الإثنين 20-12-2010 23:35 | كتب: رويترز | Tweet تصوير : حافظ دياب
رصدت وكالة رويترز في تقرير مطول لها ما وصفته بـ«تراجع الدور المصري في المنطقة». وأشارت الوكالة في التقرير الذي التقت فيه بمحللين ومواطنين، وحمل عنوان «انحسار دور مصر في المنطقة الأسباب والأبعاد» إلى أن قوى إقليمية كثيرة «أصبحت تتقاسم أدوارا كانت حكرا على القاهرة»، مما خلق حالة من «الحسرة لدى المصريين».
وطافت الوكالة في مختلف مناطق مصر، بدءا من وسط القاهرة إلى «بالم هيلز» مرورا بعدد من القرى المصرية، ورصدت آراء المواطنين، كما أجرت مقارنة بين النفوذ المصري في المنطقة ونظيره التركي، مشيرة إلى أن «الجمود الذي تعاني منه القاهرة » دفع قوى أخرى «أكثر حيوية» إلى السطح.
مونديال قطر
وفي مقهى «بيومي»، وهو مكان تسبح فيه سحب الدخان، وسط القاهرة، كان المشاهدون يشتكون بصوت عال من «تحيز» الحكم وهم يتابعون مباراة ودية في كرة القدم فاز فيها المنتخب القطري على نظيره المصري بهدفين مقابل هدف الأسبوع الماضي.
ومع اختفاء صوت المعلق على المباراة وعودة رواد المقهى للعب الطاولة طرح البعض سؤالا محرجا بشأن مصر التي تفتخر بأنها قوة إقليمية بارزة: «لماذا فازت قطر التي تحتل المركز 114 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم باستضافة بطولة كأس العالم لعام 2022 لتكون أول دولة في المنطقة تنظم البطولة بينما لم تحصل مصر على صوت واحد عندما تقدمت لتنظيمها قبل ست سنوات؟».
تنهد بيومي، صاحب المقهى، وهو يتذكر أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقال «ليس لقطر ما لمصر من تاريخ لكن لديها رؤية ومال وهدف حتى تكون زعيمة بين دول المنطقة»، يضيف:«كانت مصر تملك رؤية وقوة في عهد عبد الناصر وكانت حتى أكثر استقلالا من قطر الآن التي توجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الاوسط لكن هذا البلد، مصر، لم يعد يملك رؤية، وليس لديه سوى مسؤولين يهتمون بأنفسهم فقط».
أما مسعود (67 عاما) فبعد أن وضع كوبه جانبه يتحسر على تراجع نشاط مصر قال:«قطر جديدة في كل شيء في الدبلوماسية والتاريخ والثروة، أما مصر فلديها تاريخ طويل في كل هذه المجالات لكن شعبها مشغول للغاية بالسعي لكسب العيش».
وقالت الوكالة:«مصر ما زالت قوة يعتد بها في مجال كرة القدم حيث فاز المنتخب الوطني المصري بكأس الأمم الإفريقية للمرة السابعة في تاريخه هذا العام ليصبح التاسع في التصنيف الدولي. لكن لم يعد بإمكان مصر أن تزعم أنها الدولة الأولى في المنطقة بلا منازع على صعيد السياسة والاقتصاد والثقافة».
وأضافت:« تتمتع دول أخرى غير عربية مثل تركيا وإيران وإسرائيل بقوة أكبر من مصر هذه الأيام وإن اختلف البعض في هذا بينما تتفوق السعودية والإمارات عملاقا النفط على مصر ماليا بل إن دولة صغيرة مثل قطر أضحى بإمكانها أن تقوم بدور على الساحتين الدبلوماسية والرياضية اللتين كانت مصر تهيمن عليهما في المنطقة في يوم من الأيام».
البحث عن عبد الناصر
وقال المحلل السياسي اللبناني رامي خوري إن مصر «ليس لها تأثير فعلي حاليا»، وربط بين «تراجع» نفوذ مصر وزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس عام 1977 لصنع السلام مع إسرائيل «فعندها لم يعد العالم العربي يسير خلف قيادة مصر».
وأضاف خوري أن مصر كانت مكانا ديناميكيا خلاقا على الصعيدين الثقافي والسياسي «أما الآن فهي تعاني من الجمود بينما أصبح الآخرون أكثر حيوية مثل السوريين وحزب الله اللبناني والإيرانيين والقطريين»، مشيرا إلى أنه لا يوجد واحد من بين هذه الأسماء «أصبح هو اللاعب الوحيد في المنطقة لكنها كلها تقوم بدور كان من قبل حكرا على مصر».
وتابعت الوكالة:«كانت مصر القوة العربية الكبرى دون جدال، ففي الخمسينيات والستينيات كان عبد الناصر يلهب حماس العرب بتحديه لقوى الاستعمار وعدائه لإسرائيل وبحديثه عن القومية العربية والاشتراكية» وتابعت:«كانت القوى الغربية تكره عبد الناصر مثلما تكره الآن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وخطاب المقاومة الذي يردده».
ورسخ عبد الناصر نفوذ مصر في شتى أنحاء المنطقة رغم الهزيمة أمام إسرائيل في حرب عام 1967. وكان السادات خليفته «نقيضا صارخا عندما جعل مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل. وفي بادئ الأمر أدى اتفاق السلام إلى تعزيز دور مصر بصفتها المحاور الأبرز في الشرق الأوسط. لكن صوت مصر خفت في القرن الواحد والعشرين» حسب الوكالة.
وأكدت رويترز أن «إيران والسعودية وسوريا اليوم هي التي تتشاور حول طرق منع عودة الفوضى إلى لبنان. كما أن إيران هي القوة الخارجية صاحبة النفوذ الأكبر في الصراعات السياسية بالعراق، واستضافت تركيا محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا وتوسطت هي والبرازيل في النزاع النووي الإيراني مع الغرب وحاولت المصالحة بين الفصائل الفلسطينية».
وأشار التقرير إلى سعي قطر للتوسط في صراعات اليمن ولبنان ودارفور بالسودان الذي يعتبر «الفناء الخلفي لمصر». ووصف قطر بأنها الدولة التي يوجد بها مقر قناة الجزيرة الفضائية «التي ساهمت في إنهاء سيطرة وسائل الإعلام الرسمية في العالم العربي».
تركيا أردوغان
ولفتت الوكالة إلى ما تتمتع به جماعات مثل حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» في قطاع غزة من شعبية حيث تتبنى الجماعتان خطابا «له صدى أكبر من سياسات القادة المصريين والعرب».
ولتوضيح مدى انحسار الدور المصري أكدت الوكالة أنه «من المجدي النظر إلى تركيا التي حولت نفسها من بلد عاجز اقتصاديا يقع على حافة أوروبا إلى سوق ناشئة وقوة إقليمية صاعدة».
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد التركي الذي يساعده الاستقرار السياسي والإصلاحات الصديقة للسوق 7.8 % العام الحالي ليصبح واحدا من الاقتصادات صاحبة الأداء الأفضل في العالم. وتفوق النسبة التركية، التوقعات بالنسبة لمصر حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري 6% في العام المالي الحالي وهي نسبة أفضل من نسبة 5.1% التي حققتها القاهرة العام الماضي.
وأكدت رويترز أن الأمر «لا يقتصر على الاقتصاد فحسب حيث وجد استطلاع للرأي أجراه معهد بروكينجز العام الحالي أن العرب يحبون رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أكثر من أي زعيم آخر في العالم. وحققت تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان والذي يتولى السلطة منذ عام 2002 علاقات أقوى في مجالي التجارة والأعمال مع الدول الإسلامية».
وحين أدان أردوغان إسرائيل هجوم قوات إسرائيلية على سفينة ضمن قافلة مساعدات قادتها تركيا إلى قطاع غزة في مايو الماضي «تحول إلى بطل في الشارع العربي ورفع سكان في حي منشأة ناصر الفقير بالقاهرة الأعلام التركية على نوافذ منازلهم» حسب الوكالة التي رصدت «تزايد الاهتمام العربي بالثقافة التركية ابتداء من المسلسلات والموسيقى والأكلات وانتهاء بالتاريخ العثماني مما أدى إلى تدفق السائحين العرب على اسطنبول والتي أصبحت وجهة مفضلة لدى البعض لإقامة حفلات الزفاف».
ويقول هيو بوب أحد مؤلفي الكتب عن تركيا، والمحلل البارز في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات :«هناك عدد من المجالات يمكن القول إن تركيا أخذت فيها مكان مصر باعتبارها قوة إقليمية، ففي الخمسينيات والستينيات كانت مصر هي صوت الحشود العربية. الآن صوت أردوغان هو الصوت الذي يحرك الحشود رغم أن تركيا ليست بلدا عربيا.»
وقال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، «تركيا لديها حكومة ليبرالية ومنفتحة وغربية التوجه منتخبة ديمقراطيا لذلك فإن صعودها لا يمثل تهديدا للغرب، إنها نموذج للإسلام الحميد، وانحسار دور مصر يرجع لأسباب داخلية إلى حد كبير، فسلطة مبارك ليست ديمقراطية.»
بطالة وأمية
لكن الديمقراطية ليست السبيل الوحيد لاكتساب قوة، حسب رويترز، التي أضافت « فقطر والإمارات على سبيل المثال خرجتا من الهدوء والعزلة اللذين كانتا عليهما في الستينيات وأصبحتا دولتين بارزتين في منطقة الخليج بعد أن استخدمتا إيرادات النفط والغاز في إقامة بنية أساسية من العدم تقريبا».
قال جان فرانسوا سيزنيك الأستاذ بجامعة جورج تاون «نجاح الإمارات ليس نجاحا بسبب النفط بقدر ما هو نجاح للرؤية» وأضاف أن دول الخليج «ترثى حال مصر فيما يبدو. ومن المؤكد أن نفوذ القاهرة السياسي تقلص تماما في أي قضايا حولها أمام تزايد نفوذ السعودية. ويزداد نفوذ مصر انحسارا من الناحية الاقتصادية.»
وربما يكون للمصريين هوية وطنية راسخة مقارنة بدول الخليج لكن قوتهم الشرائية ضعيفة إذ يعيش 40% تقريبا من المصريين في حالة من الفقر كما أن 30% منهم أميون ويبلغ معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية 22%.
واستطردت الوكالة :«لم يساعد إشراك مصر في كل مسعى تبذله الولايات المتحدة لصنع السلام في الشرق الأوسط في تحسين موقفها إذ إن فشل هذه المحاولات أثبت أنها عبء أكثر منه إنجاز».
وفي عهد مبارك كان الدور «الدبلوماسي الرئيسي لمصر هو تسهيل محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية وفي السنوات الأخيرة كان مصالحة حركتي فتح وحماس وحتى الآن لم يسفر الأمران عن ثمار تذكر» حسب الوكالة، التي أشارت إلى تقدير واشنطن وحلفائها الغربيين لجهود الوساطة المصرية، فيما «ينتقدها بعض الزعماء العرب بشدة بشكل غير معلن».
وكان موقع «ويكيليكس» قد نشر وثيقة أمريكية، نقلت عن رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني قوله إن مصر «لديها أهداف خفية في إطالة محادثات المصالحة الفلسطينية لأطول فترة ممكنة». وأضاف حمد «القيام بدور الوسيط في المحادثات هو المصلحة الوحيدة لمصر مع الولايات المتحدة».
وقد يكون من بين أسباب «ضعف دور مصر في الخارج أيضا استغراقها في المشاكل الداخلية» حسب رويترز، التي رجحت أن يكون «التخلص من التحديات السياسية يستهلك كثيرا من الطاقة بينما أدى الفساد وعجز البيروقراطية إلى خواء المؤسسات وإضعاف جهود الإصلاح الاقتصادي (المصري)».
ونوه التقرير باستعادة مصر لعلاقتها مع العالم العربي في الثمانينيات وقضائها على «تمرد الإسلاميين»، واتباع إصلاح ليبرالي منذ 2004 رفع معدل النمو إلى 7 لثلاث سنوات متتالية حتى أوقفت أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا من هذا النمو، وشددت رويترز في تقريرها على أن «مصر مثقلة بعبء الزيادة الكبيرة للسكان البالغ عددهم 79 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل العدد إلى الضعفين بحلول عام 2043 اذا استمر معدل النمو الحالي».
كما أشارت الوكالة إلى أن «تفجر حالات التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، أدى لتراجع مفاهيم العيش المشترك الذي استمر بين المصريين طويلا».
برلمان 2010
وإعلاميا رصدت الوكالة في تقريرها أن المشهد الإعلامي المصري أصبح «يتسم بمزيد من الحيوية» ورغم ذلك «فلم يظهر أي منافس قوي للحزب الوطني الديمقراطي وبات من المحتمل في دولة مشغولة بالأمن أن يتحول العجز على صعيد الديمقراطية إلى إفلاس»، مشيرة إلى أن الانتخابات البرلمانية الماضية أسفرت عن «برلمان غير متوازن يكاد يخلو من المعارضة».
وأوضح شادي حميد، المحلل في مركز بروكينجز الدوحة، أن «جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لديها حافز لتنظيم احتجاجات من المرجح أن تلقي ردا حكوميا حادا وهي تعلم أنها لا يمكن أن تعتمد على مساندة الدول الغربية المتوجسة من الإسلام السياسي».
وأضاف أن الجماعة «همها الأول هو البقاء ولا تريد دفع النظام إلى مواجهة شاملة معها. فهي تؤمن بأن التاريخ في صفها وهي مستعدة للانتظار.»
وحسب التقرير فلم يهتم «أغلب المصريين بالإدلاء بأصواتهم في انتخابات الشهر الماضي واستقبل كثيرون النتائج باللامبالاة والسخرية لا باحتجاجات الشوارع. ففي مدينة الإسكندرية مثلا ما أن تستوقف الناس في الشارع حتى يطلعونك دون تردد على ما يشعرون به من إحباط».
وقال محمد عبد الفتاح، وهو نجار عمره 68 عاما «الانتخابات لا تعني شيئا لا في الإسكندرية ولا في مصر. وأضاف «الناس ضاقوا ذرعا بالسياسة. المرشحون يشترون الأصوات بالمال،إنها مافيا كبيرة.»
خلافة مبارك
وحول محور انتخابات الرئاسة المقبلة، أكدت الوكالة أن «خطط مبارك غير معروفة، فإذا خاض انتخابات الرئاسة العام المقبل فسيفوز. أما إذا قرر عدم خوضها أو لم يستطع استكمال فترته الرئاسية فلا يمكن لأحد أن يجزم بشأن من سيتولى الرئاسة بعده».
وعلى الرغم من النفي الرسمي «يعتقد كثير من المصريين أن مبارك أعد ابنه السياسي جمال لخلافته لكن فكرة توارث الحكم لا تروق لكثيرين في نظام جمهوري».
تمر سيارة لبنى محمود، المرسيدس الرمادية اللون من بوابة أمنية لمنطقة «بالم هيلز»، فيحل الهدوء وسط حدائق غناء وقد شارفت الفيللا التي اشترتها في المنطقة قبل خمس سنوات وارتفعت فيها الأسعار ثلاثة أضعاف.
تقول لبنى(45 سنة)، سيدة الأعمال التي تستورد كيماويات لمصانع الطلاء «عندما رأيت هذا المكان كان أشبه بالحلم.» ولا يبعد المكان أكثر من 30 كيلومترا عن وسط القاهرة لكنه وكثير مثله من المشروعات التي باتت تحيط بالمدينة تمثل عالما بعيدا عن ضجيج العاصمة ودخانها وزحامها «أما بالنسبة لغالبية المصريين فقد تكون هذه المشروعات على كوكب آخر» حسب الوكالة.
يتنقل التقرير إلى قرية الدلجمون، شمال القاهرة، حيث تسير عربات “التوك توك” السوداء متخبطة في شوارغ غالبيتها غير مرصوفة، وهي بلدة وصفتها الوكالة بأنها «تتعايش فيها المصانع الصغيرة والورش مع إيقاع الحياة الريفية الأكثر بطئا».
ويقول علي أبو عيسى، الذي يقدم الشاي في استراحة على طريق خارج البلدة :«الأسعار ترتفع بجنون ولا يمكنني ملاحقتها بما أكسبه من مال وبأسرتي الكبيرة.» ولأبي عيسى، الذي تبدو أعوامه السبعة والستين على ملامحه، ثمانية أبناء وهو جندي سابق خاض حروب اليمن و 1967 و1973.
وأضاف «أناشد مبارك مساعدتنا، المسؤولون فاسدون وجشعون. يأخذون كل شيء ولا يتركون لنا إلا الفتات».
وينبه التقرير إلى أن «الفوارق بين الأغنياء والفقراء في مصر تبدو أوسع من أي وقت مضى لكن الحكومة تنفي أنه لم يجن ثمار الإصلاح الاقتصادي إلا قلة مميزة».
وسلم مجدي راضي، المتحدث باسم مجلس الوزراء، بأن تركيا «تفوقت على مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السنوات الست الأخيرة.» وتظهر الأرقام الرسمية أن مصر جذبت استثمارات قدرها 45 مليار دولار في تلك الفترة مقارنة مع 81 مليار دولار بالنسبة لتركيا.
ويقول راضي إن أفضل رقم حققته مصر كان 13 مليار دولار مضيفا أن أعلى ما حققته تركيا وهو 22 مليار دولار في 2007 «وهو رقم كان يحفزها في الوصول إليه طموحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».