الرئيسية / أخــبار / الصهيونية والفكر اليهودي: من التلمود إلى الهيمنة – بقلم خورشيد الحسين

الصهيونية والفكر اليهودي: من التلمود إلى الهيمنة – بقلم خورشيد الحسين

في زمن تتكثف فيه الدعوات إلى “سلام إقليمي” مع الكيان الصهيوني، وتُبذل محاولات لإعادة تشكيل الوعي العربي من جديد، تبرز الحاجة إلى قراءة نقدية وعميقة للمشروع الصهيوني لا باعتباره طارئاً سياسياً ولد في القرن العشرين، بل امتداداً لعقيدة دينية وفكرية صُنعت عبر قرون، وتغلغلت في تفاصيل الواقع العربي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً.

في هذا المقال، محاولة متجددة لفهم العلاقة بين الفكر الديني اليهودي والصهيونية دون تجميل ونفي من نخب تعيش في ابراج اوهامها، فالصهيونة كانت وما زالت مشروعاً دينياً-سياسياً استيطانياً، يلبس قناع الحداثة بينما يتغذى على نصوص لاهوتية تلمودية تُمجّد العنصرية، وتُبرر الاحتلال والقتل باسم “الوعد الإلهي” و”شعب الله المختار”.

التلمود والصهيونية… الأساس العقدي للاحتلال

نشأت الصهيونية، لا كحركة قومية حديثة فحسب، بل كمشروع ينهل من التلمود البابلي، الذي يتجاوز في تطرفه حتى النص التوراتي المحرّف. ففي نصوص التلمود، نجد تبريراً صارخاً للفوقية اليهودية، حيث يقول الحاخام شمعون بن يوحاي: “غير اليهودي لا يُعدّ إنساناً، بل هو أشبه بالحيوان” (التلمود البابلي، سنهدرين 57أ).

ويقول الحاخام الرابي إليعازر: “حتى أفضل الأغيار يجب أن يُقتل” (أبودة زارا 26ب). هذه النصوص، التي يشكّل بعضها القاعدة الفقهية للمدارس الحاخامية الصهيونية، لا تُدرس فقط في المعاهد الدينية بل تُعتمد في تشكيل وعي جنود الاحتلال.

من هنا، فإن من يرى في الصهيونية انحرافاً عن اليهودية، يتجاهل السياق التاريخي للنصوص الدينية التي مهّدت لظهور الفكر الصهيوني العنصري، ابتداءً من “اليشيفا” (المدارس التلمودية) في أوروبا الشرقية، ووصولاً إلى تشكيل تيارات مثل “الصهيونية الدينية” التي يمثلها اليوم حزب “الصهيونية الدينية” بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

التحالف مع الاستعمار… من وعد بلفور إلى كامب ديفيد

إن تأسيس الكيان الصهيوني ما كان ليحدث دون التحالف الاستعماري البريطاني–الصهيوني، والذي تُوّج بوعد بلفور عام 1917، حين قال وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إن حكومته “تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين”. وقد جاء الوعد بعد مفاوضات سرية بين الحركة الصهيونية (برئاسة حاييم وايزمان) ودوائر النفوذ البريطانية، بالتوازي مع اتفاق سايكس–بيكو (1916) الذي قسم المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا.

وفي القرن الحادي والعشرين، تكررت النسخة ولكن بتوقيع عربي، عبر “اتفاقيات إبراهام” (2020) التي وُقّعت مع دول عربية تحت رعاية أمريكية، وهدفت إلى نقل الصهيونية من مشروع احتلالي إلى “شريك إقليمي في التنمية والسلام”، في تزييف صارخ للحقيقة التاريخية، التي تقول إن المشروع الصهيوني لم يكن يومًا إلا ذراعًا وظيفية للاستعمار الغربي في المنطقة.

تهويد الوعي… أخطر من تهويد القدس

نجح الكيان الصهيوني، بفضل آلة إعلامية متطورة وتمويل ضخم من لوبيات عالمية (مثل إيباك والـADL)، في فرض سرديته في الوعي العربي والدولي، حتى بات الحديث عن “التعايش” مع الاحتلال أمرًا مألوفًا، يُروّج له في المسلسلات الرمضانية، وفي ندوات “حوار الأديان”، وحتى في المناهج المدرسية لبعض الدول العربية التي بدأت تحذف اسم “فلسطين” من خرائطها.

ويمكن القول إن أخطر أسلحة العدو ليس الرصاصة ولا القنبلة، بل إعادة تعريف “العدو” في الذهنية العربية. فعندما يتحول المقاوم إلى “إرهابي”، ويتحوّل القاتل إلى “شريك سلام”، نكون أمام انقلاب جذري في الإدراك الجمعي، يهدد جذور الهوية والذاكرة.

من عبد الناصر إلى عبيدالتطبيع

مثّل المشروع القومي في عهد جمال عبد الناصر نقيضاً مباشراً للمشروع الصهيوني. لم تكن معركة 1956 ولا حرب الاستنزاف مجرد مواجهات عسكرية، بل كانت جزءًا من صراع حضاري، بين مشروع تحرر عربي، ومشروع استيطاني غربيّ الهوى والمرجعية.

لكن باغتيال عبد الناصر (فعليًا ورمزيًا)، تراجعت الممانعة العربية لصالح سياسات “الواقعية” و”الانفتاح” على الغرب، حتى وصل الأمر إلى اصطفاف بعض الأنظمة مع الكيان ضد شعوبها، بحجة “مواجهة الخطر الإيراني” أو “الإرهاب الإسلامي”.

الصهيونية المحلية… نُخب عربية بوجه عبري

نحن اليوم أمام طبقة عربية جديدة تمارس الصهينة بثياب عربية. هذه الطبقة لا تحتاج إلى حمل التوراة، يكفي أن تهاجم المقاومة، أو تبرّر التطبيع، أو تُشيطن الفلسطيني، لتكون صهيونية في جوهرها، حتى لو نطقت بالعربية وتحدثت عن “السلام” و”التنمية”.

لقد أصبح لبعضهم منابر إعلامية وجامعات ومراكز أبحاث، يُبررون فيها حصار غزة، ويُهلّلون لزيارات وزراء إسرائيليين إلى العواصم العربية، بل ويطالبون بدمج إسرائيل في التحالفات الاقتصادية الخليجية

الوعي هو جبهة القتال القادمة_

إن معركة الأمة لم تعد محصورة في حدود فلسطين، بل باتت معركة على الهوية. فإما أن نستعيد وعينا الجمعي، أو نستسلم لتطبيع ثقافي وسياسي يفرغ فلسطين من معناها، ويُحوّل “إسرائيل” إلى جار طبيعي، لا عدو تاريخي.

الاحتلال لا يستقر إلا حين يحتل العقل. وإن أولى واجبات المقاومة اليوم ليست فقط حماية الأرض، بل حماية الذاكرة والوعي. فمن لم يستطع أن يُقاتل بالبندقية، فليُقاتل بالكلمة، بالحقيقة، بالوضوح، لأن الهزيمة الحقيقية تبدأ حين يصبح القاتل “صديقاً”، ويُصبح الشهيد “إرهابياً”.

عن admin

شاهد أيضاً

فورين بوليسي: حكاية أربع طائرات مقاتلة – تحكي الطائرات التي تستخدمها الهند وباكستان في الاشتباكات العسكرية قصة تحولات جيوسياسية رئيسية.

May 8, 2025 يقف أفراد من القوات الجوية الهندية أمام طائرة مقاتلة من طراز رافال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *