تأليف : – علاء الحديدى وسامى أبو النور ويواقيم رزق –
منذ وقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني عام 1882 برزت الحركة الوطنية المصرية التي تنشد الخلاص من نير الاستعمار البريطاني وتحقيق الاستقلال الوطني، ومن ثم غلب الصراع على العلاقات المصرية البريطانية وبلغ الصراع ذروته في ثورة 1919 التي عجزت عن تحقيق هدف الاستقلال التام ولكنها حققت لمصر درجة من درجات الاستقلال في إطار تصريح 28 فبراير 1922 الذي حدد إطار العلاقات المصرية البريطانية بالوجود العسكري البريطاني في مصر وحماية المصالح الاستراتيجية البريطانية الحفاظ على الامتيازات والمصالح الأجنبية في البلاد فيما تضمنته التحفظات الأربعة الشهيرة التي علقت تسوية تلك المسائل الحيوية التي لا يتحقق بدونها الاستقلال التام على مفاوضات تجريها الحكومة المصرية وبريطانيا.
وهكذا دخلت البلاد بعد التصريح مرحلة جديدة من تاريخها احتدم الصراع فيها بين الحركة الوطنية التي يقودها الوفد الذي أصبح حزبا سياسيا وإن ظل يدعي غير ذلك حتى 1952 والقصر الملكي إلي استفاد من التصريح وراح يستثمره في تدعيم سلطته الأوتقراطية والإنجليز الذين حاولوا الإبقاء على ألأوضاع الراهنة بإقامة توازن بين الحركة الوطنية المصرية والقصر، فحرصوا على تغليب مصالح القصر ومساندتها حتى تحول دون قيام عمل مباشر ضد مصالحهم الاستعمارية ودارت المفاوضات المصرية البريطانية كلما اشتد ضغط الحركة الوطنية لتتعثر دائما عند مسألة الجلاء ومسألة السودان حتى بدأت الظروف الدولية تتغير عند منتصف الثلاثينيات فأبرمت (معاهدة الصداقة والتحالف) بين مصر وبريطانيا عام 1936 فدخلت بإبرامها العلاقات المصرية البريطانية في مرحلة جديدة تبين خلالها المصريون من واقع تجربة الحرب العالمية الثانية أن معاهدة 1936 لم تكن توقيعها ولكنها كانت أداة لربط مصر بعجلة السياسة البريطانية رغم ما حققته من إلغاء الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة وعادت الجماهير تضغط من أجل تحقيق الاستقلال التام ووحدة مصر والسودان وفتح ملف المفاوضات المصرية البريطانية من جديد.
ولما كانت العلاقات المصرية البريطانية هي الأساس الذي قام عليه مشروع الاستقلال الوطني فقد اهتمت وحدة الدراسات التاريخية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بدراسة هذا الموضوع على مرحلتين أساسيتين:
أولاهما: المرحلة التي تبدأ بإبرام معاهدة 1936 حتى مفاوضات حكومة الوفد مع الإنجليز 1950 – 1915 وهي مرحلة كانت تموج بالمتغيرات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على الساحتين الدولية والمصرية.
وثانيهما: المرحلة التي تبدأ تبعثر مفاوضات الوفد الإنجليز وبروز الكفاح المسلح في العمل الوطني لأول مرة في تاريخ مصر حتى إبرام معاهدة الجلاء في 1954 على يد حكومة ثورة يوليو.
وجاءت دراسة المرحلة الأولى في كتاب ساهم في تأليفه نخبة من الباحثين الواعدين الذين وظفوا الوثائق البريطانية والوثائق المصرية المتاحة توظيفا جيدا لخدمة الدراسة وألقوا أضواء هامة على تلك الحقبة الحيوية من تاريخ مصر السياسي.
واليوم نقدم للقارئ الكريم هذا الكتاب الذي يعالج المرحلة الثانية والأخيرة التي انتهت بتحقيق الاستقلال الوطني على يد ثورة يوليو، فتوجت نضال الجماهير المصرية الذي استمر بنحو ثلاثة أرباع القرن، وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ العلاقات المصرية البريطانية بلغ فيها الصراع ذروته في حرب السويس عام 1956.
وهذه الدراسة تقوم على استقراء الوثائق التاريخية البريطانية والمصرية استقراء دقيقا كما تعتمد على مذكرات الساسة الذين لعبوا دورا خلال الفترة موضوع الدراسة وعلى المراجع العربية والأجنبية التي تناولت أطراف من تاريخ تلك الحقبة الحافلة من تاريخ مصر وساهم في كتابة ثلاثة من الباحثين الجادين هم: د. علاء الحديدي ود. سامي أبو النور. ود. يواقيم رزق الذين عملوا معي بروح الفريق المؤمن بأهمية العمل وخطورته بالنسبة لتاريخ هذا الوطن العزيز فجاء عملهم مثالا يحتذى للتعاون العملي المشترك.
ولا يسع وحدة الدراسات التاريخية سوى أن نتوجه بالشكر والعرفان للأستاذ السيد يس مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام لرعايته لهذا المشروع العلمي الهام وتيسيره لكل الصعاب التي وقفت في وجه الحصول على الوثائق البريطانية حتى تم استكمالها لتغطية فترة الدراسة ولولا هذا العون الصادق ما استطعنا إنجاز هذا العمل الذي نأمل أن يسد فراغا في المكتبة التاريخية.
والله والوطن العزيز من وراء القصد.
3/ 1/ 1995
رئيس وحدة الدراسات التاريخية
مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية.