سعيد الشحات يكتب:
السبت، 30 أكتوبر 2021 10:00 ص عبدالناصر
مشاركة
كان الوقت ظهر 30 أكتوبر، مثل هذا اليوم من عام 1956، حين أصدرت بريطانيا وفرنسا إنذارهما إلى مصر وإسرائيل، بوقف إطلاق النار، وسحب قواتهما خلال إثنى عشرة ساعة إلى مسافة تبعد عشرة أميال شرق وغرب قناة السويس، وطالب الإنذار أن تقبل مصر بوجود قوات مشتركة للدولتين فى منطقة القناة، ومدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس، لحماية الملاحة فى القناة، وإلا ستضطر الدولتان للتدخل بالقوة المسلحة، حسبما يذكر «سامى شرف» فى الكتاب الأول من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر».
جاء هذا الإنذار بعد أن بدأت إسرائيل الحرب ضد مصر بسبب قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس يوم 26 يونيو 1965، وكانت إسرائيل تنفذ بذلك خطة الاتفاق السرى بينها وبين بريطانيا وفرنسا والذى تم فى «سيفر» الفرنسية، ووقع عليه «ديفيد بن جوريون» رئيس وزراء إسرائيل، وكريستيان بينو عن فرنسا «وباتريك دين» عن بريطانيا، ووفقا لشرف: «ينص الاتفاق على أن تقوم إسرائيل ببدء الحرب مساء 29 أكتوبر 1965، وتتدخل بريطانيا وفرنسا للفصل بين المتحاربين والسيطرة على قناة السويس».
يذكر «شرف» أن سفير مصر فى لندن سامى أبوالفتوح، تم استدعاؤه من الخارجية البريطانية، لتسليمه صورة الإنذار، ويتضمن إيقاف جميع الأعمال الشبيهة بالحربية فى البر والبحر، وسحب جميع القوات العسكرية المصرية إلى مسافة عشرة أميال عن قناة السويس، أن تقبل مصر احتلال الأراضى المصرية بواسطة القوات البريطانية والفرنسية للمواقع الرئيسية فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، ويطلب الإنذار الإجابة عليه فى الساعة السادسة والنصف صباحا بتوقيت القاهرة يوم 31 أكتوبر الحالى، فإذا لم تتسلم حكومتا المملكة المتحدة وفرنسا هذه الإجابة فى الوقت المحدد، فإنهما ستتدخلان بالقوة بالقدر الذى تريانه ضروريا لضمان إجابة مطالبهما.
وصلت الرسالة، وطلب عبدالناصر عقد اجتماع سريع لطلب الرأى والدراسة.. يؤكد «شرف»: «بدأ أعضاء مجلس قيادة الثورة يتوافدون على مبنى مجلس الوزراء حيث حضر عبدالحكيم عامر، ثم صلاح سالم، وكان تم إبلاغ عبدالحكيم عامر بأمر الإنذار تليفونيا – كما حضر عبداللطيف البغدادى وحسين الشافعى وزكريا محيى الدين، وكان موجودا أيضا الدكتور أحمد ثروت الطبيب الخاص للرئيس».. يؤكد «شرف» لم يبد الدكتور محمود فوزى، أى رأى فى الإنذار لا بالقبول ولا بالرفض، وكان الاتجاه العام لدى الحاضرين هو الرفض وإن اختلفت الوسيلة، هل يغلق المظروف ويرد إلى السفارة البريطانية؟ أم يقوم الدكتور فوزى باستدعاء السفير البريطانى ويوجه إليه رفضا شديد اللهجة.
يتذكر «شرف»: «ما إن دخل صلاح سالم المكتب حتى فاجأ الرئيس والحاضرين جميعا بأن خلع غطاء الراس الخاص به «الكاب» ووجه كلاما لعبدالناصر قائلا: يا ريس أحسن حاجة نستسلم، وأنا لو منك أروح أسلم نفسى للسفارة الإنجليزية»، فضحك عبدالناصر، والتفت إلى الدكتور أحمد ثورت – طبيب الرئاسة، قائلا: «يا ثروت إديله حقنة تهديه».. رد سالم: «يا ريس أنا أعنى هذا الكلام، إحنا مش قد الإنجليز والوضع الطبيعى أن نسلم أنفسنا وأنت يا ريس عليك أن تروح وتقابل السفير الإنجليزى وتطلب منه المعذرة».. رد عبدالناصر عليه بعنف ووصفه بالجبن، وفى لحظة الانفعال المتبادلة بين الاثنين دخل أحد السفرجية حاملا صينية عليها القهوة، فأمره صلاح سالم أن يسلمه ملابسه المدنية، وقام بلبسها، وتقدم من الرئيس قائلا: «السلام عليكم يا ريس، أنا مسافر السويس وسأقاتل من هناك».. يؤكد شرف: «فعلا غادر المكان وركب سيارته واتجه إلى السويس، وانضم للمقاومة الشعبية، وقام بالفعل من هناك بالتنسيق مع عناصر المقاومة فى تنفيذ أول عملية لإغراق سفينة محملة بالأسمنت بهدف تعطيل الملاحة فى قناة السويس».
بعد مغادرة صلاح سالم تم الاتفاق بالإجماع على رفض الإنذار، كما اتفق على تسليم الرد بأسلوب بعيد عن العصبية بأن يقوم وزير الخارجية محمود فوزى، باستدعاء السفير البريطانى ويبلغه برفض الإنذار.. يؤكد «شرف» أن الرئيس جمال عبدالناصر استدعى فى الساعة العاشرة من مساء 30 أكتوبر 1956 سفير بريطانيا فى القاهرة السير «همفرى تريفليان»، وأبلغه برفض الحكومة للإنذار، وقال له: إن الإنذار الذى وجهته بريطانيا باسمها واسم فرنسا إلى الحكومة المصرية لا يمكن قبوله بأى حال، بل تعتبره اعتداء على حقوق مصر وكرامتها، ويعد امتهانا صارخا لميثاق الأمم المتحدة، ففى الوقت الذى تدافع فيه عن نفسها داخل أراضيها ضد العدوان الإسرائيلى تتحفز بريطانيا وفرنسا للعدوان على المعتدى عليه، وأنذره عبدالناصر بأن مصر لا يسعها إزاء أى عدوان عليها إلا أن تدافع عن حقوقها وكرامتها، كما استدعى القائم بالأعمال الفرنسى فى القاهرة «جى روشيه»، وأبلغه رفض مصر للإنذار.