
شهد التاريخ الحديث سلسلة من المحاولات الاستعمارية التي استهدفت تفكيك المجتمعات العربية والإسلامية، ليس فقط عبر السيطرة العسكرية أو الاقتصادية، بل من خلال استراتيجية أشد فتكًا: تهشيم الهوية. فقد أدركت القوى الاستعمارية أن الانتماء الثقافي والديني يشكّل حجر الأساس في تماسك الشعوب،
فاستهدفته كأداة لإضعاف وحدة الأمة وتقويض قدرتها على مقاومة الهيمنة. لا يقتصر هذا التهشيم على الماضي، بل يستمر اليوم من خلال عملية تغريب ثقافي ممنهجة، تنفذها قوى عالمية تملك النفوذ الإعلامي والتقني والاقتصادي. تعتمد هذه القوى على أدوات ناعمة مثل الإعلام، ومنصات التواصل، والمناهج المستوردة، والإنتاج الثقافي العالمي، بهدف فرض النموذج الثقافي الغربي كمرجعية وحيدة للحداثة. يتم ذلك عبر تسويق أنماط حياة وقيم مغايرة،
وتهميش الهوية الأصلية، مما يؤدي إلى تآكل الانتماء واستبداله بولاءات هشة. ترتكز دوافع هذا النهج على هدفين رئيسيين: الأول، ضمان استمرار الهيمنة عبر تفتيت البنية الاجتماعية والفكرية. والثاني، تسهيل السيطرة على الثروات والموارد من خلال زرع الانقسام وتشجيع الصراعات الداخلية. إن إعادة الاعتبار للهوية العربية-الإسلامية، وتعزيز الوعي التاريخي والثقافي، يشكّلان ركيزة أساسية لمقاومة هذا التفتيت. وربما آن الأوان أن نتوقف قليلًا لنتأمل: من نكون؟ وما الذي نريد أن نكونه؟ فالأمم لا تنهض بمجرد استيراد مظاهر الحداثة، بل بإحياء جذورها، وتحديد مسارها بوعي وكرامة واستقلال.