الرئيسية / أخــبار / قراءة فى وثائق «تأميم قناة السويس».. موسكو أيدت «التأميم»وفضحت محاولات مد فترة امتياز القناة

قراءة فى وثائق «تأميم قناة السويس».. موسكو أيدت «التأميم»وفضحت محاولات مد فترة امتياز القناة

السبت أغسطس 2024 موسكو ــ د. سامى عمارة

حفل افتتاح قناة السويس 1869 للفنان الفرنسى إدوارد رايو

  • «الإنذار الروسى» كاد يتسبب فى إشعال حرب عالمية ثالثة.. والمواطنون الروس يتظاهرون أمام السفارة المصرية طلبا للانضمام لمقاومة العدوان الثلاثى

كشفت الوثائق السوفيتية عن كثير من مفردات ما يسمى «أزمة السويس»، وأبعاد ذلك الصراع الذى عاد ليحتدم اكثر من ذى قبل، عقب إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراره حول تأميم قناة السويس فى يوليو 1956.

وقد جاء هذا القرار عقب البدايات العاصفة للتقارب المصرى السوفيتى وعقد أول صفقة للأسلحة مع بلدان المعسكر الاشتراكى فى عام 1955 المعروفة تحت اسم صفقة الأسلحة التشيكية التى كانت فى حينها ضربا من خيال امتزج فى حينه بدسائس وألاعيب أجهزة مخابرات كثيرة. فضلا عما كشف عنه يفجينى بريماكوف حول عدم صحة ما يقال حول الدور الحقيقى للولايات المتحدة فى رفض تمويل بناء السد العالي، وموقفها من «العدوان الثلاثي».

وها هى وثائق وزارة الخارجية السوفيتية تكشف لنا عما لعبه الاتحاد السوفيتى من أدوار دعما وتأييدا لحق مصر فى تأميم قناة السويس، وما بذلته موسكو لفضح المحاولات الرامية إلى تدويل القناة، بما تفقد مصر معه السيادة عليها، الى جانب النيل من مشروعية امتلاكها. وذلك ما يكشف ضمنا عن تهافت كل المزاعم عن يتردد اليوم فى أروقة المنتديات المصرية عن «ان القناة كانت ستؤول إلى مصر فى عام 1966» تاريخ انتهاء امتياز القناة، فى إشارة الى رفض هذه القوى لقرار التأميم، واتهام عبدالناصر وتحميله المسئولية عن كل تبعاته، ومنها «العدوان الثلاثي» الذى شنته بريطانيا وفرنسا واسرائيل بموجب ما جرى الاتفاق حوله فيما يعرف «باجتماعات سيفر الفرنسية».

  • تأميم القناة وإشعال حرب عالمية ثالثة

وثائق وزارة الخارجية الروسية كشفت عما قاله دميترى شيبيلوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتى الأسبق فى «مؤتمر لندن» الذى عقد لبحث موضوع قناة السويس فى 17 أغسطس 1956 حول «أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن تأميم الملكية الموجودة فى الأراضى التى تشملها صلاحية الدولة عمل مشروع من وجهة نظر القانون الدولى ومن حق الدولة تأميم الملكية بغض النظر عما إذا كان أصحاب هذه الملكية من مواطنيها او من الأجانب بموجب قرار الجمعية العام للأمم المتحدة الصادر فى عام 1952».

وكان شيبيلوف حذر فى خطابه من مغبة الاستعدادات العسكرية من جانب بريطانيا وفرنسا للعدوان على مصر. كما استبق احتمالات ذلك العدوان بقوله: «انه ليس سراً ان أوساطا بعينها فى فرنسا وبريطانيا تهدد باستخدام القوة ضد مصر سعيا وراء فرض خطة «الإدارة الدولية لقناة السويس». وذلك فضلا عما قاله بشأن أن ذلك الصدام من الممكن أن يتحول الى صدام كبير يشمل كل المنطقة، بل وربما يتعدى اطارها».

وذلك ما يعود مراقبون كُثُر فى الآونة الأخيرة الى تناوله فى معرض الأحداث الأخيرة فى أوكرانيا، وتأكيد أن «أزمة السويس» كانت الأولى التى كادت تشعل نيران الحرب العالمية الثالثة، بما يعنى أنها تأتى فى وقت سابق لأزمة الكاريبى فى عام 1961 بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، التى ثمة من يقول انها كادت تتسبب فى إشعال الحرب العالمية الثالثة.

ونشير فى هذا الصدد الى ما عرف تحت اسم «الإنذار السوفيتي»، وما قاله نيكولاى بولجانين رئيس الحكومة السوفيتية حول «تصميم الاتحاد السوفيتى على دحر المعتدى بالقوة والعمل من أجل إقرار السلام فى الشرق الأوسط». كما أضاف بولجانين تحذيره من «خطورة احتمالات تحول الحرب فى الشرق الأوسط فى حال عدم إخمادها إلى «حرب عالمية ثالثة».

  • مد فترة امتياز القناة حتى عام 2008

الوثائق السوفيتية أشارت إلى ما قاله شيبيلوف حول «محاولات بعض الدول الغربية إقناع الحكومة المصرية قبل اعلان الجمهورية المصرية (أى قبل قيام ثورة يوليو 1952) بمد فترة امتياز قناة السويس بما يفقدها السيادة على القناة من عام 1966 حتى عام 2008». وتقول هذه الوثائق بتأييد الاتحاد السوفيتى لمشروع القرار الذى تقدمت به الهند حول الحلول الأنسب لأزمة تأميم قناة السويس استناد الى مبدأ «التوفيق الصائب بين مصالح مصر كدولة ذات سيادة ومصالح كل الدول المستفيدة من قناة السويس». كما وقف الاتحاد السوفيتى الى جانب «رفض أى حلول انفرادية خارج إطار مؤتمر لندن»، بما فى ذلك «اللجنة الخماسية» التى حاولت تمرير ما يسمى «مشروع دالاس» الذى كان يقضى «بتسليم قناة السويس الى إدارة أجنبية».

ويذكر التاريخ ما اتخذته موسكو من مواقف ومنها «البيان السوفيتي» الصادر فى 15 سبتمبر 1956 الذى رصد الاستعدادات البريطانية والفرنسية وجنوح حكومتى البلدين نحو الخيار العسكرى للضغط على مصر والبلدان العربية فى الوقت الذى واصلت فيه الولايات المتحدة محاولات تمرير «مشروع دالاس» نسبة الى اسم وزير خارجيتها، وتشكيل ما كان يسمى رابطة المستفيدين من القناة بهدف تنسيق الملاحة فى القناة والتعاقد مع المرشدين الأجانب.

ولعله من الطريف فى هذا الصدد أن الولايات المتحدة وفى محاولة لاستباق فشل الاستعدادات البريطانية الفرنسية، تحولت وتحت ضغوط داخلية الى التعاون مع الاتحاد السوفيتى فى سابقة هى الاولى فى تاريخ العلاقات بين البلدين، ضد اثنين من بلدان حلف الناتو، حسب ما قاله المؤرخ الروسى اليهودى ليونيد مليتشين فى كتابه «ملفات سرية».

  • الأسلحة السوفيتية والسد العالي

محاولات القاهرة للحصول على الأسلحة كانت أحد أهم المبادئ الستة لثورة يوليو 1952، والحصول على القروض اللازمة لبناء السد العالي، فى صدارة القضايا التى وضعتها القيادة المصرية فى صدارة اهتمامتها. وقد تناول يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق هاتين القضيتين فى كتابه الصادر تحت عنوان «الشرق الأوسط. على المسرح وما وراء الكواليس».

فى هذا الكتاب دحض المؤلف كل ما يقال حول دور الولايات المتحدة إبان «أزمة السويس»، استنادا الى ما أشار اليه حول رفضها تمويل بناء السد العالي، وتقديم المساعدة لحصول مصر على ما تحتاجه من أسلحة. ونشير بهذا الصدد إلى فشل جهود البعثة المصرية التى أوفدها عبد الناصر الى واشنطن برئاسة على صبرى لهذا الغرض، وهو ما دفعه لاحقا الى التحول شرقا للاتفاق مع الاتحاد السوفيتى حول ما عرف تحت اسم «صفقة الأسلحة التشيكية». وكشف بريماكوف عن أن عبد الناصر سارع بعد عودته من مؤتمر باندونج فى عام 1955 الى الاتصال بالملحق العسكرى للسفارة السوفيتية فى القاهرة لإبلاغه بطلب الحصول على السلاح بتوصية من شواين لاى رئيس حكومة الصين الشعبية. وقال أيضا إن عبدالناصر أبلغ السفير الأمريكى فى القاهرة باتصاله بالسفارة السوفيتية. وأضاف بريماكوف أن فشل الحصول على أسلحة غربية سرعان ما أضيف اليه فشل الحصول على قروض غربية لبناء مشروع السد العالى الذى علقت عليه مصر الكثير من آمالها. وهو أمر لم يكن ليتحقق دون موافقة الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الأكبر لدى البنك الدولي.

وأشار المسئول السوفيتى الكبير إلى أن الولايات المتحدة اتخذت مثل هذه المواقف من منظور ما اتخذته القاهرة من خطوات تمثلت فى تقاربها الملحوظ مع الاتحاد السوفيتي، واعترافها بجمهورية الصين الشعبية. وقال بريماكوف «ان سياسة التوازن بين «العالم الحر» والمعسكر الاشتراكى التى كانت تمارسها القاهرة فى ظل ظروف الحرب الباردة من أجل الحفاظ على استقلالها لم تعد تلائم الولايات المتحدة. وكانت واشنطن تعتبر هذه السياسة، عدم رغبة من جانب عبدالناصر فى السير فى طريق التحالف مع الغرب، او بقول آخر طريق الخضوع الى الغرب». وخلص بريماكوف الى القول «إن العداء للإمبريالية الذى لم يكن موجودا لدى الضباط الأحرار فى مستهل توليهم السلطة نما وتعزز بقدر اصطدام عبد الناصر بالسياسات الحقيقية لبريطانيا، وبتفاقم التوتر والعداء فيما بعد للولايات المتحدة الامريكية».

  • التهديد بالصواريخ النووية

ومن الوثائق السوفيتية نشير أيضا الى رسالة نيكولاى بولجانين الى أنطونى ايدن رئيس الحكومة البريطانية التى اتسمت بالكثير من الحدة، وجاء فيها» فى أى وضع يمكن أن تكون عليه بريطانيا إذا ما تعرضت لهجوم من جانب دول تفوقها قدرة وقوة. وماذا يمكن أن يكون عليه الحال إذا استخدمت مثل هذه الدول أسلحتها الصاروخية على سبيل المثال».

وكان بولجانين بعث أيضا برسالتين مماثلتين الى كل من جى موليه رئيس وزراء فرنسا والى دافيد بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية تضمنتا ما يهددهما بشكل مباشر باحتمالات قصف بلديهما بالأسلحة الصاروخية السوفيتية.

وما إن وقع العدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى الإسرائيلى على الاراضى المصرية»، وهبت مصر عن بكرة أبيها للدفاع عن أراضيها، حتى أعلنت وكالة انباء «تاس» الحكومية الرسمية «البيان السوفيتي» الشهير فى العاشر من نوفمبر 1956، وقالت فيه إنها «مخولة بأن تعلن أن قيادة الاتحاد السوفيتى تؤكد أنه فى حال عدم سحب فرنسا وبريطانيا وإسرائيل قواتها من الاراضى المصرية امتثالا لقرارات الأمم المتحدة حول وقف العدوان والانسحاب، فإن الهيئات السوفيتية المعنية لن تتردد إزاء السماح للمتطوعين من المواطنين الروس الراغبين فى السفر للقتال الى جانب الشعب المصرى فى نضاله من أجل الاستقلال».

وكانت جموع المواطنين السوفيت احتشدت عند مقر السفارة المصرية فى قلب العاصمة موسكو، ترفع شعارات شجب العدوان، ولتعلن تأييدها واستعدادها للانضمام الى نضال الشعب المصرى فى الذود والدفاع ضد قوات العدوان الثلاثي، فى سابقة لم تعرف لها موسكو مثيلا من قبل.

وننقل عن أندريه مارتيانوف ما كتبه على الموقع الالكترونى «غير أن»، حول الخلفية السياسية لأزمة السويس عام 1956، ان «بريطانيا العظمى دخلت فى صراع حول واحدة من آخر الماسات فى تاج الإمبراطورية المحتضرة ـ قناة السويس، وعلى الرغم من أن دور شريان النقل هذا لم يعد حيويًا بالنسبة للندن، فإن السويس كان موضوعًا للهيبة، وكان يستحق التمسك به بأى ثمن. علاوة على ذلك، التزم رئيس الوزراء أنطونى إيدن باستراتيجية التفوق البريطانى فى الشرق الأوسط. وأعلن حلف بغداد فى عام 1955، الذى وقعته تركيا والعراق وبريطانيا وباكستان وإيران الشاه، «الدفاع عن المنطقة ضد أى تهديد سوفيتي».

واستعرض المعلق الروسى ما بذلته القيادة السوفيتية من جهود فى تقاربها مع مصر، ومع جمال عبد الناصر فى منتصف خمسينيات القرن الماضى وهو ما تناولناه بالكثير من التفاصيل فى كتابنا الصادر فى القاهرة تحت عنوان «القاهرة ـ موسكو.. وثائق وأسرار» اعتمادا على ما اطلعنا عليه من وثائق فى أرشيف وزارة الخارجية الروسية. ولما كان الصدام العسكرى أمراً لا مفر منه، فى توقيت كان الاتحاد السوفيتي، «شخصية قوية للغاية»، فقد راح ينشط على نحو متزايد على رقعة الشطرنج فى الشرق الأوسط.

وفيما خلص مارتيانوف الى استنتاج مفاده أن مصر تظل وبعد مرور ما يزيد على ستين عامًا، واحدة من الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية فى منطقة البحر الأبيض المتوسط، قال إن روسيا تجاوزت فترة البرود التى أصابت علاقات البلدين فى سبعينيات القرن الماضى لاستعادة مواقعها المفقودة فى المنطقة جزئيًا بعد أن حل الاقتصاد محل الأيديولوجية. ومن اللافت فى هذا الصدد ما قاله مارتيانوف حول التعاون المتبادل بين البلدين لتحقيق ما يريده كل من الآخر اعتمادا على ما حققه الاتحاد السوفيتى السابق من سمعة طيبة فى مصر وهو الذى لم يقف يوما وراء الجماعات الهامشية أو الدينية المتطرفة التى تحاول الاستيلاء على السلطة، الى جانب عدم وجود «أثر استعماري» خلفنا فى شكل ذكريات سيئة لأحداث مثل «بروتوكولات سيفر السرية» المخزية التى وقعها ممثلو بلدان العدوان الثلاثى ضد مصر فى عام 1956.

عن admin

شاهد أيضاً

إن بي سي نيوز : إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا

التفاصيل غامضة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد، لكن الخطة قيد الدراسة الجادة لدرجة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *