دفن جثث الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا جراء العدوان الإسرائيلي في مقبرة جماعية بعد نقلهم من مستشفى الشفاء في مدينة غزة لدفنهم في خانيونس بجنوب القطاع – رويترز
نوفمبر 26, 2023
وصف مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عمليات القصف الإسرائيلي على غزة بأن المدنيين في القطاع «يقتلون بوتيرة تاريخية»، إذ بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي من النساء والأطفال خلال أقل من شهرين بأكثر من ضعف نظرائهم في أوكرانيا بعد عامين من الحرب، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
وأشار المقال الذي نشر أمس السبت إلى أن إسرائيل اعتبرت سقوط المدنيين في غزة «إجراءا مؤسفا ولكن لا مفر منه»، واستشهدت بالخسائر البشرية الفادحة الناجمة عن الحملات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة نفسها في العراق وسوريا، إلا أن مراجعة الصراعات الماضية والمقابلات مع خبراء الأسلحة تشير إلى أن الهجوم الإسرائيلي مختلف.
ورغم أن أعداد القتلى في زمن الحرب لا تكون دقيقة، إلا أن الخبراء يقولون إنه حتى القراءة المدققة لأعداد الضحايا الواردة من غزة تظهر أن وتيرة القتل خلال العدوان الإسرائيلي ليس لها سوابق في هذا القرن.
وأضاف المقال المنشور بالصحيفة الأميركية إن المواطنين يُقتلون في غزة بسرعة أكبر حتى من اللحظات الأكثر دموية للهجمات التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا وأفغانستان، والتي تعرضت هي نفسها لانتقادات واسعة النطاق من قبل جماعات حقوق الإنسان.
وأكد أنه من المستحيل إجراء مقارنات دقيقة لأعداد الضحايا، لكن الخبراء فوجئوا بعدد الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن استشهادهم في غزة، ومعظمهم من النساء والأطفال، والمدى الزمني لسقوطهم.
ولفتت إلى أن بعض الخبراء يقولون إن استخدام إسرائيل المفرط لأسلحة كبيرة جدًا في المناطق الحضرية المزدحمة، بما في ذلك القنابل الأميركية الصنع التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي يمكن أن تسوي برجًا سكنيًا، أمر مثير للدهشة.
وقال المستشار العسكري لمنظمة «باكس» الهولندية ومحلل استخباراتي بارز سابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، مارك جارلاسكو،: «إنه يفوق أي شيء رأيته في حياتي المهنية»، مضيفا أنه «لإيجاد مقارنة تاريخية للعديد من القنابل الكبير على مثل هذه المنطقة الصغيرة (غزة)، قد يتعين علينا العودة إلى فيتنام، أو الحرب العالمية الثانية».
واعتقد المسؤولون العسكريون الأميركيون في كثير من الأحيان أن القنبلة الجوية الأميركية الأكثر شيوعًا، سلاح يبلغ وزنه 500 رطل، كانت كبيرة جدًا بالنسبة لمعظم الأهداف عند قتال تنظيم داعش في المناطق الحضرية مثل الموصل بالعراق والرقة بسوريا.
ويزعم جيش الاحتلال أن شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس، مكّنت الحركة من شن هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتدعي إسرائيل أنها تستخدم «أصغر الذخائر المتاحة» لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من أجل التسبب في «الحد الأدنى من التأثير السلبي على المدنيين».
إلا أن الباحثون يشيرون إلى ما يقرب من 10.000 امرأة وطفل تم الإبلاغ عن استشهادهم في غزة، باعتباره مقياسًا تقريبيًا، ويؤكد مسؤولون وخبراء دوليون مطلعون على الطريقة التي يجمع بها مسؤولو الصحة في غزة الأرقام الإجمالية للضحايا إن تلك الأرقام الإجمالية موثوقة بشكل عام.
واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بسقوط أطفال ونساء وكبار السن في غزة، لكنه إدعى أن العدد المعلن عنه في غزة لا يمكن الوثوق به لأن المنطقة تديرها حماس، دون أن إحصاء خاصا به.
ويقول الباحثون إن وتيرة الضحايا في غزة خلال القصف الإسرائيلي كانت مرتفعة بشكل استثنائي.
تم الإبلاغ عن استشهاد عدد أكبر من النساء والأطفال في غزة في أقل من شهرين، مقارنة بحوالي 7700 مدني تم توثيق مقتلهم على يد القوات الأميركية وحلفائها في العام الأول بأكمله من غزو العراق في عام 2003، وفقًا لتقديرات منظمة «إيراك بودي كاونت»، وهي مجموعة بحثية بريطانية مستقلة.
وبدأ عدد النساء والأطفال الذين استشهدوا في غزة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي الشهر الماضي، يقترب من عدد 12400 مدني تم توثيق مقتلهم على أيدي القوات الأميركية وحلفائها في أفغانستان خلال ما يقرب من 20 عامًا من الحرب، وفقًا للمدير المشارك لمشروع تكاليف الحرب بجامعة براون، نيتا سي كروفورد.
وتستند هذه المقارنات إلى آلاف الوفيات المنسوبة مباشرة إلى قوات التحالف الأميركية على مدى عقود في العراق وسوريا وأفغانستان.
ولكن في حين أن إجمالي عدد القتلى في تلك الحروب كان أكبر كونها استغرقت سنوات، فإن عدد الأشخاص الذين سقطوا في غزة خلال فترة قصيرة جدًا من الزمن أعلى مما كان عليه في الصراعات الأخرى، وفقا لرأي البروفيسور كروفورد، الذي أجرى أبحاثًا مكثفة في الحروب الحديثة.
ففي معركة الموصل، التي استمرت تسعة أشهر، والتي استشهد بها المسؤولون الإسرائيليون على سبيل المقارنة، قُتل ما يقدر بنحو 9000 إلى 11000 مدني على يد جميع أطراف الصراع، بما في ذلك عدة آلاف قتلوا على يد تنظيم داعش، حسبما وجدت وكالة أسوشيتد برس .
وقال محقق الأسلحة السابق في منظمة العفو الدولية، بريان كاستنر، إن القنابل المستخدمة في غزة أكبر من تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة عندما كانت تقاتل داعش في مدن مثل الموصل والرقة، وهي أكثر اتساقاً مع استهداف البنية التحتية تحت الأرض مثل الأنفاق.
وأشارت الصحيفة إلى أن غزة ليست صغيرة فحسب، مقارنة بمناطق الصراع مثل العراق أو أفغانستان أو أوكرانيا، بل إن حدود القطاع مغلقة أيضا مما لا يوفر للمدنيين سوى القليل من الأماكن الآمنة للفرار- إن وجدت.
وتشير تحليلات الأقمار الصناعية إلى أن أكثر من 60 ألف مبنى تضررت أو دمرت في قطاع غزة، بما في ذلك حوالي نصف المباني في شمال غزة.
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أنه في الأسابيع القليلة الماضية، أصبح تسجيل أعداد الضحايا في غزة صعبا بشكل متزايد، لا سيما في ظل تعرض المستشفيات للاستهداف المباشر من قوات الاحتلال، وتوقف جزء كبير من النظام الصحي عن العمل.
«يمثل النساء والأطفال ما يقرب من 70% من أعداد الشهداء في غزة، رغم أن معظم المقاتلين من الرجال، وهي إحصائية غير عادية»، بحسب ما قال مدير الطوارئ الإقليمي لمكتب شرق البحر الأبيض المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية، ريك برينان، في حديث هذا الشهر.
وأضاف برينان أن في الاشتباكات الماضية بين إسرائيل وحماس، كان حوالي 60% من الضحايا المبلغ عنهم في غزة من الرجال.
وفي خطاب ألقاه يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى القصف العرضي لمستشفى للأطفال من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني عندما كان يستهدف مقر الغستابو الألماني في كوبنهاغن عام 1945.
وخلال زيارات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل استشهد المسؤولون الإسرائيليون سراً بالقصف الذري الذي قامت به الولايات المتحدة عام 1945 على هيروشيما وناغازاكي، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص.
إلا أن نيويورك تايمز أكد أن قوانين الحرب الدولية الحديثة تطورت إلى حد كبير ردًا على فظائع الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1949، قننت اتفاقيات جنيف حماية المدنيين أثناء الحرب، إذ لا يحظر القانون الدولي سقوط ضحايا من المدنيين، لكنه ينص على أن الجيوش يجب ألا تستهدف المدنيين بشكل مباشر أو تقصف المناطق المدنية بشكل عشوائي، وأن الأذى العرضي وقتل المدنيين يجب ألا يتجاوز الميزة العسكرية المباشرة التي سيتم اكتسابها.
وفي الأسبوعين الأولين من العدوان، كان ما يقرب من 90% من الذخائر التي أسقطتها إسرائيل على غزة عبارة عن قنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية تزن ما بين 1000 إلى 2000 رطل، وفقًا لمسؤول عسكري أميركي كبير غير مخول بمناقشة الأمر علنًا – بحسب الصحيفة.
في إحدى الحالات الموثقة، استخدمت إسرائيل قنبلتين على الأقل زنة 2000 رطل خلال غارة جوية في 31 أكتوبر/تشرين الأول على جباليا، وهي منطقة مكتظة بالسكان شمال مدينة غزة، مما أدى إلى تسوية المباني بالأرض وإحداث حفر يبلغ عرضها 40 قدمًا، وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه كان يستهدف أحد قادة حماس ومقاتليها، لكنه أقر بأنه كان على علم بوجود مدنيين.
وكانت حماس وإسرائيل قد توصلتا إلى اتفاق حول هدنة مؤقتة تبدأ الجمعة وتستمر 4 أيام وتتضمن عملية لتبادل الأسرى والمحتجزين.