامات ، وتحول النادى إلى بؤرة سياسية رافضة ، بدأ الرفض همسا ثم علت النبرة فى شكل جلسات سياسية ترفض عبد الناصر ونظامه والثورة ، ووصلت الأمور إلى أن بعضهم تخيل نفسه سعد باشا زغلول وأن عليه أن يتولى زمام السلطة ولماذا لا . . وقد كان سعد زغلول قاضيا . . بل لم يصل إلى درجة مستشار . . وانتقل النشاط لعدد محدد ومعروف إلى خارج النادى شكل اتصالات سياسية مع سياسيين بعينهم كانوا تحت الملاحظة ، وهذا ما كشف ذلك النشاط بالصدفة 0 وبالرغم من ذلك بذلت محاولات لاحتواء الموقف وإبعاد بعض أعضاء النادى عن النشاط السياسى تمسكا بقانون السلطة القضائية ، لكنها كلها فشلت ولم تحقق نتائج فى الاتجاه الذى يضع الأمور فى نصابها السليم 0 كما فشلت كل المحاولات لاحتواء الخلافات بين التيارات المتعارضة فى النادى أو عقد لقاء مع وزير العدل ، وتأزمت الأمور وتعقدت لأن بعضهم أراد ذلك وصمم علي التصعيد فى اتجاه سياسى .

عند هذا الحد تم تشكيل لجنة خاصة تضم شعراوى جمعة وزير الداخلية وسامى شرف مدير مكتب الرئيس للمعلومات والمستشار عمر الشريف المستشار القانونى لرئاسة الجمهورية والمستشار على نور الدين النائب العام والمستشار على كامل من مجلس الدولة . . وكان يعاون اللجنة من خلال المستشار على نور الدين من أعضاء النيابة العامة كل من سمير ناجى وإسماعيل زعزوع وعبد الغفار محمد أحمد وعبد السلام حامد ، وهم الذين تولوا التحقيقات فى جميع القضايا الرئيسية والخطيرة المتعلقة بأمن النظام من انحراف المخابرات إلى مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر1967 ، وغيرها من قضايا محاولات قلب نظام الحكم أو التخابر .

بدأت هذه اللجنة فى دراسة الأوضاع والأحداث والوقائع ، ووضعت معايير محددة لمعالجة الأمور بأقل قدر من الخسائر أو البلبلة ، وبعد فترة أمر الرئيس جمال عبد الناصر بعد مقابلة مع السيد محمد حسنين هيكل فى استراحة القناطر الخيرية بضم السيد أنور السادات للجنة المذكورة وقد حضر معنا جلسة فعلا، لكنه أى السيد أنور السادات قام من جهته بتشكيل لجنة من بعض رجال القضاء ، وكانوا حسبما أذكر حوالى ثمانية أو تسعة أعضاء ما بين رئيس محكمة ووكيل وزارة ورجال نيابة عامة وقضاة .

وأشير هنا إلى أن السيد محمد حسنين هيكل سبق أن ذكر فى ذلك الوقت أنه كان قلقا من تشكيل اللجنة الأولى وأبدى ارتياحه للرئيس بمشاركة السيد أنور السادات ورشح للانضمام لأعمال اللجنة أيضا الدكتور جمال العطيفى المستشار القانونى لمؤسسة الأهرام ، وحضر معنا الدكتور العطيفى كل الجلسات ولم يبد أى اعتراض لا على المنهج أو المناقشات أو المعايير التى تم التوصل إليها لمعالجة القضية . . بل أستطيع أن أجزم بأن العطيفى كان يتهرب من حضور الجلسات التى كان يعقدها السيد أنور السادات مع مجموعته فى ذلك الوقت ، لأسباب لا داعى لسردها فى هذا المجال وأهمها تزيّد بعض الأعضاء فى توسيع دائرة الإجراءات ضد بعض رجال القضاء لأسباب بعضها شخصية والبعض الآخر اتخاذ إجراء ضد البعض بناء على معلومات غير موثقة أومشكوك فى صحتها .

عموما توصلت اللجنة الأولى إلى وضع معايير محددة تتحرى الحياد فى التعامل مع القضية وقد شملت خمسة معايير فى تصنيف رجال القضاء محل البحث :

*من طبقت عليهم قوانين الإصلاح الزراعى .

من طبقت عليهم القوانين الاشتراكية .

*من أدينوا فى تحقيقات التفتيش القضائى .

*من كان لهم ارتباط بالإخوان المسلمين .

*بحث حالات أقارب أفراد العائلة المالكة كل حالة على حدة .

انطبقت هذه المعايير على 46 فردا فقط من رجال القضاء توضح قرين أسم كل منهم نوعية القاعدة والضوابط التى طبقت عليه والتوصية المقترحة . . وكان رأى القانونيين ومنهم الدكتور جمال العطيفى أن الحل الأمثل هو صدور قانون أو أكثر بإعادة تنظيم الهيئة القضائية .

أما اللجنة التى رأسها السيد أنور السادات فقد قدمت تقريرا يوصى باتخاذ إجراءات تشمل 283 فردا من الأسرة القضائية وكان عنوانه " تطهير القضاء " ، وقدم كشوف بذلك كما تقدمت اللجنة باقتراح إصدار قانون للسلطة القضائية بعثه بخطاب موقع منه شخصيا ومرفقا به التفاصيل وكشوفات الأسماء ومشروع القانون المقترح بتعديل القانون رقم 43 لسنة1965 وكانت تأشيرة السيد أنور السادات بالنص :

" عزيزى سامى

مرفق مشروع قانون كان مقترحا ورفضه عادل يونس فى مجلس القضاء . . . أنور السادات "

وتأشيرة ثانية نصها :

" عزيزى سامى

من طيه كشف المطلوب تطهيرهم من المجموعة التى تعمل معى بواسطة رئيس النيابة سعد زغلول ماهر الذى كان سكرتيرا لنادى القضاة قبل الانتخابات الأخيرة- مع تحياتى ، أنور السادات " .

و ثالثة نصها :

" عزيزى سامى

من طيه كشف مقترح لملء المناصب الحساسة فى وزارة العدل بعد التطهير . . . مقترح من نفس المجموعة التى تعمل معى علما بأن الأكثرية منهم من رؤساء المحاكم أو المفتشين القضائيين يعملون فى نفس هذه الوظائف . . . مع تحياتى . . أنور السادات " .

كل الأوراق المتعلقة بهذا الموضوع كانت ترسل إلى شخصيا وموقع عليها بخط يد السيد أنور السادات ، وهى محفوظة مع باقى الوثائق والأوراق الأخرى ومحاضر اجتماعات للجنة الأولى فى أرشيف السرى للغاية بالدور الثانى بسكرتارية الرئيس للمعلومات فى منشية البكرى .

فى هذه الفترة تم تعديل وزارى ترك بموجبه السيد محمد أبو نصير وزارة العدل ، وكان المرشح لتولى هذه الوزارة المستشار عبد الحليم الجندى الذى كان فى مرسى مطروح فى ذلك الوقت ، وجاء إلى القاهرة فى طائرة خاصة وعقدت لقاء معه فى مكتبى بمنشية البكرى عرضت خلاله الموضوع بكامله عليه ، وكان تعليقه أن خير ما يفعله الرئيس جمال عبد الناصر هو تنقية القضاء ولم شمل الأسرة القضائية واعتذر عن قبول الوزارة لكبر سنه إلا أنه أبدى استعداده الكامل وهو خارج الوزارة للمعاونة بأية استشارة أو رأى يطلب منه ، ورشح ثلاثة أسماء بديلة لتولى وزارة العدل كان منهم المستشار مصطفى كامل إسماعيل الذى وقع عليه الاختيار لتولى وزارة العدل .

وكانت توجيهات الرئيس جمال عبد الناصر فى هذه المرحلة بالنص هى " لا يمكن أن يعين وزيرا للعدل على أوضاع لا يعرف تفاصيلها 00 لابد أن يوضع فى الصورة بالنسبة لما هو حادث ، ولما ينوى اتخاذه من إجراءات ويجب أن ينضم لمن قاموا ببحث الأوضاع وتعرض عليه جميع أعمال اللجان ليقول رأيه فيها " .

وعندما فوتح المستشار مصطفى كامل إسماعيل فى تولى وزارة العدل وعلم بتوجيهات الرئيس اعترض فى بداية الأمر قائلا : " ليس هذا هو الأسلوب الذى نعيد به تنظيم القضاء ، ورغم أنه يوافق من ناحية المبدأ على إعادة تنظيم القضاء ولكن لديه اعتراضات من حيث الشكل " .

تم عرض كل الوثائق والدراسات والتوصيات متضمنة الحالات التى جرى دراستها وفقا للمعايير التى اتفقت عليها اللجنة ، وتم تخصيص غرفة جلس فيها بمفرده ، ووضعت تحت تصرفه كل الوثائق وتقارير التفتيش القضائى وتقارير المتابعة لكل الأشخاص والأوضاع فى تلك الفترة وبعد حوالى الساعتين تقريبا خرج المستشار مصطفى كامل إسماعيل من الغرفة قائلا " أنا اكتفيت بما أطلعت عليه وهو يزيد عما كنت أتصوره " ، ثم بدأ يشرح تفصيلا وجهة نظره ، ولماذا اعترض من حيث الشكل ولماذا وافق بعد أن اقتنع فقال :" بالنسبة لأحد القضاة بالذات أنا اعترضت من ناحية الشكل لأنى وجدت اسمه ضمن الكشوفات ، وهذا الرجل أنا أعرفه جيدا ولا يرقى إليه الشك فى أى تصرف لكن اتضح – أو يشاء الحظ العسر – أن هذا الإنسان بالذات نسب إليه فضيحة أخلاقية ثابتة بالدليل المادى " ومن المفارقات المحزنة والتى تدعو للأسى أن هذا الشخص عينه الرئيس السادات فى منصب سياسى رسمى كبير بعد أحداث 13مايو ، ويشاء القدر أن لا يستمر فى منصبه هذا إلا فترة بسيطة أبعد بعدها ، وطلب المرشح للوزارة بعد ذلك أن نتدارس الحالات الباقية كل حالة على حدة ، وبالفعل خضعت جميع الحالات للدراسة وما أقره واتفقت عليه اللجنة وما رفضه لم يراجع فيما رفضه .

وقد كانت تعليمات الرئيس جمال عبد الناصر مرة أخرى" إن ما يرفضه المرشح لوزارة العدل باعتباره قاضيا كبيرا لا يناقش فيه  " .

واستمرت العملية حتى وصلنا إلى مناقشة حالة إحدى الشخصيات البارزة فى الأسرة القضائية ، ولم يصدق أو يتصور أن يبحث أساسا هذا الاسم بما هو منسوب إليه من تصرف وتساءل : " هل أثرت هذه التصرفات على عمله ؟ " . فقدمت إليه الوثائق والأدلة التى تثبت تدخل هذه الشخصية فى مسائل مالية وأخرى تتعلق بالجمارك بما يخرج عن مقتضيات الوظيفة ، ووضعه كقمة فى الأسرة القضائية ، خصوصا أن تدخلاته كانت لصالح إحدى سيدات المجتمع . . فوافق على التوصية بالنسبة لهذه الشخصية .

وانتهت اللجنة الأولى إلى توصيات محددة واضحة ، كما اتسع النقاش بين القانونيين ليتجاوز مجرد محاسبة بعض العاملين فى الأسرة القضائية إلى طرح تطوير شامل للمؤسسة القضائية بما يوفر دفعة قوية للمؤسسة ، مما أعتبر خطوة للإصلاح القضائى ، وقد قام الدكتور جمال العطيفى بإعداد مشروعات القوانين المذكورة ، ويشاء القدر أن يكون هو نفسه من يقوم بإعداد مشروعات القوانين التى أعادت بعض القضاة الذين شملتهم قوانين أغسطس 1969 .

كانت القوانين أرقام 81و82و83و84 لسنة1969 بتاريخ 31أغسطس 1969 ،قد تضمنت ما يلى :

إنهاء خدمة 91 مستشارا وقاضيا وعضو نيابة عامة ، ونقل 36 آخرين إلى مؤسسات أخرى فى الدولة .

إنشاء محكمة عليا تختص بدستورية القوانين وتفسيرها وتحقيق التجانس فى الأحكام القضائية .

إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية ليتولى الإشراف على الهيئات القضائية والتنسيق فيما بينها .

إنشاء وإعادة تشكيل الهيئات القضائية بما يكفل فعالية الإصلاح القضائى .

وضع نظام جديد لمجلس إدارة نادى القضاة ، بحيث يجعل تشكيله بحكم وظائف أعضائه القضائية .

ويبقى أن أشير أن محاضر اجتماعات هذه اللجان وكل الأوراق التى تداولتها ، والوثائق التى كانت تشمل تسجيلات وصور فوتوغرافية تثبت وجهات النظر التى تدين بعضهم بما لا يقبل جدل أو مناقشة ، بأعمال مخلة وأعمال لا أخلاقية أو تصرفات تشين صاحبها ، والنتائج التى توصلت إليها اللجنة محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات السرى للغاية بمنشية البكرى ، لمن يريد أن يرجع إليها أو يبحث للتاريخ .

تلك هى القصة كاملة للإجراءات التى استهدفت إعادة تنظيم القضاء فى أغسطس 1969، كما عايشتها وكما شاركت في غالبية فصولها وما أود أن أؤكد عليه – ليس من قبيل التبرير أو الدفاع – أن هذه الإجراءات قد فرضتها ضرورات سياسية وأمنية واجتماعية لحماية المؤسسة القضائية نفسها ، وتخليصها من أية شوائب قد تلحق بها ، ولم تكن أبدا مجرد تعبير عن تعنت الدولة مع القضاء ، بل إنه من الثابت أن القوانين التى استهدفت تعميق الدور الرقابى للسلطة القضائية سواء على تنظيماتها الداخلية ( المجلس الأعلى للقضاء ) أو على السلطات الأخرى فى الدولة ( المحكمة الدستورية ) قد وفرت نقلة نوعية كبرى لدور القضاء فى المجتمع ، وليس بعيدا عن الذاكرة الأحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية فى وقف العمل بعدد غير قليل من القوانين بل وأنظمة بكاملها كالنظام الانتخابى تأكيدا للدور الفعال الذى تمارسه هذه المحكمة فى ضبط كل الأمور .

وكانت اللجنة الثانية التى رأسها السيد أنور السادات وكان يعاونه مجموعة من المستشارين والقضاة على رأسهم المستشار سعد زغلول ماهر ، قد تقدمت باقتراحات بكشوفات تشمل التطهير – كما كان يسميها هو دائما – بيانها كالآتى :

20 مستشار بمحكمة النقض .

54 مستشار بمحاكم الاستئناف .

9 محامون عامون .

15 رئيس محكمة ابتدائية .

33 قاض .

10 من رجال النيابة العامة .

ومن المتناقضات الغريبة أن السيد أنور السادات قام فى شهر يوليوسنة1971 بتقديم أكبر مؤيديه فى اللجنة الثانية ( المستشار محمد صادق المهدى وآخرين ) إلى النيابة العامة ، وحقق معهم وأقامت النيابة الدعوى التأديبية ضدهم وأعلنتهم فى 19/7/1971 فى الجناية رقم 351لسنة71 حصر أمن دولة عليا ، وهذه قصة أخرى .

ولا شك أن تفجير الحملة ضد هذه الإجراءات ووصفها بمصطلح " مذبحة القضاء" لم يخرج عن كونه عملية مقصودة لتصفية الحسابات أيضا ، فقد كان الصحفى مصطفى أمين هو الذى فجر هذه الحملة ، وقاد عملية توسيعها وصبغ عليها من الأوصاف الكثير وذلك فى أعقاب الإفراج عنه – إفراجا صحيا – نتيجة وساطة أجنبية أمريكية على وجه التحديد ، بعد أن كان محكوما عليه بالسجن المؤبد فى قضية تجسس كاملة الأركان كما وصفها السيد كمال حسن على عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات العامة - بعد انقلاب مايو1971 - وأصدر تعليمات بتدريسها فى معهد الدراسات الاستراتيجية كنموذج لقضية تجسس كاملة الأركان . كما عاون مصطفى أمين فى هذه الحملة المشبوهة بعض القضاة من الذين كانوا ينتمون للوفد والإخوان المسلمين على وجه التحديد ، ومنهم اثنين كوفئوا من السادات بتعيينهم فى مناصب مرموقة مكافأة للدور الذى قاموا به فى معاونة مصطفى أمين فى الحملة لتشويه عبد الناصر وثورة يوليو ولأنى أتوخى عدم تصفية الحسابات سوف لا أذكر أسمائهم وإلا سأضطر إلى ذكر تفاصيل لن تسرهم هم ومن وراءهم ، ولا أدل على ما نقول سوى ارتكاز الحملة على قضية الإبعاد وإنهاء الخدمة أو النقل لبعض القضاة كان أغلبهم سيحال إلى المعاش بعد شهر أو شهرين ،مع تجاهل ما لحق بالمؤسسة القضائية من عناصر إصلاح،أكثر من ذلك تجاهل الدور الذى لعبه السيد أنور السادات والمجموعة التى تعاونت معه بحكم توليه اللجنة الثانية التى حققت فى كل المخالفات ، مما يؤكد أن المقصود ليس فقط إرجاع الحقوق لبعض القضاة وإنما تشويه صورة عبد الناصر كشخص وثورة يوليو كنظام سياسى .

وعودة إلى الموضوع مرة ثانية فقد أثار الرئيس جمال عبد الناصر موضوع إعادة تنظيم القضاء فى اجتماع عام كان الاجتماع الأول للجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة فى الحادى عشر من إبريل 1970 ، وكانت اللجنة هذه تضم عددا من رجال القضاء ، ووقف أحد المستشارين من أعضاء اللجنة ليطلب نيابة عن عدد من زملائه رجال القضاء أن يشاركوا فى العمل الوطنى والسياسى ، وفيما يلى نص الحوار الذى دار بين الرئيس والمستشار السيد محمد السيد الرفاعى الذى سأل الرئيس :

لقد طلب منى أربعة من رجال القضاء نيابة عن كل رجال القضاء أن أبلغ سيادتكم رغبتهم الشديدة الملحة فى الانضمام للعمل الوطنى والقومى فى هذه المرحلة ، ولو أنهم ليسوا أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى

الرئيس : هو الحقيقة الاتحاد الاشتراكى ليس بحزب سياسى ، الحقيقة هو فيه قانون القضاء موجود فيه يظهر فقرة تمنع رجال القضاء من الانضمام إلى أى تنظيم . . موش كدة ؟ . . أنا فاهم إن فيه قانون يمنع . .

السيد محمد السيد الرفاعى : لقد ترك القانون موضوع تنظيم رجال القضاء والشرطة فى الاتحاد الاشتراكى .

الرئيس : قانون القضاء نفسه .

السيد محمد السيد الرفاعى : إنه ليس عملا سياسيا ، ولكنه عمل قومى . .

السيد الرئيس : اهو ده اللى بدى أقوله إن ده عمل قومى ، مش عمل سياسى . . هو القانون الجديد إتعمل فى وقت عصام حسونة . . آخر قانون . . يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسى ، بس بأعتبر إن دى فقرة كانت بتتحط فى كل القوانين .

حقيقة إن إحنا لم نتدخل فى القضاء من سنة 1952 حتى الآن ، وكان أساسا عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا فى القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا أو بكذا ، وده أرقّيه . . وده أعملّك . . أو قرّب ده . . أو إبعد ده . . أبقى فعلا هدمت عمل أساسى للبلد . . وأستقر الرأى على أنه إذا كان فيه قضية سياسية ، بنعمل قضية سياسية وبنعمل إحنا أنفسنا قضاة ، بنحكم زى ما إحنا عاوزين ، ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخلشى أبدا فى القضاء . . . وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة هم اللى بيحاكموا .

وكان ده بيدّى المعنى للناس بأن القضية سياسية ، ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء ، وإحنا اللى حناخد فيها المسئولية ، أو بنعمل محكمة ثورة فى هذا الشأن ، لكن لم يحدث أبدا ، وأظن إنت متابع هذا من سنة 1952 ، لغاية النهاردة سنة 1970 ، إن إحنا تدخلنا مع أى قاضى لأى شىء لأن الحقيقة القضاء فى هذا هو صمام الأمان فى البلد ، ولكن الحقيقة أخيرا حصل العكس . . إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاء بعد 1967 ، بعد الأزمة اللى إحنا كنا فيها ، وكتبت مقالات وقيل كلام وإنت طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل . . . نتدخل لنبعد هذه العناصر ، حتى وكان يمكن أن نتدخل بطريق ثانى برضه كان ممكن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب فى وسط القضاة وأضرب دول بدول ودى عمليات كانت بتحصل أيام صبرى أبو علم وأيام كل الحزبيين كانوا بيبقوا موجودين فى الأحزاب ، كان بسبقى فيه القضاة بتوع فلان والقضاة بتوع الآخر ، لكن الحقيقة برضه وجدنا من المناسب إن إحنا بنخلص الموضوع ونقضى عليه وليسير القضاء فى الطريق السليم وأنا الحقيقة رأيى إن القضاة يجب أن يشتركوا فى العمل القومى . . لأنه لو عملنا حزبين ، الحقيقة كان القضاة يبقى مالهومشى دعوة ، ولا يدخلوش فى العملية ، ولكن الحقيقة طالما إن أنا ما بأقولشى الاتحاد الاشتراكى حزب لأنه لا يمثل الحقيقة طبقة أو فئة ومصلحة ، هو تحالف قوى الشعب كلها فإذن القضاء يجب أن يكون موجود والجيش بيكون موجود والبوليس بيكون موجود .

الحقيقة الجيش بعد النكسة قالوا لى يعنى إحنا مش عاوزين نروح الاتحاد الاشتراكى إلا بعد التحرير ، وهم فى هذا كان ليهم حق ، قالوا يعنى ما نقدرش وفيه ظروف وأيامها كان حتى فيه حملة على القوات المسلحة وقالوا إحنا مش عاوزين نحتك بأحد ، عاوزين نبعد لغاية ما نحرر الأرض . . وبعد كدة نبقى ندخل فى الاتحاد الاشتراكى وعندهم مشاغلهم وإنتم كان عندكم المشاكل الموجودة بالنادى والكلام ده . . أيضا ما كناش عاوزين ندخل فى مشكلة ، فكان الحقيقة الحل لهذا أن نؤجل الجيش والبوليس والقضاء إلى أن يحين الحين ، ولكن أرجو إن فى أقرب وقت إن إحنا ننفذ ذلك .

حافظ بدوى :

على ما يبدو إن السيد المستشار محمد السيد الرفاعى يريد أن يقول إن القبول فى لجان المواطنين من أجل المعركة يشترط أساسا عضوية الاتحاد الاشتراكى ورجال القضاء والشرطة والجيش ليسوا أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى .

الرئيس :

لا. . هو فيه استثناء . . فى الكلام اللى حصل فى اللجنة المركزية يستثنى رجال القضاء والشرطة والجيش .

المستشار بدوى حمودة ( رئيس المحكمة العليا وعضو اللجنة ):

إن النص الذى ورد فى قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التى وضعت أثناء قيام الأحزاب السياسية السابقة وعن تفسير هذا النص – وأنا رئيس لمجلس الدولة – كنت أول من انضم إلى الاتحاد القومى ، ثم الاتحاد الاشتراكى وما زلت حتى الآن وسأظل دائما ولآخر لحظة فى حياتى عضوا فى الاتحاد الاشتراكى ، لأنى عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه فى عهد ما قبل الثورة ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله . . إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ، ومن غير المعقول أن يتجرد رجال القضاء من الشعب الذى ينتمون إليه .

الرئيس جمال عبد الناصر :

هو على كل حال هذا الموضوع ، أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة فى نادى القضاة واستمرت من أول 1968 لغاية منتصف1969 ، وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة كان ببقولها كل واحد ، وكنت شايف العملية دى يعنى -. . هو المؤلم فيها إنها جت فى هذه الأوقات اللى إحنا كنا بنمر فيها ، والحقيقة اللى حصل بعد كدة وهو رأس المعركة ، هو ، هل ينضم القضاء للاتحاد الاشتراكى ، أو لا ينضم القضاء للاتحاد الاشتراكى ، والحقيقة هى كانت معركة فارغة ويعنى كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ، ولكن بنحل هذا الموضوع إنشاء الله .

والسؤال الذى يطرح نفسه بعد هذه الشروحات ، هو التوقيت .

لماذا تم اختيار هذا التوقيت بالذات ؟

وهل المعركة كانت بين طرفين من رجال القضاء أم كان هناك شىء آخر مجهول السبب والدافع ؟ وهل سيبقى هذا المجهول لمستقبل قد يطول كما حدث مع أعمال أخرى تمت على النطاق المحلى والدولى ولم تظهر حقيقتها حتى الآن ؟

مارس 2005 

-


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة


You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.
This web site is maintained by
ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US