
” ان إطلاق الجمل الرنانة هو من خصائص المثقفين البوجوازيين الصغار المتفسخين طبقيا “
( لينين : الصبيانية اليسارية والنزعة البوجوازية الصغيرة )
الناصرية .. تقييم جديد
1- على الرغم من مضي أكثر من ثلاثين عاما على تجربة التنمية الناصرية , إلا أنها لازالت تثير قدرا كبيرا من الجدل والإختلاف داخل الفكر السياسي العربي المعاصر .
ولسوء الحظ فإن معظم الكتابات التي تناولت تجربة التنمية الناصرية كانت محكومة بالأهواء والإنحيازات الأيديولوجية والسياسية .
ويمكن بصفة عامة تقسيم هذه الكتابات الى نوعين أساسيين : الأول , وهي الكتابات التي أنشأها عدد من الذين كانوا بجوار التجربة الناصرية وعملوا , من خلال مواقعهم المختلفة , داخل مؤسسات صنع القرار المختلفة في الدولة الناصرية أو مؤسساتها الحزبية . معظم هذه الكتابات دافعت عن الناصرية بحماس شديد وغلبت على معظمها سرد الإنطباعات والذكريات الشخصية والذاتية . ولعل أهم ما يوجه الى هذه الكتابات من إنتقاد أنها لم تستطع أن تؤسس لفكر نقدي تحليلي ولجوءها لأسلوب الشرح والتعليق على النصوص الناصرية الكلاسيكية , وإعتماد هذه النصوص في الحجاج النظري والرد على الخصوم والمعترضين .
أما النوع الثاني من هذه الكتابات فهي الكتابات التي إنحازت لمواقعها الأيديولوجية , وبشكل خاص الأيديولوجية الماركسية .
2 – لقد أعتمد الماركسيون العرب في محاكمتهم للناصرية على عدد ضخم من المقولات والمفاهيم التي كانت سائدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وقبل إنهيار الكتلة الشيوعية .
لقد ظللت فكرة ” الإشتراكية ” مرتبطة عند كثير من الماركسيين العرب بالتجربة السوفياتية وما صاحبها من تطورات وتغيرات و تشوهات شكلت أسس الحجاج النظري والمحاكمات الفكرية للتجربة الناصرية .
لقد وقف الشيوعيون العرب موقفا ” سلبيا ” بشكل عام من التجربة الناصرية , ودبج معظمهم عشرات المقالات في هجاء الناصرية ” رافعة لواء البورجوازية الصغيرة ” والمتواطئة مع الرأسمالية الجديدة وريثة الطبقة الإقطاعية والأرستقراطية التقليدية .
ولقد زادت حدة هذا الهجوم ” وسلاطته ” بعد نكسة يونيو / حزيران 1967 عندما وفدت الى ساحة الماركسية تيارات فكرية جديدة من أصول فكرية متناقضة ومتضاربة , فحملت ” ماركسيتهم ” طابع التناقض والإضطراب الذي تعيش فيه وتعاني منه . وهكذا عرفت ساحة الفكر الماركسي تلوينات يسارية متجددة من ماوية وجيفارية وتروتسكية .. الى آخره .
وهدفي من هذه الدراسة للتجربة الناصرية هو فتح الحوار مجددا حول ” الفكر الإشتراكي ” ومسائل بناء الإشتراكية ومصاعبها .
هذا الأمر يكتسب , في نظري , أهمية تفوق مسألة الدفاع عن الناصرية أو عبد الناصر . ان التصدي لجبهة الظلام الرجعية أمر يكتسب أهمية قصوى في تقديري , خصوصا بعد أن شرعت هذه القوى في إستخدام آلة الدعاية الرأسمالية بهدف إستئصال جذور الفكر الإشتراكي ومكتسباته في الوطن العربي , مستغلة في هذا الوقائع السياسية والإجتماعية التي صاحبت وتلت إنهيار الكتلة السوفياتية .
ان التشهير بالفكر الإشتراكي والإشتراكيين أصبح عملا يوميا للقوى المناوئة للإشتراكية والتي استطاعت أن تقرن في ذهن الجماهير – من خلال الدعاية المكثفة – ان النظام الإشتراكي لصيق الصلة بالإستبداد السياسي والقمع البدني والتسلط البيروقراطي واتساع نفوذ الدولة البوليسية ومحاصرة الإبداع الإنساني ووأد الحافز الفردي .
ولكن ما تتناساه هذه القوى الرجعية ان البديل الرأسمالي الذي طرحته وقطعت فيه أشواطا كبيرة بعد إنحسار التجربة الناصرية لم يتمخض إلا عن كارثة هيكيلية ألحقت الإقتصادي العربي بالإقتصاد الرأسمالي العالمي وعمقت من علاقات التبعية والتخلف تجاه الغرب من خلال سياسة الإقتراض والإغراق في الديون والإستدانة للإنفاق على الإستهلاك .. فسدت بذلك الطريق أمام الأجيال الجديدة المطالبة بسداد فواتير الديون .
من جهة ثانية تمخضت سياسات ” الخصخصة ” التي إتبعتها عن إهدار كامل للثروة الوطنية بتأثير الفساد الإداري الذي باع شركات القطاع العام بأبخس الأثمان مقابل .
1 – نتائج الخصخصة
2 – الوضع الديمقراطي في العالم العربي
محاولة لفهم الأزمة العالمية للنظام الإشتراكي
1 – في البداية نقول إن كل هذه الفئات ” الإقتصادوية ” و ” اليساروية ” تحاكم الناصرية وفق نموذج مدرسي ” سكولائي ” نظري ومتعسف , لايأخذ في الإعتبار الظروف الموضوعية والذاتية التي تتم فيها تجارب التنمية المستقلة . إن الصعوبات التي تتعرض لها هذه التجارب , والتحديات الضخمة التي تواجهها والسياق التاريخي الذي مرت به تجارب بناء الإشتراكية والمآل المأسوي الذي آلت إليه الكتلة السوفياتية والتعثر الذي تتخبط فيه الصين يجعلنا ننظر للأمور الآن على نحو مختلف .
فمن ناحية أولى لم يعد من الممكن محاكمة أي تجربة إشتراكية وفق مرجعية تاريخية للبناء الإشتراكي كما كان يحدث في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات , عندما كان النموذج السوفياتي أو الصيني الماوي هو أساس المحاكمة النظرية للتجارب الأشتراكية في بلدان العالم الثالث ومنها مصر .
لم يعد مقبولا الآن مقارنة إقتراب أو إبتعاد نموذج تنموي ما من الإشتراكية بما كان يحدث في الإتحاد السوفييتي والكتلة الإشتراكة عموما . هذا النوع من المحاكمات لم يعد مقبولا أو مستساغا الآن بعد السقوط المروع للكتلة الإشتراكية وتحول النموذج الصيني الى نموذج ” رأسمالية الدولية ” .
2 – ومن ناحية ثانية , فإن محاكمة تجارب التنمية وفق لغة الإرقام والمعدلات – كمعيار وحيد على نجاح أو تعثر نهج الإستقلال الوطني – لايعد في رأيي دليلا صالحا بمفرده للإستقصاء والبحث والمحاكمة . إن إنخفاض معدل التنمية أو توقفها مؤقتا لا يعد دليلا على الفشل أو النكوص أو الإرتداد , وإلا إعتبرنا كل تجارب البناء الإشتراكي تجارب فاشلة تاريخيا ومرتدة .
لنأخذ على سبيا المثال التجربة السوفياتية قبل سقوطها , فلقد كشفت سياسة ” البيروسترويكا ” التي أعلنها الزعيم السوفياتي ” جورباتشوف ” في منتصف الثمانينات عن الهبوط المنتظم في معدلات التنمية الإقتصادية في الإتحاد السوفياتي خلال الحقبة ” البريجينفية ” . فقد كان النمو الصناعي في الفترة من 1960-1970 ( 8.45 % ) ليهبط إلى ( 7.42 % ) في الفترة 1971- 1975 , وإستمر في الهبوط خلال الخطة الخمسية إلى ( 5.7 % ) في عام 1977 , ثم وصل إلى ( 4.8 % ) في سنة 1978 . وقد وصل هذا المعدل إلى أقل من الصفر بعد ذلك , كما يقول ” آبل أجانجيان ” أحد مستشاري الرئيس السوفياتي السابق ” جورباتشوف ” , الأمر الذي يعني أن الإتحاد السوفياتي كان يستهلك من مصادر دخله المتراكمة بدلا من تنمية هذه المصادر وزيادتها . ( سلفي بروكان , الدولة والنظام العالمي , المجلة الدولية للعلوم الإجتماعية , العدد 45 – أكتوبر / ديسمبر 1981 , مطبوعات اليونسكو , القاهرة )
ولقد إعترف ” جورباتشوف ” في كتابه ” بيروسترويكا ” هذا قائلا : ” … ان إنخفاض وتائر النمو في الدخل القومي خلال الخطط الثلاث الأخيرة في الإتحاد السوفياتي إلى أكثر من مرتين وهبوط هذه الوتائر إلى مستوى جعل الإتحاد السوفياتي يلامس في الواقع حالة الركود الإقتصادي ” . ( جورباتشوف , بيرسترويكا , دار الفارابي )
نفس هذا السيناريو تكرر بصورة أشد في دول أوروبا الشرقية وفي الصين : ركود إقتصادي , فشل في تحسين في تحسين نوعية الإنتاج في الزراعة , إزدياد الإتجاه نحو الإعتماد على المعونات والقروض والإستثمارات الخارجية , التوترات الإجتماعية والسياسية الحادة … إلى آخره .
4 – إن محاكمة تجربة التنمية الناصرية على المرجعيات التاريخية السابقة لبناء الإشتراكية يضيف إلى رصيد الناصرية ولا ينتقص منها . لسبب بسيط هو قصر مدة التنمية وحداثة عهد تجربة البناء الإشتراكي خلال العهد الناصري والتي لم تتجاوز الخمس سنوات , مقارنة بالتجارب العتيدة لبناء الإشتراكية ( ثلاثة أرباع القرن في الإتحاد السوفياتي , ونصف القرن تقريبا في الصين ) .
ولكن فشل محاولة الإنقلاب التي حاول القيام به بعض قيادات الدولة السوفياتية في يوم 19 اغسطس / آب 1991 ( كان على رأسهم قائد الجيش الأحمر وقائد جهاز المخابرات السوفييتي ” كي جي بي !!) ضد الرئيس الروسي ” جورباتشوف ” أدى الى تسارع الأحداث التي إنتهت بإنهيار الإتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية على النحو الذي نعرفه .
ان سقوط التجربة السوفياتية بعد ثلاثة أرباع القرن من البناء الإشتراكي , وعلى النحو الذي حد به , لم يعد يعطي , في الواقع , أهمية سياسية كبيرة للإنتقادات والمحاكمات النظرية التي كان يقيمها الماركسيون العرب للتجربة الناصرية .
5 – ولكن عدم الإعتداد بهذه الإنتقادات , لا يعني من ناحية أخرى ” إهمال ” هذه الإراء أو التقاعس عن فهم وتحليل أزمة الفكر الإشتراكي مع بداية قرن جديد .
فالناصريون يشكلون – في رأيي – قوة اساسية من قوى الفكر الإشتراكي في الوطن العربي , ويقع على عاتقهم مهمة تحليل أزمة الإشتراكية على المستوى العالمي فضلا عن الحاجة الملحة لتطوير أفكارهم عن الإشتراكية والبناء الإشتراكي من أجل تصور المستقبل .
قبل الرد على إنتقادات وإعتراضات الماركسيين العرب على تجربة البناء الإشتراكي الناصرية ..
كيف يمكن – أولا – تفسير أزمة الفكر الإشتراكي على الصعيد العالمي ؟
الواقع أنه يمكن الإجابة على هذا السؤال ثلاثة عناوين :
1- الإشتراكية وظاهرة التسلط البيروقراطي .
2- الإشتراكية والموقف من الملكية الخاصة .
3- النظام الرأسمالي ومهمة بناء الإشتراكية في بلد واحد .
الإشتراكية وظاهرة التسلط البيروقراطي
6 – الواقع ان دور البيروقراطية بعد إنتصار الإشتراكية هي مسألة لم تتناولها الأدبيات الماركسية التقليدية ولم تتنبأ بها ولم تكن في حسبان ” ماركس ” و ” إنجلز ” حين وضعا مخططهما عن الإشتراكية أو المجتمع الإشتراكي .
ولعل هذه ” المسألة ” تقف وحدها وراء تسعة أعشار الهزيمة التي منيت بها الإشتراكية على الصعيد العالمي.
ان الماركسي الشهير ” إسحق دويتشر ” يشير الى هذا النقص في أفكار ماركس وإنجلز بقوله : ” … من الملاحظات التي خطرت لي وأنا أتصفح بعض النصوص الماركسية الكلاسيكية عن البيروقراطية , الطريقة المتفائلة ” بل والمستخفة ” التي تناول بها الماركسيون تلك الظاهرة . وإذا شئتم أن أضرب لكم مثلا على ذلك فلأشر الى أن ” كارل كاوتسكي ” قد تساءل في أكثر من مرة عما إذا كان هناك داع لأن يتخوف المجتمع الإشتراكي من ظهور آفة البيروقراطية .. ان الطبقة العاملة الحديثة .. لن تسمح .. على حد إفتراض ” كاوتسكي ” .. بأن ترتفع فوقها وتتعالى عليها بيروقراطية من البيروقراطيات .. ولم يكن هذا رأيا شخصيا أبداه ” كاوتسكي ” الذي كان يعد على مدى أكثر من عشرين عاما – – بين وفاة إنجلز وإندلاع الحرب العالمية الأولى – أنبغ شارح للماركسية وخليفة ماركس وإنجلز .. بل إن ” إنجلز ” نفسه في كتاباته المتنوعة ولاسيما ” ضد دوهرينج ” يلزم نفسه برؤية تستبعد مسبقا إحتمال وجود البيروقراطية في ظل الدولة الإشتراكية “
( أسحاق دويتشر , الإنسان الإشتراكي , ترجمة جورج طرابيشي , دار الآداب , بيروت , ص114 ) .
ان ” دويتشر ” يتهم هنا صراحة الرواد الأوائل للإشتراكية : ماركس ..إنجلز .. كاوتسكي , بالإستخفاف بظاهرة البيروقراطية وعدم التقدير لخطورتها على تطور النظام الإشتراكي .. ولكن ماذا عن لينين ؟
موقف لينين من البيروقراطية
7 – هنا أيضا لايعفي ” دويتشر ” المؤسس الأول للإشتراكية ” لينين ” من هذا ” الإستخفاف ” من خطورة البيروقراطية !!
يقول دويتشر : ” … ليس من قبيل الصدفة البحتة أن يكون ” لينين ” , وقبل أسابيع قليلة من ثورة أكتوبر , قد بذل جهدا خاصا لإعادة العمل بذلك الجزء من التعاليم الماركسية المتعلق بالدولة الإشتراكية والبيروقراطية والذي كان منسيا وقتئذ عمليا . وقد عبر ( اي لينين ) عن تصوره للدولة في ظل المقولة الشهيرة : ان الإدارة ستصبح في ظل الإشتراكية , بل حتى في ظل ديكتاتورية الطبقة العاملة , امرا في منتهى البساطة حتى أنه لن يصعب على أي طباخ ( طاه ) أن يصرف أمور الدولة ” !!!! ( دويتشر , ص146 )
ويعقب ” دوئيتشر ” على هذه الصورة الكاريكاتورية التي رسمها ” لينين ” لإدارة الدولة الإشتراكية بقوله : ” .. وما أسهل علينا الآن , وعلى ضوء التجربة الشاقة في العقود الأخيرة , ان نقدر الى أي مدى إستهان ممثلو الماركسية الكلاسيكية بمشكلة اللبيروقراطية ” ( دويتشر , الإنسان الإشتراكي , ص146 ) .
ثم يضيف ” دويتشر ” الى هذا التحليل , النتائج الكارثية التي نتجت عن هذا ” الإستخفاف ” بمسألة البيروقراطية , فنراه في كتاب آخر بعنوان ” الثورة لم تتم ” يقول عن البيروقراطية التي نشأت في ظل الدولة السوفياتية : ” … ان الفئات العليا من البيروقراطية ومن الجهاز الإداري والعسكري والمديرين والإداريين الكبار هم وحدهم الذين يتمتعون بشروط للحياة يمكن مقارنتها مع شروط حياة الأغنياء والأثرياء في المجتمع الرأسمالي .. ليس في الإمكان إجراء تحديد دقيق لأهمية هذه الجماعات المحظوظة طالما ان المعطيات الإحصائية عن عددهم وعن مداخيلهم مكتومة بكل عناية كما أسلفت .. ان ما تشترك فيه هذه الجماعات مع كل طبقة مستغلة – وانا استخدم هنا هذا الإصطلاح بمعناه الماركسي – هو أن مداخيلهم تأتي وبصورة جزئية على الأقل من ” القيمة الفائضة ” التي ينتجها العمال .. وفضلا عن ذلك فإنهم يسيطرون على المجتمع السوفييتي إقتصاديا وثقافيا وسياسيا .. بيد أن ما تفتقر اليه هذه ” الطبقة الجديدة ” ( المزدوجات من عندنا ) هو الملكية .. فأفرادها لا يملكون أرضا ولا وسائل للإنتاج .. وإمتيازاتهم المادية لا تتجاوز ميدان الإستهلاك ” . ( اسحاق دويتشر , الثورة لم تتم , دار دمشق للطباعة والنشر , ترجمة فؤاد أيوب ) .
8 – ان ما كتبه ” دويتشر في نقد التجربة السوفياتية يشيه تماما ما كتبه ” غالي شكري ” عن التجربة الناصرية حيث نراه يقول : ” … ان التحالف العضوي واحيانا االمقصود وأحيانا الإضطراري , بين ” التشريع الرأسمالي ” ( المزدوجات من عندنا ) وأسلوب التنفيذ البيروقراطي والبوليسي الذي إستهدف إبعاد الرقابة الشعبية المباشرة , كان هو آداة التحالف بين الفئات المهيمنة على السلطة الناصرية سواء من داخلها أو خارجها , من أصدقائها وأعدائها على السواء .. فقد تشابكت العلاقات الإقتصادية والإجتماعية وكذلك إرتبطت المصالح السياسية بين بيروقراطية القطاع العام ومقاولي القطاع الخاص والجناح العسكري الذي ذاب في الحياة المدنية , على حد تعبير عبد الناصر نفسه , وبقايا الطبقات القديمة والسماسرة والمرابين … كان ذلك المناخ الناصري , ان شئنا التعبير الدقيق ” والموضوعية والأمانة ” ( المزدوجات من عند غالي شكري ) هو مقدمات إنقلاب مايو 1971 .. كان عام 1965 بداية النهاية التي أقبلت عام 1967 … ولكن الشخصية التاريخية التي يتمتع بها عبد الناصر أخرت موعد التسجيل الرسمي ثلاث سنوات , فبرحيله المباغت , كان الإنقلاب قد ولد , وهو ” إنقلاب شرعي ” ( المزدوجات من عند غالي شكري ) أي أنه مفارقة تاريخية سببها المفارقة الجرثومة في دم النظام الناصري ” ( غالي شكري , مصدر سابق ص 207 ) .
وبعيدا عن ” المبالغات اللفظية ” في سطور ” غالي شكري ” , فإنه لايحق للماركسيين العرب ” إدانة ” التجربة الناصرية بالتسلط البيروقراطي في الوقت الذي كانوا ” يهللون ” للنموذج السوفييتي بإعتباره نموذجا طاهرا نقيا ويشكل ” المرجعية الوحيدة ” تاريخيا في محاكمة تجارب العالم الثالث في البناء الإشتراكي.
ورغم هذا ستظل مسألة البيروقراطية وخطرها على الإشتراكية أمرا غائما في الفكر الإشتراكي بصفة عامة ويحتاج الى مزيد من الإجتهاد والتحليل .
ظاهرة التسلط البيروقراطي
9 – دأبت الماركسية العربية على رد ظاهرة التسلط البيروقراطي لشخصية ” عبد الناصر ” نفسه ونفوره الشخصي من التعدد الحزبي وعدم رغبته في أي نوع من أنواع المشاركة الشعبية أو السياسية.
هذا التفسير يشبه تماما التفسير الذي قدمته بعض الفئات الماركسية لتفسير ظاهرة التسلط البيروقراطي أو ما سمي بالدولة ” الستالينية ” .
وربما آن الآوان الآن – في ضوء التجربة التاريخية للنظام الإشتراكي العالمي – لتفنيد بعض الأوهام الأيديولوجية التي دارت ولازالت تدور في ذهن بعض القطاعات الفكرية التي تنظر لمشكلة البيروقراطية لايخلو من التبسيط و الإبتذال .
اذا أخذنا – على سبيل المثال – التفسير ” الماركسي التقليدي ” الذي تقدمه هذه الفئات لظاهرة التسلط البيروقراطي سنجدها قد إعتمدت تفسيرا يعزوها الى ” إنحرافات ذاتية ” في شخصية ” ستالين ” .
ولقد شاع هذا التفسير بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الروسي الذي أطلق على هذه الظاهرة اسم ” الستالينية ” .
الواقع ان هذا التفسير لايمت للماركسية أوالمادية التاريخية بحال من الأحوال .. لماذا ؟
لأنه تفسير يحيل ما هو ” موضوعي ” ( اي ظهور وسيطرة البيروقراطية على الدولة وأدوات الإنتاج ) الى ما هو ” ذاتي ” ( أي شخصية ستالين ) .
أنه تفسير يعطي أولوية لما هو ذاتي , ويحول الموضوعي الى تابع له . أنه تفسير يضرب المادية التاريخية والماركسية في الصميم , إذ يعترف بصعيد من التحول السياسي والإجتماعي لا يستند على أساس من البناء الإقتصادي أوعلاقات الإنتاج .
انه من باب أولى , تفسير ” سيكولوجي ” لا تشمله المادية التاريخية الكلاسيكية بكثير من العطف !!
هذا من ناحية .
من ناحية ثانية فإن هذا التبرير كان تبريرا ناجحا للبيروقراطية السوفياتية التي حاولت إالقاء كل التهمة على شخصية ” ستالين ” المنحرفة لكي تبرئ نفسها من المشاركة في ما تم من جرائم أثناء حكم ” ستالين ” .. ولكن هذا التبرير لا يفسر لنا استمرار ظاهرة التسلط البيروقراطي بعد وفاة ستالين وبعد ذهاب ” خروتشوف ” أوبعد موت ” بريجنيف ” … ثم يقاءها حتى إعلان وفاة الدولة السوفياتية على يد ” جورباتشوف ” .
فرغم الإدانات المستمرة لكل لظاهرة البيروقراطية , إلا أن البيروقراطية الروسية إستمرت المحرك الظاهر والخفي للسياسة السوفياتية والمتسلط الوحيد على القرار داخل الدولة السوفياتية وبعيدا عن الطبقة العاملة التي كانت تحكم بإسمها نظريا !!
10- المفهوم الماركسي التقليدي يحاول الإفلات من هذا الإحراج بالقول أن ظاهرة التسلط البيروقراطي تعود الى الأوضاع التاريخية الإستثنائية التي قامت فيها الثورة الروسية . فروسيا كانت بلدا متخلفا من جميع الوجوه .. مجتمع إقطاعي قبل رأسمالي .. هياكلها الإنتاجية شديدة التخلف .. وطبقة العمال الشيوعيين كانت قد هلكت أثناء الحرب الأهلية في السنوات الأولى للثورة .. كما أن الثورة الإشتراكية لم تنتصر في الدول الغربية المتقدمة .. بل أن هذه الدول الغربية ذاتها كانت تطوق الثورة الروسية الوليدة .. بالإضافة الى وجود أعداء للثورة الروسية في داخل روسيا ذاتها .. الى آخره
كل هذا يبرر – لدى الماركسيين التقليديين . أن تحل بيروقراطية الدولة والحزب ” مؤقتا ” محل الطبقة العاملة في ممارسة السلطة .
ولكن هذا التبرير , لايفسر بقاء البيروقراطية مسيطرة على زمام الدولة السوفياتية رغم التطور المذهل الذي شهدته قوى الإنتاج والطبقة العاملة في النصف الثاني من القرن العشرين , وعلى الرغم من المحاولات العديدة لخلعها من السلطة , خصوصا بعد المؤتمر العشرين عام 1956 الذي أدان ” الستالينية ” .
11 – ان ظهور حركات المنشقين في الإتحاد السوفييتي ( قبل إنهياره ) , كذلك الإنتفاضات العنيفة التي شهدتها المجر عام 1956 , وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 ثم بولندا في الثمانينات , يجعل من تفسير ظاهرة التسلط البيروقراطي بالتخلف في قوى الإنتاج , أمرا غير مقبول . ففي هذه البلدان مجتمعة كانت البنى الإنتاجية متطورة وكانت الطبقة العاملة على درجة متقدمة من الوعي الطبقي ( مقارنة بروسيا القيصرية ) .
نفس الشيئ يمكن قوله عن ” التجربة الصينية ” التي عانت بدورها من التسلط البيروقراطي رغم الجهود الصادقة التي بذلها الزعيم الصيني ” ماوتسي تونج ” للحيلولة دون ظهور طبقة بيروقراطية حاكمة فيما سمي ” بالثورة الثقافية ” خلال أعوام الستينات .
ورغم التغيرات الإجتماعية والإقتصادية والهيكيلية المختلفة التي شهدتها الصين في السنوات الأخيرة , إلا أن سيطرة البيروقراطية على زمام الأمور ليست محل شك حتى هذه اللحظة .
12 – من ناحية أخرى لايمكن رد ظاهرة التسلط البيروقراطي التي شهدتها روسيا للتطويق الرأسمالي الذي واجهته الثورة الروسية عند قيامها . فلقد كانت النظم الإشتراكية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية تتمتع بدعم إقتصادي ضخم من الإتحاد السوفييتي , فضلا عن الحماية العسكرية التي وفرها هذا الأخير لهذه البلدان من خلال حلف ” وارسو ” .
فضلا عن أن هذا التفسير لا ينتمي للمفاهيم الماركسية للمادية التاريخية , إذ أنه يحيل الظاهرة الى عوامل ” خارجية ” عن المجتمع الإشتراكي ذاته وعن الصراعات الطبقية ” الداخلية ” وإرتباطها بقوى وأدوات الإنتاج الإجتماعية .
أخيرا .. فإن تبرير ظهور البيروقراطية وتسلطها على الدولة والمجتمع في ظل الإشتراكية بالتطويق الرأسمالي لا يفسر لنا كيف كانت توجه البيروقراطية أنيابها ومخالبها إلى أفضل العناصر الماركسية والإشتراكية التي كانت تجبر في محاكمات صورية على الإعتراف بالتجسس وخيانة الثورة الإشتراكية .
ان رد الإعتبار لهؤلاء المناضلين بعد إدانة ” الستالينية ” عام 1956 , لم يكن يعني إنتهاء سقوط ضحايا جدد للبيروقراطية . ان ” ستالين ” لم يلجأ على سبيل المثال الى إجتياح ” يوغسلافيا ” في خضم عداءه ” للتيتوية ” .. وهو ما حدث عندما إجتاحت الزمرة التي كانت حاكمة في روسيا ” تشيكوسلوفاكيا ” عام 1968 أو كما حدث عندما هددت بإجتياح بولندا وإخماد ثورة عمال ” نقابة تضامن ” في الثمانينات من القرن العشرين .
بيروقراطية الدولة الناصرية
13 – في ضوء ما سبق , نعلم ان ظهور ” البيروقراطية ” في ظل الإشتراكية , وإتساع سيطرتها السياسية والإدارية كان ” قانونا عاما ” ملحوظا في كل التجارب الإشتراكية التي إعتمدت أسلوب التخطيط المركزي .
بالقطع لا يمكن الدفاع عن ” البيروقرطية الناصرية ” بإحالتها على تجارب البناء الإشتراكي الأخرى . ولكن كان قصدنا – فيما سبق – التدليل على الصعوبة الشديدة التي تتطلبها عملية تفسير تلازم ظاهرة البيروقراطية مع عملية البناء الإشتراكي .
ولعل من أهم الإنتقادات و ” الإتهامات ” التي وجهت للتجربة الناصرية , هي تلك المتعلقة بدور البيروقراطية في تجربة التنمية الناصرية وبشكل خاص ما يتعلق بكفاءة هذه البيروقراطية وقدرتها على إدارة الإقتصاد الوطني .
ففي الوقت الذي كانت تروج قوى اليمين الى إتهام مفاده أن إدارة القطاع العام كانت تهيمن عليه , بشكل أساسي , قطاعات من العسكريين عديمي الكفاءة والموهبة عملوا على نهب وتخريب الإقتصاد القومي .
في الجهة الأخرى روجت بعض ” الفئات الماركسية ” لنفس النغمة ولكن بألفاظ أخرى .
نأخذ على سبيل المثال ما كتبه الإقتصادي الماركسي ” الدكتور محمد دويدار في كتابه ” الإقتصاد المصري بين التخلف والتطوير , حيث نراه ا يقول عن قطاع الدولة الناصري أنه كان : ” شكلا تنظيميا يتم من خلاله … تراكم رأس المال الفردي وبخاصة رأس المال التجاري في المقام الأول , ورأس المال الصناعي في المقام الثاني.. لذلك بقي الطابع العام للإقتصاد القومي متميزا بغلبة السيطرة الفعلية للملكية الخاصة الفردية على وسائل الإنتاج .. وظل نمط إدارة قطاع الدولة في مصر هو من نمط الإدارة الخاص من خلال الدولة , لأن السيطرة الفعلية كانت في يد فئات إجتماعية محددة من غير طبقات المنتجين المباشرين – أي العمال والفلاحين – وقد أدى الأمر الأمر في النهاية إلى سيطرة طائفة من ” الريعيين ” على إدارة وحدات الدولة , وهذا النمط يتميز بإنعدام كفاءة “الريعيين” في الإدارة ” .( د. محمد دويدار , الإقتصاد المصري بين التخلف والتطور )
14 – الى أي حد يمكن الإطمئنان الى هذه الآراء التي يذهب اليها ” دويدار ” وقائمة طويلة من الماركسيين العرب ؟ إلى أي حد يمكن الإتفاق مع الرأي القائل بإنحطاط كفاءة بيروقراطية الدولة الناصرية وعدم كفاءتها؟ ما هو الدور الحقيقي الذي لعبه العسكريون داخل تركيبة البيروقراطية الناصرية ؟ هل إستطاع النظام الناصري تطوير بيروقراطية الدولة المصرية العتيدة ؟ وفي النهاية : ألى أي حد يمكن إعتبار ” البيروقراطية” هي ” الشر المطلق ” ؟
من المفيد قبل أن نجيب على هذه التساؤلات , أن نذكر هذا الحوار الذي دار بين الرئيس عبد الناصر والصحفي السوفييتي ” فيكتور مايفسكي ” عندما سأله هذا الأخير السؤال التالي : ” لقد دخلت الثورة مرحلتها الثانية .. مرحلة الإشتراكية في التطبيق .. فإلى من تستند الحكومة في بناء هذه الإشتراكية ؟ الى البورجوازية .. أم الى الشغيلة ؟
وكانت إجابة الرئيس عبد الناصر هي : ” ينبغي أن نأخذ بعين الإعتبار ان حركة العمال في بلادنا لم تكن قوية في أي وقت من الأوقات .. أما الفلاحون فكانوا في وضع صعب وأكثرهم أميون .. أما المثقفون فمرتبطون – الى حد كبير بالطبقة التي يخدمونها … ” ( ياسين الحافظ , دراسة تحليلية لنظام عبد الناصر , في الفكر السياسي , العدد2 , دار دمشق للطباعة والنشر , طبعة أولى 1963 ) .
في هذا الحوار ” يعترف ” عبد الناصر بأن إشتراكية الثورة المصرية كانت لاتزال مفرغة من عنصرها الإنساني الشعبي .. أي من العمال والفلاحين . أنها إجابته توضح , على الأقل , الصعوبات التي تواجه عبد الناصر في تحقيق مشروعه الإشتراكي .
ولكن يحق للبعض أن يتساءل هنا : ألم يكن ممكنا , إذا , خلال الحقبة الناصرية الطويلة , نسبيا , بناء حركة عمالية وفلاحية تتولى عملية البناء الإشتراكي وتقضي على البيروقراطية المهيمنة على جهازي السلطة والإدارة الإقتصادية ؟
ونحن نجيب : وهل نجحت تجارب البناء الإشتراكي – الأطول عمرا بكثير من الناصرية – في إنجاز هذا الهدف ؟!!!!
ولكن هنا أيضا يمكن أن يثور إعتراض منطقي ومقبول : ما علاقة ما حدث في الدول الإشتراكية بما حدث في التجربة الناصرية ؟ وهل يعتبر ما حدث في هذه البلدان ” نبريرا : لما حدث في مصر أو ” نبرئة : للبيروقراطية الناصرية ؟
15 – الإجابة على هذا ” الإعتراض ” تقتضي دراسة تركيبة البيروقراطية الناصرية ومدى الجهد الذي بذله النظام الناصري لتطوير أداء جهاز الدولة المصرية ورفع كفاءة كوادرها الفنية والإدارية , وإلحاقها بالمكشروع الوطني والقومي الذي كانت تقوده في الوطن العربي .
مثلا …. ؟!!!
نجح النظام الناصري – مثلا – في إجراء تحولات بالغة العمق في تركيبة البيروقراطية المصرية بعد 1952.
ففي ظل الثورة فقدت ” الطبقة القديمة ” التي كانت تملك الأرض وكذلك فئات المهنيين ورجال الأعمال والقانونيين والمتعلمين المنحدرين من أصول أرستقراطية , نفوذهم السياسي وتفوقهم الإجتماعي لصالح نخبة جديدة بدأت في التشكل حول النظام الثوري الجديد , وضمت بصفة رئيسية مجموعات من المديرين المتخصصين والتكنوقراط والضباط .
مثلا .. كانت البيروقراطية المصرية توظف ما يقرب من ثلثي الخريجين في البلاد , وقد بلغت نسبة القادة الإداريين في القطاع العام من خريجي الجامعة 94 في المائة ( عادل حسين , عبد الناصر والنظام الإقتصادي , المستقبل العربي , عدد 35 , يناير 1982 ) .
المهم في هذه المسألة , أن الغالبية العظمى من تركيبة البيروقراطية المصرية كانت لفئات ” التكنوقراط ” اي الفئات المؤهلة فنيا . مثلا كان جميع المهندسين , تقريبا , من أصحاب التوظف الحكومي أو القطاع العام سنة ( 1968 ) . وكان توزيع هؤلاء كالآتي : ( 34 % ) بالشركات العامة , ( 22 % ) بالوزارات , ( 19 % ) بالهيئات العامة , ( 10 % ) بالمؤسسات العامة , ( 8 % ) بالجامعات والمعاهد , ( 7 % ) بالمحافظات .
كذلك كان ( 99.8 % ) من جميع العلميين , وحوالي ( 95 % ) من جميع المهندسين الزراعيين , ( 87.6 % ) من جميع الأطباء , يعملون بالقطاع العام .
وبالمقارنة بذلك , لم يكن يعمل بالوظائف الحكومية والعامة سوى ثلثي خريجي الحقوق , وهي الفئة التي كان لها أهميتها التقليدية في قيادة بيروقراطية الدولة المصرية قبل ثورة 1952 .
لقد ساعدت سياسة مجانية التعليم الجامعي والفني والتوسع في سياسة البعثات الخارجية المتخصصة وضمان هذه الحقوق لأبناء الطبقات الشعبية على مد البيروقراطية المصرية بعناصر جديدة مؤهلة لإدارة جهاز الدولة الجديد .. وكانت قبل كل شيئ وبعده مختلفة في أصولها الطبقية عما كان سائدا قبل الثورة .
قيادة البيروقراطية الناصرية
16 – هنا يثور سؤال : هل دخول العناصر الجديدة من التقنيين والإداريين الى جهاز البيروقراطية الناصرية يعني أنها كانت تحتل المواقع ” القيادية ” في جهاز الدولة ؟
وهل صحيح أن الهيمنة الحقيقية داخل جهاز الدولة الناصرية ومؤسساتها الإقتصادية ظل في يد الطاقم العسكري ؟
الأجابة على هذا السؤال تقتضي مناقشة المستوى الأهم في تركيبة البيروقراطية .. أي مستوى القيادة الإدارية:
توضح الأرقام التي تحتويها دراسة دكتور ” نزيه الأيوبي ” والتي كانت بعنوان ( تطور النظام السياسي والإداري في مصر من 1952 – 1970 , كتاب مصر في ربع قرن 1952-1970, معهد الإنماء العربي , بيروت ) , وهي الدراسة الأكثر إكتمالا حول هذا الموضوع .
توضح هذه الدراسة أن الفئات التي تربعت على قمة البيروقراطية المصرية في جهاز الدولة والقطاع العام , كانت بشكل أساسي من الإقتصاديين ( بما فيهم التجاريين ) ثم المهندسين ( بما فيهم التطبيقيين ) .
ويوضح جدول توزيع ” القيادات الإدارية ” سنة 1967 ( قبل نكسة يونيو / حزيران ) , وإبتداء من قمة البيروقراطية العامة وحتى الدرجة الثالثة بحسب المجموعات التخصصية المتجانسة , الحقائق التالية :
أولا : أن هناك سيطرة واضحة للإقتصاديين والمهندسين , إذ مثلوا قرابة النصف ( 46 % ) يليهم رجال التعليم ( 10 % ) فالزراعيون ( 9 % ) والأطباء ( 5 % ) ثم الأزهر ( 3 % ) ويليهم العسكريون ( 2 % ) المؤهلات المتوسطة ( 8 % ) .
ثانيا : توضح الدراسة أن العسكريين لم يكونوا يحتلون سوى المكانة السابعة في جدول النخبة القيادية وبنسبة ( 2 % ) فقط وتزداد نسبتهم قليلا لو أننا أضفنا إليهم ضباط الشرطة !!!!!!!
ثالثا لايظهر في هذه الجدول فئة الحقوقيين , وهي الفئة التي كان لها أهميتها التقليدية في تركيبة البيروقراطية قبل الثورة .
وإن كانت بيانات أخرى للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة سنة ( 1968 ) توضح أنه من بين رجال الإدارة العليا ( الدرجة الأولى فما أعلى بما في ذلك الكادرات الخاصة ) , كان الحقوقين يمثلون المكانة الأولى ( 2%) , ثم تليهم المجموعة الهندسية والفنية ( 23.8 % ) ثم المجموعة التجارية والإقتصادية ( 21.1 % ) . أي أن المجموعة الفنية الإدارية ( التكنوقراط والبيروقراط ) تحتل ما يقرب من 45 % في المائة من قمة الهرم البيروقراطي .
اما المجموعة العسكرية فكانت تحتل أيضا المركز السابع وفق هذه الإحصاءات الأخيرة ولكن بنسبة ( 4.5 % ) .
ولعل السبب في إرتفاع نسبة الحقوقيين في إحصاءات التنظيم والإدارة هو كون هذه الفئة تحتل نسبة ( 67.5 % ) من الوظائف العليا بالكادرات الخاصة ( أي القضاء والخارجية ) , وهو ما يفسر تواجدهم في بيانات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة .
17 – من جهة أخرى توضح إحصاءات جهاز التنظيم والإدارة في أواخر السنينات أن ما لايقل عن نصف أعضاء مجالس الإدارات في القطاع العام , وربع شاغلي الدرجة الاولى في الجهاز الحكومي , كانوا من خريجي الكليات الهندسية التقنية , مما يؤكد تفوق فئة المهندسين عدديا على فئة الإقتصاديين من حيث نسبتهم في قمة الإدارة العليا وخاصة القطاع العام .
ولقد إستمر هذا الإتجاه في أوائل السبعينات , حجيث توضح الأرقام أن نسبة المهندسين قد إرتفعت لتصل الى حوالي النصف من شاغلي الدرجة الممتازة ( 49.6 % ) وحوالي ( 40.4 % ) من شاغلي الدرجة العليا في القطاع العام .
والأكثر من هذا أن المهندسين كانوا ممثلين في معظم المنظمات . ويوضح دليل صدر عام 1973 أن من بين ( 275 ) هيئة ومؤسسة وشركة عامة قائمة في مجالات الصناعة والتعدين والطاقة والنقل والإنشاءات , كان المهندسون ممثلين بدرجة أو بأخرى في ( 88 % ) من مجالس الإدارات . ( د . نزيه الأيوبي , تطور النظام السياسي والإداري في مصر من 1952 – 1970 , كتاب مصر في ربع قرن 1952-1970, معهد الإنماء العربي , بيروت , ص 92 – 97 ) .
إعادة تركيب الصورة
18 – نستطيع أن نستشف من الأرقام السابقة الملاحظات التالية :
أولا : أن قوانين التطهير التي صدرت عام 1952 أدت الى طرد حوالي نصف القيادات الإدارية العليا في جهاز الدولة المصرية , وتناولت هذه التطهيرات الوظائف العليا المتصلة بالأمن والجيش والشرطة والسياسة ووزارة الخارجية .
ثانيا : تزايد نسبة الفنيين والتقنيين والإداريين والإقتصاديين في قمة البيروقراطية المصرية وحلولها محل القيادات البيروقراطية التقليدية و وهو أمر يفند بشكل كبير ” الوهم الدعائي ” عن إنحطاط كفاءة البيروقراطية الناصرية .
ثالثا أن نسبة العسكريين لم تزد , بحال من الأحوال , عن نسبة ( 4.5 % ) وإحتلالهم المركز السابع في قمة البيروقراطية الناصرية .
وينبغي أن نذكر هنا أن نفوذ فئة العسكريين كان قد تقلص بشكل كبير بعد هزيمة يونيو / حزيران 1967 ’ بعد إقصاء المؤسسة العسكرية عن صنع القرار السياسي وإنتهاج النظام الناصري سيسة جديدة للإصلاح الإقتصادي وتطوير القطاع العام لمواءمة أهداف الحرب وإزالة آثار العدوان .
الأصول الإجتماعية للبيروقراطية الناصرية
18 – هنا يثور ” إعتراض ” جديد يقول : هل يمكن إعتبار كفاءة النخبة البيروقراطية , دليلا على إخلاص هذه النخبة للأهداف الإشتراكية .. وهل يمكن إعتبارذلك مقياسا صالحا للحكم على إنحيازاتها الطبقية والأيديولوجية .. وإلى أي حد إرتبطت النخبة البيروقراطية الجديدة بالمشروع الناصري ؟
ونحن نجيب بالآتي :
بالفعل .. لقد قيل كلام كثير عن النخبة البيروقراطية للدولة الناصرية وعن أسلوبها وتطلعاتها وأساليبها , ولكن الإجابة على كل هذه الأسئلة يقتضي – أولا – دراسة التركيب الطبقي للنخبة البيروقراطية الجديدة وأصولها الإجتماعية لمعرفة شكل التغير الحاصل في تركيبة النخبة الجديدة ووعيها .
يذكر ” نزيه الأيوبي ” في دراسته المهمة أن النسبة الكبرى من مديري القطاع العام لم يبدأوا حياتهم الوظيفية كرجال أعمال ” بورجوازيين ” . ذلك أن ( 8 % ) منهم فقط هم الذين كانوا ينتمون لهذه الطبقة .
ويرصد ” الأيوبي ” في هذا الصدد متغيرين هامين في تركيب النخبة البيروقراطية الجديدة :
أولهما , إنخفاض نسبة القادة الإداريين من أبناء ملاك الأراضي .
وثانيهما , إرتفاع نسبة أبناء رجال الأعمال والمهنيين والإداريين من غير العاملين في الحكومة .
أما من حيث الأصول الطبقية , فإن ” نزيه الأيوبي ” يأخذ على النخبة الجدية أنها جاءت من أصول شبيهة بالأصول التي جاء منها قادة البيروقراطية القديمة : أي رجال الأعمال والمهنيين من القضاة وكادرات السلك الدديبلوماس والإداريين غير العاملين في الحكومة . أي ان القادة الجدد جاؤوا من أباء ينتمون للقطاعات الوسطى والعليا في المجتمع . أي أن نسبة من صعدوا سلم الحراك الإجتماعي لم يتعد نسبة عشرة في المائة من جملة القادة الإداريين الجدد .
19 – للرد على هذه الإعتراض ينبغي لي أن أسارع بالقول انني لست من الذين يعتقدون أن الإنحياز الإجتماعي أو الأيديولوجي ليس محض ” ميراث ” عائلي أو طبقي يتناقله الأبناء عن الاباء كما يتناقلون الصفات الوراثية في خلاياهم . فالشرائح العليا والوسطى من الطبقة البورجوازية كانت مصدرا لتسعة أعشار المثقفين الثوريين : ماركس .. إنجلز.. لينين .. ماوتسي تونج .. كاسترو .. جيفارا.. عبد الناصر .
وبالتالي فإن الحكم على إنحيازات النخبة البيروقراطية الجديدة من خلال تتبع أصولها الطبقية أو مهن الأباء , لايصلح كمعيار موضوعي في محاكمة البيروقراطية الناصرية .
20 – أنه حتى مع إفتراض القبول بهذا المعيار لمحاكمة توجهات النخب البيروقراطية وتوجهاتها , فإن ذلك يشمل كل تجارب البناء الإشتراكي ولايقتصر على البيروقراطية الناصرية وحدها .
ان الثورة الروسية إضطرت للإستعانة بهذه الشرائح ” البورجوازية ” لتسيير الإقتصاد الإشتراكي في المراحل الإنتقالية الأولى . فلقد سوغ ” لينين ” في رده على ” الصبيانية اليسارية ونزعة البورجوازية الصغيرة ” إ ستخدام ما أسماهم ” الإختصاصيين الرأسماليين ” في قيادة ( نعم قيادة ) السلطة السوفياتية لكي يقوموا بوظائف تنفيذية , وهي لاتعهد لهم بالقيادة بوصفهم رأسماليين , بل بوصفهم اختصاصيين فنيين أو منظمين , وهي تعهد لهم هذه الوظائف لقاء أجور عالية لو إقتضى الأمر كما قال ” لينين ” , الذي سخر في نفس الوقت من الشيوعيين اليساريين الذين هاجموا هذه السياسة وإعتبر أن هجومهم لا يساوي ” درهما” .
خاتمة الفصل
21 – البيروقراطية , إذا , هي الشر الذي لابد منه , كما يفهم من إجابة ” لينين ” . أو بالأحرى , هي ” الشر الذي لاغنى ” عنه في المراحل الأولى لبناء الإشتراكية .
ان إدانة البيروقراطية شيئ , والحاجة إاليها شيئ آخر .
ورغم هذا فإننا حولنا فيما سبق توضيح المجهود الضخم الذي قام به النظام الناصري لتغيير بنية الدولة المصرية التقليدية , وإمدادها بعناصر جديدة من التكنوقراط والبيروقراط , غيرت بشكل كبير من تركيبها الداخلي ومستوى أدائها .
وليس أدل على هذه التطور في كفاءة هذه البيروقراطية الجديدة أنها استطاعت أن تدير الإقتصاد الوطني بنجاح منقطع النظير خلال الخطة الخمسية الأولى , رغم أنها كانت أول تجربة للتخطيط والإدارة الإشتراكية تقوم بها النخبة البيروقراطية الجديدة . كما إستطاعت أن تحافظ على الإقتصاد الوطني من الإنهيار بعد نكسة يونيو / حزيران 1967 , وفي ظل الضغوط والعقبات والحروب المتعددة التي فرضت على التجربة الناصرية منذ بدايتها وكان منها بلاشك تحمل أعباء بناء الجيش والإنفاق العسكري ومتطلبات الإصلاح الإقتصادي كما سيجيئ فيما بعد تفصيلا .
22 – لقد أصبح من المألوف لدى كثير من المثقفين إنتقاد القيادة الناصرية لإعتمادها بشكل أساسي على البيروقراطية . وهو أمر لايمكن إنكاره أو التنصل منه . ولكن التاريخ سيثبت في رأيي أن ضعف الناصرية كان من طبيعة مخالفة لذلك تماما . فهذه البيروقراطية ذاتها كانت هي نفسها ” الجيش المدرب ” الذي قاده عبد الناصر لتحقيق مشروعه النهضوي داخل مصر وخارجها .
لا يمكن إنكار أن البيروقراطية الناصرية هي التي أخذت على عاتقها تأسيس وتدريب معظم الأطقم التكنوقراطية والإدارية في كافة أرجاء الوطن العربي وأقطاره المختلفة من خلال سياسة الإعارة للأقطار الأخرى , أو من خلال سياسة التدريب للأطقم العربية الناشئة في الجامعات والمعاهد والمؤسسات المصرية ومنها المؤسسة العسكرية ذاتها .
23 – ولكن قد يقول قائل : الم يكن من الأجدى لعبد الناصر أن يعتمد في مشروعه النهضوي على الجماهير ؟ الم يكن من الممكن أن يعتمد على التنظيم الجماهيري ؟
ولكن نحن بدورنا نتساءل : هل كان من الممكن أن يكون هذا التنظيم هو المقابل لسلطة الزعامة التاريخية , حتى بإفتراض إكتمال اسسه وبنيته ؟ هل كان من الممكن وجود مثل هذا التنظيم وصعوده الى قمة التأثير السياسي في حالة إختفاء الزعامة التاريخية أو غيابها ؟
هل أثبتت تجارب البناء الإشتراكي عن حالة واحدة نجح فيها الحزب السياسي الجماهيري في ملئ الفراغ الناجم عن غياب الزعامة التاريخية ؟
الأجابة عن كل هذه الأسئلة لن نجدها في المقولات الأيديولوجية أو النظريات المجردة داخل الكتب .. بل ينبغي البحث عنها في التجارب التاريخية لبناء الإشتراكية .
لقد عجزت كافة الأحزاب الثورية ذات الخبرة النضالية الطويلة عن ملئ الفراغ الذي ينشأ بغياب الزعامات التاريخية ومقاومة الإنعطافات الحادة التي تنشأ عن هذا الغياب .
مثال على ذلك , التحولات التي طرأت على الحزب البولشفي بعد غياب ” لينين وصعود ستالين , على الرغم من ا التاريخ النضالي الطويل للحزب البولشفي قبل الثورة وبعدها .
نفس الكلام يمكن أن يقال عن تجربة ماوتسي تونج و ” تيتو ” .
كل هذه التجارب تكشف عن ذات القانون , والناصرية لم تكن خروجا عن هذا القانون أو إستثناء منه .
أن مجموعة الأجهزة المكتبية العليا في الدولة الناصرية كانت تتقاسم , بالفعل , قيادة الإدارة الحكومية والرقابة الأمنية وشبكات التقرير والتنفيذ السياسية , بالاضافة الى البيرقراطية العسكرية في الجيش وبيروقراطية القطاع العام في أجهزة الانتاج الرئيسية . هذه المجموعات كانت تشكل ” نخبة ” مطلقة القدرة والنفوذ في مجالاتها . ولكنها كانت مستوعبة في مشروع الزعامة الأعم والأشمل خلال حياة عبد الناصر .. وهو المشروع الذي كان يضبط حدود ممارساتها , ويخضعها لسلم القيم الرئيسية في مشروعه النهضوي .
ولكن بعد غياب ” عبد الناصر ” , أصبحت هذه ” النخبة ” فجأة طليقة الولاء , حرة المبادرة , ولكن ينقصها الغطاء السياسي الجديد الذي يتسع لها ويوفق مشروع النهضة الزعامي في نموذجيته النهضوية , كان ينقصها مايفسح المجال أمام مشروع من طبيعتها المصلحية الخاصة . فبينما كانت تلك الأجهزة والمكاتب والقيادات من الدرجة الثانية هي أدوات الزعامة التاريخية في تحقق مشروعها النهضوي . إلا أنها صارت – مع إختفاء الزعامة – من القوة والسيطرة العملية بحيث أنها لن تسمح إلا بظهور قيادة سياسية مشابهة لها في طبيعة التوجهات المصلحيةالفئوية والطبقوية. لقد أصبحت القيادة السياسية الجديدة آداة للبيروقراطية . ولذلك لم يكن ممكنا أن تستمر الناصرية بعد غياب زعيمها التاريخي عن قمة السلطة بقدر ما كان من المحتم أن يقع الإنقلاب المنتظر , وهو فوز سلطة البيروقراطية التي إستطاعت أن تثب من المرتبة الثانية في ظل حكم الزعيم التاريخي , لتحتل الصف الأول والمقدمة بعد غيابه.
هذا يفسر في رأيي طبيعة التحول الذي قام به السادات .
وستبقى كما قلنا مسألة التسلط البيروقراطي مسألة نظرية وعملية تحتاج الى إجتهاد نظري جديد من كل القوى الإشتراكية .. ومنها الناصريين .
الإشتراكية والموقف من الملكية الخاصة
1 – روجت بعض القطاعات الماركسية تفسيرا ” لإنكسار ” التجربة الناصرية ” يعزوها لعوامل إقتصادية وإجتماعية كامنة في الطبيعة ” غير الراديكالية ” للناصرية وبشكل خاص موقفها غير ” الثوري ” من الرأسمالية .. كيف ؟
لنأخذ على سبيل المثال ما كتبه – مثلا – ” غالي شكري ” في كتابه ” الثورة المضادة في مصر .. دار الطليعة ” حيث نراه يقول :
” .. إن نموذج التنمية الناصري لم يكن قط نموذجا للتنمية الإشتراكية , بل إن خطة التنمية التي إختطها لنفسه النظام الناصري في الفترة من 1960 – 1965 لم تكن قط خطة للتحول الإشتراكي , بل إنها كانت منذ البداية خطة ” رأسمالية و ولكنها رأسمالية الدولة الوطنية التي كانت تقودها الشرائح الوسطى من الطبقة البورجوازية.. لقد أستطاعت أن تستفيد من إنحسار شمس البورجوازية الكبير .. باحتلال مراكزها المالية, خصوصا في عمليات التسليف والتسويق والتجارة والإنتاج الصناعي .. ليس هذا فحسب , بل أن هذه الطبقة ” القائدة إقتصاديا وسياسيا” ( المزدوجات من عندنا ) استطاعت أن تستضيف عناصر وشرائح إجتماعية جديدة من الشرائح الأقل رأسمالية , واستطاعت هذه الأخيرة أن تنمو نموا كبيرا معتمدة على “الحماية التي أحاطها بها النظام الناصري ” ( المزدوجات من عندنا ) وعلى التعريف ” الفضفاض ” الذي أسبغه عليها الميثاق أي ” الرأسمالية الوطنية غير المستغلة ” .
أما لماذا يعتبرها غالي شكري ” تنمية رأسمالية” و “من البداية ” , فنراه يقول :
.. لأن التأميمات الواسعة التي تمت في مصر والتي نشأ بنتيجتها القطاع العام , كانت في جوهرها عملا وطنيا للتحديث والإستقلال والسيادة الوطنية , ولكن لايمكن إعتبارها تحولا حقيقيا نحو الإشتراكية بغض النظر عن الشعارات التي رفعها النظام الناصري عن ” الإشتراكية العلمية ” . ( غالي شكري , الثورة المضادة في مصر).
على أساس هذا التحليل فقد رأت بعض الفصائل الماركسية أن الذي قام به السادات في مسار التجربة الناصرية لايشكل ” إنقلابا ” أو ” إرتدادا ” عن الأسس والمنطقات التي إختطها ” عبد الناصر ” لتجربته , بل هي في الواقع ” تطور طبيعي ” لمسار التجربة الناصرية , كانت ستؤول إليه الأمور ” حتميا ” في وجود عبد الناصر أو بدونه !!
وفي نفس المعني يرى الإقتصادي المصري الماركسي ” جودة عبد الخالق ” : ” … أن سياسة الإنفتاح الإقتصادي التي قادها السادات في السبعينات هي نتيجة طبيعية لفشل تجربة الإنتقال الى الإشتراكية خلال الستينات , فلقد تم تحويل الرأسمالية الخاصة الى رأسمالية دولة , وسرعان ما ولدت هذه الأخيرة قوى بدأت تضغط للعودة للرأسمالية الخاصة مرة أخرى وقد تمثل التجسيد العملي لهذا الضغط في قرارات الإنفتاح الإقتصادي وعلى رأسها القانون ( 43 ) لسنة 1974 . ( د. جودة عبد الخالق : كتاب مصر في ربع قرن 1952-1970 , معهد الإنماء العربي , بيروت , )
في البداية نقول إن كل هذه الفئات ” الإقتصادوية ” و ” اليساروية ” تحاكم الناصرية وفق نموذج مدرسي ” سكولائي ” نظري ومتعسف , لايأخذ في الإعتبار الظروف الموضوعية والذاتية التي تتم فيها تجارب التنمية المستقلة . إن الصعوبات التي تتعرض لها هذه التجارب , والتحديات الضخمة التي تواجهها والسياق التاريخي الذي مرت به تجارب بناء الإشتراكية والمآل المأسوي الذي آلت إليه الكتلة السوفياتية والتعثر الذي تتخبط فيه الصين يجعلنا ننظر للأمور الآن على نحو مختلف .
هنا أيضا لايمكننا الأختفاء وراء ” مماحكات ” عن أزمة التجارب الإشتراكية لتبرير أخطاء حدثت خلال التجربة الناصرية أو الخروج على المفاهيم الإشتراكية الأصيلة.
2 – أن جوهر التحليل الماركسي للراسمالية – كما هو معروف – شيد على اساس من تحليل ماركس للسوق الرأسمالي , وما يصاحبه من فوضى في الإنتاج . وملخص هذا التحليل ان السوق الراسمالي تربط بين رؤوس الأموال في إ قتصاد رأسمالي واحد متجانس . ولكن مضمون هذا السوق وطبيعته يتكون على ما يسمى قانون ” المعدلات الوسطى للربح ” . وهو القانون الذي يعمل كقوة من قوى الطبيعة , اي مستقلا عن الإرادة والوعي الإنسانيين , بإعتباره قوة ملازمة للرأسمال والإنتاج الرأسمالي . وهو قانون يتسم بالتلقائية ويفرض نفسه على البشر ومصائرهم كما يقول التحليل الماركسي للرأسمال .
لكن ما يميز الرأسمالية كنظام إنتاج , والسوق الرأسمالي , كفاعلية وغاية لهذا الإنتاج , ليس فقط ” تلقائية القوانين الإقتصادية ” بل إن مميزها الحاسم والأهم هو أن هذه ” التلقائية ” للقوانين الإقتصادية , تقود الى ” فوضى الإنتاج والسوق ” . وبالتالي تؤدي , وفق التحليل الماركسي , الى عجز المجتمع عن تنظيم إقتصاده والتحكم في إتجاه حركته الإجتماعية .
3 – ولقد رتبت الماركسية على ذلك أن الطبيعة الداخلية للنظام الرأسمالي تفرض الطبقة الرأسمالية كطبقة حاكمة ومسيطرة من خلال ملكيتها لأدوات الإنتاج , بينما يفرض قانون ” الأجر ” من الطبقة العاملة كطبقة مضطهدة .
ولقد رتب ” ماركس ” على ذلك قانونه عن ” الفقر المطلق ” .. اي ذلك الفقر الذي سيلحق بالطبقة العاملة داخل النظام الرأسمالي ويدفعها الى التمرد والثورة ( حدث هذا بالفعل , ولكن بطريقة معاكسة , حيث تمردت الطبقة العاملة في البلدان الشيوعية , ضد البيروقراطية الحاكمة !!! ) .
اهم شيئ في هذا التحليل لطبيعة الرأسمالية , أن ” ماركس ” خلص الى نتيجة مؤداها أن افشتراكية تعني إلغاء الملكية الخاصة لرفع الظلم عن الطبقة العاملة , وذلك من خلال تسلمها سلطة الدولة وإقامة دكتاتوريتها الثورية .. أي ديكتاتورية الطبقة العاملة .
وكما هو معروف , فإن ماركس وإنجلز كانا قد إستنتجا من نظريتهما في التفسير المادي للتاريخ إستنتاجا مؤداه أن علاقات الإنتاج , أي نظام الملكية , لابد وأن يتبع – حتما – القوى الإنتاجية في تطورها وأن العلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج قد تكون ” علاقة توافق ” عندما يتناسب نوع هذه العلاقات مع طابع تلك القوى . وقد تكون العلاقة بينهما ” علاقة تناقض ” في الحالة العكسية .
ومثال ذلك في الحالة الأولى : أن يكون طابع قوى الإنتاج ” فرديا ” وان تكون الملكية بدورها ” فردية ” . ومثال الحالة الثانية أن يكون طابع الإنتاج ” جماعيا ” وأن تكون الملكية ” فردية ” . وهذه هي حالة المجتمع الراسمالي .
وهكذا إستنتج ماركس وإنجلز أنه لايمكن القضاء على التعارض الموجود داخل النظام الرأسمالي إلا بإلغاء الملكية الفردية فورا وأن تحل محلها الملكية الجماعية لأدوات الإنتاج . وهذه هي الثورة الإشتراكية التي سينهار على يدها النظام الإشتراكي .
4- ولأننا لسنا معنيين في هذه الدراسة بتقديم ” نقد منهجي كامل ” للنظرية الماركسية , فإن جهودنا في هذا المقطع ستنصرف الى تحليل مسألة ” الملكية الخاصة ” في ظل النظام الإشتراكي .
الواقع أن الخطأ في المقولات السابقة أتي من الربط بين قوى الإنتاج وبين علاقات الإنتاج والتي فهمها البعض في شكل واحد فقط هو نظام الملكية .. ملكية أدوات الإنتاج .
والواقع أنه إذا أردنا الربط بين قوى الإنتاج وأي شيئ آخر , فينبغي الربط بينها وبين ” علاقات التوزيع ” أو ” نظام التوزيع ” وليس ملكية أدوات الإنتاج .
ونحن نقصد هنا ” بعلاقات التوزيع ” , المعنى المعروف والشائع للتوزظيع أي إقتسام الناتج القومي بعد القيام بعملية الإنتاج .
وقد يعترض البعض على شرعية الربط بين قوى الإنتاج وعلاقات التوزيع بإعتبار ذلك غير ضروري , ويكفي عنه الربط بين قوى الإنتاج وبين علاقات الملكية بإعتبارها أصل المسألة . وبإعتبار أن مالك أدوات الإنتاج يأخذ أكثر من غيره ناتج العملية الإنتاجية .
اننا هنا نطرح مفهوما مخالفا .. مفهوما يربط بين قوى الإنتاج وعلاقات التوزيع . فحينما تكون علاقات الإنتاج ” فردية ” تكون علاقات التوزيع ” فردية ” . وحينما تكون علاقات الإنتاج ” جماعية ” يتحتم أن تكون علاقات التوزيع ” جماعية ” بغض النظر عن الشكل القانوني لملكية أدوات الإنتاج .
ويهمنا لكي نفسر هذا العلاقة الجديدة أن نفهم الفارق العقلي والعملي لمفهوم ” التبعية المطلقة ” و مفهوم ” التبعية الإجتماعية ” . حيث أن تبعية نظام التوزيع لنظام الملكية ليست ” تبعية مطلقة ” أو ” تبعية بالضرورة ” , بل هي تبعية إجتماعية , اي قد تنخفض في بعض الأحوال , وقد لاتنخفض في أحوال أخرى .
ومن ثم لا تعني فردية الملكية – حتما وبالضرورة – أن يكون التوزيع ” فرديا ” . كما لاتعني ” جماعية الملكية ” – حتما وبالضرورة – أن يكون التوزيع جماعيا . ولسنا في كلتا الحالتين , وبالتعبير القانوني , سوى أمام قرينة بسيطة غير قاطعة و قد يتحقق عكسها .
لنأخذ على سبيل المثال حالة تكون فيها الملكية ” جماعية ” ويكون فيها التوزيع ” فرديا ” , وهي الحالة التي قد تستأثر فيها الأقلية بالجزء الأكبر من الناتج القومي لآسباب أخرى غير ” الملكية القانونية ” لأدوات الإنتاج .
إنه بالضبط الوضع الذي تكلمنا عنه في ظاهرة ” البيروقراطية ” , حيث كانت تستأثر الشرائح العليا من البيروقراطية على جزء كبير من العائد القومي دون أن تستند الى أي شكل من أشكال الملكية , بالمفهوم القانوني للملكية .
ان الشرائح المتميزة من هذه البيروقراطية تسيطر على مجمل العملية الإنتاجية ( التخطيط .. الرقابة .. التوزيع.. القرار السياسي ) وهو أمر لا يتناسب مع حجمها أو طبيعة مشاركتها في العملية الإنتاجية .
نظرية الكائن القانوني والكائن الإقتصادي
5 – الأصل في الإشتراكية – كما نفهمها – هي القضاء على إنفصال المنتجين الحقيقيين عن ناتج عملهم ( هكذا كان يفهمها أيضا ماركس الشاب في أعماله الأولى عن مفهوم الإغتراب ) .
ان إلغاء الملكية الخاصة وإقرار الملكية العامة , لايعني كما قلنا , اننا إزاء مجتمع إشتراكي . كما أن التأميم وإقرار الملكية ليس إجراء تقدميا في حد ذاته . وهكذا لايمكن أن يوصف بالتقدمية حالة تتولى فيها الدولة إدارة النشاط الإقتصادي . فلو كان تأميم وإحتكار التبغ يعني الإشتراكية , لكان ” نابليون ” و ” مترنيخ ” هما مؤسسا الإشتراكية , على حد قول ” إنجلز ” في الرد على ” دهرينج ” .
هذه الملاحظة المرحة ” لإنجلز ” لم تفقد بعد جدتها , ففي النمسا وإيطاليا وإسرائيل , يوجد قطاع عام يمتد ويتسع , ولكن أيا من هذه البلدان لايمكن إعتباره بلدا إشتراكيا .
6 – الأصل في الإشتراكية , كما قلنا , هو المواءمة بين ” الشخص القانوني ” ( اي الشخص الذي يتمتع بالسلطة القانونية للتصرف في وسائل الإنتاج ) وبين ” الشخص الإقتصادي ” ( اي الشخص الذي يمتلك السلطة الفعلية على التصرف فيها لأنه يستطيع عمليا مراقبتها ) .
وفي المجتمع الإشتراكي – وبالأخص في المراحل الأولى الإنتقالية – تتنوع ” الكائنات القانونية ” للملكية الإقتصادية وتتعدد . فهناك القطاع العام , وهناك القطاع التعاوني , وهناك القطاع المختلط من الدولة والرأسمال الخاص , وهناك القطاع الرأسمالي , وهناك القطاع الأجنبي الإستثماري .. الى آخره .
كل هذه ” الكائنات القانونية ” ينبغي تنظيمها في المجتمع الإشتراكي لتخدم ” الكائن الإقتصادي ” , وهو هنا المجتمع الإشتراكي . وبشكل أدق .. لايمكن الحديث عن الإشتراكية إلا إذا كانت السلطة الفعلية في الإنتاج هي في يد الجهة التي تحدد وتخطط الأهداف الإشتراكية .
والواقع أن الخلط بين هذين الأمرين , بين الشكل القانوني للملكية وبين التمليك الفعلي , هو خطأ إرتكبه كثيرون مما أضطر ” لينين ” للوقوف ضد هذا الخطأ .
ففي النص المشهور الذي كتبه بعنوان ” ضد حالة الطفولة اليسارية ونزعة البورجوازية الصغيرة ” , يضع ” لينين ” الوثيقة القانونية للتأميم موضع الضد من الصيغة الإشتراكية , بإعتبار تلك الأخيرة تتضمن القدرة الفعلية للمجتمع على إقامة نظام حسابي , وعلى قدرته على تقسيم وتوزيع ناتج الإنتاج , وهي قدرة مرتبطة في ذاتها بنمو وتطور قوى الإنتاج .
لقد أوضح ” لينين ” في هذا النص , أن الصيغة القانونية للملكية تظل فارغة مادامت علاقات الإنتاج لاتسمح بملئها بشكل كامل . وذلك عندما تكون القدرة على التحكم الفعلي في وسائل الإنتاج والمنتجات لا تتقابل مع الملكية الشكلية لها .
بإختصار : هدف النظام الإشتراكي هو التوحيد بين الشخص القانوني والشخص الإقتصادي . وحين لا تجتمع السلطة القانونية مع السلطة الإقتصادية , يحدث الإنفصام بين العملية الفعلية للإنتاج وبين العملية الفعلية للتوزيع . وهكذا يفقد الذين ينتجون القدرة على التحكم في عائد ما ينتجون و ويتركون أماكنهم للبيروقراطية , طوعا أو كراهية , لتصبح هي القائد الفعلي في المجتمع .
7 – ومهمة التوحيد بين الشخص القانوني والشخص الإقتصادي مهمة ليست سهلة على الإطلاق و فضلا عن أنها ليست إختيارا أيديولوجيا أو نفسيا . بل أن النجاح في هذه المهمة يتوقف على درجة تطور القوى المنتجة ووعي المنتجين بحقيقة دورهم في العملية الإنتاجية , وقدرتهم الفعلية – لا الشكلية – على المشاركة في صنع القرار السياسي والإقتصادي .
والواقع أن ” عبد الناصر ” , كان قد توصل الى مفهوم من هذا النوع للإشتراكية . ففي نص من نصوص ” عبد الناصر ” التي لم تحظ حتى الآن بالتدقيق والتمحيص الكافيين , نجده يقول خلال محاوراته في مباحثات الوحدة الثلاثية عام 1963 الآتي :
” مش معنى الإشتراكية إن إحنا نأمم أبدا 100 % .. نقول .. إحنا مثلا بنفهم الإشتراكية هي سيطرة الشعب على وسائل الإنتاج .. وبعدين نعتبر السيطرة ممكن تبتدي من 40 % ثم 50 % أو 70% أو 80% الى آخر هذا الكلام . ما بنقولشي الإشتراكية هي تأميم وسائل الإنتاج في الحال .. ده مفهومنا ” .
هنا يقاطع المشير ” عبد الحكيم عامر ” الرئيس ” عبد الناصر ” قائلا : ” يعني أنا مش متصور يعني لما تيجي تسألني على التطبيق الإشتراكي .. هو أن الإشتراكية لازم معناها بالنسبة لي تأميم جميع وسائل الإنتاج .. جميع !!”.
هنا يقاطع الرئيس ” عبد الناصر ” زميله الذي غشتط شططا يساريا لا داعي له قائلا : ” بس إحنا ما قلناش في الميثاق تأميم جميع وسائل الإنتاج .. بس قلنا سيطرة الشعب على جميع وسائل الإنتاج ” .
ويبدو أن ” المشير عامر ” احس بالحرج من تصحيح الرئيس ” عبد الناصر ” فتراجع قائلا : ” لا أنا بأقول ..أنا بأتكلم كلام شخصي .. يعني مش كلام الميئاق ” .
فيقاطعه الرئيس ” عبد الناصر ” للمرة الثانية : ” فيه فرق بين التأميم والسيطرة ” ( مباحثات الوحدة الثلاثية و الإجتماع الثالث 7/4 / 1963 .
في هذا الحوار النظري يبدو واضحا الفارق النظري والمنهجي بين ” عبد الناصر ” وأقرب معاونيه في تلك الفترة وهو المشير ” عبد الحكيم عامر ” . كما أن الحوار يوضح من جهة أخرة يقظة الرئيس ” عبد الناصر ” وحساسيته الفائقة لدلالة الألفاظ والمعاني .
المهم ان هذا الحوار السابق أكد على الفارق النظري الذي سقناه حول التأميم اي ” الكائن القانوني ” ومفهوم السيطرة اي الكائن الإقتصادي .
والواقع أن عبد النماصر و كان قد أكد على هذا المفهوم أثناء جلسات المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي خصص لمناقشة وشرح الميثاق .
فقد سئل الرئيس عبد الناصر عن المقصود بالسيطرة على أدوات الإنتاج , فأجاب قائلا :
” فيه استفسار مقدم عن المقصود بالسيطرة الكاملة على أدوات الإنتاج في الوقت الذي يجري فيه الإعتراف بالملكية الخاصة . بدي نفرق بين السيطرة على ادوات الإنتاج وملكية أدوات الإنتاج . احنا مقلناش ملكية أدوات الإنتاج , ولكن قلنا السيطرة عليها . ومعنى هذا ان القطاع العام يكون له النصيب الأكبر في أدوات الإنتاج , وأن يكون للتعاون النصيب الأكبر في أدوات الإنتاج ” . ( المؤتمر الوطني للقوى الشعبية , الجلسة الثالثة , 26/5 / 1962 ) .
في هذا النص ايضا , كما في سابقه , يؤكد عبد الناصر على الفارق النظري والعملي بين مفهوم ” ملكية أدوات الإنتاج ” ومفهوم ” السيطرة على أدوات الإنتاج ” .
ولكن كيف فهم التناقض الظاهري في النص السابق بين السيطرة الكاملة على أدوات الإنتاج ووجود الملكية الخاصة ؟
وإذا كان القطاع العام هو آداة الشعب في الوصول الى السيطرة على أدوات الإنتاج , فلماذا إعتبر عبد الناصر الملكية التعاونية شكلا من أشكال السيطرة على أدوات الإنتاج , رغم أنه من المعلوم أن الشكل القانوني للملكية التعاونية هو الملكية الفردية ؟ ولماذا لم يحدد الرئيس عبد الناصر موقف النظام الإشتراكي من الملكيات الخاصة التي لم تنظم في تعاونيات ؟
الملكية الخاصة في مجتمع إشتراكي
8 – يفيدنا لكي نجيب على هذه الأسئلة أن نفهم الفارق اللفظي والعقلي بين تعبير ” الملكية الفردية ” وتعبير ” الملكية الخاصة ” . ان الدلالة العملية لهذين اللفظين في مجتمع رأسمالي قانونه الإقتصادي هو الربح , تختلف عن دلالتهما في مجتمع غشتراكي هدفه الأساسي إشباع حاجات الجماهير المادية والثقافية بغض النظر عن عامل الربح .
إنه بالضبط الفرق بين مفهوم الملكية في إقتصاد مخطط ومفهوم الملكية في إقتصاد غير مخطط .
على هذا نستطيع أن نقول دون الدخول في مماحكات لفظية , ان تعبير ” الملكية الفردية ” ينصرف الى الشكل القانوني للملكية , بينما ينصرف تعبير ” الملكية الخاصة ” الى الوظيفة الإقتصادية التي تؤديها الملكية في المجتمع.
وهو ليس مجرد حيلة لفظية كما قد يتبادر للذهن .
ان المجتمع الإشتراكي قد يسمح بالملكية الفردية ولكنه لايسمح بالملكية الخاصة ؟!!
هل هو لغز؟!!
أبدا .. المسألة بسيطة . ان الوظيفة التي ينبغي أن تؤديها ” الملكية الفردية ” في المجتمع الإشتراكي يجب أن تكون ” وظيفة إجتماعية”…. و هذا هو ما كان عبد الناصر يدركه و يؤمن به