
أسرار تروى لأول مرة
صورة أرشيفيةالقاهرة – – محمد غنيم
فى الثامن عشر من يناير 1977، خرج الشعب المصرى منتفضاً، بسبب خطاب نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية- آنذاك- عبدالمنعم القيسوني، أمام مجلس الشعب فى 17 يناير، عند تقديم مشروع الميزانية الجديد عن العام المالى 1977.
وعرف الشعب هذا اليوم بـ”انتفاضة الخبز”، فيما أطلق عليه الرئيس السادات “انتفاضة الحرامية”، حيث ارتفعت أسعار الخبز والسكر والشاى، وبعض السلع الأساسية مثل الزيت والسكر و البنزين والسجائر، ويزامن اليوم الذكرى الـ39 لانتفاضة الشعب ضد الغلاء.
وثار المصريون عقب إعلان الصحف المصرية في 17 يناير 1977، الغاء الدعم ، عن بعض السلع الأساسية تحت شعار “ترشيد الأسعار”.
وبدأت المظاهرات صباح يوم 18 يناير من منطقة حلوان، حيث توقفت المصانع وأعلن العمال الإضراب و مطالبة الحكومة بإلغاء قراراتها.
وفى ظهر نفس اليوم، بدأت المظاهرات من كلية الهندسة عين شمس، متجهة لمجلس الشعب وانضم إليهم عدد من العمال والموظفين، وتصدت لهم قوات الأمن المركزى مستخدمة القنابل المسيلة للدموع.
وردد المتظاهرون هتافات تندد بسياسة النظام المعادية للجماهير الشعبية، مطالبين باستقالة الحكومة، ومن الشعارات المرفوعة “يا حاكمنا في عابدين.. فين الحق وفين الدين”.
مطالب مشروعة رفعها المتظاهرون، عكست إحساسًا بالظلم والاستغلال من قبل النظام، وعن إحساس بالمعاناة الاقتصادية الشديدة التي تمثلت في إلغاء الدعم عن السلع الأساسية.
وقابل النظام هذه المطالب بتجاهل شديد، وحاول تفسير الأحداث بأنها مجرد مؤامرة على نظام الحكم، حيث أكدت وزارة الداخلية ان الامور عادت لطبيعتها، وانها وضعت يدها على القوى المحركة لهذه الأحداث، متمثلة فى العناصر الشيوعية والناصرية، ومن ثم القبض على القيادات وعدد كبير من المعارضة السياسية للحكم.
وتجددت المظاهرات مرة أخرى يوم 19 يناير، بشكل أكثر عنفاً وضراوة، ولجأ المتظاهرون إلى أسلوب تخريب خاصة لأقسام الشرطة، والملاهى اليللية و الفنادق الكبرى.
وبالرغم من أن الرئيس السادات، حاول منذ بداية توليه الحكم أن يستمد شرعيته من ثورة يوليو 1952، إلا أنه بدأ في تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى منذ عام 1974، وارساء قواعد الاقتصاد الحر، وفتح الباب على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية وللقطاع الخاص بالداخل، والذى سيطر على كل مجالات الاستيراد والتصدير والمقاولات.
وكان السبب وراء تفجر الأزمة؛ عدم استجابة السياسات الاقتصادية التى طبقها النظام السياسي خلال حقبة السبعينيات، لمتطلبات التنمية بالمجتمع المصرى، فضلا عن تناقض سياسات النظام الاجتماعية مع هذه الاحتياجات.
* إدارة النظام السياسي للأزمة..
بدأ السادات، يدير ازمة شرعية باساليب مختلفة حيث قام بتشخيص الأزمة على أنها مؤامرة، وبالتالى اعتقال القيادات المتهمة بالتآمر من الناصريين والشيوعين، ولم يعترف النظام السياسي بمظاهرات 77، وأن ماحدث كان انفجار شعبى وظل يعتبرها مؤامرة وقام بفرض الأحكام العرفية و القوانين المقيدة للحريات.
وأغلق السادات بعض الصحف والمجلات التي تحاول كشف حقيقة المظاهرات الشعبية، وأُصدِرَ قانون رقم 2 لسنة 77 فى 3 فبراير 1977، ليجرم الكثير من الممارسات الديمقراطية ومحاصرة العمل السياسي .
وكانت السمة المميزة لأسلوب نظام حقبة السبعينات فى إدارة الأزمة الشرعية، هو البحث عن كبش فداء لسياساته الخاطئة، والمنحازة ضد غالبية الشعب المصرى.
وجاءت النتائج سلبية إلى حد كبير أهمها التحول الفعلى لنظام الأحادية السياسية والسياسة السلطوية، رغم بقاء التعددية الحزبية، ولكن بات دورها لا يتخطى كونها كيانات شكلية فقط.
وترتب على زيارة الرئيس السادات للقدس واجراء الصلح منفرداً مع إسرائيل، انهيار مبدأ القومية العربية والمقاطعة العربية لمصر، وزيادة حدة الأزمة الاقتصادية بالداخل، والضغوط الدولية على مصر من قبل الرأسمالية العالمية، وتعميق تبعية المجتمع للنظام الرأسمالى العالمى.
وحول هذا.. قالت كريمة الحفناوى، القيادية بالحزب الاشتراكى المصرى، وعضو مؤسس الحزب، عن أحداث 18 يناير 1977،: “في هذه الفترة كنت ضمن اعضاء الفكر الاشتراكى فى جامعة القاهرة، واحد اعضاء قيادات الحركة الطلابية، التى قادت مظاهرات الطلاب، ورفعنا عدة مطالبات أهمها “وطنية واجتماعية وديمقراطية”.
وأوضحت أن المطالب الاجتماعية، كانت تتلخص فى ضعف القدرة الشرائية للمرتبات وقتها، وفى نفس الوقت غلاء الأسعار، وكان المطلب هو تحسين أحوال الشعب المصري وضبط الأسعار.
وأضافت أن عمال منطقة حلوان والمحلة الكبرى وطلاب الجامعة، ثاروا؛ نتيجة تراكم مطالبهم عند المسئولين، وعدم تنفيذها، لتأتى أحداث 18 يناير، مشيرة إلى أن “انتفاضة الخبز” رجَّت أنحاء البلاد، وخرج الآلاف من المواطنون فى كل الاحياء من أجل سقوط الأسعار.
ليلة 18 يناير
روت الحفناوى لـ”الوفد” عن أحداث تلك الليلة قائلة:”علم العمال من الجرائد، بارتفاع بعض السلع الغذائية والمواد التموينية، فقرروا مقابلة عمال الصباح للخروج فى تظاهرات والتنديد بالغلاء والمطالبة بعودة الأسعار مرة اخرى، و تضامن معهم طلاب الجامعات”.
واستمرت الانتفاضة يومين، وأغلق الأمن المركزى الطرقات وأطلق قنابل الغاز المسيلة للدموع خاصة منطقة الهرم، والتى شهدت أحداثا تخريبية من قبل قلة من الخارجين على القانون قاموا بهدم وتحطيم واجهات الملاهى الليلية.
وفي 18 و19 يناير، استمر التظاهر بأنحاء البلاد، وأعلن الرئيس السادات غلق الجامعات، وذهب إلى أسوان- حسب ما توارد وقتها من أنباء-.
وكان للسادات لغة خاصة فى التعامل مع مثل تلك الأزمات، وهى “الهوان” حيث قام بوصف انتفاضة يناير بـ”الحرامية” على الرغم من خروج الآلاف من المتظاهرين والمحتجين.
اعتقال المتظاهرين
وعقب فض المظاهرات وقيام الأمن بالقاء القبض على بعض الزملاء والقيادات المشاركة بالاحتجاجات، سارعت “الحفناوي” بالهروب الا أنه فى هذه المرة كان هروبا محكما لأننىكنت طالبة كلية الصيدلة جامعة القاهرة.
وعقب الاعلان فى الصحف الرسمية، عن قيام الجامعة بإصدار قرار بالفصل وإحالتى أنا وزملائى من الجامعة للمحاكمة، سارعنا بتسليم انفسنا خاصة ونحن فى السنة النهائية من الدراسة، وكانت هيئة الدفاع فى قضية 18 و 19 يناير 1977 من واقع الحكم الصادر بالبراءة برئاسة المستشار حكيم منير صليب، هم: “عصمت سيف الدولة، ومحمد ممتاز نصار، ونبيل الهلالى، وعبدالرؤوف على، وصلاح عبدالمجيد صالح”.
وفي السياق ذاته، قال أحمد عبدالحميد المنهراوى، نائب رئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين:” اندلعت المظاهرات صباح يوم 18 يناير، وكنت اعمل باحدى الشركات الكبرى نظير الأجر باليومية.
واضاف “المنهراوى” كان المتظاهرون ينددون بارتفاع الاسعار المفاجيء فى السلع الاساسية على سبيل المثال كيلوجرام سكر بـ 15 قرش يرتفع لـ 16 قرش ، ولكن اكتشفنا بعد انتهاء المظاهرات وتحديدا منطقة الهرم، انه كان يوجد فصيل كان غرضه التخريب بالفعل ولا نعلم من هم ولا من اين اتوا او ذهبوا حتى وقتنا هذا، وهم من قاموا بالهجوم على قوات الامن المركزى وخلق عداء معهم .
بينما روى الكاتب الصحفى صلاح عيسى، رئيس مجلس ادارة جريدة القاهرة، أن انتفاضة 18 يناير والمعروفة اعلامياً بانتفاضة “الخبز” او “الحرامية “، بدأت دون تنسيق مسبق، بخروج عدد من التجمعات العمالية الكبيرة فى منطقة حلوان بالقاهرة فى شركة مصر للغزل والنسيج والمصانع العمالية فى شبرا الخيمة والمحلة الكبرى والاسكندرية، وبدأ العمال الاعلان عن رفضهم للقرارات الاقتصادية الصادرة من الحكومة صباح نفس اليوم و التى تناولتها الصحف الرسمية .
و اضاف: السادات كان يريد ان يصنع انفتاحاً اقتصادياً وطفرة رأسمالية بالبلاد قبل 18 يناير، الا ان النظام بعد انتفاضة الخبز قرر أن يكمم الافواه الديمقراطية وقرر ايضاً ان يحمل اليسار المصرى المسئولية كاملة ولكن هذا غير صحيح.
وأكد أن انتفاضة 18 يناير 1977 هى ثورة شعبية خالصة، وليس كما صورها الاعلام انذاك، انها انتفاضة حرامية وجياع، والمخربين والحرامية لم يظهروا سوى فى اليوم التالى من المظاهرات وتحديداً منطقة الهرم، حيث قاموا بتكسير الملاهى الليلية مستغلين المظاهرات والحصول على كل ما تطاله أيديهم من غال ونفيس.
وفى صباح اليوم التالى خرجت الصحف الرسمية بعناوين ومانشيتات تتحدث عن مؤامرة شيوعية لقلب نظام الحكم واستمرت المظاهرات فى هذا اليوم بزخم أكبر وأكثر عنفاً، وتم الإعلان فى نشرة الأخبار عن إلغاء القرارات الاقتصادية الصادرة امس الاول ونزول القوات المسلحة للشارع، واعلان حالة الطواريء وفرض حظر التجوال فى كل مصر من السادسة مساءا إلى السادسة صباحاً.
وعندما بدأ النظام وقتها فى إدارة الأزمة بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات بدأ يحدد نطاق الديمقراطية التى كان أرسى قواعدها بيده واستخدم فى ذلك عدة تعبيرات منها ” الديمقراطية لها أنياب ” وكره السادات منذ تظاهرات 18 يناير المعارضة كرهاً شديداً وظهر الأمن الوقائى وحملة الاغتيالات.
انتهت المظاهرات وبدأت حملة اعتقالات واسعة لم تشهدها البلاد منذ أمد بعيد ، كنت وقتها مخضرم فى الاعتقالات ، وكنت أعمل صحفى بجريدة الجمهورية و عندما علمت بقرار اعتقالى قررت لأول مرة الهرب من الأمن وهى على عكس ما اعتدت .
وتابع:”جاء الأمن مساء يوم 20 يناير ليطرق ابواب منزلي وأجابت إحدى الجيران وكانت متعاونة معى اننى لست موجودًا بالمنزل ولا تعرف أين ذهبت.
ولم أقم بتسليم نفسى للجهات الأمنية إلا بعد أن تأكدت من إجراء المحاكمة ذهبت وسلمت نفسى بعد 9 أشهر هروب متواصل.

الخميس، 21 يناير 2016 09:20 م
“بعد اشتعال احداث الانتفاضة الشعبية يومي 18و19 يناير 1977، رفض وزير الداخلية اللواء سيد فهمي تنفيذ توجيهات الرئيس السادات بمواجهة المظاهرات بالذخيرة الحية، في الوقت ذاته طالب وزير الحربية الفريق أول محمد عبد الغني الجمسي الرئيس السادات بإلغاء قرارات رفع الأسعار ـ التي تسببت في خروج المظاهرات ـ أولا قبيل إصدار القرار بنزول الجيش الى الشوارع لحفظ الأمن، ووافق السادات مرغما، ولكنه لم ينس للوزيرين مطلقا عدم الاستجابة الفورية لتوجيهاته، فأقال وزير الداخلية بعد أيام قليلة من احداث يناير 1977 ، بينما أقال الجمسي في العام التالي ” .
فى اعقاب وقوع حوادث 18 و 19 يناير قرر الرئيس السادات إقالة اللواء سيد فهمى وزير الداخلية واسناد مهمة تولى وزارة الداخلية مرة أخرى إلى ممدوح سالم ـ بجانب رئاسته لمجلس الوزراء، وفى اجتماعه الأول مع قيادات وزارة الداخلية، شن ممدوح سالم هجوما حادا على أجهزة الداخلية ووزيرها ـ المقال ـ سيد فهمي، متهما إياه بالتقصير في مواجهة الإنتفاضة التى أسفرت عن مصادمات دامية وخسائر شديدة فى الممتلكات العامة والخاصة، وقال أن أجهزة وزارة الداخلية فشلت فشلا ذريعا فى مواجهة تلك الأحداث ـ سواء بعدم توقعها قبل حدوثها، أو بعدم القدرة على مواجهتها عقب وقوعها ولم تتمكن من تطويق المظاهرات التى نشبت فى العديد من عواصم محافظات الجمهورية وعلى رأسها العاصمة واجهة البلاد .
اللواء حسن أبو باشا ـ رئيس جهاز مباحث أمن الدولة آنذاك ـ كان من بين حاضرى ذلك الاجتماع، والاتهامات التي وجهت لأجهزة الأمن بالتقصير كانت فى غالبيتها موجهة له هو شخصيا وللجهاز الذى يرأسه، أبو باشا لم يشأ أن يراجع ممدوح سالم ـ رئيس الوزراء ووزير الداخلية ـ فيما يقول على الملأ أمام باقي قيادات الداخلية، وآثر أن يفاتحه فى الأمر ولكن على انفراد!
فى المساء أجرى أبو باشا اتصالا بمكتب ممدوح سالم برئاسة مجلس الوزراء طالبا موعدا عاجلا للقاء، بسرعة شديدة تم إبلاغ رئيس الوزراء فطلب إبلاغ أبو باشا للحضور فورا .
ظن ممدوح سالم أن اللواء أبو باشا لديه معلومات أو أنباء هامة تتعلق بالوضع الأمنى أو أية تطورات مرتبطة، فعاجل أبو باشا “متلهفا”: خير ياحسن، فيه حاجة ؟!
رد أبو باشا (بهدوء): لايافندم مفيش حاجة، أنا بس حبيت أناقش سيادتك فى بعض الملاحظات اللى قولتها النهارده الصبح فى الإجتماع .
قال ممدوح سالم (بإهتمام): خير .. قول .
قال أبو باشا (بود): سيادتك وجهت اتهامات لأجهزة الأمن، بالفشل فى مواجهة ما حدث، ولكن سيادتك تعلم أن الحقيقة غير ذلك، وتعلم أن وزير الداخلية السابق ومعه جهاز الأمن تنبأ بوقوع هذه الأحداث وطلب اتخاذ عدة إجراءات تلافيا لما سوف يحدث وتعلم انه لم يؤخذ بنصائح وتحذيرات اللواء سيد فهمى ـ وزير الداخلية السابق ـ وأجهزته.
أضاف أبو باشا: من هنا اسمح لى سيادتك، فقد تحاملت على الوزير السابق وجهاز الأمن وحملتهم باتهامات عديدة هم أبرياء منها، واسمح لى سيادتك أنت تعلم هذه الحقيقة!.
وهنا سكت حسن أبو باشا عن الكلام، فقد أحس أنه قال كل ما عنده، وأحس أيضا أن ممدوح سالم لم يعد يقو على الإستماع أكثر من ذلك، ومرت لحظات عديدة لم يعلق خلالها ممدوح سالم بكلمة واحدة، وسرح مع نفسه وكأنه كان يسترجع تفاصيل ما حدث وسرت لحظة صمت ليست بالقصيرة، إلى أن تكلم ممدوح سالم بمعاناة شديدة وقال بلهجة غلفها الكثير من الهم والغم: ” ياحسن اللى حصل ده كان كبير قوى، أنا كان لازم أستقيل”، وسكت ممدوح سالم بعد أن قال هذه العبارة، وكان يبدو وأنه يريد أن يختفى أو يتوارى خجلا.
وهنا أدرك حسن أبو باشا ما لم يرد أن ينطق به ممدوح سالم أيقن أنه يريد أن يقول أنه كان مطلوبا “كبش فداء” يتحمل تبعات كل ما حدث، ولم يكن هناك سوى “اللواء سيد فهمى” وزير الداخلية لكى يكون هو “كبش الفداء” الذى يفدى رئيس النظام ورئيس وزراءه وكافة رموزه المسئولين وقد كان!
” الأحداث التي شهدتها مصر يومي 18 و 19 يناير عام 1977 تركت تأثيرات متعددة على الرئيس السادات، وظلت تداعياتها السلبية ماثلة أمام عينيه طوال السنوات الأربع المتبقية من فترة حكمه، ورغم أن الرئيس السادات أسبغ “وصف انتفاضة الحرامية ” على تلك الأحداث إلا إنه كان مقتنعا من داخله إنها كانت انتفاضة شعبية أججتها القرارات الاقتصادية التي أدت إلى رفع أسعار العديد من السلعة الأساسية والغذائية، ما دفعه إلى طرح مبادرته الشهيرة بالتوجه للقدس ـ بعد وقوع تلك الأحداث بأشهر قليلة ـ لوضع حد للصراع مع إسرائيل، لمحاولة إزاحة الأعباء الجسيمة عن كاهل الاقتصاد المصري الذى أن أنهكته العديد من الحروب المتتالية، وتراجع دعم ومساعدات الدول العربية الغنية.
تلك الأحداث أيضا أسهمت بقدر كبير في زيادة قناعة الرئيس السادات بأن مكمن الخطورة على أركان حكمه يتركز في التنظيمات والجماعات اليسارية، فواصل النهج الذى إختطه منذ أن تولى مسئولية الحكم فى البلاد بعد وفاة الرئيس عبد الناصر، ووجه بزيادة دعم وتقوية الجماعات والتنظيمات الإسلامية، إعتقادا منه بإنها ستكون هى ” البعبع ” الذى يمكن ان يحد من خطورة خصومه السياسين، ولكنه لم يلبث أن ووجه برفض تام من كافة القوى السياسية، بما فيها الجماعات الإسلامية، بعد أن وقع إتفاقية السلام مع الإسرائيلين، أكثر من هذا فقد تقدمت الجماعات الإسلامية صفوف المعارضين والمناوئين للسادات وانتهت فترة حكمه نهاية درامية يوم 6 أكتوبر 1981 بإغتياله على أيدى عناصر منتمية لتنظيمى الجماعة الإسلامية والجهاد .”
شرارة الأحداث إشتعلت فى الساعات الأولى من صباح يوم 18 يناير، فبينما كان وزير الداخلية مجتمعا مع عدد من قيادات الأمن وصلته أنباء بأن عمال مصانع حلوان يتحركون فى مسيرة بدأت فى الثامنة من الصباح متجهين إلى مجلس الشعب للإجتماع بأعضاء المجلس، وبعدها سرعان ما بدأت الأنباء تتوالى عن تكرار حدوث التجمعات والتظاهرات فى عدد من المحافظات، ثم بدات البلاغات تتوالى عن تجمع أعداد كبيرة من الطلبة فى جامعتى عين شمس و القاهرة وتجمع عدد كبير من عمال الترسانات البحرية ويعتزمون القيام بمسيرة صوب منطقة المنشية، ثم توالت الإخطارات بعد ذلك عن تعاطف جماهير الشارع مع المظاهرات وانضمامهم إليها، وخلال المظاهرات ترددت الشعارات التى تنادى بسقوط القرارات الإقتصادية وتهاجم الحكومة ثم بدأت المظاهرات تتجه إلى الاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، وإستمرت أعمال التظاهر والتخريب فى القاهرة والإسكندرية حتى ساعة متأخرة من الليل بشكل غير مسبوق .
وفى اليوم التالى 19 يناير تواصلت المظاهرات بالأسلوب نفسه منذ الصباح الباكر حيث بدأت فى القاهرة والاسكندرية ثم إتسع نطاقها إلى 9 محافظات أخرى فى الوجهين البحرى والقبلى، وعند منتصف النهار قام اللواء أحمد رشدى مدير أمن القاهرة بإجراء اتصال تليفونى بوزير الداخلية ليبلغه بأن القاهرة تحترق وأنه يعتبر هذا الإتصال بمثابة آخر استغاثة منه، فقد تجاوزت المظاهرات وأعمال الشغب والتخريب قدرات قوات الشرطة بكثير، وبدا واضحا أن قوات الأمن ـ ليس فى القاهرة والاسكندرية فقط وإنما فى المحافظات الأخرى التى اشتعلت فيها الأحداث ـ لا تستطيع التصدى للموقف أو الحيلولة دون امتداد التظاهرات والأعمال التخريبية إلى محافظات جديدة .
عندما اكتشف رئيس الوزراء ممدوح سالم أن قوات الشرطة لاتستطيع السيطرة على الموقف، وفوجىء برفض وزير الداخلية اللواء سيد فهمى إصدار الأمر لقوات الشرطة بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين كتوجيهات الرئيس السادات، اتصل رئيس الوزراء بوزير الدفاع محمد عبد الغنى الجمسى، وطلب إليه اشتراك الجيش فى السيطرة على الموقف، رفض الجمسى مشيرا إلى ان قرار نزول قوات الجيش لابد أن يصدر من القائد الأعلى للقوات المسلحة وليس من وزير الدفاع ولا من مجلس الوزراء كله مجتمعا فأتصل رئيس الوزراء ممدوح سالم برئيس الجمهورية يطلب إليه إصدار الأمر إلى الجمسى بإنزال الجيش إلى الشوارع، وفوجئ الرئيس السادات عندما اتصل بالجمسى بأنه على استعداد بالطبع لإطاعة الأمر ولكنه يرجو أن يصدر الرئيس قرارا بإلغاء الزيادات التى طرأت على الأسعار لأنه لايستطيع أن يضمن موقف القوات إزاء الشعب إذا جرى نزولها إلى الشوارع لحفظ الأمن فى ظل تلك القرارات ولم يكن لدى الرئيس السادات وقت ليفكر، وقد وافق على عجل لأن الموقف كان يتطور بسرعة .
فى الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم 18 يناير 1977، كان الرئيس السادات جالسا فى حديقة استراحة الخزان فى أسوان يدلى بحديث لإحدى الصحف العربية، لاحظ أن الصحفية التي كانت تجرى الحوار معه شردت عما يقول وراحت تتطلع بعينيها إلى شئ ما فى خلفية المشهد، استغرب السادات بشدة، فأحست الصحفية بأنها مطالبة بأن تبرر تصرفها، فقالت للسادات إنها ترى دخانا يتصاعد من المدينة التى تبدو بعيدة هناك عند مدى النظر، التفت الرئيس السادات إلى حيث تشير الصحفية، فشاهد أعمدة دخان تتصاعد فى الهواء، ولكنه لم يلبث غير قليل حتى جاءه أحد ضباط الحراسة على عجل حاملا ورقة قدمها له فقرأها السادات مقطب الجبين، ثم أنهى لقاءه مع الصحفية اللبنانية قبل أن يكمل حواره معها، و على مدى اليوم تواصل تطور الأحداث وسرعان ما بدأت الأنباء تتوالى عن تكرار حدوث التجمعات والتظاهرات فى عدد من المحافظات، وخلال المظاهرات ترددت الشعارات التى تنادى بسقوط القرارات الإقتصادية، التى صدرت قبل ساعات، وتهاجم الحكومة ثم بدأت المظاهرات فى التحول إلى الاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، وإستمرت أعمال التظاهر والتخريب فى القاهرة والإسكندرية حتى ساعة متأخرة من المساء بشكل غير مسبوق وفى اليوم التالى 19 يناير تواصلت المظاهرات بالأسلوب نفسه منذ الصباح الباكر حيث بدأت من مراكز التكتلات الجماهيرية فى مدينتى القاهرة والاسكندرية ثم إتسع نطاقها إلى 9محافظات أخرى فى الوجهين البحرى والقبلى وعند منتصف النهار قام اللواء أحمد رشدى مدير أمن القاهرة بإجراء اتصال تليفونى بوزير الداخلية ليبلغه بأن القاهرة تحترق وأنه يعتبر هذا الإتصال بمثابة آخر استغاثة منه !
وبدا واضحا أن قوات الأمن ـ ليس فى القاهرة والاسكندرية فقط وإنما فى المحافظات الأخرى التى اشتعلت فيها الأحداث ـ عاجزة عن التصدى للموقف أو الحيلولة دون امتداد التظاهرات والأعمال التخريبية إلى محافظات جديدة وباتت الحاجة ضرورية لنزول القوات المسلحة للسيطرة على الموقف .
وفى مساء ذات اليوم 19 يناير تقرر أن يعود الرئيس السادات بالطائرة من أسوان وعندما وصل إلى مطار القاهرة لم تكن القوات المسلحة قد انتهت من نشر قواتها فى أنحاء العاصمة، ولم يكن ميعاد سريان قرار حظر التجوال قد بدأ بعد، وتقرر تعديل خط سير الرئيس خلال عودته إلى منزله بالجيزة تلافيا للمرور فى قلب العاصمة التى كانت لا تزال كثير من مرافقها العامة والخاصة مشتعلة وتعج بالتجمعات والمظاهرات، وقاد أفراد من الأجهزة الأمنية ركب الرئيس عبر طرق جانبية إلى أن وصل إلى منزله بالجيزة بسلام .
عادت القاهرة إلى حالتها الطبيعية فى صباح اليوم التالى 20 يناير حيث عقد الرئيس السادات إجتماعين لمجلس الأمن القومى الأول فى منزله بالجيزة والثانى باستراحة القناطر وشرح سيد فهمى الموقف كاملا وقال له الرئيس: معلهش ياسيد انت خدت حموة العملية كلها !
وتحدث الفريق الجمسى وأثنى على دور الشرطة، وتحدث كمال حسن على رئيس المخابرات، الذى كان قد تقدم بتقرير إلى الرئيس السادات قبل أحداث يناير بحوالى الشهر يحذر فيه من تحركات شيوعية متوقعة يمكن أن تستثمر أى قرار مفاجئ وجرت اجتماعات بين المخابرات ومباحث أمن الدولة ونوقش التحرك الشيوعى المتوقع واستقر الرأى على ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية بإعتقال عدد من الشيوعيين ورفع تقرير بذلك إلى الرئيس السادات، ورفض السادات إجراء هذه الإعتقالات وفهم رجال المخابرات والداخلية أن هناك موقفا سياسيا مع الإتحاد السوفيتى، يمنع اتخاذ هذا الإجراء وكان القرار “عدم ضرب الإتجاهات اليسارية” ولم تعرف قيادات الأمن السبب السياسى وراء ذلك .
وقعت أحداث 18، 19 يناير خلال التشكيل الثاني لوزارة ممدوح سالم فى شهر إبريل عام 1975 وعُين فيه اللواء سيد فهمى وزيرا للداخلية، وفى إحدى جلسات مجلس الوزراء تحدث الدكتور عبد المنعم القيسونى رئيس المجموعة الإقتصادية عن ضرورة رفع الدعم على بعض السلع استجابة لقرار من البنك الدولى بعدم إقراضنا 200 مليون جنيه ما لم يتم رفع الدعم وقال القيسونى أن المركب تميل الآن من الناحية الإقتصادية ويمكن أن تغرق وإنه لا مهرب من اتخاذ القرار وحدد القيسونى السلع التى يقترح رفع الدعم عنها ومنها سلع تموينية، وفى جلسة أخرى ردد القيسونى نفس الكلام وأضاف أن المشكلة ذاتها تتكرر مع الدول العربية بعد أن قررت عدم دفع أية مساعدات إلا بعد استشارة خبراء من البنك الدولى .. اعترضت الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الإجتماعية على ما يطرحه الدكتور القيسونى، وقال سيد فهمى وزير الداخلية إن الوزارة أُلفت لكى تثبت الأسعار، فكيف يفاجأ الناس بعد شهرين برفع الأسعار وقال إن هذا يؤثر على الوضع الأمنى .
بعد ذلك عقد السادات إجتماعاً، تحدث فيه الدكتور حامد السايح وزير الإقتصاد والإستثمارات، وقال إن رفع الأسعار إجراء لا مهرب منه وهو لازم اليوم قبل الغد وأى تأخير فى رفع الأسعار يمكن أن يعرضنا لكارثة اقتصادية.
قال السادات: إذا كان هذا هو الرأى الفنى، وإذا كان التأخير يعرضنا لكارثة، فإننى موافق، وفى أعقاب إعطاء الرئيس السادات الضؤ الأخضر للمضى فى خطة رفع الأسعار التى أوصى بها الدكتور القيسونى ووزراء المجموعة الإقتصادية، بدأت الأمور تتصاعد بصورة درامية .
فى يوم 12 يناير 1977 عقد ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء، بصفته رئيسا لحزب مصر ” الحزب الحاكم “، اجتماعا مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب، شرح لهم الموقف وأوضح كل الظروف الإقتصادية المحيطة بالقرارات المرتقبة لرفع أسعار بعض السلع الغذائية .
فى يوم 13 يناير كان ممدوح سالم رئيس الوزراء يعلن القرارات الإقتصادية فى مجلس الشعب وإذا بأعضاء حزب مصر ( الحزب الحاكم ) يهاجمون قرارات رئيس الوزراء فشعر بإنه يواجه التطورات بمفرده، وفسر رد فعل نواب الشعب بإنهم فضلوا مخاطبة ود الرأى العام والناخبين دوائرهم الإنتخابية على الإلتزام الحزبى، فلم يجد أمامه سوى وزير الداخلية، الذى إستشعر بما لديه من خبرات أمنيه أن البلاد مقبلة على حالة من عدم الإستقرار فشاطره نفس الهواجس واتفقا على اتخاذ احتياطات أمنية للحيلولة دون وقوع ما يخشيانه .
مراجع :
• كتاب عواصف الحرب والسلام لمحمد حسنين هيكل
• كتاب السادات والأسطورة لموسى صبرى
• كتاب وزراء على كف عفريت لمحمد صلاح الزهار.
• ملف قضية 18و19 يناير 1977.
التلخيص التالي لحكم المحكمة التى فصلت فى قضية أحداث 18و19 يناير 1977
بحكم المحكمة.. إنتفاضة شعبية وليست إنتفاضة حرامية
المحكمة التى أصدرت حكمها فى قضية أحداث 18 و 19 يناير برئاسة المستشار حكيم منير صليب رئيس محكمة امن الدولة العليا وعضوية على عبد الحكيم عمارة واحمد محمد بكار المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة بحضور إبراهيم هنيدى وكيل النيابة والسيد احمد محمد رمضان أمين سر المحكمة في قضية ِالنيابة العامة رقم 1844 لسنة 1977ورقم 67/1977 كلى وسط قسم عابدين .
إنتهت المحكمة بعد أن نظرت القضية على مدى ما يقرب من أربع سنوات إلى أن الأحداث التى شهدتها مصر يومى 18 و 19 يناير 1977، لم تكن إنتفاضة حرامية كما وصفها الرئيس السادات، وإنما كانت إنتفاضة شعبية شاركت فيها مجموعات كبيرة من أبناء الشعب المصرى، خرجوا إلى الشوارع فى العاصمة القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، مدفوعين بقوى رفض شديدة لزيادة أسعار العديد من السلع وعرى رأسها السلع الأساسية والغذائية، وقالت المحكمة فى أسباب حكمها:
” والذى لا شك فيه وتؤمن به المحكمة وأطمأن إليه ضميرها ووجدانها إن تلك الأحداث الجسام التى وقعت يومى 18 و 19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار قرارات الاقتصادية برفع الأسعار فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب ولا يمكن في مجال العقل والمنطق إن ترد تلك الأحداث إلى سبب أخر غير تلك القرارات فلقد أصدرت على حين غرة وعلى غير توقع من احد وفؤجىء بها الناس جميعا بما فيهم رجال الأمن فكيف يمكن في حكم العقل إن يستطيع احد إن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلى الشارع للناس محرضا ومهيجا.
إن هذا الفرض غير مقبول ولا معقول ذلك أنه لم يقع اى فاصل زمني بين إعلان القرارات وخروج الناس فما كادوا يقرؤون ويسمعون حتى خرجوا مندفعين من تلقاء أنفسهم لم يحرضهم احد ولم يدفعهم فرد أو تنظيم ليعلنوا سخطهم وغضبهم وهذا التلاحم الزمني بين إعلان القرارات واندفاع الجماهير ينفى تماما احتمالات التحريض والإثارة أو استغلال الموقف أو ركوب الموجه لأن فردا مهما بلغت قوة ودراية وتنظيما ومهما كانت سرعته ودقة تخطيطه لايستطيع إن يحرك هذه الجموع الحاشدة في لحظات ولا يسيطر على مشاعرها ليوجهها إلى تحقيق أغراضه ثم هو لا يستطيع إن يدفعها لتقوم بأعمال حرق والتخريب والنهب والإتلاف ذلك إن مثل هذه الإعمال الشريرة لابد إن تصاحب بطريق اللزوم العقلي والتلقائية المحضة لابد وان تصاحب مثل هذه الاضطرابات الأمنية الكبيرة فيقع الكثير منها بحكم اندساس اللصوص والمنحرفين ليمارسوا نشاطاتهم في ذلك الخضم الهائج امنين مطمئنين إن يمسك بهم احد .
وإذاً، أذا قالت سلطة الاتهام إن هناك من المتهمين من حرضوا على تلك الأحداث مما أدى إلى اشتعالها ووقع ما صاحبها من جرائم وإنهم كانوا يريدون إشعال الثورة الشعبية فإن قولها هذا ليساير مقتضيات المنطق كما إن مجريات الأحداث في هذين اليومين لا تتفق مع هذه القالة بل تناقضها تماما من ناحية أسبابها وما وقع فيها من أفعال وتنتهي المحكمة من ذلك كله إلى إن القول بوقوع تحريض من المتهمين المنسوب إليهم الانتماء إلى حزب العمال الشيوعي هو قول لا ينهض عليه دليل بالأوراق
ويدحضه تماما ملابسات الأحداث وأسبابها ونتائجها ومما يدل على سلامة هذا النظر أن الحكومة قد سارعت وأعلنت بكل الوسائل عدولها عن تلك القرارات أملا منها في أن هذا العدول سوف يهدئ النفوس واستنادا إلى ذلك فإن المحكمة ترى إن ما ذهبت أليه سلطة الاتهام حسبما سلف ذكره لا يجد سندا من واقع الأوراق ولا من واقع الأحداث ذاتها والتي أخذت في أسبابها ودوافعها حسبما انتهت إليه المحكمة أنفا حكم العلم العام وأصبح ذلك حقيقة يقينية لامراء فيها مما يقتضى إن تلتفت المحكمة عما ذهبت اليه سلطة الاتهام في هذا الخصوص ” .