سعيد الشحات يكتب:
السبت، 01 أكتوبر 2022 10:00 ص
جنازة جمال عبد الناصر
كانت القاهرة بحرا من البشر مع طلعة شمس يوم 1 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1970، لوداع جمال عبدالناصر، الذى توفى يوم 28 سبتمبر 1970، كان موجودا للمشاركة فى تشييع الجنازة «ثلاثون رئيس دولة، ومائة وفد يرأس أغلبها إما رؤساء وزراء أو وزراء خارجية، علاوة على رؤساء الأحزاب وحركات التحرير فى العالم كله بدون استثناء»، حسبما يذكر سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر، فى الكتاب الخامس من مذكراته.
كان الدكتور منصور فايز، رئيس الفريق الطبى لجمال عبدالناصر، واحدا من شهود اليوم، ويذكر عنه فى كتابه «مشوارى مع عبدالناصر»: «ما إن طلعت شمس ذلك اليوم إلا وكانت القاهرة كبحر من البشر، زاد على ملايينها ملايين أخرى من المواطنين جاءوا إليها بالقطارات والسيارات وبكل أنواع المواصلات، بدأ الآلاف منهم مسيرتهم إلى العاصمة من ليلة أول أكتوبر سيرًا على الأقدام ليكونوا فيها فى الصباح».
كان شعب مصر ملء شوارعها ليعبر عن حبه لزعيمه فى رحلته الأخيرة، وظهرت فى سماء القاهرة طائرة هليكوبتر تقل جثمان الزعيم من قصر القبة إلى الجزيرة، لتخرج جنازته من المبنى الذى كان مقرا لمجلس قيادة الثورة».
يضيف «فايز»: «كانت الجماهير مصطفة على طول الطريق من مبنى مجلس قيادة الثورة إلى جامع عبدالناصر فى مصر الجديدة، وكان النظام يبدو دقيقا، وخرجت عربة مدفع من مبنى مجلس قيادة الثورة تحمل النعش ملفوفا فى علم الجمهورية العربية المتحدة، ومن خلفها مباشرة سار أبناؤه يليهم رؤساء الدول المشاركة فى الوداع المهيب، وسارت الجنازة وسط نحيب الجماهير إلى كوبرى قصر النيل، وما إن تعدت الكوبرى واتجهت إلى شارع النيل أمام فندق هيلتون حتى هجمت الجماهير تربت بأيديها على النعش لتلمسه للمرة الأخيرة».
يؤكد فايز: «كانت الجنازة تكاد لا تسير من فرط الازدحام وتدافع الجماهير على عربة المدفع، وبعد ساعات وصلت الجنازة إلى منطقة غمرة، وبدا واضحًا أن النعش الذى تم تغيير العلم الذى يلفه عدة مرات خلال هذه الفترة لن تصل قبل الليل، فتم نقله إلى عربة مدرعة، ولكن الجماهير ظلت حول الرئيس تحيط بالعربة المدرعة حتى وصل إلى جامع عبدالناصر بعد الظهر، وشيع جمال عبدالناصر إلى مثواه الأخير فى وداع لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر الحديث».
كان الكاتب والصحفى الفرنسى الشهير «جان لاكوتير» من شهود الحدث، ويذكر فى كتابه «عبدالناصر» عن «دار النهار اللبنانية، 1971»: «على ضفاف النيل، بين الروضة وبولاق كنا ملايين من البشر يشهدون آخر رحلة يقوم بها جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، الذى توفى قبل ثلاثة أيام عن اثنين وخمسين عاما، ملايين من البشر ينتظرون شيئا ما، حدثا خارقا لم يدخل فى حساب إنسان، يكون بحجم ناصر ومنجزاته والمدينة العظيمة التى كانت له طوال ثمانية عشر عاما منبرا ومسرحا ونشاطا».
يضيف: «هكذا انقلبت الجنازة الرسمية عيدا بدائيا كبيرا، إذ انتزعت الجماهير النعش وحضنته وبدا وكأنها التهمته.. هل هى محاولة رقى ضد الموت أو ضد الغياب؟ على من بكى هذا الشعب اليتيم؟ على الزعيم الراحل، أم على نفسه؟.. على الفراغ الذى خلَف تاركا شعبه فى مطلع «أكتوبر 1970» معلقا بين الحرب والسلم، بين الشرق والغرب، بين الحرية الاجتماعية والتقييد الفردى، بين الغضب والتعقل».
كانت الجنازة هى «الأكثر إثارة فى العصر الحديث» حسب وصف صحيفة «الجارديان» البريطانية»، وبلغت التقديرات لعدد الذين ساروا خلف النعش فى شوارع القاهرة نحو 5 ملايين فرد «سكان مصر وقتئذ 32 مليون نسمة»، كما خرج الملايين فى العواصم العربية «سكان الدول العربية وقتها 110 ملايين نسمة»، فى جنازات يتقدمها نعوش رمزية، وحاصل ذلك هو أنها كانت الجنازة الأكبر فى التاريخ، وكان الأكثر إثارة فى موكبها بالقاهرة، ترديد الملايين لأنشودة حزينة مجهولة التأليف والتلحين.. رددتها الجماهير فى كورس جماعى:
«الوداع يا جمال يا حبيب الملايين/الوداع
ثورتك ثورة كفاح..عشتها طول السنين /الوداع
أنت عايش فى قلوبنا..يا جمال الملايين/الوداع
أنت ثورة أنت جمرة.. لأجل كل الشقيانين/الوداع
يا فقير يا بن الفقير.. انت أب الكادحين/ يا جمال
أنت نوارة بلادنا.. واحنا شوقنا الحنين/ يا جمال
أنت قلة مية صافية.. تسقى كل العطشانين
أنت عصفور الكناريا ..لأجل كل الحزنانين / يا جمال
أنت قنديل الغلابة.. تهدى كل المحرومين / يا جمال
أنت ريحة زكية.. فى قلوب الفلاحين/
أنت جمعت بعزيمتك.. النفوس الغضبانين».