
سيد عبد المنعم عبد الرحمن
قد لا يبدو غريباً أن تكون مصر، في النصف الأول من القرن العشرين، مجالاً خصباً للحركة الصهيونية، تحت نير الاحتلال البريطاني، صاحب الفضل الأكبر في دعم تلك الحركة. لكن الذي قد يبدو غريباً بعض الشيء، ذلك الموقف الداعم للنشاط الصهيوني، الذي تبنته بعض النخب السياسية والفكرية المصرية! حيث لم يقف الأمر عند حد التغاضي عن هذا النشاط ، بل تعداه إلى العمل على إزالة المعوقات القائمة في سبيله، وضرب السلطات المصرية خصوم الحركة الصهيونية بقوة. هذا الموقف أضاف نوعاً من الشرعية على ذلك النشاط، بحيث أصبح النشاط الصهيوني في مصر مباحاً، أما مكافحة الصهيونية فأمر مخل بالأمن العام!
لم تهتم الحركة الوطنية المصرية بالقضية الفلسطينية، و مخاطر المشروع الصهيوني على الأمن القومي المصري، بشكل واضح ، إلا بعد أحداث ثورة 1936 الفلسطينية. ولم تصبح القضية الفلسطينية محوراً أساسياً في الحياة السياسية المصرية، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن اتضحت مخاطر قيام دولة استعمارية على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، بما يهدد أمنها، مما دفع المصريين إلى إدراك حقيقة أن الحفاظ على أمن مصر لا تكفله “القومية المصرية”، وحدها، وأن درء الخطر عنها لا يكفله إلا الانتماء إلى جامعة سياسية أعم. وهنا بدأت مصر تكتشف انتماءها العربي، مما بلور موقفاً واضحاً من الكيان الصهيوني، تأسس على عدم الاعتراف بشرعية وجود هذا الكيان، وضرورة فنائه.
لكن هذا الموقف الواضح بدأ يتراجع، بعد أن أخذ النظام الحاكم في مصر ، في منتصف سبعينيات القرن العشرين ، يتعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة يجب الاعتراف بها، ولا ضرر في التعاون معها، و بدأ يصور المشكلة، على أنها، في الأساس، “حاجز نفسي” قائم بين شعبين! وفي الوقت ذاته تم إحياء المفهوم الضيق “للقومية المصرية”، في مقابل انتماء مصر للأمة العربية، حتى تتراجع القضية الفلسطينية من موقع القضية المحورية، في عقل ووجدان المواطن المصري، إلى قضية خارجية ثانوية.
يتناول هذا الفصل تعاون بعض المصريين مع الحركة الصهيونية، قبل قيام “حركة الجيش”، في 23 يوليو (تموز) 1952، وهذا الموضوع له ارتباط وثيق بالنشاط الصهيوني الذي تم ترويجه في أوساط اليهود في مصر، منذ 1897 وحتى عام 1948. لذلك سيتناول هذا الفصل وضع اليهود في مصر قبل 1952، يعقبه استعراض سريع للنشاط الصهيوني في مصر، ما بين سنتي 1897-1948، تليه دراسة لنماذج تعاون بعض النخبة السياسية المصرية مع الحركة الصهيونية في مصر، واتصالات ذاك البعض بالقيادات الصهيونية في الخارج. وفي هذا الجزء يتم تناول موقف بعض هذه الشخصيات المصرية من القضية الفلسطينية عموماً، ومن حرب 1948 على وجه الخصوص. ونختتم باستعراض أوجه التعاون الاقتصادي لشريحة من أصحاب التوكيلات التجارية مع دولة إسرائيل ، بعد انتهاء حرب 1948، بهدف تعظيم أرباحهم، بغض النظر عن مصلحة الوطن!
أولاً: الأجانب واليهود في مصر
سيطر على الحياة السياسية والاقتصادية المصرية، خلال النصف الأول من القرن العشرين، طبقة من الأعيان وكبار الملاك ، كانت شريكة صغيرة للرأسمالية الأجنبية في السيطرة على الاقتصاد المصري ، الذي تمحور، في الأغلب، حول الأرض الزراعية، والتجارة المرتبطة بها ، تجارة الأراضي، والعقارات، والقطن. أما الصناعة فقد تمت محاربتها بشتى الطرق، تحت الاحتلال البريطاني(1). ومن خلال هذه السيطرة الأجنبية على الاقتصاد المصري ، تم توجيهه ليؤدي دوراً محدداً، في ظل تقسيم العمل الدولي، لتصبح مصر مجرد مزرعة للقطن.
تحققت سيطرة رأس المال الأجنبي على الاقتصاد المصري، بفضل الامتيازات الأجنبية، التي بدأت في مصر، بعد انهيار مشروع محمد على ، الذي ضُــرب بفضل تعاون الدول الأوربية الكبرى(النمسا- روسيا- بريطانيا- بروسيا) مع الدولة العثمانية، في عام 1840، حيث استطاعت الدول الأوربية الحصول على مجموعة من الامتيازات لرعاياها في مصر (وفي الدولة العثمانية)، وتوسعت تلك الامتيازات، مع الوقت ، لتشمل امتيازات على مستوى القضاء، والتشريع، والضرائب، والحريات العامة. كما اتسعت الفئات صاحبة الامتيازات، من رعايا الدول صاحبة الامتيازات ، إلى بعض الأشخاص ، الذين وضعوا أنفسهم تحت حماية هذه الدول، وكان من هؤلاء بعض المصريين أو المتمصرين*.
مع الاحتلال البريطاني لمصر (1882)، نصَّبت بريطانيا نفسها حامية للمصالح الأجنبية، و البريطانية بشكل خاص، وخلال تصريح 28 فبراير(شباط) 1922، أعطت بريطانيا لنفسها حق حماية المصالح الأجنبية و الأقليات (ومنها الأقليات الدينية).
استمر نظام الامتيازات، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر وحتى مؤتمر مونترو (بسويسرا) ، في 12/4/1937، حين اتفقت مصر ، التي دعت إلى المؤتمر، والدول صاحبة الامتيازات على إلغائها، بشكل تدريجي، ولم تنته تلك الامتيازات، بشكل فعلي، إلا في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 1949، بإلغاء العمل في مصر بالمحاكم المختلطة. وقد كانت الامتيازات ممنوحة لرعايا المملكة المتحدة (بريطانيا)، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، والولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وأيرلندا الشمالية، والدانمرك، وأسبانيا، والنرويج، وهولندا، والبرتغال، والسويد. كما امتدت هذه الامتيازات لتشمل رعايا البلاد التي تقع تحت السيطرة البريطانية (إستراليا، واتحاد جنوب أفريقيا، والهند ، وأيرلندا الحرة، ونيوزيلاندا)(2).
بالنظر في الملحق (1)، نكتشف إلى أي مدى فقدت مصر استقلالها، وإرادتها السياسية، في الوقت التي شجعت تلك الامتيازات رؤوس الأموال الأجنبية على التدفق إلى مصر، وصاحبها تدفق عدد كبير من الأجانب إلى مصر، للبحث عن الربح السريع، في سوق بكر، وفي ظل حماية لا مثيل لها ، ليصل عددهم، عام 1927، إلى 209.178 نسمة (3). وفي السياق نفسه تدفق عدد كبير من يهود شرق أوربا، ومن غيرها، إلى مصر. كما يتأكد من الجدول (1) أن تزايد أعداد اليهود في مصر، في الفترة (1897-1947)، لم يكن بسبب التوالد الطبيعي ، بقدر ما عاد إلى الهجرة (4).
ساعدت الامتيازات الممنوحة للأجانب على تغلغل رأس المال الأجنبي في السوق المصرية ، والسيطرة عليها ، كما هو واضح في جدول (3). وكانت شريحة غير صغيرة من رؤوس هذه الأموال يمتلكها بعض اليهود، أجانب أو متمصريين. ومن خلال هذه السيطرة الاقتصادية استطاعت هذه الشريحة حيازة مكاسب سياسية كبرى، وحرية حركة واسعة.
لم يختلف الوجود اليهودي في مصر، في طبيعة نشاطه الاقتصادي ، أو ظروفه الاجتماعية، أو حالته الثقافية ، كثيراً ، عن باقي الجاليات الأجنبية في مصر، في تلك الفترة التاريخية.
على المستوى الديموجرافي تركز الوجود الأجنبي في مدينتي القاهرة والإسكندرية، بنسبة تصل إلى 80%، في المتوسط ، في الفترة ما بين 1927-1947 (5) . بينما زادت نسبة تركز اليهود في تلك المدينتين عن 80%، طوال الفترة من 1897-1948(6). ويرجع هذا التركز ، في الأساس، إلى أسباب اقتصادية.
لم تندمج النسبة الأكبر من الأجانب مع المصريين في حياتهم الاجتماعية ، فعلى مستوى المسكن تركز وجود الأجانب في أحياء معينة. ففي الإسكندرية، تركز أكثر من ثلث الأجانب، المقيمين فيها، في أحياء محرم بك، والعطارين ، بينما سكن ثلث آخر في أقسام : اللبان،والرمل، والمنشية. و كذلك تركز 92% من اليهود في أحياء : محرم بك، والمنشية، والجمرك، والعطارين(7). وفي القاهرة، تركز أكثر من نصف الأجانب في أحياء : عابدين، و الأزبكية، و مصر الجديدة، والنصف الباقي في : شبرا، والموسكي، والوايلي، وبولاق (8). كذلك تركز 72% من اليهود، الموجودين في القاهرة، في خمسة أحياء : (الوايلي/ عابدين/ مصر الجديدة/ الجمالية/ باب الشعرية). هكذا حرص الأجانب واليهود على النأي بأنفسهم، ما أمكن، عن المصريين.
على المستوى الثقافي ، كان لأبناء الجاليات الأجنبية مدارسهم الخاصة (الفرنسية ، والإنجليزية، والإيطالية، والأمريكية، واليونانية، والألمانية)، بينما لم يدخلوا المدارس المصرية (9). و أدخل اليهود، المقيمون في مصر، أبناءهم إلى المدارس الأجنبية ، وبشكل خاص إلى المدارس الفرنسية (10) . وظل أكثر من 50% من اليهود في مصر يدرسون، حتى الحرب العالمية الثانية، في مدارس أجنبية، غير عبرية (11) ، ولم تظهر المدارس العبرية في مصر، إلا مع بداية النشاط الصهيوني فيها .
لقد كان لكل جالية من الأجانب نواديها الخاصة، وجمعياتها، ومستشفياتها، وغدت الفرنسية لغة التخاطب في الأعمال التي تلقى قبولاً عاماً بين مختلف الجاليات (12) ، وهي اللغة نفسها التي استخدمت في أوساط اليهود في مصر (13). و وصلت نسبة اليهود المجيدين للغة أجنبية، في عام 1947، حوالي 80% (14) .
هكذا يتضح إلى أي مدى حرص الأجانب على عدم الاختلاط بالمصريين، باستثناء اختلاطهم بكبار الأعيان، والشرائح العليا من البرجوازية المصرية، وبتعبير أدق حرص كبار الأعيان وشرائح البرجوازية العليا المصرية على الالتحاق بركب الأجانب، على المستوى الاجتماعي والثقافي، حيث لم تكن التبعية اقتصادية وحسب. ومن مظاهر ذلك التحاق أبناء البرجوازية المصرية بالمدارس الأجنبية، و تقليد الأجانب في المظهر، والسلوك الاجتماعي ، في الوقت الذي أصبحت الثقافة الفرنسية ثقافة الأغنياء من المصريين.
لكن يبقى التساؤل عن مدى ارتباط اليهود المقيمين في مصر بالهوية المصرية، حيث لا يمكن الإجابة عليه إلا بمعرفة عن أي يهود نتحدث، فلم يكن اليهود في مصر، أو في أي مكان، كلاً واحداً، بل مجتمعات متباينة ، تحكمها ظروف اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، و أُطر ثقافية مختلفة.
فعلى المستوى الطبقي، ثمة عائلات كبار الرأسماليين اليهود، من أصحاب البنوك، والأعمال التجارية الكبرى، وملاك الأراضي، احتلت خلال فترة الاحتلال البريطاني مكانة اقتصادية تفوق حجمها الحقيقي. وتشير بعض الإحصاءات، في عام 1943، إلى أن اليهود احتلوا 15.4% من المناصب الرئيسية، و16% من المناصب الإدارية في مجالس إدارة الشركات ، وانخفضت هذه النسبة إلى 12.7%، و12.6%، على التوالي، عامي 1947 و1948. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمة كانت 18%، عام 1951(15) 0
قامت هذه العائلات اليهودية بتمثيل المصالح الأوربية المختلفة داخل مصر، سواء كانت فرنسية، أو بريطانية، أو إيطالية، أو غيرها، وقامت تلك العائلات بدور الوسيط لرأس المال الأوربي، الباحث عن فرص الاستثمار في مصر، فلعبت تلك العائلات دور الجماعة الوظيفية المرتبطة بالاستعمار الغربي، وهو دور لعبه بعض اليونانيين في مصر، أيضاً (16) لعل من أبرز تلك العائلات الثرية (قطاوي، وسوارس، ورولو، ودي منشة، وموصيري، وشيكوريل، و هادة، و هراري، و مندلباوم، و هوروفيتس)(17) 0
في حين عملت باقي شرائح البرجوازية اليهودية، في مصر، في مجالات التصدير، والاستيراد، وتجارة القطن، والصيرفة، والبورصة، وفي الأعمال الإدارية في المؤسسات الحكومية والخاصة (18). ويفيد إحصاء سنة 1937 أن نحو 60% من اليهود، اشتغلوا بالتجارة، وإن كان معظمهم من صغار التجار، بينما اجتذب مجال الصناعة 21%منهم، في حين عمل 10.8% منهم في المجالات الإدارية (19) . لقد كانت البرجوازية اليهودية (بكل شرائحها)، التي يحمل أغلب أبنائها جنسيات أجنبية، تنتمي إلى البرجوازية الأجنبية، اقتصادياً، واجتماعياً، و سياسياً، و ثقافياً، ولم تختلط إلا بأبناء البرجوازية العليا المصرية.
في المقابل كان فقراء اليهود، من باعة جوالين، وصنَّاع حرفيين ، وعمال في محال تجارية، في الأغلب، من “اليهود المصريين”، بالمولد والجنسية، وكانوا الأكثر ارتباطا بالمجتمع المصري، سكنوا الأحياء الشعبية، وتحدثوا العربية، وسموا أبناءهم بأسماء عربية، وأقاموا علاقات طبيعية مع جيرانهم (20)
لم تحرص البرجوازية اليهودية على اكتساب الجنسية المصرية، إلا بعد البدء في إلغاء الامتيازات الأجنبية (1937)، حيث كانت نسبة حاملي الجنسية المصرية من اليهود حوالي 50%، في عام 1927، ارتفعت، في عام 1937، إلى 64%، وقفزت إلى 77%، مع إصدار قانون 138 لسنة 1947 المنظِّم للشركات، الذي نص على أنه لابد أن يكون 75% في الإدارة العليا للشركات من المصريين، و 90% من العمالة من المصريين، بهدف “تمصير الشركات”. بالإضافة إلى قانون 199 لسنة 1949، وقانون 146 لسنة 1950(21)، وإلغاء “الامتيازات الأجنبية”، بشكل فعلي، عام 1949. كل ذلك دفع أعداداً كبيرة من اليهود المقيمين في مصر، إلى التجنس بالجنسية المصرية، (انظر الجدول-2).
رغم إن قانون الجنسية المصرية، في عام 1929، فتح الباب أمام بعض الأجانب إلى اكتساب الجنسية المصرية، فإن أعداداً قليلة من اليهود الأجانب أقبلت على التجنس (22). وظلت العائلات الرأسمالية الكبيرة محتفظة بجنسياتها الأجنبية، حتى من ولدوا بمصر من أبنائها، فعائلة هراري توزعت بين الرعوية السويسرية والبريطانية، وعائلة موصيري استمرت في الرعوية الإيطالية، وعائلة سوارس كانت من رعايا فرنسا، و” كاسترو ” من رعايا اليونان (23) .
هكذا كانت الجماعات اليهودية ، في مصر، في الأغلب ، أجنبية اجتماعياً وثقافياً، تدفقت إلى مصر لأسباب اقتصادية، ولذلك ليس غريباً أن تنشط الحركة الصهيونية، باعتبارها رافداً استعمارياً غربياً، في أوساط اليهود المقيمين في مصر، بدون أن يعيقها الانتماء لمصر، باستثناء فئات قليلة من اليهود المنتمين. و باستعراض النشاط الصهيوني في مصر ، سنكتشف أن العائلات الرأسمالية اليهودية في مصر هي التي كانت ترعى ، في الأغلب الأعم، هذا النشاط، وأن قوتها الاقتصادية كانت عاملاً حاسماً في تهاون قطاع غير قليل من البرجوازية المصرية الحاكمة إزاء هذا النشاط.
ثانياً – النشاط الصهيوني في مصر :
شهد النصف الأول من القرن العشرين نشاطاً ملحوظاً للحـركات الصهيونية * في مصر، التي حاولت اجتذاب اليهود المقيمين في مصر إلى الدعوة الصهيونية. وقد احتلت مصر موقعاً هاماً في نشاط الحركة الصهيونية، اعتقاداً من قادة الحركة الصهيونية أن مصر يمكن أن تكون قاعدة لنشر الدعوة لإقامة وطن قومي لليهود، وأنه من خلال مصر يمكن تهيئة الرأي العام العربي لقبول مثل هذه الدعوة. وهذا ما أكده السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة، شيمون شامير، في مجلة المركز الأكاديمي الإسرائيلي، حين أشار إلى أن جميع زعماء التجمع الصهيوني، في فلسطين تحت الانتداب البريطاني،”قد قاموا بزيارات لمصر… إذ كانت مصر بالنسبة لهذا المجتمع [التجمع] المركز الرئيسي للمنطقة، ونقطة انطلاق نحو آفاق الدنيا الواسعة” (24). كما أشار شامير إلى أن مصر كانت محطة أساسية في طريقهم من و إلى أوروبا. وفي جولاتهم في مصر كانوا يقابلون زعماء الطائفة اليهودية، في القاهرة والإسكندرية، ويقابلون سياسيين مصريين، وممثلي السلطات البريطانية.
لقد بدأ النشاط الصهيوني في مصر، منذ وقت مبكر ، بل قبل المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال ، في 29 أغسطس/آب 1897، حيث بدأ تكوين الروابط والجمعيات الصهيونية في مصر منذ فبراير/شباط 1897، واستمرت تلك الروابط والجمعيات في العمل بحرية ، دون معوقات تذكر من قبل السلطات المصرية أو البريطانية، حتى بدايات عام 1948.
فيما يلي استعراض موجز لأبرز الأنشطة الصهيونية ، في مصر، في الفترة من 1897 إلى 1948:
- “رابطة بركوخفا ” أو”بركوخبا” (25) : أول رابطة صهيونية في مصر، أسسها في فبراير/شباط 1897، “ماركو باروخ”، من مواليد القسطنطينية، الذي عمل على ترويج الفكرة الصهيونية في أوساط اليهود بمصر ، في المعابد والمنتديات. ومن الأفكار التي دعا إليها: تكوين جيش يهودي، و احتلال فلسطين، بالقوة . كما أصدر باروخ في مصر صحيفة فرنسية ، تدعى “الكرمل”. واستطاعت هذه الرابطة تأسيس مدرسة صهيونية في القاهرة، عام 1901، ضمت 300 تلميذ، وافتتحت الرابطة فروعاً لها في المدن الكبرى، الإسكندرية ، و بورسعيد، و طنطا، و المنصورة، و وصل عدد أعضاء هذه الرابطة، عام 1902، إلى 360 عضواً فقط، أغلبهم من اليهود الاشكناز، وتوقفت هذه الرابطة عن العمل، عام 1904، لصعوبات تنظيمية ومالية.
- في 23/3/1903 زار رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، تيودور هرتزل مصر، لبحث مشروع الاستيطان اليهودي في العريش مع سلطات الاحتلال البريطاني (26). ويقال إن الحكومة المصرية وافقت لهرتزل على إرسال بعثة إلى سيناء (27) 0
- شهدت فترة (1898-1912) ظهور عدد كبير من الجمعيات الصهيونية، التي عملت كل منها بشكل منفصل ، في الأغلب، عن الجمعيات الأخرى ، ومنها : (28)
* جمعية تأسست، في الإسكندرية، في عام 1898، ثم أصبحت فرعاً لرابطة بركوخفا، في عام 1901.
* جمعية “أمل صهيون”، في عام 1904.
* “جمعية الأدب العبري”، عام 1905.
* جمعية “أحباء صهيون”، عام 1906.
* جمعية “أبناء صهيون”، عام1906.
* جمعية “شبان صهيون”، عام 1907.
* جمعية “بني صهيون” ، في الإسكندرية، عام 1908 (29) 0
* جمعية “زئير صهيون” ، التي كانت تضم بعض اليهود القادمين من روسيا، وقد اندمجت مع جمعية “أبناء صهيون”، في عام 1909.
* “لجنة التنسيق الصهيونية”، عام 1909.
* جمعية “أبناء صهيون للأمام”، عام 1910.
* “اتحاد أطفال صهيون”، عام 1911.
* “الدائرة القومية اليهودية”، عام 1912.
* “دائرة هرتزل”، عام 1912.
– الاتحاد الصهيوني (30) : نظراً لأن الجمعيات والروابط الصهيونية، خلال الفترة (1897 – 1912)، افتقرت إلى التنسيق فيما بينها، فقد عمدت قيادة المنظمة الصهيونية في النمسا، ثم في ألمانيا*، إلى تشكيل اتحاد صهيوني، ضم كافة الروابط والجمعيات الصهيونية العاملة في مصر ، فتأسس “الاتحاد الصهيوني” في مصر، عام 1913، وتم اختيار “جاك موصيري”، أحد أبرز الصيارفة في مصر، ليتولى رياسة هذا الاتحاد، في عام 1916.
- مع بداية الحرب العالمية الأولى وفد عدد كبير من يهود أوربا الشرقية، من القسطنطينية، وأزمير، وسالونيك، وكوزفو، ورومانيا، إلى مصر. كذلك وصل حوالي أحد عشر ألف مستوطن يهودي من فلسطين (31)، نظراً للإجراءات التي اتخذها الأتراك ضدهم هناك ، في ذلك الوقت (32). ونزل هؤلاء المهاجرون في ميناء الإسكندرية ، حيث أقاموا في معسكرات بمنطقة القباري بالإسكندرية، أطلق عليها اسم “معسكرات التحرير”، وقامت السلطات المصرية والبريطانية بالسهر على راحتهم ، فقد أمر السلطان حسين كامل بأن تصرف لهم إعانة يومية، قدرها ثمانون جنيهاً، زيدت إلى مائة (33) . وقام بعض اليهود في مصر بتشكيل لجان لمساعدة هؤلاء المهاجرين، و لمساعدة أولئك المقيمين في فلسطين، عن طريق تشكيل “صندوق إغاثة اليهود في فلسطين” ، الذي أنشئ في الإسكندرية، وكان مستودعاً صبت فيه أموال التبرعات ، التي تم جمعها من الدول الأخرى ، ثم إرسالها إلى فلسطين ، بعد تعذر إرسالها بالطرق الأخرى ، بسبب الحرب (34) .
أعطى هذا العدد الكبير من المستوطنين الصهاينة في مصر ، دفعة قوية للنشاط الصهيوني في مصر ، حيث كانت هناك دروس مكثفة لتعليم اللغة العبرية والتاريخ اليهودي، والتدريب العسكري، داخل هذه المعسكرات (35) ، بهدف جذب المزيد من التأييد والدعم للحركة الصهيونية.
- في هذا الوقت حاول فلاديمير جابوتنسكي، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية المتشددين، إقناع قائد القوات البريطانية في مصر، الجنرال ماكسويل، بتشكيل فرقة عسكرية متطوعة من المهاجرين اليهود، لمساعدة القوات البريطانية. وبالفعل تشكلت، في عام 1915 ، في منطقة برج العرب بالإسكندرية، فرقة يهودية ، سماها البعض “فرقة النقل البغالي الصهيونية”، وسماها آخرون “كتائب أبناء صهيون”، وقد تم تسريحها، في عام 1916 ، بعد فشلها في حملة “غاليبولي” في الدردنيل (36) 0
- بيد أن جابوتنسكي واصل جهوده لدى الدوائر البريطانية ، بتشكيل قوات يهودية جديدة، وقد توسط موسى قطاوي، رئيس الطائفة اليهودية في مصر، لدى الجنرال ماكسويل، في يوليو/تموز 1916، للسماح بتشكيل “كتائب يهودية” (37) ، حتى تكون ضمن إطار جيش الجنرال اللنبي ، الذي كان يستعد للزحف إلى فلسطين. وبالفعل، تم تشكيل تلك القوات، وسمح لها بوضع “نجمة داود” على مقدمة قبعات جنودهم، تمييزاً لهم. وتكونت “الكتيبة38” من “الفيلق اليهودي”، في لندن، عام 1917، ووصلت إلى الإسكندرية، في فبراير/شباط 1918، وأقيم حفل استقبال لها، في الإسكندرية، باسم الحاخام الأكبر ، في مصر، وعندما وصلت إلى القاهرة أقيم حفل استقبال في المعبد اليهودي الرئيسي في القاهرة. وفي أبريل/نيسان 1918 وصلت “الكتيبة 39” إلى مصر، وأمضت فترة تدريب، ثم زحفت إلى فلسطين. كما تم افتتاح مكاتب خاصة بتجنيد اليهود، في كل من القاهرة، والإسكندرية، وقامت حملة دعائية كبيرة لحث اليهود في مصر على التطوع، وبالفعل تكونت “الكتيبة 40” من بعض اليهود المقيمين في مصر وفلسطين (38) .
- في عام 1917 استطاع ليون كاسترو أن يؤسس فرعاً للمنظمة الصهيونية، في مصر، تحت اسم “منظمة الصهيونيين بمصر”،وتولى رياستها جاك موصيري، وتولى كاسترو منصب سكرتير لجنتها المركزية، واستطاعت هذه المنظمة أن تضم باقي الجمعيات الصهيونية إلى حظيرتها، وأن تنشئ لها فروعاً في المدن المصرية الكبرى، وفي عام 1918 أصدرت “المجلة الصهيونية La Revue Sioniste” لتكون ناطقاً بلسانها (39) .
- عندما صدر “تصريح بلفور”، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، أقامت “منظمة الصهيونيين بمصر” حفلاً بمدينة الإسكندرية، حضره أحمد زيور باشا، محافظ الإسكندرية، في ذلك الوقت، و كبار رجال الطائفة اليهودية. كما أقامت جمعية “زئير صهيون” حفلاً آخر، حضره ما بين 7000 إلى 8000 شخص، ووفود 20 منظمة مختلفة في مصر وفلسطين، كما حضره حاخام الإسكندرية، و زيور باشا، أيضاً. وفي ختام الاحتفال قرروا إرسال برقيتين إلى رئيس وزراء بريطانيا، لويد جورج، وإلى رئيس المنظمة الصهيونية، حاييم وايزمان. وأنشد الحاضرون النشيد الوطني الصهيوني “هاتكفا” (40) 0
- في أبريل/نيسان 1918، قام حاييم وايزمان بزيارة مصر ، واجتمع بعدد من اليهود، وناشد اليهود في مصر ألا يعارضوا الصهيونية ، التي يؤيدها غير اليهود، كالإنجليز والفرنسيين (41) مما يعني أن تأييد النشاط الصهيوني في مصر كان أقل مما كانت ترجوه القيادات الصهيونية.
- وفي 14 أغسطس/آب 1918، عقد، في الإسكندرية، اجتماع عام لكل المنظمات الصهيونية في فلسطين، تولى رئاسته حاييم وايزمان (42) 0
- في عام 1918، بدأت في الإسكندرية “اللجنة العاملة لصالح أرض فلسطين” ، والتي أسهمت، منذ عشرينيات القرن العشرين، في نقل آلاف المهاجرين الصهاينة من أوربا إلى فلسطين. وضمت هذه اللجنة عدداً كبيراً من وجهاء الإسكندرية (43) . الذين استطاعوا جمع مبلغ وقدره (13 ألف جنيه) لشراء أرض في فلسطين لحساب الحركة الصهيونية (44) 0
- في عام 1918، استقال جاك موصيري من رئاسة “الاتحاد الصهيوني”، وفقد الاتحاد سيطرته على فروعه (45) .
- في عام 1920، أصدر ألبير موصيري صحيفة “إسرائيل”، لتكون أول صحيفة صهيونية في مصر تصدر باللغة العربية، بجانب طبعتها باللغة الفرنسية والعبرية، واستمرت هذه الصحيفة حتى عام 1934(46) .
- في عام 1921، أعيد تشكيل “المنظمة الصهيونية في مصر”، حيث تولى رئاستها، الرأسمالي اليهودي المعروف، جوزيف شيكوريل، بينما شغل ليون كاسترو منصب النائب الأول للرئيس (47).
- بلغ عدد دافعي “الشيكل”، رسم عضوية المنظمة الصهيونية، في مصر، في عام 1921، ألفي عضو فقط (48) ، من أصل 60 ألف يهودي مقيم في مصر، في ذلك الوقت.
- في ديسمبر/كانون الأول 1922، التقى حاييم وايزمان مع لفيف من الصهاينة في مصر، و على رأسهم جوزيف شيكوريل (49) .
- في عام 1924، أصدر لوسيان سيكوتو صحيفة صهيونية ، باسم “الفجر P. Aurare“، وسعى من خلالها لإقناع أكبر عدد ممكن من اليهود بالأفكار الصهيونية. وفي أبريل / نيسان من العام نفسه، صدرت مجلة “الاتحاد الإسرائيلي”، لتكون لسان حال طائفة اليهود القرائين في مصر، ورغم الطابع الديني للمجلة، فإنها دأبت على الترويج للوطن القومي لليهود من خلال المنطلق الديني ذاته (50) .
- في أبريل/نيسان 1925، قام حاييم وايزمان ، بزيارته الثالثة إلى مصر، وأقامت اللجنة الإدارية لبيت إسرائيل (معبد الإسماعيلية)، بالقاهرة ، حفلاً حضره كبار المشتغلين بالحركة الصهيونية، حيث أعلن الحاخام الأكبر لليهود الربانيين ، حاييم ناحوم أفندي، رغبته الأكيدة في الاشتغال بالحركة الصهيونية (51) .
- في العام نفسه ، أسس يوسف قطاوي “جمعية مصر للدراسات التاريخية اليهودية” ، كما تأسست “جمعية أصدقاء الجامعة العبرية في القدس” (52) ، بغرض إحياء التاريخ اليهودي والثقافة العبرية وتوظيفهما في خدمة الصهيونية.
- في عام 1929، أسس ألبير ستراسلسكي فرعاً لحزب التصحيحيين، ليحمل لواء المعارضة داخل صفوف المنظمة الصهيونية في القاهرة، ثم أصدر صحيفة “الصوت اليهودي La viox juive“، عام 1931، لتكون ناطقاً بلسان التصحيحيين. وعندما انفصل جابوتنسكي عن المنظمة الصهيونية، وأسس ” المنظمة الصهيونية الجديدة”، قام ستراسلسكي بتحويل فرع حزب التصحيحيين إلى فرع للمنظمة الجديدة، كما أنشأ فرعاً آخر في الإسكندرية (53) ، وكانت المنظمة الجديدة تعارض اعتماد وايزمان على وعود بريطانيا، وتطالب بالاعتماد على طاقات اليهود أنفسهم (54) .
- في 1932 تم افتتاح مكتبة صهيونية في الإسكندرية (55) .
- في فبراير/شباط 1933، قام ناحوم سوكولوف، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية بعد حاييم وايزمان ، بزيارة مصر، في طريقه إلى فلسطين، وخلال الزيارة قابل الملك فؤاد ، في قصر عابدين، ثم ألقى محاضرة ، نظمتها المنظمة الصهيونية في مصر، في الكنيس الأشكنازي (56) .
- في الثلاثينيات من القرن العشرين ، تأسست فروع للاتحاد الدولي للشبيبة اليهودية والنادي اليهودي، في القاهرة ، كما زار عدد ضخم من الزعماء الصهيونيين مصر، أمثال ناحوم سوكولوف، وحاييم وايزمان، والبروفسور سليج ، وبرودتسكي، وفيرا كاتزمان، ووايزمان (57) .
- وفي الفترة نفسها، نشطت الحركة الصهيونية للترويج للغة العبرية، في مصر، من خلال جمعيات ثقافية، مثل النادي العبري، اتحاد المدارس اليهودية، جمعية هرتزل (58) .
- في الوقت نفسه، تم جمع تبرعات من بعض أبناء الجاليات اليهودية في مصر، لإنشاء مستعمرة في فلسطين، وبالفعل تم افتتاح هذه المستعمرة، رسمياً ، تحت اسم “كفار جوديا”، في سنة 1933، وقد تكلفت ثلاثين ألف جنيه مصري (59)
- في عام 1934، توقفت صحيفة “إسرائيل” عن الصدور، بعد وفاة مؤسسها، ألبير موصيري، فعمد رئيس تحريرها، سعد يعقوب المالكي، إلى إصدار صحيفة جديدة، باسم “الشمس” ، استمرت في الصدور حتى مايو / أيار 1948 ، وأوقفت بعد شكاوي تقدمت بها جامعة الدول العربية إلى إدارة المطبوعات في وزارة الداخلية (60) .
- في نهاية عام 1936، أصدر جاك رابان، أحد أهم العاملين في الدعاية الصهيونية، صحيفة “المنبر اليهودي” (61) .
- في عام 1937، زار جابوتنسكي الإسكندرية، واجتمع بأعضاء “المنظمة الصهيونية الجديدة”، وعقد مؤتمراً صحفياً ، استنكر فيه قرار “لجنة بيل” * ، وأكد إصرار منظمته على “الحدود التاريخية للدولة اليهودية” (62) .
- أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، عجت مصر بجنود الحلفاء ، و بينهم بعض المشتغلين بالحركة الصهيونية، خاصة “الفيلق اليهودي” ، و يسرت “المنظمة الصهيونية في مصر” سبل لقاء هؤلاء الجنود بشباب الطائفة اليهودية، وقام بعض هؤلاء الجنود بتدريس اللغة العبرية وتدريب المنظمات الشبابية، وتحولت منتديات هؤلاء الجنود إلى مراكز التقاء المشتغلين بالنشاط الصهيوني في مصر، وإلى مراكز لتهريب الصهاينة، سراً، إلى فلسطين (63) .
- خلال هذه الفترة، سمحت الأميرة المصرية نازلي حليم للحركة الصهيونية باستغلال مزرعتها، التي تقع على طريق المنصورية، لتكون معسكراً لتدريب شباب “هاتشومير هاتزائير”، وهي حركة حراس المستعمرات الاستيطانية في فلسطين (64) .
- في عام 1943، قرر ليون كاسترو إعادة تشكيل فرع “المنظمة الصهيونية” ، في مصر(65) ، تحت اسم “الاتحاد الصهيوني العام”، وحضر اجتماعه، وتحدث فيه كل من “دايفيد بن جوريون” و”إسحاق بن زفي”، الذي أصبح، فيما بعد، رئيساً لدولة إسرائيل (66) .
- في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1944، تم اغتيال اللورد والتر موين، الوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط، في القاهرة، على يد العصابات الصهيونية ، لمعارضته لمشروع تهجير مائة ألف يهودي من أوربا إلى فلسطين (67) .
- في صيف العام نفسه، تقدم “الاتحاد الصهيوني” بطلب إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا، يطلب فيه الاعتراف بالاتحاد كممثل للشعب اليهودي في مصر، فطلب النحاس ، من وكيل وزارة الداخلية ، حسن رفعت باشا، أن يستدعى زعماء الاتحاد ، ويبلغهم رفض الحكومة لطلبهم، بل إنها قررت وقف نشاطهم (68) .
- في عام 1945، أُعيد تأسيس “الاتحاد الصهيوني”، وتولى رياسته، على التوالي : ليون كاسترو، وإميل النجار، ويعقوب فيسمان، ومارس هذا الاتحاد أنشطته بشكل قانوني (69) وعلني، في 116 شارع عماد الدين بالقاهرة ، ونصت لائحته على أن “الاتحاد الصهيوني بمصر يتكون من تجمع الصهيونيين المقيمين على أرض مصر. وهو يمثل الفرع المصري في (المنظمة الصهيونية العالمية) … ويسعى الاتحاد لتوحيد جهود الصهيونيين بمصر ، بهدف تحقيق الأفكار الصهيونية، وتأكيد برنامج بال* ، والقرارات التي يتخذها المؤتمر الصهيوني، والقيادة التي يختارها هذا المؤتمر” (70) .
- في أربعينيات القرن العشرين، إلى جانب النشاط العلني للصهيونية في مصر، كان جهاز مخابرات “الهاجاناه”، المعروف باسم “علياه بيت”، يمارس نشاطاً سريا،ً في مصر، لتهريب السلاح، وتهجير اليهود إلى فلسطين (71) . ومن مظاهر ذلك إلقاء البوليس المصري القبض، بالمصادفة، في أكتوبر/تشرين الأول 1946، على ثلاثة أشخاص، حاولوا شراء (600 مسدس) من أمين أحد مخازن الأسلحة الحكومية، وكان هؤلاء ينوون تهريبها إلى العصابات الصهيونية في فلسطين (72). ولعل هذا النشاط السري هو ما دفع وزير الصحة المصري، نجيب إسكندر، إلى اتهام العصابات الصهيونية بأنها وراء انتشار وباء الكوليرا ، في عام 1947، عن طريق تلويث مياه الشرب (73) .
- انضم، خلال الفترة (1944-1948)، ما يقرب من ألف وخمسمائة يهودي إلى الحركة الصهيونية، العاملة في كل من القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد (74) . وتوزعت هذه الحركة على النحو التالي:
* حركة “الرائد الصغير” ، التي انقسمت، عام 1947 ، إلى حركتين متنازعتين ، وهما حركة “البناة”، وحركة “درور” (الحرية).
* حركة “العبري الصغير”، التي تأسست منذ عام 1932 .
* حركة “أبناء عقيفا”.
* حركة “بيتار”.
وخلال هذه الفترة نشطت الأحزاب الصهيونية، مثل “الماباي “، و “المابام” (75) في أوساط شباب اليهود في مصر.
*حيث سيطر “الماباي” على أندية المكابي في القاهرة. فقد كان للمكابي فرعان: “مكابي الظاهر”(كان أساساً ذا نشاط رياضي ، وضم يهود الظاهر ، وهم، في الغالب، من فقراء اليهود، أو صغار الموظفين في المحلات التجارية) ، و”مكابي سنترال” (كان مقره في شارع عبد الخالق ثروت، وسط القاهرة ، ومارس نشاطاً ثقافياً وكشفياً)، و أخذت المحاضرات في “مكابي سنترال” طابعاً صهيونياً، ودارت حول الحركة الصهيونية، و”الكيبوتزات”، و”الإنجازات الصهيونية في فلسطين”. وألقاها مندوبون عن “الماباي”، وتكونت في هذا الفرع مدارس لتربية كوادر صهيونية، درست كتابات تيودور هرتزل، وليو بنسكر، وكانوا ينظمون رحلات مجانية، في الصيف، للإقامة في “الكيبوتزات” بفلسطين ، كل ذلك بهدف تشجيع الشباب اليهودي على الهجرة إلى فلسطين (76) .
* أما حزب “المابام” (هاشومير هتزائير) فقد ركز نشاطه في ناد بمصر الجديدة، اسمه “هيفري هتزائير” ، حيث ألقيت المحاضرات، ودرست كتابات زعماء الحركة، وكان الحزب يجنِّد الشباب اليهودي ويرسلهم إلى الكيبوتزات الخاصة به. وكان هؤلاء الشباب يسيرون في شوارع القاهرة، يرددون الأناشيد الصهيونية، باللغة العبرية (77) .
من هذا الاستعراض الموجز للنشاط الصهيوني في مصر، خلال الفترة (1897-1948)، تتضح مجموعة من الحقائق، منها أن الحركة الصهيونية في مصر نعمت بحرية حركة ، لم تنعم بها غالبية القوى الوطنية المصرية نفسها. كما حصل النشاط الصهيوني في مصر على دعم شخصيات بارزة ، في الأسرة المالكة، و داخل النخب السياسة الحاكمة، وهذا ما سنعرض له، لاحقاً، بشيء من التفصيل.
كما يتضح أن الحركة الصهيونية في مصر لم تكن محكمة التنظيم، طوال الوقت، بل شهدت، أيضاً، فترات ضعف. على أن النشاط الصهيوني لم يتوقف، طوال هذه الفترة، ولم تتوقف الزيارات المكثفة من قادة الحركة الصهيونية إلى مصر، مما يدل على أهمية النشاط الصهيوني في مصر، والذي كان له أثر واضح على مستقبل الحركة الصهيونية ككل. حيث غدت مصر مركزاً لتدريب “الكتائب اليهودية” الذاهبة من أوربا إلى فلسطين، و مركزاً لنقل وتهريب المستوطنين اليهود والسلاح إلى فلسطين.
كما يتضح أن النشاط الصهيوني في مصر شهد دفعات قوية ، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، من خلال قدوم عدد كبير من الصهاينة إلى مصر ، وبفضل الدعم البريطاني لهذا النشاط.
كما يتضح من هذا الاستعراض أن الصحافة الصهيونية (“المجلة الصهيونية”، “إسرائيل”، “الفجر”، “الاتحاد الإسرائيلي”، “الصوت اليهودي”، “الشمس”، “المنبر اليهودي”) كانت إحدى أهم ركائز الحركة الصهيونية في مصر قبل عام 1952، ورغم أن الدعاية الصهيونية لم تقتصر على تلك الصحافة، حيث وجدت في بعض الصحف المصرية بعض الدعم ، ومنها “المقطم”، الناطقة بلسان الاحتلال البريطاني في مصر، وصحيفتا “الاتحاد” ، و “الشعب” (78) .
لعل من أهم الحقائق في هذا الإطار أن الحكومات المصرية لم تأخذ أية إجراءات معادية، بشكل واضح، ضد النشاط الصهيوني، طوال الفترة من 1897 إلى 1948، حتى أن قرار النحاس بوقف نشاط “الاتحاد الصهيوني” ، لم يستمر إلا أشهراً قليلة، مما جعل بعض الباحثين يقرر أنه لم يصدر أي قانون يحظر الأنشطة الصهيونية في مصر، حتى عام 1948، مع بوادر الحرب في فلسطين (79) .
أما بخصوص انضمام الجماعات اليهودية في مصر إلى الحركة الصهيونية، فيمكن القول بأن أعداداً محدودة من اليهود في مصر انضمت إلي النشاط الصهيوني، قبل قيام الحرب العالمية الثانية ، وانحصرت، في الأغلب، في أوساط اليهود الأشكناز، أي اليهود الأجانب.
كما يلاحظ تصدر شخصيات رأسمالية يهودية لزعامة النشاط الصهيوني في مصر، مما يدفعنا للتساؤل حول العلاقة بين الموقف الطبقي للجماعات اليهودية والانضمام للحركة الصهيونية.
فمثلاً، هل حرصت الحركة الصهيونية على أن يكون على رأس التنظيمات الصهيونية في مصر شخصيات يهودية ، من ذوى النشاط الاقتصادي البارز في الاقتصاد المصري، وأصحاب علاقات قوية مع النخب السياسية المصرية ؟ لأن الحركة رأت أن شخصيات مثل جاك موصيري، وجوزيف شكوريل، وليون كاسترو، وغيرهم، بنشاطهم الاقتصادي الواسع وبعلاقاتهم الوطيدة مع النخبة الحاكمة، تستطيع أن تكسب النشاط الصهيوني في مصر الشرعية. أم العكس، هل اكتشف هؤلاء الرأسماليون أن الصهيونية، كحركة سياسة، ستكون مفيدة لهم، ليحافظوا على مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية؟ لأنهم سيوظفون الأيديولوجية الصهيونية في تغييب وعي اليهود العاملين لديهم في شركاتهم، ومؤسساتهم الاقتصادية، عن حقيقة استغلال هذه الشخصيات لهم، حيث كان الرأسماليون اليهود حريصين على توظيف اليهود، بشكل خاص في مؤسساتهم الاقتصادية. وترجع هذه الظاهرة إلى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث انحصرت زعامة الطائفة اليهودية في العائلات الثرية، وكانت هذه الزعامة مسئولة، بشكل قانوني، عن الطائفة أمام الدولة المصرية، مما جعل للعائلات الغنية سيطرة كبيرة على باقي أفراد الطائفة، وسهَّـل استغلالهم في أعمالها الاقتصادية ، وفي الوقت نفسه ضمنت ولاءهم ، باعتبارها المدافع عنهم، والممثل القانوني لهم. ولكن بعد انهيار المفهوم التقليدي لزعامة الطائفة، كان لابد من أيديولوجية جديدة لتزييف وعي الجماعات اليهودية المستغلة من قبل الرأسماليين اليهود، فوجدوا أن الصهيونية هي خير معين في هذا الميدان.
إذا كانت الحركة الصهيونية قد نشطت في الأوساط اليهودية في مصر، بسب عدم انتماء الكثير من أبنائها إلى المجتمع المصري، باعتبارهم أجانب، في الأغلب، وبالتالي كانت رؤيتهم لحل “المسألة اليهودية” هي الرؤية الغربية الاستعمارية نفسها ، القائمة على طرد اليهود من أوربا، وليس على اندماج اليهود في مجتمعاتهم، ونضالهم مع أبناء وطنهم نحو مجتمع ديموقراطي غير مستغِل. فالسؤال المطروح، الآن، هو: لماذا لم تقف النخبة المصرية الحاكمة في مواجهة النشاط الصهيوني، الضار بأمن مصر القومي، والضار بمستقبل الأمة العربية، كما أثبتت التجربة التاريخية، لاحقاً ؟
ثالثاً – النخبة السياسية المصرية والصهيونية :
اتسم موقف الأحزاب والقوى الوطنية المصرية باللامبالاة ، تجاه القضية الفلسطينية ، خلال عشرينيات و ثلاثينيات القرن العشرين، حيث خلت برامجها وممارستها اليومية من موقف محدد تجاه القضية الفلسطينية، واستغرقت الأحزاب في تفاصيل الحياة السياسية المصرية. وإن بدأت بعض الصحف الحزبية المصرية، تهتم بالقضية بعد هبًّة البراق*، صيف 1929 ، التي أثارت المشاعر الدينية ، لدى الكثير من المصريين (80) ، وكذلك مع اندلاع ثورة الشعب الفلسطيني ، ربيع عام 1936.
ففي الوقت الذي أيدت صحيفتا “الوفد” (“البلاغ” و “كوكب الشرق”) موقف “اللجنة العربية العليا”، ساندت صحيفة “الأحرار الدستوريين” موقف ” آل نشاشيبي”، المعادي لثورة الشعب الفلسطيني، أما صحف القصر ، مثل “الاتحاد”، فقد أيدت السياسة البريطانية في فلسطين، ودعت للتفاهم بين العرب واليهود (81) . لكن فهم موقف القوى السياسية من القضية الفلسطينية، وتساهلها مع الحركة الصهيونية يتطلب إلقاء نظرة سريعة على حقيقة الشرائح الاجتماعية التي تعبر عنها هذه القوى.
إذا كان الاقتصاد المصري، خلال النصف الأول من القرن العشرين، تمحور حول الأرض الزراعية، وتجارة القطن ، فإن ملكية الأرض الزراعية تمركزت في يد فئة قليلة العدد، (قبل قانون الإصلاح الزراعي عام 1952) ، 1000 مالك يملكون (19.7%) من المساحة الكلية المزروعة ، في الوقت الذي لا يملك أكثر من مليوني شخص (صغار ملاك) إلا ( 13%) من الأرض المزروعة (82) . في الوقت ذاته ، كانت شركات وبنوك الرهن العقاري المملوكة لرؤوس الأموال الأجنبية تعمل، بشكل واسع، على نزع ملكية الأراضي من صغار الفلاحين المصريين (83) ، مما ساعد على تمركز الملكية الزراعية في يد عدد قليل من كبار الملاك، مصريين، أو متمصرين، أو أجانب. في حين سيطرت الشركات الأجنبية على تجارة القطن المصري، و عاونهم 24 بيتاً من بيوت السماسرة المصريين، على تجميعه داخل القطر المصري. وظلت الصناعة على هامش الاقتصاد المصري ، رغم المحاولات الجادة التي بدأها “بنك مصر” وشركاته، فظلت الرأسمالية المصرية، تجارية أكثر منها صناعية، شريكة صغيرة تابعة للرأسمالية الأجنبية، في الأغلب الأعم.
تربع كبار الملاك (الأعيان) على قمة الهرم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري، خلال الربع الأول من القرن العشرين ، حيث كاد تشكيل الوزارات يكون حكراً لهم (84) .
بعد الحرب العالمية الأولى، ونتيجة ارتفاع أسعار القطن، حقق كبار ملاك الأراضي الزراعية أرباحاً هائلة، وظفوها في الاستثمار الصناعي ، المُسيطر عليه من قبل رأس المال الأجنبي ، وقد اقتصر كبار الملاك ، في معظم الأحيان، على شراء الأسهم والأوراق المالية، التي كانت تطرحها الشركات التجارية والصناعية ، أي أنهم كانوا مساهمين أكثر منهم منتجين (85) . هكذا كانت بداية تحول بعض كبار الملاك والأعيان إلى الرأسمالية الصناعية والتجارية (86) .
نتيجة تعارض مصالح شريحة من هذه البرجوازية الصاعدة ، مع سيطرة رأس المال الأجنبي على الاقتصاد المصري، الذي يحد من أُفق نموها، دعت هذه الشريحة إلى اقتصاد وطني ، رغبة في التخلص من السيطرة الأجنبية، احتضنت البرجوازية الصاعدة ثورة 1919، التي كانت ثورة شعبية، تصدرتها قيادات برجوازية، متبنية شعار “مصر للمصريين”.
في السياق نفسه جاءت دعوة طلعت حرب إلى إنشاء اقتصاد وطني ، بتأسيسه “بنك مصر” وشركاته* ، الذي يعد أول بنك مصري، أسهمه خالصة وقاصرة على المصريين فحسب، في الوقت الذي توالت الدعوات إلى مقاطعة البنوك والشركات والمصانع الإنجليزية. هكذا تبنت شرائح من البرجوازية، آنذاك، أيديولوجية معادية للاستعمار، وتهدف للاستقلال الاقتصادي والسياسي للقطر المصري.
ترافق صعود البرجوازية مع ظهور مجموعة من الأحزاب المصرية، لتكون التعبير السياسي عن مصالح البرجوازية، متبنية قضية الاستقلال، والإصلاح الدستوري. ويمكن تقسيم الحياة الحزبية في مصر إلى مرحلتين زمنيتين: أولاهما قبل الحرب العالمية الأولى، والثانية بعدها (87) .
في المرحلة الأولى من الحياة الحزبية (1907-1914) تصدر “الحزب الوطني” ، بقيادة مصطفى كامل ثم محمد فريد، الحركة الوطنية، منادياً بالاستقلال عن بريطانيا، ومطالباً بالدستور، ولجأ الحزب إلى العمل السري، في عام 1910. بينما عبر” حزب الأمة” عن مصالح كبار الملاك، وركز على الإصلاح الدستوري، أكثر من الاستقلال ، وتبنى هذا الحزب فكر “القومية المصرية”، وروَّج لها في صحيفته “الجريدة” ، التي ترأس تحريرها أحمد لطفي السيد.
في مقابل هذين الحزبين ظهر حزب ثالث ، مدعوم من الخديوي عباس الثاني، هو “حزب الإصلاح” ، وقد عبرت تلك الأحزاب عن التناقضات القائمة بين البرجوازية المصرية الصاعدة، آنذاك، وبين كبار الملاك، والأعيان، المتعاونين مع الرأسمالية الأجنبية، والاستعمار البريطاني، وكذلك بينها وبين سلطة الخديوي من جهة أخرى.
في المرحلة الثانية من الحياة الحزبية (1919-1953)، تصدر “حزب الوفد” الحركة الوطنية المصرية ، مطالباً بالاستقلال والدستور، و تكون “الوفد” من تحالف برجوازي (برجوازية زراعية، وتجارية، وصناعية نامية)، إلا أنه تعرض لمجموعة من الانشقاقات، كان أبرزها عام 1921، من جانب كبار الملاك الزراعيين ، الذين ألفوا حزب “الأحرار الدستوريين” ، ثم حدث انشقاقان عامي 1932 و 1937 من جانب قطاعات من الرأسمالية النامية. ونجم عن الانشقاق الأخير حزب “السعديين”، وقد أدت هذه الانشقاقات إلى اقتصار الوفد على الفئات الوسطى (88). و عبرت تلك الانشقاقات عن تمايزات قوى اجتماعية أكثر تبعية، (كبار ملاك، رأس مال تابع) ، إلا أن حزب “الوفد” نفسه خضع، تدريجياً، ومنذ عام 1936، لمصالح البرجوازية التابعة لرأس المال الأجنبي (89) . وظهرت في هذه المرحلة، أيضاً، أحزاب مدعومة من قبل الملك فؤاد ، رغبة منه في السيطرة على الحياة السياسية المصرية ، مثل “حزب الاتحاد” (1925) و”حزب الشعب” (1930). وفي المقابل ظهرت، في الفترة نفسها، جماعات وأحزاب ماركسية ، فضلاً عن جماعة “الإخوان المسلمين”، وحزب “مصر الفتاة”.
على أن تعرض الاقتصاد المصري، كجزء من السوق العالمية ، للأزمة الاقتصادية العالمية، عام 1929، وما تبعها من ركود اقتصادي (1931-1935) ، جعل البرجوازية المصرية تقدم تنازلات غير قليلة على الصعيد الاقتصادي، منها قبولها التعاون والمشاركة مع رأس المال الأجنبي (90). وبدأ “بنك مصر” وشركاته يتخلى عن شرط الجنسية المصرية، في حاملي الأسهم (91)، مما مكَّن رأس المال الأجنبي بالتحالف مع شرائح تجارية، كمبرادورية*، من ضرب مشروع “بنك مصر” وشركاته، مع بداية أربعينيات القرن العشرين.
ترافق فشل البرجوازية المصرية في محاولتها للاستقلال بالسوق المصرية، اقتصادياً، في تلك الفترة، مع تراجعها على المستوى السياسي، في مشروعها لانتزاع الاستقلال السياسي لمصر، ودخلت تلك البرجوازية في سلسلة طويلة من المفاوضات مع الاحتلال البريطاني، عجزت فيها عن الحصول على الاستقلال السياسي المنشود. ويمكن أن نجمل بعض المحددات الأساسية في تشكيل النخبة السياسية المصرية فيما يلي:
* الاحتلال البريطاني لمصر.
* محاولات القصر المستمرة ، لتأكيد هيمنته على الحياة السياسية ، وزيادة نفوذه.
* الرأسمالية الأجنبية، المهيمنة على الاقتصاد المصري.
* ظهور أحزاب وطنية، تستند إلى قوى شعبية ، وإن كانت تمثل، في الأساس، البرجوازية الصاعدة. (الحزب الوطني ، ثم حزب الوفد).
* محاولات الرأسمالية التجارية، و كبار الأعيان ، تشكيل مجموعة من الأحزاب المدعومة من القصر، ومتهادنة مع الاحتلال البريطاني، وتعمل، في الأساس، لمصالحها المتشابكة مع الرأسمالية الأجنبية.
* فكرياً ، شهدت الحياة الثقافية جدلاً واسعاً حول الهوية المصرية، وكان الحوار يدور، أساسا،ً حول القومية المصرية، والهوية الإسلامية ، أما الهوية العربية لمصر، فكانت غير واضحة، أو مبلورة، وفي الأغلب ممتزجة بالهوية الإسلامية .
حرصت الحركة الصهيونية، في مصر، على إقامة علاقات وطيدة مع النخب السياسية وقادة الأحزاب المصرية، ما ساعدها على تفعيل النشاط الصهيوني في مصر ، بقدر أكبر من الحرية. فعلى سبيل المثال ، نذكر حرص ليون كاسترو ، مؤسس فرع المنظمة الصهيونية في مصر ، في عام 1917، وسكرتير لجنتها المركزية، على تقوية علاقة الصداقة بينه وبين زعيم الوفد ، سعد زغلول، لدرجة حيازته ثقة زغلول، مما جعل كاسترو متحدثاً باسم “الوفد” في أوربا، وكما رأس تحرير جريدة “La Liberté“، لسان حال الوفد، في ذلك الوقت (92) 0
في هذا الإطار يذكر حرص الشخصيات الرأسمالية اليهودية، المتزعمة للنشاط الصهيوني في مصر، على إشراك عدد من الوزراء والسياسيين ورجال الأعمال المصريين معها في نشاطها الاقتصادي. ويذكر على سبيل المثال إسماعيل صدقي، وأحمد زيور، ومدحت وعدلي يكن، وحافظ عفيفي، وأحمد فرغلي، وأحمد عبود، وفؤاد أباظة ، وإبراهيم عبد الهادي، وغيرهم (93) 0
لذا قد يكون من المفيد استعراض نماذج للعلاقات بين بعض النخب السياسية المصرية والحركة الصهيونية، لمعرفة طبيعة العلاقة، و تأثير ذلك على النشاط الصهيوني في مصر.
زيور و الصهيونية:
كانت العلاقة التي تربط أحمد زيور باشا* بالحركة الصهيونية من القوة ، ما جعله لا يتحرج من المشاركة في احتفال الصهاينة بوعد بلفور، حيث شارك زيور باشا، عندما كان محافظاً للإسكندرية، في حفلتي “منظمة الصهيونيين بمصر”، و “جمعية زئير صهيون”، بصدور “تصريح بلفور”، كما ذكر من قبل.
على أنه أثناء تولى زيور رئاسة الوزراء، تأكدت تلك العلاقة بإرساله وفد مصري لحضور افتتاح الجامعة العبرية، في أبريل /نيسان 1925. وكان رئيس الوفد المصري، أحمد لطفي السيد، مدير الجامعة المصرية، آنذاك. وقد صرح السيد، بعد عودته، أنه لم يذهب بصفته الشخصية، أو لتمثيل الجامعة المصرية، إذ أنه سبق ورفض الدعوة التي وجهت إليه، ولكنه ذهب بناء على رغبة حكومة زيور، التي دافع عنها، بقوله “إن الحكومة لو امتنعت عن المشاركة في هذا العمل العلمي لاتهمت بعدم مشاركتها في نشر العلم في الشرق الأدنى والبلاد المجاورة” (94) ! لكن لطفي السيد نفسه ذكر، في التصريح نفسه، أن المبالغة في الاحتفال، جعلته يعتقد أن الجامعة لها علاقة بالترويج للحركة الصهيونية، ورغم ذلك استمر في المشاركة في الاحتفال!
يتضح موقف زيور من القضية الفلسطينية، عندما عبر بعض الوطنيين الفلسطينيين عن غضبهم من زيارة “بلفور” لمصر، في طريقه إلى فلسطين، لافتتاح الجامعة العبرية في القدس، وهتفوا ضد بلفور ووعده، فقام وزير الداخلية في حكومة زيور، إسماعيل صدقي باشا، باعتقال هؤلاء الفلسطينيين (95).
استمرت الحركة الصهيونية في ممارسة نشاطها بحرية، في ظل حكومة زيور، فها هي الحركة الصهيونية تحتفل بزيارة حاييم ويزمان لمصر، في عام 1925، بإقامة حفل في أحد معابد القاهرة. هذه الحرية دفعت الحاخام الأكبر حاييم ناحوم للإعلان، في هذا الحفل، عن رغبته في الاشتغال بالحركة الصهيونية.
هكذا اتسم موقف زيور وحكومته من الحركة الصهيونية، ونشاطها، بالتعاون، والترحيب، فلم تكن حكومة زيور تستند إلى أية قوة شعبية، عندما وصلت إلى الحكم، بل جاءت بدعم من القصر، وحده، وعملت بكل قوة على ضرب الحركة الوطنية المصرية، التي ترى فيها تلك الحكومة أكبر مهدد لمصالحها، في الوقت الذي وافقت هذه الحكومة على إخلاء السودان من القوات المصرية لصالح الاحتلال البريطاني.
لا يعد ذلك غريباً من حكومة زيور، التي تعبر عن مصالح مجموعة من كبار الأعيان، والتي تشابكت مصالحها مع الرأسمالية الأجنبية، ومنها شخصيات رأسمالية يهودية، تعمل لصالح الحركة الصهيونية. لذلك لم يكن غريباً، أيضاً، أن تؤيد جريدة “الاتحاد” ، الناطقة بلسان حزب “الاتحاد”، الذي أسسه زيور، سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين، والتي بدت وكأنها تدعو للتفاهم بين العرب واليهود (96) ، في الوقت الذي عملت، بشكل جاد، على تنفيذ “وعد بلفور”، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد أبدت جريدة “الاتحاد” أكثر من مرة إعجابها بالازدهار والقوة التي تحققت في فلسطين من خلال الهجرة اليهودية! واعتبرت أن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين سيكون فاتحة عهد جديد فيها، وسيكون حافلاً بالعجائب والمدهشات (97) 0
موقف الأحرار الدستوريين:
لم يختلف موقف حزب الأحرار الدستوريين من الحركة الصهيونية كثيراً عن موقف حزب “الاتحاد”، حيث مثل حزب الأحرار الدستوريين مصالح كبار ملاك الأراضي، والذين استثمروا أرباحهم في بنوك وشركات الرهن العقاري، المملوكة للرأسمالية الأجنبية، وكانت الشخصيات الرأسمالية الصهيونية ذات حضور قوي في تلك الشركات.
فقد كتبت صحيفة “السياسة” ، لسان حال حكومة محمد محمود وحزب الأحرار الدستوريين، تستنكر العنف الذي لجأ إليه الفلسطينيون في هبَّة “حائط البراق”، صيف 1929. استنكر كل من محمد عبد الله عنان ، و محمد حسين هيكل ، رئيس تحرير “السياسة”، سياسة العنف ، وتبنى كل منهما الدعوة إلى التفاهم بين العرب واليهود. ويذكر في هذا الإطار، ترحيب كل من صحيفة “هآرتس” الصهيونية، الصادرة في فلسطين، وصحيفة “إسرائيل” ، صوت الحركة الصهيونية في مصر، بما كتبه “هيكل” (98)
كما قامت صحيفة “السياسة” باستعداء السلطات المصرية ضد الفلسطينيين المقيمين في مصر، مهددة إياهم بالطرد، وقد اتهمتهم بإثارة الفتنة الطائفية، بعد النشاط الذي قام به بعض الفلسطينيين ، لتوضيح حقيقة الموقف في أحداث “البراق” (99) . والموقف نفسه تقريباً ، اتخذته صحيفة “السياسة” من ثورة 1936 الفلسطينية ، فدعت كتابات محمد علي علوبة، وعبد الله عنان ، ومحمود عزمي، في هذه الصحيفة، إلى ضرورة التفاهم بين العرب واليهود (100) . وكانوا لا يرون في الصراع الدائر على أرض فلسطين ، إلا وجهه الطائفي، متغافلين عن الطابع الاستعماري للحركة الصهيونية.
لم تكن حكومات الأحرار الدستوريين ، إلا “حكومات أقلية” ، لا تصعد إلى سدة الحكم بدعم شعبي ، إنما بدعم من القصر والاحتلال البريطاني، ما جعلها تقف موقف المعارض للحركات الوطنية، والمتهاون مع الاحتلال البريطاني، والمتساهل مع الحركة الصهيونية، التي لم تر فيها تلك الحكومات أي خطر يهددها.
حكومة النحاس:
اتسم موقف حزب الوفد، في عهد النحاس، بموقف أكثر إيجابية من القضية الفلسطينية، وقد عبر النحاس عن أسفه للسفير البريطاني على صدور تقرير “لجنة بيل” ، الذي أوصى بتقسيم فلسطين، والذي أصدرته في يوليو/ تموز 1937(101) . وقد كانت الجرائد الناطقة باسم “الوفد”، أكثر إدراكاً لحقائق الموقف في فلسطين، من غيرها من الجرائد الحزبية، وقد دأبت جريدتي “البلاغ” و “كوكب الشرق” الوفديتين على تأييد موقف “اللجنة العربية العليا”، في حين ساندت صحافة الأحرار الدستوريين موقف “آل نشاشيبي”، المعادي لثورة الشعب الفلسطيني (102) 0
لكن حكومة النحاس وافقت مبدئياً، على سفر المئات من العمال المصريين إلى فلسطين ، كي يحلوا هناك محل العرب الفلسطينيين ، الذين أضربوا عن العمل تأييداً لثورة 1936 (103) . وإن كان النحاس تراجع عن هذا القرار، فإن تلك الموافقة المبدئية تؤكد عدم تبلور رؤية واضحة لدى “الوفد”، وزعامته تجاه القضية الفلسطينية. وقد يرجع ذلك لانشغال “الوفد” بالصراع داخل الحياة السياسية المصرية، وبقضية استقلال مصر.
تعد سنوات الحرب العالمية الثانية من أكثر فترات الترويج للفكر الصهيوني في مصر، عن طريق الصهيونيين المجندين في جيش الحلفاء، إلا أن حكومة النحاس (4 فبراير /شباط 1942- 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1944) ما كانت تستطيع عرقلة النشاط الصهيوني في مصر، لأنها جاءت إلى الحكم ، على فوهات الدبابات البريطانية، التي حاصرت الملك فاروق، في قصر عابدين، في 4 فبراير/ شباط 1942.
لكن موقفاً واضحاً من الحركة الصهيونية ونشاطها في مصر ، أخذ في التبلور لدى “الوفد”، مع نهايات الحرب العالمية الثانية، ما دفع النحاس، في صيف 1944، لعدم الاعتراف بالاتحاد الصهيوني كممثل لليهود في مصر، وقرر النحاس حل هذا التنظيم.
نبع الموقف الأخير لحزب الوفد ، في الأغلب ، من كونه “حزب الأغلبية” في مصر، حيث كان حريصاً على اتخاذ سياسات تؤكد الالتفاف الشعبي حوله، ولما كانت القضية الفلسطينية آخذة في التبلور لدى الرأي العام المصري، في نهايات الحرب العالمية الثانية، فكان لابد لحكومة الأغلبية أن تتبنى موقفاً وطنياً معادياً للنشاط الصهيوني. لكن تغير الوزارة، في أكتوبر/ تشرين الأول 1944، ساعد على عدم وضع هذا القرار موضع التنفيذ.
صدقي والصهيونية:
يعد إسماعيل صدقي* خير مُعبِّر عن تعاون بعض صنَّاع القرار السياسي في مصر مع الحركة الصهيونية، هذا التعاون الذي امتد من عشرينيات القرن العشرين وحتى مناقشة قرار دخول مصر حرب 1948، في جلسة مجلس الشيوخ، في 11 مايو/ أيار 1948. وتعد وزارات صدقي ، الأكثر موالاة للقصر وتعاوناً مع قوات الاحتلال البريطاني، وتأتي إلى السلطة، في الغالب ، لضرب الحركة الوطنية بيد من حديد.
عندما كان صدقي وزيراً للداخلية ، سنة 1925، اعتقل عدداً من الفلسطينيين ، الذين هتفوا ضد بلفور ، صاحب التصريح الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، أثناء مروره بالقاهرة، في طريقه إلى فلسطين، لافتتاح “الجامعة العبرية” في القدس (104) .
عندما تولى صدقي رئاسة الوزارة، سنة 1930، صادر وأغلق الكثير من الصحف الوطنية ، ومارس الإرهاب والبطش تجاه الحركة الوطنية المصرية ، كما أغلق جريدة “الشورى” ، الصحيفة الفلسطينية التي كان يصدرها محمد علي الطاهر ، وهو من مؤيدي الوفد، في الوقت الذي أبقى صدقي صحيفة “إسرائيل” (105) ، التي كان يصدرها ألبير موصيري، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية في مصر.
لم تبدِ حكومة صدقي أي احتجاج على طرد عبد الرحمن عزام من فلسطين، عام 1931، من قبل حكومة الانتداب البريطاني، بناءً على طلب الحكومة الإيطالية. حيث كان عزام مُوفداً إلى المؤتمر الإسلامي ، الذي عقد في القدس ، في ذلك العام، ممثلاً لحزب الوفد المصري. وكان سبب غضب الحكومة الإيطالية ، تلك الخطبة التي ألقاها عزام في المسجد الأقصى، ودعا فيها إلى مساندة الشعوب الإسلامية المضطهدة، سواء في روسيا ! أو طرابلس الغرب (106) .
كما اشتركت حكومة صدقي باشا في معرض “تل أبيب” الصهيوني ، الذي أقيم في ربيع 1932، متجاهلة جميع التحذيرات والنداءات التي وجهتها إليها الأوساط الوطنية في فلسطين، فضلاً عن أن المعروضات المصرية، التي أرسلت إلى المعرض عادت كلها إلى مصر، بدون أن يبتاع اليهود منها شيئا (107) .
يمكن فهم مواقف إسماعيل صدقي تلك، من واقع عضويته في مجالس إدارات عدد ضخم من الشركات (108)، التابعة للرأسمالية الأجنبية، وخصوصاً عضويته في مجالس إدارة شركات وادي كوم أمبو، والملح والصودا، وسكك حديد الفيوم، والتي كانت يملكها رأسماليون يهود (109) . وقد كان لتشابك مصالح صدقي مع تلك الرأسمالية تأثير واضح في تحديد رؤيته للقضية الفلسطينية، وموقفه من الحركة الصهيونية. فقد تخيل صدقي أنه يستطيع أن يوسع نشاطه الاقتصادي، بالتعاون مع الصناعة الصهيونية المتقدمة في فلسطين. واعتقد صدقي أنه يستطيع عن طريق علاقاته بالحركة الصهيونية، أن يحوز مكاسب سياسية، من خلال نفوذها القوي، حسب تصوره، على دوائر صنع القرار في بريطانيا، والولايات المتحدة. ويتضح ذلك بجلاء خلال مفاوضاته مع إلياهو ساسون، التي سبقت وصاحبت مفاوضات “صدقي- بيفن”.
ساسون و صدقي:
كانت المرات التي حضر فيها إلياهو ساسون* إلى مصر ، من الكثرة ، بحيث يصعب إحصاءها، ذلك أنه كان ذا علاقات وطيدة برجال الحركة الصهيونية في مصر ، ومع كثير من النخب السياسية المصرية.
أثناء المفاوضات بين مصر وبريطانيا ، في منتصف أبريل / نيسان 1946، كان الجانب البريطاني مُصِراً على استبقاء قاعدة حربية في منطقة قناة السويس ، في وقت السلم والحرب على حد سواء، في شكل اتفاقية دفاع مشترك. مما كان يعني أن المعاهدة الجديدة، لن تختلف عن معاهدة 1936، فتوقفت المفاوضات بين الجانبين ، ولكن المباحثات بين إرنست بيفن وصدقي استمرت، وأسفرت عن معاهدة، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1946 ، رفضها 7 أعضاء من أصل 12 عضواً في الوفد المصري. كما قامت مظاهرات حاشدة، في طول مصر وعرضها، تطورت إلى معارك بين المتظاهرين من جهة والقوات البريطانية والبوليس المصري من جهة أخرى ، وأدت إلى مصرع 23 و إصابة 121 من المتظاهرين (110) .
على هامش هذه المفاوضات و تعسرها ، قدمت الحركة الصهيونية نفسها إلى صدقي، باعتبارها يمكن أن تمارس دور الوسيط ، لتضيق الفجوة ، حيث ستعمل، بشكل جاد، من جانبها، لتحقق لمصر استقلالها ، في مقابل أن تسهم مصر في إقناع جامعة الدول العربية بقبول تقسيم فلسطين. حيث في إمكان الصهيونية إقناع بريطانيا بقاعدة عسكرية في فلسطين، بدلاً من تلك القاعدة في السويس (111) . ولهذا الغرض أوفدت “الوكالة اليهودية” ساسون إلى القاهرة ، الذي أقام فيها، إقامة شبة كاملة، طوال صيف 1946.
لخص رونالد كامبل، سفير بريطانيا في القاهرة، في رسالة إلى وزارة الخارجية البريطانية بلندن، في 25/4/ 1946(112) موقف صدقي من القضية الفلسطينية ، بأن صدقي “قد عبَّر عن قناعته المستمرة بأن الحل الوحيد هو التقسيم”، وأن كل تخوفه “أن فلسطين ستظل تشكل بؤرة خطرة للفيروس الشيوعي، طالما بقيت المسألة دون حل”. هذا هو موقف صدقي ، الذي قال عنه السفير البريطاني، في رسالته، بأنه “لا يحس بما يعتمل في الأفق العربي”، وأن موقفه تشكل نتيجة مصالحه في مجال الأعمال مع “المصالح اليهودية”. ويقصد بذلك شراكة صدقي مع الرأسمال اليهودي، في أكثر من مشروع، ولذلك ليس غريباً أن يبدي صدقي للسفير إعجابه بارتفاع مستوى معيشة وتعليم الجماعات اليهودية، المستوطنة فلسطين، وأنه يود لو أمكنه الاستعانة بالعلماء الصهاينة في تعليم المصريين ! فضلاً عن تعزيز التجارة مع فلسطين (ويقصد هنا الجماعات اليهودية في فلسطين) ، لولا المقاطعة . وقد أدلى صدقي بحديث في مجلس الشيوخ المصري ، عقب عودته من زيارته لفلسطين، امتدح فيه مصحة جبل الكرمل، التي يمتلكها المستوطنون الصهاينة في حيفا (113) 0
في الوقت الذي عُقد فيه مؤتمر على مستوى رؤساء الحكومات العربية، في مصيف “بلودان” ، قرب دمشق، ما بين 12-18 يونيو/ حزيران 1946، لمواجهة مخاطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين، تم ترتيب مجموعة من اللقاءات بين ساسون وصدقي ، في بيت رينيه موصيري ، شارك في واحد منها، على الأقل، الحاخام حاييم ناحوم أفندي. وكان صدقي يحاول، في هذه اللقاءات، أن يحصل على تأييد الحركة الصهيونية له في موقفه مع الإنجليز، وفي مقابل ذلك، أبدى صدقي استعداده لإغماض العين عن هجرة يهودية “معقولة” إلى فلسطين ، ولكن الرقم الذي عرضه صدقي (خمسين ألف مهاجر) لم يكن مرضياً لساسون ، وإن أبدى ناحوم أفندي استعداده بذل مجهود في سبيل تسهيل قبول “الوكالة اليهودية” هذا العرض. وطبقاً لما رواه ساسون، فإن الملك فاروق كان على علم بما اقترحه صدقي (114) 0
خلال محادثات صدقي – ساسون، في 9 أغسطس/ آب 1946 (115) ، كان صدقي يريد أن يعرف مدى المساعدة ، التي تستطيع “الوكالة اليهودية” أن تقدمها له، في إنجلترا وأمريكا، لإنجاح المفاوضات المصرية – البريطانية، ومدى المساعدة الاقتصادية ، التي يمكن لدوائر الصهيونية ، تقديمها للعالم العربي ! وبعد أن أقنعه ساسون بما للوكالة من نفوذ في واشنطن و لندن ، طلب صدقي من ساسون مذكرة قصيرة “تحتوي على كافة التفاصيل المطلوبة ” ، على أن يتسلمها خلال أسبوع ، “من أجل دراستها، ويقوم حسبها بتوجيه المناقشات في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، المنعقد يوم 12 من هذا الشهر”. وبالفعل وصلت مذكرة من مندوب “الوكالة اليهودية” في القدس إلى صدقي، في 13 أغسطس/ آب، تضمنت “عرضاً محدداً للمصريين، بمساعدتهم في قضيتهم ، إذا ما ساندوا القضية اليهودية في الدوائر العربية”. وشملت قبول “الوكالة اليهودية” للتقسيم، ولكن مع تحفظات تتعلق بتوفير الحل النهائي (116) 0
كانت بريطانيا على علم تام بما يدور بين ساسون وصدقي ، عن طريق مصدر بوليسي مصري ، على اتصال بالوكالة اليهودية ، كان يشغل موقعاً هاماً في وزارة الداخلية ، مكَّنه من الإلمام بتفاصيل هذه المحادثات. إن هذا الشخص، على ما يبدو للباحث، هو حسن رفعت باشا، الذي كان وكيلاً لوزير الداخلية، حيث وصف ساسون في مذكراته رفعت بأنه “مجند تماماً لمساعدتنا، وهو ينقل للمسئولين آراء و أخباراس مرغوبة ، وهو يقوم بتنظيم عقد المحادثات واللقاءات” (117) . وهو ما يقترب مع ما ذُكر في مراسلات السفير البريطاني في القاهرة ووزارة الخارجية البريطانية عن المصدر البوليسي ، الذي قدم تقارير للسفير البريطاني عن محادثات ساسون مع السياسيين المصريين (صدقي ، وعبد الرحمن عزام، وحافظ عفيفي، وأحمد لطفي السيد).
يبدو أن المذكرة التي أرسلتها “الوكالة اليهودية” ، عن طريق الوسيط المصري (حسن رفعت) ، كانت قصيرة، بدرجة لم تساعد وزير الخارجية المصري ، أحمد لطفي السيد، الذي ترأس مؤتمر وزراء الخارجية العرب، في أغسطس/ آب 1946، لذلك طلب “السيد” الإسراع في تحضير مذكرة مفصلة أكثر، “لأنه يجهل تماماً المسألة الفلسطينية، ولهذا يصعب عليه المناقشة حولها مع بقية أعضاء المؤتمر”. كما طلب أن تؤمِّن الحركة الصهيونية تأييد إحدى الدول العربية الأخرى، ولتكن “شرق الأردن”، للموقف الذي ستتخذه مصر، في مقابل “الموقف المتطرف من قبل مندوبي العرب الفلسطينيين”. وفق ما رواه ساسون في مذكراته (118) وفي الوقت نفسه كانت هناك محادثات مباشرة بين ساسون وعبد الله بن الحسين، أمير شرق الأردن، تحديداً في 12 أغسطس/ آب، أكد فيها عبد الله أنه “يفضل التقسيم، وضم الجزء العربي إلى شرق الأردن” (119) .
في محادثات صدقي – ساسون، في 26 أغسطس/ آب 1946، أكد صدقي “أنه كان يعتقد، طيلة السنوات العشر الماضية، بأن التقسيم هو الحل الوحيد، وإن يكن قد تساءل عما يمكن أن يقوم به اليهود لمساعدة مصر، فرد ساسون بأن اليهود [يقصد الحركة الصهيونية] سيحشدون كل من هم على صلة بهم داخل حزب العمال البريطاني، [الحاكم في ذلك الوقت]، وخارجه ، وبأنهم سيتصلون بالحكومة البريطانية، ويلفتون نظرها إلى أهمية وجود قاعدة في فلسطين ، تعويضاً عن أية تنازلات تتقدم بها بصدد المعاهدة الإنجليزية- المصرية… وفي النهاية صرح صدقي بأنه لن يتخذ أية خطوة، إلا إذا اتصلت به حكومة صاحبة الجلالة” (120) 0
عندما وافقت بريطانيا على تجديد المحادثات مع الحكومة المصرية ، اعتقد صدقي أن ذلك يرجع إلى مجهود الدوائر الصهيونية في كل من بريطانيا، و الولايات المتحدة، لذلك بدأ محادثاته مع ساسون ، في 16/9/1946، بشكر “الوكالة اليهودية” على ما قدمته ، قائلاً “إنكم فعلتم الكثير”! وبعد ذلك تحدث صدقي مع ساسون ، حول بعض الشئون السرية في المحادثات المصرية – البريطانية ، بغرض أن يقوم ساسون بمساعدته، عند زيارة ساسون للندن. واتفق صدقي مع ساسون ، في هذه المحادثات، بشأن التخلص من مفتي القدس (121) ، الحاج أمين الحسيني، الذي قبلته حكومة صدقي ضيفاً في مصر ، على مضض، حيث أصدرت حكومة صدقي بياناً بشأن مجيء المفتي إلى مصر، جاء فيه “إذا كانت الحكومة المصرية قد سمحت بإقامة السيد أمين الحسيني في ديارها، فهي ترجو ، في الوقت عينه، ألا ينظر إلى هذه المسألة إلا بنفس الروح الكريمة ، التي انبعث عنها قرارها أداءً لواجب المجاملة”. ملوحة بضرورة التزامه الهدوء (122) .
لم تقتصر اتصالات “الوكالة اليهودية” على إسماعيل صدقي ، بل شملت العديد من النخب السياسية والفكرية ، بهدف الترويج لحل تقسيم فلسطين. فطبقاً لتقارير البوليس السياسي المصري ، المرفوعة إلى الديوان الملكي، فإن “ساسون” ، خلال صيف 1946 ، اجتمع مع إسماعيل صدقي ، رئيس الوزراء ، ومع بعض الساسة المصريين، ومنهم محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء السابق، الذي عاد وتولى رئاسة الوزراء بعد صدقي ، مرة أخرى، واجتمع مع زعيم المعارضة الوفدية، مصطفى النحاس، ومع عدد من كبار موظفي وزارة الخارجية، كما رتب رئيس الطائفة اليهودية في القاهرة ، رينيه قطاوي لقاء في بيته، جمع ساسون مع عدد من المثقفين، وقادة الرأي في مصر. وقد اجتمع ساسون مع وكيل الديوان الملكي، حسن يوسف باشا، ثلاثة أو أربعة اجتماعات، لينقل إليه رسائل موجهة إلى الملك فاروق ، من زعماء الحركة الصهيونية ، من أمثال وايزمان، و بن جوريون (123) 0
ساسون وعزام :
في أحد تقارير المصدر البوليسي، (حسن رفعت)، إلى السفير البريطاني، وصف لقاءً تم بين ساسون و لطفي السيد ، بناء على طلب صدقي ، حضره كل من عبد الرحمن عزام وحافظ عفيفي، في شهر أغسطس/ آب، حيث أيد عفيفي استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بينما صرح عزام أنه “لا يعترض على نوع ما من الوطن القومي”، وعلى مواصلة الهجرة إلى فلسطين، بشرط ألا يشكلوا أغلبية. وبعد اللقاء صرح عزام للمصدر أنه في حالة قبول الحكومة البريطانية حل المشكلة الليبية، وحل المسالة المصرية، وفق شروط تقبلها مصر، فإنه سيوافق على التقسيم (124) . لكن عزام لم يحصل على أي جواب من الحكومة البريطانية.كان عزام، وفقاً لرواية ساسون، يعتقد أن هناك حلاً واحداً فقط، حسب رأيه، وهو التقسيم، ولكن من أجل التوصل إلى هذا الحل ، مطلوب إجراء محادثات ومفاوضات مشتركة. وعزام كأمين عام للجامعة العربية لا يستطيع الظهور أمام العرب كمبادر بهذا الاقتراح. وهو مستعد لتأييد التقسيم، بشرطين : إذا قامت إحدى الدول العربية بأخذ المبادرة على عاتقها، في اجتماع الجامعة العربية، أو إذا طلب منه الإنجليز العمل في هذا الاتجاه” (125) . وقد أكد عزام لساسون، في أحد اللقاءات، أن حل المسألة الفلسطينية قد يتعثر، ما لم يتسن التخلص من المتطرفين في كلا الجانبين(126).
ساسون و ماهر :
في أغسطس/ آب 1946، التقى ساسون مع علي ماهر ، رئيس الوزراء السابق، وفي هذا اللقاء أكد ماهر أنه “لا يستطيع فعل شيء. فإنجلترا تنتهج سياسة عقيمة، بدلاً من أن تدعو العرب واليهود إلى لندن، لإجراء محادثات حول مشروع محدد سلفاً، حيث كان على إنجلترا، حسب رأيه، أن تطلب قبل ذلك من أصدقائها، من الزعماء العرب، بتمهيد الجو، وأن توضح للزعماء الفلسطينيين ، بأنه لا مجال للتطرف وأن عليهم الموافقة على حل يرضي أيضاً اليهود”، وانه على استعداد للتوسط بناء على دعوة من الإنجليز (127) .
أكدت محادثات ساسون مع بعض النخب السياسية المصرية، صيف عام 1946، مدى عدم اكتراث تلك الشخصيات بحقوق الشعب الفلسطيني، واستعدادها للتفاوض مع الزعامات الصهيونية، ومساعدتها بشأن “الوطن القومي لليهود” ، بهدف إحراز مكاسب سياسية في المفاوضات المصرية – البريطانية.
المحادثات بين شخصيات سياسية مصرية وبين القيادات الصهيونية لم تنقطع منذ صيف 1946 وحتى خلال حرب 1948، وبعدها. ويبدو أن باريس كانت محطة هامة لتلك المحادثات، منذ عام 1946، عندما أوصى إسماعيل صدقي ساسون بأن يتصل بالسفير المصري في باريس ، “لأن لديه الفكرة الكافية عن العلاقة بيننا” (128) . ويبدو أن هذه الاتصالات، التي تمت عبر سفير مصر في باريس، لم تتوقف، إلا بعد 20 مايو/أيار 1948، عندما رد رئيس الوزراء ، النقراشي، على إحدى برقيات السفير المصري في باريس، قائلاً له “لا تتصل بأحد من الصهيونيين، أو وكلائهم” (129)، ويبدو أن هذا السفير كان ملماً بتفاصيل المباحثات السرية العربية – الصهيونية. الأمر الذي تأكد من إجابته على أحد أسئلة مجلة “الأخبار الشرقية” ، بأن “البلاد العربية سبق أن عرضت حلاً وسطاً ممكناً، وأن على الصهيونيين، الذين يعرفون جيداً موقف العرب، أن يظهروا بمظهر الاعتدال” (130) !
كان الملك فاروق على علم تام بالمحادثات بين بعض السياسيين المصريين والحركة الصهيونية، فضلاً عن الاتصالات بين الملك نفسه والحركة ، عن طريق مجموعة من الوسطاء. ففي 11 ديسمبر/ كانون الأول 1947، في إطار المحادثات السرية بين مصر والقيادات الصهيونية ، طلب الحاخام حاييم ناحوم ، المقرب من الملك فاروق، من يهودا ماجنس ، رئيس الجامعة العبرية في القدس، زيارة القاهرة، للتباحث مع مصر(131). كما توسط في الميدان نفسه جورج حكيم، مطران الروم الكاثوليك في حيفا وعكا والجليل، وصديق الملك فاروق (132) .
قبل اندلاع الحرب بأيام قليلة، تحديداً في 7/5/1948، استقبل، ممثل الحكومة المصرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدكتور محمود فوزي، في نيويورك، الدكتور ماجنس ، رئيس الجامعة العبرية، بعد مقابلته للرئيس الأمريكي، هاري ترومان، ووزير الخارجية الأمريكي، جورج مارشال. ودارت المحادثات حول أسباب رفض الصهاينة للهدنة، في ذلك الوقت، كما تناول الحديث اختيار رئيس لمدينة القدس (133) 0
النقراشي والصهيونية:
أمر محمود فهمي النقراشي، رئيس وزراء مصر، في يونيو/ حزيران 1947، بحل “الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية”، التي تكونت من مجموعة من اليساريين اليهود، من تنظيم “ايسكرا” ، بهدف الكفاح ضد الدعاية الصهيونية، وبهدف دفع اليهود في مصر للانخراط و الاندماج مع الشعب المصري في كفاحه ضد الاستعمار. حيث تلخصت رؤية الرابطة لحل “المشكلة اليهودية” في اندماج اليهود في المجتمعات الموجودين بها ، والعمل مع أبناء تلك المجتمعات نحو بناء كيان ديموقراطي، يحقق المساواة بين كل مواطنيه. هكذا كان موقف “الرابطة” المعادي للصهيونية ، التي تدعو، في المقابل، إلى انفصال اليهود عن المجتمعات التي يعيشون فيها (134) .
لكن قرار النقراشي بحل الرابطة، و اعتقال اللجنة التأسيسية للرابطة كان عاملاً هاماً في إزاحة أكبر المعوقات القائمة أمام النشاط الصهيوني في مصر، ذلك أن تنظيم “ايسكرا” نشط في أوساط اليهود ، بعد عام 1945، بهدف حثهم على الانخراط في صفوف مقاومة الاستعمار، والبقاء إلى جانب الشعب المصري في معركته الوطنية (135). وقد استطاع تنظيم “إيسكرا” اختراق أحد معاقل النشاط الصهيوني في مصر ، هو نادي “مكابي الظاهر”، وحققت “إيسكرا” نجاحاً ملحوظاً في الدعاية للفكر الإشتراكي ، وفي مكافحة الدعاية الصهيونية، وتمكنت من دخول انتخابات مجلس إدارة النادي، والفوز بها، مما كان يعني انتهاء “مكابي الظاهر”، كمعقل للترويج للصهيونية بين فقراء اليهود في حي الظاهر. وهنا استعانت الرأسمالية اليهودية * – المتصدرة للنشاط الصهيوني- بعلاقاتها بالنخبة الحاكمة، لاستعادة النادي في خدمة الصهيونية. حيث استعان كليمنت شيكوريل بكمال رياض ، أحد قادة البوليس السياسي المصري، فألغيت الانتخابات، و كون شيكوريل مجلس إدارة جديد ، وأغلق النادي في وجه اليساريين اليهود. مما دفعهم لتنظيم مظاهرة، بغرض اقتحام النادي، هاتفين “لتسقط الصهيونية أداة الاستعمار .. لتحيا مصر ديموقراطية .. ليسقط الاستعمار” ، وهنا تصدى البوليس المصري والصهاينة للمظاهرة، بضرب المشاركين فيها بعنف، باستخدام العصي الغليظة، وقبض البوليس على عدد من اليساريين اليهود (136) .
كان تعاون الحكومة المصرية والحركة الصهيونية في إجهاض الحركة الشيوعية المصرية، خلال أعوام (1946-1948)، واضحاً بشكل لا تخطئه العين. حيث أدركت الحركة الصهيونية أنها بدأت تخسر نفوذها في أوساط اليهود، لصالح الحركة الشيوعية المصرية، التي استطاعت اجتذاب عدد من العمال اليهود في المحلات التجارية، التي يمتلكها الرأسماليون اليهود ( شيكوريل ، شملا ، بنزيون ، عدس ، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية).
هكذا لم تكن النخبة السياسية الحاكمة في مصر، في الأغلب الأعم، ترى في الصهيونية خطراً على منظومة الحكم ، بل كانت تنظر للنشاط الشيوعي بعين ملؤها الرعب، حتى لو كان هذا النشاط في صالح الأمن القومي المصري و في صالح الأمة العربية، كما هى الحال مع “الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية”.
الحكومة المصرية و حرب 1948:
لم تكن الحكومة المصرية راغبة في دخول حرب 1948. وفي هذا الصدد صرح رئيس الوزراء المصري ، النقراشي، في اجتماع مجلس “الجامعة العربية” ، في أول أكتوبر/تشرين الأول 1947، “إن مصر، لو قدر لها أن تحارب في فلسطين، ستشترك فقط بمظاهرة عسكرية محدودة … ويجب أن تعلم الدول العربية مقدماً، أن الجيش المصري لن يشترك في القتال، وذلك لأسباب داخلية بحتة! فلتعمل الجيوش العربية حسابها على هذا الأساس” (137) . في هذا الصدد يقول الكاتب الصحفي علي أمين (138) إن الأمير عبد الإله ، الوصي على عرش العراق، قابل الملك فاروق ، في القاهرة ، وقال له “إن جيوش العراق، والأردن ستزحف على فلسطين، يوم جلاء الإنجليز عنها، وهي قادرة على الاستيلاء على كل شبر من أرض فلسطين، ومع ذلك فإنه يهم العراق أن يحطم أعصاب الصهيونية، ولذلك فهو يطلب من الجيش المصري أن يقوم بمظاهرة عسكرية على حدود جنوب فلسطين”! وحسب رواية علي أمين، اعترض رئيس الوزراء المصري، النقراشي، على إرسال الجيش المصري خارج الحدود بينما الجيش البريطاني يحتل قناة السويس. وقال النقراشي “إن الجيش المصري غير مدرب لهذه الحرب، وأن أسلحته قديمة جداً”. لكن الملك فاروق – بصفته القائد الأعلى للجيش المصري – أصدر أوامره بتحرك الجيش المصري، مما دفع النقراشي إلى تقديم استقالته، والتي سحبها، بعد تدخل بعض الوسطاء وإقناعه ، بأن هذه الاستقالة ستؤثر على معنويات الجيش المصري، في هذا الوقت، وإن الحرب مجرد مظاهرة عسكرية (139). وتحول موقف النقراشي من معارض لدخول الجيش المصري الحرب إلى مدافع عن هذه المشاركة، وذلك خلال الجلسة السرية لمجلس الشيوخ المصري ، في 11 مايو/ أيار 1948.
خلال تلك الجلسة، تصدر إسماعيل صدقي مـعارضة دخول مصر الحرب، وقد أرجع معارضته إلى أنه يعلم بأن الجيش المصري غير مستعد لخوض الحرب، بالإضافة إلى أنه يخشى أن تعتبر الأمم المتحدة دخول الجيوش العربية فلسطين تحدياً لقرار التقسيم، فتفرض على الدول العربية – ومنها مصر- عقوبات لا طاقة لمصر بها، كما أن لا مصلحة لمصر في خوض هذه المعركة (140) 0
لكن بأي معيار نظر صدقي إلى مصلحة مصر؟ نجده يقول، في جلسة مجلس الشيوخ، موجهاً كلامه إلى رئيس الوزراء : “إن حرباً تمتد بعض الوقت تحتاج للملايين الكثيرة من النفقات. وإذا كانت مصر على أهبَّة القيام بإصلاح واسع النطاق في كل ميادين النشاط الاجتماعي، والاقتصادي، وغيرهما، فهلا رأى دولته أن المصلحة في دخولنا الحرب، إن كانت هناك مصلحة ؟” هكذا ركز صدقي – بصفته رجل أعمال – على المصالح الاقتصادية، دون النظر لمخاطر قيام دولة صهيونية على الأمن القومي المصري. ودعا صدقي الحكومة المصرية إلى تبني وسائل للتفاهم بين العرب واليهود، تجنباً للحرب، والتي يرى أنه يمكن تجنبها بسهولة، لوجود منافع متبادلة بين السكان العرب والسكان اليهود (141)!
دخلت جيوش (مصر، والعراق، والأردن، وسوريا، ولبنان) إلى أرض فلسطين، مع بعض المتطوعين، من مختلف أنحاء العالم العربي، في 15 مايو/ أيار 1948، ولم يكن أي من هذه الجيوش قد استعد، الاستعداد الضروري، لدخول مثل هذه الحرب، كما يبدو أن هذه الدول، التي اعترضت على قرار التقسيم في الأمم المتحدة ، دخلت الحرب لتضع قرار التقسيم موضع التنفيذ، حيث لم يتخط أي من جيوشها المناطق العربية، كما هي محددة في قرار التقسيم. بل تراجعت الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية حتى عن بعض تلك المناطق.
خلال المعارك وفترات الهدنة، كانت هناك مفاوضات إسرائيلية-عربية، بهدف ضم بعض المناطق العربية إلى إمارة شرق الأردن، أو مصر. ففي محادثات هيكل – ساسون ، التي سنعرض لها فيما بعد، في أغسطس/آب 1948، ذكر هيكل لساسون إنه يجب “أن يتنازل الصهاينة عن منطقة النقب لمصر … وأن يكون هذا التنازل علناً، قبل أي حديث! فأجابه ساسون: وما حاجتكم إلى صحراء النقب ولديكم (أنقاب) كثيرة، لم تصلحوا منها شيئاً” (142) ؟!
في أكتوبر/ تشرين الأول 1948 ، وعلى هامش الدورة الاستثنائية لمجلس الأمن الدولي، التي عقدت في باريس، بعد مقتل الوسيط الدولي ، الكونت فولك برنادوت، على يد الصهاينة، في 17 سبتمبر/أيلول، دارت محادثات بين رئيس الوفد المصري هناك، وزير الخارجية المصري ، محمد أحمد خشبة، من جهة، وإلياهو ساسون، من جهة أخرى. ثم قام الملك فاروق بإرسال وكيل الديوان الملكي، حسن يوسف ، ومعه الأميرالاي إسماعيل شيرين إلى باريس، وانضم إليهما الوزير المفوض المصري هناك، عبد المنعم مصطفى. واجتمعوا مع ساسون، وضابط إسرائيلي، ثلاثة اجتماعات (143)، دارت حول “النقب”، حيث كان هدف الوفد المصري الحيلولة دون ضم النقب إلى إسرائيل، أو شرق الأردن (144). وجرت محادثات بين النقراشي والوسيط الدولي الجديد ، رالف بانش، من ناحية ، وبين بانش وبن جوريون من ناحية أخرى، دارت جميعها حول ضم النقب.
جرت هذه المحادثات، في الوقت الذي تعرض فيها الجيش المصري في النقب لهجمات مكثفة من الجيش الإسرائيلي، نتيجة ضعف القوات المصرية، غير المستعدة للمعركة، ونتيجة عدم وجود دعم كاف، تراجعت القوات المصرية، وسقطت بئر سبع، وأسدود، والمجدل، وحوصرت القوات المصرية في منطقة الفالوجا، كما استطاعت قوات إسرائيلية اختراق الحدود المصرية، والوصول إلى جنوب العريش (145) . وإزاء فشل الجيش المصري في الاحتفاظ بالنقب، تحت سيادته، جرت محادثات مباشرة بين الملك عبد الله و بين جولدا مائير، وكذلك بين الملك فاروق ومندوبي ساسون، و فيها طلب عبد الله وفاروق “في حال عدم التنازل الإسرائيلي عن النقب، الحق في ممر بري للتجارة المصرية إلى المشرق العربي، بما فيه فلسطين .. والتي استمرت التجارة معها، حتى بعد الهدنة مع إسرائيل” (146) .
في نوفمبر/ تشرين الثاني 1948، قام السفير الأمريكي في مصر، جيفرسون كافري، بمساعٍ لدفع مصر إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ، بشأن إنهاء حالة الحرب، وفي لقاء بين السفير والأمير محمد علي ، ابن عم فاروق وولي عهده، ألح الأمير على الشروط التالية: تدويل القدس، إخراج بعض اليهود الروس الشيوعيين! من دولة إسرائيل، لأنهم خطر عليها و على العرب! مع توفير ضمان للحدود في المنطقة، تقترحه الولايات المتحدة وبريطانيا (147) .
اتصالات هيكل و ساسون :
شهد عام 1947 ، قرار تقسيم فلسطين ، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كما شهد العام نفسه عرض مصر لقضيتها في الأمم المتحدة. خلال تلك الفترة كان محمد حسين هيكل، رئيس وفد مصر للأمم المتحدة ، الذي ذكر في مذكراته، أنه قبل صدور قرار التقسيم التقى بالياهو ساسون مرات عدة، سواء في منزله، أو في مبنى مجلس الشيوخ ، حيث كان هيكل رئيساً له. كما التقى بساسون في باريس، أثناء اجتماعات اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الدولي ، ثم عاد والتقى به في جنيف و روما. واستمرت هذه المحادثات إلى ما بعد حرب 1948.
كان محور محادثاتهما ، في جنيف ، في أغسطس/ آب 1948، يدور حول ضم صحراء النقب إلى إسرائيل ، في مقابل ممارسة الدوائر الصهيونية الضغط على الولايات المتحدة لتأييد حق مصر في إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا (148) . على أن يتم توقيع معاهدة بين مصر وإسرائيل، تنص على أنه ” يجب أن تخف أيهما لنجدة الثانية، إذا تعرضت للاعتداء … ويجب أن تعامل كل منهما بشروط الدولة الأولى بالرعاية” (149) . ولكن بعد اغتيال رئيس الوزراء المصري، محمود فهمي النقراشي، في ديسمبر/كانون الأول 1948، قطع هيكل محادثاته في باريس، وعاد إلى القاهرة، وقدم ، عقب عودته، مذكرة بالمقترحات الإسرائيلية إلى رئيس الديوان الملكي، إبراهيم عبد الهادي ، ففوجئ بعبد الهادي يخبره أن الملك فاروق قد تسلم هذه المذكرة، من قبل (150) !
بدأت المحادثات المباشرة بين مصر وإسرائيل، في 12 يناير/ كانون الثاني 1949، في رودس، وقدمت الحكومة المصرية تنازلات كبيرة في هذه المحادثات ، نتيجة تهديد القوات الإسرائيلية لسيادتها الإقليمية ، بدخول تلك القوات سيناء. ومن هذه التنازلات تحديد منطقة أمنية في الأراضي المصرية، حيث أصبحت القصيمة و أبو عجيلة آخر المواقع المصرية، 26 كم من خط الحدود الدولية داخل سيناء. وحدد الحد الأقصى للقوات المصرية في قطاع غزة، بما لا يزيد عن 700 فرد، مع تجريدها من الأسلحة الثقيلة. كما حظر ملحق الهدنة على القوات المصرية إنشاء مطارات حربية أو قواعد بحرية في القطاع، وعدم دخول السفن الحربية إلى مياه القطاع، وعدم هبوط أو صعود الطائرات الحربية، وقد تم توقيع اتفاقيات الهدنة بين الحكومة المصرية وإسرائيل ، في 24 فبراير/شباط 1949(151) .
رابعاً : النخبة الفكرية والصهيونية
خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، تصور عدد من المثقفين المصريين أن الصراع الدائر بين العرب الفلسطينيين والصهاينة على أرض فلسطين صراع ديني طائفي، يجب أن يُحل بتحقيق نوع من التفاهم بين العرب واليهود، كما هو الحال في كتابات محمد حسين هيكل، ومحمد علوبة، ومحمد عبد الله عنان، ومحمود عزمي، وغيرهم. وقد يرجع هذا التصور إلى تأثير الدعاية الصهيونية، التي عمدت إلى تصوير اليهود على أنهم أقلية مضطهدة من الأغلبية العربية. وأيضاً كان لسيادة فكرة “القومية المصرية” في عقل النخبة الفكرية دور هام في تشويه صورة الصراع لديهم، وذلك لأن هذه القومية جعلت تلك النخبة تنظر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية خارجية ثانوية، ما جعلهم لا يهتمون بالقضية بالقدر الكافي.
مع تطور الصراع الدائر على أرض فلسطين، اتضح للرأي العام المصري والنخبة الفكرية حقيقة الطابع الاستعماري للحركة الصهيونية، ما دفع عدداً من المثقفين المصريين إلى التحول عن مواقفهم السابقة. فمثلاً نجد محمد حسين هيكل، الذي ترأس الوفد المصري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثناء مناقشة قرار التقسيم، بين سبتمبر/أيلول و نوفمبر/تشرين الثاني 1947، يلقى خطاباً قانونياً هاماً، خلال تلك الاجتماعات ، مؤيداً للحق العربي في فلسطين، استند فيه إلى ميثاق الأمم المتحدة (152) .
لقد أثارت بعض مواقف النخبة الفكرية المصرية الكثير من الشكوك حول طبيعة علاقاتها بالحركة الصهيونية، فقد شنت بعض الأقلام هجوماً عنيفاً على طه حسين، لقبوله رئاسة تحرير مجلة “الكاتب المصري”(1945-1948)، بتمويل من عائلة هراري الرأسمالية اليهودية. لكن حسين دافع عن المجلة، قائلاً : إن “مجلة الكاتب المصري أقل ما توصف به أنها لسان صادق للأدب العربي الرفيع” (153). وبعد ظهور العدد الأول من مجلة الكاتب المصري، قال حسين أيضاً : إنها “مجلة مصرية عربية ، ظهر العدد الأول من أعدادها. وإني أتحدى من شاء أن يجد في هذا العدد وفي الأعداد التي ستليه إشارة للصهيونية أو تأييداً لها، ومن يدري لعل خصوم المجلة يبهتون في يوم من الأيام حين يرون فيها خصومة عنيفة للصهيونية ، وهجوماً عنيفاً على ظلمها ، ودفاعاً عن العرب في وطنهم فلسطين”(154).
بمراجعة جميع أعداد المجلة لا نجد أية إشارة تأييد للحركة الصهيونية، بل على العكس هناك إشارات، متفرقة في أكثر من موضع، للحق العربي في فلسطين (155) ولذلك لا يمكن أن توصف هذه المجلة بأنها صهيونية. وقد عبر طه حسين نفسه ، عن اعتراضه على الهجرة اليهودية لفلسطين في مقال افتتاحي (156) 0
بيد أننا نكتشف أن القضية الفلسطينية لم تحظ بمساحة كافية ، بالمقارنة ببعض القضايا السياسية الأخرى التي تناولتها المجلة، رغم اشتعال الموقف في فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، وقد يفسر ذلك على أن أسرة تحرير المجلة لم تكن تنظر إلى فلسطين، إلا باعتبارها قضية خارجية ثانوية، ومن ثم لم تولها الاهتمام الكافي. وإن كان بعض خصوم المجلة قالوا إنه تم شراء صمت هؤلاء المثقفين المصريين، الذين ساهموا فى تحرير المجلة.
بشكل عام يمكن القول بأن موقف النخبة الفكرية المصرية تجاه القضية الفلسطينية أصبح أكثر إيجابية بعد أحداث ثورة 1936 الفلسطينية، كما يمكن القول إنه رغم محاولات الحركة الصهيونية في مصر اجتذاب عدد من المثقفين المصريين لتأييد المزاعم الصهيونية، فإن نجاحها في هذا الإطار لم يكن بنفس درجة النجاح، الذي تحقق على مستوى النخبة السياسية.
خامساً – التعاون الاقتصادي :
ظهرت رغبة لدى بعض الرأسماليين المصريين في توسيع نشاطهم الاقتصادي بالتعاون مع الصناعة الصهيونية، في فلسطين، رغم أن تلك الصناعة كانت تهدد مكانة الاقتصاد المصري، فوفق تقرير نشرته مجلة “مصر الصناعية”، لسان حال اتحاد الصناعات المصرية، فإن البضائع المصنعة في فلسطين ستدخل السوق المصرية بأسعار غاية في الرخص، ذلك لأنه قد تم تعديل النظام الجمركي في فلسطين. حيث أصدرت حكومة الانتداب البريطاني، في عام 1924، أوامرها بإعفاء الآلات والمعدات المستوردة للمشاريع الصناعية من كافة الرسوم، وأضيف في العام التالي إلغاء كافة الرسوم المفروضة على استيراد الوقود، ونتيجة استخدام الكهرباء ستستطيع الصناعة الصهيونية غزو الأسواق المصرية بسهولة (157). وقد صدقت توقعات ذلك التقرير، فمصر التي كانت تصدِّر لفلسطين الملابس والأحذية اضطرت للتوقف عن تصديرهما، خاصة بعد رفع قيمة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة إلى فلسطين (158) .
رغم تلك التحذيرات والمخاطر التي تهدد الاقتصاد المصري، فإن فئة من الرأسمالية التجارية المصرية كانت تسعى نحو زيادة أرباحها، وبأية طريقة، فلم تجد مانعاً من التعاون مع الصناعة الصهيونية في فلسطين، ومن الطريف أن يكون رئيس اتحاد الصناعات المصرية، إسماعيل صدقي، من أشد الراغبين في تعزيز التجارة مع التجمعات الصهيونية في فلسطين، كما أشرنا سابقاً. ما دفعه إلى إرسال وفد مصري للمشاركة في المعرض الاقتصادي، الذي عقد في تل أبيب، ربيع 1932.
يذكر السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، شيمون شامير، إنه خلال الحرب العالمية الثانية تزايد النشاط التجاري بين مصر و”الييشوف* ” ، ذلك لأن ظروف الحرب قد فرضت على مصر ازدياد الطلب على مختلف السلع الاستهلاكية، التي كان في مقدور الصناعة والزراعة لدى “الييشوف” تجهيزها (159) !
بعد الحرب العالمية الثانية، ومع ارتفاع منسوب وعي المصريين بمخاطر المشروع الصهيوني، لم يكن أمام الرأسمالية التجارية المصرية المتعاونة مع الصهيونية إلا أن تلجأ إلى طرق جديدة لإخفاء حقيقة نشاطها الاقتصادي الداعم للصهيونية، مستغلة في ذلك بعض الثغرات الموجودة في النظام الجمركي المصري، واستمر هذا الوضع حتى عام 1956.
قدمت شريحة من الرأسمالية الكمبرادورية المصرية خدمات جليلة لدولة إسرائيل بعد قيامها، في عام 1948، فنظراً لأن الصناعة الإسرائيلية الوليدة لم تكن قادرة على المنافسة في الأسواق الأوربية، لم يكن أمامها إلا أسواق الدول المتخلفة اقتصادياً في أفريقيا وجنوب شرق أسيا، وكان منفذ إسرائيل لتلك الأسواق هو البحر الأحمر، الواقع تحت سيطرة القوات المصرية. وحتى تتمكن المنتجات الإسرائيلية من النفاذ لتلك الأسواق استعانت إسرائيل بالكمبرادورية المصرية.
تأسست مجموعة شركات للتجارة مع الهند والحبشة برأس مال مصري- بريطاني، بهدف تصدير المنتجات الإسرائيلية إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا (160). حيث تقوم شركات الملاحة العالمية بشحن البضائع الإسرائيلية على سفنها، وتصل تلك السفن إلى الموانيء المصرية ، عن طريق البحر المتوسط، فيتقدم الوكيل الملاحي للشركة العالمية ليقوم بعملية إنزال البضائع من فوق ظهر سفن الشركة، ثم يقوم الوكيل بالبحث عن شركة ملاحة مصرية، أو وكيل لشركة أجنبية ليقوم بنقل البضائع الإسرائيلية، من جديد، إلى ميناء الوصول بالبحر الأحمر، أو الهند، أو الحبشة، ويتولى هؤلاء المتعاونون مع إسرائيل رعاية البضائع الإسرائيلية في الجمارك، ودفع قيمة الأرضية، وخلافه من المصاريف، وهم بتعاملهم هذا مع إسرائيل كانوا بمنأى عن أي قانون (161) .
لم يقتصر دور هذه الرأسمالية الكمبرادورية الداعم لإسرائيل على مساعدة المنتجات الإسرائيلية إلى النفاذ إلى الأسواق في أفريقيا و جنوب شرق أسيا، بل ساعدت تلك الرأسمالية أيضاً على تصدير سلع مصرية، عن طريق غير مسباشر، إلى إسرائيل، بما فيها القطن المصري، وكان ذلك النشاط معروفاً لدى السلطات المصرية، كما هو واضح من شهادة وزير المالية الأسبق، زكي عبد المتعال، أمام إحدى المحاكم المصرية في قضية بين جريدة “آخر لحظة” و وزير الداخلية ، فؤاد سراج الدين ، عام 1950(162). بل إن الحاكم العسكري المصري العام أصدر أوامره إلى الجهات المسئولة، في عام 1949، بعدم التعرض لتجارة الترانسيت الواردة عن طريق مصر باسم إسرائيل. واستمرت تجارة الترانسيت بين مصر وإسرائيل، بشكل قانوني حتى عام 1955، وإن كان بعض المسئولين في الموانيء المصرية، في بعض الأحيان، أمروا بمصادرة البضائع الإسرائيلية، بغير سند من القانون ! (163) .
كما تسربت المنتجات الإسرائيلية إلى مصر عن طريق جمرك غزة، وتم تصدير المنتجات المصرية إلى إسرائيل عن طريق بيروت والسودان (164) .
هكذا قام التعاون الاقتصادي بين بعض الشخصيات الرأسمالية المصرية ودولة إسرائيل ، بدوره في إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي الضعيف، في تلك الفترة ، وفي الوقت الذي لم يلتفت فيه أعوان إسرائيل إلى مدى خطورة ذلك على الأمن القومي المصري والعربي. وهذا دائماً هو حال الرأسمالية التابعة ، فهي دائماً محدودة الأفق، لا تفكر إلا في المكسب السريع، بغض النظر عن الوسيلة، فإذا كان التعاون مع إسرائيل سيحقق هذا المكسب السريع فليس لديها ما يمنع. وهذا يذكرنا بطبيعة تعاون الرأسمالية التابعة ، التي تفشت في مصر بعد قوانين “الانفتاح الاقتصادي” ، عام 1974، مع دولة إسرائيل ، وخاصة بعد توقيع ما سمي باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، في 26 مارس/آذار 1979.
استنتاجات:
في ختام هذا الفصل يمكن استخلاص مجموعة استنتاجات :
- إن زعماء وقادة الحركة الصهيونية في مصر كانوا، في الأغلب، من الشخصيات اليهودية ذات النفوذ الاقتصادي القوي ، المُسيطِر على الساحة المصرية، بالتالي يمكن النظر للعلاقة بين بعض النخب السياسية المصرية وزعماء الحركة الصهيونية في إطار حرص هذه النخب على مصالحها المتشابكة مع تلك الشخصيات الصهيونية، وفي إطار حرص الشخصيات الرأسمالية اليهودية على الدعم السياسي لها، للحفاظ على نشاطها الاقتصادي. أي أن العلاقة قامت على تبادل المصالح. فكان تغاضي النخب السياسية المصرية عن النشاط الصهيوني، الذي تزعمته البرجوازية اليهودية، جزءاً من الصفقة، بل وصل الأمر إلى مباركة هذه الأنشطة والمشاركة فيها، و إزالة المعوقات التي تعترض طريق الحركة الصهيونية.
- نتيجة اعتقاد بعض النخب السياسية المصرية أن الحركة الصهيونية ، من القوة الكافية للتأثير على الحكومة البريطانية ، حاول أولئك التقرب من القيادات الصهيونية، أو على الأقل لم يمانعوا في تقرب الأخيرة منهم، حيث تصور البعض أنه يستطيع أن يستفيد من الحركة الصهيونية، في إطار علاقتها مع الحكومة البريطانية، التي تحتل مصر، وتهيمن عليها اقتصادياً وسياسياً. حيث كانت تطلعات تلك النخب – سياسياً واقتصاديا ً- محكومة، في الأغلب، بعلاقتها بالحكومة البريطانية.
- كان عدم تبلور الهوية العربية لمصر ، في وعي النخب الفكرية والسياسية، عاملاًَ مؤثراً في عدم تبلور موقف إيجابي من القضية الفلسطينية ومن معاداة الصهيونية. حيث توزع انتماء النخبة والعامة، في النصف الأول من القرن العشرين، بين الهويتين الإسلامية والمصرية.
فمن منظور الهوية الإسلامية كان الصراع على أرض فلسطين صراعاً بين يهود ومسلمين، ومن ثم يدفع هذا الانتماء إلى موقف معادٍ لليهود المقيمين في مصر، وقد تجلى هذا الموقف في المظاهرات، التي نظمها الإخوان المسلمون وحزب مصر الفتاة ، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1945، والتي قام خلالها المتظاهرون بمهاجمة الحي اليهودي (حارة اليهود بالموسكي) ، ونهب المحال والمنشآت اليهودية، وإشعال النيران في المعبد الإشكنازي (165) . هكذا كان موقف هؤلاء المؤيدين للهوية الإسلامية تأكيداً للدعاية الصهيونية، التي تقول إن اليهودي مضطهد لكونه يهودياً، وأنه لا أمل في اندماجه مع “الأغيار” [المجتمعات التي يعيش فيها] ، وأنه لا حل لمشكلته، إلا بقيام الدولة اليهودية القوية، التي تستطيع الدفاع عنه.
بينما دفع الانتماء للهوية المصرية ، الكثير من السياسيين المصريين إلى التركيز على قضايا الاستقلال السياسي لمصر ، دون ربطها باستقلال الدول العربية الأخرى، مما لم يساعدهم على بلورة موقف واضح من القضية الفلسطينية، ومن الصهيونية، باعتبارها قضية خارجية ثانوية. فليس غريباً إذن، أن نجد بعض الساسة المصريين يستعين بالحركة الصهيونية في محادثاته مع بريطانيا، من أجل تحقيق الاستقلال لمصر.
- في ظل فشل البرجوازية المصرية في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي لمصر، وقع القطاع الأكبر من هذه البرجوازية في شراك التبعية للرأسمالية الأجنبية، و بالتالي التبعية السياسية للاحتلال البريطاني، ما جعل أفقها السياسي والاقتصادي محصوراً في إطار التبعية ، ومن ثم لم تستطع أن تتخذ موقفاً معادياً، بشكل واضح، من النشاط الصهيوني في مصر، الحميم الصلة بالرأسمالية اليهودية، في ظل الترحيب والحماية البريطانية، أو أن تتخذ موقفاً مؤيداً للقوى الوطنية الفلسطينية. ووصل الأمر ببعض أصحاب التوكيلات التجارية إلى التعاون مع الكيان الصهيوني ، بعد قيامه عام 1948، تعاوناً اقتصادياً، لتحقيق مصالح ذاتية ، بعيداً عن مصالح مصر أو الأمة العربية.
قد تكون هذه الاستنتاجات المستمدة ، من منظور تاريخي ، مفيدة لفهم ظاهرة التعاون مع إسرائيل، المسمى الآن “التطبيع” *، حيث ثمة فئات ذات مصالح في التعامل مع إسرائيل، ترافق صعودها السياسي مع الترويج للقومية المصرية، في مقابل الانتماء للأمة العربية، حتى يمكن تنحية القضية الفلسطينية من بؤرة اهتمام الشارع السياسي، لتصبح قضية خارجية ثانوية. وليس لدى تلك الفئات مانع من تزييف القضية ، فظلت تلك الفئات، طوال ربع القرن الماضي، تروج لأفكار مثل ” ما لنا والقضية الفلسطينية، وقد باع الفلسطينيون أرضهم” ! مما يضيف شرعية للاستيطان الصهيوني في فلسطين ، حيث أصبح المستوطن الصهيوني، وفقاً لما تردد تلك الفئات، مالك الأرض الجديد، ولذلك ليس لديها مانع من التعامل معه. لكن، على مستوى آخر، تطور وعي المصريين، خلال نصف القرن المنصرم، بحقيقة انتماء مصر العربي ، وأهمية مواجهة الكيان الصهيوني، بشكل أصبح “المطبِّعون” فيه يتحرجون من إظهار حقيقة تعاملهم مع الكيان الصهيوني، خوفاً من رد الفعل الشعبي.
هوامش الفصل الأول
(1) سامية سعيد إمام ، من يملك مصر .. دراسة تحليلية للأصول الاجتماعية لنخبة الانفتاح الاقتصادي في المجتمع المصري1974-1980، ط2 ، دمشق ، دار كنعان ، 1991، ص34.
(2) لمزيد من التفصيل أنظر :
نبيل عبد الحميد سيد أحمد ، النشاط الاقتصادي للأجانب وأثره في المجتمع المصري من 1922 إلى سنة 1952، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1982، ص 13-24.
(3) المرجع نفسه، ص38-39.
(4) صموئيل أتينجر (محرراً) ، اليهود في البلدان الإسلامية 1850-1950، (ترجمة) جمال أحمد الرفاعي، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة ، رقم 197، مايو/آيار 1995، ص 285.
(5) لمزيد من التفصيل : أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص46-51.
(6) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص 374-375.
(7) سعيدة محمد حسني، اليهود في مصر 1882-1948، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ص 80-81.
(8) أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص 53
(9) أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص 52-53.
(10) نبيل عبد الحميد سيد أحمد ، الحياة الاقتصادية والاجتماعية لليهود في مصر 1947-1956، القاهرة ، مكتبة مدبولي، 1991، ص 127-129
(11) أتينجر ، مرجع سبق ذكره، ص 388-389.
(12) أحمد، النشاط الاقتصادي … ، مرجع سبق ذكره ، ص53.
(13) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص 371.
(14) المرجع نفسه ، ص389.
(15) عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، المجلد الثالث ، الجزء الأول ، الباب السابع، مدخل : دور الجماعات اليهودية الاقتصادي في مصر في العصـر الحديث، الطبعة الإلكترونية، بيت العرب للتوثيق العصري ونظم المعلومات.
(16) المرجع نفسه.
(17) لمزيد من التفصيل:.أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص377-378.
(18) عواطف عبد الرحمن، الصحافة الصهيونية في مصر 1897-1954 ، دراسة تحليلية، القاهرة ، دار الثقافة الجديدة،1980، ص11
(19) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص 377-378.
(20) أنظر لمزيد من التفصيل :عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره ، ص11-12.
حسني، مرجع سبق ذكره، ص 75-76.
(21) أنس مصطفى كامل ، الرأسمالية اليهودية في مصر، القاهرة، دار ميريت ، 1999، ص 165.
(22) نبيل عبد الحميد سيد أحمد، اليهود في مصر بين قيام إسرائيل والعدوان الثلاثي 1948-1956، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة مصر النهضة، 1991، ص80.
(23) كامل ، مرجع سبق ذكره، ص 165.
(24) عرفة عبده علي، أوهام غزو التاريخ ، القاهرة ، (القاهرة)، العدد 148، مارس/آذار 1995، ص134-137، نقلاً عن :
Sh. Shamir , “Relation between Egyptian society and the Jewish Yishuv of Palestine before 1948”, B.I.A.C.C., no 16, may 1992, pp. 5-9.
(25) لمزيد من التفصيل أنظر :
– سهام نصار ، اليهود المصريون بين المصرية والصهيونية، القاهرة ، العربي لنشر والتوزيع، ص 21-22.
– تينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص 409-410.
(26) حسني، مرجع سبق ذكره، ص 171.
(27) عواطف عبد الرحمن ، مصر وفلسطين، ط2 ، الكويت ، عالم المعرفة، رقم 26 ، فبراير/ شباط 1980 ، ص104.
(28) لمزيد من التفصيل أنظر : نصار، مرجع سبق ذكره، ص 22-23
(29) رفعت السعيد، اليسار المصري والقضية الفلسطينية، بيروت ، دار الفارابي،1974، ص38.
(30) لمزيد من التفصيل أنظر :
– نصار، مرجع سبق ذكره ، ص 23.
– أتينجر، مرجع سبق ذكره ، ص 414.
(31) المرجع نفسه ، ص 369.
(32) أنظر لمزيد من التفصيل : أحمد، اليهود في مصر …، مرجع سبق ذكره ، ص21.
(33) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص23.
(34) أنظر : أتينجر، مرجع سبق ذكره، ص 342.
نصار، مرجع سبق ذكره، ص 23
(35) محمد حسنين هيكل، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل/ الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية، الجزء الأول ، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1996، ص 153.
(36) نصار، مرجع سبق ذكره، ص 24.
(37) حسنين هيكل، مرجع سبق ذكره ، ص153.
(38) نصار، مرجع سبق ذكره، ص 24-25
(39) المرجع نفسه، ص 23-24.
(40) المرجع نفسه ، ص25-26.
(41) المرجع نفسه ، ص26
(42) حسنين هيكل، مرجع سبق ذكره ، ص 154.
(43) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص419.
(44) السعيد، مرجع سبق ذكره، ص 38، ناقلاً عن :
علي إبراهيم عبده ، خيرية قاسمية، يهود البلاد العربية، منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث، 8 يونيو / حزيران 1971، ص 179
(45) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص424.
(46) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص34 – 36 .
(47) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص 27.
(48) المرجع نفسه، ص 27.
(49) حسني، مرجع سبق ذكره ، ص 181.
(50) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص 36 – 38.
(51) حسني، مرجع سبق ذكره ، ص 181، نقلاً عن : الاتحاد الإسرائيلي، (القاهرة) ، العدد الثاني ، مايو 1925.
(52) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص 18.
(53) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص 27.
(54) لمزيد من التفصيل أنظر: حوار رفعت السعيد مع “شحاته هارون سيليفرة” ، بالقاهرة، في 15/2/1974
السعيد ، مرجع سبق ذكره، ص 287-293.
(55) نصار، مرجع سبق ذكره، ص28.
(56) حسني، مرجع سبق ذكره، ص 182. ناقلة عن: إسرائيل، (القاهرة) ، العد 6 ، 10 فبراير/ شباط سنة 1933
(57) نصار، مرجع سبق ذكره ، ص 27.
(58) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص18.
(59) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص 155.
(60) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص40 –41.
(61) المرجع نفسه ، ص 41-42.
(62) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص 28.
(63) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص431.
(64) حسنين هيكل، مرجع سبق ذكره ، ص157.
(65) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص28.
(66) حسنين هيكل، مرجع سبق ذكره ، ص158.
(67) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص 160.
(68) المرجع نفسه، ص160.
(69) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص432.
(70) السعيد، مرجع سبق ذكره ، ص 40-41 ، نقلاً عن النص الفرنسي Status de la Fédération Sioniste d’ Egypte
(71) نصار ، مرجع سبق ذكره، ص28.
(72) السعيد، مرجع سبق ذكره، ص42.
نقلاً عن : صوت الأمة، (القاهرة) ، 29/10/1946.
(73) لمزيد من التفصيل أنظر :
جلال عبد الفتاح، أسلحة الدمار الشامل الكميائية البيولوجية النووية، القاهرة، المكتب العربي للمعارف، 1990، ص88- ص91.
أحمد بهاء الدين شعبان، الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية عام 2000، القاهرة ، دار سينا، 1993، ص370.
(74) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص431-432.
(75) لمزيد من التفاصيل حول الأحزاب الصهيونية أنظر :
شكري عازر، ((الأحزاب السياسية داخل الدولة الصهيونية- إسرائيل))، الكاتب ،(القاهرة)، العدد 108، السنة العاشرة، مارس/ آذار 1970، ص31-46.
(76) حوار أجراه رفعت السعيد مع “ألبير آرييه” بالقاهرة ، في 29/3/1974، منشور في : السعيد، مرجع سبق ذكره، ص 294-299.
(77) المرجع نفسه، ص298.
(78) عبد الرحمن ، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره، ص 65-67.
(79) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص432.
(80) عبد الرحمن ، مصر وفلسطين … ، مرجع سبق ذكره ، ص11- 12.
(81) المرجع نفسه، ص 97.
(82) روبرت مابرو، الاقتصاد المصري 1952-1972، (ترجمة) صليب بطرس،القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، ” كتاب الساعة” ، 1976، ص 100.
(83) لمزيد من التفصيل أنظر:
إمام ، مرجع سبق ذكره، ص 32-33.
(84) المرجع نفسه ، ص 49-50.
(85) المرجع نفسه ، ص 37.
(86) ملك زغلوك، (( تراكم رأس المال في مصر ودور الرأسمالية التجارية)) ، في محمود أمين العالم (مشرفا)، أزمة النظام الرأسمالي في مصر لماذا .. وإلى أين؟ ، القاهرة ، كتاب قضايا فكرية، القاهرة، الكتاب الثالث والرابع ، أغسطس/ آب –أكتوبر/تشرين الأول 1986، ص 73.
(87) لمزيد من التفصيل حول الأحزاب المصرية قبل 1952، أنظر :
يونان لبيب رزق ، الأحزاب المصرية قبل ثورة 1952، القاهرة ، مركز الدراسـات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، رقم 12.
(88) عبد الرحمن، مصر وفلسطين… ، مرجع سبق ذكره، ص 93.
(89) أحمد عبد الحميد شرف ، (( الرأسمالية الوطنية بين الوجود والعدم وتميزها عن الرأسمالية التابعة)) ، في : العالم، مرجع سبق ذكره، ص 204.
(90) إبراهيم سعد الدين عبد الله ، (( التغيرات الأساسية في هيكل الرأسمالية المصرية خلال الفترة 153-1970))، في المرجع السابق، ص42.
(91) لمزيد من التفصيل : إمام ، مرجع سبق ذكره، ص 41.
(92) عبد الرحمن، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره ، ص16.
(93) كامل ، مرجع سبق ذكره ، ص 163-164.
(94) نص التصريح منشور في : كوكب الشرق ، (القاهرة) ، 4/5/1925، و الوطنية ، (القاهرة)، 5/5/ 1925.
أنظر : سعيدة محمد حسني، اليهود في مصر 1882-1948، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ص 197-198.
(95) طارق البشري ، الحركة السياسية في مصر 1945-1952، القاهرة ، دار الكتاب العربي، 1972، ص341.
(96) عبد الرحمن ، مصر وفلسطين… ، مرجع سبق ذكره ، ص 97.
(97) عبد الرحمن، الصحافة الصهيونية…، مرجع سبق ذكره ، ص65 –67، نقلاً عن : الاتحاد ، (القاهرة) ، 17/5 / 1925.
(98) عبد الرحمن ، مصر وفلسطين… ، مرجع سبق ذكره ، ص118.
(99) المرجع نفسه، ص 119، نقلاً عن السياسة، (القاهرة) ، 1/9/1929
(100) المرجع نفسه، ص 117-118.
(101) عبد القادر ياسين ، القضية الفلسطينية في فكر اليسار المصري، ط1، بيروت ، دار أبن خلدون، 1981،ص 20.
(102) عبد الرحمن ، مصر وفلسطين…، مرجع سبق ذكره ، ص 97.
(103) المرجع نفسه، ص 106.
(104) البشري ، مرجع سبق ذكره، ص341.
(105) عبد الرحمن ، مصر وفلسطين…، مرجع سبق ذكره ، ص101.
(106) المرجع نفسه ، ص 99-100.
(107) المرجع نفسه ، ص 101-102، نقلاً عن كوكب الشرق ، (القاهرة) ، 9/3/1933 ، و 27/12/1933
(108) إمام، مرجع سبق ذكره ، ص 47.
(109) أنظر لمزيد من التفصيل حول النشاط الرأسمالي لليهود في مصر :
– عبد الرحمن، الصحافة الصهيونية …، مرجع سبق ذكره ، ص14-15.
– حسني، مرجع سبق ذكره، ص50-59.
– كامل ، مرجع سبق ذكره.
– نبيل عبد الحميد ، الحياة الاقتصادية … ، مرجع سبق ذكره.
(110) كامل مرسي ، أسرار مجلس الوزراء ، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1985، ص 336-337.
(111) أحمد عبد الرحيم مصطفى، “على هامش مفاوضات صدقي- بيفن .. مهمة إلياهو ساسون في القاهرة 1946″، في عبد العظيم رمضان (محرراً) ، مساعي السلام العربية الإسرائيلية .. الأصول التاريخية، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة “تاريخ المصريين” ، رقم 67، 1993، ص23-26.
(112) أنظر نص الرسالة في : المرجع نفسه ، ص 27-28.
(113) ياسين ، مرجع سبق ذكره ، ص26، نقلاً عن محمد عبد القادر حمزة، “عرب فلسطين وأخطاء صدقي باشا”، صوت الأمة، (القاهرة)، 14/8/1946.
(114) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص226-227.
(115) انظر جزءاً من مذكرات ساسون ، المنشورة في المجلة الأسبوعية الفلسطينية:
الأفق ، (نيقوسيا)، 25 /9 / 1980، ص 8-10.
(116) أنظر في هذا الصدد إلى الرسالة المرسلة من سفير بريطانيا في القاهرة ، رونالد كامبل، إلى وزارة الخارجية البريطانية ، بتاريخ 29/8/1946. الرسالة منشورة في :
رمضان (محرراً) ، مرجع سبق ذكره، ص 27-28.
(117) الأفق ، (نيقوسيا)، 25 / 9 / 1980، ص 8-10.
(118) المرجع نفسه.
(119) الأفق ، (نيقوسيا)، 11 / 11/ 1980، ص10-11.
(120) من مسودة برقية رقم 1408، تاريخ 31 أغسطس / آب 1946 ، مرسلة من السفير البريطاني في القاهرة إلى وزارة الخارجية، منشورة في :
رمضان (محرراً) ، مرجع سبق ذكره، ص 36-38.
(121) الأفق ، (نيقوسيا)، 25 /9/ 1980، ص 8-10.
(122) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص 215.
(123) المرجع نفسه، ص216-217.
(124) من مسودة برقية رقم 1408، تاريخ 31 أغسطس / آب 1946 ، مرسلة من السفير البريطاني في القاهرة إلى وزارة الخارجية، منشورة في :
رمضان (محرراً) ، مرجع سبق ذكره ، ص 36-38.
(125) الأفق ، (نيقوسيا)، 25 /9 / 1980، ص 8-10.
(126) رمضان (محرراً) ، مرجع سبق ذكره، ص 28.
(127) الأفق ، (نيقوسيا)، 25 /9 / 1980، ص 8-10.
(128) المصدر نفسه، الصفحات نفسها.
(129) عادل حسن غنيم، الدبلوماسية المصرية وقضية فلسطين 1947-1948، دراسة وثائقية، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة “مصر النهضة” ، العدد 20، 1987، ص 39-40.
(130) المرجع نفسه، ص 40.
(131) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص 262، نقلاً عن مذكرات ، ديفيد بن جوريون.
(132) المرجع نفسه، ص 265.
(133) غنيم، مرجع سبق ذكره، ص 41- ص78-79.
(134) لمزيد من التفصيل أنظر :
– السعيد، مرجع سبق ذكره، ص 181-199.
– ياسين ، مرجع سبق ذكره، ص 80-94.
(135) أنظر حوار مع “ألبير آرييه” ، الذي أجراه د. رفعت السعيد ، في القاهرة، في 29/3/1974، ونشر في : السعيد ، مرجع سبق ذكره ، ص 294-299
(136) ياسين ، مرجع سبق ذكره ، ص89.
(137) كامل، مرجع سبق ذكره، ص166.
(138) علي أمين ، “ألف باء السياسة المصرية”، الأهرام، (القاهرة) ، 12/4/1974
(139) السعيد، مرجع سبق ذكره، ص48.
(140) انظر نص الجلسة السرية لمجلس الشيوخ المصري في 11 /5/ 1948، نشر في : الطليعة، (القاهرة) ، العدد الثالث، السنة الحادية عشرة، مارس / آذار 1975، ص 134-145.
(141) المصدر نفسه ، الصفحات نفسها.
(142) كامل، مرجع سبق ذكره، ص 196.
(143) حسنين هيكل ، مرجع سبق ذكره ، ص275.
(144) المرجع نفسه ، ص 285، نقلاً عن يوميات ، ديفيد بن جوريون.
(145) محمد حسنين هيكل (تقديم)، العسكرية الصهيونية، المجلد الأول، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1972، ص 165-167.
(146) كامل، مرجع سبق ذكره، ص 199.
(147) حسنين هيكل ، المفاوضات …، مرجع سبق ذكره ، ص291-292.
(148) كامل ، مرجع سبق ذكره، ص 196.
(149) المرجع نفسه ، ص 197.
(150) المرجع نفسه ، ص 193-194.
(151) عاطف السيد، القرارات المصيرية والأسرار الخفية في الصراع العربي الإسرائيلي، دراسة سياسية استراتيجية، القاهرة ، دار عطوة للطباعة، 1985، ص 55، ص59.
(152) انظر نص الخطاب الذي قاله محمد حسين هيكل في : غنيم، مرجع سبق ذكره ، ص 95- 125.
(153) أنظر مقدمة الدكتور عبد العزيز شرف للمجموعة الكاملة لمجلة الكاتب المصري في : الكاتب المصري، المجلد الأول، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1998، ص25
(154) المرجع نفسه، ص 26.
(155) أنظر مقال : سلمان حزين ، “الجامعة العربية ومقوماتها الجغرافية والتاريخية”، الكاتب المصري، المجلد الأول، العدد الرابع ، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب،1998، ص529 –542.
(156) طه حسين، “من القاهرة إلى بيروت”، الكاتب المصري، المجلد الثالث، العدد التاسع، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1998، ص3-13.
(157) كامل، مرجع سبق ذكره، ص83-84.
(158) المرجع نفسه، ص84- 85 .
(159) علي، مرجع سبق ذكره، ص 134-137، نقلاً عن :Sh. Shamir , OP.Cit , pp. 5-9.
(160) علي محمد نظيف، أعوان إسرائيل في مصر، القاهرة، دار المعارف، 1955، ص32.
(161) المرجع نفسه، ص 23-24.
(162) السعيد، مرجع سبق ذكره، ص 43.
(163) نظيف، مرجع سبق ذكره، ص32.
(164) لمزيد من التفصيل أنظر: المرجع نفسه، ص 27، ص29-31.
(165) أتينجر ، مرجع سبق ذكره ، ص432.
* المتمصرون هم أجانب تجنسوا بالجنسية المصرية.
* الحركات الصهيونية: هي الحركات الداعية إلى تجميع اليهود في بقعة جغرافية ما، خارج أوربا ، بغرض إقامة دولة صهيونية، ومن خلالها فحسب يستطيع اليهودي التخلص من الاضطهاد، والتحرر من كل القيم السلبية، التي ارتبطت به من قبل. حيث تفترض هذه الحركات أن اليهودي منبوذ ومضطهد، لكونه يهودياً . وقد كان اختيار الحركة لفلسطين بسبب أهميتها في الاستراتيجية الإمبريالية الغربية ، ولإمكانية توظيف التراث الديني اليهودي لجذب اليهود إلى “العودة إلى أرض الأجداد”، وفق التصور التوراتي.
* انتقل مركز “المنظمة الصهيونية العالمية” من عاصمة إلى أخرى. فبعد وفاة هرتزل، انتقل مكان وجود رئيس المنظمة من فيينا إلى كولونيا، وهو مقر ديفيد ولفسون، في الفترة 1905 ـ 1911، ثم إلى برلين، في ظل رئاسة أوتو واربورج (1911 ـ 1920). وبعد صدور وعد بلفور، انتقل مركز المنظمة إلى لندن. وظل مركز المنظمة في لندن، إبان رئاسة حاييم وايزمان (1920 ـ 1931) ثم ناحوم سوكولوف (1931 ـ 1935). ولكن، في عام 1936، انتقلت المنظمة إلى القدس، وإن ظلت لندن مقر رئيس المنظمة وبعض أعضاء اللجنة التنفيذية.
أنظر : عبد الوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد السادس، الجزء الثالث، الباب الأول، مادة “المنظمة الصهيونية العالمية : تاريخ” ، (الطبعة الإلكترونية، بيت العرب للتوثيق العصري ونظم النعلومات).
* لجنة بيل : أرسلت الحكومة البريطانية ، لجنة برئاسة اللورد بيل، لدراسة أسباب اندلاع ثورة 1936 الفلسطينية، وقد أصدرت اللجنة تقريرها، في 7/7/1937، والذي أوصت فيه بتقسيم فلسطين بين العرب و المستوطنين الصهاينة.
* برنامج بال هو البرنامج الذي أقره المؤتمر الصهيوني الأول ، الذي انعقد في أغسطس / آب عام 1897، في مدينة بال بسويسرا. لمزيد من التفصيل أنظر : علي محمد علي، ملف وثائق وأوراق القضية الفلسطينية، الجزء الأول، القاهرة ، الهيئة العامة للاستعلامات، مركز دراسات الشرق الأوسط ، د.ت، ص77-94.
* اندلعت هبَّة شعبية ضخمة، استمرت لمدة أسبوعين، صيف 1929، بمجرد أن هتف عدد من المستوطنين اليهود بجوار حائط “البراق” في المسجد الأقصى ، “الحائط حائطنا”.
* تأسس بنك مصر ، عام 1920 ، برأسمال مصري قدره 80 ألف جنية، وهدف البنك، خلال الفترة 1920-1939، إلى إنشاء صناعة وطنية ، تمثلت في عدد من شركاته : مطبعة مصر / شركة مصر للغزل والنسيج / شركة مصر لمصايد الأسماك … الخ.
* أصحاب التوكيلات التجارية للشركات الأجنبية الكبرى، المرتبطة مصالحهم الاقتصادية بشكل مباشر مع الاستثمارات الأجنبية، أمثال أحمد عبود ، وأمين يحى، ومحمد فرغلي، … لمزيد من التفصيل أنظر : سامية سعيد إمام، من يملك مصر، ط2 ، دمشق ، دار كنعان ، 1991، ، ص 41-42.
* أحمد زيور، ولد في الإسكندرية، من أسرة شركسية الأصل، تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية، بالإسكندرية، ثم في كلية الجيزويت، في بيروت، وتخرج من كلية الحقوق باكس، بفرنسا، تولى مناصب عدة في القضاء، ثم أصبح محافظاً للإسكندرية، قبل أن يصبح أول ناظر لنظارة الأوقاف. وثم تولى رئاسة الوزراء، بين عامي 1924 و1926 كامل مرسي ، أسرار مجلس الوزراء، القاهرة، المكتب المصري الحديث،1985، ص204.
* إسماعيل صدقي : ولد في 1875 . والده أحمد شكري باشا من كبار رجال الحكومة، في عهدي إسماعيل، وتوفيق. تعلم صدقي في مدارس الفرير، والتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، واشتغل في النيابة، ثم تولى منصب سكرتير وزارة الداخلية، عام 1908، قبل أن يصبح وكيلاً لوزارة الداخلية، 1910، ثم أصبح وزيراً للداخلية، في وزارة أحمد زيور. وتولى صدقي رئاسة الوزراء ثلاث مرات : الأولى (19 يونيو/حزيران 1930-4 يناير/ كانون الثاني 1933) ، والثانية : (4 يناير/ كانون الثاني 1933- ديسمبر/كانون الأول 1933)، والثالثة (16 فبراير/ شباط –9 ديسمبر/كانون الأول 1946) كامل مرسي ، أسرار مجلس الوزراء ، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1985، ص 236.
* الياهو ساسون: من مواليد سوريا ، أجاد اللغة العربية ، وترأس الدائرة العربية بالوكالة اليهودية ، منذ 1927، ثم أصبح مديراً لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية ، في الفترة 1948-1950.
* الرأسمالية اليهودية : تعني في هذا البحث الشخصيات والعائلات اليهودية ، ذات النشاط الاقتصادي الرأسمالي، ولا يعني أن النظم الرأسمالية تختلف باختلاف ديانة القائمين عليها، فليس هناك رأسمالية يهودية، أو مسيحية، أو إسلامية ، إنما استخدمت في هذا البحث اختصاراً “للشخصيات اليهودية الرأسمالية”، أو بديلاً عن “البرجوازية العليا اليهودية”. تلك البرجوازية التي اشتركت مع غيرها من البرجوازيات الأجنبية في خدمة الدول الاستعمارية.
* الييشوف : التجمعات الصهيونية في فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل.
* التطبيع Normalization : هو تغيير ظاهرة ما، بحيث تتفق في بنيتها، وشكلها، واتجاهها، مع ما يعده البعض «طبيعياً». فالشعب العربي، في الأغلب ، ينظر لعلاقته مع إسرائيل على أنها علاقة بين شعب سُلبت أرضه، و بين غاصب تلك الأرض، فبالتالي هي علاقة عداء، حتى ترد الأرض المسلوبة ، ويعد ذلك هو ” الطبيعي”. في حين يدعو المتعاونين مع إسرائيل إلى “التطبيع”، بمعنى أن تكون العلاقة بين الدول العربية و دولة إسرائيل، وكذلك العلاقة بين الشعب العربي وما يسمى بالشعب الإسرائيلي، هي العلاقة الطبيعية ، التي تنشأ بين أي دولتين، وأي شعبيين ، حيث يعدون إسرائيل دولة طبيعية، ويرون أن المستوطنين الصهاينة يمثلون شعباً طبيعياً. ويسود استخدام لفظ “التطبيع” وفقاً لرؤية المتعاونين مع إسرائيل في الكتابات السياسية العربية المعاصرة.