
أين ذهبت القيم الدينية التي طالما رفعتها المنابر؟ أين العروبة التي تغنّت بها الخطابات؟ أين الوطنية التي يُفترض أن تحمي كرامة الأمة؟ وأين النخوة التي تفيض عند أول نداء استغاثة؟ أسئلة كبرى طرحت نفسها بقوة مع سقوط هذه القيم جميعاً بالضربة القاضية، حين تحولت بعض الأنظمة العربية إلى داعم غير مباشر لإسرائيل خلال حربها على غزة، بل إلى شريك فعلي في جريمة الإبادة.
لم يعد الصمت ولا الحياد مجرد عار سياسي، بل باتت الممارسات الواقعية ـ من التجارة إلى تسهيل مرور السلاح، ومن التغطية الدبلوماسية إلى التواطؤ الإعلامي ـ مشاركة عملية في إطالة عمر المجزرة وتعميقها. هكذا ارتفعت منسوب التوحش الإسرائيلي، إذ شعرت تل أبيب أن ظهرها محمي عربياً وأنها تستطيع القتل بلا حساب.
- الدعم الاقتصادي واللوجستي
استمر التبادل التجاري بين بعض الدول العربية وإسرائيل رغم الدماء والدمار. الإمارات مثلاً سجلت تبادلاً تجارياً يتجاوز 2.6 مليار دولار مع تل أبيب عام 2024، وفق بيانات رسمية، لتصبح ثاني أكبر شريك اقتصادي لها في المنطقة.
وإلى جانب ذلك، واصل ميناء جبل علي استقبال البضائع الإسرائيلية، فيما مرّت طائرات شحن عبر أجواء عربية في ذروة الحرب، مانحة إسرائيل متنفساً اقتصادياً ولوجستياً بالغ الأهمية.
- التأثير السياسي
في الساحة السياسية، لعبت بعض الأنظمة دوراً محورياً في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل:
بيانات “القلق” و”الدعوات إلى التهدئة” منحت الاحتلال غطاءً سياسياً.
اللقاءات الرسمية والمنتديات الاقتصادية العربية–الإسرائيلية استمرت رغم المجازر.
بعض العواصم ساهمت في تعطيل صدور قرارات دولية أكثر حزماً ضد إسرائيل.
- التأثير العسكري
الأخطر أن الدعم بلغ الجانب العسكري، إذ سُهل مرور الطائرات الأميركية المحملة بالسلاح عبر الأجواء العربية إلى إسرائيل. كما استُخدمت قواعد عسكرية في المنطقة كمحطات لوجستية لنقل العتاد والذخيرة.
وتحدثت تسريبات متداولة عن تبادل معلومات أمنية مع إسرائيل تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”، وهو ما ساهم عملياً في خدمة المجهود الحربي الإسرائيلي على الأرض.
- الدعم الإعلامي والتأثير النفسي
في الإعلام، تبنت بعض القنوات خطاباً قريباً من الرواية الإسرائيلية عبر الحديث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، أو بتقليل حجم المجازر. وفي المقابل، جرى التضييق على التظاهرات الشعبية العربية المؤيدة لغزة، ما أضعف الزخم الشعبي وأراح إسرائيل من ضغط الشارع.
- شراكة فعلية في الإبادة
إن استمرار التجارة مع القاتل خلال المجزرة، وفتح الأجواء لمرور السلاح، ومنع الشعوب من التعبير عن غضبها، لا يمكن اعتباره “دعماً غير مباشر”، بل هو شراكة فعلية في الإبادة. لقد جرى تقديم الدم الفلسطيني قرباناً لمعادلات التطبيع والمصالح الضيقة، في سابقة تكشف حجم السقوط السياسي والأخلاقي والحضاري.
نعم ،وبدم بارد ووجوه مسودة منحت بعض الأنظمة العربية إسرائيل ثقة إضافية في قدرتها على الاستمرار في القتل بلا حساب. وبذلك لم تسفك دماء غزة بيد الاحتلال وحده، بل شارك في الجريمة كل من فتح له الطرق، وأمّن له الغطاء، وكمّم أفواه شعوبه. إنها لحظة سقوط تاريخي، ليس فقط للقيم السياسية، بل للقيم الدينية والإنسانية والعروبية والوطنية على حد سواء.