
.بعد احتلال العدو الاسرائيلي لسيناء، قرّر نهب ثرواتها الطبيعية، وأهمها النفط. لغرضين ، أولهما اقتصادي :
الحصول على نفط مجاني ، والثاني سياسي : ضرب الروح المعنوية العربية في مقتل : تسيير العدو لمعداته الحربية ، بنفطنا نحن !
وقد خطط العدو بدقة ليصل لغرضيه، فتعاقد علىشراء أحدث حفار بحري بالعالم من كندا، لاستخدامه في البحث والتنقيب عن النفط في مياه خليج السويس. وكان الحفار الكندي تجره قاطرة هولندية وعليه بحارة بريطانيين .. لكي تعجز مصر عن ضرب الحفار بمقاتلاتها عند اقترابه من البحر الأحمر .. لأن مصر اذا غامرت بضرب الحفار علانية ، فمعنى هذا أنها استعدت عليها ثلاث دول غربية، ناهيك عن التربص الأميركي الدائم !
ولأن العدو كان يدرك أن المخابرات العامة المصرية ، لن تترك الحفار وشأنه .. فقد احتاطت الأجهزة المعادية للأمر وقامت بتأمين الخطوط الملاحية للحفار القادم عبر المحيط الأطلنطى الى رأس الرجاء الصالح ثم البحر الأحمر .. كما انتقت خطوط سير ملاحية بالغة السرية وغير مألوفة .. وكذلك جنّد الموساد رجاله وأجهزته بمعاونة المخابرات المركزية الأميركية لمصاحبة الحفار وحمايته بكل الطرق الممكنة ..
من جانبنا ، كان المشهد كالتالي : في بداية شهر يناير عام 1970 ، تسلمت القاهرة من إحدى محطات المعلومات المصرية معلومات مؤكدة أن شركة إسرائيلية تُدعى (ميدبار) ثُلاثية الجنسية إسرائيلية – أمريكية – بريطانية تعاقدت مع شركة (إيني) الإيطالية عملاق مشروعات استخراج البترول العالمية على إدارة وتشغيل حفار مُتقدم اسمه Kenting 1)).وأنها بصدد إرساله إلى منطقة خليج السويس لاستخراج البترول الخام من الآبار المصرية المُحتلة مُنذ يونيو /حزيران عام 1967 لحساب إسرائيل ، على مرأي ومسمع من العالم الذي تجاهل بقصدٍ سافرٍ الاحتجاجات الدبلوماسية العربية،
بكافة المحافل الدولية ، بغرض ممارسة أقصى ما يمكن من ضغوط على إرادة صانعالقرار المصري ، ليرفع راية الاستسلام ويرضخ لما هو مطلوب منه : استعادة سيناء ، ضمن الشروط والقيود الاسرائيلية المطلوبة ، وترك فلسطين ( والعروبة من بعدها ) لمصيرها الأليم . وهكذا ، التقط #الريّس جمال عبد الناصر ، قفاز التحدي ، طالباً من رجاله منع وصول الحفار الإسرائيلي ( الذي قطرته قاطرة بحرية هولندية ، ترفع العلم الكندي ) ، وتعطيله بأي ثمن في نُقطة مُناسبة ، خارج الحدود المصرية ،
خلال رحلته من كندا إلى خليج السويس عبر الطريق البحري المعروف باسم رأس الرجاء الصالح، بالمُحيط الأطلسي.و عليه أُسندت العملية إلى مُحمد أحمد نسيم ( اشتُهر باسم #نديم_قلب_الأسد ) أكفأ ضُباط العمليات المصرية ، الذي حقق أثناء خدمته السرية نجاحات ميدانية مشهودة ، ( من بينها تهريب السيد عبد الحميد السراج من سجن الانفصاليين بدمشق ، وإيصاله بسلام الى القاهرة ) وكان الريّس قد طالب بنفسه مُدير جهاز مخابراته السيد أمين هويدي، ( الذي مارس مهامه من يوليّو/تمّوز 1967 إلى نهاية عام 1970 )
بإسناد العملية إلى قلب الأسد.وكخطوة عمليات احتياطية روتينية وضع قلب الأسد نُصب عينيه احتمالات مُمكنة لفشل تدمير الحفار التي أسماها “عملية الحاج ” .. وكان سبب تسميتها مزامنه أحداثها لموسم الحج .وفي الواقع كان لتسمية (الحاج) أسباباً أُخرى لأن الاسم كان شائعاً للغاية في غرب إفريقيا بل يُستعمل كلقب قبل الأسماء العادية حتى يومنا هذا . على أي حال استهدفت العملية الرئيسية تدمير الحفار خارج الحدود المصرية ، قبل وصوله إلى البحر الأحمر. لذلك كان الكمين الأول في ميناء (مصوع) السوداني أما الكمين الثاني فكان تخطيط لعملية قصف جوية خاطفة من إحدى القواعد الجوية المصرية في الغردقة أي قبل وصول الحفار لخليج السويس.بداية عملية الحاج ..في البداية سافر قلب الأسد من القاهرة إلى لواء الصاعقة البحرية الضفادع البشرية في أبي قير بمدينة الإسكندرية واختار بنفسه أربعة عناصر كانت على التوالي:رائد خليفة جودت قائداً لمجموعة الضفادع الموكل إليها تنفيذ تدمير الحفارملازم أول حُسني الشراكي ضابط عملياتمُلازم أول محمود سعد ضابط عملياتضابط صف أحمد المصري مُساعد عملياتوالمجموعة كُلها تحت قيادة مُحمد نسيمسرية العملية ..
المُثير نظراً لحساسية العملية لم يكشف قلب الأسد أسرار الحفار حتى لمجموعة التنفيذ فأبلغهم أنها عملية روتينية لتدمير (سفينة تُجارية) مُتوسطة الحجم بواسطة أربعة ألغام بحرية عادية وأن ترتيبات التنفيذ لن تختلف عن مثيلاتها خلال العمليات الخاصة ضد السواحل المُعادية. كان قلب الأسد مُتواجداً بالعاصمة الفرنسية باريس من أجل توفير المُعدات اللازمة للعملية مع التأكُد من المعلومات النهائية لخط سير الصيد الثمين ،
حين علم أن الحفار سيصل إلى ميناء مدينة داكار في دولة السنغال عصر الاثنين الموافق 12 فبراير 1970، فأرسل للقاهرة برقية شفرية من سطر واحد ورد فيها التالي:”السيد مُحمد عزيز مصري أرسل البضائع لعنوان ض.ب لسنج فوراً .. الحاج لن ينتظر ونتحمل غرامة التأخير”.ولو قمنا بتفكيك حروف اسم المعنون إليه في البرقية لوجدنا أن تجميع أول حرف من كُل اسم يُنتج (معم) كان موجاً لجهاز المعلومات المصري وأن العنوان احتوى على الضفادع البشرية والسنغال وكود العملية (الحاج) والتحذير أن التأخير سيؤدى إلى فقد أثار الهدف. ونظراً لعدم توافر خطوط جوية مدنية مُباشرة بين القاهرة والسنغال في تلك الأيام،
وللمزيد من التمويه طار فريق الضفادع البشرية على الفور إلى باريس تحت هوية فنيين تشييد كباري ومشروعات هندسية ( كان قلب الأسد يحمل هوية مقاول مشروعات هندسية ذو خبرة طويلة ، وصل لتقديم طلب مُشاركة بمُناقصة حكومية روتينية.بعدها بحوالي 24 ساعة كان فريق الضفادع قد وصل إلى داكار، وانتظر الفريق المصري بصمت تام ، التعليمات النهائية من قلب الأسد بالتنفيذ
.لكن الأخير ألغى العملية في ليلة التنفيذ بعدما توقفت قاطرة الحفار بداخل حوض بحري كان على مسافة 50 متراً من القاعدة البحرية العسكرية الفرنسية ، التي غطت أبراج المُراقبة والحراسات فيها كُل المنطقة في مُحيط 5 كيلو متر مُربع.وعليه عاد الفريق صباح اليوم التالي على نفس الطائرة الفرنسية إلى باريس بعدما اختلقوا مُشكلة مع مكتب تسجيل المُناقصات الحكومية السنغالية ، ثم اعترضوا على الرسوم المُبالغ فيها لتسجيل طلبهم ، بحيث بدا الأمر طبيعياً تماماً .بينما بقى قلب الأسد وحيداً وأمضى في داكار عيد الأضحى المُبارك بعدما فشل في اللحاق بالطائرة الفرنسية التالية التي توقفت لعُطل فني طارئ في المغرب.الحفار يُغادر السنغال ..بعد يومين عاد قلب الأسد إلى القاهرة وبدأت الأعصاب تتوتر وكان الوقت يضيق بعدما اختفت في عرض المُحيط الأطلسي آثار قاطرة الحفار التي رافقتها عناصر من مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة بجهاز الموساد الإسرائيلي.
كسرت الجمود معلومة قدمها بحار إفريقي مُتعاون ، أكدت على وجود عُطب في جسد القاطرة الهولندية ظهر في داكار بالسنغال ، وأن خط سير الحفار سيُجبره حتماً على التوقف للإصلاح وللتزود بالوقود والمؤن في حوض بميناء أبيدجان عاصمة دولة ساحل العاج ( محطته التالية على المُحيط الأطلسي ) حيث قطع الغيار المُستوردة التي لم تكُن متوافرة في السنغال ، موجودة بساحل العاج ، وبالفعل ظهر الحفار هناك عصر الاثنين الموافق 2 مارس 1970.فسابق قلب الأسد الزمن من القاهرة إلى باريس ومنها إلى ساحل العاج وفي الساعة السابعة والنصف من مساء 7 مارس 1970 لحق به فريق الضفادع المصرية ، ولكن بهويات مُختلفة لمجموعة تصوير مُحترفة مُتخصصة في توثيق الحياة البرية وأفلام الأدغال.
وكانت حركة سوق الإعلام العالمي لإنتاج تلك النوعية مطلوبة للغاية في أوروبا ، واعتادت مطارات ساحل العاج ، كغيرها من مطارات الدول الإفريقية ، استقبال أطقُم المصورين الأجانب من مُختلف الجنسيات مع أدواتهم لذلك الغرض.وكأن السماء قد ساعدت في تمويه الظروف ، فبالصُدفة البحتة وصل فجأة إلى أبيدجان فريق من رواد الفضاء الأمريكيين لزيارة خاصة ومعهم مجموعة كبيرة من المصورين من مُختلف وسائل الإعلام العالمية ، فأصبح تواجُد فريق المصورين المصري طبيعياً للغاية.نعود الى قلب الأسد الذي كان في أول ليلة ، يراقب موقع الحفار ، من الساحل وبقارب سريع تابع أسلوب حراسته بمُساعدة عناصر سرية عملت في مقر السفارة المصرية في ساحل العاج حيث جمع بيانات احتاجها لإصدار أمر تنفيذ العملية الأخير.حدد قلب الأسد موعد التنفيذ في مُنتصف ليلة الأحد الذي صادف الثامن من مارس عام 1970 وبالفعل نقل فريق الضفادع في سيارة فان صغيرة ،
وبداخلها أربعة ألغام بحرية مع أدوات الغطس التي ستُستخدم.عملية إلهاء العيون ..قبلها اتفق قلب الأسد في الصباح مع مجموعة من الصيادين على الاحتفال بعيد زواج زوجين نرويجيين بعيداً عن موقع العملية التي كانت على مقربة من غابة نباتات كثيفة وأحضر للصيادين أربعة صناديق من الألعاب النارية وطلب إطلاقها تباعاً عند انتصاف الليل بالثانية .وكان قلب الأسد قد تعرف على زوجين عجوزين في الفُندُق الذي حجز فيه لفريق العملية وعلم منهما أنهما قدما إلى أبيدجان في ساحل العاج لتمضية شهر عسل، فقرر استغلال القصة لصالح تمويه العملية.وبالصُدفة كذلك كان قلب الأسد يحتفل هو الآخر بمُناسبة هامة في حياته الشخصية بالإضافة إلى عيد ميلاده الثالث والأربعين ، بينما كانت نساء ساحل العاج تحتفلن مُنذ الصباح الباكر بمراسم (كرنفال) يوم المرأة العالمي.بالفعل بدأت الصواريخ النارية تُطلق بكثافة فغادر ضُباط الموساد الإسرائيلي الحفار الذي رسا على مسافة 400 متراً من الشاطئ في قارب سريع في اتجاه مصدر إطلاق الألعاب النارية لاستبيان التهديد ، وبنفس اللحظة كانت الضفادع البشرية المصرية تخرج من الغابة تحت جُنح الظلام باتجاه الماء حيث مرساة قاطرة الحفار الهولندية وعلى عُمق متر واحد أسفل قاطرة الحفار ثبتوا الألغام الأربعة وخرجوا مُسرعين من موقع الهدف قبيل ظهور رجال الموساد ثانية في قاربهم السريع الذي مسح المكان.
في هذه اللحظة مع عودة بعض الصيادين شاهدوا خيالات غريبة تخرُج من المياه على الشاطئ بالقُرب من الغابة فهربوا اعتقاداً منهم بسبب مظهر الضفادع البشرية أنهم من العفاريت، وكانت تلك القصص، وما زالت ليومنا هذا منتشرة بإفريقيا كُلها.خشي قلب الأسد من اكتشاف أمر فريق العملية مع عودة حُراس الحفار الإسرائيليين وكان الاتفاق مع الضفادع المصرية أن يتركوا بموقع العملية ( لكن بعيداً عن مرساة الصيد الثمين ) بعض الأدوات التي استخدموها أثناء التنفيذ ، مستهدفين ترك البصمات المصرية واضحة ، كي يُدرك العالم أن مصر قادرة على الوصول إلى أي مكان ، للدفاع عن قضيتها.في الساعة السادسة صباحاً ومع بزوغ أول ضوء للنهار على سطح المُحيط الأطلسي هزت الانفجارات القوية المُتتالية مدينة أبيدجان النائمة،
وكان قلب الأسد قد تأكد من نجاح كُل الترتيبات مع اجراءات التنفيذ الروتينية.في الفُندُق استيقظ فريق العملية (المصورون المحترفون) بشكلٍ طبيعي أمام النُزلاء وإدارة النُزُل وتناولوا الإفطار ثم انطلقوا إلى عملهم الذي حضروا من أجله لتصوير أدغال ساحل العاج وبعد 24 ساعة اختفى الفريق تماماً ، عدا قلب الأسد الذي دفع الحساب وحجز لنفسه حتى آخر الأسبوع حيث بقى وحيداً في أبيدجان، لتأكيد تدمير (الحاج).جابت السُلطات الأمنية لساحل العاج موقع تدمير الحفار الذي مال على جانبيه وأُصيب بعطبٍ جسيمٍ استحال معه استكمال رحلته حتى عثروا مثلما خطط قلب الأسد مع العقول التي دبرت للعملية في القاهرة ، على الأدوات التي تركها فريق العملية عامداً . وكان من بين تلك الأدوات عدد ثلاثة بطارية كشاف مُصمت يعمل تحت الماء ،
مع عدد ثلاثة أزواج زعانف أقدام غطس صناعة إيطالية.كما عثرت فرق البحث الأمنية العاجية، وفق ما نشرته الصُحُف المحلية في أبيدچان، على ثلاث نظارات غطس مُحترفة ألمانية الصُنع ، وجهاز لاسلكي ياباني المنشأ ، وعدد 2 لوح حديد (بار) حمل عليها المنفذون الألغام الأربعة التي استُخدمت في عملية تفجير الحفار .بينما تُركت البصمة المصرية للعملية وهي البطاريات الداخلية للكشافات اليدوية ، وكانت الوحيدة مصرية الصُنع .ومنها علم العالم جنسية المنفذين ، وبواسطتها وصلت الرسالة أن مصر يدها ستصل الى ما تريده.وفي ظهيرة الحادي عشر من مارس 1970 عاد قلب الأسد مع السيارة الفان البيضاء لشاطئ العملية ، لكنه تلك المرة لم يُغادر السيارة وراح يلتقط من داخلها ، حيث استقر أعلى ربوة مُرتفعة ، عشرات الصور للحفار الإسرائيلي ، الغارق جُزئياً بعمق المياه من عدة زوايا بعدسة كاميرا مقربة في يده ، أكد فيلمها المُتحرك اقتناص الصيد و تدمير “الحاج” .
وعلى الطريق توقف قلب الأسد لثوان ، بجوار سيارة كانت تسير في الاتجاه العكسي ، سلّم قائدها الكاميرا وداخلها الفيلم الذي صوّره ، ثم اتجه مُباشرة إلى المطار .واستقل طائرة الخطوط الجوية الفرنسية إلى باريس ، ومنها في الليلة نفسها فجراً إلى القاهرة الظافرة .على الهامش : لأن آفة حارتنا الاستسهال ، لا النسيان فحسب . فقد روّجت صحافة يا نوم يا نوم يا نوم ، ( التي اشتهرت بأسئلة على شاكلة : “أين ترعرعت سيدتي ” ) قصصاً وهمية ، عن العملية ، لعل أسخفها كان الزعم بأن السيد محمد نسيم استغل تصوير فيلم تافه يحمل اسم “عماشة في الأدغال”
، كغطاء تمويه ميداني لتنفيذ عملية “الحاج” . بينما الحقيقة تقول أن الفيلم المذكور تم تصويره في العاصمة الأُوغندية ( كمبالا سيتي) في فبراير /شباط عام 1972 ، يعني بعد عملية تدمير الحفار بسنتين كاملتين ! فتأملوا ، يا مَن تثرثرون بشأن “تزوير التاريخ” ، فالواقع الموحِل شاهد على امتداد يد التلفيق الى الجغرافياً ، بالخلط بين كمبالا سيتي الأوغندية ( شرق أفريقيا ) و أبيدچان العاجية ( غرب أفريقيا ) ، التي تبعد أولاهما عن الأُخرى 4106 كيلو متر ! تخيّلوا : كمبالا ، مسرح تصوير الفيلم المزعوم ، تبعُد عن مسرح عمليتنا النوعية ، في أبيدچان ، بأكثر أربعة آلاف ومائة كيلو متر ، ويوجد فرق توقيت بينهما 3 ساعات كاملة !.