بقلم : عمرو صابح
المرحوم حسين الشافعي لعب دوراً محورياً فى ثورة 23 يوليو ، فقد قاد الكتيبة الأولى لسلاح الفرسان ” المدرعات ” فى الساعات الأولى من صباح 23 يوليو 1952 ، وكان من أهم أسباب نجاح الثوار فى السيطرة على سلاح الفرسان ، وبعد نجاح الثورة أثبت كفاءته وإخلاصه فى كل المناصب التى تولاها ، بعد هزيمة 1967 وانتحار المشير عبد الحكيم عامر والاطاحة برجاله من قمة السلطة ، لم يتبق من كبار قادة الثورة بجوار الرئيس عبد الناصر سوى زكريا محيى الدين وحسين الشافعي وأنور السادات ، فى عام 1968 خرج زكريا محيى الدين من السلطة ، بينما استمر الشافعي والسادات بجوار الرئيس عبد الناصر.
فى 11 سبتمبر 1969 أصيب الرئيس عبد الناصر بأول أزمة قلبية على إثر متابعته للغارة الإسرائيلية على الزعفرانة .
فى يوم 6 ديسمبر 1969 توجه أمين هويدي المشرف على رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية إلى منزل الرئيس عبد الناصر ومعه تسجيل لحديث دار بين الوزير المفوض الأمريكى فى سفارة الولايات المتحدة فى إسرائيل ومديرة مكتبه مع السفير الأمريكى فى القاهرة وممثل المخابرات المركزية الأمريكية فى السفارة الأمريكية فى القاهرة واستمع الرئيس عبد الناصر إلى الحديث و الذى جاء فيه:
ان عبد الناصر هو العقبة الرئيسية في قيام علاقات طبيعية بين المصريين والإسرائيليين. وأن هناك حالة من الالتفاف الشعبى المصرى والعربى حول عبد الناصر ، تجعل السلام مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية والأمريكية مستحيلا. وان مصر التي من المفترض أنها مهزومة تبدو منتصرة بينما إسرائيل التي من المفترض أنها منتصرة تبدو مهزومة بسبب حرب الاستنزاف. وأن سمعة “موشى ديان”أكبر بكثير من إمكانياته الشخصية. وأن قادة إسرائيل ( جولدا مائير، موشى ديان، أهارون ياريف، إيجال أللون ) أجمعوا على أن بقاء إسرائيل ونجاح المشروع الأمريكى فى المنطقة مرهون باختفاء الرئيس جمال عبد الناصر من الحياة وأنهم قرروا اغتياله بالسم أو بالمرض. وأن جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل قالت بالنص ( We will get him ) سوف نتخلص منه.
فى 20 ديسمبر 1969 قرر الرئيس عبد الناصر تعيين السادات للمرة الأولى نائباً لرئيس الجمهورية ، جاء هذا التعيين بعد زيارة الملك فيصل لمصر خلال يومي 18 و19 ديسمبر 1969 ،واجتماعه بالرئيس عبد الناصر والذى أثار فيه الملك قضية اجهاض انقلاب عسكري فى السعودية اعترف بعض المقبوض عليهم من المشاركين به بصلتهم بمصر وبتنسيقهم مع سامى شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر للمعلومات ، نفى عبد الناصر لفيصل وجود أى مخططات انقلابية مصرية ضد نظام حكمه ، وأبلغه أن مصر توقفت عن دعم أى أنشطة ثورية ضد النظام السعودى منذ الصلح الذى تم بين مصر والسعودية فى مؤتمر الخرطوم فى عام 1967.
كان الرئيس عبد الناصر يستعد للسفر إلى المغرب لحضور اجتماع القمة العربية هناك بعد انتهاء اجتماعه بالملك فيصل ، عندما وصلته تقارير مجموعة المقدمة التى كانت برئاسة حسن التهامي عن وجود خطة لاغتيال الرئيس عبد الناصر أعدها الجنرال محمد أوفقير مع الموساد.
فى تلك الظروف قرر عبد الناصر تعيين السادات نائباً له للمرة الأولى. بعد 9 شهور و8 أيام من تعيين السادات نائباً ، مات جمال عبد الناصر!!
وبعد أكثر من نصف قرن على وفاة عبد الناصر يظل سبب اختياره للسادات نائباً له لغزاً بلا حل. يرى البعض أن التعيين كان لإرضاء الملك فيصل بعد حديثه عن محاولة الانقلاب ضده ، ويرى أخرون أنه كان مناورة ناصرية للضغط على السوفيت من أجل منح مصر المزيد من الأسلحة ، بينما فسر الأستاذ هيكل الأمر بأن عبد الناصر عين السادات نائباً له ونسيه فى المنصب لكثرة مشاغل عبد الناصر!!
بينما يرى الأستاذ سامي شرف أن عبد الناصر عين السادات نائباً له لكى يجعله يحصل على معاش نائب الرئيس!!
الوقائع التاريخية تثبت أن الرئيس عبد الناصر قبل تعيينه للسادات نائباً له ، تجمعت لديه العديد من الشواهد عن وجود خطر على حياته سواء بسبب مرضه بالقلب أو بسبب وجود مؤامرات لاغتياله ، وبالتالي يستحيل على أى عقل تصديق أن تعيينه للسادات جاء بالصدفة وهنا تكمن المعضلة ، لأنه فى حال اقتصار الاختيار بين الشافعى والسادات ، فإن الشافعى يتفوق فى كل شئ إلا فى شيء واحد وهو عدم قدرة الشافعى على التسرية عن عبد الناصر وعدم وجود علاقات شخصية بينهما ، وصراحة الشافعى فى الحديث مع عبد الناصر مقارنة بمداهنة السادات للرئيس ، قبل تعيين السادات نائباً لعبد الناصر ، ذهب الشافعى لسامى شرف وأبلغه أن الرئيس عبد الناصر لا يُقدر الرجال حق تقديرهم وطلب منه إيصال رسالة للرئيس بتحديد موقفه منه ، كان الشافعى غاضباً من تقريب عبد الناصر للسادات ، ومن المنافسة بينه وبين السادات حول من يرأس الاجتماعات ، ومن يجلس أقرب للرئيس.
نقل سامى شرف رسالة الشافعى للرئيس ، وبعد أيام كان السادات يحلف اليمين نائباً أول للرئيس عبد الناصر!!
فى جنازة الرئيس جمال عبد الناصر وما إن بدأت الجنازة حتى سقط السادات مغشياً عليه متأثراً بأعراض نوبة قلبية وتم حمله ولم يشارك فى الجنازة ، ثم تبعه على صبري بنفس الطريقة ، حسين الشافعي ظل موجوداً حتى نهاية الجنازة ودفن جمال عبد الناصر فى قبره ، وهناك فيديو متداول له خلال الجنازة من تصوير التليفزيون السويسري ، وهو يحاول تنظيم سير الحشود الشعبية ، ولكن الطريف أن الأستاذ هيكل والذى كان وزيراً للإرشاد القومى
” الإعلام” وقتها بعد ترك السادات وعلى صبري للجنازة ، أصدر تعليماته بتركيز كاميرات التليفزيون على زكريا محيي الدين الذى ظل مشاركاً بالجنازة منذ بدايتها حتى دفن عبد الناصر ، كان زكريا محيي الدين قد خرج من السلطة فى عام 1968 ،ولكن هيكل الذى لم يكن قد حدد بعد وجهته فى الصراع الذى سوف يدور حول عرش مصر بعد وفاة الزعيم ، قرر التركيز على زكريا محيي الدين ربما كخليفة محتمل لعبد الناصر.
بعد نهاية الجنازة سيلفت تصرف هيكل أنظار من اصطلح على تسميتهم بمجموعة مايو من رجال عبد الناصر ، وسيطالبوا السادات بمساءلته قانونياً عن ذلك ، ولكن السادات الراغب فى كسب هيكل لصفه سيكتفى بدفاع هيكل عن تصرفه بإنه لم يجد مسئولاً مصرياً كبيراً لتركيز الكاميرات عليه بالجنازة سوى زكريا محيي الدين خاصة أنه كان يسير بجوار أبناء الرئيس عبد الناصر ، كان دفاعا متهافتا لأن حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية كان متواجداً طوال الوقت أيضاً.
فى مذكرات محمد عبد السلام الزيات- وكيل مجلس الأمة وأحد كبار شركاء السادات فى انقلاب مايو 1971-بعنوان ” السادات .. القناع والحقيقة ” سرد للعديد من المواقف عن علاقة السادات بعبد الناصر بعد هزيمة 1967 وانتحار المشير عامر ، وكيف أصبح السادات مسئولاً خلال تلك الفترة عن صحة وغذاء وملابس الرئيس عبد الناصر.
فى مذكرات السيدة جيهان السادات تأكيد لما ذكره الزيات عن تنامى العلاقة الشخصية بين عبد الناصر والسادات وأسرته فى سنوات حياة عبد الناصر الأخيرة.
فى شهادة حسين الشافعى على عصر ثورة يوليو فى برنامج شاهد على العصر على قناة الجزيرة ، دافع عن الرئيس عبد الناصر وعن ثورة يوليو ، وأفسد كل محاولات لوي الحقيقة وتزييف الوقائع التى قام بها المذيع الإخوانى أحمد منصور من أجل تشويه الثورة ، بل انه قام بتوبيخ المذيع الإخوانى عدة مرات على طريقته السيئة فى إدارة الحوار ، وظل لأخر حلقة يعرض شهادته التاريخية بمنتهى الدقة فى استعراض الأحداث التاريخية وتحليلها ، وعندما سأله منصور عن طبيعة علاقته بعبد الناصر ، كان جواب الشافعى انها علاقة زمالة وشراكة فى الثورة وفى السلطة ، ولكنها لم تكن علاقة صداقة .
حسين الشافعى هو الوحيد من كبار قادة ثورة يوليو الذين تركوا شهادات ومذكرات مكتوبة ، الذى لم يهاجم جمال عبد الناصر وعهده ، السادات وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين فى مذكراتهم هاجموا عبد الناصر وعهده بضراوة ، كمال الدين حسين وحسن إبراهيم فى أحاديثهما الصحفية المنشورة هاجما عبد الناصر.
بعد وفاة عبد الناصر رفض الشافعي خلافة السادات لعبد الناصر ، وأعلن عن ذلك فى اجتماع لكبار قادة الدولة بحضور السادات ، ولكن المجموعة التى اصطلح على تسميتها بمجموعة مايو سارعت لعمل الاستفتاء الشعبي الذى أصبح به السادات رئيساً رسمياً لمصر فى 16 أكتوبر 1970 رغم معارضة التنظيمات السياسية للنظام ممثلة فى الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب والتنظيم الطليعي.
كانت تصرفات مجموعة مايو الداعمة للسادات ظناً خاطئاً منهم بأن السادات يسهل السيطرة عليه ، وخوفاً من وصول زكريا محيي الدين لمقعد الرئيس ، وفقاً لما ذكره أحمد كامل رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق فى مذكراته ، فقد أبلغ كبار قادة الجيش وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى رسالة بإنهم لا يوافقون على خلافة السادات لعبد الناصر ، وأنهم يفضلون زكريا محيي الدين كخلف لعبد الناصر ، أو أن يتولى الفريق أول محمد فوزى بنفسه منصب رئيس الجمهورية ، وعندما وصلت تلك الرسالة لمجموعة مايو سارعوا بوضع السادات على عرش مصر.
ظل الشافعي نائباً للسادات حتى 16 أبريل 1975 عندما قام السادات بتعيين حسنى مبارك نائباً له ، وأعفى الشافعى من منصبه.
لم يكن لحسين الشافعى طيلة سنوات وجوده فى السلطة شلل أو رجال محسوبين عليه ، ويرى الأستاذ رجاء النقاش أن ذلك كان من أسباب قوته وضعفه فى ذات الوقت ، فقد أتاح له ذلك الاستمرار فى قمة السلطة لمدة بلغت 23 سنة ، ولكنه حرمه من الفوز بكرسي الرئاسة.
رحم الله حسين الشافعى فارس ثورة يوليو الذى عاش ومات مدافعاً عن الثورة ، و لو كان هو من خلف عبد الناصر فى رئاسة مصر لتغير وجه التاريخ المصري والعربي المعاصر.
المصادر:
- حسين الشافعي شاهد على عصر ثورة يوليو.
- حلقات ” مع هيكل “.
- أحمد كامل يتذكر : أحمد عز الدين.
- محاضر اجتماع الرئيس عبد الناصر مع الملك فيصل بالقاهرة ديسمبر 1969.
- شعراوى جمعة .. شهادة للتاريخ : محمد حماد.
- السادات .. القناع والحقيقة : محمد عبد السلام الزيات.
- سيدة من مصر : جيهان السادات.