مدى مصر 31 أكتوبر 2023

بعض تجمعات أبناء القبائل قبل فضها
ألقى الجيش والشرطة خلال اﻷيام الماضية القبض على العشرات من أبناء قبيلتي السواركة والرميلات، ممن شاركوا في اعتصام 25 أغسطس الماضي، ووقفة 23 أكتوبر الجاري، للمطالبة بـ«حق العودة» لأراضيهم في رفح والشيخ زويد، في حملة أمنية تضمنت ملاحقة السلطات لآخرين في كمائن العريش والشيخ زويد، بحسب مصدرين من القبيلتين تحدثا لـ«مدى مصر».
الحملة التي بدأت الأسبوع الماضي سبقت زيارة رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لشمال سيناء اليوم، برفقة عدد من الوزراء، وقائد الجيش الثاني، اللواء أركان حرب محمد ربيع، ومؤسس اتحاد قبائل سيناء، رجل الأعمال، إبراهيم العرجاني، والتي أعلن خلالها مدبولي رؤية الدولة لاعادة تسكين الأهالي في رفح والشيخ زويد من خلال دمج القرى وبناء تجمعات تنموية، وهو المشروع المرفوض مجتمعيًا داخل شمال سيناء.
كان أبناء القبائل نظموا في 23 أكتوبر عدة وقفات في رفح والشيخ زويد للمطالبة بالعودة لأراضيهم، وذلك بنهاية مهلة سبق واتفقوا عليها مع مسؤولين بالدولة كان مفترضًا أن يعلن في نهايتها موعد عودتهم ﻷراضيهم، بحسب وعد تلقوه من أجهزة سيادية تفاوضت معهم لإنهاء اعتصام 25 أغسطس، قبل أن يجتمع ممثلو تلك اﻷجهزة مع ممثلي القبائل، بحضور العرجاني، في 10 سبتمبر الماضي، وتؤكد على فتح القرى لعودة ساكنيها في الموعد المتفق عليه، بحسب مصادر من الرميلات والسواركة تحدثت لـ«مدى مصر».
ولجأ أبناء القبائل إلى الوقفات في نهاية أكتوبر بعدما غيّرت الجهات السيادية، ورجل اﻷعمال إبراهيم العرجاني، وعودًا قطعوها لممثلي القبائل في اجتماع 10 سبتمبر، بالسماح بالعودة لكافة القرى خارج المنطقة العازلة، ومنحهم حق ترميم المنازل وبناء أخرى جديدة، مع تكفل الدولة والعرجاني ببناء 100 بيت في كل قرية، كل هذا بالإضافة لانسحاب الجيش إلى حدود المنطقة العازلة الواردة في قرار مجلس الوزراء في 2014، حسبما أوضحت المصادر السابقة.
وأضافت المصادر أن الجهات السيادية نفسها عادت في منتصف أكتوبر وأبلغت ممثلي القبائل أن وعود سبتمبر تغيرت، وأن العودة ستكون لتجمعات تنموية، مع عدم السماح بالبناء أو ترميم المنازل في القرى، والسماح فقط بالزراعة بشكل محدود، بالإضافة إلى بقاء قوات الجيش في أماكنها الحالية، ما يعني زيادة المنطقة التي لن يعود لها الأهالي إلى ثمانية كيلومترات شمال رفح عند قرية أبو شنار ونحو سبعة كيلومترات جنوبًا عند قرية الماسورة، بدلًا من خمسة كيلومترات في القرار اﻷصلي.
إحدى وقفات 23 أكتوبر في رفح تخللها قطع أبناء القبائل للطريق الدولي وإشعالهم النيران في إطارات السيارات ما دفع وحدات من القوات المسلحة لإطلاق الرصاص في الهواء لتفريقهم، قبل أن تلقي القبض على بعض أبناء القبائل، فيما توجهت وحدات أخرى إلى باقي الوقفات في رفح والشيخ زويد وطالبت بإنهائها، وأطلقت بدورها الرصاص في الهواء لتفريق المجتمعين.
عقب تفرق المتجمعين ألقت كمائن عسكرية وشرطية القبض على العشرات منهم، تبع ذلك بحث الكمائن اﻷمنية على مخارج ومداخل الشيخ زويد والعريش عن أشخاص بأعينهم شاركوا في الوقفات، وكذلك سيارات شاركت فيها.
وكان مصدران من الرميلات أكدا لـ«مدى مصر» القبض على 18 شخصًا وقت فض القوات المسلحة لوقفة رفح، وفي الكمائن الأمنية في الشيخ زويد، وهو العدد الذي زاد خلال الأيام التالية بحسب المصدرين، دون أن يتمكنا من تحديد رقم دقيق للمقبوض عليهم.
كما سبق واعتبر أحد منظمى اعتصام أغسطس الماضي، شارك في الوقفة الأخيرة، أن إقدام المتجمهرين على قطع الطرق وإشعال النيران هو أمر غير مقبول، رافضًا في الوقت نفسه قيام أفراد الجيش بإطلاق الرصاص «فوق الرؤوس» على حد تعبيره، واستخدام العنف في القبض على الشباب.
المصدر السابق كان قد حمّل الدولة المسؤولية في تطور الوضع بهذا الشكل، ﻷنها أخرجت الأهالي من القرى والمنازل منذ عشر سنوات في سياق الحرب على الإرهاب، دون أن تسمح لهم بالعودة بعد نهاية تلك الحرب التي شاركت القبائل فيها مع القوات المسلحة، وفقدت العشرات من أبنائها، هذا بخلاف عدم طرح الدولة رؤيتها لتطوير المنطقة، أو آلية رجوع الأهالي إليها، فيما سمحت لمقاولين بإقامة شبكة طرق متشعبة، وللجان من وزارة الزراعة بأخذ عينات من التربة، وسط أنباء عن إقامة مشروعات على اﻷرض بغير علم الأهالي.
أحد أبناء الرميلات ممن حضروا وقفة 23 أكتوبر قال لـ«مدى مصر» إن ضباطًا من القوات المسلحة تواجدوا في سيارات عسكرية منذ بداية التجمع في ذلك اليوم، وقاموا بتصوير المشاركين والسيارات، وذلك قبل حضور الوحدات التي طالبت بإنهاء الوقفة.
وأضاف المصدر أن الكمائن الأمنية بدأت عقب فض الوقفات في استهداف أبناء الرميلات بشكل مباشر، خاصة كمين الشلاق في مدخل الشيخ زويد، حيث يتم الكشف على أبناء القبيلة أمنيًا، ومراجعة أسمائهم بتلك الواردة في القوائم المتواجدة مع أفراد الأمن.
عقب ملاحقة المشاركين في الوقفة بشكل مباشر، وبعد يومين من انتهائها، تطورت عمليات ملاحقة أبناء القبائل وبدأت تطال منظمي الاعتصام السلمي الذي دام لـ48 ساعة في أغسطس الماضي، والمشاركين فيه، الذين ألقت السلطات اﻷمنية القبض على بعض منهم من منازلهم في العريش، فيما قصدت رجال أمن أماكن حكومية يعمل بها البعض اﻵخر، بالإضافة إلى شن حملات على كافيتريات معروف وجود أفراد قبيلتي الرميلات والسواركة فيها بشكل مستمر، حيث يتم تجميع بطاقات الرقم القومي للمتواجدين، والكشف عليها ومقارنتها بالقوائم التي يحملها رجال الأمن، بحسب المصدرين من السواركة والرميلات.
بعد أيام من بدء الحملة الأمنية، وفي العريش، أعلن رئيس الوزراء، اليوم، خطة الدولة لإعادة تسكين أهالي شمال سيناء في المنطقة الحدودية رفح والشيخ زويد والعريش، والتي أطلق عليها «المرحلة الثانية لتنمية شمال سيناء».
وقال مدبولي إن المواطنين الذين اضطروا للخروج من أماكنهم بسبب الإرهاب سوف يعودون لأماكن مخططة تنفذ تحت إشراف الدولة حتى لا تكون المنطقة عشوائية «علشان نقدر نخدم المواطن ونحافظ على أمنه» على حد قوله، كما ستكون الدولة مسؤولة عن إدخال البنية الأساسية للأراضي الزراعية، على أن تٌطرح بعقود حق انتفاع تؤسس للعلاقة بين الدولة والمنتفع.
وفي حين أوضح أن الدولة سوف تنشىء 21 تجمعًا تنمويًا منها ستة في رفح، و11 في الشيخ زويد، وأربعة في العريش، سوف يراعي فيها الطابع البدوي، وضع مدبولي حجر الأساس لثلاثة تجمعات فقط، دون تحديد توقيت الانتهاء منها.
وتواجه فكرة التجمعات التنموية رفضًا مجتمعيًا داخل شمال سيناء، بحسب مصادر قبلية تحدثت في وقتٍ سابق لـ«مدى مصر»، باعتبارها لا تراعي خصوصية الطبيعة البدوية، لاحتوائها على منازل متجاورة، فضلًا عن أن طريقة طرحها تجعلها تنتهي إلى خليط من أفراد من أصول مختلفة، في حين اعتاد السيناوية أن لكل قبيلة أراضٍ يقيم فيها أبنائها، وأخيرًا، لفتت المصادر إلى طرح تلك التجمعات عبر كراسات شروط ونظام تعاقدي أشبه بشقق الإسكان الاجتماعي، ما يعني أن أصحاب اﻷرض الذين أُخرجوا منها سيكون عليهم دفع مقابل مادي للعودة.