حظيت السياسة الأمريكية تجاه بلدان الشرق الأوسط بقدرٍ كبير من الاهتمام منذ أن تخلت الولايات المتحدة عن سياسة الحياد التي انتهجتها قبل الحرب العالمية الأولى، ثم ظهورها على مسرح الأحداث كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، أما عن السياسة الأمريكية تجاه الصراع المصري الإسرائيلي في الفترة موضع البحث 1970 – 1979 فإن هذه الفترة تعد نقطة تحول مهمة في العلاقات بين البلدين.
وعن هذا الموضوع اصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرا كتاب بعنوان “السياسة الأمريكية تجاه الصراع المصري الإسرائيلي”، للمؤلفة د نبوية أحمد عبد الحافظ والتي أختارت فترة البحث من عام 1970 والتي شهدت الكثير من الأحداث السياسية وعلى وجه الخصوص الصراع – العربي الإسرائيلي، وكانت هناك محاولات لتسوية النزاع من جانب القوتين العظميين وأيضًا من جانب الدول الكبرى، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة كانت تسعى للانفراد بالحل رغم مشاركتها في هذه الجهود.
عصر السادات وحرب اكتوبر
لقد توفي الرئيس جمال عبد الناصر في 28 من سبتمبر من نفس العام وتولى الرئيس محمد أنور السادات رئاسة الجمهورية خلفًا لعبد الناصر، وكان المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة ينظر إلى الرئيس الجديد على أنه ضعيف ولن يستمر في الحكم أكثر من خمسة عشر يومًا، لكنه أثبت عكس ذلك، وانتقلت العلاقات المصرية الأمريكية من العداء والصراع إلى التعاون والتداخل.
وكان عمل السادات حيث عمل من اللحظات الأولي من حكمه على التقرب من الولايات المتحدة وازدادت العلاقات السياسية تطورًا في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وكان لوزير الخارجية كيسنجر دورًا مهمًا في تغيير مسار العلاقات المصرية الأمريكية، حيث قام بعدة خطوات لتقريب وجهات النظر بين المصريين والإسرائيليين، وازدادت العلاقات بين البلدين عمقًا في عهد الرئيس كارتر خاصةً بعد أن أعلن الرئيس السادات عن مبادرته لزيارة القدس عام 1977، وقد اتخذت الولايات المتحدة من هذه المبادرة خط بداية نسجت عليه حبال السلام بين مصر وإسرائيل، إلى أن تم توقيع معاهدة كامب ديفيد في سبتمبر 1978، وتلا ذلك توقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية في مارس 1979، وكانت هذه هي نقطة التوقف بالنسبة للبحث.
العلاقات مع أمريكا
بدأ الكتاب بتمهيد عن (العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة قبيل عام 1970)، ومحاولة أمريكا استقطاب زعماء الثورة المصرية عام 1952، وقطع العلاقات الدبلوماسية على أثر العدوان الإسرائيلي عام 1967، ومساعي إدارة نيكسون من أجل تسوية منفردة بين مصر وإسرائيل.
وتناول الفصل الأول من الكتاب(المبادرات الأمريكية والمصرية 1970 – 1971) وتصعيد حرب الاستنزاف وقبول الأطراف لمبادرة روجرز، ثم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وموقف الولايات المتحدة من تولي السادات رئاسة الجمهورية، ومساعيه لتحقيق السلام التي بدأها بمبادرته في 4 من فبراير 1971.
وتطرق الفصل الثاني من الكتاب (المواجهة السياسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في ظل سياسة الوفاق)، وتضمن الموقف الأمريكي من قرار الاستغناء عن الخبراء السوفيت، ثم اللقاءات السرية بين كيسنجر وحافظ إسماعيل في واشنطن وباريس، وما أسفر عنها من نتائج أدت إلى المواجهة السياسية في مجلس الأمن، وتناول الفصل الثالث (الإستراتيجية الأمريكية خلال حرب أكتوبر 1973)، والتدخل العسكري في الحرب عبر الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل، والدور الأمريكي في (ثغرة الدفرسوار)، وموقف الإدارة الأمريكية من حظر البترول العربي.
نيكسون وكسينجر والسادات
كما تعرض الفصل الرابع إلى (تطور العلاقات المصرية الأمريكية في أعقاب حرب أكتوبر وحتى استقالة نيكسون)، وزيارة كيسنجر لمصر واتفاق النقاط الست، والتوجه إلى مؤتمر جنيف، ثم فك الاشتباك الأول على الجبهة المصرية وفك الاشتباك على الجبهة السورية من خلال دبلوماسية المكوك التي اتبعها كيسنجر لتحقيق سياسة (الخطوة – خطوة)، وزيارة نيكسون لمصر واستقالته على أثر فضيحة ووترجيت، وألقى الفصل الخامس الضوء على (العلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرئيس فورد)، وإعادة تقييم السياسة الأمريكية على أثر التعنت الإسرائيلي، ثم اتفاقية فك الاشتباك الثاني بين مصر وإسرائيل، وزيارة السادات للولايات المتحدة الأمريكية عام 1975، والعلاقات بين البلدين في عام الانتخابات الأمريكية 1976.
مبادرة القدس والسادات
وجاء الفصل السادس ليناقش (الوساطة الأمريكية من جنيف إلى مبادرة القدس)، وتناول أحداث مصر في يناير 1977، وأول تحرك أمريكي نحو الشرق الأوسط بعد تولي كارتر الرئاسة، والموقف الأمريكي من الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل، وزيارة ديان وإسماعيل فهمي إلى واشنطن، وتصدي إسرائيل للبيان الأمريكي السوفيتي المشترك، والظروف والملابسات التى أدت بالسادات للقيام بزيارة القدس وما أسفر عنها من تحركات مصرية – أمريكية – إسرائيلية، وفى الفصل السابع توضيح لكيفية انتقال (الولايات المتحدة الأمريكية من الوسيط إلى الشريك الكامل في عملية السلام)، وإجراء سلسلة مكثفة من الاتصالات بين كل من مصر والولايات المتحدة وإسرائيل وصولًا إلى مؤتمر ليدز في يوليو 1978، والتنسيق المصري الأمريكي قبل مؤتمر كامب ديفيد، وتوقيع اتفاقيتي كامب ديفيد 1978، والجهود الدبلوماسية حتى فبراير 1979، ثم قيام كارتر بزيارة مصر وإسرائيل وتوقيع معاهدة السلام في مارس 1979.
الوثائق الأمريكية الجديدة
ترجع أهمية الدراسة إلى اعتماد الباحثة على الوثائق الأمريكية المفرج عنها حديثا، خاصًة وثائق حرب أكتوبر، بالإضافة إلى وثائق أرشيف الأمن القومي الأمريكي، والاستعانة بروايات شهود العيان، مثل الدكتور عصمت عبد المجيد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، والسفير إيهاب وهبة وهو من ضمن معاوني مستشار الرئيس للأمن القومي وأحد الذين حضروا لقاءات كيسنجر وحافظ إسماعيل السرية، والسفير محمد وهبي الذي عمل في واشنطن، كذلك المذكرات الشخصية التي كتبها صناع القرار والمشاركون فيه والذين عاصروا الأحداث من المصريين والأمريكيين والإسرائيليين والسوفيت، والعديد من المراجع العربية والأجنبية المهمة.
الكتاب يقع في 700صفحة من القاطع المتوسط، ويذكر أن الباحثة نبوية أحمد عبدالحافظ حامد، حصلت مؤخرا علي درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وتوصية بالطبع والتبادل مع الجامعات الأخرى، عن موضوع “اللوبي الصهيوني الأمريكي وأثره على دول المشرق العربي 1945– 1976”.