
عاموس هرئيل – هآرتس / ٢١ اكتوبر
العقيد إحسان دقسة، قائد لواء المدرعات 401 الذي قتل أمس في قطاع غزة، هو قائد اللواء الرابع الذي فقده الجيش الإسرائيلي في الحرب. فقد سبقه قادة من لواء “الناحل” والوحدة متعددة الأبعاد ولواء الجنوب في القطاع، الذين قتلوا جميعهم في 7 تشرين الأول من العام الماضي في الساعات الأولى بعد هجوم حماس الإرهابي في بلدات الغلاف. الظروف مختلفة في هذه المرة، وتعكس التغيرات التي جرت على طبيعة الحرب المستمرة منذ ذلك الحين. قادة الألوية الثلاثة قتلوا أثناء معارك دفاع يائسة في الغلاف أمام قوات متفوقة لحماس اقتحمت المستوطنات. يجري القتال الآن في عمق المنطقة، في عملية ثالثة للجيش الإسرائيلي داخل مخيم جباليا شمالي القطاع. القوة التي كانت بقيادة دقسة وصلت في دبابتين إلى المخيم. نزل منها القادة إلى نقطة للمراقبة. قتل قائد اللواء وأصيب قائد كتيبة في اللواء إصابة بليغة عندما صعدت القوة فوق عبوة ناسفة وضعت في المكان.
ما زالت حماس تشغل آلاف المسلحين في المخيم وحده، أصيب الكثير منهم، ولكن استمرار القتال في المخيم يدل على درجة استفحال مبالغة ادعاءات إسرائيل حول استكمال “النصر” على حماس. في المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي، وفي ظل غياب أي بديل سياسي لحماس وإزاء تصميم حكومة إسرائيل، ها هي حماس تعود وتسيطر في المنطقة.
تسريب الوثائق من البنتاغون عشية هجوم إسرائيل المخطط له على إيران، يدل على أمور وازنة حول الوضع الحالي للعلاقات بين واشنطن وتل أبيب. يصعب التصديق بأن التسريب كان نتيجة قرار مؤسساتي، وإلا لوصلت المادة إلى “نيويورك تايمز” وليس إلى قناة “تلغرام” التابعة لإيران وروسيا، ولما تضمنت صوراً لوثائق سرية. ولكن مجرد نشرها في هذا الوقت الحساس، يدل على عدم رضا عن خطوات إسرائيل. شخص في سلسلة من يعملون في هذا الأمر (يمكن أن يكون ضابطاً صغيراً في المخابرات، يتماهى مع الفلسطينيين) غضب إلى درجة المخاطرة ونشر المعلومات السرية. بيان البنتاغون حول التحقيق في التسريب يشير في الحقيقة إلى أن الإدارة الأمريكية تعتبر هذه الأمور خطيرة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن معلومات الوثائق أصيلة وموثوقة.
صديقتنا الكبيرة تراقبنا منذ عدة عقود، ويجب أن نكون ساذجين لنصدق بعدم وجود جمع مشابه للمعلومات في الاتجاه المعاكس. الوثائق التي كشف عنها مؤخراً تدل على ما يشغل الأمريكيين، وكيف يحصلون على المعلومات ويستخلصون منها الدروس. تظهر المنشورات أن الولايات المتحدة تجري عملية متابعة وثيقة لاستعدادات سلاح الجو وجهاز الاستخبارات حول الهجوم الذي تهدد قيادة إسرائيل بإخراجه إلى حيز التنفيذ منذ هجوم الصواريخ البالستية الإيرانية في 1 تشرين الأول الحالي.
وجاء بالتفصيل في الوثائق حول نقل سلاح وطائرات بين قواعد سلاح الجو إلى جانب مناورات أجراها سلاح الجو استعداداً للهجوم. محللون في المخابرات الأمريكية، وبدرجة لا تقل عن نظرائهم الإسرائيليين، يستندون إلى تحليل دقيق لتفاصيل من مجمل مواقع وتنوع كبير من مصادر الجمع لاستخلاص الاستنتاجات. يجب الافتراض بأن إيران وحزب الله يجريان عملية تحليل وجمع معلومات مشابهة.
البنتاغون يخشى من تسريب معلومات سرية أخرى عن استعدادات إسرائيل في القريب، ويسمع في الخلفية إعلان الرئيس الأمريكي الذي يعرف كيف ومتى ستعمل إسرائيل. تحاول الإدارة الأمريكية بقدر استطاعتها تنسيق خطواتها مع إسرائيل واستيعاب حجم قوة المواجهة لئلا تشتد وتصل إلى تصادم “متواصل” وبين إسرائيل وإيران. الأمريكيون يقدرون أن رد إسرائيل سيكون كبيراً وسيشمل عدداً غير قليل من المواقع، وتشمل أهدافاً عسكرية.
تفجير المسيرة التي أطلقها حزب الله نحو بيت رئيس الحكومة الخاص في قيسارية يطرح إمكانية أخرى، وهي أن إسرائيل التي تتهم إيران أكثر من حزب الله بمحاولة الاغتيال ستحاول المس في الرد برموز السلطة في إيران. لا سبب للاستخفاف بالخطر الكامن في خطوة لبنان، رغم أن نتنياهو لم يكن موجوداً في قيسارية أثناء الإصابة. من شغلوا المسيرة نجحوا في تفجيرها صوب نافذة معينة في البيت، بعد طيران طويل تملصت فيه من منظومات الدفاع الإسرائيلية. في السابق، كان من معروفاً أن نتنياهو يكثر من التواجد في منزله في قيسارية في نهاية الأسبوع. أمس، استمر إطلاق كثيف لمئات الصواريخ وإطلاق عدد كبير من المسيرات التي استدعت إطلاق صفارات الإنذار بشكل دائم في ثلث الدولة الشمالي. الحياة في هذه المناطق مشوشة تماماً، ولا تلوح في الأفق أي احتمالية لوقف إطلاق النار. وتيرة الصواريخ في الحقيقة لا تشبه التوقعات المسبقة، المحزنة، للجيش الإسرائيلي قبل الحرب، ولكنها تزداد بالتدريج. الحياة من خط العفولة – عتليت وشمالاً مشوشة بالكامل؛ وزراء الحكومة بصعوبة يكلفون أنفسهم عناء التطرق إلى ذلك؛ أما الضرر الذي أصاب الفترينا في قيسارية عندهم أهم بكثير. لا نسمع عن زيارات وزراء للمناطق التي يتم قصفها كل يوم؛ شيء لا يصدق. زيارة لقيادة فرقة تحارب الآن جنوبي لبنان، غير بعيد عن الحدود، تطرح صورة وضع مركبة. تعمل في لبنان في هذه الأثناء، أربع فرق تقريباً، وتحتها عدد كبير جداً من الطواقم الحربية اللوائية، من الجيش النظامي والاحتياط. العدد في الواقع لا يذكر حتى الآن بالعملية في قطاع غزة في نهاية السنة الماضية، لكنها تتعاظم. مع ذلك، لا يحتل الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، ولا يحاول السيطرة على المناطق حتى نهر الليطاني. العمليات محدودة في هذه الأثناء بقطاع ضيق جداً في الحدود الشمالية، وتركز على اقتحام قرى معينة، وعندما ينتهي تدمير بنى حزب الله التحتية في قرية أو في منطقة معقدة، تقوم القوات بإخلاء المكان وتنتقل إلى قرى وبلدات أخرى. الدمار، حسب الصور الجوية التي تنشر في الشبكات الاجتماعية، كبير جداً. وخلافاً لما كان يمكن توقعه، يصعب في هذه الأثناء ملاحظة أي توتر واضح بين هيئة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية بخصوص مواصلة الحرب. يتحدث الطرفان عن عملية محددة الوقت، ستستمر لبضعة أسابيع على الأكثر. بعد ذلك، يريد الجيش التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية بتدخل دولي، بحيث يقلص تهديد حزب الله لمستوطنات الشمال بعد الضربات التي تكبدها. المشكلة أن تحقيق هذا الهدف يتعلق بجهات أخرى مشاركة. أولاً، من غير المؤكد أن حزب الله سيوافق على التسوية، خصوصاً إزاء الأضرار التي تكبدها. ثانياً، من غير الواضح موقف حكومة إسرائيل، خصوصاً إزاء ضغط سكان البلدات على الحدود الشمالية لمواصلة السيطرة على مناطق أخرى، وربما حتى إعادة المنطقة الأمنية، التي حسب رأيهم، ستحميهم من التهديد القادم من لبنان.