
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على قطر حدثًا عابرًا، بل صفعة مباشرة لكل الروايات المطمئنة التي روّجت لها واشنطن. فقد استهدفت تل أبيب أعضاء من الوفد المفاوض لحركة حماس على الأرض القطرية، في خرق فاضح للأعراف والقوانين الدولية، والأخطر من ذلك: انتهاك صارخ لسيادة الدوحة وأمنها، وتقويض لدورها كوسيط إقليمي طالما تفاخر بقدرته على التواصل مع جميع الأطراف.
الغطاء الأميركي، الذي بدا وكأنه مظلة حماية، لم يكن في الواقع سوى شبكة مثقوبة لا تردّ عدوانًا ولا تمنع جريمة. إسرائيل لم تتردّد في تجاوز “الحليف” القطري، لأنها تعلم أن واشنطن لن تُحاسبها بل ستتواطأ معها في تبرير الدم المسفوك. وهكذا، بدا أن ضمانات أميركا لا تحمي حتى أقرب شركائها.
من هنا يصبح من المشروع أن نسائل المشهد اللبناني: كيف يُطلب من لبنان أن ينزع سلاح مقاومته، وأن يركن إلى ضمانات أميركية أو وعود دولية، فيما الوحش الصهيوني يترصّد ويترقب اللحظة المناسبة للانقضاض؟ أليس المثال القطري درسًا كافيًا بأن أي فراغ في القوة يُغري إسرائيل بالمزيد من الاعتداءات؟
ويبقى السؤال الأوسع مطروحًا أمام العواصم العربية: هل يراجع العرب موقفهم من التطبيع بعدما أهانتهم إسرائيل في عقر دارهم؟ التطبيع لم يمنع العدوان، ولم يردع الغطرسة، بل فتح الباب لامتهان السيادة وضرب الكرامة. والنتيجة اليوم أوضح من أي وقت مضى: لا حماية في رعاية أميركية ولا ضمانة في وعود إسرائيلية؛ وحدها المقاومة تشكّل الحصن الأخير أمام مشروعٍ يتغذّى على كل تنازل عربي.
إن ما جرى في الدوحة ليس حادثة معزولة، بل رسالة دموية إلى كل من يظن أن أمنه يُشترى بالتطبيع أو بالاحتماء تحت المظلة الأميركية. لقد آن للعرب أن يدركوا أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، وأن كل تنازل إضافي لن يقود إلا إلى إهانة أكبر وخسارة أعمق. فإما أن تُستعاد الكرامة بالمواجهة، أو يُترك المجال للوحش أن يلتهم الأمة قطعة بعد أخرى