الرئيسية / أخــبار / هل انتهت القومية العربية ؟

هل انتهت القومية العربية ؟

الخريطة التي يرفعها القوميون العرب والتي تضم مناطق من خارج الدول العربية، وهي إقليم الأحواز و جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في إيران، ولواء إسكندرون في تركيا، وفلسطين التاريخية التي تحتلها إسرائيل، وسبتة ومليلية التي تتبع إسبانيا، وجنوب السودان التي نالت استقلالها عن السودان عام 2011م.


بقلم خالد الكريشي
“تسقط الأجساد …لا الفكرة “
غسان كنفاني
///
سنة 2002 استضفنا في مقر الجمعية التونسية للمحامين الشبان بشارع باب بنات تونس نايف حواتمة الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين لالقاء محاضرة حول مستقبل القضية الفلسطينية بعد انتفاضة الأقصى ، حينها طرحت عليه سؤالا في سياق حديثه ان القومية العربية بعد نكسة 1967 فشلت في تحرير فلسطين بل وخسرت باقي أرضها لفائدة العدو الصهيوني وأنها انتهت بغير رجعة وإنعكس ذلك على حركة القوميين العرب التي تم حلها وتشظت الى عدة فصائل وحركات منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لجورج حبش والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين لنايف حواتمة والجبهة الشعبية – القيادة العامة – أحمد جبريل متخلية في ادبياتها عن المرجعية القومية العربية والإستعاضة عنها بالمرجعية الماركسية التي شكلت انذاك تقليعة مغرية جذابة تغري الأبصار والعقول …وكأن الفكر القومي العربي هو المسؤول عن النكسة وخسارة ما تبقى من فلسطين…الى السيار در ! …انها موسم الهجرة الى اليسار”
سألته ؛ والآن بعد خمسة وثلاثون سنة هل حققت الماركسية ما عجزت عنه القومية العربية ؟ ألم يكن الخلل في أجسادنا ؟ لا في أفكارنا؟
وهو نفس الموقف لدى حركات الاسلام السياسي أواخر سبعينات القرن الماضي بعد بزوغ ما يسمى ” بالصحوة الإسلامية ” و بعد نجاح الثورة الايرانية وتبنيها مرجعية اسلامية شيعية فتحولت العديد من الحركات والشخصيات السياسية القومية واليسارية الى ضفة الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بعد أن سال لعابهم الفكري والسياسي وظهرت عدة حركات سياسية هجينة عجيبة وغريبة تجمع بين الاسلام السياسي والماركسية بل أن الانبهار بهذه ” الصحوة الاسلامية ” شمل كذلك بعض الأنظمة العربية الاقليمية على غرار النظام الليبي والنظام العراقي بعد الحملة الايمانية التي أطلقها حزب البعث العراقي خلال تسعينات القرن الماضي وكانت أغلب تشريعاتها مستمدة من الشريعة الاسلامية وليس من مصادر تشريعية وضعية ، فتم أخونة المجتمع دون رغبة ولا تخطيط منهم لتتوج بتأسيس المؤتمر القومي الاسلامي ، فلا غرابة ان تجد مفكر يساري أو قومي ممجدا لنظرية ولاية الفقيه أو مدافعا عن الاسلام السياسي الوهابي /الخليجي والإخواني….الى اليمين در ! ..إنها ” موسم الهجرة الى اليمين”.
“بين الفكر والممارسة”
ويبقى نفس السؤال مطروحا ؛ بعد نصف قرن هل حققت حركات الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ما كانت تعيبه على القومية العربية ؟ هل حققت الحرية و الرخاء للشعب العربي ؟ هل بنت دولة الوحدة ؟ هل حررت فلسطين ؟ ألم تخلف هذه الحركات غير الموت والتخلف والدمار وكانت منبعا لتفريخ عشرات الحركات السلفية الجهادية الارهابية ؟
الم ينتهي هدف/حلم بعض هذه الحركات السياسية الاسلامية واليسارية الى الاستيلاء على السلطة في دويلات سايكس/ بيكو وفي قطاع غزة وغيرها؟ بعد أن وقعت في خطأ جسيم – عن سوء نية – وهو الربط العضوي بين الفكر والممارسة ٫ بين القومية العربية كمشروع وفكرة وبين أنظمة قطرية رافعة لشعارات قومية في الحرية والوحدة والاشتراكية وتحرير الاراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها ارض فلسطين وهو ما وقع فيه ايضا الدكتور كمال الساكري وان كان عن حسن نية في مقاله الصادر على جزئين بجريدة الشروق يومي 17 و18 ديسمبر الجاري في قراءة تاريخية تسلسلية فقط لنشأة فكرة القومية العربية وللانظمة القطرية العربية الرافعة لشعارات قومية في محاولة للربط بينهما والايحاء أنهما واحد والحال أن هذا غير صحيح ولا يستقيم واقعا ولا منطقا ضرورة ان القومية العربية نشأت كنقيض لتجزئة الوطن العربي وكبديل ونقيض للكيانات القطرية وان سقوط أنظمة قطرية رافعة لشعارات قومية وانتهاءها من المشهد السياسي لا يعني انتهاء القومية العربية بل الذي انتهى هو النظام القطري الرسمي العربي حتى وإن رفع بعضه شعارات قومية وفي ذلك تأكيد لصحة فكرة القومية العربية القائمة على أساس بناء دولة الوحدة العربية في مواجهة وعلى النقيض تماما الدولة القطرية الفاشلة والمنتهية بالضرورة ، فهل قامت دولة الوحدة عمليا وواقعيا على الأرض حتى نحكم عليها بالفشل أو النجاح ؟ أليس التجربة هي المحك الأساس لقياس مدى صحة ووجاهة أي فكرة ؟
“الفكرة لا تموت”
وما يرفع اليوم من اعادة انتاج الاسطوانة المشروخة حول ” نهاية القومية العربية ” ليس جديدا ، فلقد انشئوا دولة الكيان الصهيوني سنة 1948ولم تنته فكرة القومية العربية ، وقعت نكسة 1967 ولم تنته فكرة القومية العربية ، اسقطوا مشروع جمال عبد الناصر سنة 1971 بعد الانقلاب عليه ولم تنته فكرة القومية العربية، اسقطوا نظام البعث في العراق سنة 2003 ولم تنته فكرة القومية العربية ،اسقطوا نظام معمر القذافي في ليبيا سنة 2011 ولم تنته فكرة القومية العربية ،حاربت كل القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية الانظمة القطرية العربية الرافعة لشعارات قومية واسقطت البعض منها ولم تنته فكرة القومية العربية ومؤخرا اسقطوا نظام البعث في سوريا وحتما لم ولن تنته فكرة القومية العربية لأنه ببساطة دون تعقيدات نظرية صرفة القومية العربية فكرة ، والفكرة لاتموت. ، فمن مات وانتهى وينتظر مراسم الدفن هو النظام القطري العربي وليس القومية العربية وهي قومية عربية واحدة موحدة لا تقبل التقسيم والتجزئة ولا يوجد “قومية عربية رومانسية” أو “قومية عربية إستبدادية ” كما ذهب الى ذلك كمال الساكري لأن ما وجد في التاريخ السياسي العربي أنظمة قطرية عربية – وليست قومية – استبدادية كليانية آخر اهتماماتها حرية الانسان بشقيها السياسي والاقتصادي الاجتماعي حتى وأن وجد قوميين رومنسيون يحلمون – ولهم في ذلك – بدولة عربية واحدة من المحيط الى الخليج تحترم فيها حرية الانسان وكرامته وتحقق له تلك المبادئ والقيم النبيلة التي بشر بها الرواد الأوائل.
فشل الأنظمة القطرية”
يتأكد مما سبق ان كل نظام قطري عربي هو نظام مستبد بالضرورة حتى وان رفع شعارات قومية براقة تدعو الى الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية وتحرير الأرض العربية المغتصبة وفي مقدمتها أرض فلسطين أو حتى وان زين وزوق نظام حكمه ببعض المساحيق الديموقراطية الشكلية بناء على ضغوطات واكراهات داخلية و/ أو خارجية لكي يظهر وكأنه نظام ديمقراطي ٫ فلم يتحقق شيئا ٫ لا الوحدة العربية ولا تحرير الأرض المغتصبة ٫ ولا حتى العدالة الاجتماعية ولا الحرية على المستوى القطري ٫ والسياسة نتائج لأنه بكل التبسيط المعرفي دون تعقيدات نظرية أو تطبيقية يظل نظاما فاقدا للشرعية والمشروعية ضرورة أنه بني على أساس جريمة تجزئة الوطن العربي كأخطر جريمة تعرض لها الشعب العربي في تاريخه باعتبارها جريمة ضد الانسانية *(1) ٫ وكان تأسيس أنظمة قطرية رفع بعضها شعارات قومية بمثابة النتيجة الاجرامية ٫ وما بني على باطل فهو باطل …ومن آثار هذه الجريمة/ النظام القطري العربي خسارة بناء الانسان العربي الحر القادر على التأسيس والبناء ليخلق في مقابله الانسان الأجوف الفارغ من كل القيم وسهل التطويع من قوى الجهل الديني والخرافة والاستبداد والعمالة٫ فكانت الهزيمة المتعددة والمستمرة باستمرار تأبيد واقع تجزئة الوطن العربي ٫عبر القبول بالدولة الاقليمية وتقنين ذلك مؤسساتيا ضمن جامعة الدولة العربية *(2)
بذور الفشل”
وهنا علاقة الدال بالمدلول ليست اعتباطية على عكس ما ذهب اليه ” فردينان دي سوسير” ، فإسم جامعة الدول العربية يدل على طبيعتها القطرية الفجة فهي ليست جامعة الشعب العربي ولا اسمها الاتحاد العربي ، وكان انصار القطرية – من مختلف الانتماءات الايديولوجية حتى من بعض القوميين – يستهزئون بنا حين كنا نواجههم بحقيقة اجرام وفشل النظام القطري العربي والمنتهي بالضرورة لأنه يحمل داخله بذور الفشل والسقوط ٫ كانوا فعلا طيبون جدا جدا ، كانوا يراهنون عن حسن نية على أنظمة قطرية عربية أحفاد سايكس / بيكو رافعة لشعارات قومية لتحقيق كل ما حلموا به لأجل الإنسان ذلك الكائن العظيم ، كانوا كمن يطمع في العسل من ذكر النحل وتمكنت منهم طيبة لا منتهية لم يستطيعوا منها فكاكا رغم تتالي النكبات والهزائم ، فيكفي أن يرفع أي حاكم عربي لنظام قطري شعارات قومية حتى تجدهم جنودا مجندة خلفهم يسبحون بحمده ليلا نهارا فليدغون مرارا وتكرارا من نفس الجحر، يكابرون ولا يتعظون رغم علمهم أن الخلل ليس في الحاكم العربي ولا في القومية العربية بل في القطرية المجرمة وفي القطريين من مختلف الإتجاهات الايدولوجية حتى من القطريين / القوميين وهؤلاء هم الأخطر على القومية العربية لانهم يحملون الشيء ونقيضه – القطري / القومي- وهم ضحايا طيبون لعقلهم وفكرهم الطيب فهم يتحملون المسؤولية السياسية والأخلاقية لإجرام الأنظمة القطرية الرافعة لشعارات قومية ووزرها دون ان يكونوا طرفا فيها ولا المشاركة في قراراتها ودون ان يستفيدوا منها – حتى على المستوى القطري الداخلي – لاحتكار السلطة والثروة في ايادي اقلية مستبدة تأكل الحلوى فتتسخ أصابعهم هم.
“اللاشيء الوهمي “
وأصبح القومي العربي اليوم بفعل هذه الأنظمة القطرية العربية الرافعة لشعارات قومية موصوما بالإستبدادي / الدموي / الانقلابي ، ملوثا بأدرانها وهو الحامل لمشروع عظيم والحالم بالحرية الركن الأول والأساسي في فكرة القومية العربية ، فلم يكن لهم لا في العير ولا في النفير … فما عليهم الا مغادرة طيبتهم والتخلص من “اللاشيء الوهمي ” الذي تلبس بهم و الإنعتاق من تيار المرجئة …إنها “القومية العربية الطيبة ” التي كانت ضحية الانظمة القطرية العربية الرافعة لشعارات قومية فكانت الهزيمة تلو الهزيمة ووبالا وشرا مطلقا على القومية العربية الصامدة التي لم تنته في مقابل انتهاء وزوال الانظمة القطرية الرافعة لشعارات قومية صنيعة سايكس/ بيكو وقد أكد محمد عابد الجابري أن”تحقيق الوحدة عملية تمر عبر نفي الدولة القطرية العربية*(3)
الدولة لا تنتهي”
ولعل ما عمق الأزمة هو الربط الآلي بين الدولة القطرية العربية ونظامها السياسي ، وهذا ما حاول الدكتور كمال الساكري الايحاء به عن حسن نية طبعا ، اذ لمح لسقوط سوريا يوم 8 ديسمبر 2024 وسقوط ليبيا 2011 وسقوط العراق 2003 والحال أن هذا غير صحيح ويمكن تفنيده ورده حتى بالعين المجردة ٫ فقد سقط نظام بن علي في 2011 ولم تسقط دولة تونس ٫ وسقط نظام حسني مبارك ولم تسقط دولة مصر ونفس الشيء في العراق ٫ ليبيا ٫ اليمن ٫ والآن سوريا بعد سقوط نظام البعث القطري الرافع لشعارات قومية مؤخرا ، انتهى نظام عائلة الأسد ولم تنته الدولة السورية .

واهم من يعتقد بزوال القومية العربية بإنهيار بعض الانظمة القطرية العربية الرافعة لشعارات قومية،القومية العربية باقية ما بقي الاستبداد والاستغلال والتجزئة والاستعمار في اتجاه بناء دولة الوحدة ، أما كيف تبنى دولة الوحدة ؟ فذلك حديث آخر .

هوامش:
1- لمزيد الاطلاع حول الدولة القطرية وجريمة تجزئة الوطن العربي يرجى مراجعة ، خالد الكريشي ، الدولة القطرية بين حدود الأوهام وأوهام الحدود ، من كتاب “عن العشق والثورة ، حديث ما قبل 14 جانفي 2011 ” ، طبعة أولى ، تونس 2012 ص 183 وما بعدها
2- حبيب عيسى ، السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي ، طبعة أولى ، بيروت 1979 ص 29 وما بعدها.
3- حول الدولة القطرية والقومية العربية يراجع :

  • محمد عابد الجابري ، إشكاليات الفكر العربي المعاصر ، الطبعة أولى ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت لبنان 1989 ص 91 وما بعدها.
  • جورج طرابيشي ، الدولة القطرية والنظرية القومية ، طبعة أولى ، دار الطليعة بيروت لبنان 1982 .ص 169 وما بعدها.
#

( جريدة الشروق العدد 12149 بتاريخ 23 ديسمبر 2024 ص 8و9)

عن admin

شاهد أيضاً

“ذا إنترسبت”: ترامب يستهدف الطلاب المسلمين والأفارقة والآسيويين بالترحيل

في الولايات المتحدة، يتم إلغاء تأشيرات الطلاب من الدول ذات الأغلبية المسلمة وكذلك من آسيا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *