(دار تنمية للنشر، القاهرة، 2022)
[كريم جمال كاتب وباحث موسيقيّ، وُلد في الإسكندرية عام 1992، درَس الموسيقى العربية أكاديميًا، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في مجال العلوم السياسية من كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية (2021)، كتب للعديد من المواقع والصحف العربية مقالات بحثية حول الأدب العربي والتراث الغنائي والموسيقى الشرقية].
: كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
كريم جمال (ك. ج.): الفكرة راودتني لأول مرة في عام 2017 عندما تابعت احتفال الصحافة الفرنسية بمرور خمسين عامًا على زيارة السيدة أم كلثوم الفنية لباريس في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، كان حجم الاحتفاء بتلك الزيارة كبيرًا، وهو ما فتح لي باب التساؤل: لمَ إلى اليوم لا يوجد سيرة واحدة تناولت حياة أم كلثوم حاولت الاقتراب من سنوات المجهود الحربي؟ خصوصًا وأنها سنوات قلقة في عمرها وعمر الأمة العربية، ومع البحث في الأرشيف الصحفي لتلك الفترة اكتشفت أن تلك المرحلة في حياة أم كلثوم بمثابة سيرة موزاية لسيرتها الفنية، فطوال ست سنوات فصلت بين هزيمة يونيو/حزيران 1967 ونصر أكتوبر/تشرين الأول 1973 تحولت أم كلثوم إلى مقاتلة على جبهة الوطن لكن بصوتها وفرقتها الموسيقية، قادت الزحف بغنائها ونشوة طربها في السن التي كانت شيخوختها تحاول إقعادها عن متابعة حياتها الفنية.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(ك. ج.): يحاول الكتاب توثيق دور أم كلثوم السياسي والاجتماعي والوطني في المرحلة الحرجة بعد هزيمة 1967، وذلك من خلال متابعة يومية دقيقة لتحركاتها ورحلاتها الفنية التي بدأت في محافظات مصر ثم انطلقت لتجوب العالم العربي وباريس وموسكو من أجل دعم المجهود الحربي، وإصرارها على رفع الروح المعنوية للشعوب المهزومة، وإعادة توحيد الأمة العربية حول القضية المصرية خصوصًا. الشعوب التي قاطعت مصر في عقد الستينيات بسبب سياسيات النظام الناصري.
، الكتاب يحاول توثيق المرحلة التاريخية الأخيرة في حياة أم كلثوم وذلك من الناحية الفنية والوطنية، وتفكيك تلك الهالة الرمزية التي أحاطت بسيرتها في الوعي الشعبي، والتي حولتها تدريجيًا إلى هرم من أهرمات القومية المصرية
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(ك. ج.): يظل التحدي الأول الذي يواجه أي باحث يحاول تقديم نظرة تاريخية موثقة هو الوصول للأرشيف الصحفي، فالأمر يغلب عليه التعقيد الإداري والبيروقراطية الحكومية، فالمؤسسات الصحفية الكبيرة ما زالت تتجاهل فكرة إتاحة أرشيفها الصحفي على مواقعها الإلكترونية، وتصر على تقديمه بالطريقة الكلاسيكية، وهو ما يعرض الأرشيف ذاته للتلف ويهدر وقت وجهد الباحث، أما العقبة الثانية فكانت بالطبع هي إيجاد دار نشر تتحمس لمشروع تاريخي غير تجاري مثل كتاب “أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي”، فمعظم الدور تضع الربحية نصب عينيها دون أن يكون جودة العمل هو معيارها الوحيد، خصوصًا عند نشر التجارب الأولى، لكن المصادفة وحدها هي التي قادتني لدار هامة وصاعدة مثل دار “تنمية للنشر” في القاهرة، فبمجرد عرض الفكرة على الدار كان الاستقبال لها كبيرًا وعظيمًا، ولاقيت استعدادًا مُشجعًا لتبني المشروع وتدعيمه من أجل تقديمه في أفضل صورة إلى القارئ العربي.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(ك. ج.): الكتاب يخالف معظم ما كُتب عن حياة السيدة أم كلثوم، فهو لا يقدم بيوغرافيا لأم كلثوم وحياتها، ولا يطرح نميمة لا فائدة من تقديمها للقارئ مثل الزواج والطلاق وإشاعات الحياة الفنية، الكتاب يحاول توثيق المرحلة التاريخية الأخيرة في حياة أم كلثوم وذلك من الناحية الفنية والوطنية، وتفكيك تلك الهالة الرمزية التي أحاطت بسيرتها في الوعي الشعبي، والتي حولتها تدريجيًا إلى هرم من أهرمات القومية المصرية، والرمز الأكبر للقومية العربية في نسختها البعيدة عن تعقيدات السياسة والنزاع الإيديولوجي.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(ك. ج.): كتاب: “أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي” هو كتابي الأول وأتمنى أن يتبعه سلسلة دراسات أخرى عن الفن المصري في القرن العشرين.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(ك. ج.): أعتقد أن الكتاب موجه للجميع، فأم كلثوم رغم مرور 47 عامًا على رحيلها ما زالت هي أهم صوت عربي على الأطلاق، والأجيال الجديدة عندما تصل لسن معين تنضم لرابطة محبي أم كلثوم لا إراديًّا، كما أن الكتاب مكتوب بلغة سلسلة وبسيطة، فعلى مدار ثلاث سنوات هي عمر المشروع حاولت جاهدًا تقديم المحتوى التاريخي والتوثيقي من خلال سردية أقرب للسردية الروائية ومن خلال صورة درامية، حتى يعيش القارئ مع المرحلة أكثر، ويقترب من تفاصيل سنوات أم كلثوم الأخيرة.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ك. ج.): هناك مشروع توثيقي عن لقاءات السيدة أم كلثوم بالموسيقار محمد عبد الوهاب، من خلال توثيق اللقاءات التي بدأت بأغنية “أنت عمري” في فبراير/شباط 1964 وانتهت بأغنية “ليلة حب” ديسمبر/كانون الأول 1972، وذلك من خلال تتبع تلك اللقاءات واكتشاف مردودها في الصحافة العربية وعلى المستمع العربي.
مقتطف من مقدمة الكتاب
“إنّ هدف تلك الأوراق هو محاولة للبحث عن وجه آخر لأم كلثوم، وجه غابت عنا معظم ملامحه منذ وفاتها في منتصف السبعينيات، والتنقيب عن خفايا سيرتها الموازية؛ تلك السيرة الوطنية التي جعلتها في الوعي الشعبي بمنزلة هرم من أهرامات القومية المصرية. فعلى مدار سنوات حياتها الطويلة، لعبت أم كلثوم أدورًا عديدة في تاريخنا الحديث، واختلفت وتنوعت صور حضورها بما يناسب المرحلة ورجالها، ولكن بعد هزيمة 1967، وبعد أن تشربت أم كلثوم دموع النكسة، تلبستها روحٌ فتيّة متخمة بالأمل وقادرة على قهر المحنة، وزاد على طغيان حضورها، كأهم صوت نسائي في تاريخ العروبة، حضورٌ سياسي ووطني، إذ تقدّمت أم كلثوم المشهد الفني، وجنّدت سلاحها وهو صوتها، ليبرز وجودها في ساحة المعركة كرمز للإرادة المصرية الجسورة التي أبت أن تحطمها الهزيمة، وكنموذج للفنان الذي لم تكسره الشِدّة ولم تُسكتْ له صوتًا، أو ربما صورة جديدة للإلهة المصرية «إيزيس» التي بُعثت هذه المرة من تحت ركام المعركة لتدرك حدود الواجب وتُقدر حجم المأساة، فهبت واقفة وراء المجهود الحربي تجوب الكرة الأرضية من مشرقها إلى مغربها، في محاولة للبعث وإعادة الروح إلى «أوزوريس»، ذلك الإله المتجسد في الشعب الذي منحها هالات القدسية والعصمة، ورفعها إلى مصاف أنبياء الوطن وبطلات السِيَر الشعبية”.