الرئيسية / أخــبار / 17 حلقة من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق (الطريق المسدود ) تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي

17 حلقة من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق (الطريق المسدود ) تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي

الحلقة الأولى من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق (الطريق المسدود ) تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي


في مقدمة كتابه الأحدث والهام للدكتور عبدالخالق فاروق (الطريق المسدود ) تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي قدم المولف أهداء الكتاب :
إلى شهداء ثورات الربيع العربى الأبرار . الى جرحاها الأبطال، فى مصر وتونس واليمن والبحرين، الذين لوثت سمعتهم بغير ضمير، وضاعت أحلامهم في الحرية والعدالة بغير مقتضى، وتواطأ عليهم أما سفاح عديم الرحمة، أو جماعة بلا شرف أو ضمير.وفي المقدمة يطرح الدكتور عبدالخالق فاروق  مقدمة يشرح فيها الكتاب و كتب في المقدمة يقول :

حينما أطل الجنرال عبد الفتاح السيسى على الشعب المصرى كوزير للدفاع فى عام 2012 ، وبعد إقالة الرئيس الأخوانى محمد مرسى للمشير العتيق حسين طنطاوى  وزير الدفاع والقائد العام ، وزميله الفريق سامى عنان رئيس هيئة الأركان ، تناثرت التقديرات والتخمينات حول الرجل ، وعن طبيعة إتجاهاته وتحيزاته ، فذهب البعض إلى أنه ينتمى إلى  الدوائر القريبة أو المتعاطفة  مع تنظيم الأخوان المسلمين السرى ، وعززت الدوائر والخلايا الأخوانية فى ترويج هذه الإشاعة، ظنا منهم أنها تدعم موقفهم فى المؤسسة العسكرية وفى مواجهة خصومهم فى الساحة السياسية المصرىة . بينما ذهب تيار أخر للتأكيد بأن الرجل ذو إتجاهات وطنية ، مستقلة ، دون تحزب سياسى ، مقابل من ذهب إلى أن الرجل هو من أنصار الولايات المتحدة ومن تيار الجنرالات المصريين الذين تربوا على ” أتفاقية السلام ” والتعاون العسكرى الواسع النطاق مع الجيش الأمريكى ، ويضاف إلى ذلك من ذهب إلى أن الرجل وبحكم كونه قد جاء من منصب مدير المخابرات الحربية ، فهو قد أعتاد التنسيق الأمنى مع إسرائيل وأجهزة أمنها المختلفة . على أية حال .. فأن تداعيات الصراع الضارى الذى أشتعل بين تنظيم الأخوان المسلمين وحلفائهم من السلفيين والإرهابيين القدامى ( تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية ) من جهة ، وبقية القوى السياسية المدنية بكافة أشكالها وتلاوينها بدءا من الليبراليين مرورا باليساريين والناصريين وغيرهم ، والإندفاع غير الحصيف والأنانى للتيار الأول ، وطمعه فى الإنفراد بالسلطة والحكم ، قد أدى لبروز دور العسكر ، والجنرالات على الساحة السياسية بقوة وسفور هذه المرة . وهنا برز دور وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسى ، فى المشهد السياسى ، مرة بطلب عقد لقاء مع  رموز وقيادات جبهة الإنقاذ والقوى المدنية على مائدة أفطار عسكرية فى رمضان ، سرعان ما جرى إلغاءها تحت ضغط الأخوان المسلمين ومندوبهم فى الرئاسة الرئيس محمد مرسى ، بزعم حماية الشرعية وأحترامها ، ومرة أخرى حينما صدرت الإنذارات واحدا بعد الأخر من القيادة العامة للقوات المسلحة إلى كافة القوى السياسية بضرورة الحوار وحل مشكلات البلاد ، وكان المقصود بتلك الإنذارات حقيقة هو تنظيم الأخوان وحلفائهم . وفى خضم هذا الصراع تحركت آليات العمل الخفى للمؤسسة العسكرية والأمنية المصرية بالتنسيق مع قوى إقليمية وفى مقدمتها دولة الأمارات المتحدة وأجهزة أمنها ، لتقديم الجنرال السيسى بأعتباره البطل المخلص ، أو القائد المنقذ ، وأنتشرت مئات الآلاف من صور الرجل محاطة بهالة من التقديس والإحترام ، والتماهى مع صور الزعيم جمال عبد الناصر تارة ، والرئيس الأسبق أنور السادات تارة أخرى ، برغم ما بين الرجلين من خلافات عميقة فى السياسات والتوجهات ،  ولسوء الحظ والأسف لم ينتبه أحدا من الذين أستغرقوا وغرقوا فى تأييد الجنرال السيسى إلى مغزى هذه المفارقة ودلالتها السياسية الخطيرة . عموما .. مع زيادة ميل تنظيم الأخوان المسلمين السرى وحلفائهم  من الإرهابيين القدامى إلى العنف وإستخدام السلاح فى مواجهة خصومهم السياسيين فى الشوارع والميادين والمحافظات المختلفة ، تعلقت الأمال أكثر ، وشخصت العيون إلى الجنرال السيسى وقوات الجيش وأجهزة الأمن لحمايتهم من العنف الماثل فى الشوارع والميادين ، فكانت بقدر ما هى الغلطة الإستراتيجية القاتلة لتنظيم الأخوان وحلفائهم ، بقدر ما كانت نقطة الإنطلاق ، ومربط الرجاء للجنرال السيسى ومجموعة الجنرالات المحيطون به ، والمشاركون أياه فى الطموح والمشروع . صحيح أن كثير من الجنرالات المصريين لم يكونوا على علم بحقيقة مطامح ومطامع وزير الدفاع ، وكان تأييدهم له فى تلك اللحظات الفارقة ، مدفوعا بحسن النية ، والدفاع عن الدولة والمجتمع المصرى المعرض لحرب أهلية ومجازر فى الشوارع ، ولذك لم يستمر هؤلاء شهورا بعد تولى الرجل منصب الرئاسة ، أو حتى قبلها بقليل ، فوجدنا إحالة للتقاعد لكثير من هؤلاء الجنرالات حسنى النية والطوية . والأن وبعد أن نجحت إنتفاضة الثلاثين من يونيه عام 2013 ، وخروج ملايين المصريين للمطالبة بإجراء إستفتاء أو إنتخابات مبكرة لمنصب رئيس الجمهورية ، وما أرتكبته قيادات تنظيم الأخوان وحلفائهم للمرة الثانية من تشدد ورفض للفكرة ، تحت زعم ” حماية الشرعية ” والتمسك بالشرعية ، جاءت اللحظة فى الثالث من يوليو بعزل الرئيس الأخوانى المفتقر للحكمة والذكاء من منصبه ، فى مشهد ميلودرامى من تلك المشاهد الإغريقية القديمة . ولم يكن  رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور ، سوى محطة قصيرة ، فتولى الرجل منصب الرئاسة لمدة عام واحد ، ليمهد الطريق إلى الجنرال القادم من المجهول السياسى والمجهول الوطنى ، فالكثير من أسراره وأرتباطاته ، وتحيزاته ، ومستوى مدركاته السياسية والثقافية لم تكن سوى مجاهيل فيثاغورث أمام الشعب المصرى ، الذى أنتظر من خاطبهم يوما بالقول ” أن الشعب لم يجد من يحنو عليه ” ، ومرة أخرى بالقول ” أنتم مش عارفين أنكم نور عينينا وألا أيه ” ، ومرة ثالثة بالقول ” نموت نحن وتعيشوا أنتم ” . هكذا لعب الرجل على الوتر الحساس لدى شعب عاطفى بطبعه وتاريخه ، فأصبح طوع بنانه ، وتحت أمره ، وإشارته ، وطغت مقولة  الأستاذ محمد حسنين هيكل ” رئيس الضرورة ” على كل ما عداها . وقبل أن يتولى الرجل المنصب بأسابيع قليلة تسربت شرائط فيديو تتضمن مشاهد من إجتماعات للرجل ، مع بعض صغار ومتوسطى الضباط ، يأتى على لسانه تصريحات تكشف بعض المستور ، وبعض ما يثير القلق والخوف ، لدى بعض المراقبين والمحلليين – وللحق والتاريخ كان من أبرزهم المفكر السياسى والأديب الدكتور عمار على حسن وكاتب هذه السطور – فنقلت التخوف والقلق إلى حالة أشبه بالرفض لتولى الرجل هذا المنصب ، ولكن للأسف كانت العجلة قد دارت بقوة ، وجرفت فى حركتها طوفان البشر المؤيدين والراغبين بأن تخرج مصر من أزمتها ، ومن مصيرها الغامض منذ الخامس والعشرين من ينايرعام 2011  ، أو بمعنى أدق منذ سيطر تنظيم الأخوان على مؤسسات الدولة ( مجلس الشعب – مجلس الشورى – لجنة صياغة الدستور – ثم رئاسة الجمهورية )  عام 2012 . ويوما بعد يوم .. وأسبوعا وراء أسبوع .. وشهرا بعد شهر ، تكشفت الحقيقة عارية .. قاسية .. بلا رحمة . فنحن إزاء رجل يحكم بالحديد والنار ، ولا يتورع عن إستخدام أقسى وأبعد أشكال العنف ضد خصومه ومنافسيه ، وهو رجل يعانى من حالة من السادية والنرجسية ، وأمراض البارنويا ، فعقد النقص  والإضطهاد المصحوبة بعقدة الغرور والنرجسية  ، مغلفة بدرجة من العنف اللفظى والعملى لم تشهده مصر فى تاريخها المعاصر ، ولم تعرفه مصر مع أحدا من حكامها السابقين ، سواء قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 ، أو بعدها بإستثناءات نادرة فى مناصب أمنية أقل مستوى من منصب رئاسة الجمهورية . وكان من الممكن أن يتحمل الشعب بعض تلك الأخطاء والخطايا ، لو كان اداء الرجل على مستوى  الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة المصريين والغالبية الساحقة منهم قد تحققت فى السنوات الأولى لحكمه ، فمقابل أن طلب الرجل من الشعب الصبر عليه وإنتظار نتائجه لمدة عامين ، أتبعها بستة شهور أخرى ، ثم بأعوام متلاحقة ومتتالية، حتى تجاوزت فترة حكمه سبع سنوات دون أن يبدو فى الأفق أيه إشارات للإنجاز ، أو أى علامات لتحسين مستوى المعيشة ، بل على النقيض يزداد الفقر والبؤس والمعاناة مع كل يوم وكل أسبوع وكل شهر يمضيها هذا الرجل فى منصبه . والأن .. وبعد مرور سبع سنوات من تولى الرجل لهذا المنصب الرفيع ، وما نتج عن سياساته سواء الاقتصادية أو الاجتماعية ، أو السياسة الداخلية ، أو سياساته الخارجية و علاقاته الدولية ، لم يعد الصمت ممكنا . صحيح أن كاتب هذه السطور – كما قليلون مثله – لم يصمت ، فقد نشرت سلسلة مقالات فى موقع مصراوى منذ مطلع عام 2017 ، ترد بالأرقام على تلك المقولة المغلوطة والجاهلة التى رددها الجنرال السيسى فى كثير من لقاءاته وإجتماعاته وهى ( أن مصر بلد فقير .. وفقيرة قوى كمان ) ، ثم قمت بجمع هذه المقالات فى ضفتى كتاب  عنونته ” هل مصر بلد فقير حقا .. الرد على الجنرال عبد الفتاح السيسى ” ، وشرعت فى نشره فى أكتوبر عام 2018 ، ألا أن أجهزة أمن الجنرال ، بمجرد أن أشتمت رائحة حروف الطباعة ، قد  سارعت بمداهمة المطبعة ، وصادرت ألف نسخة من الكتاب ، وأعتقلت صاحب المطبعة الحاج إبراهيم الخطيب ، وأغلقت مطبعته ، ثم شرعت بالبحث عنى لعدة أيام حتى تمكنت أخيرا من إعتقالى ، لمدة عشرة أيام من أسوأ ما عايشت فى حياتى . صحيح أننا قد تمكنا من نشر الكتاب على الشبكة العنكبوتية بمجرد أن عرفنا بما جرى لصاحب المطبعة ومصادرة الكتاب ، مما أوصل الكتاب إلى مئات الآلاف من القراء والمتابعين ، فحققت بعض ما أرغب وما أريد . والأن ..وبعد أن أصبحت كل دور النشر محاصرة بقيود لم تحدث فى مصر منذ الأحتلال البريطانى لمصر ، وأصبح اسمى يثير الخوف والذعر لدى أصحاب المطابع ودور النشر ، خوفا من الإغلاق وإنتقام الأجهزة الأمنية ، فقد قررت نشر كتابى الجديد هذا على شبكات التواصل الاجتماعى .. حلقة وراء حلقة ، ومبحث وراء مبحث ، وفصلا خلف فصل .. فلم يعد الصمت ممكنا . فعلاوة على أن الصمت فوق طاقة الضمير الوطنى على التحمل ، وأن الصمت على ما يجرى من فساد ونهب للموادر والأصول والقدرات الاقتصادية لمصر وشعبها -ناهيك عن القدرات النفسية والعصبية للناس – هى مسئولية سوف يحاسبنا عليها  الله وأجيالنا وشعبنا فى الحاضر وفى المستقبل . ولأننى قد نشرت وطلبت مناظرة هذا الرجل أمام الرأى العام فى مصر حول مخاطر سياساته الاقتصادية على مستقبل مصر ، فلم يستجب لى أحدا ، ولم يقبل حتى  أحدا من معاونيه أن يتصدوا لهذه المناظرة  .لكل هذا .. فأننى قد توكلت على الله .. وأعتمدت على ثقة الناس ، وثقة دوائر البحث العلمى والبحث الاقتصادى فى قدراتى وفى نتائج أبحاثى .. وبقدر ما تكون النتائج  سوف أنشر تقييمى للسياسات الاقتصادية التى أتبعها هذا الجنرال طوال سبع سنوات منذ تولى منصبه ( 2014-2021 ) ، ومخاطر هذه السياسات على مصر وشعبها

” الحلقة الثانية ” عبدالخالق فاروق : الخطاب و الوعود التي قطعها الرجل على نفسه


تولى الجنرال عبد الفتاح السيسى منصب رئاسة الدولة فى مصر رسميًا فى الثلاثين من يوليو عام 2014، وبعد مرور عام على عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، فى الثالث من يوليو عام 2013، وتنصيب المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العُليا رئيسًا مؤقتًا للجمهورية، بعد فترة اضطرابات عاصفة مرت بها طوال العام المنصرم، الذى تولت فيه تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ومكتب إرشادهم الحكم، بواجهة أحد أبرز قياداتهم وعضو مكتب الإرشاد العام الدكتور محمد مرسى. 

وعلى أثر الموجة الثورية العاصفة التى اعتصم فيها ملايين المصريين فى الميادين العامة مطالبين بإجراء استفتاء مبكر على استمرار حكم  الرئيس الإخوانى الدكتور محمد مرسى من عدمه، وهو ما قُوبل بالرفض المطلق من جانب جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم من التيار الدينى الرجعى فى المجتمع (السلفيين – الجماعة الإسلامية – جماعة الجهاد وغيرهم). 

وبعد أن جرى عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى الثالث من يوليو عام 2013 ، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العُليا المستشار عدلى منصور منصب الرئاسة، حتى يونيه عام 2014، ثم انتخاب الجنرال عبد الفتاح السيسى رئيسًا للجمهورية فى يوليو عام 2014، توجه الرئيس الجديد بخطاب سياسى من نوع جديد، قائم على مغازلة مشاعر المصريين، واللعب على الوتر العاطفى الحساس والمؤثر لدى الشعب المصرى، وخصوصًا الفقراء منهم وأبناء الطبقة الوسطى، واستمر فى هذا الخطاب طوال السنة الأولى من حكمه، ثم جرى تحول دراماتيكى فى نوع الخطاب ومسار السياسات التى يتبعها الرجل. 

على أية حال، فإن أى تقييم موضوعى لسياسات الرجل، ينبغى أن تنطلق من زوايا متعددة، يتداخل فيها ما هو اقتصادى، بما هو سياسى واجتماعى، وما هو داخلى ومحلى بما هو إقليمى ودولى، ولهذا سوف يتحدد فى عدة مسارات هى: 

أولاً: نوع الخطاب والوعود التى قطعها الرجل على نفسه أمام الشعب المصرى. 

ثانيًا: مسار ونتائج سياساته الاقتصادية. 

ثالثًا: سياساته تجاه الحقوق والحريات العامة والمسار الديموقراطى فى البلاد. 

رابعًا: سياساته الإقليمية والدولية والتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للملكة السعودية. 

خامسا : مواقفه وسياساته من قضية فلسطين والصراع العربى – الإسرائيلى .

لكننا سوف يقتصر تناولنا هنا على المستويين الأولين فقط ، على أن نتناول فى الجزء الثانى المحاور الثلاثة الأخرى. 

المبحث الأول

نوع الخطاب والوعود التى قطعها الرجل على نفسه أمام الشعب المصرى

سبق تولى الجنرال عبد الفتاح السيسى لمنصبه الرئاسى فى يوليه عام 2014، حملة منظمة ولغة مستخدمة من جانبه موجهة إلى الشعب المصرى، بدأت بالمقولة الشهيرة الواردة فى بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى خضم الصراع ضد الرئيس الإخوانى محمد مرسى بالقول “إن هذا الشعب لم يجد مَنْ يحنو عليه”، ثم عاد وتكرر هذا المعنى فى أكثر من خطاب للرجل، فى خضم هذا الصراع موجهًا حديثه إلى المصريين بتاريخ  9 / 11 / 2013 حينما قال: “أنتم  مش عارفين أنكم نور عينينا ولا أيه”. 

وهنا داعب الرجل حلم المصريين باستعادة دورهم على المستوى الحضارى دوليًا وإقليميًا، حينما كرر أكثر من مرة بأن “مصر ستعود أم الدنيا..وقد الدنيا”. 

وقامت الشئون المعنوية للقوات المسلحة وكثير من القنوات الفضائية المملوكة لرجال المال والأعمال، منذ خلع الرئيس الإخوانى فى 3 يوليه عام 2013، بتنظيم حملة دعاية شديدة الذكاء والفاعلية، ترمى إلى نشر صورة إنسانية وذهنية لدى المصريين عن الجنرال السيسى القائد العام للقوات المسلحة، وتوزيع صوره بمئات الآلاف من النسخ فى الميادين والشوارع العامة بكافة المدن المصرية، باعتباره الصنو والوجه الآخر للزعيم جمال عبد الناصر من جهة، وللرئيس الأسبق محمد أنور السادات من جهة أخرى، لمداعبة ومغازلة أنصار ومؤيدى هذا الرئيس أو ذاك، برغم التباين الشاسع بين الرجلين فى التوجهات والانحيازات الاجتماعية والمدركات السياسية . 

وفى حديثه ولقائه التليفزيونى الأول – بعد أن أبدى رغبته فى الترشح للمنصب الرئاسى – مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدى، بتاريخ 5 / 5 /2014،  و 6/5/2014،فى إطار ما يمكن أن يطلق عليه تجاوزًا “الحملة الانتخابية”، لم يقدم الرجل رؤية سياسية أو اقتصادية، بقدر حرصه على أن يبدو الرجل القوى القادر على محاربة الإرهاب، الذى انطلق من عقاله بعد عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، سواء فى سيناء أو فى مناطق أخرى من البلاد، كما حرص على أن يقدم للمصريين صورة الرجل العارف عن ظهر قلب بكل مشاكل مصر، ولديه حلول لها. 

وبقدر الخوف والرعب الذى شاع بين الفئات الأوسع من المصريين من استمرار الحكم الدينى لتنظيم الإخوان المسلمين، المتحالفين مع المجموعات السلفية الشديدة الرجعية، والميالة للعنف وسفك الدماء مثل تنظيم الجماعة الإسلامية ، وتنظيم الجهاد وغيرهما، طوال عام كامل (يونيه 2012- يونيه 2013)، بقدر النجاح الذى أحرزه الجنرال عبد الفتاح السيسى بصفته القائد العام للجيش، فى استخدام الخطاب واللغة العاطفية، واللعب على الوتر الحساس لدى الشعب المصرى، خصوصًا فى الفترة التى سبقت ترشحه للرئاسة، والتى استمرت لمدة عام واحد فقط بعد توليه فعلاًالمنصب الأعلى فى الدولة المصرية. 

ثم حدث التحول الدرامى فى خطاب الرجل، فانتقل من الخطاب الترويجى لمدة عام كامل إلى الخطاب التبريرى ، فبدا أكثر عصبية، وأكثر غرورًا، حينما خاطب المصريين بشدة قائلاً: “لا تصدقوا ولا تسمعوا كلام أحد غيرى”، ثم بدأ لغة بدت لدى المصريين فيها من المبالغة وعدم الحقيقة بأكثر مما ينبغى، حينما خاطبهم قائلا: “أنا ثلاجتى والله العظيم ظلت عشر سنوات ليس بها سوى الماء”، وانتقل بعدها إلى الكلام والخطاب الخشن حينما ردد أكثر من مرة “أنا أجيب لكم منين” و”أنا – يقصد كدولة – كمان غلبان قوى”، وزاد عليها القول “أيوة أحنا بلد فقير..وفقير قوى كمان”، وهكذا يكاد يكون الرجل قد قطع حبل المودة والتعاطف الشعبى التى كانت له فى الشهور القليلة السابقة، ويضاف إليها أنه قد كشف دون أن يقصد أنه لا يمتلك حلولاً حقيقية للمشكلات والأزمات الاقتصادية، التى تحياها البلاد منذ سنوات طويلة، والتى ادعى فى بواكير ظهوره على المسرح السياسى أنه يمتلك حلولاً جاهزة لها. 

وفى غمرة الحديث المتكرر منه ومن وسائل الإعلام التى جرى احتواؤها والسيطرة عليها تمامًا، حول المشروعات العملاقة فنقرأ مثلا فى الصحف (السيسى يتعهد بمشروعات تعوض الشعب)(1) ونقرأ فى يوم آخر (39 مشروعًا جديدًا افتتحها السيسى)(2) ، فإذا بنا نراجع هذه المشروعات فنجد الكثير منها بلا معنى  جوهرى مثل: 

  • تطوير بوابات تحصيل الرسوم بطريق القاهرة – الإسكندرية. 
  • إنشاء بوابة لمدينة العلمين. 
  • إنشاء بوابة لمدينة 6 أكتوبر. 
  • رفع كفاءة طريق الإسكندرية مطروح. 
  • كوبرى العباسة العلوم بمحافظة الشرقية. 
  • افتتاح تطوير حديقة الأسرة وإنشاء فندق ومجمع مطاعم ، ومركز تجارى شمال الحديقة بالقاهرة الجديدة. 
  • تطوير مركز شباب الجزيرة بمنطقة الزمالك. 
  • تطوير وتوسعة طريق القاهرة – السويس الصحراوى من الطريق الدائرى وحتى الطريق الدائرى الإقليمى. 
  • وهكذا فى معظم المشروعات التى أعلن عنها خلال العام الأول من حكمه، وبقية السنوات الثلاثة اللاحقة، رجل يبحث عن مشروعات لافتتاحها حتى لو كانت قليلة الأهمية، ولا تليق بمقام رئيس الجمهورية، أو مشروعات كان يجرى العمل فيها قبل أن يتبوأ منصبه بسنوات!وحتى مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة (37 كيلو مترًا)، والتى كانت فى الأصل مشروعًا مخططًا له لدى هيئة قناة السويس، على أن تتم خلال ثلاث سنوات، فإن التكليف الرئاسى بضرورة إنجازها فى سنة واحدة، حتى لو كلف الأمر أن تتضاعف التكاليف ثلاثة اضعاف وتؤثر سلبًا على المتاح من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، ومن الفائض المحول من حسابات هيئة قناة السويس لصالح الخزانة العامة، فقد كانت مدفوعة بتثبيت دعائم حكمه بإنجاز من نوع ما، حتى لو كانت جدواه الاقتصادية لا تتطلب ذلك. 

وإذا تأملنا من جانب آخر مضمون الخطابات الرئيسة للفريق عبد الفتاح السيسى، سواء قبل توليه الرئاسة مباشرة ، أو بعدها بشهور قليلة نكتشف الآتى: 

أولاً: لقاؤه التليفزيونى الأول  بتاريخ 5 / 5 / 2014، على قناة سى بى سى  مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدى.

خلال هذا اللقاء الذى انتظره المصريون بشوق، وتابعوه بشغف، واستمر لمدة ساعتين تقريبًا، تحددت أفكار الرجل على النحو التالى: 

1-فى مجال التعليم تحدث الرجل عن حاجتنا إلى بناء 20 ألف مدرسة وتعيين 200 ألف مدرس، بما يحتاج فى المتوسط إلى 500 مليار جنيه، ولكنه لم يقدم خطة أو تصورًا لإعادة بناء تلك المنظومة، التى ضاعت وتاهت معها مصر لثلاثة أو أربعة عقود سابقة، فجاء الخطاب بمثابة عذر تعجيزى من ناحية ، وخلوًا من أى تصور لاقتحام تلك المشكلة، التى يتوقف عليها مستقبل البلاد كلها. 

2-وبالمقابل تحدث عن أن الموارد المتاحة لا تسمح بتحسين ظروف المعلم الآن، بما يؤكد مرة ثانية بأن الرجل لا يمتلك رؤية، ولم يطلع على الأفكار والدراسات، التى تناولت وسائل إنقاذ التعليم فى مصر فى ضوء رد الاعتبار لمجانية التعليم وعودة المدرسة العامة لتكون قيادة فى النظام التعليمى بدلاً من تركه نهبًا لمفهوم الربح والتجارة والقطاع الخاص. 

 3-لم يقترب الجنرال السيسى من موضوع كيفية تعظيم الموارد وبناء سياسات ضريبية عادلة، بل إنه ناشد فى صيغة مكررة ومبتذلة رجال المال والأعمال بالتبرع بالمال، دون أن يرنو بالبصر إلى تجارب الدول الكبرى فى إعادة بناء نظامها الضريبى ليوازن بين الأرباح الهائلة لفئة من الناس والأعباء الضريبية الكفيلة بإعادة بناء الدولة. 

4-ولم يتطرق الرجل إلى مهمة إعادة بناء قطاعات الإنتاج المهملة مثل قطاع الثروة المعدنية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وكذلك مراجعة نظم العمل والتشغيل فى قطاع البترول والغاز الحافل بالفساد ونهب الموارد العامة (3). 

5-وبالمثل لم يتطرق أبدًا لموضوع الصناديق والحسابات الخاصة، التى ظلت لسنوات طويلة ركيزة من ركائز دولة الفساد فى عهد حسنى مبارك، بل المصيبة أن الرجل قد بدأ عهده بإنشاء صندوق وحساب خاص تحت مسمى “صندوق تحيا مصر”. 

6-لم يتطرق الجنرال السيسى فى هذا اللقاء المهم إلى موضوع استرداد الأموال المنهوبة والمهربة من أركان نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومن أموال أسرة حسنى مبارك. 

7-وصف الرجل الملك السعودى “عبد الله بن عبد العزيز” بأنه “كبير العرب” و “حكيم العرب”، وبصرف النظر عن مضمون ومعنى هذا التبجيل للملك السعودى، وما يعكسه من تقزيم دور مصر، فلم يسبق لرئيس مصرى أن وصف ملكًا سعوديًا أبدًا بأنه “كبير العرب”، فإنه يتجاهل الدور المدمر الذى قام به هذا الملك وبقية أفراد الأسرة المالكة السعودية فى تفتيت وتدمير المنطقة، سواء فى العراق أو سوريا، أو الحرب المدمرة فى اليمن، وتسليح العصابات التكفيرية المجرمة فى هذه البلدان، والجميع يعلم أن الجماعات التكفيرية بدءًا من القاعدة ومن بعدها داعش، والفصائل المرتبطة بهما فى ساحات القتل والترويع وقطع الرؤوس فى سوريا والعراق واليمن هم على صلات وثيقة بالمخابرات السعودية، وهم أدواتها منذ سنوات طويلة فى سياساتها الخارجية  الإقليمية والدولية. 

8-عندما تحدث الجنرال السيسى عن آليات السيطرة على الأسعار والأسواق، قال كلامًا ساذجًا لا يصلح فى إدارة دولة، حيث أشار إلى أنه سوف يوفر- بالتعاون مع القوات المسلحة – ألف سيارة تجوب شوارع المدن المصرية لبيع السلع بأسعار أقل من مثيلتها لدى التجار، وبصرف النظر عن تحويل جزء من الجيش إلى تجار فى الأسواق، فإن هذا الحديث يعكس جهلاً فاضحًا بأسس إدارة الاقتصاد، وفى القلب منها السيطرة على الأسواق عبر حزمة من السياسات المتكاملة، تأتى فى مؤخرتها منافذ التوزيع. 

9-أنتقل الرجل للحديث حول إعادة التقسيم الإدارى للمحافظات بشكل أفقى بحيث يكون لكل محافظة منفذ على البحر، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذا لم يتقدم خطوة واحدة فى هذا الاتجاه. 

10-ثم أنتقل إلى خطته لاستزراع واستصلاح أربعة ملايين فدان – هبط بها بعد عدة شهور إلى 1.5 مليون فدان فقط – وبرغم أن هذا الهدف مفيد من الناحية الإستراتيجية، إلا أنه يفتقر إلى الأسس العلمية المرتبطة بالمخزون المائى المتاح لدى مصر، خصوصًا بعد شروع أثيوبيا فى بناء سد النهضة ومجموعة سدود أخرى على النيل الأزرق، مما سيحرم مصر من جريان مائى مناسب، إن لم يحرمها من حصتها المائية فى النهر، يضاف إلى ذلك فقر الدراسات الجادة بشأن المخزون المائى الجوفى. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من حكم الرجل لم يتقدم سوى بضعة آلاف من الفدادين فى مناطق واحة الفرافرة ومناطق أخرى لم تزد كلها عن 50 ألفًا إلى 100 ألف فدان. 

11-وعند حديثه عن الطاقة، أكد على أن الطاقة الشمسية هى الأساس، وعدم اللجوء إلى محطات توليد الكهرباء بالوقود التقليدى، وسوف يعمل على توفير 4 آلاف ميجاوات مع الاستخدام المكثف للمبات الموفرة. 

12-والأهم أن الجنرال السيسى لم يأتِ على ذكر وجود خطة لتعبئة الموارد والفوائض المالية المتاحة لدى المصريين فى الداخل والخارج، وإنما اعتمد على المناشدات والرجاء. 

ثانيا : الانتقال إلى خطابات التخويف 

أما خطاب الجنرال السيسى بتاريخ 24/2/2016، وبعد مرور أكثر من 19 شهرًا على توليه المنصب الرئاسى فقد اتسم بطابع جديد منها:

  • بدأه بخطاب التخويف والحديث حول التآمر على مصر، وهى نفس اللغة التى سبق واستخدامها سلفه الرئيس أنور السادات بعد زيارته للقدس المحتلة فى نوفمبر عام 1977 ، وتزايد المعارضة الداخلية والخارجية لحكمه، بهدف دفع المصريين لتأييده والالتفاف حول سلطته وتبرير إجراءاته القمعية ضد المتظاهرين من الشباب والمعارضين لحكمه، وتعمد الخلط بين المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين ، وبقية المجموعات الإرهابية الأخرى، وبين معارضيه من التيارات السياسية المدنية الأخرى. 
  • ثم كرر الحديث الذى سبقه إليه الرئيس المخلوع حسنى مبارك عام 1982، بالقول بأن البنية الأساسية لمصر محطمة، وهو يتولى الآن إعادة بنائها، سواء فى مجال الطرق ومحطات الكهرباء وغيرها، وهو كلام مردود عليه. 
  • كرر الرجل الحديث حول أنه يعرف مصر ومشاكلها تمامًا كما يرى مشاهديه، والتنبيه على الشعب بألا يسمع من آخرين، والقول بلغة غير مسبوقة فى الخطاب السياسى لرؤساء مصر من قبل “أنا فاهم باقول أيه”. 
  • ثم عاد الرجل  بتاريخ 3/6/2016 ، وبعناد وكبر غير معهود – إلا فى خطابات الرئيس الأسبق أنور السادات – بالحديث  حول تضخم الجهاز الإدارى المصرى ، وشموله على حوالى سبعة ملايين موظف، وأنه يستطيع إدارته بمليون موظف فقط ..!! ، وهذا ما دفعنا للرد عليه فى مقال منشور فى عمود الكاتب الدكتور عمار على حسن  بجريدة الوطن بتاريخ    / 6 / 2016، وقد جاء فى المقال ما يلى : 

ردًا على تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى الأخيرة بشأن الجهاز الإدارى للدولة

عزيزى الدكتور عمار على حسن 

تحياتى 

تقديرًا واحترامًا لمنبرك الذى تطل منه على ملايين المصريين والعرب يوميًا، ويتابعك هؤلاء باهتمام واحترام، أتمنى أن تشاركنى همومى وحزنى من تكرار تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى حول الموظفين والجهاز الإدارى للدولة، تلك التصريحات التى تمس قضايا وجدت أن أشاركك فيها وأن تسمح لى بأن أطل من نافذتك على قرائك على النحوالتالى: 

كرر الرئيس عبد الفتاح السيسى تصريحاته بشأن عدد موظفى الدولة البالغ 7 ملايين موظف وعامل، وقال هل يكفى أن ندير هذا الجهاز بكم شخص؟ مليون أو اثنين .. 

ونظرًا أن تكراره لهذا النوع من التصريحات تكشف بجلاء عن ثلاثة أمور فى غاية الخطورة هى: 

أولاً: أن الرئيس يجهل تمامًا ماهية الجهاز الإدارى للدولة، أو أن مَنْ حوله يضللونه ويورطونه فى مثل هذا النوع من التصريحات الجهولة ولذلك نذكره ببعض الأرقام: 

1-  أن أكبر وزارة يعمل بها موظفون فى البلاد هى وزارة التربية والتعليم بعدد يزيد الآن عن مليون و 800 ألف شخص، منهم مليون مدرس، ولدينا حوالى 40 ألف مدرسة حكومية بخلاف الجهاز الإدارى للوزارة .. فهل نغلق المدارس ونبيعها للقطاع الخاص حتى نتخفف من أعباء التعليم، أم نعيد بناء منظومة التعليم حتى يتحقق لها الفاعلية؟  

2- ثانى أكبر وزارة للتشغيل والتوظيف فى مصر هى وزارة الداخلية يعمل بها حوالى 830 ألف ضابط وأفراد – بخلاف الأمن المركزى  طبعًا، الذين يزيدون عن 250 ألف فرد لا يحتسبون من موظفى الدولة؛ لأنهم فى خدمة العلم ما عدا ضباطهم –   فهل نغلق أقسام الشرطة ومديرياتها ونسرح كل هؤلاء حتى تتخفف الدولة من أعبائهم؟  

3 – أما وزارتا الصحة والأوقاف فيعمل بكل منهما حوالى 420 ألف شخص، فهل نغلق المستشفيات الحكومية ويذهب الفقراء للجحيم فوق جحيمهم الراهن، وكذلك نغلق المساجد والأزهر والأوقاف حتى يتخفف الرئيس وحكومته ونظامه من الأعباء المالية؟ وهذه الوزارات الأربعة وحدها يعمل بها أكثر من 65% من السبعة ملايين موظف الذين يتكلم عنهم الرئيس.

4- أما بقية الوزارات فيعمل بها الجزء الباقى مثل وزارةالشباب والرياضة ووزارة الشئون الاجتماعية أو التموين والتجارة الداخلية وزارة التخطيط وزارة المالية وبقية الجهاز الإدارى بالقاهرة  .. فهل يعقل أن يدير الرئيس كل هذه القطاعات الخدمية بمليون شخص. 

ثانيًا: أن هذا النوع من الخطابات السياسية علاوة على ما يؤديه من أذى للموظفين وأسرهم باعتبارهم عبئًا ولا ضرورة لهم، فإنه يكشف عن رعبة دفينة لدى الرئيس فى الميل إلى الخصخصة وتسليم كل شىء للقطاع الخاص وإنهاء أى دور للدولة فى معالجة مشكلات الناس. 

ثالثًا: أنها تكشف كذلك عن غياب أى منظور للتنمية الحقيقة لدى الرئيس؛ لأن أدوار الحكومات فى التنمية والتخطيط فى الدول النامية كحالتنا أصبحت من المسلمات الفكرية فى علم التنمية الاقتصادية، وما سبب أزمتنا وبلوتنا الاقتصادية الآن سوى نتيجة انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى والأدوار التنموية وترك البلاد تحت رحمة السوق وفوضاه ورجال المال والأعمال.

فليقل لنا الرئيس هو مع مَنْ بالضبط.. وإن كنت قد أدركت أنا الآن أين يقف الرئيس. 

عبد الخالق فاروق

كما برز فى هذا الحديث استخدامه للغة التهديد لخصومه. 

  • كما تجنب الرجل الحديث أو التطرق على الإطلاق إلى الموضوعات الحيوية فى إدارة الشأن الاقتصادى، بما يعكس نمط تحيزاته واتجاهات مدركاته السياسية ومنها: 
  • تجاهل شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، وموقفه من إعادة تشغيلها. 
  • لم يتطرق أبدًا إلى ضرورة بناء نظام ضريبى عادل بهدف تعظيم الإيرادات من ضرائب أرباح الشركات ودخول وثروات الأغنياء، والتى يقدرها الخبراء بأكثر من 150 مليار جنيه إلى 300 مليار جنيه إضافية .

ج-  لم يتطرق أبدًا إلى قضية استرداد الأموال المنهوبة من مصر من رموز نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بما يؤكد أنها ليست فى أولوياته ولا اهتماماته، خصوصًا وأن بعض أقرب المقربين إليه سوف تمسها إجراءات التحقيق، والكشف عن ثرواتها خصوصًا من قيادات الجيش. 

د- لم يتطرق أبدًا إلى رؤيته لتفكيك ركائز دولة الفساد المستشرى فى البلاد، وكل ما فعله – هو تمامًا ما فعله من قبله الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى مطلع حكمه عام 1982 – بالقبض على بعض الفاسدين من شاغلى مناصب وزارية محدودة العدد جدًّا. 

ه – لم يتطرق أبدًا لما يُسمى “إستراتيجية مصر 2030” ، التى وضعتها وزارة التخطيط ووزيرها أشرف العربى، كإطار أكاديمى لتوفير مظلة نظرية لنظام الحكم الجديد، دون أن يكون هناك مقومات لنجاحها، نظرًا لغياب النسق السياسى والاختيارات الاجتماعية، التى تحكم أية خطة طويلة المدى، وبالنظر لكونها ليست من بنات أفكاره، ولا تتفق مع قناعاته وتحيزاته الاجتماعية الحقيقية.  

و- لم يشتمل حديثه أبدًا – سواء فى هذه المرة أو فى غيرها – على الأبعاد والرؤية الإستراتيجية لسياسة مصر الإقليمية والدولية، مثل تورطنا فى تأييد الحرب العدوانية للسعودية والإمارات على  شعب اليمن، ولا الموقف السياسى الواضح من المأساة السورية، ولا الوضع فى العراق، وترك لوزراء الخارجية التصرف وفقًا لما تمليه ظروف اللحظة ووقائعها، دون رؤية إستراتيجية واضحة، مما ورط نظامه فى مواقف فاضحة ومثيرة للشفقة فى مجلس الأمن الدولى .

ز- وانطلق الخطاب إلى الحديث المغلوط حول الدعم فقال إنه فى عامين ونصف العام استهلكت مصر وقودًا بالأسعار العالمية قدره 533 مليار جنيه، وبالأسعار المحلية 384 مليار جنيه، وأن أشقاءنا فى الخليج أسهموا معنا ب 151 مليار جنيه (أى 20 مليار دولار بسعر الصرف السائد وقتئذ وقبل تغريق الجنيه المصرى فى 3 نوفمبر عام 2016). وعلاوة على كون هذا الحديث مغلوطًا اقتصاديًا – وهو ما سنتعرض إليه بعد قليل – فإنه يقدم نفس الخطاب التبريرى الذى كان يقدمه نظام حسنى مبارك ومسئولوه حول موضوع الدعم. 

ح – ووعد الرجل ببناء مليون وحدة سكنية تتكلف 165 مليار جنيه (أى بتكلفة للوحدة قدره 165 ألف جنيه)، دون أن يحدد مَنْ يستطيع أن يدفع تكاليفها بالتقسيط أو نقدًا.  

وفى لقائه بتاريخ 3/6/2016، أفصح الرجل عن نمط اهتماماته وأولوياته ، فركز على العاصمة الإدارية الجديدة، مقابل إهمال مقصود لقضية التعليم، حينما أشار إلى أن قضية التعليم تحتاج إلى جهد كبير وثلاثة عشر عامًا ومئات المليارات من الجنيهات لإصلاحها، وبهذا أكد على أنها ليست فى جدول اهتماماته، على الأقل فى الفترة الرئاسية الأولى، وربما ما بعدها. 

وبعد ستة شهور من هذا الحديث أطل الرجل مرة أخرى فى حديث مطول بتاريخ 23/8/2016 لصحيفة الأهرام وبقية الصحف الحكومية الثلاثة (أهرام – أخبار – جمهورية) ، فركز فيه على إنجازاته منذ تولى الحكم فى العامين الماضيين فذكر: 

  • تطرق إلى إنجاز الطرق فذكر أنها سبعة آلاف كيلو متر، بينما كان أصل المشروع ثلاثة آلاف كيلو متر، وكذلك بناء 200 كوبرى ، وتصل قيمة هذه المشروعات 100 مليار جنيه حتى منتصف يونيه 2017. وإذا علمنا أن تكلفة بناء كيلو متر واحد من الطرق يتكلف 10 ملايين جنيه ، فنحن فعليًا بصدد 70.0 مليار جنيه للطرق وحدها. 
  • محطات الكهرباء سوف ينفق عليها 400 مليار جنيه (أى 20 مليار دولار بأسعار صرف بعد تغريق الجنيه فى نوفمبر 2016). 
  • وفى سابقة  فريدة تذكرنا بمقولة الرئيس الأسبق أنور السادات حينما دلل للمذيعة التليفزيونية (همت مصطفى) التى تحدثه عن الرخاء الذى وعد به المصريين عام 1980 قال السادات: “نحن فعلا دخلنا الرخاء يا همت يا بنتى .. متر الأرض كان بملاليم والآن أصبح ب 500 جنيه وأكثر”، هنا كررها الجنرال السيسى بطريقة مدهشة، حينما ذكر أنه قد أضاف أصولاً جديدة للدولة تصل إلى 1.2 تريليون جنيه، من خلال العاصمة الإدارية الجديدة المزمع إنشاؤها من خلال احتساب مساحة الأراضى المخصصة لها مضروبة فى سعر بيع المتر المربع (1.2مليار متر مربع × ألف جنيه للمتر المربع الواحد)، هذا وكأن هذه الأراضى سوف يدخل ريع بيعها إلى الخزانة العامة ، وليس إلى جيوب السماسرة وشركات المقاولات  وشركات الجيش التى لا تسدد ضرائب ..!
  • ثم عاد وكرر مقولة ضرورة تخفيض عدد الموظفين فى الدولة. 
  • وأضاف الرجل فى حديثه أن هناك ألفى شركة بناء وتشييد تعمل فى تلك المشروعات تحت إشراف الجيش، دون أن يذكر أنه مقابل هذا الإشراف تحصل القوات المسلحة وجهاز الخدمة الوطنية ، والإدارة الهندسية فيها على حصة إشراف تصل أحيانًا إلى 20% من قيمة المشروع، مما يحمل هذه المشروعات بتكاليف إضافية يتحملها الاقتصاد المصرى دون مبرر موضوعى، سوى الرغبة فى تحقيق أرباح وإيرادات ضخمة للجيش. 
  • كما ذكر الرجل فى حديثه أن القوات المسلحة تستورد اللحوم وغيرها من السلع دون وسطاء، وبرغم أن هذا هو دور وزارة التموين وهيئة السلع التموينية فيها، فان المفترض أن استيراد هذه السلع دون وسطاء من شأنه تخفيض أسعارها بصورة كبيرة وملحوظة فى السوق المصرية، ولكن ما بدا من التجربة أن ما تطرحه سيارات القوات المسلحة لبيع تلك السلع لا تقل كثيرًا عن تلك الأسعار، التى يبيع بها التجار والمحتكرون فى السوق المصرية، وكأننا نضيف إلى المحتكرين من القطاع الخاص، محتكرًا جديدًا هو الجيش ، دون فائدة حقيقية تعود على المستهلكين المصريين الفقراء ومحدودى الدخل. 
  • وفى محاولة للدفاع عن القوات المسلحة ذكر الرجل أن كل اعتماداتها لا تزيد عن 2.5% من الناتج القومى، وهى نسبة ضئيلة، وذلك دون أن يتطرق على الإطلاق إلى الصناديق والحسابات الخاصة التابعة للجيش، والتى لا يعرف أحد عنها شيئًا، سواء من حيث الحجم أو طريقة التصرف فيها، ودون أن تسدد عنها أية مستحقات ضريبية، ودون أن يتقاضى الجنود والضباط العاملون فى قطاعاتها مرتبات تتناسب مع تلك الأرباح الهائلة المتوارية عن الأنظار والأجهزة الرقابية ومجلس النواب ( راجع تصريحات اللواء حسن الروبى عن حسابات الجيش ). 
  • وكوسيلة دفاعية قال الرجل أرقامًا ومعلومات غير صحيحة، فذكر أن دعم الكهرباء رفع فقط على مَنْ يزيد استهلاكه شهريًا عن ألف كيلو وات،  كما ذكر أن مَنْ يستهلك 50 كيلو وات شهريًا يحصل على دعم قدره 28 جنيهًا، وبصرف النظر عن الطريقة الخاطئة التى اعتمدها وتعتمدها الحكومات المصرية منذ عام 2005 فى احتساب ما يُسمى دعم المنتجات البترولية عمومًا والكهرباء خصوصًا، فإن الحقيقة المنشورة فى كافة المصادر الرسمية تؤكد أن الكهرباء قد زادت أسعارها منذ أن تولى حتى لحظة كتابة هذه السطور (سبتمبر 2021) خمس مرات، بدأت من استهلاك شهرى 50 كيلو وات فأكثر وبصورة كبيرة وملحوظة ومرهقة للأسر المصرية

الطريق المسدود ( 3 ) عبدالخالق فاروق : السيسي و استخدام خطاب المغالطات و المعلومات الخاطئة عمدا !!

أستخدام  خطاب المغالطات والمعلومات الخاطئة عمدا

 فى حديث الجنرال السيسى أمام مؤتمر الشباب السادس المختارين بعناية مساء يوم السبت الموافق 28/7/2018 ،   ذكر الرجل مجموعة من المعلومات  والأرقام المغلوطة التى  قد يكون من المناسب  مناقشتها وتفنيدها أمام الرأى العام وهى : 

  • أن تكلفة زيادة أجور المدرسين بقيمة ألف جنيه فقط شهريا ، سوف تكلف الخزانة العامة 15 مليار جنيه سنويا ، وأننا غير قادرين على ذلك ، برغم رغبتنا فى تحقيقها ، وأحد أسباب ذلك هو أن بقية الفئات الوظيفية سوف تطالب بالزيادة أيضا . والحقيقة أن هذا الكلام يعكس مغالطة وسوء إدارة للموارد معا ، فمن ناحية تعتبر وزارة التربية والتعليم فى مصر هى أكبر مشغل للعاملين حيث يعمل بها حوالى 1.7 مليون موظف ، منهم 1.3 مليون مدرس وإدارة مدرسية ، وهؤلاء يحصلون على أدنى الدخول الوظيفية فى البلاد وربما فى العالم أجمع ، حيث يحصلون على مرتبهم الوظيفى والأجور المكملة لا تزيد على 1200 جنيه كحد أدنى إلى 3500 جنيه للمدرسين الذين قاربوا على سن الستين ، بالمقابل فأن الجنرال السيسى قد قام بزيادة أجور وحوافز فئات وظيفية أخرى بصورة كبيرة جدا خلال سنوات حكمه مثل ضباط الجيش والشرطة وأفراد الشرطة ، والقضاة والعاملين فى السلك القضائى ، و العاملون فى السلك الدبلوماسى والقنصلى ، واعضاء مجلس النواب والوزراء والعاملين فى اجهزة الاستخبارت بكافة فروعها ، بحيث أن حصة العاملين فى وزارى التربية والتعليم وبقية العاملين فى المحافظات ( وعددهم يزيد على 3.5 مليون موظف ) لا يزيد على 40% من كعكعة الأجور والمرتبات الواردة فى الموازنة العامة ، بينما العاملون فى وزارات القوى والجهاز الإدارى ( وعددهم لا يزيد على 1.3 مليون موظف منهم 830 ألف فى الشرطة ) يحصلون على 55% من كعكعة الأجور والمرتبات . وهنا جوهر الخلل فى إدارة الموارد المالية  والتحيز لصالح فئات معينة بسبب حاجة النظام والحكم إلى ولاءها وطاعتها مثل القضاء والشرطة والجيش والوزراء وأعضاء مجلس النواب ، على حساب الفئات الوظيفية الأضعف التى ينظر إليها الجنرال السيسى  ونظامه بإزدراء وإستهانة كما قال بالنسبة للمدرسين .

2-وبالنسبة للمدرسين أيضا ، فأن إعادة تنظيم موارد وزارة التربية والتعليم من شأنها زيادة دخلهم الشهرى بحوالى 750 جنيها شهريا إلى 1000 جنيه شهريا لكل مدرس من خلال إعادة النظر فى طريقة صرف بعض المخصصات المالية مثل مكافآة الامتحانات التى تصرف فى نهاية العام الدراسى ، وبمتوسط 3500 جنيها إلى 5000 جنيه للمدرس أو العامل فى قطاع التربية والتعليم ، بينما يظل المدرس طوال العام يحصل على أدنى المرتبات والدخول ، فإذا أعادنا توزيع المخصص المالى لمكافآت الامتحانات على مدار العام ، يزيد دخل المدرس فى المتوسط بين 750 جنيها شهريا إلى ألف جنيه شهريا دون أن تحتاج إلى تعزيزات مالية أضافية ، ومن شأن ذلك تخفيف حدة العوز والحاجة للمدرسين الذى يدفعهم دفعا إلى تعاطى جريمة الدروس الخصوصية . 

3-من شأن وقف الإسراف فى كثير من الجوانب الحكومية مثل مكاتب الوزراء والمسئولين  وبناء القصور الفاخرة والإستراحات والمبانى الحكومية فى مدينة العلمين وغيرها ،  ووقف الهدر فى بعض أبواب الموازنة العامة للدولة مثل المجموعة الخامس من الباب السادس ( الاستثمارات ) وخصوصا مخصصات الدراسات المتعلقة بالمشروعات التى يحصل عليها غالبا مكاتب إستشارية لوزراء سابقين ولاحقين وأبناءهم ، وأقرباءهم ومنهم محمود محيى الدين وشريكه زياد بهاء الدين وغيرها من المكاتب الاستشارية والتى تكلف الموازنة العامة ما بين 8.0 مليار جنيه إلى 13.0مليار جنيه سنويا ،  خصوصا فى السنوات السبع الأخيرة ، وغيرها من النفقات غير الضرورية التى تعرضت لها فى الكثير من كتبى وأبحاثى ، أن توفر جزء من المبلغ المطلوب .

4-بالنسبة للمغالطات فى موضوع الدعم فقد ذكر الرجل فى هذا المؤتمر السادس وأمام جمع كبير من الشباب المختارين أمنيا ومن خلالهم إلى بقية الشعب المصرى ، أن تكلفة الدعم الوارد فى موازنة هذا العام (2018/2019) هى 330 مليار جنيه … هكذا وترك الرقم يمرح بين الناس دون توضيح حقيقته ، تماما كما الآية الكريمة ” ولا تقربوا الصلاة .. ” فلم يستكمل النص القرأنى صحيحا كما ورد فى القرآن . 

والحقيقة التى نرغب فى عرضها على الرأى العام هى : 

1-أن هذا الرقم (330 مليار جنيه  ) ، ورد فى باب واسع فى الموازنة العام للدولة لعام 2018/2019 تحت مسمى ” الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ” ، وهى مكونات أكبر من  مجرد مصطلح ” الدعم ” الذى يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى المصريين . 

2-أن مكونات هذا الباب  تتوزع على عناصر وبنود كثيرة هى : 

(أ)ما يسمى الدعم بقيمة 213.7 مليار جنيه ، وهى تشمل بنود متعددة منها ( دعم السلع التموينية – دعم المواد البترولية –دعم تنشيط الصادرات – دعم الكهرباء – دعم التأمين الصحى – دعم المزارعين – دعم فوائد الإسكان والقروض الميسرة – دعم تنمية الصعيد ) ، وهذه الأرقام تحمل مضامين بعضها  يمثل تلاعب محاسبى ومالى بدأ منذ عام 2005/2006 كما عرضنا فى عدة مقالات ودراسات وكتب  خصوصا ما يسمى  دعم المشتقات البترولية والغاز والكهرباء  . 

(ب)المنح وقدرها 7.7 مليار جنيه وتشمل المنح لجهات الحكومة العامة وللحكومات الأجنبية ومنح أخرى. 

ج)مزايا إجتماعية وقدرها 93.6 مليار جنيه وهى تشمل معاش الضمان الاجتماعى ( 17.5 مليار جنيه ) ومساهمات فى صناديق المعاشات (69.0 مليار جنيه ) ، وهى فى الحقيقة مستحقات أصحاب المعاشات الذين إحيلوا للتقاعد بعد خدمتهم لسنوات طويلة ، وبالتالى فهى أموال اصحاب المعاشات التى أستولت عليها الحكومة المصرية منذ عام 2005/2006  من خلال تلاعب مالى قامت به حكومة أحمد نظيف ووزير ماليته الهارب يوسف بطرس غالى ، أى أنها فى معظمها ديون مستحقة على الحكومة المصرية ، لم تكن لتدرج فى الموازنة العامة أو تتحملها الموازنة العامة أصلا ، لولا هذا الإستيلاء المسبق للحكومة المصرية على أموال صندوقى التأمينات والمعاشات منذ عام 2005/2006 ،  وهو بالتالى ليس دعما بالمعنى العلمى الدقيقة بقدر ما هو تسديد لدين على الحكومة المصرية ووزارة المالية لصالح صندوقى التأمينات والمعاشات ، وفى المحصلة فهى نتيجة لسوء إدارة الموارد المالية للدولة وتصرفاتها الشاذة . 

كما أن هذه المساهمات فى صناديق المعاشات ، تتفاوت بين الفئات الوظيفية المختلفة ، فمعاشات فئات مثل القضاة وضباط الجيش والشرطة ، تلتهم جزءا كبيرا من هذا الباب المالى ، بينما الفئات الوظيفية الضعيفة والكادر العام لا يحصلون من هذه المساهمات على معاشات تليق بالبشر والإنسان المصرى .

د) وهناك مبلغ مالى مدرج تحت مسمى أحتياطيات عامة للدعم والمنح وقدره 16.8 مليار جنيه ، أى انه مجرد أحتياطيات عامة قد لا يصرف أصلا ، وغالبا ما تسترجعة الموازنة العامة للدولة فى ختام السنة المالية ، أللهم ألا حدثت كارثة كبرى كالزلازل والبراكين ، ومصائب القطارات والطرق .. الخ ، وبالتالى فغالبا هذا المبلغ سيرد إلى الخزانة العامة ويصبح رقم هذا الباب ككل أقل كثيرا  من 330.0 مليار جنيه بقيمته ، كما ورد فى حديث الجنرال السيسى  

أما بالنسبة للدعم الوارد فى موازنة عام 2018/2019 والبالغ حجمه 213.7 مليار جنيه فهو موزع كالتالى : 

1-دعم السلع التموينية وقدره  86.2 مليار جنيه ، بعد أن كان 47.5 مليار جنيه فى موازنة عام 2016/2017 ، والزيادة طبعا بسبب أحتسابه بسعر صرف الدولار الجديد بعد تغريق الجنيه المصرى فى نوفمبر عام 2016 ، فقز سعر الدولار من 8.9 جنيه للدولار إلى حوالى 18.0 جنيه للدولار حاليا ، أى بسبب سياساته الفاشلة وأتفاقه مع صندوق النقد الدولى وبطانة السماسرة والبورصجية المحيطين به ويديرون السياسة الاقتصادية المدمرة للشعب المصرى ومقدراته . 

2-دعم ما يسمى المواد البترولية وقدره 89.0 مليار جنيه بعد ان كان فى عام 2016/2017 حوالى 115.0 مليار جنيه ، وهذا الرقم يتضمن مغالطة محاسبية كبرى سبق وشرحتها عدة مرات وفى أكثر من وسيلة إعلامية ، فالحقيقة أنهم يرغبون فى بيع المنتجات البترولية بما يماثلها فى السوق الغربية وتحديدا الأمريكية  بينما تكاليف إنتاجها محليا تقل بحوالى الثلث عن مثيلتها فى الغرب ، لأن قطاع البترول  والطاقة والكهرباء قد أصبح يسيطر عليه منذ مطلع الإلفية الثالثة القطاع الخاص والمستثمرين العرب والأجانب الذين ما فتأوا يضغطون على متخذ القرار فى مصر لزيادة أسعار بيع المنتجات البترولية لتقارب نظيرتها فى الأسواق الغربية .  

3-دعم تنمية الصادرات وقدره 4.0 مليار جنيه ، وهى دعم مخصص للمصدرين من رجال المال والأعمال الكبار ، فبدلا من أن يوفر هؤلاء مصدر أضافى للدخل المصرى من العملات الأجنبية ، يحصلون على دعم مالى من الموازنة العامة بحجة تخفيض تكاليف إنتاجهم حتى يتاح لهم مجالا للتنافس الخارجى ، ومن ثم أصبحوا عبئا على الموازنة العامة للدولة وقد زاد هذا الدعم إلى 7.0 مليارات جنيه فى موازنة عام 2020/2021 .

4-دعم المزارعين وقدره 1.0 مليار جنيه فقط ،  وقارنوا بين هذا الدعم المخصص غالبا للفلاحين المزارعين للقمح وبعض المحاصيل الزراعية ، وما يمنح كدعم للمصدرين من أمثال جلال الزوربا  وأحمد خميس ، وأحمد عرفة ومجدى طلبه زوج وزيرة الاستثمار الحالية سحر نصر ، وغيرهم من كبار رجال المال والأعمال .

 5-دعم الكهرباء وقدره 16.0 مليار جنيه ، وكان فى السنوات السابقة حوالى 23.6 مليار جنيه عام 2014/2015 وبعدها 28.5 مليار جنيه فى عام 2015/2016 ، وبعدها 27.6 مليار جنيه فى عام 2016/2017 وبعدها 30.0 مليار جنيه فى عام 2017/2018 ، وهنا نلاحظ أن خفض قيمة ما يسمى الدعم للكهرباء قد انخفض من 30.0 مليار إلى 16.0 مليار فى العام 2018/2019 ، أى أن المواطنين المصريين الفقراء والطبقة الوسطى غالبا قد تحملوا حوالى  14.0 مليار جنيه هذا  العام فى فواتير الكهرباء ، وهناك خلل بنيوى أخر سبق وتعرضت إليه من قبل حول أكذوبة وتحايل أحتساب دعم الكهرباء ، بسبب التلاعب المحاسبى الذى جرى منذ عام 2005/2006 ، وبناء عليه أصبح إحتساب تكلفة إنتاج الكيلو وات ساعة تتم وفقا لطريقة احتساب مستلزمات تشغيل محطات الكهرباء بالسعر العالمى ( سولار – مازوت – غاز طبيعى ) . 

 6-دعم نقل الركاب وقدره 1850 مليون جنيه ، وهى نفس القيمة تقريبا التى كانت قائمة منذ  خمس سنوات  سابقة ، وهى أيضا ناتجة عن تشوهات فى حساب ما يسمى الدعم ، وحساب تكاليف مستلزمات التشغيل لمرافق النقل وفقا للأسعار العالمية لمنتجات الطاقة مثل السولار والكهرباء وغيرها ، وسوف يلاحظ القارىء المصرى المتابع أن كثير من حسابات ومخصصات دعم بعض المرافق الأخرى هى ناتجة عن الخطأ الأصلى فى إحتساب منتجات البترول على أساس الأسعار فى السوق الدولية ، وهى اللعبة المحاسبية التى أشرنا إليها من قبل ومنذ عدة سنوات ، ومن شأن تصحيح الخطأ الأصلى ، أن تعتدل حسابات القطاعات الأخرى . 

7-دعم التأمين الصحى والأدوية وبلغ فى موازنة 2018/2019 حوالى 3.3 مليار جنيه ،  بينما كان فى عام 2014/2015 حوالى 840 مليون جنيه فقط ، وجزء من هذه الزيادة فى دعم التأمين الصحى ، ليس بسبب الرغبة فى تحسين هذا المرفق الحيوى ، وأنما بسبب الزيادة الهائلة التى جرت فى السنتين الأخيرتين فى أسعار الأدوية ، والسبب أيضا هو ما جرى من سياسة تغريق ( تحرير ) الجنيه المصرى ، مما أدى لهذا الارتفاع الكبير فى المخصصات المالية لدعم التامين الصحى والأدوية .

8-أما دعم الانتاج الصناعى فهو صفر جنيه ، بينما كان حوالى 1400 مليون جنيه فى عام 2017/2018 ، وقبلها كان 640 مليون جنيه ،  أى أن الجنرال السيسى  لا يهتم مطلقا بالقطاع الصناعى ، بل يركز كل قوته على المقاولات والبناء والتشييد والتربح من وراءها ، مما يجعلنا نذهب إلى أن سياسات هذا الرجل تخريبا لمصر واقتصادها . 

9-دعم تنمية الصعيد  لم تزد على 200 مليون جنيه فقط لا غير ، وقبلها كان 200 مليون جنيه أيضا ، وقبلها كان صفرا ، وبالتالى فكل الإدعاء بتنمية الصعيد دعاوى ليست صحيحة على الإطلاق . 

10-أما دعم إسكان محدودى الدخل فقد بلغت صفر جنيه فى تلك الموازنة ، أكررها مرة أخرى صفر جنيه ، بينما يتشدق فى كل إجتماع أو خطاب بأنه يبنى للفقراء ويدعم الاسكان الاجتماعى لمحدودى الدخل .

11-أخرى فقد بلغت 10.6 مليار جنيه فى موازنة عام 2018/2019 ، وهكذا تضاعفت قيمتها عن عام 2014/2015 التى كانت 5.1 مليار جنيه ، وهذه الأخرى قد تذهب إلى قطاعات غير معلومة الأن ، أو لبعض مؤسسات القوى فى البلد ( الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات بأنواعها ) .

وإذا قارنا ذلك الوضع عام 2018/2019 ، بما جرى فى مشروع موازنة عام 2020/2021 ، نكتشف إستمرار هذا التلاعب وسياسة تضليل الرأى العام فى مصر ، فعلى سبيل المثال بلغ المبلغ المخصص لما يسمى ” الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ” حوالى 326.3 مليار جنيه (بينما كان فى العام السابق 327.7 مليار جنيه والعام 2017/2018 حوالى 329.4 مليار جنيه ) ، فيبدو الأمر لغير المتخصصين ، أن مخصص هذا الباب مازال كبيرا جدا ، بينما فى الحقيقة هناك إنخفاض كبير جدا فى مخصص الدعم الذى يستفيد منه المواطنون محدودى الدخل ، فما يسمى دعم المشتقات البترولية أنخفض من 52.9 مليار جنيه عام 2019/2020 إلى 28.2 مليار جنيه عام 2020/2021 ، وكذلك أنخفض دعم الكهرباء من 4.0 مليارات جنيه إلى صفر جنيه ، وبالمقابل زاد دعم المصدرين من رجال المال والأعمال من 3.6 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 7.0 مليار جنيه عام 2020/2021 ، أما المساهمات فى صناديق المعاشات فقد قفزت من 48.5 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 130.0 مليار جنيه عام 2020/2021 ، بسبب زيادة القسط الذى تسدده وزارة المالية لصالح صندوقى التأمينات والمعاشات اللتين أستولت على أموالهما منذ عام 2005/2006 

وسوف نلاحظ أن خطيئة أبليس الأصلية تبدأ من سياسات وقرارات أتخذها الجنرال السيسى والطاقم المعاون له  بداية من تغريق الجنيه ، مرورا بزيادة أسعار المنتجات البترولية والطاقة ، إنتهاءا بالتحيز المطلق للأغنياء ورجال المال والأعمال والسماسرة ومنحهم المزيد من المزايا الضريبية والجمركية وتخفيض الضرائب ، على حساب سياسات عادلة فى تحمل أعباء الأزمة ، هذا ناهيك عن سياسات المقاولات التى يتبعها ويحقق هو وبعض من هم وراءه فى مؤسسات القوى أرباحا هائلة ، وإستنزاف ونهب الأراضى التى أضاعت على الدولة مئات المليارات من الجنيهات مثلما هو الحال فى العاصمة الإدارية الجديدة التى سوف نتناولها بالتفصيل في الحلقة القادمة

” الطريق المسدود ” 4 الدكتور عبدالخالق فاروق : مغالطات الجنرال السيسي في العاصمة الأدارية

اخبار التاسعة خط المقالة

 ذكر الجنرال السيسى فى حديثه أمام مؤتمر الشباب ، ومن خلاله إلى الرأى العام ، بأن العاصمة الإدارية لم نأخذ جنيها واحدا من الموازنة العامة للدولة لصالح هذا المشروع ، وأقسم بأغلظ الإيمان ، بأن هذا لا يحدث ، بل على العكس نحن نقدم للخزانة العامة . 

والحقيقة ان هذا الكلام يحمل مغالطات بعدد حروفه لعدة أسباب هى : 

1-أن التجهيز اللوجيستى للموقع الذى يزيد مساحته مع تجمع الشيخ محمد بن زايد على 166645 فدانا كما ورد فى القرار الجمهورى بقانون رقم (57) لسنة 2016 ( أى ما يعادل 700 مليون متر ) ، تتولاه هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع جهات أخرى سوف نذكرها بعد قليل ، وهذه الهيئة الاقتصادية هى هيئة حكومية ، تعامل مثلها مثل 50 هيئة اقتصادية أخرى منذ عام 1980/1981 بطريقة خاصة ، نظمها القانون رقم (11) لسنة 1979 ، المعدل لقانون الموازنة العامة للدولة ، بحيث تكون هذه الهيئات بأعتبارها مستقلة عن الموازنة ، وتظل علاقتها بالموازنة العامة ، قائمة على تحويل الفائض المتاح لديها ، أو فى حالة العجز تحصل على تمويل من الموازنة لتغطية هذا العجز ، وقد حدد قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم (59) لسنة 1979 وتعديلاته اللاحقة موارد هذه الهيئة فى أربعة مصادر هى  : 

-ما تحصل عليه من أعتمادات مالية من الموازنة العامة للدولة سنويا ، وهى مبالغ تقدر بعدة مليارت من الجنيهات . 

– مبيعات الأراضى التى تقوم ببيعها سنويا ، وهى أيضا عدة مليارت من الجنيهات بصرف النظر عن الفساد الذى ظل ملازما لهذه الهيئة ومعها هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة ،. 

– التبرعات والهبات التى تحصل عليها الهيئة . 

– غيرها من الموارد . 

ومنذ ذلك التاريخ تقوم هذه الهيئة بتحويل جزء كبير من مواردها وفوائضها إلى حسابات وصناديق خاصة ، لم تكن تخضع أبدا  للرقابة والمحاسبة الجادة والحقيقية ، وخصوصا فى ظل وزراء الإسكان محمد إبراهيم سليمان وأحمد المغربى ، وإبراهيم محلب ، ومصطفى مدبولى ، وهذه الهيئة لديها موارد مالية ولا تحولها إلى الخزانة العامة  فتحرم الموازنة العامة من إيرادات وموارد كبيرة ، وبالتالى فقول الجنرال السيسى أنه لا يأخذ مليما واحدا من الموازنة العامة للدولة لمشروعه المسمى العاصمة الإدارية الجديدة هو قول خاطىء ومضلل للرأى العام . 

2-من ناحية أخرى فأن القرار الجمهورى رقم (57) لسنة 2016 ، قد قضى بعملية تحويل ونهب أموال الدولة من خلال وضع اليد على 700 مليون متر ، وضمها إلى هيئة أراضى القوات المسلحة ، على أن تكون هذه الأراضى بعد تقييمها بمثابة حصة هذه الهيئة فى الشركة المساهمة التى أنشئوها – ويتولاها  أحد اللواءات  – ومعه هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كغطاء للموقف ، وتتولى هذه الشركة عمليات تقسيم الأراضى والبناء للشقق والفيلات والقصور ، وبيعها ، على أن تورد إيراداتها وأرباحها إلى حسابات هذه الشركة ، فإذا قدرنا أن ما سوف يستخدم من هذه المساحة لن يزيد على الربع فقط (25%) ، فأن لدينا حوالى 175 مليون متر مربع حصلت عليها هذه الشركة الجديدة دون أن تدفع مليما واحدا ثمنا للأرض لحسابات الدولة والخزينة العامة ، وإذا قدرنا أن قيمة المتر المربع هو ألف جنيه فقط لا غير ، فأن هذه الشركة قد حصلت على ما قيمته 175 مليار جنيه بلا مقابل  ، وإذا كانت هذه الشركة تبيع الشقق الأن بسعر 11 ألف جنيه للمتر المربع ،  والفيلات والقصور بسعر للمتر يترواح بين 28 ألف جنيه إلى 35 ألف جنيه ، فلكم أن تتصوروا حجم الأرباح الهائلة التى تحققها هذه الشركة ، دون أن تسدد قيمة الأرض التى حصلت عليها مجانا  ..!!! كما أننا لا نعرف على وجه الدقة كيف ستحاسب هذه الشركة ضريبيا …!!! 

3-وعندما يقول الجنرال السيسى أنه بهذا المشروع قد أضاف للدولة وأقتصادها أصولا بقيمة تريليون جنيه ، فهو قول خادع ومضلل ذلك أن هذه الأصول العقارية تدور رحاها بين الأفراد وشركات المقاولات والسماسرة والمضاربين ، دون أن يدخل منها جنيها واحدا للخزانة العامة للدولة وبالتالى لم يستفد بها الشعب المصرى خصوصا الفقراء والطبقة الوسطى ، الذين يبحثون عن نظام تعليمى جيد ونظام صحى مناسب وبيئة نظافة دون أن يجدوها فى جمهورية الجنرال السيسى .

 13- مغالطات الجنرال السيسى حول الإحتياطى النقدى فى البنك المركزى 

يفاخر الجنرال السيسى ووسائل إعلامه منذ العام ( 2018) وحتى اليوم بموضوع زيادة الإحتياطى النقدى المتاح لدى البنك المركزى المصرى من أقل من 18.0 مليار دولار عام 2016 ، إلى 44.0 مليار دولار عام 2018 

والحقيقة التى ينبغى أن نعرفها ، أن ما ذكره الرجل هو خديعة نقدية واقتصادية أضافية ، ومغالطة من الرجل ، ذلك ان العبرة فى بناء الإحتياطى النقدى للدول ، هو ما تملكه فعلا ، ويكون فى ملكية خاصة للدولة لا يشاركها فيه أحدا ، وإذا تأملنا مكونات الأحتياطى النقدى الذى ذكره الجنرال السيسى فسوف نكتشف أن 70% منه لا تملكه مصر ، وأنما هى ودائع لفترة من الزمن  مقابل فوائد كبيرة ، قد يستردها أصحابها فى أى وقت ، هى بهذا المعنى أقرب للديون لأطراف دولية . 

ويتوزع الأحتياطى النقدى  حتى يونيه 2018 على النحو التالى : 

  • ودائع خليجية  لدى البنك المركزى المصرى قدرها 12.0 مليار دولار مقابل فوائد سنوية. 
  • دين صندوق النقد الدولى وقدره 8.0 مليار دولار ، ويبقى 4.0 مليار دولار لم تحصل عليها مصر بعد ، وسوف تبدأ فى سدادها على أقساط بداية من عام 2023 . 
  • دين لصالح البنك الدولى قدره 3.0 مليار دولار ، وسوف يبدأ السداد بعد عام 2022 . 
  • دين لصالح البنك الأفريقى للتنمية وقدره 1.5 مليار دولار . 
  • دين لصالح البنك الأوربى لإعادة الإعمار وقدره 1.5 مليار دولار . 
  • سندات دولية مستحقة على وزارة المالية المصرية قدرها 6.0 مليار دولار . 

أى أن مجموع الديون والودائع المملوكة لأطراف دولية وعربية تزيد على 30.0 مليار دولار ، فأين هو الأحتياطى النقدى لمصر ، علما بأن بداية مرحلة السداد سوف تبدأ من عام 2022 ، أما الودائع الخليجية فهى تجعل نظام الجنرال السيسى تحت رحمة المملكة السعودية والإمارات والكويت ، تماما كما كان الحال فى عهد مرسى والأخوان لصالح قطر قبل 30 يونيه عام 2013 .


ثانيا :كتالوج مبارك .. والسيسى 

إذا تأملنا من جانب آخر، أداء الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى بداية عهده (1981-1991) نكتشف تكرارًا يكاد يكون مفزعًا لنفس الأسلوب والممارسات، والتى يمكن أن نطلق عليها “كتالوج مبارك”، الذى يتحدد فى الآتى:   

1-فى بداية عهده قام الرئيس حسنى مبارك بعمل قضيتين كبيرتين ضد الفساد أهمها قضية عصمت السادات وأبنائه، ورشاد عثمان حوت الإسكندرية والميناء، وتحدثت الصحف ووسائل الإعلام كما تحدث هو عن طهارة الحكم ومحاربة الفساد، بينما كان الرجل منغمسًا فى عمولات تجارة سلاح منذ عام 1972، وفى تشكيل عصابى دولى لتجارة السلاح غير المشروعة ومعه حسين سالم وشخصيات عسكرية كبيرة وعملاء للمخابرات المركزية الأمريكية، ومنهم ” تيودور شيكللى”  Theodore J. Shachley و” توماس كلينز” Tomas Clines ، وأدوين ويلسون Edwin Wilson ، و ريتشارد سيكورد Richard Secord ، و” ريتشارد بيرسون ” و آخرون. 

2-عندما تولى  الرئيس محمد حسنى مبارك الحكم بعد اغتيال سلفه الرئيس أنور السادات فى السادس من أكتوبر عام 1981، قام بمحاربة الإرهاب، الذى كانت تقوم به الجماعات الدينية مثل تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية بهدف توطيد دعائم حكمه، ودون أن يتبنى إستراتيجية متكاملة لمحاربة الفكر الدينى المتطرف المنتشر فى المساجد والزوايا، التى يسيطر عليها التيار السلفى.

3- قام الرئيس الجديد بتدجين وخداع كافة القوى السياسية، بما فيها قادة حزب التجمع اليسارى، وكرر أمامهم أن اتفاقية كامب ديفيد قد ماتت، وأخذ هؤلاء القادة  اليساريون والقوميون فى ترديد هذه العبارة فى اجتماعاتهم الحزبية الضيقة وكوادرهم الوسطى، وبعد أقل من 10 سنوات كان مبارك قد نجح فى جرجرة كل الحكام العرب تقريبًا إلى حظيرة كامب ديفيد ولقاء الإسرائيليين.

4- ادعى الرئيس مبارك وقتها أنه سيقوم بدعم شركات القطاع العام، وخدع الجميع بزيارات متكررة تغطيها وسائل الإعلام المصرية للمصانع وشركات القطاع العام، والحقيقة أنه كان يقوم بمعاينة البضاعة قبل البيع لمعرفة حصته وأنجاله والمقربين منه من عمولات الخصخصة وبيع الشركات العامة، وبعد عشر سنوات من حكمه بدأت أكبر عملية نهب منظمة للأصول والممتلكات العامة. 

5- قام الرئيس مبارك بزيارات كثيرة ومتعددة لدول العالم شرقًا وغربًا – بما فيها الاتحاد السوفيتى والصين – وبعد أقل من ثلاث سنوات كان قد أصبح العمود الفقرى للسياسات الأمريكية فى المنطقة والعالم ، وبعد عشر سنوات  أخرى كان قد أصبح الكنز الإستراتيجى لإسرائيل.

6- كان مبارك حريصًا على أن يأتى بوزرائه ومساعديه، من بين الموظفين والتكنوقراط والسواقط من أساتذة الجامعات، حتى يكونوا مجرد منفذين لأوامره وتعليماته، واستمر على هذا الحال حتى جاء نجله جمال مبارك  ليختار من عينة رجال المال والأعمال مَنْ سيدير الدولة معه.

7-مبارك كان يردد دائمًا مقولة محدودى الدخل وضرورة حمايتهم، وفى الوقت نفسه كان يتحالف بشراسة وفُجر مع طبقة رجال المال والأعمال، ويقدم لهم كافة التنازلات الضريبية والسياسية والتشريعية. 

8-  دعا  الرئيس الجديد وقتئذ – حسنى مبارك – إلى  عقد مؤتمر اقتصادى عام 1982 حضرته كل القوى الوطنية – آنذاك – ومنهم أقطاب اليسار مثل الدكتور  فؤاد مرسى، دكتور ميلاد حنا، ودكتور إسماعيل صبرى عبد الله  وغيرهم، ليبدو وكأنه يعد روشتة وطنية لعلاج آثار الانفتاح…وكله كان أوهامًا، وكسب مزيدٍ من الوقت لتثبيت أركان حكمه، ثم انطلق بعدها فى تطبيق واستكمال سياسات السوق وآليات العرض والطلب ضاربًا عرض الحائط بكل الرؤى والدراسات، التى قدمها المفكرون وأساتذة التخطيط والتنمية.

9- قام بزيارات متكررة ودائمة لدول الخليج والسعودية والوعود باكتشافات بترولية ضخمة، وأننا سنكون من الدول البترولية الكبرى.

وهناك الكثير الذى يرسم كتالوج مبارك فى حكم مصر، والذى يسير عليه بالضبط دون أى تغيير أو إبداع الرئيس الجديد..!

( الطريق المسدود ) 5 ..الدكتورعبد الخالق فاروق : السياسات الخبيثة في خصخصة الخدمات

السياسات الخبيثة فى خصخصة الخدمات الأساسية للشعب المصرى فى عهد الجنرال السيسي تقوم السياسات الجديدة  لبيع الشركات العامة وخصخصة الخدمات الأساسية للشعب المصرى مثل مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والتعليم والصحة  وتطبيقا لمقولة الجنرال السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع ، والتي تسربت وهى مقولة ( واللة لو بيدى لدفع المصريين ثمن كل خدمة تقدم إليهم ) على النحو التالي : 

ـ تحويل الهيئات العامة للشرب والصرف الصحي إلى شركات كمرحلة أولى .

ـ قيام تلك الشركات بتعديل أسعار فواتير إستهلاك المياه والصرف الصحي تدريجيا وبصورة سريعة وبمعدلات كبيرة جدا ، حتى تتهيأ تلك الشركات للبيع في مرحلة لاحقة ، أما بيعا جزئيا أو بيعا كليا . 

ـ عندما تتسلم الشركات الخاصة مصرية كانت أو عربية أو أجنبية تلك الخدمات ، لا تصطدم بالجمهور في مراحلها الأولى ، لأن الأسعار التي فرضت على المستهلكين في الفترة ما قبل البيع تكون كبيرة ومجزية لأصحاب تلك الشركات الخاصة . 

ـ بالنسبة للمدارس ،التوسع في إنشاء المدارس بمصروفات مثل مدارس مصر ومدارس النيل والمدارس اليابانية ( التي رفضت اليابان تسلمها وفقا لهذه الشروط وطالبت بمجانيتها فجرى إغلاقها برغم بناء الكثير منها قى بعض المحافظات بما فيها تلك التي أفتتحها الجنرال السيسي نفسه فى مدينة الشروق فى أكتوبرعام 2017 ) فظلت أصول معطلة ، وفضل أن تكون كذلك بدلا من فتحها لتلاميذ الشروق وفي بقية المحافظات التي تعاني مدارسها من تكدس فظيع ، حتى توصلوا لإتفاق مع الجانب الياباني وفرضت مصروفات كبيرة تسدد من أوليا الأمور . 

ـوكذلك بالنسبة للجامعات ، فيجري التوسع في إنشاء والتصديق على إنشاء جامعات ومعاهد خاصة بمصروفات، عملا بفكرة الجنرال السيسي  التي نطق بها أخيرا ، بأن المصريين لديهم فلوس كتير قوي، بدلا من مقولة ” أحنا بلد فقير .. وفقير قوي كمان ” 

ـ أما المستشفيات العامة والوحدات الصحية بما فيها مستشفيات التكامل  والتى تزيد  وفقا لبيانات عام 2011 ، على 1373 مستشفى  ووحدة صحية ، فسوف يجرى خصخصة بعضها كلما سمحت الظروف بذلك وخصوصا مستشفيات التكامل ، مقابل التوسع فى الموافقات على بناء المستشفيات الخاصة والاستثمارية  ، وبهذا تتخلص الحكومة ودولة الجنرال من العبء المالى تدريجيا . 

رابعا : نتائج الهيمنة العسكرية على قطاعات الانتاج والإدارة 

أستندت الهيمنة العسكرية على مؤسسات الدولة المدنية على ما أطلقت عليه ” خطيئة المادة 15″ من دستور عام 1971  فما هى خطيئة المادة (15 ) ؟ (6) 

يعرففقهاءالقانونالقواعدالقانونيةالدستوريةأوغيرالدستوريةبأنهاتلكالتىتنظمالعلاقاتالاجتماعيةوالسياسيةفىالمجتمعفىفترةتاريخيةمعينةووفقًالموازينالقوىأوالمصالحالسائدةفىتلكالفترة،وهىفىالحالةالدستوريةأساستنظيمالعلاقاتبينسلطاتالدولةوصلاحياتمؤسساتها،بمايحفظالتوازنبينهاويصونالمجتمعوأفرادهمنتغولواستبدادإحدىهذهالسلطاتعلىبقيةمؤسساتالدولة“. 

ومنهنافإنالقواعدالقانونيةالتييأتيبهاالدستورومشرعوه،ليستخارجهعنسياقالظروفالاجتماعيةوالسياسيةوالاقتصادية،بلوحتىالثقافيةالسائدةفىهذاالمجتمعأوذاك،فىتلكاللحظةالتاريخيةأوتلك

لذافإنتغييرأوتعديلهذهالنصوصالدستوريةهيمنألزمضرورياتالحياةالسياسية،التي ينبغيأنتحدثكلفترةصونًاللتوازنواعتبارًاللمصالحالمختلفةبينالقوىالاجتماعيةالمكونةلهذاالمجتمعفىكلمرحلةتاريخية

وقدحرصالمشرعالدستورىالمصرىعام 1971،علىأنيعبرويعكسحقائقوظروفالمجتمعالمصرىحينذاك،والتيمنأبرزهادورأبناءالقواتالمسلحةوضباطهافيتحريرالأراضىالمصرية،التياحتلتهاإسرائيلبعدالعدوانالحادثفىالخامسمنيونيهمنعام 1967،لذاجاءتبعضموادالدستورالصادرفيسبتمبرمنعام 1971،والسارىحتييومنا،مانحًابعضالامتيازاتلأفرادوضباطهذهالمؤسسة،ارتباطًابالظروفواحترامًاللدور،الذىسيقومبههؤلاءفىتحريرالأراضىالمصريةالمحتلةفيمعركةالتحريرالمتوقعة،برغمماقديشوببعضهذهالمزايامنتعارضوتناقضمعجوهرالدساتيرالمدنيةالحديثةوالمتعلقةبمبدأالمساواةبينالمواطنينوالذيوردحصرًافىالمادة (40) منذاتالدستورالمصرى

ومنأبرزتلكالمزاياوالامتيازاتالتيخلعهادستورعام 1971 علىأفرادالقواتالمسلحةهوماجاءفينصالمادة (15) حيثنصتعلى (للمحاربينالقدماءوالمصابينفىالحربأوبسببها،ولزوجاتالشهداءوأبنائهمالأولويةفىفرصالعملوفقًاللقانون). 

وكانمنالمفهومفىالضميرالمصرىالعامأنهذاالامتيازالذيجاءمناقضًاتمامًالنصالمادة (40) التينصتعلى (المواطنونلدىالقانونسواء،وهممتساوونفيالحقوقوالواجباتالعامة،لاتمييزبينهمفيذلكبسببالجنسأوالأصل أواللغةأوالدينأوالعقيدة)،ولميردالمشرعالدستوريمنبابأولىأنيأتيبسببأقلشأنًافىمجالالتمييزبينالمواطنينوهوسببالوظيفةأوالدورالاجتماعى“. 

ومنثمفإنهذاالتناقضالمكشوفمعأصلمنأصولالتشريعالدستورىالحديث،لميتوقفعندهالضميرالمصريالعامبالرفضفىذلكالحين،اعترافًاوإقرارًابالتضحيةالجسيمة،التىقديقدمهاأفرادالقواتالمسلحةعلىمختلفرتبهمالعسكريةومواقعهمالقتاليةحتىلوكانبعضهممكانهمفيالغرفالمكيفةوالمحصنة

وبالتعبيرالقانونىفإنهذاالاستثناءالدستوري – منأصلمبدأالمساواةكانمرتبطًابتوافرشرطينأساسيينهما

الأول:هووجودحالةحربوأراضمحتلةتستدعيتقديمتضحياتمنكافةأبناءالمجتمععمومًا،ومنأفرادالقواتالمسلحةعلىوجهالخصوص

الثانى:ضرورةصدورقانونينظمهذهالحالةفىحدودالضرورة،ولايتسعفيأوضاعهابمايخرجبهاعنمضمونها

بيدأنهومنذأعلنالرئيسالسابقأنورالساداتفيمطلععام 1974 بأنحربأكتوبرهيآخرالحروب،وانقضاءأكثرمنثلاثينعامًاعلىهذهالحرب،دونمشاركةالقواتالمصريةفي واجباتوطنيةلتحريرالأرضالمصرية،بلكانتمشاركتهابطلباتمنالولاياتالمتحدةأوبعضالعائلاتالحاكمةالعربيةفيالسعوديةوالخليج،بمايستحيلمعهتصورمشاركةأيمنشاغليالرتبالوسطىأوالعًليافيالقواتالمسلحةالمصريةحاليًارتباللواءوالعميدومندونهفيحربأكتوبر،فإنالشرطالأولمنشروطالنصالدستورىالواردفىالمادة (15) لميعدقائمًا.


 
ومنناحيةأخرى،فإنعدمصدورقانونخاصينظمترتيبهذاالحقأوالامتيازالدستوريلمايُسمىالمحاربونالقدماءقدأدىعمليًاإليسوءاستغلالالمؤسسةالعسكريةوقياداتهالنصالمادة (19) منقانونالعاملينالمدنيينبالدولةرقم (47) لسنة 1978،والتيحصرتهافىالمصابينوالشهداء،ومنثمانتزاعقرارمنلجنةشئونالخدمةالمدنيةعام 1980 – وهيلجنةحكوميةيترأسهارئيسالجهازالمركزىللتنظيموالإدارةأووزيرالتنميةالإداريةبحسبالأحوالبشأنالتعيينفيغيرأدنىالدرجاتالوظيفيةطبقًاللمادة (12) منقانونالعاملينالمدنيينالمشارإليه

فماذاأسفرتالتجربةالعمليةطوالالعقودالثلاثةالماضية؟

لقداستغلتالمؤسسةالعسكريةوأدخلتإليهاالمؤسسةالأمنيةوكبارقياداتوزارةالداخليةهذاالنصالدستوريأسوأاستغلال،فجرىغزومنظمومستمرلجهازالخدمةالمدنيةوالمؤسساتالمدنيةوالوظيفيةكافة،منوزاراتوهيئاتومصالحومجالسأحياءومدنومحافظاتومحافظينوغيرهابصورةبشعة،بحيثجرىعسكرةالمراكزالقياديةلهذاالجهازالمدني،وتحولشيئًافشيئًاإلىمايشبهالثكناتالعسكريةتحتيافطةالضبطوالربطمنناحية،كماجرىإهدارالكفاءاتالقياديةالحقيقيةالمدنيةمنناحيةأخرى،فانتشرتقيماللامبالاة،والإحباطوعدمالرغبةفيالإجادةبينأعدادكبيرةمنالقياداتالمدنيةالوسطى،وغلبالشكلدونالجوهرعلىالأداءالحكومي،وأصبحهناكثلاثصورمنعملياتالغزوالعسكريةللجهازالمدنيتتمثلفى

الأولى: استغلالالمادة (12) منقانونالخدمةالمدنيةرقم (47) لسنة 1978 ،وقرارلجنةشئونالخدمةالمدنيةرقم (1) لسنة 1980،بالتعيينفيغيرأدنىالدرجاتالوظيفية (أيالوظائفالعًليا). 

الثانية: النقلمباشرةأثناءالخدمةعلىدرجةمدنيةبعدمعادلةرتبتهالعسكريةبالرتبةالمدنية (لواءيعادلوكيلوزارةفيمافوقأومحافظ)،معاحتفاظهبكافةبدلاتهالعسكرية،التيتزيدعادةبخمسةأضعافشهريًاعمايحصلعليهأقرانهالمدنيونفيذاتالوظيفة

الثالثة: الاستدعاءللخدمةبعدالتسريحثميتمنقلهمإلىوظائفمدنية

وعلاوةعلىذلكفإنصندوقمعاشاتالقواتالمسلحةوصندوقمعاشاتضباطالشرطةاللذينيمولانمنالموازنةالعامةللدولةومندافعىالضرائبالمدنيينوغيرالمدنيين،يمنحالضابطالمتقاعدمنرتبةعقيدفيماأعلىمبالغماليةخياليةتبدأمنمائةألفجنيه،وتتدرجصعودًالتصلأحيانًاإلىربعمليونجنيهلقادةالأفرعالرئيسةومنفىحكمهم

وهكذايتحصلهؤلاءعلىمبالغضخمة،ثميزيدعلىهذاحصولهمعلىوظائفقياديةمديروعمومووكلاءووكلاءأولوزاراتومحافظونووزراءفيجهازالخدمةالمدنيةوالمصالحالحكومية،وأعطيكممثالاً،فإنضباطمباحثالأموالالعامةالمتقاعدينكانوايتولونمناصبقياديةفىوزاراتالاقتصادوالتجارةالخارجيةوالماليةوغيرها!.

وخلالثلاثينعامًامنهذهالسياسةأصبحتصورةالغزوالعسكرىللمؤسساتالمدنيةوالمجالسالتشريعيةوالتمثيليةعلىالنحوالتالي

السيطرةشبهالكاملةعلىقممجهازالخدمةالمدنيةفيمعظمالوزاراتوالهيئاتالعامة

السيطرةتمامًاعلىمجالسالمدنوالأحياءوالقرىبالحافظات

السيطرةعلىمناصبالمحافظين

اختراقالمؤسسةالتشريعية،وتأملواأداءالنوابفيمجلسالشعبذوىالأصولالعسكرية (شرطةأوجيش). 

اختراقجزءليسبقليلمنالمؤسسةالقضائيةمنذعام 1979 وحتىيومنا

اختراقالأحزابالسياسيةومنظماتالمجتمعالمدنى

وهكذاأحكمتالمؤسسةالعسكريةوالأمنيةقبضتهاعلىرئاتالعملالتنفيذيالمدني،والتشريعيالرقابيوبعضالمؤسسةالقضائية

وقدأدىذلكإلىتدهورأداءالجهازالحكومىالتنفيذىبسببعدمتأهلهؤلاءالضباط / القياداتمنناحيةوسيادةمناخمنالإحباطبينبقيةأفرادجهازالخدمةالمدنية،الذيننظرواإلىهؤلاءالضباطباعتبارهممغتصبينلحقوقهمووظائفهمالمنتظرةمنناحيةأخرى

كماأنماجرىيمثلإهدارًاخطيرًاللدستورومبدأالمساواةوتكافؤالفرصالواردفيصلبالمادة (40) منه،حيثغالبًامايجريشغلالعسكريينلتلكالوظائفدونمسابقةلقياسالكفاءة،أوحتىعملهذهالمسابقةاستيفاءللشكلدونالموضوعودونشفافية،بليتمالإتيانبهؤلاءهبوطًابالبراشوت”  كمايقولويرددالمدنيون

وقدتبينمنالتجربةالطويلةأنكثيرًامنهؤلاءالعسكريينقدتورطوابعدشغلهملوظائفهمالجديدةفيجرائمفساد،ونهبللمالالعامبسببمنتصوراتهمالمسبقةبأنهمخارجدائرةالحسابوالرقابة

لقدآنالأوانلتحريرمصرمنهذهالمفاهيمالمغلوطة،وهذاالاغتصابللسلطةوالنفوذ،ولعلتغييرأوحذفالمادة (15) منالدستورالراهنأووضعقيودبشأنهاهوأحدمداخلالإصلاحمستقبلاً.

وقدتفشتخلالالسنواتالسبعمنحكمالجنرالعبدالفتاحالسيسيهيمنةوتوظيفكبارالجنرالاتوالعسكريينفيالمؤسساتالاقتصاديةوالإدارةالحكومية،وقدكانلهذهالسياسةنتائجكارثيةعلىالكثيرمنالقطاعات،مثلماحدثفيمرفقالسكةالحديد،الذي تكررتفيهالحوادثالمأساويةالتيراح فيهامئاتمنالضحايامعظمهممنالفقراءومستخدميهذاالمرفقالحيوي،وقدأدىذلكإلىتعقببعضالدارسينوالصحفيينالعلاقةالطرديةبينسيطرةالجنرالاتعلىهذاالمرفقوبينكثرةالحوادثوالأضرارالناتجعنهاوكاناخرهاماجرىفيمحطةرمسيسيومالأربعاءالموافق 26 فبرايرعام 2019 وتبينأنقياداتهذاالمرفقكماكتبالأستاذعبدالناصرسلامةرئيستحريرجريدةالأهرامالسابقوأحدالصحفيينالبارزينالمقالالتالىكاشفاعنجوهرالخللفيإدارةالمرافقالعامةقائلا : 

السيد رئيس الجمهورية/ عبدالفتاح السيسي، 

تحية طيبة وبعد،

مقدمه لسيادتكم عبدالناصر سلامة، مواطن مصري، صحفي، عضوية نقابة الصحفيين رقم ٣١٩١.

أتقدم لسيادتكم بهذه الشكوى تجاوزاً، بدلاً من تقديمها للسيد المستشار النائب العام، أو السيد اللواء رئيس هيئة الرقابة الإدارية، ذلك أنه في حال تحقيق هذه المعلومات جيداً، قضائياً أو إدارياً، المفترض أن هناك من سيتم حبسه، ومن سيتم فصله، ومن سيتم توقيع عقوبات إدارية عليه، وهو ما لا نرجوه، ذلك أنني كمواطن يأمل في الاستقرار والتثبيت والابتعاد عن النقد، أدعو إلى تدارك هذا الموضوع دون ضجيج، لأسباب تمس السُمعة والشرف والنزاهة والأمن القومي.

أود الإشارة فى البداية، إلى أن هذه المعلومات المتداولة، كنت أود أن تكون خطأً، ذلك أنها غير قابلة للتصديق، إلا أنه بعد مزيد من البحث والتدقيق توصلت إلى أنها معلومات للأسف صحيحة، ومع ذلك مازلت لا أصدقها، ذلك أن العقل يرفضها جملة وتفصيلاً لسبب وحيد، وهو أنه كما هو واضح، هناك فهم خطأ لطبيعة العمل بوزارة النقل، ذلك أنها تحتاج فى المقام الأول إلى مهندسين متخصصين في جميع المجالات، نشأوا، وترعرعوا في كنف الوزارة والعمل على أرض الواقع، وليس كما هو واضح لواءات انتهت مهامهم في مواقع خدمتهم، فتم تكريمهم بإسناد هذا الوظائف الموضحة أدناه إليهم، وهنا تكمن المشكلة، أو يكمن السر في تلك المأساة أو الكارثة التى تعيشها مصر، على صعيد الطرق وحوادث الطرق بصفة عامة، ومن بينها القطارات:

١- اللواء مدحت شوشة.. رئيس هيئة السكك الحديدية، الذى استقال فى أعقاب حادث القطار الأخير.

٢- اللواء طارق غانم.. رئيس قطاع النقل البحري.

٣- اللواء عادل ترك.. رئيس هيئة الطرق والكباري.

٤- اللواء أشرف حجاج.. مدير الإدارة العامة للمراسم بالوزارة.

٥- العميد أحمد سعيد.. مدير الإدارة المركزية لديوان الوزارة.

٦- اللواء خالد حمدي .. مستشار الوزير للرعاية والتأمين.

٧- العميد محمد حسن.. مدير مركز الأزمات بالوزارة

٨- اللواء سامى محمد.. مستشار بمركز الأزمات.

٩- اللواء محمد قناوى.. مستشار الوزير للتشغيل والموازنات.

١٠- اللواء محمد الشناوي.. رئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية، مع أنه غير مسجل بنقابة المحامين، ولا يحق له تولي المنصب.

١١- العميد ممدوح قريش.. رئيس الإدارة المركزية للمنشآت والمحطات.

١٢- اللواء رفعت حتاتة.. رئيس مجلس إدارة شركة الخدمات المتكاملة والنظافة بالسكة الحديد.

١٤- اللواء محمد نصر الله.. رئيس شركة عربات النوم.

١٥- العميد خالد عطية.. رئيس مجلس إدارة شركة تكنولوجيا المعلومات.

١٦- اللواء طارق جمال الدين.. رئيس الهيئة القومية للأنفاق.

١٧- اللواء مجدى بدوي.. مدير عام الأمن بالهيئة القومية للأنفاق.

١٨- اللواء أحمد شكرى.. مدير عام الأمن بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق.

١٩- اللواء رضا إسماعيل.. رئيس هيئة النقل النهري.

20-اللواء فؤاد عثمان.. رئيس هيئة الموانئ البرية.

خامسا : الحفاظ على ركائز دولة الفساد 

لم يكن كبار قيادات المؤسسة العسكرية  والأمنية بعيدين تمامًا عن الفساد المنظم والمقنن، الذى استشرى فى البلاد مع بداية تطبيق الرئيس السادات سياساته المسمى “الانفتاح الاقتصادى” عام 1974، والذي استمر بسرعات أعلى وعمق أكبر في عهد الرئيس، الذي خلفه في منصبه بعد اغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981.

وقد انخرطت المؤسسة العسكرية وقياداتها العُليا في ممارسات الفساد عبر مسارين خطط لهما بعناية، سواء من جانب الرئيسين (أنور السادات ومن بعده حسني مبارك)، أو من جانب قيادات تلك المؤسسات العسكرية والأمنية وهما: 

الأول: السيطرة على الإدارة المحلية بمحافظات البلاد المختلفة، حيث ظلت الغالبية الساحقة من مناصب ومواقع الإدارة المحلية في يد القيادات العسكرية المحالة للتقاعد، بدءًا من منصب المحافظين، مرورا برؤساء المدن، انتهاءً برؤساء الأحياء والمراكز، ويشاركهم بحصة أقل كل من قيادات الشرطة المتقاعدة وبعض القضاة، وقد أستندت المؤسسة العسكرية في تولى هذه المناصب والمواقع المدنية إلى نص المادة (15) من دستور عام 1971، الذي يمنح الأولوية فى شغل الوظائف المدنية لما يُسمى “المحاربون القدماء”

الثانى: الأنشطة الاقتصادية التي بدأت بإصدار الرئيس السادات القرار الجمهوري رقم (32) لسنة 1979 بإنشاء ما يُسمى “جهاز الخدمة المدنية” التابع للقيادة العُليا للقوات المسلحة، بزعم المساعدة في إنجاز بعض المشروعات الاقتصادية، وخصوصًا في مشروعات البنية الأساسية كالطرق والكباري وشبكات الاتصالات والسنترالات، ومشروعات الأمن الغذائى وغيرها، ثم توسع هذا النطاق للأعمال ليشمل قطاعات واسعة، دون أن يكون هناك رقابة أو معرفة من أية مؤسسة رقابية أو تشريعية في الدولة على نشاطات هذا الجهاز ومستوى أرباحه، ومدى قانونية توزيعات الأرباح تلك، خصوصًا وأن مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، لا تخضع للأنظمة الضريبية فى الدولة المصرية، كما أن العاملين فيها من المجندين وضباط الاحتياط يكاد لا يحصلون على أجور عادلة ومناسبة لحجم هذه المشروعات، أو معدلات أرباحها، كما أن هذه المؤسسة العسكرية تكاد تضع يديها على أكثر من ثلث الأراضى المترامية الأطراف فى الدولة المصرية بدءًا من السواحل الشمالية والشرقية، انتهاءً بالأراضى الصحراوية وداخل المدن المصرية بحجة مقتضيات الأمن القومى. 

وقد أدى ذلك إلى تحول القوات المسلحة وقياداتها العُليا إلى قوة اقتصادية هائلة، تتشابك مصالحها أحيانًا مع بعض الأطراف المحلية أو الدولية ، وتتعارض مع بعض تلك الأطراف فى أحيان أخرى، وهو ما حدا بأحد قيادات هذه المؤسسة فى غمار النقاش الحاد الذي انتشر فى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، إلى التصريح بحدة وعنف إلى الصحافة المصرية قائلاً: (هذا عو عرق الجيش ولن نسمح لأحد بالاقتراب منه ).

وإذا أضفنا إلى ذلك أن كثيرًا من أبناء كبار قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية كانوا متورطين في أنشطة اقتصادية ومالية يشوبها الكثير من الفساد وبرعاية نجلي الرئيس المخلوع حسنى مبارك، مثل أبناء المشير طنطاوى (شريف وعمرو وعلاء الألفى) وكثيرين غيرهم، أصبح من المفهوم والمبرر ألا يقترب المجلس العسكري من ركائز دولة الفساد، وكذلك حكوماته المدنية (عصام شرف – كمال الجنزورى). فلم تجر عمليات تصحيح للعوار القائم في المنظومة القانونية الاقتصادية، التى تحمي الفساد والفاسدين وتسهل لهم أعمالهم، بل على العكس تعززت تلك الممارسات الفاسدة، وإصدار مراسيم بقوانين للمصالحة مع الفاسدين (مرسوم بقانون رقم (4)لسنة 2012 ، والمرسوم بقانون رقم (97) لسنة 2015).

كما منحت مزيدًا من المزايا لرجال المال والأعمال تمثلت فى إجراء تعديلات قانونية جديدة لقوانين الاستثمار والمناقصات والمزايدات وغيرهما، وكل ما قام به المجلس العسكرى وحكوماته المدنية هو تقديم بعض الرموز الفاضحة للفساد في عهد الرئيس مبارك من أمثال علاء مبارك وشقيقه جمال مبارك، والمهندس أحمد عز، وزكريا عزمي وصفوت الشريف، وأنس الفقي ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي وآخرين، بهدف احتواء الحالة الثورية الغاضبة في الشوارع والميادين والمدن المصرية، ولم تسفر تلك المحاكمات عن أحكام تتناسب مع حجم الجرائم، التى ارتكبت فيذلك العهد.  

وسواء أكانت حكومة الدكتور عصام شرف أم الدكتور كمال الجنزوري، وتحت راية المجلس العسكري الأول (طنطاوى – عنان)، فلم يقدم أيًا منهما على تخليص الاقتصاد المصرى من الأعباء الثقيلة، التى نتجت عن سياسات أربعة عقود من فوضى السوق وفساده، ولعل موقف كل منهما من عودة شركات القطاع العام التى حكمت محاكم القضاء الإداري بعودتها إلى كنف الدولة بعدما تبين للمحاكم والقضاة المصريين مقدار الفساد ونهب الأصول الحكومية اللذين صاحبا عمليات البيع والخصخصة طوال العقدين السابقين (9) ، ورفضهما تنفيذ هذه الأحكام، وتشغيل شركات القطاع العام، ما يظهر بوضوح أنهما لم يكونا سوى امتداد ماسخ لنفس سياسات الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومن قبله الرئيس المغدور أنور السادات. 

كما لم يقترب أى منهما من الظاهرة المالية الشاذة، التي نمت وترعرت في ظل حكمي الرئيسين المشار إليهما، إلا وهي ظاهرة الصناديق والحسابات الخاصة، التي تحولت على مدى ثلاثين عامًا، إلى ركيزة من ركائز دولة الفساد المقنن والمنظم في العهد ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عام2011.

والغريب والمثير للتساؤلات ذلك الموقف الخجول سواء من جانب المجلس العسكرى الحاكم، أو حكومتى عصام شرف وكمال الجنزوري من قضية استرداد الموال المنهوبة والمهربة من جانب رموز وأقطاب نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فلم تتخذ أية خطوات جادة وحقيقية نحو استعادة هذه الأموال، أو حتى وضع تصور وإستراتيجية لإدارة هذه المعركة السياسية والقانونية ضد مراكز وكهوف التهريب تلك. 

” الطريق المسدود ” 6 .. الدكتور عبد الخالق فاروق يكتب : إتجاهات التفكير الاقتصادي لدى الجنرال السيسي


يعانى الاقتصاد المصرى كما سبق وعرضنا فى كثير من مؤلفاتنا من إختلالات هيكلية عميقة ، لن تفلح معها المسكنات من ناحية ، ولا الإنفاق على مشروعات كبيرة فى مجال الإنشاء والبناء والبنية الأساسية  بهذه الطريقة التى يدير بها الجنرال السيسى الاقتصاد والموارد المصرية ، ومن أبرز تلك الإختلالات الهيكلية الأتى : 1-اختلالات هيكلية في قطاعات الانتاج السلعي ( الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة ، مقابل قطاعات الخدمات والتجارة والتوزيع ) . 2- اختلالات في الهيكل المالي (الموازنة العامة للدولة والنظم الضريبية ).3- اختلالات فى السياسة النقدية و المصرفية . 4- اختلالات في السياسات الأجرية . 5- دولة فساد مقنن ومنظم . 6-إنهيار قطاعات الخدمات الاستراتيجية (التعليم – الصحة – البحث العلمي– الإسكان – العدالة والقضاء  ). 7- حجم بطالة من أعلى المعدلات في العالم (20% إلى 24% من القوى العاملة) . 8- فوضى الأسواق والقوى الاحتكارية .9- قدرات اقتصادية كامنة ومهدرة .  10-معدلات للتضخم وإرتفاع الأسعار .ومفتاح  الفهم والتفسير للمشكلات  ينطلق مما يسمى ” تحليل فلسفة السياسة الاقتصادية ” وبالتالى ” فلسفة السياسة المالية ” المتبعة منذ عام 1974 (12) . بيد أن هذه الصعوبات لم تحظ بتفكير عميق من الرجل  برغم إقراره بطبيعة الظروف الصعبة التى  يمر بها الاقتصاد والمجتمع المصرى ، وإن كان قد ركز على البعد الأمنى وأعمال إرهاب ،  وكذا تضعضع البنية الأساسية ، والرغبة فى جذب المستثمرين والاستثمار . وفى معرض تقديمه لسجل إنجازاته فى نهاية العهدة الرئاسية الأولى (2014-2018) ،  فى مؤتمر ” حكاية وطن ” وأمام جمع كبير من الشباب فى يناير عام 2018  ، أشار إلى أنه قد نجح فى إقامة  11 ألف مشروع خلال أربعة سنوات من حكمه ( وذكر الرجل بعض الأمثلة لتلك المشروعات ) ، أنفق خلالها 2 تريليون جنيه ، مع التأكيد بأنه لا يصح أن يسأله أحدا من أين جاء بهذه الأموال ، وهى مقولة غير مسبوقة فى تاريخ النظم السياسية الحديثة شرقا وغربا . والحقيقة برغم عدم دقة الأرقام التى ذكرها الجنرال السيسى فى مؤتمراته من حيث : 1-إن إنجازه لأحدى عشرة ألف مشروع – سوا أنجزت فعلا أو تحت التنفيذ أو مجرد مخطط على الورق – يعنى أننا بصدد تحقيق 7.54 مشروع كل يوم دون توقف ، ودون أجازات للعاملين ، وهذا فوق طاقة المنطق والعقل المجرد . 2-لم يحدد الرجل ما جرى إنفاقه فعلا خلال السنوات الأربعة من حكمه  ، وما هو مرصود على حساب مشروعات تحت التنفيذ ، أو التى مازالت على الورق وتنتظر البدء فيها ، فرقم الأحدى عشرة  ألف مشروع ليس هى ما تم تنفيذه فعلا ، بل هى ما يتصور أن يطول به العمر لتنفيذها . 3-لم ينشر الرجل قائمة بتلك المشروعات ومدى أولوية تنفيذها ، التى منها رصف أرصفة فى  شوارع القاهرة وبعض المدن الأخرى ، وبوابة مدينة العلمين ، وكافيتريا فى الحديقة الدولية ، وطلاء مبانى وسط القاهرة ، ومناطق أخرى كثيرة ، والقائمة تطول ربما تتجاوز عدة مئات من عينة تلك المشروعات ، فليس كلها مشروعات حيوية وإستراتيجية مثل محطات الكهرباء ، أو محطات المياه والصرف الصحى ، أو التعليم والصحة ، وبالتالى تغيب عنه ما يسمى فى علم التخطيط الاقتصادى ( بالأولويات ). 4-تناسى الرجل ، أو ربما لم يصل إلى علمه أنه خلال الفترة  الممتدة من عام 1975 حتى عام 2011 ، أنفقت الحكومات المصرية فى عهدى الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك حوالى 440 مليار جنيه على مشروعات البنية الأساسية  مثل الطرق والكبارى والمستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء ومحطات المياة والصرف الصحى ، وسنترالات الاتصالات  وغيرها ، من أجل جذب الاستثمار والمستثمرين ، أى أننا بلد لديه بنية أساسية ضخمة ، قد تكون قليلة الكفاءة فى بعض قطاعاتها، أو تحتاج إلى الصيانة والتجديد والإصلاح .
5-ومن بين هذه البنية الأساسية القائمة فعلا ، تمهيد ورصف حوالى  25 ألف كيلو طرق بصرف النظر عما شابه الكثير منها  من فساد وعدم صيانة  بسبب الرشى والعمولات . 6-وفقا لمفهوم المقاول ، فإذا حصل على مقاولة فى مشروع كوبرى أو جزء من طريق ، ثم حصل على جزء أخر من الطريق أو الكوبرى فأنه يحتسب ذلك بأنه مشروعين وليس مشروع واحد ، حتى لو تكرر الأمر لعشرة مشروعات على طريق واحد ، أو كوبرى أو مبنى أو غيره ،  وهو ما يعرف فى قانون المناقصات والمزايدات الحكومية  الذى عدل ثمانى مرات من أجل إرضاء المقاولين وأصحاب التوريدات وغيرهم ، بأسم ” إمتداد العقد ” ، ويستفيد المقاول من ذلك لثلاثة أسباب هى : الأولى : لإظهار حجم أعماله أكبر من اللازم حتى توضع فى سيرة أعماله لحين التقدم فى مناقصات أخرى لدى الحكومة أو الجهات الأجنبية . الثانية :  لتقليل الاستقطاع الضريبى والحصول على مزايا ضريبة . الثالثة :  لتقوية مظهره ومظهر شركته فى مواجهة المنافسين له .************ومما لا شك فيه أن الجنرال السيسى فى فترة ولايته الأولى (2014-2018 ) ، قد أنفق الكثير من الأموال على كثير من المشروعات – بصرف النظر عن العدد الذى أشار إليه  ومضمون تلك المشروعات – وما نفذ منها وما هو جارى التنفيذ ، وما هو مازال على الورق ، ولكن من جانب أخر ينبغى الإشارة إلى الحقائق والأسس التى تفرضها علوم التنمية والتخطيط الاقتصادى وهى : 1-لا شك أن هناك ضرورات لكثير من تلك المشروعات التى أشار إليها الرجل ، سواء الطرق والكبارى ، أو مزلقانات السكة الحديد ، أو مشروعات الكهرباء والطاقة ، أو حتى مشروعات الإسكان التى عرضت بتكاليف عالية جدا على الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ،  ويبقى السؤالين الحيويين اللذين يعلمنا أياها علم التخطيط والتنمية وهما : ما هى ترتيبات الأولويات فى دولة ومجتمع بظروف مصر ؟ وما هى جدواها وتكاليفها الاقتصادية الراهنة ؟ 2-فلنتأمل معا فى علم التخطيط والأولويات ، صحيح أن الكهرباء لها أولوية فى التنمية والتصنيع ، ولكن مع غياب خطة للتصنيع وإنسحاب الدولة عن ذلك وترك الاقتصاد ومستقبله فى أيدى رجال المال والأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب ، تصبح المراهنة خاسرة تماما ، وهو ما أثبتته تجربة الانفتاح الاقتصادى منذ عام 1974 ، والتى أنطلقت من فلسفة ” قيادة القطاع الخاص للتنمية ” فأوصلتنا إلى ما نحن فيه الأن من أعلى معدل للبطالة ( تزيد على 22% من القوى العاملة وليس كما تصرح البيانات الحكومية  ) ،  وعجز مزمن فى الموازنة العامة للدولة ، وعجز مؤلم فى ميزان المدفوعات وخصوصا الميزان التجارى ، وحالة من نهب الثروة الوطنية ، وأعلى معدل لتهريب الأموال ، والتهرب الضريبى ، وبيع الشركات العامة بأبخس الأثمان التى تحولت إلى أراضى فضاء وعقارات لصالح سمسارة  ومضاربين ، وفساد غير مسبوق ، وبالتالى فأن الأولويات تشير بأن التوسع فى مشروعات الكهرباء التى أنفق عليها عشرات المليارات من الجنيهات ، كان من الممكن فى ظل وجود خطة حقيقية للتصنيع والأحتياجات المقدرة من الطاقة خلال سنوات الخطة الخمسية أن يكون الإنفاق على مشروعات الكهرباء متوازنا مع الأحتياج الفعلى من الطاقة وليس إنتاج فائض من الكهرباء نبحث له عن مصادر لتصدير هذا الفائض من الكهرباء الأن دون جدوى ( فى أكتوب عام 2021 جرى توقيع أتفاق مع قبرص واليونان للربط الكهربائى وبيع المتاح لدى مصر ) . 
3-ومن جهة أخرى فأن الأولويات كانت تستدعى أن يكون هناك ترتيب للبيت من حيث ترتيب التعليم والصحة و معها قطاع الصناعة والزراعة والكهرباء فى المقدمة ، فمجتمع يهمل التعليم لا تصلح معه طرق وكبارى ومساكن وغيرها ، وقد بدا من حديث الجنرال طوال الأيام الثلاثة من مؤتمر ” حكاية وطن ” ، أن التعليم والصحة  ليس فى أولويات أجندته السياسية ، وكل ما يعنيه هو الطوب والأسمنت والطرق والكبارى والمساكن ، بحيث أصبحت المدن المصرية مقلوبة رأسا
على عقب سواء لمد طريق ، أو توسيع طريق ، أو تشييد كبارى ، تجاوز عددها فى السنوات الخمس الأولى من حكمه 770 كوبريا وفقا لبعض المصادر ، التى لم تحدد بدقة هل هى فى العاصمة المصرية وحدها أم أنها تشمل بقية المحافظات المصرية ؟!4-وبالمقابل فأن نتائج التعداد العام للسكان والمنشأت الذى صدر فى نهاية عام 2017 قد أورد رقما خطيرا لم يتوقف عنده الجنرال وحاشيته من الجنرالات والبورصجية ، وهى وجود 12.5 مليون وحدة سكنية فارغة ومغلقة (13) ، والكثير منها منذ سنوات بعيدة ، أى أن المجتمع المصرى لديه فائض من وحدات الإسكان ، التى تكلفت حوالى  600 مليار جنيه ( بأفتراض تكاليف الوحدة 50 ألف جنيه فقط ) ،  أو 1.2 تريليون جنيه ( بإفتراض تكلفة للوحدة مائة ألف جنيه ) ،وبالتالى فأن التحدى الذى كان يواجه السلطة السياسية الوطنية هو كيف نستفيد من هذا الكم الهائل ، عبر إدارة حوار مجتمعى راق ، وإتخاذ عدة إجراءات ، ومن بين تلك الإجراءات فرض ضريبة على الوحدات الفارغة سنويا ، فنجبر أصحابها على تأجيرها ، فيتحقق هدفين فى وقت واحد ، الأول هو تخفيف حدة المشكلة السكنية من ناحية ،  والثانى رفع هذا العبء المالى على الدولة ببناء وحدات جديدة قيل فى المؤتمر أنها تكلفت 60 مليار جنيه ( لبناء 600 ألف وحدة سكنية متنوعة المستويات بمتوسط 100 ألف جنيه للوحدة ) ، وهنا سوف يواجهنا أنصار البقرة المقدسة المسماه ” اقتصاد السوق ” ، وعدم التدخل فى سوق العقارات وهو ترف لا تتحمله ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية ، خاصة أننا لن ننزع الوحدات السكنية من أصحابها وأنما ” الناس مستخلفون فى المال ” وفقا للقاعدة الفقهية  والشرعية . 
5-نأتى الأن إلى التكاليف الباهظة التى تحملها الاقتصاد المصرى من جراء هذه السياسة ، حيث حصلت مصر فى  العامين الأولين من تولى الجنرال السيسى على حوالى 128 مليار جنيه فى صورة منح لا ترد من السعودية والإمارات وبعض الدول العربية والأجنبية  ، علاوة على زيادة الإقتراض الأجنبى من 46 مليار دولار فى يونيه عام 2014 إلى 83 مليار دولار فى فبراير 2018 ( بعد طرح 4 مليار دولار سندات دين فى السوق الدولية )  ، ثم قفزت إلى 137.0 مليار دولار فى سبتمبر عام 2021 ، هذا علاوة على القرض الروسى (25 مليار دولار ) لبناء محطة الضبعة  الذى لم ينشر تفاصيله وطريقة سداده بعد ، وبالتالى لم نضمه إلى الدين الخارجى ، وهذه الديون الضخمة ينوء بحملها الاقتصاد المصرى ، خصوصا أن الدين الداخلى قد زاد بدوره من 1.8 تريليون جنيه حينما تولى الرجل الحكم  فى يونيه 2014 ، إلى 3.5 تريليون جنيه فى فبراير عام 2018 ،  ثم إلى 4.7 تريليون جنيه فى سبتمبر عام 2021 ، فأصبح الحمل ضخما حيث زادت تكاليف خدمة الديون الأجنبية والمحلية لتبتلع حوالى 45% تقريبا من الموازنة العامة للدولة ، ولم يتبق شيئا للتعليم والصحة وغيرها . لقد حصل الجنرال السيسى خلال السنوات الأربعة  الأولى ( يونيه 2014-يناير 2018 ) على التمويل التالى : – 128.0 مليار جنيه فى صورة منح لا ترد من السعودية والإمارات وبعض الدول الأخرى ومؤسسات تمويل ومساعدات . – كما حصل على قروض قدرها 36 مليار دولار ، ووفقا لسعر الصرف السائد فى تلك السنوات ( 8.88 جنيه للدولار إلى 18.0 جنيه للدولار أى بمتوسط 13.5 جنيه للدولار ) فتصبح قيمة هذه القروض 486.0 مليار جنيه مصرى ) . – كما حصل على قروض داخلية قدرها  1.7 تريليون جنيه (3.5 تريليون – 1.8 تريليون) . – صحيح أن معظم هذه القروض قد ذهبت لتمويل العجز فى الموازنة العامة للدولة أو العجز فى الميزان التجارى ، بيد أن الكثير منها وجهت إلى بعض تلك المشروعات .- كما حصل الرجل على أموال تبرعات لمصريين فى صندوق تحيا مصر ، سواء من الجيش أو من مؤسسات عامة أو خاصة او أفراد تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار جنيه أخرى . – ويضاف إلى ذلك الحصة التى تستقطعها وزارة المالية من إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة ، والتى تقدر بحوالى 5.0 مليارات جنيه  إلى 7.5 مليار جنيه أخرى مقابل الصمت على تلك الظاهرة الشاذة . -أموال الصناديق والحسابات الخاصة من بعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ، وهيئة التعمير والتنمية الزراعية ، والتى تقدر بعشرات المليارات خلال تلك السنوات ، هذا بخلاف جهات أخرى وهيئات أخرى ، التى زادت من 26.2 مليار جنيه عام 2016/2017 إلى أن بلغت عام 2020/2021 حوالى 48.4 مليار جنيه .- ووفقا لما قاله أحد قادة المجلس الأعلى لأحدى الجهات الأمنية فى تصريحه العلنى أمام عدد من الشخصيات العامة بعد تقاعده فى عام 2012 قال ( بأن الصناديق الخاصة فى تلك المؤسسة كانت تمتلك لحظة تقاعده على 100 مليار جنيه ، بالإضافة إلى 28 مليار دولار فى حسابات وصناديق خاصة لا يعلم عنها الشعب المصرى شيئا.
 
وفي دراسة  معلوماتية رائدة أعدها  الأستاذ جمال غيطاس الباحث  المتخصص  فى الشئون المعلوماتية والرقمية حول القروض  والمنح التى حصلت عليها مصر طوال 66 عاما ( 1964-2016)  ، تبين خلالها ارتفاع معدل تدفق القروض والمنح في عهد  الجنرال السيسي بصورة غير مسبوقة ، حيث وصل عدد القروض فى أول عامين من حكمه 35 قرضًا ، قيمتها31 مليار و529 ألفا و223 دولارا ، أما المنح فوصل عددها إلى 26 منحة تصل قيمتها إلى 10 مليارات و 242 مليونا و 255 ألفا و 250 دولارا ، وبالتالي وصل عدد القروض والمنح معا إلى(61 ) قرضا ومنحة ، ليصبح إجمالي قيمة القروض والمنح معا   41.7  مليار دولار تجاوزت كثيرًا القروض في عهود الرؤساء السابقين جميعهم (14).وكشف «غطاس» أن  الجنرال السيسي حصل على 16 قرضًا في 2014 ، بقيمة 2 مليار و728 مليون و 391 ألف دولار، ، كما حصل في عام 2015 على 19 قرضًا ، بقيمة 28 مليار و800 مليون و832 ألف دولار، فيصبح إجمالي  قيمة القروض التي حصل عليها السيسي حتى نهاية 2015 حوالى 31 مليار و529 مليون و223 ألف دولار، كما حصل على 26 منحة خلال أعوام 2014-2015-2016، قيمتها 10 مليار و242 مليون و 255 ألفا و250 دولارا، فيصبح قيمة القروض والمنح التي حصل عليها حتى الآن 41 مليار و 771 مليون و 478 ألفا و  250 دولارا(15).أما القروض  التى حصل عليها الرئيس السابق عدلي منصور خلال السنة التى قضاها فى الحكم ( يوليو 2013 – يونيه 2014 ) ، فقد بلغ عددها  15 قرضا بقيمة 7 مليار و130 مليون و 288 ألفا و900 دولارًا، فيما بلغ عدد المنح التي حصلت عليها مصر في عهد «منصور»، 6 منح بقيمة 7 مليار و 154 مليون و196 ألفًا، و 120 دولارًا.وبالتالى فأن حجم القروض والمنح التى حصلت عليها مصر بعد الإطاحة بحكم الأخوان ” المسلمين ” فى يوليو 2013 حتى نهاية عام 2016  فقط ، قد بلغت حوالي 56 مليار دولار .و بالنظر إلى عدد السنوات التي قضاها كل رئيس في حكم  مصر فإن إجمالي قيمة القروض والمنح التي حصل عليها الجنرال السيسي هى الأشد كثافة ، والأكثر إندفاعا في طلب الديون والقروض، وعلى الرغم من أن السيسي لا يزال في بداية عامه الثالث للحكم – وقت إجراء هذه الدراسة كما يشير جمال غيطاس –  فإنه خلال سنتين فقط حصل على قروض ومنح تعادل ثلث مما حصل عليها مبارك في 30 سنة، ونحو 2.7 ضعف ما حصل عليه السادات في 11 عاما، ونحو 70.6 ضعف ما حصل عليه جمال عبد الناصر في 17 سنة، وثلاثة أضعاف ما حصل عليه عدلي منصور، وعشرة أضعاف ما حصل عليه المجلس العسكري الأول ( طنطاوى – عنان ) خلال سنة(16) .وقد تنوعت المساعدات المادية لمصر، وتراوحت أرقامها، وإن كانت الشكوك تحوم دومًا حول مدى جدواها للاقتصاد المصري،  وقد بلغت المساعدات الخليجية من السعودية والإمارات والكويت فى العامين الأولين ، أكثر من 30.0 مليار دولار، ففي 2013 وصلت المساعدات من السعودية والكويت والإمارات  حوالي 9 مليارات دولار، بينما وصلت في 2014، إلى 21.03 مليار دولار، ، قبل أن ترتفع مجددًا بزيادة 4 مليارات دولار في 2016، تمت زيادتها على هيئة منح نفطية، وذلك لسد احتياجات مصر من منتجات بترولية تشمل السولار، والبنزين، والبوتاجاز، والمازوت، بسبب الأزمة الطاحنة التي تعانيها مصر في الوقود بين الحين والآخر.كما قدمت السعودية والإمارات والكويت، نحو 12.9 مليار دولار، كمساعدات نقدية، وتمويل لمشروعات تنموية في مصر، ووصلت المساعدات النفطية لمصر من السعودية، والإمارات، والكويت، خلال العام المالي 2013/2014، إلى 7.13 مليار دولار(17).وإذا حسبنا نسبة الدين العام المصرى ( المحلى والأجنبى ) إلى الناتج المحلى الإجمالى  GDP فى سبتمبر من عام 2019 نجده قد تجاوز 135% إلى 140% من الناتج المحلى الإجمالى ، بعكس ما تعلن عنه المصادر الحكومية الرسمية بأنه لم يتجاوز 95% ( حيث يجرى التلاعب فى إحتساب الناتج المحلى كل عام بالزيادة وفقا للأسعار الجارية ) . وقد لجأت الحكومات المصرية ، بدءا من حكومة أحمد نظيف ( 2004- يناير 2011 ) إلى أساليب جديدة ومخاتلة محاسبية ، فى حساب مصفوفة الناتج المحلى الإجمالى GDP Matrix ، تؤدى عمليا إلى أظهار الناتج المحلى الإجمال بأكبر من قيمته الحقيقية ، سواء بإدخال عناصر فى حساب الناتج لم تكن تحسب من قبل فى المصفوفة  ، من قبيل استثمارت شركات البترول الأجنبية ، واستثمارات البورصة وتدفقاتها السريعة والساخنة ، وكذا إحتساب حصة الشريك الأجنبى من البترول والغاز كجزء من الناتج المحلى الإجمالى ، وكذا حساب الناتج المحلى محملا بمعدلات التضخم وإرتفاع الأسعار المبالغ فيها والمرتفعة وغيرها من العناصر ، مما قفز بالناتج المحلى الإجمالى المصرى بصورة غير طبيعية ، فالناتج  المحلى الاجمالى المصرى الذى لم يكن يزيد عام 65/1966 على 2.5 مليار جنيه ، وفى عام 1974 ما يقارب 4.0 مليار جنيه ، ظل ينمو بصورة طبيعية فى حدود 3.5% سنويا فى المتوسط طوال عقدى الثمانينات والتسعينات حتى بلغ قيمته عام 82/1983 حوالى 21.1 مليار جنيه ، ثم إلى 450.0 مليار جنيه عام 2004/2005 ، ثم شهد قفزة غير مبررة ، وبنصيحة من موظفى صندوق النقد الدولى ، وبالتواطؤ مع وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالى ، ورئيس وزرائه أحمد نظيف ، بهدف أبراز نجاحات ليست لها فى الحقيقة وجود ، وهو ما كان يرضى الرئيس حسنى مبارك والمجموعة المحيطة به ، حيث قفز الرقم المسجل للناتج المحلى الاجمالى إلى 745.0 مليار جنيه عام 2006/2007 ، وأستمر فى قفزات كالغزال إلى 896.0 مليار فى العام التالى ، ثم إلى 1.2 تريليون جنيه فى عام 2009/2010 (18) ، ولذلك روجت المؤسسات التمويلية الغربية ، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى أكذوبة معدل النمو فى الناتج المصرى بأكثر من 7% فى السنوات الخمس التى تولى فيها شلة رجال المال والأعمال المسئوليات الوزارية فى مصر فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس حسنى مبارك ونجله جمال مبارك ، وقد سار على نفس النهج الجنرال عبد الفتاح السيسى ومجموعة البورصجية المحيطون به . ففى  عهد الجنرال السيسى قفز  الرقم المسجل للناتج المحلى الاجمالى المصرى ، برشاقة الأرنب من 3.4 تريليون جنيه عام 2016/2017 ليقارب عام 2020/2021 حوالى 6.8 تريليون جنيه (19)…؟؟!! 
هذه هى الموارد المتاحة التى تصرف وفقا لها الجنرال السيسى طوال الأربعة أعوام من حكمه ( 2014-2018 ) تتراوح بين 2.6 تريليون جنيه إلى 3.0 تريليون جنيه ، وقد زادت فى السنوات الثلاثة اللاحقة ( 2019-2021 ) ، زيادة كبيرة ، سواء بالإستغراق فى مزيد من الديون الخارجية والداخلية ، أو بفرض مزيد من الضرائب والرسوم الهائلة على كافة الخدمات والإحتياجات التى يحتاج إليها الشعب المصرى فى مناحى حياته المختلفة . فهل كانت هناك بدائل تنموية أفضل من شأنها دفع الاقتصاد والمجتمع المصرى خطوات كبيرة للأمام ، وتنير الضوء فى نهاية النفق ؟ نعم .. كانت ولكنها ذهبت تحت ركام أسمنت الكبارى وتوسعات الطرق ، والإختيارات الخطأ . 

الخلاصة والاستنتاجويكشف تحليل المضمون لأحاديث الجنرال السيسى هذا عن حقائق جوهرية هى: الأولى: أننا بصدد عقل مولع بفكرة الإنشاءات كتعبير عن الإنجاز بصرف النظر عن أولوياتها وجدواها الاقتصادية. الثانية: أن هذا العقل بقدر ما يفتقر للخبرة الاقتصادية التنموية الطابع، والتعامل بأساليب أقرب إلى الصفقات التجارية، فإنه ناجح فى تحقيق أعلى معدل للأرباح والتشغيل لدى المؤسسة الاقتصادية للجيش. الثالثة: أن الرجل غير مشغول وفقًا لواجباته الدستورية ، بإعادة بناء وتشغيل قطاعات الإنتاج المدنية، التى تدهور أدائها وطالها الفساد طوال الأربعين عامًا السابقة على حكمه، ومنها شركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام، والوزارات المرتبطة بالخدمات الحيوية للمصريين مثل وزارة التموين، بقدر اهتمامه بسيطرة الجيش على كافة القطاعات الاقتصادية وتحقيق الأرباح. الرابعة: أن الرجل يفتقر تمامًا لأى منظور تنموى وتخطيطى حقيقى لإعادة بناء الاقتصاد المصرى ومعالجة اختلالاته الهيكلية خصوصًافى قطاعات الإنتاج السلعى كالزراعة والصناعة، وكذلك رؤية لمحاربة الفساد وتفكيك ركائزه،  بدليل عدم  ذكره أو اتخاذه أى إجراءات بشأن ما تفجر عام 2015،من فضيحة دولية تُسمى “أوراق بنما” التى ورد فيها أسماء شخصيات مصرية كبيرة، وكذلك غياب مفهوم إقامة دولة عدالة اجتماعية ودولة قانون بحق، ناهيك عن غياب فكرة الديموقراطية أصلاً من خطابه ومن مدركاته السياسية  الخامسة : فى أختيارات الجنرال السيسى للمشروعات  نكتشف حقيقة غامضة ، تعتمد على مفهوم فرعونى قائم على فكرة الضخامة ، فيحلو للرجل وصف مشروعاته ومبانيه بأنها الأضخم فى  مصر ، فهنا المسجد الأضخم بالعاصمة الإدارية  الجديدة ، وفيها الكنيسة الأكبر ، والمبانى الأفخم ، والبرج الأعلى فى العالم ، وهذا الولع بالضخامة من حيث الشكل ، بقدر تكاليفها المبالغ فيها وغير الضرورية فى معظم الحالات ، فهى تعكس حالة من الغرور والغطرسة ، وليس بالجدوى الاقتصادية وبالمثل فأن قول الرجل فى مؤتمر ما يسمى ” حكاية وطن ” فى يناير 2018 ، بأننا أنفقنا 2 تريليون جنيه فى تلك المشروعات ، والتى لا نعرف على وجه الدقة أين ومتى وكيف ؟ فمن أين حصل الرجل على تلك الأموال ؟ سوى بالديون وتحميل الأجيال القادمة عبئا يفوق القدرة على التحمل .السادسة والأخيرة: لم يتطرق الرجل ولم يضع بارقة أمل لملايين الأسر المصرية بشأن نظام التعليمى المصرى الفاسد والمنهار منذ سنوات طويلة، وكذلك المنظومة الصحية، بما يعكس غيابًا شبه كامل لهذه القضية من جدول أولوياته. الخلاصة التى نستنتجها من أداء الرجل طوال السبع سنوات من حكمه هى أننا أقرب إلى مقاول حفر وردم، مولع بالمشروعات الإنشائية مستوحيًا تجارب الفراعنة المصريين فى المعابد الكبرى، دون النظر إلى عوائدها على الشعب المصرى.


الطريق المسدود 7 .. عبدالخالق فاروق يكتب : مصيبة ديون الجنرال السيسي


فى دراسة تحليلية ممتازة أخرى أعدتها أحدى منظمات حقوق الإنسان فى مصر (20) ،   وهى المبادرة الشخصية لحقوق الإنسان حول الدين الخارجى لمصر ، أستخلصت نتائج جديرة بالتسجيل والتنوية ومن أبرزها : 

1- زاد الدين الخارجي في شكل قفزات منذ عام  2013، 2016، حتى عام 2020 ، وبلغت نسبته حوالي 35% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 ، مقابل 15% في عام 2010. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل تلك النسبة إلى 38% بحلول 2023. أشارت إلى أن مصر  قد اعتمدت على الاقتراض الخارجي لمواجهة تبعات كورونا، والتي تضمنت باﻷساس خروج المضاربين في أوراق الدين العام قصير اﻷجل، وكذلك ضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي ، وإيرادات السياحة. وكانت أهم أدوات الاقتراض عام 2020 هي أذون الخزانة (قصيرة اﻷجل) ، والتي بلغت 26 مليار دولار في يناير 2021، يليها صندوق النقد الدولي والذي بلغ حوالي 8 مليار دولار. وقد ترتب على ذلك أن قفز الدين الخارجي قفزة كبيرة (لا يظهر سوى نصفها في البيانات المنشورة عن البنك المركزي). وتنوعت آجال سداده. كما كان سعر الفائدة على الدين اﻷعلى عالميا (ضمن مؤشر بلومبرج الذي يضم 50 دولة ناشئة)، وهو ما يعكس معدلا عاليا لخطر التعثر في السداد .  

2- وشهدت هذه الفترة أمرين مثيرين للقلق ، الأولى هو تنامي حصة القروض متوسطة وقصيرة الأجل، والثانى هوتآكل نصيب الحكومة المركزية من إجمالي محفظة القروض الخارجية. وكلا الأمرين يدلان من ناحية، على أنها استدانة “لسد الخانة” وليست الاستدانة المخططة بغرض التنمية ،  ومن ناحية أخرى فإنها استدانة مخفية، لا يظهر سوى نصفها فقط في الموازنة العامة.

3- مع  نهاية عام 2016، شهد تسارع وتيرة الاقتراض الخارجي. وذلك بالتزامن مع توقيع مصر لاتفاقية التمويل الممتد مع صندوق النقد الدولي، والذي بلغ 12 مليار دولار على ثلاثة سنوات. حيث  كانت أحدى شروط الصندوق  أن تدبر مصر تمويلا خارجيا يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف ما يقدمه الصندوق سنويا، حتى يوافق على القرض. ودبرت مصر حينها ما يقارب حوالى 20 مليار دولار. من خلال طبع البنكنوت والنزول إلى سوق شراء العملات الأجنبية بأعلى سعر ( قارب 20 جنيها للدولار الواحد )  ، ثم تكرر نفس الشرط في عام كورونا (2020) حين طلبت مصر الحصول على قرض يقدر بـ 5.2 مليار دولار مقابل اتفاق الاستعداد الائتماني، ومن قبله التمويل الطاريء في مايو 2020 بمبلغ 1.8 مليار دولار ” يخفف كل من الاتفاقين من عبء الاحتياجات التمويلية، كما يساعدان في تعبئة وسائل أخرى من أجل سد ما يتبقى من الفجوة التمويلية”. ومن المتوقع أن يواصل الدين الخارجى الارتفاع ليصل إلى 139.4 مليار دولار في العام المالى 2021/2020 (لم يعلن الرقم بعد رغم نهاية العام المالي) ، مقارنة بـ 123.5 مليار دولار فى العام المالى السابق 2020/2019. وبلغت نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو 35% خلال العامين الماضيين، 2023 .ويتوقع صندوق النقد أن تصل نسبة الدين الخارجي إلى 38% من الناتج المحلي الإجمالي، في نهاية عام 2021 .وبهذا تصبح  مصر ثاني أكبر دولة مقترضة من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

4- تجدر الإشارة إلى أن البيانات الرسمية المعلنة صارت تعاني من عدم الاتساق، وعدم الترابط والتأخر في النشر بالشهور، بلغ حوالي عاما كاملا في حالة تقرير الوضع الخارجي لمصر الصادر عن البنك المركزي، ويبلغ خمسة أشهر في التقرير الشهري للبنك المركزي.  وهي كلها من علامات نقص الشفافية. ، على نفس المنوال، أعلن البنك المركزي في بيان صحفي عن حجم الديون في سبتمبر 2020 خلال شهر يناير 2021،  أي بتأخير أربعة أشهر. ولم تشمل النشرة الشهرية لشهر نوفمبر رقم(283 ) ، والتي صدرت في نهاية ديسمبر 2020 أي إشارة لرقم الدين الخارجي ولا تفاصيله. و”كشف البنك المركزي المصري، عن ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنحو 1.847 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2020/2021، ليصل إلى 125.337 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2020، مقابل 123.490 مليار دولار بنهاية يونيو 2020”.  ومن المتوقع أن يواصل الدين الخارجى الارتفاع ليصل إلى 139.4 مليار دولار في العام المالى الحالى 2021/2020، وهو ما يمثل 35% من الناتج  المحلي للعام الثاني على التوالي بحسب نفس المصدر(21) . 

5- بالنسبة لمصادر القروض الخارجية فأن تركيبة الدائنين تتسم بالتنوع الكبير، ومن ثم تنوع الشروط وآجال السداد وأسعار الفائدة. إلا أن المعلومات المتاحة عن تلك الشروط غير كافية للحكم على سهولة السداد، فيما عدا القروض من المؤسسات الدولية والسندات، والتي تعلن معدلات الفائدة عليها. وفي حالة المؤسسات الدولية، تعلن معظم شروطها وتعلن باللغة الإنجليزية فقط. وقد ظلت مصر معتمدة على الدول العربية (ودائع السعودية والإمارات والكويت لدى البنك المركزي)، وعلى المؤسسات الدولية مثل البنك والصندوق الدوليين(22). 

6- والحقيقة أن حجم القروض الخارجية أكبر مرتين من  الديون المعلنة ، حيث يلاحظ أن حجم القروض الخارجية الجديدة الذي يظهر في الموازنة العامة لا يتجاوز 7 مليار دولار، بينما زاد الدين الخارجي بحسب بيانات البنك المركزي بمقدار 14.5 مليار في عام 2019/2020 ، أما المبلغ الإجمالي للقروض الخارجية فأكبر من الرقم المعلن أيضا (البالغ 123.5 مليار دولار)، حيث تضاف إلى هذا المبلغ أذون الخزانة المملوكة من غير المقيمين، وهي قروض بالجنيه المصري قصيرة الأجل، أي واجبة السداد خلال أقل من سنة ، لكن أولئك المضاربين غير المقيمين حين يستردون قيمة أموالهم، إضافة إلى ما ربحوا من الفوائد، يستبدلون تلك الأموال بالدولارات  وبالعملات الأجنبية بغرض تحويلها إلى الخارج. وتسمى تلك العملية حديثا بعمليات المراجحة carry trade، وهي ما كانت تعرف باﻷموال الساخنة، وهي المضاربة التي تستفيد من التفاوتات في معدلات الفائدة بين البلدان. وفي لحظات الأزمات، يكون هؤلاء المقرضين “أول من يترك الحفل”، يلوذون بدولاراتهم لتخلق تلك العمليات نقصا في العملة الصعبة داخل مصر، ومن ثم ضغوطا في اتجاه تخفيض قيمة الجنيه.

وهكذا تخلص الأجانب من 60% من أذون الخزانة التي اشتروها من السوق المصرية، أثناء الإغلاق الجزئي في الفترة بين مارس ومايو 2020، بسبب التخوف من الأخطار الاقتصادية التي قد تصيب العالم مع انتشار جائحة كورونا، مما أدى إلى خروج موارد دولارية تقدر بـحوالى  18 مليار دولار. 

إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة التي تقدمها السلطات المصرية سرعان ما أغرى الأجانب بالعودة إلى إقراض الحكومة عن طريق شراء أذون الخزانة، سعيا وراء ارتفاع الأرباح (رغم تصنيف مصر بلدا مرتفع المخاطر، إلى جانب جنوب أفريقيا وتركيا)، حيث تمنح مصر أعلى عائد حقيقي على أذون الخزانة بين 50 من دول العالم التي تتابعها وكالة بلومبرج في هذا اﻹطار. كما عزز من ظاهرة العودة توقيع الاتفاق مع صندوق النقد على قرض جديد بمبلغ 5.2 مليار دولار.

وهكذا، تبلغ قيمة القروض بالعملة المحلية المملوكة للأجانب في يناير 2021 ما يعادل  26 مليار دولار، بحسب تصريحات وزير المالية، وهي قروض ينبغي جمعها مع الاقتراض الخارجي، لأن حائزيها غير مقيمين وسدادها يتم بالدولار، ومن ثم يمثل عبئا على سوق الصرف. 

7- يعاب على سياسات الاقتراض الخارجي خلال السنوات السبع الأخيرة  أن الحكومة المركزية لم تعد وحدها المسؤولة عن القروض الخارجية، بل  هناك عدد من الجهات الحكومية الأخرى  وبالتالي  يصعب تتبع الدين الخارجي، لأن معظمه لا يظهر في الموازنة العامة كما ذكرنا. كما أن البرلمان لا يناقش تلك القروض في كثير من الحالات، ولا تحصل بالتالي على موافقته ولا تحظى بمراقبته، وذلك بالمخالفة للدستور.كما يلاحظ أن الحكومة المركزية لا تستفيد سوى بحصة صغيرة من الاقتراض الخارجي، لا توجه إلى مشروعات مدرة للعوائد الدولارية ، كما لا يوجه إلى أولويات الإنفاق الاجتماعي مثل التعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية. 

8- وبينما كانت الحكومة  المركزية مسؤولة عن أكثر من 90% من الاقتراض الخارجي في عام 2010. فأنها فى عام 2020، لم تعد مسؤولة  سوى على  56.7% فقط . ولا يراقب البرلمان على قروض البنك المركزي ، ولا البنوك التجارية المملوكة للدولة، كما لا يراقب على الاقتراض الخارجي عبر أذون الخزانة ، ولا السندات الدولية بأنواعها. يكفى أن نشير إلى أن قروض ( البنك المركزي+ البنوك= 11.9 + 27.9= 39.8 مليار دولار في عام 2019/2020  وحده ).التي لا يراقب البرلمان على أوجه صرفها والغرض منها .

9-  كما تنامت  ظاهرة الاقتراض عبر مؤسسات حكومية من خارج الموازنة خلال السنوات العشر الأخيرة ، بما يساعد الحكومة على إخفاء الصورة الإجمالية للدين الخارجي، كي يبدو أقل من حقيقته. وتبدو المؤشرات أفضل أمام الرأي العام، وأيضا في الحسابات المنشورة لدى صندوق النقد الدولي. ولكن، في المقابل، يعاب على هذا الوضع عدم اتساق سياسات الاقتراض، وتآكل قدرة الحكومة على تحديد أولويات الإنفاق ، وأخيرا تقليص القدرة التفاوضية للحكومة من أجل الحصول على أفضل الشروط للسداد. 

10- كما يعاب على هيكل الدين الخارجي أيضا، إلى جانب اللجوء إلى الاقتراض من جانب مؤسسات حكومية غير الحكومة المركزية، أن القروض الخارجية معظمها قصيرة الأجل، أي تُرَد خلال أشهر، وهو ما يعني أن الدولة تقع تحت رحمة الدائنين بشكل مستمر. فهي تضطر إلى الاستدانة كي تسدد ما اقترضته وهكذا، وهو ما يسمى بـ”فخ المديونية”. باختصار، الدولة تقترض من أجل السداد ، وليس لأغراض التنمية ، ويتناقض هذا الوضع مع سياسات الاقتراض الرشيد، حيث يفترض أن تخطط الدولة احتياجاتها التنموية، ثم تقوم بتقدير النقد الأجنبي المطلوب توفيره وفقا لتلك الاحتياجات، ومن ثم معرفة ذلك القدر من الدولارات الذي تحتاج إليه ولا تغطية مواردها الرئيسية من العملة الصعبة، والتي تشمل  الصادرات، وجذب الاستثمارات الخارجية، وعائدات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس.

11- وقد أعلنت الحكومة عن خطة خمسية لإطالة آجال سداد الدين في عام 2018. وبدأت بالفعل في بيع سندات دولية دولارية لآجال بلغت  5 و 7 أعوام، و٣٠ عاما، ثم مؤخرا ٤٠ عاما، وهو توجه غير كاف، لأن الفائدة التي تدفعها  الحكومة سنويا على تلك السندات هي الأعلى في العالم. وتعكس هذه الفائدة في أحد جوانبها درجة الخطورة العالية (ارتفاع مخاطر عدم السداد، و/أو عدم الثقة في الاقتصاد المصري و/أو تدهور مؤشرات الدين الحكومي). 

12- كما زادت مخصصات سداد القروض الخارجية والتزاماتها المحتملة إلى 50% من مخصصات الاحتياطيات الدولية في سبتمبر 2020 ، أي أن أكثر من نصف الاحتياطيات الدولية التي يحتفظ بها البنك المركزي ( البالغة حوالى 44.4 مليار دولار ) ، موجهة لسداد مستحقات ديون قصيرة الأجل ، وإذا كان أحد مؤشرات سلامة سوق الصرف هو عدد الشهور التي تغطيها احتياطيات النقد الأجنبي من الأحتياجات المستوردة ، والتي بلغت 8 أشهر وفقا لبيانات البنك المركزي في ديسمبر 2020 (23)، إلا أنه باستبعاد مستحقات الديون قصيرة الأجل  فإن حقيقة الوضع هي أن المتبقي من الاحتياطيات لا يغطي سوى أربعة أشهر من الواردات. 

13- ورطة السداد : دائما ما تتفاخر الحكومة المصرية بأن حوالي ٩٠٪ من القروض الخارجية طويلة المدى، لأن هذا علامة على تقسيم أعباء السداد على فترات طويلة. ولكن في الحقيقة هذا لا ينطبق بالضبط على الحالة المصرية، حيث تستند الحكومة في ذلك إلى تعريف البنك الدولي، والذي يصف أي دين يرد خلال فترة أكثر من سنة واحدة بأنه دين طويل الأجل. لذلك فإن الاستعانة بمؤشرات حكومية أخرى غير هذا التعريف المضلل، تبرز صورة أكثر تركيبا وأكثر تعبيرا عن الواقع الذى تتزايد  فيه أعباء السداد عاما بعد آخر.فقد ظل المعلم الأبرز في هيكل المديونية خلال السنوات الستة الماضية هو قصر آجال السداد، واستمر هذا الوضع في العام الأخير(2020) ، وقد أحرزت مصر في مارس 2020 (قبل أزمة كورونا) رقما قياسيا في المبلغ المستحق سداده للعالم الخارجي، وهو 28 مليار دولار، ورغم تنوع هيكل الدائنين وتمديد متوسط آجال السداد، إلا أن نسبة كبيرة من رصيد الدين ما زال قصير اﻷجل، وتتزايد أعباء السداد خلال السنتين القادمتين.

14- متوسط آجال السداد : بلغ متوسط آجال سداد الدين العام نحو 3.2 عام في يونيو 2020، بدلاً من 1.3 عام فى يونيو 2013، ونحو 1.8 عام في يونيو 2014، ومن المستهدف أن يصل إلى 3.8 عام فى نهاية يونيو 2021، حيث لجأت  وزارة المالية إلى إصدار السندات الدولارية بأنواعها المختلفة كي تطيل من آجال السداد خلال العامين الماضيين بحسب استراتيجية متوسطة اﻷجل للدين. إلا أن ذلك النجاح في إطالة متوسط آجال السداد لم يخفف من حجم الدين مستحق السداد خلال عام واحد .

وقد تزايدت المبالغ السنوية التي تخرج من مصر  لسداد أعباء ديونها خلال السنوات الأخيرة، وخلال العام المنتهي في مارس ٢٠٢٠  كان على مصر أن تسدد للخارج مبلغا قياسيا يقدر بـ٢٨.٦ مليار دولار، وهو مبلغ يفوق إجمالي الصادرات (26.4 مليار في يونيو 2020) (24) ، و يعادل خمسة أضعاف دخل قناة السويس.يساوي هذا المبلغ إذا تم حسابه بالجنيهات نحو 3 أضعاف ميزانية التعليم الحالية، وحوالي خمسة أضعاف ميزانية الصحة.وبالتالي فمخصصات سداد القروض هي موارد كان من اﻷولى أن تبقى في مصر وتوجه من أجل التنمية الجادة .

15- إعادة تدوير الديون: بسبب سداد تلك المبالغ الكبيرة سنويا، تضطر مصر إلى إعادة تدوير ديونها أي إعادة الاقتراض من أجل السداد.  وبحسب صندوق النقد الدولى فأن هناك نسبة معتبرة من الدين الخارجي تستحق السداد خلال السنوات  القليلة المقبلة ، منها حلول أجل سداد “ودائع كبيرة مملوكة لثلاثة دول خليجية مودعة لدى البنك المركزي”. ، وتم الاتفاق على تمديد أجل استحقاق  ودائع تقدر قيمتها بـ13.4 مليار دولار، لمدة عام. 

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن استمرار التمديد في اﻷجل المتوسط من شأنه أن يساعد على تقليل مخاطر التعثر في السداد.  ويقدر صندوق النقد أن أحد مخاطر الدين الخارجي لمصر أن عليها تدبير مبلغ معتبر خلال العامين الماليين 2023/24 و2024/25 من أجل سداد مستحقات صندوق النقد الدولي، والتي تبلغ 11.5 مليار دولار ، أو نحو ربع إجمالي الاحتياطيات الدولية . ويربط الصندوق بين قدرة مصر على السداد وبين استمرار قدرتها على الاقتراض من أسواق المال الدولية. 

وأخيرا، يشير الصندوق إلى أن “حجم الدين الكبير واحتياجات مصر التمويلية من الخارج يجعلها منكشفة أمام تقلبات ظروف التمويل الدولي، و ذلك حسب البيان الصحفي الذي صدر عقب الزيارة اﻷولى التي قام بها خبراؤه، لتقييم أداء الحكومة بعد الشريحة الأولى من قرض الاستعداد الائتماني، ولهذا كله، على الرغم من أن مؤسسات التصنيف تعطي مصر علامة B بأفق مستقر، إلا أن سعر الفائدة مقارنة بباقي الدول الناشئة يعكس موقع مصر مرتفع الفائدة/مرتفع المخاطر.

16- دور صندوق النقد الدولي في زيادة المديونية الخارجية: يلاحظ أن صندوق النقد الدولي يشترط على مصر عادة أن تدبر تمويلا خارجيا يفوق ما يمنحه لها من قروض كشرط مسبق كي يوافق على إقراضها. ثم يلعب دورا يسمى بـ”شهادة الثقة”، الذي يعطي ضوءا أخضر لسائر المقرضين الدوليين كي يقرضوا مصر على إثر القرض الذي تأخذه منه. وهكذا نجد قفزات الدين الخارجي الكبرى في 2016، 2017 و2020 تترافق مع توقيع برامج مع الصندوق(25) . 

17- يوفر طرح السندات الدولية  للحكومة تنويعا في أدوات الدين، وإمكانية تحديد آجال أطول للسداد من معظم أدوات الدين الأخرى.إلا أن السندات الدولارية المطروحة دوليا لها عيب هو الأخطر، بحكم القوانين المنظمة لها، وهو صعوبة تأجيل السداد أو الامتناع عنه  في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات. ويظهر هذا العيب في لحظات مثل تلك التي تسببت بها جائحة كوڤيد-19 في كل دول العالم وخاصة الدول النامية، مثل مصر، حيث يشكل عقبة في إعادة هيكلة الدين، أو تجميد مؤقت لسداده في أوقات اﻷزمات الكبيرة.وفي الفترة مارس 2019 إلى مارس 2020، أي قبل أزمة كورونا، بلغ حجم السندات الدولية في مصر 18% من إجمالي القروض، وهي نفس النسبة تقريبا للعام السابق، وهي ضعف نسبتها مقارنة بعام  2010. 

هذه هى الموارد المتاحة التى تصرف وفقا لها الجنرال السيسى طوال الأربع سنوات من حكمه ( 2014-2018 ) تتراوح بين 2.6 تريليون جنيه إلى 3.0 تريليون جنيه ، وقد زادت فى السنوات الثلاث اللاحقة ( 2019-2021 ) ، زيادة كبيرة ، سواء بالإستغراق فى مزيد من الديون الخارجية والداخلية ، أو بفرض مزيد من الضرائب والرسوم الهائلة على كافة الخدمات والإحتياجات التى يحتاج إليها الشعب المصرى فى مناحى حياته المختلفة . 

فهل كانت هناك بدائل تنموية أفضل من شأنها دفع الاقتصاد والمجتمع المصرى خطوات كبيرة للأمام ، وتنير الضوء فى نهاية النفق ؟ 

نعم .. كانت ولكنها ذهبت تحت ركام أسمنت الكبارى وتوسعات الطرق ، والإختيارات الخطأ .


” الطريق المسدود ” 8 .. الدكتور عبد الخالق فاروق : تعاظم الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية في ظل حكم الجنرال السيسي

قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، ظلت التقديرات بشأن حجم ودور المؤسسة العسكرية المصرية فى النشاط الاقتصادى ، والناتج المحلى الإجمالى للبلاد، متضاربة ومتفاوتة إلى حد كبير، فبينما ذهبت بعض تلك التقديرات بأنها لا تزيد عن 5%من هذا الناتج ، ذهبت تقديرات أخرى إلى حد القول بأنها تقارب40% من هذا الناتج(1) .

ويرجع السبب فى غياب تقدير صحيح حول حصة الجيش من الاقتصاد المصرى، والذى بدأ منذ سنوات عقدى الخمسينيات والستينيات (المصانع الحربية ذات الإنتاج المزدوج)، والذى تنامى بصورة هائلة بعد عام 1979، لعدة أسباب: 

السبب الأول: غياب الشفافية تمامًا عن النشاط الاقتصادى والربحى لهذه المؤسسة العسكرية، التى تتعامل باعتبارها دولة داخل الدولة صاحب سيادة، وهو ما يخالف الأعراف الدستورية فى كل الدول الدستورية .

السبب الثانى: أن هذه المؤسسة معفاة  تماما من الضرائب والرسوم الجمركية، ومن ثم فإنه من الصعب التعرف على تكاليف إنتاج شركاتها، ، وإيردات النشاط  ، وبالتالى معدلات الأرباح. 

السبب الثالث: أن العاملين فى هذا القطاع الاقتصادى يحصلون على أدنى الأجور والمكافآت – باستثناء كبار القادة والجنرالات – باعتبارهم مجندين فى خدمة العلم. 

والحقيقة أن القطاع الاقتصادى ومشروعات المؤسسة العسكرية الربحية قد مر بأربعة مراحل مختلفة ، من حيث الدوافع ، ومن حيث الآليات ، ومن حيث النتائج :

ففى المرحلة الأولى: التى بدأت منذ منتصف الخمسينات  ، وتحديدا من عام (1953) ، كان الدافع الأساسى إيجاد خطوط إنتاج للذخيرة والأحتياجات العسكرية ، تلافيا للأخطاء التى جرت أثناء الحرب العربية الصهيونية الأولى فى عام 1948 ،  ولم يكن من أهدافها ، أو دوافعها تحقيق مكاسب مالية أو ربحية ، خاصة وأن الطاقات الانتاجية المتاحة لمصر عموما والقطاع العسكرى خصوصا لم تكن كافية لما هو أكثر من ذلك ، وقد أستمرت هذه المرحلة لعدة سنوات قليلة ، بدأت بعدها المرحلة الثانية . 

فى المرحلة الثانية : التى يمكن أن نقول أنها تدشنت نظريا بعد توقيع اتفاقية الإسلحة ( التشيكية ) عام 1955 ، وأخذت طابعها العملى بعد عام 1958 ، حينما توسع وتعمق التعاون العسكرى المصرى السوفيتى ، فنشأت خطوط انتاج للمهمات والأحتياجات العسكرية ، جانبا إلى جنب  مع الانتاج المدنى ( بوتاجازات – ثلاجات –مرواح – .. الخ ) ، اقتباسا من التجربة السوفيتية واليوغسلافية خصوصا ، وتجارب دول المنظومة الإشتراكية عموما ، فنشأت هيئة الانتاج الحربى ، وأزداد عدد مصانعها لتلبية المتطلبات المزدوجة ، فى إطار خطط التنمية الخمسية (60/1961 -64/1965 ) (2). 

المرحلة الثالثة : بدأت بصورة موسعة وعلى أسس العمل الاقتصادى الرأسمالى منذ عام 1979، حينما أصدر الرئيس الأسبق أنور السادات قراره رقم (32) لسنة 1979 القاضى بإنشاء “جهاز الخدمة الوطنية ” التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة، وقد استهدف من وراء هذه الخطوة تحقيق عدة أهداف فى آن معًا: 

فهو من ناحية أولى: رغب فى إنجاز بعض المشروعات، التى تحتاج إلى سرعة فى الإنجاز، قد يعجز عنها القطاع المدنى ، وشركات المقاولات من القطاعين العام والخاص، خصوصًا فى قطاع الإنشاءات مثل مد الطرق ، وبناء شبكات الاتصالات الهاتفية الحديثة، وبعض مشروعات الصرف الصحى، ومحطات المياه، ومحطات الكهرباء، وهى القطاعات التى كانت تعانى مشكلات عويصة، بعد أن توقف الاستثمار فيها بعد العدوان الإسرائيلى على مصر وبقية الدول العربية فى الخامس من يونيه عام 1967، وانصرف المجهود المصرى إلى تعبئة معظم الموارد من أجل إعادة بناء القوات المسلحة وخطوط الدفاع والمجهود العسكرى بشكل عام، استعدادًا لحرب تحرير الأرض، التى احتلها الجيش الإسرائيلى أثناء هذا العدوان. 

ومن ناحية ثانية: فقد ذهب فكر الرئيس السادات – بكل ما تميز به من مكر سياسى – إلى أن من شأن خلق مصادر للدخل والثروة للمؤسسة العسكرية وقياداتها العُليا  بشكل خاص، من جراء إسناد كثير من هذه المشروعات، التى كانت تمول فى بعضها من أموال المعونات والمنح والقروض العربية بعد حرب أكتوبر عام 1973،  خلق ركائز اجتماعية ومالية داخل هذه المؤسسة تعزز من توجهاته الاقتصادية فى الانفتاح الاقتصادى والتخلى عن التخطيط والاشتراكية من ناحية، وتساند سياساته الدولية والإقليمية نحو الولايات المتحدة ودول الغرب عمومًا، ودول الخليج النفطية من ناحية أخرى . 

أما المرحلة الرابعة: التى بدأت بعد يونيه عام 2014 ، فهى مختلفة تماما عما قبلها ، من حيث التوغل والتغول ، ومن حيث الأهداف الربحية المؤكدة ، ومن حيث الأحجام والوسائل الجديدة فى النشاط والتمويل . 

وعامًا بعد عام، تطور هذا القطاع الاقتصادى للجيش وتوسع بصورة كبيرة ، مقابل التآكل فى شركات القطاع العام ، والتحول نحو الخصخصة ، وبيع معظم تلك الشركات العامة، كما عزز من سطوة هذا الانتشار والتوسع عجز وضعف القطاع الرأسمالى الخاص فى البلاد، الذى نشأ من جديد بعد عام 1974، فى تلبية الاحتياجات الأساسية والتنموية للشعب المصرى، فغلب على معظمه الميل الاحتكارى والاستغلال والاهتمام بالأرباح دون غيرها. 

كما ساهمت المبالغ الضخمة التى خصصتها الولايات المتحدة فى صورة معونات عسكرية كثمن لتوقيع مصر أتفاقية ” السلام ” مع إسرائيل عام 1979 ، فى تحقيق رواج كبير داخل هذه المؤسسة  والتى تجاوزت 56.0 مليار دولار حتى عام 2014 . 

ويمكننا تحديد بعض مكونات هذا القطاع الاقتصادى التابع للجيش منذ عام 1974 حتى ما قبل يونيه عام 2014 على النحو التالى: 

أولا: الهيئة القومية للانتاج الحربى ، والتى يتبعها عدة شركات وعدد كبير من المصانع ، والمنشأت الانتاجية العسكرية والمدنية على حد سواء ، التى تؤدى دورًا مزدوجًا بين الإنتاج العسكرى ، والإنتاج المدنى مثل السلع الكهربائية والإلكترونية والهندسية وغيرها. 

ثانيا :الهيئة العربية للتصنيع ، والتى نشأت فى عام 1975 كمشروع مشترك بين أربع دول عربية (مصر – قطر – الكويت – الإمارات)، بهدف التصنيع العسكرى، ثم انسحبت منها الدول العربية الثلاثة بعد توقيع السادات اتفاقية  السلام مع إسرائيل عام 1979، وكانت قد بدأت بأربعة مصانع، زاد عددها إلى 13 مصنعًا، وقد قدرت المصادر المسئولة حجم إنتاجها عام 2012 بحوالى ثلاثة مليارات جنيه، منها 40% إنتاج عسكرى ، و 60%  إنتاج مدنى، كما أشارت تلك المصادر إلى أن الهيئة قد حققت أرباحًا عام 2012  بلغت حوالى 220 مليون جنيه.(3)

ثالثا : جهاز الخدمة الوطنية الذى نشأ منذ عام 1979، وقد تولى معظم عمليات الإنشاءات والبناء ، ومد الطرق وشبكات الاتصالات الهاتفية، ثم توسعت إلى مشروعات الأمن الغذائى واستصلاح الأراضى ، وشركات الإنتاج الحيوانى و يتبعه حتى عام 2014 حوالى   21 شركة  وعدد كبير من المصانع التابعة لها ومنها :

1-شركة مصر للتصنيع الزراعى ، وتملك 7 مصانع لإنتاج الصلصة ومنتجات الألبان ، وأعلاف الماشية ، وأسماك ، وبصل مجفف وانتاج البيض ، وكذلك عدد كبير من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن ، وإنتاج الألبان والبيض . 

2-كما امتلك هذا الجهاز حصصًا فى رأسمال عدد كبير من المشروعات والشركات المملوكة للدولة ، وشركاتها العامة.

3-وكذلك امتلك  هذا الجهاز حصصًا فى رأسمال عدد غير معروف بدقة من رأسمال شركات ومشروعات مملوكة لرجال مال وأعمال مصريين وعرب وأجانب، وفى مشروعات مشتركة Joint Venture .

4-كماامتلكهذاالجهازحصصًافىرأسمالعددكبيرمنالمشروعاتوالشركاتالمملوكةللدولةوشركاتهاالعامة

5-ثم انتقلت المؤسسة العسكرية للعمل فى قطاع البترول والبتروكيماويات، فأنشأت شركة النصر للشبة، وشركة النصر للكلور والصودا الكاوية، وشركة النصر للكيماويات الوسيطة، التى كانت قائمة منذ عام 1962 وتخصصت فى إنتاج المواد الكيماوية ، والمبيدات الحشرية مثل (عبوة البيروسول)، وكذلك أنشأت خط إنتاج لغاز (الميثان) وغاز (الكلور) بدعوى تلبية احتياجات قطاع تنقية المياه، ومحطات المياه، وكذلك  شركة لصناعة الأسمنت، ومن غير المعروف بدقة عدد الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية فى قطاع البترول، سواء فى صورة استثمار مستقل ، أو مشترك . وإن كانت بعض التقديرات تشير إلى وجود حوالى 25 شركة ومصنعا تابعا للمؤسسة العسكرية فى قطاع البترول والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية، تحقق أرباحًا سنوية كبيرة جدًّا. 

6-وبحكم ما يُسمى السلطة “السيادية” للجيش، تضع المؤسسة العسكرية يدها على 75%  على الأقل من مساحة الأراضى فى مصر البالغة مليون كيلو متر مربع ( ما يعادل تريليون متر مربع ) ، بدءًا من السلوم والحدود الغربية، امتداد إلى طابا وسيناء، ومن الساحل الشمالى للبحر الأبيض المتوسط ، أمتدادا إلى وادى حلفا وحلايب وشلاتين على الحدود الجنوبية للبلاد. وقد أصبحت هذه المساحات الهائلة من الأراضى ثروة هائلة بفعل التوسع العمرانى شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً، وتوسع المدن القديمة، وإنشاء مدن جديدة، مما يستوجب موافقة المؤسسة العسكرية على التصرف فى هذه الأراضى بالبيع ، أو بحق الانتفاع ( أنظر الوثيقة رقم 49 بشأن القرار الجمهورى بوضع اليد على أراضى بالأسكندرية وضمها للجيش ). 

7-كما اقتضت ملكيتها المباشرة وغير المباشرة لهذه المساحات الشاسعة من الأراضى، وضع يدها على مئات المناجم والمحاجر المترامية الأطراف فى الصحراء المصرية، يديرون الكثير منها دون مراجعة من أية جهة رقابية فى الدولة، وتتصرف فى عوائدها دون محاسبة من أى جهاز رقابى فى البلاد.

8-ثم انتقلت المؤسسة إلى قطاع الأمن الغذائى فأنشأت عددًا كبيرًا من الشركات العاملة فى هذا المجال من استزراع الأراضى، إلى مصانع لإنتاج المكرونة واللحوم ، ومزارع للماشية ومزارع للدواجن، وشركتين لإنتاج المياه المعدنية (صافى) ، وإنتاج البيض، ومزارع سمكية وغيرها من المشروعات.(4)

9-كما أنشأت المؤسسة أكثر من 50 مستشفى تابعة للقوات المسلحة للضباط وصف الضباط وعائلاتهم ، وفتحتها للمرضى المدنيين بنظام استرداد التكاليف أى مقابل أجر ، وبالتعاقد مع هيئات ومصالح مدنية حكومية وغير حكومية. 

10-كما أسست عشرات المنافذ لتوزيع السلع المنتجة بمشروعات القوات المسلحة مثل اللحوم والدواجن وغيرهما. 

11-وكذلك أسست شركة مصر العُليا للتصنيع الزراعى واستصلاح الأراضى عام 1997. 

12-كما أقامت شركة تدير سبعة مصانع للعلف والألبان فى أسيوط، وثلاثة مصانع أخرى فى سوهاج، منها مصنع لتعبئة صلصة الطماطم والمشروبات. 

13- كما أنشأت سلسلة كبيرة من الفنادق والأندية التابعة لأسلحة القوات المسلحة (المشاة – الحرب الكيماوية – القوات الجوية – المدفعية – المركبات وغيرها)، والتى يزيد عددها عام 2018  على 65 ناديًا وفندقًا، التى تحولت إلى النشاط الفندقى وإقامة الحفلات الاجتماعية مثل الزواج وأعياد الميلاد وغيرها، وداخل هذه الأندية مصانع مصغرة لإنتاج الحلويات، وقد بلغ تكلفة إقامة أحد تلك الفنادق (الماسة) عام 2017  حوالى مليار جنيه مصرى، هذا بخلاف فنادق (تولب) التابعة للقوات المسلحة، التى توسعت فيها توسعا كبيرا بعد أن تولى الجنرال السيسى الحكم فى يونيه عام 2014 ، ودون دراسات جدوى اقتصادية حقيقية . 

14-بالإضافة إلى وضع اليد وإدارة مشروع استصلاح 240 ألف فدان فى شرق العوينات منذ عام 1999. 

15-كما تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومنذ عام 2011، الإشراف على معظم عمليات البناء والتشييد التى تقوم بها الدولة، والعقود التى تقوم بها فيما يسمى المشروعات القومية ، مقابل نسب إشراف تصل  فى الكثير من المشروعات إلى 20% من التكلفة الإجمالية للمشروعات، مما زاد من تكلفة تلك المشروعات، وأصبحت عبئًا على الموازنةالعامة للدولة. 

16-إنشاء الشركة الوطنية للزراعات المحمية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية عام 2017 . 

17- كما جرى إنشاء والتوسع فيما يسمى الشركة الوطنية للطرق ، وسيطرت بزحفها غير القانونى على معظم الطرق الجديدة والقديمة ( مثل طريق القاهرة – الإسماعيلية ، وطريق القاهرة – السويس وغيرهما ) ، وفرض أتاوات ورسوم للمرور فى تلك الطرق ، بما شكل خرقا حقيقيا لحقوق المواطنين فى التنقل والسفر . 

18-وقد استحدثت القوات المسلحة بعد تولى الفريق عبد الفتاح السيسى منصب رئيس الجمهورية فى يونيه عام 2014، أسلوبًا جديدًا قائمًا على إنشاء عشرات الشركات المساهمة ، وشركات المحاصة بأسماء قيادات سابقة ومتقاعدة من القوات المسلحة، وإدارة هذه المشروعات لصالح الجيش، دون أن نعرف بالضبط حجم وعدد تلك الشركات، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : شركات وطنية للخدمات البترولية ، والشركة الوطنية للطرق، التى تتولى تحصيل الرسوم الخاصة بالمرور على بعض الطرق الجديدة  ، أو تلك التى قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بصيانتها، أو تولى مناقصات إصلاحها مثل طريقى السويس – القاهرة ، والإسماعيلية – القاهرة.

وعامًابعدعام،تطورهذاالقطاعالاقتصادىللجيشوتوسعبصورةهائلة،مقابلالتآكلفىشركاتالقطاعالعام،والتحولنحوالخصخصة،وبيعمعظمتلكالشركاتالعامة،كماعززمنسطوةهذاالانتشاروالتوسععجزوضعفالقطاعالرأسمالىالخاصفىالبلاد،الذىنشأمنجديدبعدعام 1974،فىتلبيةالاحتياجاتالأساسيةوالتنمويةللشعبالمصرى،فغلبعلىمعظمهالميلالاحتكارىوالاستغلالوالاهتمامبالأرباحدونغيرها

19-وتشير مراجعة القرارات الجمهورية التى اصدرها الجنرال السيسى بعد توليه منصب رئيس الجمهورية  فى يوليو عام 2014 ، إلى شهية مفتوحة وجاهزة للإستحواذ على أراضى الدولة لصالح القوات المسلحة ووزارة الدفاع ، وجهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش  وهيئة أراضى القوات المسلحة ، وهو ما سنتناوله فى فصل مستقل . 

21-ونقدر حجم هذا النشاط الاقتصادى للمؤسسة العسكرية المصرية (عام 2018) بأكثر من 800 مليار جنيه سنويا ( تتمثل فى الشركات والمصانع التى تمتلكها القوات المسلحة ، وجهاز الخدمة الوطنية ، ونسب مساهمة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى المشروعات الإنشائية التى تشرف عليها أو تتولى هى بنفسها أقامتها ، علاوة على امتلاكها لأصول وممتلكات بأكثر قليلاً من 1.5 تريليون جنيه قبل تغريق الجنيه فى نوفمبر من عام 2016 ، خاصة بعد أضافة عنصر الأراضى الموضوعة تحت سيطرة القوات المسلحة بحجة مقتضيات الأمن القومى والتى يجرى إستخدامها فى أنشطة تجارية وعقارية ( مثل العاصمة الإدارية الجديدة ) . وهذا النشاط يدر عوائد وأرباحًا سنوية تزيد عن180 مليار جنيه، لا تدفع عنها ضرائب، توضع كلها فى صناديق وحسابات خاصة خارج الموازنة العامة للدولة، وخارج نطاق المشروعية المالية والرقابة المحاسبية. 

وإذا أضفنا إلى ذلك ما تحصل عليه المؤسسة العسكرية من الموازنة العامة للدولة والذى يقارب عام 2017/2018 حوالى 50 مليار جنيه، علاوة على ما تحصل عليه من دعم عسكرى أمريكى، والمقدر بحوالى 1300 مليون دولار سنويًا (أى ما يعادل 23.4 مليار جنيه مصرى وفقًا لأسعار الصرف السائدة عام 2017)، وبالتالى فإن نصيب هذه المؤسسة من الدخل القومى المصرى يزيد عن1.2 تريليون جنيه، وهو ما يعادل حوالى 25% إلى30% من الدخل القومى للبلاد عام 2017، والآخذ فى التزايد بعد هذا العام . 

( الطريق المسدود ) 9 .. الدكتور عبدالخالق فاروق يكتب : العاصمة الإدارية كنمط مافيوى لإدارة موارد الدولة


تكشف قضية العاصمة الإدارية الجديدة وما جرى فيها عن ذلك النمط المافيوى فى إدارة الموارد المتاحة للدولة وخصوصًا ما تعلق منها بالأراضى، منذ أن برز على سطح الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر عام 2014، ما يُسمى إنشاء عاصمة إدارية جديدة، وظهور الجنرال السيسى، أمام كاميرات التليفزيون بصحبة المستثمر الإماراتى “محمد العبار” ولفيف من الوزراء والمسئولين والشيخ محمد آل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات وحاكم إمارة دبى، والحديث لم ينقطع يومًا حول هذا المشروع، ومدى أولوياته فى العمل التنموى المصرى، خصوصًا بعد أن أعلن على الملأ أن هذه العاصمة الجديدة سوف تتكلف مبدئيًا 45 مليار دولار (أى ما يعادل 810 مليارات جنيه مصرى وفقًا لأسعار الصرف بعد قرارات تغريق الجنيه فى نوفمبر 2016). 

ويومًا بعد يوم، أخذت الأصوات ترتفع، ودائرة الرفض تتسع بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين، حول جدوى وأولوية هذا المشروع ، خصوصًا بعد أن انسحبت منه الشركات العالمية واحدة بعد الأخرى، بدأت بالشركة الإماراتية ومن بعدها الشركة الصينية “CSCEC ، فبدا بوضوح أن المخطط المسبق بأن تتولى هذه الشركات العقارية الكبرى تمويل هذا المشروع، ومن خلال مبيعاتها تتحصل على تكاليفها ومصروفاتها وأرباحها لم يتحقق، وأن المشروع فى النهاية قد وقع على عاتق شركات مقاولات مصرية، سوف تحصل على مستحقاتها أولاً بأول من الخزينة العامة بأية صورة من الصور، وهنا وقع المحظور، فاضطر كبار المسئولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية إلى التصريح عدة مرات فى الأسابيع الأخيرة من شهرى سبتمبر وأكتوبر 2017، بأن هذه العاصمة  الإدارية الجديدة لا تمول من الموازنة العامة للدولة، وإنما من مصادر أخرى، فى محاولة لطمأنة الرأى العام المصرى، الذى ارتفعت أصواته مطالبة باستثمار هذه الأموال فى بناء المصانع وتشغيل المصانع المتوقفة وهكذا. 

وقد فاجأ الجنرال السيسى الرأى العام بأن أصدر القرار رقم 57 لسنة 2016 بتخصيص الأراضى الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس اللازمة لإنشاء العاصمة الإدارية للقوات المسلحة التى تبلغ مساحتها 16 ألف فدان و645 فدانًا (أى ما يعادل 700 مليون متر مربع ، ونص القرار على إنشاء شركة مساهمة مصرية تتولى تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الإدارية الجديدة، وتكون قيمة الأراضى من حصة القوات المسلحة فى رأسمالها، فإذا أفترضنا أننسبة البناء على هذه المساحة ستكون بنسبة 10% فقط ، أى 70 مليون متر مربع ، تقوم هذه الشركة الجديدة التابعة للقوات المسلحة بعمليات تقسيم وبيع الأراضى ( بمتوسط أربعة آلاف جنيه للمتر المربع ) ، أو تتولى هى البناء للعقارات الفاخرة ( بمتوسط سعر للمتر مبانى 11 ألف جنيه ) ، أو بناء فيلات وقصور فاخرة ( بمتوسط 28.0 ألف جنية للمتر المربع ) ، فأى ثروات وأرباح هائلة سوف تتحقق لهذه الشركة التى نشأت من الهواء ، وأين ستذهب هذه الأرباح ، خاصة إذا علمنا أن المشروعات التى تقوم بها الشركات التابعة للجيش لا تسدد عنها ضرائب ، وتعفى وارداتها من الرسوم الجمركية غالبا (5) ؟ 

ومن جانب أخر ، إذا أفترضنا – وهذا هو الصحيح فى النظم الديموقراطية والدول التى يحترم يها القانون وحقوق الشعوب – أن حق الخزانة العامة من هذه الأراضى تتمثل فى ألف جنيه للمتر المربع ، فنحن هنا نتحدث عن نهب الخزانة العامة بأكثر من 70.0 مليار جنيه من مبيعات الأراضى وحدها ، أما إذا كانت حصة الخزانة العامة ألفى جنيه للمتر المربع ، فنحن نتحدث والحال كذلك عن 140.0 مليار جنيه ضاعت على الخزانة العامة للدولة ، كان من الممكن أن تستخدم فى تطوير التعليم أو المنظومة الصحية للفقراء ومحدودى الدخل . 

وبالمقابل فأن قيمة هذه الأراضى  ومن خلال هذه الشركة اللقيطة قد أنتقلت إلى  صناديق وحسابات القوات المسلحة الخاصة دون أن تتكلف جنيهًا واحدًا، وزاد عليها فى هذا القرار أن عائد بيع أو استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة يعود إلى خزانة القوات المسلحة وليس إلى خزانة العامة للدولةعبر هذه الشركة المساهمة. 
وقد ظهر المهندس علاء عبد العزيز نائب وزير الإسكان فى لقاء تليفزيونى مع الإعلامى محمد على خير فى برنامجه المصرى أفندى على شاشة فضائية “القاهرة والناس” يوم الأحد الموافق 22/10/2017 ، ليقول بوضوح إن تمويل العاصمة الإدارية الجديدة ليست من الموازنة العامة للدولة، وإنما من أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

وهنا أصبح النقاش أكثر انضباطًا، ويكشف ما سبق أن أكدنا عليه أكثر من مرة .. فما الحقيقة إذن؟ وهل تعد أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من الأموال العامة ومن المصادر الحكومية أم لا؟ 

وهو ما سبق وشرحناه بالتفصيل فى حلقة سابقة من هذا الكتاب

وينطلق جزء كبير من مشروعات الجنرال السيسى من مدرك سياسى كامن  يحمل مفهومين بهما الكثير من الالتباس، أولهما أقرب إلى مفهوم الفراعنة المصريين؛ حيث كثير من منجزات الفراعنة وتخليدهم يرتبط بالمشروعات البنائية والتشييد، سواء أكانت معابد أم مقابر أم أهرامات، ولذا شاهدنا تكرارًا لمقولات من قبيل، إن العاصمة الإدارية الجديدة، ستضم أكبر مسجد فى مصر، وأضخم كنيسة فيها، وأطول برج وهكذا كثير من كلمات التضخيم والتبجيل. 

ومن ناحية أخرى فإن الرجل يحمل مفهومًا مغلوطًا – كسلفه تمامًا – لمعنى “المشروع القومى” والنهضوى للرئيس،  فى محاولة غير موفقة لما أُطلق عليه فى التاريخ المصرى الحديث، مشروع محمد على أو المشروع القومى لجمال عبد الناصر، وهكذا رأينا الرئيس الأسبق (حسنى مبارك)، يكرر طلبه إلى الأمريكيين فى بداية حكمه عام 1981، وفى زياراته الأولى للعاصمة الأمريكية، بأهمية مساعدته ببناء مشروع قومى، مثلما بنى الروس السد العالى لجمال عبد الناصر، وحينما لم يجد ما يفيد لدى الأمريكيين فى هذا المجال، أخذ يردد فى خطاباته العامة، وبصورة مثيرة للسخرية :” أليس مشروع مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى مشروعًا قوميًا”..!.

ولم يدرك الرجل – ربما بفعل تواضع ثقافته السياسية وانعدام تجربته الوطنية – أن المشروع القومى الحقيقى لجمال عبد الناصر لم يكن هو بناء السد العالى برغم أهميته، بقدر ما كان تعبير السد العالى عن مرحلة عريضة فى تاريخ النهضة التعليمية المجانية ، والصحية والصناعية والزراعية ، وكهربة الريف فى مصر، والتحيز للفقراء، وإعادة توزيع الثروات والدخول بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وهو ما عبر عنه شعار “تذويب الفوارق بين الطبقات”. وكان التأميم والحراسات والنظام الضريبى فى الكثير من الحالات هو المدخل والوسائل لتحقيق هذه الغايات.   

وبالمقابل فإذا جاز لنا أن نصف  سياسات الرئيس أنور السادات (1971-1981) بالمشروع القومى، بحكم عمق تأثيراته فى حاضر ومستقبل مصر والمنطقة العربية كلها، وربما العالم، فهى استعادة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مصر والمنطقة العربية ، والتحالف معها لمطاردة النفوذ الروسى، وإقامة الصلح والاستسلام لإسرائيل، والخروج من العباءة العربية، والتحيز لاستعادة طبقة رجال المال والأعمال بالتعاون مع الغرب والدول العربية النفطية، وهدم  ما أسماه اشتراكية الفقر على حد تعبيره، ومعاداة مفهوم العدالة الاجتماعية باعتباره من ميراث الحقد الطبقى للفترة الناصرية والأفكار الاشتراكية الهدامة. 

وقد سار على نهج خلفه الرئيس الأسبق حسنى مبارك طوال فترة حكمه (1981-2011)، وأضاف إليه عمليات نهب وتهريب للأموال وتشكيل كتلة عصابية أقرب إلى سلوك المافيا فى نهب وتهريب الأموال.

أما الجنرال السيسى فإن ما يمكن أن نطلق عليه مشروعه القومى، هو أقرب إلى مفهوم مقاول “هدم وردم”، أو بمعنى آخر التوسع فى الإنشاءات، التى تتكلف مئات المليارات من الجنيهات  مثل  مد خمسة آلاف كيلومتر من الطرق (علما بأن مصر قد مدت طرقًا منذ عام 1975 حتى عام 2011 بأكثر من 25 ألف كيلو طرق)، وحفر تفريعة جديدة للممر الملاحى لقناة السويس (بطول 37 كيلو متر بتكلفة 35 مليار جنيه فى عام واحد)، بخلاف ستة أنفاق تحت الممر الملاحى لقناة السويس (بتكلفة 25 مليار جنيه)، والشروع فيما أسماه العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة 45 مليار دولار (أى حوالى 810 مليار جنيه) خلال عدة سنوات، وبعض المشروعات الأخرى مثل مدن العلمين الجديدة،  وعدة آلاف من الوحدات سكنية بأسعار اقتصادية بنظام التمليك غالبًا، وهيمنة القوات المسلحة على الاقتصاد المصرى. 

حتى أن المشروع أو الفكرة الصحيحة للتوسع فى الرقعة الزراعية (ما أُطلق عليه المليون ونصف المليون فدان)، حوله إلى مشروع استثمارى تديره شركة خاصة بمفهوم وآليات السوق والبيع والشراء، وليس بمفهوم التنمية وإعادة التوزيع الديموجرافى للسكان وامتصاص البطالة بين الفقراء والشباب. 

ومن ثم وطوال السبع سنوات  من حكم الجنرال السيسى )( 2014- 2021) ، أهمل الرجل الملفات الإستراتيجية فى إدارة الحياة المصرية، وأهمها ملفى التعليم والصحة، تلك المنظومتان اللتان انهارتا تمامًا وأصابهما الفساد طوال الأربعين عامًا الماضية، ولم يتردد فى التصريح علنًا – ودون خجل – بأن التعليم يحتاج إلى جهد كبير وثلاثة عشر عامًا ومئات المليارت من الجنيهات، وكذلك الصحة، وكأن مسئوليته كرئيس للجمهورية أقسم على رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة، لا تلزمه بإجراء واقتحام تلك الملفات الخطيرة منذ اللحظة الأولى لتوليه مسئوليته الرئاسية.

وكذلك فقد أهمل مراجعة ملف الخصخصة وما جرى فيها من عمليات نهب، وأهمل تنشيط شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وبدلاً من ذلك بدأ فى طرح شركات ناجحة فى قطاع البترول (إنبى – بتروجيت) ، وكذلك بنوك عامة جديدة (بنك القاهرة)،  للبورصة والخصخصة، لنبدأ دورة جديدة من السياسات الخطيرة والضارة على مستقبل هذا البلد. 

كما ذهب إلى ما لم يجرؤ أن ذهب إليه الرؤساء السابقون، سواء بالتوقيع على اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولى عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار على شرائح ربع سنوية، ومن قبله قرض البنك الدولى عام 2015 بقيمة 3.0 مليارات دولار، ووضع بالتالى الاقتصاد المصرى تحت الوصاية الدولية لمدة ثلاث سنوات كاملة، والتنفيذ الأكثر من حرفى لأوامر الصندوق والبنك الدولى وموظفيهما، مثل تعويم (تغريق) الجنيه المصرى، وزيادة أسعار المنتجات البترولية والكهرباء، وتخفيض عدد موظفى الجهاز الحكومى، مما أشعل نار التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوقة فى بيوت عشرات الملايين من المصريين الفقراء ومتوسطى الدخول. 

وبالمقابل ، ذهب فى مسار خطير للاقتراض من الداخل ومن الخارج بصورة غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، فقفز الدين الخارجى من 46.0 مليار دولار فى بدايه حكمه (يوليو 2014)، إلى 112.0 مليار دولار فى ديسمبر عام 2019 ، ثم إلى 137 مليار دولار فى سبتمبر من عام 2021

أما الدين الداخلى فقد زاد بدوره من 1.8 تريليون جنيه إلى 4.4 تريليون جنيه فى ديسمبر من عام 2019 ، ومن المتوقع أن يتجاوز 5.0 تريليون جنيه فى نهاية عام 2021.

والحقيقة أن الجنرال السيسى لم يعر اهتمامًا جادًا بالأساس الفلسفى، الذى يقوم عليه النشاط الاقتصادى فى مصر، وأوصلها إلى ما وصلت إليه من مأزق، ونقصد به “اقتصاد السوق” الفوضوى الذى ساد فى مصر منذ عام 1974، تحت شعار تشجيع الاستثمار والمستثمرين، وجذب الاستثمار والمستثمرين، ومن هنا ظلت الدائرة الشريرة مستمرة دون أمل أو ضوء فى نهاية النفق. كما لم يحظَ مفهوم التخطيط التنموى، وإعادة توزيع الأدوار بين قطاعات النشاط الاقتصادى (القطاع العام – القطاع الخاص – القطاع التعاونى)، بأى قدر من الاهتمام. 

وزاد عليها الجنرال السيسى أن ضغط على مستوى معيشة الفقراء والطبقة الوسطى بصورة غير مسبوقة كما سوف نعرض فى جداول حول تطور اسعار الكهرباء ومياة الشرب والصرف الصحى ومصروفات دراسية والتصريحات المؤلمة التى صاحبته فى كل ظهور أعلام له مثلت أهانات متكررة للمصريين وخاصة الفقراء منهم .. نحن إزاء رجل يكاد يكون منسلخ تماما عن البيئة المصرية والقيم المصرية.

” الطريق المسدود ” 10 .. الدكتور عبد الخالق فاروق يكتب : الجنرال السيسي ونهب أراضي الدولة

تمتلك الجيوش عادة مساحات واسعة من أراضى الدولة – أى دولة – لأغراض الدفاع عن الأمن القومى وحماية الحدود الجيو- سياسية لها ، وتتفاوت هذه المساحات من دولة إلى أخرى ، وفقا لعدة أعتبارات منها حجم وطبيعة التهديدات وإتجاهاتها ، وكذا مصادر الخطر المختلفة ، ، بالإضافة بالطبع إلى عوامل أخرى مثل حجم هذا الجيش من حيث عدده وتشكيلاته ، وطبيعة تسليحه ومعداته ، وكذلك حجم مساحة الدولة نفسها . وتحتاج الجيوش الكبيرة إلى مساحات أكبر ، لأغراض مثل تنوع وتعدد مخازن الأسلحة ، ومراكز التدريب ، ومقرات القيادة والسيطرة ، ومناطق تعسكر القوات ، ومناطق المناورات والرماية ، وغيرها من الأغراض .وتبلغ مساحة مصر السياسية والجغرافية  حوالى مليون كيلو متر مربع ، أى ما يعادل تريليون متر مربع ، وهى بلا شك مساحة هائلة ، متنوعة التضاريس ، وإن كان يغلب عليها الأراضى الصحرواية المنبسطة والمكشوفة . ومن الناحية النظرية والعملية – وليس الدستورية والقانونية – يمتلك الجيش المصرى واقعيا حوالى 75%  إلى 80% من أراضى مصر المترامية الأطراف ، تحت ذريعة ” الأمن القومى ” و” أحتياجات الدفاع عن البلاد ” . ومنذ أن تولى الجنرال عبد الفتاح السيسى منصب رئيس الجمهورية فى يونيه عام 2014 ، بعد العام الانتقالى الذى تولى فيه المنصب المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا ، بعد أنتفاضة الثلاثين من يونيه عام 2013 ، وخلع الرئيس الأخوانى ( محمد مرسى ) ، قام الجنرال السيسى بإصدار مجموعة  كبيرة جدا من التشريعات والقوانين ، بعد أن جمع فى يديه سلطتى التنفيذ والتشريع ، فى غياب مجلس النواب ، الذى نص عليه الدستور الجديد لمصر الصادر عام 2014 . وكان من أبرز قرارات  وإجراءات الرئيس الجديد ، ثلاثة أشياء  : الأول : إصدار قرارات بإنشاء عدد من الحسابات والصناديق الخاصة ، بالمخالفة للمطالب الشعبية التى رافقت ثورة الشعب المصرى فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، التى طالبت بتصفية هذه الظاهرة المالية الشاذة ، والتى شكلت أحد ركائز دولة الفساد الممنهج والمقنن طوال الأربعة عقود السابقة ، وكان من أبرز هذه الصناديق والحسابات الخاصة صندوق ” تحيا مصر ” ، الذى تجمع فيه عشرات المليارات من الجنيهات فى صورة تبرعات من الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الإعتباريين  ، وبعض الرسوم والجبايات التى تجمع من المصريين فى صور شتى ، وذلك خارج نطاق المالية العامة ، وخارج نطاق الرقابة المالية والشعبية ، سواء من حيث حجم الأموال التى جرى جمعها ، أو أوجه التصرف فيها ، بما يمثل إستمرارا للسياسات الضارة والفاسدة التى ظلت السمة المميزة  للعقود الأربعة السابقة على ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، حيث تركزت عشرات المليارات من الجنيهات ومن العملات الأجنبية الأخرى ، لدى عدد كبير من الصناديق التابعة لبعض وزارات القوى فى النظام السياسى والإدارى المصرى ( الدفاع – الداخلية – الخارجية –رئاسة الجمهورية – هيئة المجتمعات العمرانية – وزارة الإسكان – هيئة التنمية الزراعية .. إلخ ) . الثانى : إصدار قرارات ومراسيم بقوانين تجاوز عددها أربعمائة قرار بقانون ، خلال الفترة الممتدة من يونيه 2014 حتى مارس 2016 ، التى جمع فيها بين سلطتى التنفيذ والتشريع وقبل أنتخاب وإنعقاد أولى إجتماعات المجلس النيابى الجديد فى مارس عام 2016 . وقد شملت هذه القوانين كافة جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية ، مثل قوانين الاستثمار ، وقوانين الخدمة المدنية ، وقوانين المناقصات والمزايدات  الذى جرت عليه ثمانى تعديلات منذ أصداره عام 1989  بهدف تسهيل عمليات الإسناد بالأمر المباشر ( منها القوانين ( أرقام (5) لسنة 2005 ، و (148) لسنة 2006 ، و( 191) لسنة 2008 و (14) لسنة 2009) ، ثم القرار الجمهورى بالقانون رقم ( 82) لسنة 2013 ، والقرار الجمهورى بالقانون رقم (48) لسنة 2014 ) (1)  ، وقانون التصالح مع رموز وقيادات نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، وغيرها من القوانين . كما كان من بينها القرار  الجمهورى بقانون رقم (57) لسنة 2016 ، والصادر فى 8 فبراير ، أى قبل إنعقاد أولى جلسات مجلس النواب الجديد بأقل من شهر واحد قل أ..!!! الثالث : التركيز والتوسع فى الإستيلاء على أراضى الدولة ، وتحويل جزء كبير من الأراضى المخصصة لأغراض الدفاع ، إلى مشروعات استثمارية وعقارية ، دون أن تستفيد منها الخزانة العامة للدولة ، وضمها إلى شركات تشرف عليها وتديرها جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة ، أو شركات خاصة تابعة للجيش .وكان من اللافت للنظر ، كثرة القرارات الجمهورية ، والقرارات التنفيذية  المتعلقة بإستخدامات هذه الأراضى ، وخصوصا تلك التى كانت فى حوذة القوات المسلحة لأغراض الدفاع ، ثم أخلتها الوحدات العسكرية ، فأنتفى عنها الغرض العسكرى والأمنى ، وتحولت فجاءة إلى مجالات للاستثمار والربح لصالح المؤسسة العسكرية وجنرالاتها ، بدلا من أن تكون مصدرا للثروة والقيمة المضافة للمجتمع وللخزانة العامة للدولة ، تغطى جانبا كبيرا من أحتياجات الشعب فى التعليم والصحة وغيرها من الحاجات الأساسية . وقد أصبح من الصعب حصر عدد هذه القرارات التى أصدرها الجنرال السيسى منذ أن تولى الحكم بسبب كثرتها ، طوال السنوات الستة الماضية من حكمه ( يونيه 2014- يونيه 2020 ) ، ولكننا نعرض بعضا منها على سبيل الاستئأنس بها ، والتعرف على إتجاهاتها من النفع العام إلى النفع الخاص : 1-فى عام 2014 صدر قانون معنى بتنظيم الأراضى التى يرفع الجيش يده عنها ، فأستحدث بندا يسمح للمؤسسات الفرعية التابعة للجيش بتكوين شركات منفردة ، أو بالشراكة مع القطاعين العام والخاص ، وتحويل هذه الأراضى لمشروعات مملوكة للجيش .  2-بتاريخ  8 فبراير عام 2016 أصدر الجنرال السيسى قرارا جمهوريا رقم (57) لسنة 2016 بتخصيص مساحة 166645 فدانا ( ما يعادل 700 مليون متر مربع ) لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وهيئة أراضى القوات المسلحة ، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لبناء العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد السكنى .
3-أصدر الجنرال السيسى قرارا جمهوريا بتخصيص الأراضى الصحراوية بعمق 2 كيلو متر على جانبى 21 طريقا جديدا  يتم إنشائها أو إصلاحها لصالح وزارة الدفاع  . 4- بتاريخ 15/6/2016 أصدر الجنرال السيسى القرار الجمهورى رقم (272) بالموافقة على تخصيص قطعة أرض من أراضى الدولة مساحتها ( 1284638 متر مربع ) بالعين السخنة لصالح الجيش بمحافظة السويس .5-بتاريخ 15/6/2016 أصدر الجنرال السيسى قرارا بالموافقة على إعادة تخصيص مساحة 3.17 كيلو متر مربع نقلا من أراضى مملوكة للقوات المسلحة وأراضى وزارة الإسكان والمرافق لصالح وزارة الدفاع . 6-بتاريخ 15/6/2016 صدر القرار الجمهورى رقم (234) بإعادة تخصيص مساحة (244فدانا ) من أراضى الدولة بأول طريق القاهرة – الفيوم الصحراوى لإستخدامها كمعسكرات للأمن المركزى التابع لوزارة الداخلية . 7-فى أغسطس 2016 صدر قرار جمهورى بتخصيص مساحة 107.55 فدانا ( ما يعادل 451710 متر مربع )غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة . 7- وفى عام 2016 منح ملك البحرين حمد آل خليفة قطعة أرض بمنطقة شرم الشيخ ومعاملته معاملة المصريين فى التملك . 8-  بتاريخ 12/7/ 2016أصدر الجنرال السيسى القرار الجمهورى رقم (313)  ، بتخصيص مساحة 6174.17 فدانا ( أى ما يعادل 25.9 مليون  متر مربع ) لصالح القوات المسلحة .9-بتاريخ    /  / 2017 صدر قرار جمهورى بتخصيص 14 ألف و596 فدانا غرب وصلة الضبعة ( ما يعادل 61.3 مليون  متر مربع ) لصالح القوات المسلحة. 10-بتاريخ 2/3/2017 صدر القرار الجمهورى رقم (85) لسنة 2017 بالموافقة على تخصيص 1351 فدانا ( ما يعادل 5.7 مليون متر مربع ) شرق النيل لصالح القوات المسلحة لمشروعات الاستصلاح السمكى . 11-ثم صدر القرار الجمهورى رقم (86) لسنة 2017 بتخصيص (1141254 ) فدانا من أراضى شرق العوينات لصالح القوات المسلحة . 12-بتاريخ 27/7/2017 صدر القرار الجمهورى  بإعادة تخصيص 360 فدانا بمحافظة مرسى مطروح لصالح القوات المسلحة .13-فى أغسطس عام 2017 أصدر القرار الجمهورى بتخصيص ثلاث قطع أرض لأمير الكويت بمساحة 164 فدانا ومعاملته معاملة المصريين فى التملك . 14-وأصدر قرارا بتخصيص قطعتى أرض لمواطن سعودى يسمى ( محمود  محمد بن ناصر الصالح ) بمحافظة الجيزة ومعاملته معاملة المصريين فى التملك .  15- وبتاريخ 13/9/2020  أصدر القرار الجمهورى رقم (548) حيث نص القرار الجمهورى فى مادته الأولى على ( إزالة صفة النفع العام على مساحة 116.9 فدان ( تعادل 491254 متر مربع الكائنة ناحية محافظة الأسكندرية ) ، وفى المادة الثانية نص على ( تخصص قطعة الأرض المبينة فى المادة الأولى لصالح القوات المسلحة ) ، وفى المادة الثالثة نص على أن ( يودع هذا القرار فى مكتب الشهر العقارى المختص بغير رسوم ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية ) . ( أنظر الوثيقة رقم … ) ، بما يكشف عن مقدار الجشع والنهم الذى يتحلى به القائمون على إدارة موارد الدولة – وخصوصا الأراضى والعقارات – وهكذا وبجرة قلم وضع الجيش ورئيس الجمهورية الحالى يده  بهذا القرار على حوالى نصف مليون متر مربع ، من أجل إستخدامها فى أغراض خاصة واستثمارية لقيادات هذه المؤسسة ودون أن تستفيد الخزانة العامة للدولة جنيها واحدا ..!!؟ وبرغم الهيمنة المطلقة لمؤسسة الجيش على معظم مناحى الحياة الاقتصادية فى البلاد بعد عام 2014 ، فأن الأداء السىء للقطاعات التى هيمنت عليها قيادات تلك المؤسسة قد دفع البعض إلى الصراخ علنا ، وعلى مرأى من العالم ، طالبين بتعديل هذا الوضع الشاذ (2) في كلمته أثناء افتتاح مصنع أسمنت بني سويف  بتاريخ 15/8/2018 تطرق الرئيس عبد الفتاح السيسي للآليات القانونية المُنظمة لإجراءات تعاقد الدولة لتنفيذ المشروعاتالجديدة ، وتحدث عما أسماه الطريقة التقليدية لإدارة القطاع، وهاجمها كثيرا، ودعا إلى التخلي عن هذه الطريقة (أي التخلى عن التمسك بقانون المناقصات والمزايدات  كأسلوب عمل في تعاقدات الدولة وأجهزتها المختلفة عند طرح مشروعات استثمارية)(3) .وأرجع ضعف قطاع الاستثمار إلى البنية القانونية، التي تلزم الجميع باتباع إجراءات قانونية محددة لدرء شبهات الفساد، ولاختيار أفضل عرض من الناحية الفنية والتكلفة المالية أيضا.كما تباهى الجنرال السيسي بقدرته على التفاوض وعبقريته في تقليل وقت تنفيذ المشروع المذكور(4) ، وألقى بكل اللوم على الإطار القانوني المنظم للإجراءات معتبرًا أن هذا النظام نظام تقليدي ، وأننا يجب أن نعتمد على المهارات الشخصية والفردية في التفاوض داعيًا ضمنًا إلى مخالفة القانون، وغاب عن الرئيس أن القوانين التي يشير إليها وُضعت بالأساس لمواجهة الفساد وتحجيم دوره، وأن الأسباب الحقيقية وراء “البيروقراطية” السائدة هي نقص الكفاءة في كتابة مناقصات بشروط محكمة تلبي طموحات الدولة، بالإضافة إلى قلة خبرة وتدريب الكوادر الوظيفية المسؤولة عن تنفيذ القانون.وهكذا جرت إدارة موارد الدولة وثرواتها فى ضوء رؤية جديدة تماما تقوم على فكرة نسف وتجاوز القوانين وخاصة قانون المناقصات والمزايدات ، عكس الفترة التى سادت فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، والتى كانت تقوم على فكرة إيجاد ثغرات فى القوانين تسمح بالتلاعب والفساد  . ففى سبتمبر عام  2013، أصدر الرئيس عدلي منصور تعديلات على المادة الأولى من قانون المزايدات والمناقصات  بالقرار الجمهورى بقانون رقم ( 82) لسنة 2013،  استثنى فيه الأجهزة ذات الموازنات الخاصة ، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية من تطبيق القانون، إذا كانت هناك نصوص خاصة في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناءً على تلك القوانين والقرارات.وقد جاء هذا التعديل ليتعارض مع إرادة المشرع السابقة، حيث كان الحرص في المادة الأولى قبل التعديل على سريان القانون على كافة الهيئات المخاطبة به دون أي استثنا، فكان النص كالتالى  ” يعمل بأحكام القانون المرفق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة – من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة – وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية. “. وهذا ما نقرؤه في مذكرته الإيضاحية حيث جاء حرفيا: “(…) كما تسري أحكامه على الهيئات العامة ويشمل ذلك الهيئات القومية ، ولا يعتد بأي نص خاص في القوانين أو القرارات الخاصة بإنشاء تلك الهيئات (…)”  ويوضح ذلك بجلاء أن نية المشرع اتجهت منذ البداية إلى إخضاع جميع الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية ووحدات الإدارة المحلية لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات.كما طال التعديل كذلك المادة 7 من القانون التي تجيز الإسناد المباشر لمشاريع اقتصادية دون إتباع إجراءات المزايدات والمناقصات في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة، حيث تم رفع قيمة هذا الإسناد لتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 50 ضعفا وفقا لمستوى السلطة المختصة كالتالى:1-بالنسبة لرؤساء الهيئات والمصالح:  في حالات شراء المنقولات أو تلقي الخدمات أوالدراسات الاستشارية ، أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل، ارتفع الحد الأقصى إلى 500 ألف جنيه ، بعد أن كان 50 ألف فقط ، وأصبحت مليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال بعد أن كانت 100 ألف ، وبالتالي تضاعف المبلغ 10 أضعاف.2-بالنسبة للوزراء والمحافظين:  في حال شراء المنقولات أو تلقي الخدمات ، أوالدراسات الاستشارية ، أوالأعمال الفنية أو مقاولات النقل، ارتفع السقف إلى 5 ملايين جنيه بدلاً من 100 ألف أي 50 ضعفا ، وزادت بقيمة 33 ضعفا بالنسبة لمقاولات الأعمال فأصبحت 10 مليون جنيه بعد أن كانت 300 ألف.وأضاف التعديل بندًا جديدًا على المادة المذكورة حيث أضاف الفقرة ج والتي أعطت الوزير المختص بالصحة والسكان الحق في التعاقد المباشر دون الخضوع لأحكام القانون بالنسبة للأمصال واللقاحات والعقاقير الطبية ذات الطبيعة الاستراتيجية وألبان الأطفال، وذلك وفقاً للضوابط والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية، ودون أي وضع سقف مالي لهذه التعاقدات.في يونيو 2014، صدر قانون آخر هو القانون رقم (48) لسنة 2014  بتعديل نص المادة 38 من القانون المشار إليه ، والتي تسمح للجهات التي ينطبق عليها القانون التعاقدَ فيما بينها بالأمر المباشر. وسمح  التعديل بسريان حكمها على الهيئة العربية للتصنيع ، وهي هيئة ذات طبيعة عسكرية تتبع رئاسة الجمهورية ووزير الدفاع- بحيث أصبح من حقّ الجهات الحكومية التعاقد بالأمر المباشر مع الهيئة لتنفيذ الأعمال ، وأصبح للهيئة كذلك الحق في إجراء المناقصات والمزايدات بديلا عن أيا من الجهات المخاطبة بالقانون من وحدات الجهاز الإداري للدولة – وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة  وكذلك وحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، سواء كانت خدمية أو اقتصادية.ومن شأن هذا الأمر أن يولد وضعًا شاذاً للهيئة، بحيث استثناها من ضرورة الالتزام بقواعد القانون الإجرائية واتباع المناقصات والمزايدات في تعاقداتها المختلفة ، كما أنه أبقى على نظامها الخاص المنصوص عليه في القانون رقم 150 لسنة 1976 بشأن حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع (5) ، والذي يعطي الهيئة امتيازات عدة، كما يعفيها من كافة الضوابط المنصوص عليها في القوانين المختلفة ويغل يد الأجهزة الرقابية، ورجال السلطة العامة عن الإشراف عليها وذلك طبقا لنص المادة 2 من القانون المشار إليه (6) . إلا أنه في الوقت نفسه منح الهيئة الحق في أن تحل محل أي من الجهات المخاطبة بالقانون، ما يعني أن حلول الهيئة سيكون معفيا من اشتراطات قانون المناقصات والمزايدات، ما يسمح لها بالتعاقد عن أي من الجهات المخاطبة بأحكام القانون، لكن دون الالتزام بقواعده.يتضح من عرضنا السابق أن نظام  الجنرال السيسى يجنح إلى إلقاء عبء فشله في الملفات المختلفة، على التشريعات القانونية. فدائما ما يرى النظام أن المشكلة في القانون وليس في منفذيه، وأن أسباب انتشار الجريمة هو قصور في مواد العقاب. وها هو يستعيد النظرة ذاتها فيما يتعلق بملفات التنمية الاقتصادية، حيث يتعامل النظام الحالي مع كل الإجراءات التي تساهم في الحد من الفساد، باعتبارها عوائق لعجلة التنمية، مستبعدًا قصور العنصر البشري، وغياب الكفاءة في اختيار الوظائف العليا.وفيما منح تعديل قوانين العقوبات النظام هامشا واسعا للتحكم في حريات الناس، فإن من شأن استكمال التعديل على قانون المناقصات والمزايدات في اتجاه اعتماد مبدأ التعاقد المباشر، أن يشكل خطوة نحو تكريس وتجذير الفساد، بل نحو منحه حماية قانونية.

“الطريق المسدود ” 11 عبدالخالق فاروق يكتب : في وصف العاصمة الأدارية .. ولمن ؟

يكشف المخطط المعلن عنه رسميا بالنسبة لمشروع هذه المدينة الجديدة ، عن طبيعة توجهات حكم الجنرال السيسى وتحيزاته الاجتماعية ، ونمط سياساته ، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة ومركبة يعيشها الغالبية الساحقة من الشعب المصرى منذ أكثر من أربعين هاما أو يزيد 

فإذا أخذنا  بالوصف الوارد فى الإعلانات المروجة  رسميا لهذا المشروع نجد الأتى : 

تقع العاصمة الإدارية الجديدة على حدود مدينة بدر في المنطقة الواقعة بين طريقي القاهرة السويس ، والقاهرة العين السخنة، مباشرةً بعد القاهرة الجديدة ، ومدينة المستقبل ومدينتي. 

ويعتبر موقع العاصمة الادارية الجديدة من أهم ما يميزها حيث تبعد حوالي 60 كم عن العين السخنة والسويس وعن مناطق وسط القاهرة ، ويعتبر طريق السويس المؤدي إلى طريق جندالي 2، هو الطريق الأساسي المؤدي إلى العاصمة الجديدة  لحين الانتهاء من الطريق الأساسي  ، وهو طريق محمد بن زايد  .

تبلغ مساحة العاصمة الإدارية الجديدة  168 ألف فدان أي ما يعادل مساحة مدينة سنغافورة ( أى ما يساوى 705.6 مليون متر مربع ) ، وتنقسم العاصمة الجديدة إلى عدة أحياء هى :  حي حكومي، وحي دبلوماسي، وحي سكني، وحي المال والأعمال

وتحتوي العاصمة الجديدة على حديقة مركزية كبيرة تسمى “كابيتال بارك” تبلغ مساحاتها أكثر من 1000 فدان ( أى ما يساوى 4.2 مليون متر مربع ) ، وطولها أكثر من 10 كم – أي ما يعادل مساحة الحديقة المركزية بنيويورك مرتين ونصف. وتم بناء النموذج الأول فقط على مساحة حوالى 7 أفدنة ، وتحتوى العاصمة على نهر أخضر بطول 35 كيلو متر مرتبط بجميع أحياء وجامعات المدينة ليحاكى نهر النيل بمدينة القاهرة ، ويعتبر النهر أكبر محور أخضر فى العالم كما تقول الدعاية الحكومية للمشروع ، يحتوى على حدائق مركزية وترفيهية بدخول مجانى على مساحة 5 آلاف فدان.

وتضم المدينة أول مركز سيطرة وتحكم أمني وخدمات السلامة العامة عن طريق 6 آلاف كاميرا في المدينة و سيتم ربط مشروع العاصمة الجديدة بخط سكة حديد جديد مع كافة شبكات سكك الحديد في الجمهورية ، كما سيتم ربط مشروع القطار الكهربائي بمدينة العاشر من رمضان وبلبيس عن طريق القطار الكهربائي .

وسوف يتم إنشاء مطار دولي بالعاصمة الإدارية على مساحة 16 كم، وسوف تحتوي المدينة على عدة خدمات أخرى مثل: مركز للمؤتمرات – مدينة طبية – مدينة رياضية – مدينة للمعارض.

ومن المشروعات الخدمية في العاصمة الإدارية الجديدة: 1-مسجد الفتاح العليم (هو واحد من أكبر المساجد حول العالم) ، يقع المسجد على الطريق الدائري الأوسط  ويسع المسجد 17 ألف شخص ، وتبلغ المساحة الإجمالية للمسجد 106 فدان  ( ما يعادل 445.2 ألف متر مربع ) ، وطوله 3150 متر، ويبلغ عدد المآذن 4 على الطراز الفاطمي بطول 95 متر (31 دور) ، ويبلغ عدد القباب: 21 قبة 

2- أول جامعة أجنبية في العاصمة الجديدة ، حيث صدر قرار جمهوري بإنشاء مؤسسة جامعية بالعاصمة الجديدة باسم “الجامعات الكندية في مصر” .وهي الفرع الدولي لجامعة جزيرة الأمير إدوارد الكندية ، وتحتوي الجامعة على عدة خدمات مثل: ملاعب لكرة القدم وكرة السلة والتنس على الطراز الأوروبي على مساحة 30 فدان.


وعن مستويات وأنواع العقارات بهذا المشروع  فهو يضم الأتى : 

أولا: الحي السكني منطقة خاصة بالفيلات وآخرى بالتاون هاوس، ومن المقرر أن يتم بهما إقامة 4000 فيلا ومنزل مقسمين على مرحلتين ، الأولى: مساحتها 10 ألاف فدان وستضم: 190 فيلا ، و71 تاون هاوس للبيع ، و الثانية: ومساحتها 15 ألف فدان وستضم 139 فيلا، 50 تاون هاوس.

ثانياً: حي المال والأعمال   ويضم مشروع أبراج العاصمة الجديدة الذي يشمل 20 برجا سكنيا وإداريا وتجاريا وخدميا ، وتحتوى المنطقة أعلى برج في إفريقيا بارتفاع 385 متر، وتبلغ إجمالي مساحة المشروع حوالي 195 فدان.

وتتكون  كل عمارة من بدروم ودور أرضي و7 أدوار متكررة ، كل دور مساحته 580 متر، و تتراوح مساحات الوحدات من 130 متر مربع إلى 180 متر مربع، و تتميز الشقق في العاصمة بحسن التوزيع الداخلي حيث تضم كل شقة ريسيبشن، و3 غرف نوم، و2 حمام، ومطبخ، وغرفة نوم بحمام مستقبل، وشرفات.

وعن أسعار هذه الشقق يبدأ  سعر المتر للشقق في العاصمة الادارية الجديدة من 4500 جنيه( أى بمتوسط يترواح بين 585.0 ألف جنيه إلى 675.0 ألف جنيه ) . وقد تغيرت هذه الأسعار بعد عام من بداية تنفيذ المشروع فأصبح سعر المتر المربع مبانى يترواح بين 11.0 ألف جنيه للشقق ، و28.0 ألف جنيه للفيلات ، ومن ثم أصبج سعر الشقة الصغيرة يتجاوز المليون جنيه فأكثر ، والفيلات والقصور تتراوح بين 15.0 مليون إلى 30.0 مليون جنيه .

وتستعد وزارة الإسكان لطرح 3 ألاف فدان للمطورين والعقاريين والمستثمرين بعد الانتهاء من تأسيس الخدمات والمرافق الأساسية بهما، وسوف يتراوح سعر المتر في تلك الأراضي ما بين 3500 جنيه إلى 5000 جنيه.

وتتولى إدارة المشروع  شركة مساهمة برأسمال يقدر ب 6 مليارات جنيه، وتتكون الشركة من مجموعة من الإدارات الأساسية هي: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ، وهيئة المجتمعات العمرانية ، وجهاز مشروعات أراضي القوات المسجلة .

ويتكون مجلس إدارة الشركة من 13 عضو، 3 من الأعضاء من ممثلي هيئة المجتمعات العمرانية ، و5 أعضاء ممثلين للقوات المسلحة ، و5 من ذوي الخبرة في مجال العقارات ، وتشترك أربعة شركات  مقاولات كبرى على تنفيذ المشروع هم :طلعت مصطفى – المقاولون العرب – أبناء علام – كونكورد – تحالف أوراسكوم إلى جانب شركة بتروجيت للمقاولات – شركة وادى النيل – تحالف مصرى أسبانى – شركة “CSCEC” الصينية وهى الشركة التى تم تصنيفها أفضل شركة بين 250 شركة مقاولات عالمية( ملحوظة : أنسحبت الشركة الصينية من المشروع  ومن بعدها التحالف الإسبانى ) .

و تخطط وزراة الإسكان لإقامة 25ألف وحدة سكنية في الحي السكني.وتتراوح مساحات الوحدات السكنية في الحي السكني ما بين 100 متر مربع إلى 180 متر مربع .

ويتكون الحي الحكومي من 18 مبنى وزاري،  ومبنى لمؤسسة الرئاسة،  ومبنى البرلمان ، ومبنى لمجلس الوزراء.وتبلغ تكلفة ترفيق أراضي الحي الحكومي والسكني 10 مليار جنيه، هذا بخلاف نفس المبنى الرئاسية فى مدينة العلمين الجارى إنشائها فى نمط من الانفاق السفيه لم ترى مصر مثيلا له ، إلا فى عهد الخديوى إسماعيل والذى أنتهى بإفلاس مصر وأحتلالها . 

    شروط حجز شقق العاصمة الادارية الجديدة؟

تم طرح كراسة شروط شقق العاصمة الادارية الجديدة باستمارة بيانات فقط بدون شروط لتكون متاحة لمن يستطيع سداد ثمن الوحدة السكنية، بالإضافة إلى كل من لديه وحدات فى مشروع دار مصر أو سكن مصر.و تم تحديد أسعار المتر بأنها لن تزيد عن 9 الاف جنيه لوحدات تتراوح مساحاتها بين 120 متر و180 متر،  ولكن لم يتم الإعلان عن السعر النهائى للمتر فى الوحدات السكنية من قبل لجنة التسعير فى وزارة الإسكان التى تقوم بدراسة موقف السوق بعد الارتفاعات في أسعار مواد البناء.

وتم الإعلان عن ميعاد حجز شقق العاصمة الادارية الجديدة على أن يكون في مارس 2018، وهو مقتصر على الشركات وليس الأفراد؛ حيث لا تقل المساحة المطروحة عن 20 فدان.سوف يتم نقل مقرات الوزرات الآتية إلى العاصمة الجديدة: الصحة والإسكان والتعليم العالي والتربية والتعليم والتموين والإنتاج الحربي والأوقاف والعدل، بالإضافة إلى مبنى البرلمان ومبنى مجلس الوزراء  إلى جانب مبنى رئاسة الجمهورية. ومن المخطط انتقالها بدايةً من منتصف عام 2020.

بعض الإضرار المترتبة على هذا المشروع 

ترتب على الإندفاع فى تنفيذ هذا المشروع أن زادت أسعار مواد البناء بصورة هائلة ، حيث زاد طن الأسمنت فى مصر من 230 جنيها للطن عام 2003 ، إلى 530 جنيها للطن فى نوفمبر عام 2013 ، ثم قفز فى 30/9/2017 إلى 730 جنيها للطن ، وفى ( عام 2018 ) قارب 800 جنيه للطن ، والأن يفاخر الجنرال السيسى فى أحد لقاءاته القريبة بأن سعر طن الأسمنت قد أنخفض من 1300 جنيه إلى ألف جنيه فقط بعد أن أقام مصنع بنى سويف للأسمنت..!! 

وإذا تعمقنا فى الأسباب وراء ذلك نجدها كالتالى:

1-زيادة الطلب الهائل على الأسمنت  ومواد البناء بسبب التوسع غير المحسوب وغير المبرر فيما يسمى مشروعات السيسى الكبرى مثل العاصمة الإدارية ، والطرق والكبارى ومشروعات الإسكان التى غالبيتها لمن لديه قدرات مالية كبيرة 

2-زيادة أسعار مستلزمات الانتاج خصوصا الطاقة ( الكهرباء – المواد البترولية والغاز ) بسبب إحتساب بعضها بالأسعار العالمية .
3-سيطرة الشركات الأجنبية على أكثر من 75% من انتاج الأسمنت فى مصر ، ورغبتها فى زيادة وتعظيم أرباحها ، فلم يعد لها منافس من القطاع العام الذى جرى تدميره وبيعه قطعة قطعة وشركة شركة للأجانب .

4- أما طن حديد التسليح فقد قفز من 5700 جنيه للطن فى نوفمبر عام 2013 ، إلى 11900 جنيه للطن فى 30/9/2017 ، وبالقطع فى ظل وجود تخطيط للانتاج ورقابة – لا أقول تحكم حتى لا يغضب عبدة وثن اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب – كان من الممكن تجنب تلك الأثار الضارة على مجمل هيكل الانتاج والأسعار فى البلاد ، فالفوضى هى قرين الفساد والتربح المغالى فيه من رجال المال والأعمال وسماسرة الأراضى . 

وهل بعد ذلك نتحدث عن أن مصر بلد فقير ؟

العاصمة الإدارية الجديدة ووظاهرة المنتجعات السكنية الفاخرة 

لم يكن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ، وسياسات الجنرال عبد الفتاح السيسى فى مجال الأراضى ، التى بدت واضحة وضوح الشمس منذ أن تولى الحكم رسميا فى يونيه عام 2014 ، سوى إمتداد أكثر وضوحا وكثافة وعمقا للسياسات التى جرت طوال الأربعين عاما السابقة عليها (1980-2010) . 

وتكشف دراستنا حول إنفاق المصريين على المنتجعات السكنية الفاخرة Compounds  منذ عام 1980 حتى عام 2010 ، حقيقة الثروات التى تراكمت لدى فئات محدودة من المضاربين وسماسرة الأراضى والمقاولين (8)،  بالتعاون والتحالف مع رجال الحكم والإدارة وجنرالات المؤسستين العسكرية والأمنية ، وقد أدى استخدام الأراضي المملوكة للدولة وتخصيصها بطرق لا تخلو كثيراً من فساد إلى توزيع جديد للثروات و الدخول؛ وساهمت في تعزيز دور وثقل جماعات السماسرة ، والمضاربة  والمقاولين ( من أمثال آل سايورس وطلعت مصطفى وصبور وغيرهم ) داخل بنية المجتمع ، ومن هنا فأن إجراء هذا الحصر والإحصاء و التحليل يحقق عدة أهداف :

الأول : ما يمكن أن نطلق علية الرفع المساحي لمكامن الثروات والأصول العقارية ، وفقاً لتطور عمليات الحصر والتحليل ، وبالتالي التعرف علي خرائط القوى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

الثاني : التعرف عن قرب على أحد مصادر الجباية الضريبية في إطار منظور أكثر استقامة للعدالة الاجتماعية  وفي الصدارة منها العدالة الضريبية. 

الثالث : التعرف على حجم الأراضي المملوكة للدولة التي خصصت لهذا النوع من الإسكان ، والأسعار التي بيعت بها ، ومقدار الهدر أو الضياع على الخزانة العامة بسبب التسعير المتدني لهذه الأرض.

الرابع: في ضوء هذا التحديد يمكن تقديم البدائل و السياسات التنموية الجديرة بالاتباع في المستقبل.

وكان من أبرز الإستخدامات للأراضى المنهوبة  في مصر طوال الأربعين عاماً الماضية ؛ ظاهرة بناء منتجعات سكنية compounds  شبة مغلقة ؛ ذات مستويات سكنية وإجتماعية أكثر ثراءً من غيرها من التجمعات السكنية التي أقامتها الدولة المصرية للفقراء والطبقة المتوسطة ( مدن السلام – مساكن النهضة – العبور – الشروق – السادات الجديدة – المنيا الجديدة – …. إلخ ) .

وقد تميزت هذه المنتجعات السكنية الجديدة بعدة خصائص ومميزات أبرزها (9): 

1-أنها تكاد تكون مجتمعات مغلقة علي سكانها يحيطها سور وبوابات للحراسة .

2-أنها وحدات سكنية راقية من حيث البناء ( فيلات – قصور – شاليهات ) ، تتميز بالجمال والإتساع ( 250 متر إلى ألف متر ) .

3-أنها ذات تكاليف بناء أعلى وأغلى من تلك الوحدات الخاصة بالمجتمعات العمرانية للفقراء ومتوسطي الدخول ، حيث كانت تتراوح تكاليف البناء في المتوسط  طوال عقدى الثمانينات والتسعينات ، بين ألف جنية للمتر المربع إلى 30 ألف جنية للمتر المربع ، بينما كانت للوحدات الفقيرة والمتوسطة طوال نفس  الفترة تتراوح بين 200 جنية إلى 400 جنيه للمتر مبانى .

4-أنها تتميز بوجود مساحات فراغية وخضراء لا تقل في المتوسط عن 40% من إجمالي المساحة الكلية المخصصة للبناء، وقد تصل إلى 60% .

5-أنها قد حققت أرباحاً طائلة للشركات المنفذة لهذه المنتجعات السكنية ( ومعظمها عربي وأجنبي  ومشترك ) تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات.

6-والمدهش أنه وفقاً لقوانين الضرائب السائدة ؛ فأن هذه التصرفات الرأسمالية المكسبة لواقعة الربح لم تخضع لضرائب الأرباح الرأسمالية  capital gains taxes  غير المعمول بها في النظام الضريبي المصري بعد اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي ( بدءاً من القانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديله بالقانون رقم 32 لسنة  1977 انتهاء بقوانين حوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 ) ، خصوصاً بعد تأسيس وتشغيل البورصة المصرية وسوق الأوراق المالية بعد عام 1992.  

7-والأن ومع تطبيق قانون الضرائب العقارية رقم 196 لسنة 2008 ، وتعديلاته بالقانون رقم (117) لسنة 2014 ، أصبح من الضروري أن تتحمل هذه الوحدات والمنتجعات السكنية بوقع ضريبي يتناسب مع حالة الثراء التي تميز أصحابها في أطار سياسة ضريبية عادلة توازن بين المكاسب والأرباح من جهة ، والعبء الضريبي المتناسب معها في سياق عدالة إجتماعية يطالب بها الشعب المصري ، ويلح في تطبيقها الملايين الذين شاركوا في الثورة المصرية.

ويبقى السؤال قائماً : كم هي أعداد هذه الوحدات بالمنتجعات السكانية الفاخرة ؟ وكم تكلفت علي أصحابها ؟ وكم نستطيع أن  نحصل منها ضريبياً سواء من الشركات التي حققت الأرباح الطائلة ( في صورة ضريبة علي الأرباح الرأسمالية أو ضرائب علي الدخل ) ، أو في صورة ضرائب عقارية سنوية تعزز من إيرادات الخزانة العامة وتسد جزءاً من العجز الضخم في الموازنة العامة للدولة ؟

أولا :  أنواع المنتجعات والتجمعات السكنية الفاخرة

لقد وضعنا مجموعة من المعايير للتقسيم والتمييز بين هذه الوحدات الى أنواع أربعة هي:

1-المنتجعات السكنية Compounds   : فتعرف بأنها تلك المجتمعات السكنية المغلقة التى تتميز برقى الوحدات داخلها ، حيث تتنوع بين القصور والفيلات والتوين هاوس ، والتاون هاوس ، وتتوافر بداخلها كافة الخدمات ، بحيث تعزلها تماما عن المجتمعات المحيطة بها ، وتتفاوت المساحات للوحدة السكنية ، بحيث تبدأ بحد أدنى 250 مترا مربعا 

وتصل إلى 1500 متر مربع . وقد أطلق عليها بعض الدارسين منتجعات العزلة Retreat Resort  بإعتبارها تجمعات سكنية معزولة عن بقية محيطها الاجتماعي(10)

2-المنتجعات السياحية  Compound tourism : فتتميز بوجودها في المناطق الساحلية بالأساس، وتتنوع بين قرى سياحية ، ومنتجعات سياحية .

-ويقصد بالقرى السياحية: نوع من الوحدات يتمثل في الشاليهات ، والفيلات ، والأستوديوهات وعدد الشاليهات بها تمثل النسبة الأكبر من عدد الوحدات .

( ب )أما المنتجع السياحي: فالوحدات بها  بين الشاليهات ، والفيلات ، وعمائر سكنية بها شقق مصيفيه وأستوديوهات 

(ج) أما الاستديو : فهو عبارة عن “شقة صغيرة ، متوسط مساحتها  50 متر مربع تكفي لأسرة صغيرة “.وقد عرفها بعض الدارسين بأنها المواقع التي توفر الاكتفاء الذاتي ، وتتوفر فيها أنشطة سياحية مختلفة وخدمات متعددة لأغراض الترفيه و الاستراحة والاستجمام. (11)

3-أما التجمعات السكنية :فهى عبارة عن مجموعة من المباني السكنية (عمائر وأبراج) المتجاورة ، التي تتوافر بداخلها خدمات، ولا يقتصر تواجد هذه التجمعات على المناطق السكنية الجديدة ، وتتفاوت من حيث مستوى التشطيب والمساحات التي تتراوح بين 70متر مربع إلى  400 متر مربع.

4-وأخيرا التجمعات والمنتجعات المختلطة : فهي تشتمل على مساحة تضم نوعين من العقارات ما بين القصور والفيلات من ناحية ، والمساكن العادية (أبراج -عمارات) من ناحية أخرى ، فى تداخل ملحوظ مثلماهو الحال في مدينة الشروق ، والعبور ، وأكتوبر ، والقاهرة الجديدة وغيرها من المدن الجديدة.

وقد أستند هذا التقسيم على مجموعة من الإعتبارات أهمها :المساحة ، ونوع الوحدات ، وفترات الإقامة ، والاستقلالية للوحدات .كما حددنا تمرحلا زمنيا time stages   لتكاليف الانتاج من ناحية ، وإيرادات البيع من ناحية أخرى قائمة على التقسيم الزمنى التالى : 

الفترة الأولى : من عام 1980 حتى عام 1990 . 

الفترة الثانية : من عام 1991 حتى عام 2000 . 

الفترة الثالثة : من عام 2001 حتى عام 2011 . 

الفترة الرابعة : من عام 2014 حتى عام 2022 .

و يقصد  بالتمرحل الزمنى هو معيار للتقدير الحالي للوحدات السكنية ، وفقاً لمتوسط أسعار الفترات الممتدة من عام 1980 وحتي عام 2010 .

لقد بلغ حجم ما أنفقه المصريين على تلك الوحدات السكنية الفاخرة والشاليهات الصاحلية خلال الفترات الثلاثة الأولى ( 1980-2011) حوالى 415.0 مليار جنيه على  أقل تقدير ووفقا لأسعار تلك السنوات المتعاقبة (12)، أما الفترة 

الرابعة التى تولى فيها الجنرال السيسى الحكم ، فأن الأسعار المطروحة بها تلك الوحدات وخصوصا فى عاصمته 

الإدارية سوف تقفز بالرقم إلى خمسة أضعاف الرقم الأول ، سوف تذهب أرباحها إلى المقاولين والسماسرة والشركة التى أنشأها الجنرال السيسى بالقرار الجمهورى رقم (57) لسنة 2016 ، التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للجيش . 

لقد شكلت الأراضى والمضاربة عليها أحد المصادر الكبرى لتحقيق الثروة والثراء فى مصر منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين  ، سواء كان ذلك من خلال الحصول على تخصيصات للأراضى بمئات الأفدنة من هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزير الزراعة ، أو بملايين الأمتار فى الأراضى التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزير الإسكان والتعمير .ولعبت المجاملات والوساطات وشبكات المصالح الفاسدة ، وقوة نفوذ بعض الشخصيات الموجودة فى الحكم ، وفى الدائرة الرئاسية ذاتها دورا فى عمليات الفساد الواسعة النطاق . 

والحقيقة فأن من أوائل من دخلوا إلى هذا المجال منذ منتصف الثمانينات، كان علاء مبارك النجل الأكبر للرئيس حسنى مبارك ، ووفقا للرواية الشهيرة التى رواها وزير الإسكان الأسبق  المرحوم المهندس حسب الله الكفراوى ، فقد فوجىء الرجل يوما بنجل الرئيس مبارك يدخل عليه مكتبه فى الوزارة طالبا منه الموافقة على الحصول على ألف فدان فى منطقة تقع على طريق القاهرة الإسماعيلية ، وكان عدم إستجابته للطلب سببا فى خروجه من التشكيل الوزارى فى أول تعديل جرى ، وأتى بالدكتور محمد إبراهيم سليمان وزيرا للإسكان والتعمير والمرافق عام 1993 ، بعد أن جرى ضم وزارة التعمير والمرافق إلى وزارته ليصبح هو المسيطر الأكبر على مساحات شاسعة من الأراضى المصرية (13)  

وقد أنتبه الجنرال عبد الفتاح السيسى بمجرد توليه منصبه كرئيس للجمهورية فى يونيه عام 2014 ، إلى هذا المصدر الهائل للثروة فى مصر ، وبدلا من إستخدامها لتصحيح تلك الأوضاع الشاذة ، وإسترداد أموال الدولة من مغتصبى هذه الأراضى الذين هم من كبار رجال المال والأعمال ورجال الحكم والإدارة ، والقضاة وغيرهم ، حرص على أن يحصل لمؤسسة الجيش على حصتها من هذه الغنيمة الكبرى ، فأصدر عشرات القرارات الجمهورية للإستيلاء على هذه الأراضى – كما عرضنا فى الصفحات السابقة – والضغط المحسوب على بعض ناهبى أراضى الدولة للحصول منهم على بعض المستحقات المالية . 

هنا نعرض بعض تلك الحالات المعروفة فى نهب الأراضى ، وبعض الإجراءات التى أتخذت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، للتخفيف على الرأى العام الذى صدم بكشف مئات قضايا الفساد ونهب الأراضى ، وذلد دون أن يمس جوهر عمليات الفساد ، التى شاركت فيها هذه المرة مؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة ، تحت الإشراف المباشر للجنرال السيسى . 

ففى أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011 ،  قامت وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى – وهى جهاز الدولة المسئول عن ادارة واستغلال والتصرف فى الاراضى الصحراوية التى تخصص لأغراض الاستصلاح والاستزراع فى المناطق التى تشملها خطة مشروعات استصلاح الاراضى ، وفى اراضى طرح النهر وتمارس سلطات المالك فى كل ما يتعلق بشئونها – بحصر مساحات أراضى لشركات وأشخاص تبلغ نحو 26 ألف و767 فدان، تم تغيير نشاطها بطريقي مصر إسكندرية، ومصر – إسماعيلية . 

  وأكد اللواء محمد حلمي، رئيس هيئة التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة وعضو لجنة استرداد اراضي الدولة، أن منطقة سهل الطينة بها مساحة 50 ألف فدان مقسمة إلى ثلاث مستويات، وقد أهتم صغار المزارعين بزراعة الأرض ، بينما خالف كبار المزارعين بتحويل الأرض لنشاط الاستزارع السمكي.وقال في تصريح لـ”الدستور” إن هيئة التعمير قررت سحب الأراضي من شركتين زراعيتين تعملان في شرق العوينات لم تستكمل عمليات الاستصلاح، بينما ثلاث شركات أخرى استكملت عمليات الاستصلاح (14) .

واستعرضت اللجنة أيضا نتائج الموجة الحادية عشر لإزالة التعديات والتى أكد تقريرها قيام كافة المحافظات بتنفيذ المخطط المطلوب منها، من خلال متابعة وزارة التنمية المحلية برئاسة اللواء محمود شعراوى وتنسيق كامل بين وزارات الدفاع والداخلية وكافة المحافظات وجهات الولاية ، وهو ما أسهم فى تحقيق المستهدف من الموجة خلال الفترة الماضية حيث تمت إزالة تعديات على 2 مليون و165 الف متر مربع أراضى بناء، و151 الف فدان أراض زراعية(15) .

وشدد رئيس اللجنة على استمرار موجة الإزالات خلال الفترة القادمة لإستكمال تنفيذ أعمال الإزالة مع قيام كل محافظة بوضع مخطط لإستخدام الأراضى التى تم استردادها فى نطاقها، سواء تخصيصها لمشروعات قومية أو خدمية أو الإعداد لعرضها فى مزادات علنية لبيعها وفقا للقانون.

 كما أعلنت الوزارة ، ممثلة فى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، أنه تم بيع 39 قطعة بمساحة إجمالية تقدر بنحو 747 فداناً، بمبلغ 51 مليوناً و368 ألف جنيه، وذلك خلال آخر جلستين بالمزاد العلنى الذى عقد بالمتحف الزراعى، والمخصص لبيع 7500 فدان ضمن أراضى مشروع تنمية سيناء بمنطقة بئر العبد، والمفتوح لأبناء جميع المحافظات (16).

هكذا أعيد بيع فدان الأرض بمبلغ يترواح بين 50 ألف جنيه إلى 80.0 ألف جنيه ، بينما كان جل رجال المال والأعمال ورجال الحكم والإدارة قد حصلوا على مساحات هائلة من الأراضى بسعر للفدان يترواح بين 50.0 جنيها و 200.0 جنيها فقط لاغير فى أكبر عملية نهب وإستنزاف للثروة الوطنية من الأراضى (17) ..!!

والأن جاء من يستولى على الأراضى بمئات الآلاف من الأفدنة دون أن يسدد جنيها واحدا للخزانة العامة ؟؟!!

” الطريق المسدود ” 12 د. عبدالخالق فاروق : سياسات السيسي والمسكوت عنه في ” حقل” ظهر للغاز


من المفارقات المحزنة فى الحالة المصرية ، هو كيف تحولت ثروة البترول والغاز والمعادن من نعمة تدفع بمستوى معيشة المصريين إلى التحسن والتقدم ، إلى شىء أخر تماما ، حيث زادت المعاناة خصوصا منذ تولى الجنرال السيسى الحكم ، بسبب سوء إدارة هذا القطاع الحيوى ، وإنتشار ممارسات الفساد داخله ، مما أدى إلى زيادة عمليات النهب وسيطرة الشركاء الأجانب على ثروات هذا القطاع . 

خصائص عقود البترول والغاز وكيفية التلاعب بها

ومن أهم المرتكزات الأساسية فى العقود الموقعة فى مجال البترول والغاز مع الشركات الأجنبية العناصر الأساسية التالية(1): 

1-طبيعة إلتزامات الشريك الأجنبى ، سواء فى مرحلة الأمتياز الأولى ( البحث والأستكشاف ) ، أو فى مرحلة الإمتداد  Extension  ، أو فى مرحلة التنمية والانتاج ، خصوصا ما يتعلق منها بمنح التوقيع  Signature Bonus  ومنح الانتاج  Production Bonus ، وكذلك حجم الانفاق والاستثمارات المقدرة فى كل مرحلة من هذه المراحل.

2-المدد الزمنية للعقود ، خصوصا المدة الأولية للبحث والإستكشاف ، فكلما طالت هذه المدد ، وزاد عليها المد الأختيارى للعقود ، يؤدى ذلك إلى تحمل الجانب المصرى بنفقات أعلى فى بند إسترداد التكاليف فى حال الاكتشاف التجارى للزيت الخام ، أو الغاز الطبيعى ، لأن الفترة تحمل كلها بتكاليف هذه المراحل مجتمعة من ناحية ، أو حرمان مصر من فرص إعادة طرح هذه المناطق على شركات دولية جديدة من ناحية ثانية . 

3-بند إسترداد التكاليفRecovery of Costs، وكيفية حسابه والتدقيق فى سجلات وفواتير المقاول ( الشريك الأجنبى ) منعا للتلاعب أو تحميل الجانب المصرى بأعباء غير ضرورية . 

4-طريقة توزيع الحصص ، وشراء بعض حصص الشريك الأجنبى . 

5-ملكية الأصول والمعدات بعد إنتهاء فترة عقد التنمية ، أو تخلى الشريك الأجنبى عن العقد ، وطريقة تسجيلها ، ومنع التلاعب ، أو احتمالات التواطؤ بين المقاول أو الشريك الأجنبى ، وبعض الموظفين المصريين كما أظهرت وقائع عديدة وتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وما رواه وزير الصناعة الأسبق الدكتور مصطفى الرفاعى خير دليل على ذلك(2). 

6-نظم الرقابة والتفتيش على السجلات والعينات ، والتى بدا بوضوح من قراءة العقود المصرية مع الشركاء الأجانب خلال الثلاثين عاما الأخيرة ، التساهل وإستخدام تعبيرات ومصطلحات لم تكن موجودة من قبل ، من شأنها أن تغل يد المراقبين المصريين عن التفتيش بدقة وصرامة على أعمال المقاول والشريك الأجنبى ،  مثل تعبيرات ” فى الأوقات المناسبة ” ، أو ” بالطريقة المناسبة ” أو ” فى الحدود المعقولة ” . 

7-كيفية حساب الضرائب على الدخل ، والضريبة الأضافية ، أو ضرائب الأرباح. 

8-الأتاوة التى تقدر كنسبة من كميات البترول أو الغاز المنتج من الأبار ، وفقا للسعر المعلن ، وهى تتفاوت من بلد إلى أخر ، ومن عقد إلى أخر ، حيث تصل فى ليبيا إلى 16.67% بينما تتدنى فى مصر إلى 10% .

9-حقوق الجانب المصرى مثل حق الإلغاء ، وحق الاستيلاء ، وحق الشريك الأجنبى فى التنازل ، وشروط تطبيق هذه الحقوق الأساسية فى التعاقد . 

10-مسئولية الشريك الأجنبى أو ( المقاول ) ، أو الشركة القائمة بالعمليات فى التعويض فى حال الإضرار بالغير.

11-وأخيرا وليس أخرا مبادىء قانونية أساسية ينبغى أن يتضمنها العقد مثل مبدأ ” القوة القاهرة ” ، أو مبدأ ” تغير الظروف ”  اللذين يمثلان بوابة العبور من المواقف الصعبة بالنسبة لحكومات الدول النامية أو المنتجة . 

وسط هذه الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية المصرية الجديدة  التى مرت على مصر – دولة وشعبا – نشأت آليات منتظمة للتعاقد والعلاقات بين قيادات قطاع البترول والغاز المصرى ، وبين الشركات الكبرى فى السوق الدولية  ، فعلى سبيل المثال  أستمر ضغط الشركات الأجنبية على قيادات وزارة البترول وهيئة البترول ، حتى جرى تعديل على الاتفاقيات منذ عامى 1987 و 1988 ، ووفقا لهذه التعديلات ، ففى حال ظهور الغاز الطبيعى تسترد الشركات الأجنبية تكاليف البحث والتنقيب فى حدود 40% ، علاوة على 25% حصتها من الغاز المستخرج ، وبهذا تحصل الشركة الأجنبية على ما يزيد على 65% من الغاز المصرى المكتشف ، ويبقى لمصر حوالى 35% فقط من هذا الغاز ، كما أصبحت مصر منذ ذلك التاريخ ملتزمة بشراء 75% من حصة الشريك الأجنبى من الغاز ، وهو ما يعفى الشريك الأجنبى من أعباء تسييل الغاز وتصديره ، كما أعطت هذه التعديلات الشريك الأجنبى حق التحفظ على الغاز لمدة سبع سنوات للبحث عن وسيلة لتسويقه ، أو تصديره إلى الخارج دون إلتزام بالحفاظ على إحتياطى قومى لمصر (3) . 

ومن ضمن الوسائل والأساليب التى قد تضر بالجانب المصرى ، ما يجرى فى  طريقة حساب إيرادات شركات البترول والغاز الأجنبية ، فهناك طريقتان  فى حساب تلك الإيرادات : 

الأولى : تلك التى تستخدم ما يسمى الأسعار المعلنة Posted Price لبرميل الزيت الخام أو الغاز الطبيعى وتحسب على أساسها الضرائب المستحقة للدولة المصرية .

والثانية : التى تستخدم ما يسمى الأسعار الفعلية  Realized Price لبرميل الزيت الخام أو الغاز وغالبا تقدمها الشركات الأجنبية لمساهمى الشركات ومموليها . 

فالطريقة الأولى : هى التى تستخدم عادة فى مصر مع الشركات الأجنبية تحت شعار جذب الاستثمارات وعدم ( تطفيش المستثمرين ) ، تؤدى دائما إلى إهدار جزء من الموارد التى كان من المفترض دخولها إلى الخزانة العامة . فجميع الخبراء العاملين فى هذا الحقل يعرفون تماما أن الشركات الأجنبية غالبا ما تتلاعب بالأسعار المعلنة ، والذى يتكون من جزأين ، الأول : السعر المعلن الأساسى Base Posting والثانى : السعر المتغير والذى يمثل علاوة مؤقتة تمنح على السعر ، وقد نجحت ليبيا فى عهد القذافى وبعض دول أمريكا اللاتينية فى أضافة هذه العلاوة على السعر المعلن وأسمتها علاوة التضخم أو علاوة الشحن أو غيرها (4). 

أما أسعار السوق وهى الأسعار الحقيقية التى – للأسف – لا يجرى التعامل على أساسها فى مصر لحساب إيرادات الشركات الأجنبية من ناحية ، وبالتالى حساب الضرائب المستحقة عليها للدولة المصرية . 

قراءة فى تغير عقود البترول  والغاز المصرية مع الشركاء الأجانب

إذا تناولنا نصوص بعض عقود البترول التى وقعتها الحكومة المصرية مع الشركات الأجنبية ، نستطيع أن نميز بين ثلاثة مراحل مختلفة هى : 

الأولى : عقود ما قبل عام 1975 . 

الثانية : عقود الفترة من 1976 حتى عام 2000 . 

الثالثة : عقود الفترة التى تولى فيها سامح فهمى مسئولية وزارة البترول وأستمرت بعد عزله ( 2000 – 2019 ) .

ونظرا لصعوبة عرض كل العقود التى تمت خلال الفترات المشار إليها ، خاصة فى الفترة الممتدة من عام 1976 حتى عام 2010 والتى تجاوز عددها 471 أتفاقية وعقد ، ودخول القطاع الخاص المصرى على خط إستغلال الموارد  البترولية والغازية المصرية بداية من عام 1994، حيث تم توقيع أول إتفاقية لتشجيع استثمارات القطاع الخاص المصري للتنقيب عن البترول والغاز في مصر ، لذا سوف يقتصر عرضنا على نموذج لعقد فى كل مرحلة من تلك العقود هى : 

1-القرار الجمهورى بقانون رقم (155) لسنة 1963 بشأن التعاقد بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى المؤسسة المصرية العامة للبترول ) وشركة ( فيلبس ) الأمريكية بالبحث عن البترول فى منطقة الصحراء الغربية . 

2-التعديل الذى تم على تلك الاتفاقية عام 2003 ، بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للبترول ) وشركة ( أباتشى ) الأمريكية فى منطقة الصحراء الغربية  ، وهذه الشركة (أباتشى أم بركة L.DC ) هى شركة محدودة الأسهم ومنشأة طبقا لقوانين جزر ( كايمان ) البريطانية التى تعد أحد الملاذات للتهرب الضريبى . 

3-القانون رقم (81) لسنة 2007 بالتعاقد بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى شركة جنوب الوادى القابضة ) وشركات ثلاثة أجنبية هى شركة ( جوجارات ستات بتروليم كوربوريشن ليمتد ) وشركة (جو جلوبال ريسورز ) الكندية المسجلة فى جزيرة ( باربادوس ) وشركة ( ألكو نيروليمتد – ألكور ) فى منطقة الصحراء الغربية . 

فلنتأمل التطور – أو التدهور – الذى حدث فى صياغة العقود المصرية مع الشركاء الأجانب خلال هذه الفترة ، وما يكمن خلفها من مصالح ، وما ترتب عليها من إهدار لموارد مالية وثروات طبيعية مصرية . 

مدة العقد : فى التعاقد الذى تم عام 1963 كانت مدة العقد 30 عاما  للبحث والإستكشاف  والتنمية يحق مدها إلى مدد أخرى قد تصل إلى 15 عاما ، وهى مدة طويلة جدا ،  لكن فى التعديل الذى تم عام 2003 أصبحت مدة عقد التنمية ( الانتاج )20 عاما  تبدأ من تاريخ سريان هذه الإتفاقية ، مضافا إليها فترة الإمتداد الأختيارية ومدتها 5 سنوات ، ويجوز للمقاول(يقصد بالمقاول فى عقود البترول الشركة المشتركة التى تؤسس بين هيئة البترول والشركة الأجنبية ) .طلبها بخطاب يرسل إلى الهيئة قبل 6 شهور سابقة من تاريخ إنقضاء الاتفاقية ، وتنازلت هيئة البترول المصرية عن وضع أية شروط جديدة لمد الفترات ، أو توقيع عقد جديد يسمح بالحصول على منحة توقيع وأضافة موارد جديدة للخزانة العامة المصرية ، فى أتفاقية عام 2007 جرى تغيير جوهرى حيث أصبحت مدة البحث 4 سنوات من تاريخ السريان ، يمنح بعدها المقاول فترة إمتداد لمرتين متلاحقتين مدة كل منهما سنتان ، أى لدينا 8 سنوات ،لكن فترة تنمية الأكتشاف التجارى تصل إلى 20 عاما من تاريخ الإكتشاف بخلاف فترات المد ( 4+2+2) ، بحيث لا يزيد أجل عقد التنمية عن 35 عاما من تاريخ الإكتشاف التجارى ، ويمكن الإتفاق على خلاف ذلك بموافقة وزير البترول ( بما يفتح بابا واسعا لإفساد وزراء البترول المصريين ) (5). 

2-الأتاوة : فى الأتفاقية الأولى (ق 155 لسنة 1963 ) كانت نسبة الأتاوة 15% من كمية الانتاج اليومى ( م 21)  تدفع على أساس السعر المرجح  لتصدير الزيت الخام خلال الفترة المستحق عنها الأتاوة ، كما نص العقد على أن تشمل أتاوة الحكومة المصرية كل مادة هيدرو كربونية – بخلاف الزيت الخام – على أساس القيمة السوقية عند رأس البئر أو المنشأت الأخرى ، ولكن فى التعديل الذى تم عام 2003 خفضت نسبة الأتاوة إلى 10% فقط  وتسرى هذه النسبة أيضا على فترة التجديد ، كما أسقط النص على كل المواد الهيدروكربونية السابق الإشارة إليها فى عقود الستينات ، وكذلك لم يأخذ بالقيمة السوقية وأنما أخذوا تحت ضغط الشركات الأجنبية وممثليهم ( مثل السيد طارق حجى ) بالسعر المعلن وهو أقل قيمة من القيمة السوقية(يقصد بالقيمة السوقية متوسط السعر المرجح المتحصل عليه من المشترين من غير الشركات التابعة مطروحا منها التكاليف والمصروفات التى أنفقت فى معالجة هذه المادة ، وهذا يختلف عن السعر المعلن الذى أخذت به العقود المصرية منذ منتصف الثمانينات والتسعينات ) . 

3-التخلى  Relinquishments: وفقا لإتفاقية عام 1963 ، فقد نصت على أنه فى حال انقضاء السنة الثالثة من تاريخ نفاذ الاتفاقية ، أو قبل إنقضائها يتخلى المقاول ( الشركة المشتركة بين المؤسسة وشركة فيلبس ) عن عدد من قطاعات البحث يعادل ربع المساحة على الأقل من مجموع قطاعات البحث ، وعند إنقضاء 6 سنوات بعد نفاذ الاتفاقية يتخليان عن ربع القطاعات الأخرى ، وعند إنقضاء 10 سنوات يكونلهما أن يختارا ، وأن يحتفظا بعدد من قطاعات التى تكون قد تحولت إلى عقود تنمية ، أو طلب تحويلها إلى ذلك ، ويحق لشركة فيلبيس بعد إنقضاء 3 سنوات التخلى عن أى قطاع بشرط إخطار الحكومة المصرية قبلها بتسعين يوما على الأقل ، وفى هذه الحال تعفى شركة فيلبس من أى إلتزامات ، وإذا كان نفقاتها أقل من تلك الملتزمة بها تدفع للحكومة المصرية 50% الفارق ،  وذهبت الاتفاقية إلى أبعد من ذلك بالنص صراحة على أنه إذا لم تحفر شركة فيلبس خلال 24 شهرا من نفاذ الاتفاقية بئرا إستكشافيا واحدا فى أحد مناطقها ، فعليها أن تتخلى للحكومة المصرية عن واحدة من تلك المناطق الثلاثة المشمولة بالعقد ، وما لم يوافق الوزير المصرى على إعفائها من ذلك ، على العكس من ذلك فى تعديل الاتفاقية عام 2003 ، حيث نصت على تنازلات جديدة للشريك الأجنبى ، منها أنه فى حال عدم تحقيق انتاج تجارى للزيت ، أو الغاز خلال 5 سنوات من تاريخ سريان هذه الاتفاقية ، يمكن للهيئة أن توافق على إستمرار قطاع التنمية هذا فى يد المقاول ، وهنا يتبين مقدار التنازل والتضحية بالمصالح الوطنية المصرية مقارنة بما كان يجرى من قبل ، وحتى بما كان يجرى فى الدولة المجاورة ( ليبيا ) منذ عام 1970 (6) ، وفى اتفاقية عام 2007 جرى مزيد من التنازلات حيث نصت على أنه فى نهاية السنة الرابعة بعد سريان تلك الاتفاقية يتخلى المقاول عن ربع المنطقة الأصلية التى لم يتم تحويلها إلى عقود تنمية ( م 5 ) ، وفى نهاية السنة السادسة يتخلى المقاول للحكومة المصرية عن ربع أضافية من المنطقة الأصلية من تاريخ سريان الاتفاقية التى لم تتحول إلى عقود تنمية ، إلى هنا ويبدو هذا النص جيد ، ولكن بقية نصوص الاتفاقية شديدة الضرر حيث جاء فى هذا العقد وبقية عقود تلك الفترة مبدأ  جديد هو (وحدة وعدم إنقسام مفهومى الأكتشاف التجارى وعقد التنمية ) ، أى أصبح عقد التنمية هو إمتداد قانونى لعقد الالتزام بالبحث والإستكشاف دون حاجة لموافقة حكومية جديدة ، وعقد جديد  كما جاءت هذه الاتفاقية بمبدأ جديد يقوم على جعل فترات إعلان نتائج البحث والتنقيب للجانب المصرى طويلة جدا تمتد من 30 يوما إلى 12 شهرا  بالنسبة للزيت الخام ، و إلى 24 شهرا بالنسبة لآبار الغاز الطبيعى .  

4-الانتاج وتوزيع الحصص  Sharing Production :  وفقا لإتفاقية عام 1963 ، عندما يتحقق إكتشاف تجارى فى أى منطقة من المناطق الثلاثة للبحث يتحمل المقاول 50% من جميع التكاليف والمصروفات التى تنفق على التنمية والانتاج ، وعلى مواصلة البحث والعمليات الأخرى داخل المنطقة باستثناء الأراضى التى تكون قد تحولت إلى عقود تنمية متى كانت شركة فيلبس قد أنفقت ما إلتزمت به من مبالغ وهو 10.0 مليون دولار ، وفى حال الكشف التجارى خلال فترة لا تقل عن 60 يوما قبل بدء السنة التقويمية  (يقصد بالسنة التقويمية التى يبدأ منها حساب الشركة على ما تنتجه من زيت أو غاز ) ، يجوز لشركة فيلبس أن تخطر المؤسسة برغبتها فى أن توفى كل أو بعض ما قد يكون باقيا عليها من إلتزامات البحث فى عقد التنمية المشتركة  ، ونصت الاتفاقية على مناصفة الانتاج يتصرف فيه كل طرف بمعرفته ، أما الاتفاقية المعدلة عام 2003 فقد نصت على طريقة جديدة لإقتسام الانتاج يقوم على خصول الشريك الأجنبى على 40% من كمية الانتاج اليومى فى صورة إسترداد التكاليف ، والنسبة الباقية (60% ) توزع مناصفة بين الهيئة والمقاول ، بمعنى أخر فأن الشريك الأجنبى يحصل على 60% من كمية الانتاج اليومى على الأقل ، وأضافت الاتفاقية الجديدة ، مبدأ خطيرا حيث نصت على أنه فى حال إكتشاف الزيت الخام ، فلن يكون المقاول والشريك الأجنبى مطالبا بالتقدم بطلب لتوقيع عقد جديد ، كما أن له الحق فى فترة ” الإمتداد الإختيارى ” مدتها 5 سنوات سابقة لتاريخ إنتهاء ال20 عاما ، وزادت عليها النص على موافقة الهيئة على إستمرار قطاع التنمية هذا فى يد المقاول ، إذا لم يتحقق إنتاج تجارى للزيت أو الغاز خلال 5 سنوات من تاريخ سريان العقد ، أما اتفاقية عام 2007 فقد نصت على أن يكونتوزيع الحصص على أساس 37% فى صورة إسترداد التكاليف ، وتوزع النسبة الباقية (63% ) بين شركة جنوب الوادى القابضة والشريك الأجنبى ، وفقا لكميات الانتاج ، والتى تظهر أن حصة الشريك الأجنبى سوف تزيد  فى المتوسط على 64.5% من كميات الانتاج اليومية  . 

5-استرداد التكاليفRecovery of Costs : حدث تطور – أو تدهور مهم – فى هذا المجال فوفقا لأتفاقية عام 1963 فأن إحتساب بند إسترداد التكاليف كان شديد الحرص على المصلحة الوطنية المصرية ،حيث كانت لا تزيد على 25% ، وينص فيها على أن شركة فيلبس تقدم كل ثلاثة شهور قائمة بالتكاليف التى تحملتها والمستندات اللازمة لها جاهزة للفحص فى أى وقت، وقد حرص المفاوض المصرى فى اتفاقية عام 1963 على التدقيق والتمييز بين تكاليف الحفر للآبار والتكاليف التى يتحملها الطرف المقترح ، والطرف غير المقترح لهذا الحفر ، حتى يجنب الجانب المصرى فى هذه الشراكة مصروفات غير ضرورية قد يقوم بها الشريك الأجنبى دون مقتضى . 

أما فى أتفاقية عام 2003 فقد جرى إحتساب مختلف لبند إسترداد التكاليف شاملة التكاليف والمصروفات بجميع عمليات البحث والتنقيب والتنمية ، والعمليات المتعلقة بها – وهو تعبير مطاط يدخل عناصر غير ضرورية – فى حدود 40% من كل البترول المنتج ، والمحتفظ به من عقد التنمية داخل حدود المنطقة ، وأضاف إلى ذلك المصروفات غير المباشرة التى قد تشملها معدات غير ضرورية وسيارات ووقود شخصى وغيرها من العناصر ، وتشير تجربة ليبيا على سبيل المثال إلى تضيقهم من مفهوم المصروفات غير الضرورية نظرا لسابق تلاعب الشركات الأجنبية خصوصا الأمريكية والبريطانية والإيطالية بها (7).وزادت على ذلك  الاتفاقية المصرية لعام 2003 بأن وزعتها بحيث تكون نفقات البحث المستردة بمعدل 25% سنويا ، تبدأ من تاريخ سريان الاتفاقية ، وليس من تاريخ العمل بها ، وفى السنة الضريبية التى حملت ودفعت فيها هذه النفقات ، بالاضافة إلى 25% أخرى لنفقات تنمية الحقول تسترد أيضا سنويا وبنفس الطريقة ، وأخيرا يضاف إليها مصروفات التشغيل التى تسترد فى السنة الضريبية ،  بل لقد أوغل مفاوض هيئة البترول المصرية فى إرضاء الشريك الأجنبى على حساب المصالح المصرية بالنص على أنه (  عندما تزيد قيمة كل البترول المخصص لإسترداد التكاليف على التكاليف والنفقات الفعلية القابلة لإسترداد والمزمع إستردادها فى ربع السنة ذاك ، بما فى ذلك ما قد يرحل طبقا للمادة السابعة فأنه يتعين تقسيم قيمة  هذا الفائض من البترول بين الهيئة والمقاول ) ، أى أنه ببساطة جعل الشركة الأجنبية تشاركنا فى قيمة البترول الزائد عن بترول الاسترداد  بدلا من أن تسترد الهيئة هذا الفائض كله ، فى سابقة غير معهودة فى تاريخ العقود المصرية حتى منتصف الثمانينات . 

وبالمقابل وحفاظا على حق الشريك الأجنبى جاء النص بأنه ( يحق للهيئة قبل بدء كل سنة تقويمية ب 90 يوما أن تخطر المقاول كتابة بطلب سداد نصيبها من هذا الفائض بنسبة 100% عينا بالزيت الخام بشرط  ألا تزيد كمية الزيت الخام الذى تأخذه الهيئة عينا فى أى ربع سنة على قيمة الزيت المخصص لإسترداد التكاليف المأخوذه فعلا ، والذى تصرف فيه المقاول بصفة منفردة ) ، فهنا توضع القيود لحماية مصالح الشريك الأجنبى فى زيت الاسترداد ، أما مصر ومصالحها فعليها ألف قيد وقيد ، حرصا على الاستثمار والمستثمرين  …!! 

أما أتفاقية عام 2007 فقد خفضت نسبة الاسترداد إلى 37% من كمية الانتاج اليومى ، ولكنها عادت ووزعت حصص الانتاج بحيث تصل نسبة ما يحصل عليه الشريك الأجنبى إلى 62.5% من كمية الانتاج كما سبق وأشرنا . وقد زادت عليها بأن نصت إرضاء للمستثمرين والشركات الأجنبية بأنه ( إذا كانت التكاليف والمصروفات فى أى سنة ضريبية تزيد على قيمة كل البترول الواجب إستردادها فى تلك السنة الضريبية ، فأن الزيادة ترحل لإستردادها فى السنة أو السنوات الضريبية التالية إلى أن تسترد بالكامل ) ، يضاف إلى ذلك ثغرة أبليس التى فتحت لبعض ممارسات الفساد حيث نصت المادة ( ) من تعديل عام 2003 على أنه ( إذا لم تقم الهيئة بأخطار المقاول – والشريك الأجنبى بالطبع – فى مدى ثلاثة شهور بإعتراضها على البيان فأن هذا البيان يعتبر معتمدا ) ، بمعنى أخر فأن إهمال مسئول فى هيئة البترول أو شركة جنوب الوادى القابضة التى حلت تقريبا محل هيئة البترول بعد عام 2004 ، أو حصوله على رشوة للتغاضى عن الرد سيكلف مصر عدة ملايين من الدولارات هى مسألة تترك هكذا . 

6-شراء البترول : وفقا لإتفاقية عام 1963 ورد فى المادة (28) النص على حق الحكومة المصرية فى شراء الزيت الخام بما لا يجاوز أحتياجات معامل التكرير فى البلاد ، ولا تزيد كمية شراء الحكومة للزيت الخام عن 20% من الكمية التى تملكها شركة فيلبس أو مؤسسة البترول ، وفقا لإخطارت سابقة متدرجة زمنيا ، أما الأسعار فقد حددتها الاتفاقية بأقل 10% من متوسط السعر المرجح الذى حصلت عليه مؤسسة البترول المصرية ، أو شركة فيلبس المصدرإلى الخارج خلال الشهر التقويمى الذى سار فيه التسليم إلى الحكومة المصرية ، فإذا كان  الشراء أكثر من 20% من زيت شركة فيلبس أو المؤسسة فيكون سعره هو السعر الأدنى من كل من السعر الجارى استعماله فى إحتساب الإتاوات ومتوسط السعر المرجح للتصدير، أما شراء المنتجات البترولية من جانب الحكومة المصرية فهو فى حدود 20% من الكميات المستخرجة من الزيت الخام المملوك للمؤسسة أو شركة فليبس ، وسنلاحظ أن هذا النص قد أختفى تماما من عقود الثمانينات والتسعينات وحتى اليوم (2015) ، ففى الأتفاقية المعدلة لعام 2003 نصت على أنه فى حال رغبت هيئة البترول المصرية فى شراء مستحقات المقاول من البترول المخصص لإسترداد التكاليف أو حصته من البترول المخصص لإقتسام الانتاج ، فأن السعر يكون هو سعر السوق منقوصا منه 2.0% فقط لا غير ..!! وبمقارنة هذا النص بما كان موجودا فى ليبيا ، نجد أن حصول الحكومة الليبية على حصة الشريك الأجنبى كانت تتم بسعر التكلفة مضافا إليها عدة سنتات أو عدة دولارات كربح عن البرميل الواحد . أما أتفاقية عام 2007 فقد نصت على أن سعر الشراء يتحدد على أساس سعر السوق – وليس السعر المعلن – بشرط أخطار هيئة البترول المصرية الشريك الأجنبى قبلها ب 45 يوما  قبل بدء نصف السنة التقويمية ، عن رغبتها فى الشراء لكمية محددة (8).

” الطريق المسدود ” 13 .. عبدالخالق فاروق- : ما هو المسكوت عنه في حقل ظهر المصري الإيطالي ؟

جاء الإعلان الضخم عن أكتشاف حقل الغاز المصرى الجديد الذى أطلق عليه أسم ” ظهر ” عام 2015 بالتعاون والمشاركة مع واحدة من كبريات شركات البترول والغاز العالمية وهى  ” شركة أينى الإيطالية ” ، بمثابة حبل إنقاذ لقطاع البترول والغاز المصرى من ناحية ، وإعلانا بالخروج من عنق الزجاجة الخطير فى القطاعات الصناعية والكهرباء اللذين يعتمدان بصورة متعاظمة على الغاز الطبيعى .  

وبرغم الغموض وغياب الشفافية وإنعدام الإفصاح عن مضمون ومحتويات هذا الاتفاق الجديد مع شركة ( إينى ) الإيطالية ،  وبقية الشركاء الأجانب ، فقد تحصلنا على بعض البيانات والمعلومات المنشورة فى جريدة الأهرام بتاريخ 2/2/2018، ومنها نستطيع التحليل والوصول إلى نتائج شبه دقيقة لما جرى فى هذا الاتفاق ومقدار التنازلات التى قدمها الجنرال السيسى – الذى قاد التفاوض بشكل رئيسى تقريبا مع الشركة الإيطالية – ووفقا لما هو منشور فى الصحف ووسائل الإعلام المصرية طوال العامين الماضيين وأخرها  جريدة الأهرام ،  فأن أهم المعلومات والبيانات المنشورة عن هذا الحقل الغازى هى كالتالى (9) : 

1- يبعد حقل ظهر المكتشف عن  شواطىء بورسعيد  بمسافة 190 كيلو متر شمال شرق . 

2-الأحتياطى المؤكد للغاز المكتشف هو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز . 

3-الاستثمارات التى قامت بها شركة” إينى الايطالية ” وشركاتها المتعاقدة معها تدور حول 8 مليار دولار  حتى نهاية عام 2017 ، وسوف تصل إلى 16 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة اللاحقة أى حتى عام 2019 . 

4-تشير المصادر الحكومية المصرية بأن الحقل سوف يحقق وفرا قدره 2.0 مليون دولار / يوميا من فاتورة إستيراد الغاز ، أى ما يعادل 600 مليون دولار فى المتوسط  سنويا ( أى يتمثل الإيراد الرئيسى للحقل من الوفر الذى يحققه بسبب إنخفاض فاتورة الواردات من الغاز ، والمؤكد أن مرجع ذلك الأسعار التفضيلية التى سوف تمنحها الشركة الإيطالية للجانب المصرى ، ولم يأت على ذكر الإيرادات التى سوف تتحقق لمصر من حصتها من الغاز المكتشف )

5-إنتاج  الحقل  فى ديسمبر عام 2017 هو 350 مليون قدم مكعب يوميا ، ويستمر هكذا حتى يونيه 2018 ، ثم يتزايد بعد ذلك إلى مليار قدم مكعب يوميا خلال العام التالى ( يونيه 2018 حتى يونيه 2019 ) ، وبعدها يزيد إلى أن يصل إلى 2.7 مليار قدم مكعب يوميا . 

6-فإذا قدرنا ثمن بيع المليون وحدة حرارية فى المتوسط من هذا الحقل بحوالى 5.5 دولار ، فنحن بصدد إيرادات تقدر بحوالى 165 مليار دولار طوال عمر الحقل الذى يصل إلى 30 عاما تقريبا ، أى بمتوسط سنوى 5.5 مليار دولار ، أـو 176.4 مليار دولار فى حال بيع الغاز المنتج ب 5.88 دولار للمليون وحدة حرارية ، أو 210 مليار دولار فى حال بيع المليون وحدة حرارية ب 7 دولار فى السوق الدولية . 

بيد أن هناك الكثير من المسائل الشائكة والحساسة التى لم تعرض على الرأى العام المصرى ، وكذلك على الخبراء الاقتصاديين من داخل ومن خارج العمل الحكومى ، بيد أن فهمها والتعامل معها ينبغى بداية أن يتفهم المرء كيفية بناء عقود البترول والغاز سواء فى العالم أو فى مصر ؟ 

فغالبا ما تؤدى الصياغات المطاطة ، وعدم المراجعة الدقيقة للبنود والتفاصيل الفنية والمالية من جانب السلطة التشريعية ( مجلس الشعب السابق ، أو مجلس النواب الحالى ) ، إلى إهدار جانب كبير من المصلحة الوطنية ، وحرمان الخزانة العامة من موارد مستحقة .

 أولا: التطور المتوقع لانتاج الحقل على مدى الفترة الزمنية من بداية الانتاج ( ديسمبر عام 2017 ) ، التى تبلغ 350 مليون قدم مكعب / يوميا ، حتى الوصول إلى أقصى طاقة انتاجية للحقل عام 2019 ( بواقع 2.7 مليار قدم مكعب / يوميا ) ، لأن هذا الجدول الزمنى للانتاج يظهرالعمر الفنى للحقل من ناحية ، والتطور الحقيقى لإيرادات الحقل ماليا من ناحية أخرى ، وبالتالى إمكانية التعرف على نصيب كل طرف من أطراف العلاقة التعاقدية سواء كان( الشريك الأجنبى أو الشركاء الأجانب ، وكذلك الجانب المصرى ) .

ثانيا : الفترة الزمنية التى سوف تستغرقها ما يسمى بند إسترداد الشريك أو الشركاء الأجانب للتكاليف ( إى إستعادة استثماراتهم وما أنفقوه فعلا قبل الاكتشاف التجارى للغاز) ، لأنه فى ضوء هذا البند يمكن التعرف بدقة على توزيع جزء هام من إيرادات الحقل بين الأطراف الأجنبية والطرف المصرى ، فإذا أمتدت فترة الاسترداد لعشر سنوات مثلا ( بمتوسط 1.6 مليار دولار سنويا ) فأن هذا يعنى أن الشريك الأجنبى سوف يحصل على  ما لا يقل عن 40% من إنتاج الحقل سنويا فى بند واحد هو إسترداد التكاليف ، وإذا أضفنا إليها حصة الشريك الأجنبى من إنتاج الحقل (هل هى 25% أو 30% أو مناصفة بنسبة 50% ) ، ومن ثم علينا أن نتساءل كم يبقى للجانب المصرى من إنتاج هذا الحقل إذن ؟  

ثالثا: لم تذكر المصادر المصرية الحكومية والجنرال السيسى ، التى أحتفت بالحقل وإكتشافه أحتفاءا كبيرا ، وأيضا المصادر الأجنبية ، ما هى نسبة الإتاواة التى تستحق للحكومة المصرية ، التى هى من الحقوق الأساسية فى مثل تلك التعاقدات ؟ أم أن الحكومة المصرية قد تنازلت عن نسبة الإتاواة المقدرة التى كانت فى العقود السابقة 10% تجنب من انتاج الآبار ، ثم تقتسم الحصص ويحسب بند إسترداد التكاليف ، علما بأن هذه النسبة فى مصر قبل عشرين عاما كانت 15% ثم جرى التنازل وتخفيضها إلى 12.5% ثم إلى 10% فقط ، بزعم تشجيع الاستثمار والمستثمرين الأجانب ؟

رابعا : لم تذكر المصادر المصرية أسلوب أستعادة الأصول  أو ملكية الأصول التى أقامتها وأستثمرت فيها شركة ” أينى ”  ENIو الشركات الأجنبية ، والتى أستردت تكاليفها ؟ أم أن هذا الموضوع  قد جرى التغاضى عنه تشجيعا للشركاء الأجانب ؟ وهى أصول ( معدات وآلات وسيارات وغيرها ) تقدر بأكثر من 16 مليار دولار ، قد تنخفض إلى 8 مليار دولار فى نهاية المشروع بسبب تلف وإستهلاك بعض تلك الأصول الرأسمالية . 

حيث تنص العقود عادة على أن تؤول ملكية الأصول من معدات وآلات وأصول منقولة أخرى ( كالسيارات وغيرها ) ، سبق أحتساب المقاول والشريك الأجنبى لها فى بند إسترداد التكاليف إلى هيئة البترول المصرية ، أو    الشركة القابضة ( إيجاس ) – التى أنشأت بعد عام 2002 – وتتم هذه العملية بعد إنتهاء فترة إسترداد التكاليف ، أو إنقضاء الاتفاقية أيهما أقرب ، وهنا قد يجرى تلاعب وتواطؤ بين بعض قيادات قطاع البترول المصرى والشركات الأجنبية ، من خلال طرق تحديد قيمة تلك الأصول سواء بالقيم الدفترية أوبغيرها ، حيث تنص معظم العقود على أن يقوم المقاول أو الشريك الأجنبى بأخطار الهيئة أو الشركة القابضة قبل نهاية ربع السنة التقويمية بالقيمة الدفترية لهذه الأصول ، وقد كشف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات  عام 2016 ، عن أنه عادة لا تتمكن الهيئة العامة للبترول من إسترداد أصولها التى حصلت الشركات الأجنبية على قيمتها وفقا لبند إسترداد التكاليف ، وهى أصول ضخمة بلغت حتى 30/6/2015 حوالى 149.4 مليار جنيه مصرى (10) ، ويشير التقرير إلى تعذر تحقيق هذه القيمة بدفاتر الهيئة لعدم وجود سجل لها يتضمن بيانات وقيم الأصناف بالدولار أو بالجنيه المصرى . 

خامسا : لم تذكر المصادر المصرية سعر بيع أو شراء الغاز المستخرج من هذا الحقل ، سواء فى السوق الدولية ، أو فى حال شراء الجانب المصرى لجزء من حصة الشركاء الأجانب ، فالمعلومات المتضاربة تشير أنه يتراوح بين  3.25 دولار للمليون وحدة حرارية BTU، إلى 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية BTU ؟ 

سادسا : والأهم والأخطر من كل هذا ، هو عدم وجود أىة إشارة لهيكل توزيع حصص الانتاج بين الطرفين المصرى والإيطالى ، بما يجعلنا نرجح أن الجنرال السيسى قد تنازل عن حصة مصر من الانتاج مقابل مجرد شراء أحتياجاتنا من الغاز بسعر تفضيلى من الشركة الإيطالية والشركاء الأجانب ، تماما كما كاد يفعل الرئيس مبارك ووزير بتروله سامح فهمى عام 2010 ، مع الشركة البريطانية bp فى الحقل البحرى شرق الأسكندرية فى المياة العميقة ، لولا إندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 . 

وما يزيد تأكيد هذا الإحتمال ، أنه فى نفس فترة الإحتفاء بكشف حقل ظهر ، يقوم أثنان من كبار رجال الأعمال المرتبطين بأجهزة المخابرات العامة المصرية ( خالد أبو بكر وعلاء عرفة ) بتأسيس شركة خاصة لإستيراد الغاز من إسرائيل لسببين الأول : التخلص من ضغط الشركات الأجنبية صاحبة الحصص الأكبر فى معاملى إسالة الغاز فى ادكو وفى دمياط ( شركتى جاز دى فرنس  الفرنسية ويونيون دى فيونسيا الأسبانية وشركاءهما ) ، اللتين هددتا الحكومة المصرية بالإلتجاء إلى التحكيم الدولى ، بسب إخلال الجانب المصرى بتعاقداته بشأن  نقص وإنخفاض توريد الكميات المحددة فى العقد لمعملى الإسالة ، والثانى : هو تلافى دفع التعويض الذى حكمت به غرفة التحكيم الدولية على مصر لصالح إسرائيل بسبب توقف الجانب المصرى عن توريد الغاز إليها وفقا للعقد الموقع بينهما عام 2005 

أذن مصر ليس لديها فائض من الغاز لتلبية أحتياجات عملاءها من ناحية ، ولا تلبية أحتياجات سوقها المحلية من ناحية أخرى ، فوقعت فى مصيدة إسرائيل ورجال أعمال والجنرال السيسى وجماعته .

وما يؤكد ذلك ما أقدمت عليه الحكومة المصرية فى نوفمبر من عام 2021 بتوقيع مذكرة تفاهم مع الجانب الإسرائيلى من أجل زيادة أمدادات الغاز من إسرائيل إلى مصر من أجل إعادة التصدير ، أى لتلبية مطالب لبنان التى تعانى من أزمة كهرباء ، حيث وافقت الولايات المتحدة على تصدير الغاز من مصر إلى الأردن لمحطات الكهرباء ومنها عبر سوريا يصدر إلى لبنان ، بهدف وقف شحنات النفط والمنتجات البترولية الإيرانية إلى لبنان التى أستوردها حزب الله فى سبتمبر من عام 2021 ، لوقف حالة التدهور والإنهيار التى تعرضت له لبنان فى هذا المجال . 

سابعا : والمفاجأة من العيار الثقيل ما أعلنت عنه شركة روسنفت الروسية  ROSNIFT على موقعها فى يوم الأربعاء 21/فبراير 2018 بأن الشركة الروسية قد أشترت ما نسبته 30% من نفقات البحث والتنقيب وتنمية الحقل ، بما يعنى مشاركتها لشركة أينى الايطالية ENI فى الحصول على حصة من الغاز تحت بند إسترداد التكاليف ، ومن قبلها فعلت الشركة البريطانية العملاقة بريتش بتروليم bp    وبالتالى تصبح توزيع حصص الغاز من بند إسترداد التكاليف كالتالى : 60% لشركة أينى الإيطالية ، و 30% لشركة روسنفت الروسية ، و10% لشركة بريتش بتروليم البريطانية .

والأن كيف نحتسب إيرادات المشروع من الأن وحتى نفاد آبار الحقل بعد أقل من ثلاثين عاما ؟

أولا : العمر الفنى و الانتاجى للحقل 

1-إذا كان الأحتياطى المؤكد للحقل يعادل 30 تريليون قدم مكعب من الغاز ، فمعنى ذلك أنه سوف ينتج  طوال عمره حوالى 30 مليار BTU ( بحساب  الوحدة BTU   تعادل مليون وحدة حرارية = ألف قدم مكعب من الغاز= 28.5 متر مكعب ) .

2-إذا كان الانتاج سوف يتزايد من 350 مليون قدم مكعب خلال الفترة من ديسمبر عام 2017 حتى يونيه 2018 ( بمتوسط 150 يوم عمل ) ، فمعنى ذلك أن هذا يعادل 350 ألف وحدة BTU ، وهذا يعنى إنتاج وإستخراج 52.5 مليار قدم مكعب من الغاز خلال الفترة الأولى ( ديسمبر 2017 حتى يونيه 2018 بمتوسط 150 يوم / إنتاج ) .

3- ثم يزداد الانتاج المستخرج خلال السنة التالية ( من يونيه 2018 حتى يونيه 2019 ) ليصل إلى مليار قدم مكعب يوميا ، وهذا يقارب إستخراج 300 مليار قدم مكعب خلال هذه الفترة ( يونيه 2018 – يونيه 2019 ) . 

4-وبحلول النصف الثانى من عام 2019 سوف يصل مستوى إنتاج الحقل إلى  2.7 مليار قدم مكعب / يوميا وهو أقصى مستوى مقدر لإنتاج الحقل ، وبالتالى فان الانتاج السنوى المقدر ( 2.7 مليار قدم مكعب يوميا × 300 يوم عمل فى السنة = 810 مليار قدم مكعب من الغاز سنويا ) .

5- وبالتالى فأن العمر الفنى الانتاجى المرجح لهذا الحقل =  (30 تريليون قدم مكعب ÷ (810 مليار قدم مكعب مستخرج سنويا + 52 مليار قدم مكعب خلال الستة شهور الأولى + 300 مليار فى السنة التالية = 35 سنة تماما ) يخصم منها الفاقد الحتمى فيكون العمر الحقيقى لهذا الحقل فى المتوسط هو أقل قليلا من 30 عاما .

6- لكن جميع الخبراء فى مجال البترول والغاز يعرفون أن هناك معدل إنحدار لكميات الانتاج المستخرج  وفقا لقانون الغلة المتناقصة ، بمعنى بداية تناقص كميات الانتاج المستخرج بعد فترة زمنية قد تصل إلى نصف العمر الفنى للحقل (15 عاما ) ، إلا لإذا توافرت شروط تنمية وتطوير الحقل والآبار، ووجود إكتشافات جديدة فى نفس النطاق السيزمى والجيولوجى للحقل ، أو تطور التكنولوجيا المستخدمة ، وهذا موضوع أخر وأفتراض أخر . وبالتالى فالأرجح أن يتم إستخراج  ما نسبته 60% إلى 75% من الأحتياطى المؤكد للحقل أى ما يعادل  18 إلى 22.5 تريليون قدم مكعب فقط من الغاز . 

ثانيا : أشكال التعاقد وحصص الأطراف المختلفة :

حرصت الحكومة المصرية  والجنرال السيسى على عدم نشر تفاصيل التعاقد وإلتزامات الطرفين المصرى والإيطالى حول هذا الحقل ، بما أثار الكثير من علامات الإستفهام حول الحقوق المصرية ، خاصة وأن سابقة التعاقد مع الشركة البريطانية العملاقة bp عام 2010 فى حقل شمال الأسكندرية ، والذى بمقتضاه تنازلت حكومة الرئيس مبارك عن الحقوق المصرية كافة مقابل الحصول على أحتياجاتها من الغاز المنتج بأسعار تفضيلية تقل عن السعر السائد فى الأسواق الدولية . وقد كشفت بعض المصادر الحكومية مؤخرا عن الوقائع التالية : 

• أن الشريك الأجنبى صاحب الإمتياز الأصلى وهى شركة أينى الإيطالية ( وممثلها فى مصر شركة أيوك برودكشن بى فى ) سوف يسترد تكاليف  البحث والتنقيب وتطوير وتنمية الحقل من واقع إنتاج الحقل بواقع 40% من كمية الغاز المستخرج ، بما يعادل 1.6 مليار دولار سنويا ، يضاف إليها نفقات التشغيل اليومية ، وهذا يعنى إستمراره فى الحصول على هذه النسبة لفترة قد تزيد على 10 سنوات أو12 عاما . 

• وبعدها تقسم الكمية الباقية من الانتاج بين الطرفين المصرى والشريك الأجنبى ( الذين أصبحوا ثلاثة شركاء وليس شريكا واحدا ) بنسبة الثلث للشريك الأجنبى ( أى 21% )  والثلثين للطرف المصرى ، بما يعنى أن الشريك الأجنبى سوف يحصل على  61% من إنتاج الحقل وإذا أضفنا نفقات الانتاج اليومية فأن هذه النسبة سوف تصل إلى 65% على الأقل إلى 70% ، ويبقى للجانب المصرى ما بين  30% إلى 35% من انتاج الحقل . 

(3) وبهذا ووفقا لحجم الانتاج المقدر من ديسمبر عام 2017 ، مرورا بعام 2018 ، ووصولا لمنتصف عام 2019 حيث يبلغ إنتاج الحقل أقصاه بكمية 2.7 مليار قدم مكعب يوميا ، ووفقا للمعادلة التالية : 

(كمية الطاقة المولدة بوحدات btu × سعر الوحدة btu ) × حصة مصر من إنتاج الحقل (35% ) .

فأن حصة مصر سوف تكون كالتالى : 

جدول رقم (4)

حصة مصر المقدرة ماليا من حقل ظهر خلال الفترة من ديسمبر 2017 حتى ديسمبر 2035

وإذا كان معدل التشغيل للحقل سنويا هى 300 يوم عمل وإنتاج ، فأن الدخل المقدر للحكومة المصرية سيكون كالتالى : 

أولا : فى الفترة الأولى ( ديسمبر 2017 حتى يونيه 2018 ) 

-ووفقا لسعر 3.5 دولار للمليون وحدة حرارية = (428750 دولار يوميا × 150 يوم ) =  64.3 مليون دولار. 

-ووفقا لسعر 5.5 دولار = ( 673750 دولار × 150 يوم ) = 101.1 مليون دولار . 

ثانيا : فى الفترة الثانية ( يوليو 2018 حتى يونيه 2019 ) 

. وفقا لسعر 3.5 دولار للمليون وحدة حرارية = ( 1225000 دولار يوميا × 300 يوم ) = 367.5 مليون دولار . 

وفقا لسعر 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية = (1925000 دولار يوميا × 300 يوم ) = 577.5 مليون دولار . 

ثالثا : فى السنة الثالثة ( يوليو 2019 حتى يونيه 2020) 

وفقا لسعر 3.5 دولار = (3307500 دولار يوميا × 300 يوم ) =  992.3 مليون دولار . 

وفقا لسعر 5.5 دولار =( 5157500 دولار يوميا × 300 يوم ) = 1547.3 مليون دولار . 

وإذا استمر الانتاج على هذا المعدل (2.7 مليار قدم مكعب يوميا ) وحتى نهاية العمر الفنى والانتاجى للحقل (20 عاما ) فيكون العائد المتحقق للحكومة المصرية :  

فى حال سعر 3.5 دولار = (64.3 مليون دولار+  367.5 مليون دولار + (992.3 مليون دولار × 20 عاما ) 

= 20277.8 مليون دولار = 20.3 مليار دولار لفترة 22 سنة انتاج . 

 فى حال سعر 5.5 دولار = (101.1 مليون دولار+ 577.5 مليون دولار+ (1547.3 مليون دولار × 20 عاما )  

= 31.6 مليار دولار لفترة 22 سنة إنتاج . 

أما الشريك الأجنبى فسوف يحصل على : 

 فى حال سعر  3.5 دولار = 60.9 مليار دولار خلال فترة الانتاج وقدرها 22 عاما . 

فى حال سعر 5.5 دولار = 94.8 مليار دولار . 

بيد أن الحكومة والمفاوض المصرى قد تنازل عن حقه فى الإتاواة التى تنص عليها كل العقود السابقة المصرية وغير المصرية ، سواء فى مجال الغاز أو الزيت  فيما عدا ذلك التعاقد المجحف والمشبوه مع الشركة البريطانية عام 2010 فى حقل شمال الأسكندرية السابق الإشارة إليه . 

فماذا كانت النتيجة لو إلتزمت الحكومة المصرية بحقوقها فى الإتاواة بنسبة 10% من الانتاج الكلى للحقل يوميا ؟ 

السيناريو الثانى :

فى حال الإلتزام بحقنا فى الإتاواة يكون التوزيع للحصص كالتالى : 

• 10% من حجم الانتاج اليومى فى صورة إتاواة  لصالح الحكومة المصرية ،يجنب تماما من حساب الحصص الموزعة بين الأطراف المختلفة .

• يتبقى 90% يتوزع كالتالى : ( 40% منها فى صورة بند إسترداد التكاليف التى انفقها الشريك الأجنبى = 36% فقط ) . 

• يتبقى 54% تقسم بنظام الثلث كحصة للشريك الأجنبى ، والثلثين للطرف المصرى ، وبالتالى يكون ما حصل عليه الشريك الأجنبى = 36% + 18.9% = 54.9% من الانتاج فقط  يضاف إليها نفقات التشغيل اليومية فتزيد إلى 60% على الأكثر ، وليس 65% أو 70% . 

• وبالتالى فأن هذا التنازل المصرى قد كلف الخزانة العامة المصرية حوالى 2.0 مليار دولار إلى 3.1 مليار دولار خلال العمر الفنى لإنتاج الحقل . 

• كما أننا لا نعرف على وجه الدقة كيف سيحاسب الشريك الأجنبى ضريبيا فى ظل هذا التهاون فى التفاوض وبالمقابل لا يخجل كبار المسئولين فى الدولة المصرية ، من ممارسة قدر عال من الزيف والتضليل على الرأى العام ، ففى تصريح للمهندس سعد أبو المعاطى رئيس شركة ” أبو قير للأسمدة ” ، وهى شركة مملوكة للدولة زعم فيه أن شركته تدعم الفلاح المصرى بحوالى 2.0 مليار جنيه سنويا ، تمثل الفارق بين بيع منتجات الشركة بالأسعار المحلية والأسعار العالمية (11 ) ، وبنفس القدر من الرعونة وعدم الإحساس بالمسئولية الوطنية يكرر وزير البترول الجديد السيد طارق الملا نفس المعنى حينما يتحدث عن تكاليف دعم الطاقة فى البلاد( 12) ، ومن قبل كل هؤلاء وبعدهم تأتى التصريحات المستفزة التى يرددها رئيس الجمهورية الجنرال عبد الفتاح السيسى حول مصر الدولة الفقيرة قوى ..!! 

هكذا وكما هو واضح من عرضنا ، إستمرت سياسات إهدار الثروة الوطنية من البترول والغاز ، حتى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، ونجاح قوى الثورة المضادة ، والدولة السفلية الفاسدة من العودة مرة أخرى والسيطرة على مقاليد الحكم والإدارة فى مصر .

” الطريق المسدود ” 14 .. الدكتور عبدالخالق فاروق يكتب : الجنرال السيسى يدخل على خط إستنزاف الثروة المعدنية


وفى ظل حالة الفوضى والنهب الذى تتعرض له الثروة التعدينية فى مصر ، كما سبق وعرضنا ، والتى تشارك فيها شركات غامضة تابعة لرجال المال والأعمال المصريين والعرب والأجانب ، وشركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش ، والتى أستمرت عقود طويلة وتحديدا منذ تغير التركيب الخاص بملكية هذه الشركات بعد عام 1974 ، وبداية سياسة الانفتاح الاقتصادى ، وأختلاط الحابل بالنابل ، بين قيادات المحافظات والمحليات من جهة ، والمقاولين من جهة ثانية ، والشركات الخاصة المصرية والعربية والأجنبية ، والجيش من ناحية ثالثة ، جاء القرار الجمهورى بقانون الذى أصدره الجنرال عبد الفتاح السيسى برقم  (193 ) لسنة 2020،  بتاريخ 23/9/2020 ، بالترخيص لوزراء البترول والثروة المعدنية، والتنمية المحلية، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، في التعاقد مع الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات ، في شأن استغلال المحاجر والملاحات التي تقع في دائرة اختصاص كل المحافظات وهيئة المجتمعات العمرانية  .

وبهذا سحب الجنرال السيسى سلطات وصلاحيات هذه الجهات الأربعة على مجالات وقطاعات من المناجم والمحاجر والملاحات ، ليضعها فعليا وقانونيا فى قبضة هذه الشركة التابعة للجيش ، وتصبح هى المهيمنة وحدها دون رقيب أو حسيب على الثروة المعدنية فى مصر ، وتضمن القرار الجمهوري، الذي نشرته الجريدة الرسمية في عددها ( رقم “36 مكرر ج” بتاريخ 23/9/2020 ) أنَّ تكون فترة الاستغلال الممنوحة للشركة ثلاثين عاما قابلة بالطبع للتمديد .

وهكذا تم دمج نشاط المناجم والمحاجر والملاحات تحت هيمنة جهة واحدة هى  الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات،  التى تتبع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة.كما تضمن حق “الاستغلال”، المنصوص عليه في القانون، كافة الإنشاءات والعمليات والأنشطة اللازمة لتجهيز المواد الخام من محاجر وملاحات، وكل ما يتعلق بعمليات استخراج الخامات بقصد تجهيزها وتهيئتها للاستخدام الصناعي، وأعمال الحفر والمسح الأرضي للكشف عن الخامات، والإنتاج النقل، والتخزين، والتسويق، والبحث، والتطوير، وجميع الأنشطة الضرورية المباشرة وغير المباشرة التي تقوم بها الشركة في مناطق الالتزام وصولاً إلى المنتج في شكله الصناعي النهائي (14).

ويتيح القانون لـ”الشركة” إدارة المحاجر والملاحات بمناطق الالتزام ، سواء بطرحها للاستغلال بنظام الممارسة العلنية ، أو الممارسة المحدودة حسب الأحوال، ولها الحق في تمديد عقود الإيجار الحالية بضوابط وشروط محددة، كما أنه للشركة حق إدارة الملاحات والمحاجر التي تري لدواعي الصالح العام إدارتها واستغلالها بنفسها أو بالشراكة مع الغير.

كما يمنح القانون الشركة أيضاً حق إدارة واستغلال خامات المحاجر والملاحات التي تقع في دائرة اختصاص المحافظات وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وما يستجد عليها مستقبلاً بالشكل الذي يمكنها من تعظيم القيمة المضافة لها، والعمل على تنفيذ الأنشطة التصنيعية بمراحلها المختلفة للخامات التعدينية، وتلبية احتياجات السوق داخلياً وخارجياً .( 15)

ولم يمض على  صدور القرار الجمهورى رقم (193) بتاريخ 23/9/2020 ، سوى عدة شهور ، إلا وقام مجلس النواب –شبه المعين ومعظم أعضائه من ضباط الجيش والشرطة وعملاء الأجهزة الأمنية –  بتاريخ الأثنين الموافق الموافق 1/11/2021 ، بتغطية هذا القرار الجمهورى بالموافقة على سبعة مشروعات قوانين بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وشركة شلاتين للثروة المعدنية،  التابعة لجهاز الخدمة الوطنية المملوكة للجيش ، للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى العديد من المناطق على مستوى الجمهورية . 

وجاءت مشروعات القوانين كالتالى:

1- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( وادي العلاقي ) الواقعة بين خطى عرض 22 درجة جنوبا و23.03 درجة شمالا ومن البحر الاحمر شرقا الى وادي النيل غربا فيما عدا مناطق الاتفاقية الصادر بها القانون رقم 43 لسنة 2014، ومنطقة أم جرايات بالصحراء الشرقية.

2- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( فاطيرى ) بالصحراء الشرقية.

3- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( حماطة ) بالصحراء الشرقية.

4- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( حنجلية وأم عود ) بالصحراء الشرقية.

5- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( عتود ) بالصحراء الشرقية.

6- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( البرامية ) بالصحراء الشرقية.

7- مشروع قانون مُقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية فى التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها فى منطقة ( جبل إيقات – جبل الجرف – جبل مسيح – جبل علبة -منطقة أسوان ) بالصحراء الشرقية (16) .

 وهكذا أصبحت مناج الذهب الموجودة بالصحراء الشرقية مملوكة بالكامل للشركة التابعة للجيش ، وبالقطع أصبحت من الأسرار العسكرية ومقتضيات الأمن القومى ، التى لا يجوز لأحد من المواطنيين المصريين أو خبراء الاقتصاد السؤال عنها ، ومعرفة كيف يجرى العمل ، وكيف تجرى المحاسبة المالية والضريبية ، وألا يقدم أمام محاكم عسكرية بتهمة ” أفشاء أسرار عسكرية “.!

وبلغ الأمر بنواب هذا المجلس – الغريب فى تاريخ الحياة النيابية فى مصر –  بأن يطالب بمزيد من مثل هذه الاتفاقيات لمواجهة التنقيب العشوائى ؟ 

 وبدوره أكد أشرف الأمير، رئيس مجلس إدارة شركة شلاتين للثروة المعدنية، أن رأسمال الشركة موزعا  بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية بنسبة 35% من الأسهم، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة بنسبة 34%، وبنك الاستثمار القومى بنسبة 24%، بالإضافة إلى الشركة المصرية للثروات التعدينية التابعة للهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية بنسبة 7%.

 أما الدكتور فخرى الفقى رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب – القادم توا من عمله كموظف فى صندوق النقد الدولى بالولايات المتحدة –  فقد أشار إلى أن الصحراء الشرقية بها الكثير من الثروات التعدينية، لافتا إلى أنه خلال الـ11 عام الماضية كانت شركة أجنبية واحدة تعمل فى مجال التنقيب عن الذهب ، كما أشار الفقى، إلى أن احتياطى الذهب كان يبلغ نحو 74 طن قبل 11 عام، والآن يبلغ نحو 80 طن، ، موضحا أن الاتفاقيات محل المناقشة من شأنها رفع الاحتياطى المصرى من الذهب.

 ومن ناحيته قال المهندس أحمد سمير، رئيس لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، إن هذه الاتفاقيات تحافظ على ثروة مصر المعدنية وتزيد من مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى، مطالبا بأن يتم إنشاء معمل فى مصر لفصل الذهب عن المعادن حيث أن الذهب عندما يتم استخراجه يكون مخلوطا بمعادن، ما يتطلب خروجه للخارج لإتمام عملية الفصل، لافتا إلى أنه يوجد 7 معامل من هذا النوع فى العالم.

 وبدورها أعلنت النائبة ميرفت ألكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، موافقتها على مشروعات القوانين، لافتة إلى أن البحث والاستكشاف والتنقيب عن الذهب ووضعه ضمن اتفاقيات قانونية يقنن استخراج الذهب من مناطق محددة، وهو توجه جيد لاستغلال الثروات المعدنية.

 وأعلنت النائب ريهام عبد النبى، موافقة الحزب المصرى الديمقراطى على مشروعات القوانين، لافتة إلى أنه يقضى على ظاهرة التنقيب العشوائى، لافتة إلى أن تلك الظاهرة تنتشر بمحافظة أسوان، مطالبة بإنشاء منطقة صناعية للتعدين بأسوان، والقضاء على التنقيب العشوائى والتصريح للمواطنين بالتنقيب بشكل قانونى، وأن التعامل مع التنقيب العشوائى من قبل أجهزة الدولة باعتبارهم مواطنين اضطرتهم الظروف لذلك وليس كمجرمين.

 فيما طالب النائب فتحى قنديل بإسناد ملف التنقيب عن معدن الذهب للقوات المسلحة، وقال النائب إيهاب عبد العظيم، إن الاتفاقيات ستتيح اكتشاف المزيد من الثروات المعدنية التى تساهم فى زيادة القيمة المضافة، كما تُسهم فى الحد من ظاهرة التنقيب العشوائى عن الذهب وتدفع عجلة الاقتصاد القومى.

 وتقدم  النائب إيهاب عبد العظيم بالشكر للرئيس عبد الفتاح السيسى على الإنجازات التى تمت بقطاع البترول خلال الـ7 سنوات الماضية، متوجها بالشكر أيضا لوزير البترول والثروة المعدنية على جهوده للنهوض بهذا القطاع.

 وبدوره قال النائب أشرف أبو الفضل، إن التعدين العشوائى منتشر بمحافظات قنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر، لافتا إلى أن تلك المحافظات كانت قائمة على السياحة، وأن معظم الشباب اتجه للتنقيب العشوائى عقب ثورة ينايرقائلا: “هذا الشباب ليس خارج على القانون ومنهم حاصل على دكتوراه فى القانون، ويجب استخراج تصاريح لهؤلاء الشباب”(17) .

وبهذه الهيمنة الجديدة للجيش وجنرالاته على مصادر الثروة المعدنية والذهب ، دون رقابة أو محاسبة تدخل البلاد إلى تاريخ جديد من أستنزاف الثروة الوطنية  . 

ولم يكتفى الجنرال عبد الفتاح السيسى بوضع يده على مصادر الثروة المعدنية فى طول البلاد وعرضها ، عبر جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش ، وأنما وتحت ذريعة حماية الأمن القومى تارة ، ومحاربة الإرهاب تارة أخرى ، أقدم على خطوة أضافية  فى عام 2020 ، بوضع كل مساحة سيناء  البالغة 61 ألف كيلو متر مربع ( حوالى سدس مساحة مصر وما يعادل (61 مليار متر مربع ) الغنية بالثروة المعدنية تحت أشراف مباشر لوزير الدفاع من خلال أشرافه المباشر على جهاز التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء .  

وفى تفاصيل ما جرى بتاريخ الأثنين 20/7/2020 وافق مجلس النواب، ، بشكل نهائي علي تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الدفاع والأمن القومي، ومكتب لجنة الإدارة المحلية عن مشروع قانون مُقدم من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2012، الذى كان قد ضمن إنشاء هيئة عامة اقتصادية تسمى ” الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء”  . وقد حددت المادة الثامنة منه مهام الجهاز فى 16 مهمة. تنفيذا لالتزامات الدولة  المقررة في المادتين (224)، (236) من الدستور. 

وقد جاء التعديل الجديد عام 2020 بنقل تبعية الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء من رئيس الوزراء لتصبح لوزير الدفاع ، وكذا استبدال الفقرات الثانية والعاشرة ، والحادية عشر من المادة (۷) من قانون التنمية المتكاملة في بنصوص جديدة ، بحيث يرأس مجلس الإدارة رئيس يعينه وزير الدفاع، ويحدد القرار معاملته المالية، ويشترك في عضويته ممثلون عن الجهات المعنية على أن يكون من بينهم ممثلون لوزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة.

كما جاء فى المادة (12) الفقرة الثالثة  النص على أنه يحق لواضع اليد قبل العمل بهذا المرسوم بقانون تملك أو الانتفاع بالأراضى التى قاموا بالبناء عليها ، أو استصلاحها واستزراعها بعد موافقة وزارتى الدفاع والداخلية والمخابرات العامة والجهاز ، وذلك وفقًا للقواعد والشروط والضوابط التى يصدر بها قرار من مجلس الوزراء طبقًا لأحكام هذا المرسوم بقانون.

وهكذا وضع كل أهالى سيناء المتملكون للأراضى تحت رحمة قرارات الأجهزة الأمنية والعسكرية ، بما يخلق مصدرا أضافيا للتوتر والقلق .

وعلى الفور صدق الجنرال السيسى بأعتباره رئيسا للجمهورية على القانون الجديد بتاريخ 16/8/2020 . 

وتنفيذًا للقرار الجمهوري الصادر في 16 أغسطس 2020، بتعديل قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء قرر وزير الدفاع الفريق أول  محمد زكي، إخضاع الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء لسلطته بدلًا من رئيس مجلس الوزراء، مع اشتراط موافقة وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة على قرارات مجلس إدارة الجهاز، المسؤول عن منح حق تملك الأراضي أو الانتفاع بها للمصريين والأجانب، فضلًا عن إدارة واستثمار الأراضي في سيناء . وتضمن قرار وزير الدفاع الذي نشرته الوقائع المصرية، تحت برقم 256 لسنة 2021، أربع مواد  هي:

(1) التعريف بالجهاز بـأعتباره (هيئة عامة اقتصادية تتبع وزير الدفاع  وتطبق عليها كافة القواعد والأحكام السارية على الهيئات الاقتصادية بالقوات المسلحة ) ، و منح وزير الدفاع سلطة تعيين رئيس مجلس إدارة الجهاز، والإشراف على عمله إداريًا وفنيًا، والموافقة على ما يصدره من لوائح تنظيمية وداخلية للجهاز.

(2) أضاف من خلالها وزير الدفاع مادة جديدة للنظام الأساسي للجهاز تعطي لمجلس إدارته أن يعد الهيكل الإداري والفني للعاملين بالجهاز بما يتفق مع النظام المعمول به بالقوات المسلحة ويسمح بمده بالكوادر المطلوبة من جهات الاختصاص بوزارة الدفاع.

(3) و(4) نقل جميع الاختصاصات التي حددها النظام الأساسي للجهاز منذ إنشائه، عام 2012، إلى وزير الدفاع بدلًا من رئيس الوزراء، وإلغاء كل القرارات التي تخالف ذلك.

وفي 22 سبتمبر 2021 ، أصدر رئيس الوزراء قرارا بتخصيص 89 ألف فدان في منطقة بين بئر العبد ووسط سيناء لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

وبعدها بيوم واحد بتاريخ  23 سبتمبر 2021 ، قرر رئيس الجمهورية توسيع مساحة المناطق الحدودية ونقاط تمركز القوات المسلحة في المناطق المتأخمة للحدود الشرقية، من 13 كيلو متر بطول الحدود من ساحل رفح شمالًا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا، إلى نحو 70 كيلومتر من ساحل رفح وحتى قرية القسيمة في وسط سيناء جنوبًا، ومن عرض 5 كيلومتر من خط الحدود شرقًا في اتجاه عمق مدينة رفح غربًا، إلى نحو 75 كيلومتر في عمق سيناء من أبعد نقطة على خط الحدود وحتى قرية بغداد في وسط سيناء في الاتجاه الشرقي لخط الحدود.

وفي اليوم نفسه، صدر قرار ثالث من رئيس الجمهورية بتخصيص نحو 6 آلاف فدان كحدود لمطار طابا وحولهم 5 آلاف فدان كحدود نطاق آمن للمطار.

وفي 16 أكتوبر، أصدر الرئيس قرارًا خامسًا بنقل تبعية ميناء العريش، وجميع الأراضي المحيطة بها التي حددها القرار في أكثر من 541 فدان بشمال سيناء لصالح القوات المسلحة.

وهكذا فأن ما يجرى فى سيناء أصبح يشوبه الكثير من الغموض ، ويتجاوز فى الكثير من أبعاده مسألة محاربة الأرهاب ، الذى يكاد يكون قد لفظ أنفاسه الأخيرة منذ فترة ليست قصيرة ، وإذا ربطنا بين تلك القرارات والتصرفات ، بالبروتوكول الجديد الذى وقع بين مصر والكيان الإسرائيلى لتعديل بعض بنود أتفاقية ” السلام ” المصرية الإسرائيلية بما يسمح بزيادة تمركز القوات المسلحة المصرية على الحدود ، وما جرى من تجريف وتدمير وإزالة مدينة رفح المصرية بالكامل ، وأبعاد سكانها عن خط الحدود لعشرة كيلو مترات ، فأننا نكون أمام مشروع كبير وخطير ، ما يظهر منه سوى قمة جبل الجليد .وفى الأعماق تسكن الحقائق والأسرار ، فما جرى من تنازل طقم الجنرال السيسى عن جزيرتى تيران وصنافير يجعلنا نتحسس من كل قرار أو تصرف يجرى فى سيناء أو حولها .

” الطريق المسدود ” 15 د. عبدالخالق فاروق يكتب : المخاطر الاستراتيجية لإنشاء الصندوق السيادى على مصر

منذ أن طويت الحقبة التجارية فى الاقتصاد الأوربى ، أو ما عرف بالفترة الماركينتيلية Mercantilism  التى أمتدت من مطلع القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر ، ودخلت أوروبا إلى العصر الرأسمالى الحديث القائم على الميكنة والتجميع الصناعى الكبير manufacturing  ، لم تعد قضية تراكم الفوائض المالية المتمثلة فى الذهب والفضة ، تمثل ركيزة الثروة والنفوذ فى الدول والمجتمعات الأوروبية ، بقدر ما أصبحت دورة الانتاج والتشغيل والاستثمار هى مقياس القوة ومناط النفوذ فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية . 

لقد تميزت المرحلة الميركنتيلية ( التجارية ) بسمات مميزة هى :

الأولى : أن التوسع فى الانتاج قد أستدعى بالضرورة وصاحبه اقتحام الدول لأسواق الشعوب الأقل انتاجا فى آسيا وأفريقيا والأمريكيتين ، ولهذا لم يكن غريبا أن تتكون الإمبراطوريات الإستعمارية الأوربية من الدول الساحلية الأساسية فى القارة العجوز ( البرتغال – أسبانيا – فرنسا – انجلترا – إيطاليا ) . 

الثانية : أن هذا الفائض فى الانتاج والتوسع فى الكشوفات الجغرافية والغزو الاستعمارى قد أديا إلى تحقيق فوائض مالية ضخمة تمثلت فى المعادن الثمينة وخصوصا الذهب والفضة ، اللتين أمتلأت بهما خزائن الملوك والنبلاء والتجار الأوربيين ، فشكلت بذلك ركيزة أساسية من ركائز القوة والنفوذ  ومقياسا للثراء فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية فى ذلك الوقت (1). 

ومع إنتقال بعض تلك الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية إلى النموذج الرأسمالى الصناعى الحديث بدءا من القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين ، حدث التحول الهائل فى المفاهيم الاقتصادية وآليات العمل الاقتصادى ، فلم يعد الفائض والثروات من الذهب والفضة والمعادن الثمينة مقياسا للقوة وتعبيرا عن النمو ، وأنما أصبح النمو والقوة تتمثل فى قدرة هذه الدولة أو تلك ، وهذا المجتمع أو ذاك على توظيف فوائضه وإعادة إستثمارها فى توسيع الطاقة الانتاجية الصناعية ، وهكذا أنتقل مفهوم الثراء من تكديس المال فى الخزائن إلى إعادة الاستثمار وتوسيع دورة الانتاج والتشغيل ، فيما عرف بالانتقال من التراكم المالى

Financial Accumulation  إلى التراكم الرأسمالى  الحديث Capital Accumulation  . 

وبقدر هذا التوسع الذاتى للنماذج الرأسمالية الصناعية الحديثة ، على المستوى الأفقى ( زيادة خطوط الانتاج والمصانع والطاقة الانتاجية ) ، وعلى المستوى الرأسى ( التطوير التكنولوجى المكثف والمتسارع ) ، بقدر السيطرة الاقتصادية والسياسية عبر تجاوز الحدود الجيو- سياسية ، من خلال الأشكال الجديدة للإستنزاف ونهب ثروات الشعوب الأقل تطورا المتجسدة فى الشركات عابرة القومية ، أو ما أطلق عليها أستاذنا د. محمد دويدار المتعدية الجنسية Cross – national Enterprises(2) .

وهكذا لم تعرف النظم الرأسمالية الحديثة فكرة تخزين الفوائض المالية ، بالمعنى القديم ، إلا مع النظم الريعية النفطية منذ مطلع عقد الثلاثينات من القرن العشرين ، حينما جرى إكتشاف النفط بكميات كبيرة ، فى ظل بنية إجتماعية وسياسية  قائمة على القبيلة والعائلة ، وفى ظل علاقات داخلية شديدة التخلف (3) .

ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه الحالة السيالة ، قد أستدعت من الدول الاستعمارية وشركاتها النفطية الكبرى ، العمل على تحويل تلك المناطق الجغرافية الشاسعة فى الصحراء العربية إلى كيانات جيو- سياسية ، فأنشأت دول وإمارات ومشيخات مثل السعودية والكويت وأبو ظبى والبحرين وسلطنة عمان و قطر وغيرها ، وتحولت بذلك الإقطاعيات العائلية ( مثل عائلة الصباح ، وآل نهيان ، وآل سعود ، وآل ثان ، وآل خليفة ، وآل سعيد .. الخ ) إلى دول وفقا للشكل الحديث للدول ، وإن ظلت على علاقاتها وبنيتها الاجتماعية والسياسية شديدة الرجعية والتخلف . 

وخلال الفترة الأولى من تجربة هذه الدول / المشيخات ، التى أمتدت من ثلاثينيات القرن العشرين حتى عشية حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، لم تكن الفوائض المالية من الضخامة بحيث تزيد عن أحتياجات التحديث المتواضع للمجتمع ( مدارس – مستشفيات – إدارة حكومية ) ، وحسابات مصرفية وخزائن مملؤوة للحكام وعائلاتهم ، ومقتضيات شراء الولاءات للقبائل المتناثرة داخل حدودهم الجديدة ، فلم يستدع الأمر إنشاء صناديق سيادية ، ووسائط مالية دولية كبرى ، ولم يكن هناك مسافة بعيدة بين الجيب الشخصى للملك أو الأمير أو الشيخ ، وبين ميزانية الدولة فكليهما تحت طوع وأمر الملك / الشيخ . 

حرب أكتوبر عام 1973 والفوائض المالية الهائلة

بإندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، أنتقل مركز الثقل المالى والسياسى لصالح الدول المنتجة للنفط عموما ، والدول العربية خصوصا ، لقد زاد سعر برميل النفط من أقل من ثلاثة دولارات عشية الحرب إلى 5.18 دولار فى أواخر نوفمبر عام 1973، ثم أخذ فى التزايد يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر حتى سبتمبر عام 1980 ، وهكذا زادت إيرادات الدول العربية الثمانية أعضاء منظمة أوبك من حوالى 5.2 مليار دولار عام 1972، إلى 124.0 مليار دولار عام 1979 (4) ، فدولة مثل السعودية زادت إيراداتها وبعد زيادة الأسعار الأولى أثناء حرب أكتوبر من 5.1 مليار دولار فى نهاية عام 1973 ، إلى 54.2 مليار دولار عام 1979 ، وكذلك الكويت من 1.9 مليار دولار إلى 13.3 مليار دولار ، وبالمثل الامارات من 900 مليون دولار إلى 9.7 مليار دولار خلال نفس الفترة وهكذا لبقية الدولة / المشيخات الخليجية والدول العربية الأخرى المنتجة للنفط مثل الجزائر وليبيا والعراق . 

وبهذا الكنز الهائل أو كما عبر وزير الخزانة الأمريكية فى ذلك الحين ” وليم سيمون ” فأنهم لم يكونوا سوى غفراء على هذا الكنز النفطى لا أكثر ولا أقل ” these people do not Owen the oil they only sit on it 

وهنا أسقط فى يد تلك الدول / المشيخات ، فقد كانت الثروة الجديدة أكبر كثيرا حتى من أحتياجاتها من كافة الإستخدامات المشروعة ( كالتنمية والتحديث ) ، وغير المشروعة ( السرقات العائلية ، والتبديد والإنفاق السفيه ، وتوزيعات الغنائم ، وشراء الولاءات القبائلية والعشائرية بل وحتى الدولية )، فلجأت تحت مشورة الخبراء الغربيين –  وجلهم تقريبا أمريكيين وبريطانيين –  إلى أنشاء صناديق ، أطلق عليها فيما بعد زورا وبهتانا ” صناديق سيادية ” 

Sovereignty Funds  ، توضع فيها تلك الفوائض المالية ، ويتولى الخبراء القائمون عليها – وجلهم أمريكيون وبريطانيون كما أشرنا – إعادة إستثمارها وتوظيفها  فى الخارج ، وتكوين محافظ مالية ضخمة مكونة من أسهم شركات ، وسندات وأذون خزانة على تلك الحكومات الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، وإيداعات مصرفية فى تلك الدول الغربية أيضا ، وأصبحوا بالتالى فريسة ولعبة فى عمليات إبتزاز غربى من جهة ، ومرهونة بالإنهيارات المتعددة فى أسواق المال الغربية ولعبة البورصات ، والأزمات العاصفة التى مرت بها تلك الاقتصادات الغربية بصورة مستمرة . 

ومع كل أزمة من الأزمات التى مر بها الاقتصاد الرأسمالى العالمى وتقلص الفترات البينية لتلك الأزمات أو الدورات فى المتوسط من عشر سنوات ، إلى أقل من خمس سنوات ، مثل الأزمات العاصفة التى تكررت على مدار السنوات ( 1971،  1973 ، 1982 ، 1987 ، 1989 ، 1994 ، 1997 ، 1999 ، 2000 ، 2001 ، 2002 ، 2003 ، 2008 ) ، وسواء كانت هذه الأزمات العاصفة شاملة للاقتصاد الرأسمالى العالمى ككل ، أو أزمات لبعض مكوناته الإقليمية الهامة ( مثل جنوب شرق آسيا عام 1997 ) ، أو المكسيك عام 1994 ، أو الأزمة الروسية الكبرى عام 1999،  أو الأرجنتين عام 2000 ، أو البرازيل عام 2003 ، أو فى غيرها (5). فقد كانت الصناديق ” السيادية ” العربية تخسر مئات المليارات ، وكان أصحاب الأموال العرب يخسرون بدورهم .

لقد خسر العالم من جراء الأزمة العاصفة  عام 2008 فى أسابيعها الثمانية الأولى ، ما يتجاوز خمسة عشرة تريليون دولار، منها حوالى تريليون دولار لأصحاب فوائض النفط العربى فى الخليج ، وما زال الحبل على الجرار 

صحيح أن بعض تلك الأموال ” العربية ” قد ساهمت فى إقراض وتمويل مشروعات تنموية فى بعض الدول العربية وغير العربية من خلال إنشاء صناديق للتنمية وأبرزها الصندوق الكويتى ، وصندوق أبو ظبى ، والصندوق العراقى – قبل تدمير العراق بحروب صدام حسين المتتالية –بيد أن الغالبية الساحقة من تلك الأموال ” العربية ” قد ذهبت إلى الأسياد الغربيين فيما عرف فى الأدبيات الاقتصادية الغربية إعادة التدوير Recycling . 

أذن من الناحية الشكلية كانت هذه الدول العربية / المشيخات ، لديها فوائضSurplus  مالية يجرى توظيفها فى قنوات إستثمارية فى الخارج ، بصرف النظر عن الملابسات والملاحظات والمخاطر المحيطة بها ، بما فى ذلك إحتمالات التجميد وفقا للقوانين الأمريكية مثل قانون صلاحيات الرئيس أثناء الحرب أو الطوارىء الصادر عام 1977 ، والذى جرى إستخدامه فعلا ضد ليبيا والعراق وغيرها من الدول (6) .

فماذا عما يسمى الصندوق السيادى لمصر ؟ 

وفقا لما عرضناه فى السطور السابقة ، هل يمكن وصف ما يسمى الصندوق المزمع إنشائه فى مصر بأنه صندوق سيادى ؟ 

الحقيقة .. كلا وذلك لعدة أسباب هى : 

السبب الأول:أن مصر كدولة لا تمتلك فوائض مالية كما هو الحال فى دول الخليج العربى والدول النفطية عموما.

السبب الثانى: أن الأصول الاقتصادية التى تملكها الدولة المصرية مثل الأراضى والشركات العامة والمرافق العامة هى أصول للانتاج  والخدمات وليست فوائض مالية بالمعنى الاقتصادى للكلمة . 

السبب الثالث: أن قراءة دقيقة للقانون الصادر بإنشاء ما يسمى الصندوق السيادى لمصر رقم (177) لسنة 2018 والنظام الأساسى لهذا الصندوق الصادر به قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 ، يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أننا بصدد أكبر عملية خداع إستراتيجى للشعب المصرى ،  حيث نحن بصدد إستكمال لبرنامج بيع الأصول العامة ، والإقتراض بضمانها لشركات ومؤسسات وأفراد من الأجانب ومن العرب  على وجه التحديد ، كما سوف نعرض بعد قليل . 

السبب الرابع :هو أن السياق الذى تدار به الشئون الاقتصادية والمالية المصرية منذ عام 1976، تكشف درجة إستمراء القائمين على الحكم والإدارة لفكرة الصناديق والحسابات الخاصة ، التى تخرج كميات مالية واقتصادية من الإدارة المالية المنظمة خصوصا الموازنة العامة للدولة ، نظرا لضعف الرقابة على مثل تلك الصناديق والحسابات الخاصة ، هكذا فعل الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى بداية حكمه ( حساب تبرعات سداد ديون مصر ) ، وكذا رئيس الجمهورية الحالى الجنرال عبد الفتاح السيسى ( صندوق تحيا مصر ) . 

ولم يكن طرح فكرة الصندوق الراهن جديدة ، خاصة بعد أن بدا ان برنامج الخصخصة وبيع الأصول والممتلكات العامة الذى بدأ منذ عام 1992 ، يكاد قد توقف عمليا بعد الأزمة الاقتصادية العاصفة التى حدثت فى الاقتصاد العالمى عام 2008 ، وهو ما دفع نظام الرئيس مبارك ولجنة سياسات الحزب الوطنى الحاكم – وقتئذ – إلى طرح فكرة قانون ” الصكوك الشعبية فى ديسمبر عام 2008 (7) . 

ومع التصدى الواسع النطاق للفكرة ، جرى تداول فكرة أخرى على إستحياء وهى فكرة  إنشاء صندوق كوعاء يجمع بداخله كل الشركات والأصول الحكومية  بحجة إدارة أفضل لها ، والإلتفاف على المعارضة الشعبية الواسعة لإستمرار برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة التى أودت فى النهاية إلى إهدار ما يقارب 150 إلى 200 مليار جنيه بسبب بيع 194 شركة من الشركات العامة خلال تلك المرحلة بأبخس الأثمان . 

وتذكرنا فكرة الصندوق السيادى فى مصر ، بما جرى فى صناديق مشابهة كانت مصحوبة بالفساد مثل ” لجنة إدارة أملاك الدولة ” فى روسيا فى فترة إنحطاطها فى عهد الرئيس المخمور بوريس يلتسن وجماعته عام 1992 ، وكذلك صندوق ماليزيا السيادى IMOB الذى شهد أكبر عملية فساد ونهب فى تاريخ ماليزيا فى عهد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق عام 2014 ، وإختفاء 4.3 مليار دولار من حساباته . 

الأن .. توافر ظرف جديد لتطبيق فكرة كان قد رفضها القطاع الأوسع من الشعب المصرى ، والمتمثل فى وجود رئيس مندفع ، يحمل برنامج وأجندة غير معروفة الأبعاد ، بدأها  عام 2016 ، بالتنازل عن جزء من الأراضى المصرية ( جزيرتى تيران وصنافير ) مقابل وعود بمساعدات اقتصادية من المملكة السعودية قدرها 25 مليار دولار، وذهب فيها إلى المدى الذى لم يسبقه فيه حاكم مصرى سابق ، وهو الإطاحة بأحكام قضائية من أعلى المحاكم المصرية ، وضرب المؤسسات القضائية بعضها ببعض ( محاكم الأمور المستعجلة غير المختصة ثم المحكمة الدستورية العليا ) ، وكذلك خلق صراع بين القضاء ومجلس نواب مصطنع أمنيا ، مما هدد أحد أهم أركان الدولة الحديثة ، وذلك من أجل تنفيذ ما وعد به حكام المملكة السعودية . 

فما هى الأحكام والنصوص القانونية التى أتى بها القانون رقم (177) لسنة 2018 ؟ (8)

تضمن القانون عشرين مادة ، بعضها إجرائى  وتنظيمى وبعضها الأخر موضوعى يضع أسس وقواعد خطيرة لإدارة الأصول المصرية المملوكة للدولة المتبقية من أكبر عملية بيع وإهدار للثروة الانتاجية المصرية ، و يبلغ عدد هذه المواد الخطيرة ثلاثة عشرة مادة هى المواد ( 3-5-6-7-8-9-12-13-14-15-16-18-19) . 

• فقد نصت المادة الأولى من القانون على أن يكون للصندوق موازنة مستقلة ، ويعد الصندوق قوائم مالية سنوية وربع سنوية ، على أن يتم ترحيل الفائض من عام إلى أخر، بما يعنى أنه خارج الموازنة العامة للدولة تماما .

• وفقا للمادة (3) : وبعد الديباجة المعتادة فى مثل تلك القوانين  التى صدرت منذ عام 1974 وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى ، حيث الهدف من إنشاء هذا الصندوق هو ( المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله …) لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة ، وله فى سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة . أى أن الأهداف المحددة من إنشاء هذا الصندوق هى : 

• المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة . 

* إدارة الأموال والأصول الثابتة والمنقولة التى سيتم نقلها إليه . 

• إستغلالها الإستغلال الأمثل وفقا للمعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها . 

• من أجل الأجيال القادمة . 

• وبالتعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات الماليةالمختلفة . 

• أما المادة (5) : فقد حددت رأسمال الصندوق المرخص بمائتى مليار جنيه ، بينما رأسماله المصدر خمسة مليارات جنيه ، أما رأس المال المسدد فهو مليار جنيه فقط تسددها الخزانة العامة للدولة عند التأسيس ، ويسدد الباقى وفقا لخطط فرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال ثلاث سنوات . وهنا يثور التساؤل ما هو المقابل الذى ستحصل عليه الخزانة العامة للدولة مقابل تسدديها المليار جنيه الأولى من رأسمال الصندوق المصدر ؟ لا يقدم لنا القانون ولا النظام الأساسى للصندوق الذى صدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء ( رقم 555 لسنة 2019 ) أية إجابة حول هذا الموضوع ، خصوصا أن الصندوق كما سوف نرى قد تحرر تماما من القيود والقواعد الحكومية ، وأصبح شخصية مستقلة تماما عن الموازنة العامة والخزانة العامة للدولة . 

وبرغم ما ورد فى الفقرة الثانية لهذه المادة من حكم جواز زيادة رأسمال الصندوق نقدا أو عينا وفقا للضوابط الواردة فى النظام الأساسى ، نكتشف بمراجعة النظام الأساسى الذى صدر بقرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 ، عدم وجود لتلك الضوابط المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من هذا القانون .

بل أن الفقرة الثالثة من هذه المادة قد نصت على ( أن أموال هذا الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة ) ، مما يفتح الباب للتصرف فيها بالبيع والشراء وكافة التصرفات بعيدا عن السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) وبعيدا عن بقية أجهزة الدولة ورقابتها ، أكتفاء بجمعية عمومية مكونة من 12 شخصا كما سوف نرى.

• وجاءت المادة (9) لتحدد موارد الصندوق على النحو التالى : 

• رأسمال الصندوق . 
• الأصول التى تنتقل ملكيتها للصندوق . 
* العائد من استثمار أمواله وإستغلال أصوله . 
• القروض والتسهيلات التى يحصل عليها ، وحصيلة إصدار السندات والأدوات المالية الأخرى . 
•الموارد الأخرى التى يقرها مجلس الإدارة . 

وهنا مناط وجوهر العملية كلها ، فنحن إزاء صندوق سوف توضع فيه كل الأصول المتبقية للدولة المصرية ( من أراضى – شركات – مشروعات وغيرها ) بهدف جعلها محل الرهن والضمان من أجل الحصول على مزيد من القروض الأجنبية والمحلية . 

• وفى المادة (6) : فقد منحت رئيس الجمهورية حقا مطلقا فى ( نقل ملكية أى من الأصول غير المستغلةالمملوكة ملكية خاصة للدولة ، أو لأى من الجهات التابعة إلى الصندوق بعد عرض رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص ، أو أى من الصناديق التى يؤسسها والمملوكة له بالكامل ، أما بالنسبة للأصول المستغلة فيكون العرض من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية وبالتنسيق مع الوزير المعنى ) . 

أى أن المادة قد ميزت  من حيث الشكل بين الأصول غير المستغلة ( مثل الأراضى المملوكة للشركات أو الجهات الحكومية المختلفة ، أو المبانى غير المستغلة ، أو أى أصل أو معدات غير مستغلة .. الخ ) ، والأصول المستغلة ، والفارق بين النوعين شكلية ، حيث الكل سوف يجرى نقل ملكيته إلى الصندوق ( الأم ) ، أو الصناديق الفرعية التى سوف ينشأها الصندوق ، أو الشركات المنشأة حديثا ، والفارق بين الحالتين هى أن الأولى ( غير المستغلة ) لا تحتاج سوى إلى العرض من رئيس الوزراء ووزير التخطيط ( الوزير المختص ) على رئيس الجمهورية ليصدر القرار بنقلها ، بينما الأصول من النوع الثانى ( المستغلة ) ، يضاف إلى رئيس الوزراء ووزير التخطيط  ، الاتفاق – وليس الموافقة – لكل من وزير المالية والتنسيق مع الوزير المعنى ( أى الذى يتبعه هذا الأصل سواء كان شركة أو أراضى أو أوراق مالية أو غيرها ) . 

وهكذا سوف يجرى تسريب الأصول  المتبقية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى إلى أطار قانونى وتنظيمى جديد ، فى شراكة مع المؤسسات  والبنوك والشركات الأجنبية ، وتكرار تجربة القانون رقم (203) لسنة 1991 ، المسمى قانون قطاع الأعمال العام الذى جرى فى ظله أكبر وأخطر عملية لنهب وإهدار الأصول الانتاجية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى ، والتى أضاعت على الدولة المصرية ما يربوا على 150 إلى 200 مليار جنيه .

ومن ناحية أخرى ، فأن تعبير الأصول غير المستغلة هو تعبير مطاط ، يحمل فى داخله الكثير من إمكانيات التلاعب بقيمة الأصل أثناء عملية نقل ملكيته إلى الصندوق ( الأم ) أو الصناديق الفرعية أو الشركات التى سوف تنشأ بالتعاون والمشاركة مع المؤسسات الأجنبية والعربية . 

كما نصت  الفقرة الثانية من المادة (6) ، على أن يتم قيد هذه الأصول المنقولة فى دفتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقا لقواعد وإجراءات التقييم التى يحددها النظام الأساسى ، وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها فى المادة الثامنة . 

ولكن بالرجوع إلى النظام الأساسى الذى صدر به قرار رئيس الوزراء رقم ( 555) لسنة 2019 ( الجريدة الرسمية ، العدد 9 تابع بتاريخ 28/2/2019 ) ، والذى أشتمل على 48 مادة ، لم نجد على الإطلاق تلك القواعد وإجراءات التقييم للقيمة السوقية لتلك الأصول ، مما يفتح الباب للكثير من علامات الاستفهام حول من سيقوم بالتقييم ، وعلى أى أسس اقتصادية وعلمية ، خصوصا وأن تجربة الخصخصة الإجرامية التى جرت فى مصر طوال ستة عشرة عاما ( 1992- 2008 ) ، والتى أدانتها المحاكم المصرية والقضاء المصرى ، مازالت ماثلة فى الأذهان .

• وتكشف المادة (8) من القانون عن جوهر ومناط الغرض من هذا الصندوق فقد نصت على أن ( التصرف فى الأصول المملوكة للصندوق أو الصناديق الفرعية المملوكة للصندوق ( الأم ) بالكامل سوف تتم بأحد الصور التالية : 

• البيع . 
• أو التأجير المنتهى بالتملك . 
• أو الترخيص بالانتفاع . 
• أو المشاركة كحصة عينية . 

وذلك كله وفقا للقيمة السوقية ، وبما لا يقل عن التقييم الذى يتم على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب ثلاثة تقارير من مقيميين ماليين معتمدين من الهيئة العامة للرقابة المالية ( التى يعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية ) والبنك المركزى المصرى ( الذى يعين محافظها ونوابه من قبل رئيس الجمهورية أيضا ) . 

والحقيقة أن هذه التقارير ومن هذه الجهات تحديدا ، لا يمكن الارتكان إليها فى تحديد متوسط القيمة السوقية للأصل محل التصرف بالبيع أو التأجير أو غيرها من التصرفات التى من شأنها إهدار تلك الأصول بالبيع أو بجعلها ضمانة للقروض الهائلة التى يستهدف النظام ورئيس الجمهورية الحصول عليها ، خاصة فى ظل سيطرة جماعات مصالح فاسدة من جميع الأنواع والاتجاهات والتحالفات الدولية . 

7-وهذا ما تكشفه بوضوح وجلاء نص المادة (7) من القانون التى نصت على أن هذا الصندوق سوف يقوم بالأنشطة التالية : 

-المساهمة بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات أو زيادة رؤوس أموالها ( أقتباسا للمادة الثالثة من القانون سىء الصيت  المسمى قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 لصاحبه وطباخ السم كله د. عاطف عبيد ) . 

-الاستثمار فى الأوراق المالية المقيدة أو غير المقيدة بأسواق الأوراق المالية وأدوات الدين وغيرها داخل مصر وخارجها .

-الإقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين 

-شراء وبيع وتأجير وإستئجار وإستغلال الأصول الثابتة ( كالأراضى ) والمنقولة والانتفاع بها .

-إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التى يملكها أو يساهم فيها مع الغير . 

وهنا بيت القصيد من هذه العملية كلها ، أن يكون هذا الصندوق منصة للإقتراض ، وبضمان هذه الأصول الضخمة التى سوف يجرى بيعها تدريجيا  والتى قدروها بحوالى مائتى مليار جنيه ، أما تسديدا للديون التى أغرقناها فيها هذا الرئيس وجماعته ، أو تحقيقا لإيرادات لتغطية العجز فى الموازنة ببيع هذه الأصول للسماسرة العرب أو الأجانب .

8-أما المادة (12) فقد أقرت مبدأ فى غاية الخطورة يأتى فى سياق كل حرف من حروف هذا القانون الخطير حيث نصت على ( أن يدير الصندوق أمواله وأصوله بذاته ، كما له أن يعهد بإدارتها كلها أو بعضها إلى شركات ومؤسسات متخصصة فى إدارة الأصول ) . 

وهنا مكمن أضافى للخطر ، فمثل تلك المؤسسات والشركات المتخصصة فى إدارة الأصول لا توجد سوى لدى الشركات والمؤسسات والبنوك الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، برغم أن تلك الصناديق ومنها صناديق التحوط – التى كان يدير أحداها د . محمد العريان – لم تنجح فى إنقاذ الاقتصاد الأمريكى خصوصا والغربى عموما من الكارثة التى حلت به فى الأزمة العاصفة عام 2008 ، والتى ما زالت أثارها وتداعياتها قائمة حتى يومنا . 

9-وعلى نفس المنوال الخطير  والمدمر جاءت المادة (13)  ، حيث نصت على أن ( للصندوق ( الأم ) تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية النظيرة ، والمصارف والمؤسسات المالية والشركات المصرية والأجنبية ، أو أى منها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية) . وبرغم إحالة المادة إلى النظام الأساسى لوضع الضوابط ، فأننا وبالرجوع إلى قرار رئيس الوزراء بشأن النظام الأساسى رقم (555) لسنة 2019 ، لم نعثر على اية إشارة لتلك الضوابط والمعايير والقواعد ، بل على العكس تماما ، جاء فيها التأكيد على  أن كل هذه العمليات الكبرى  من بيع وتأجير وإنتفاع وإقتراض سوف تتم بعيدا عن القواعد والنظم الحكومية ، مما يزيد من ظلال الشك والقلق على مصير تلك الأصول وطريقة التصرف فيها بعيدا عن أية رقابة حقيقية كما جرى فى برنامج الخصخصة ( 1992- 2008 ) السىء الصيت . 

10-ولهذا جاءت المادة (14) التى نصت على أن ( الصندوق والصناديق الفرعية التى يؤسسها أو يشارك فى تأسيسها من أشخاص القانون الخاص أيا كانت نسبةمساهمة الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام فيها ، ولا يتقيد أى منها بالقواعد والنظم الحكومية ) . 

والحقيقة فأن هذا الإصرار على أبعاد أى نوع من الرقابة بما فيها رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات على هذا الصندوق والصناديق الفرعية التابعة ، برغم إمتلاكه لأصول الدولة المصرية وأراضيها غالبا ، يضع ألف علامة إستفهام حول نوايا القائمين على هذا الأمر والدوافع الحقيقية لإنشاء هذا الصندوق ، تماما كما هو حالة صندوق ( تحيا مصر ) ، الذى لا يعرف عنه المواطن المصرى والرأى العام والمتخصصين فى الاقتصاد المصرى ، حجم إيراداته وحجم نفقاته ومدى الجدوى من تلك النفقات وغيرها . 

11-وقد زادت المادة (19) فنصت على ( إعفاء كافة المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم وما فى حكمها ) ، وإن كانت قد أبقت على الرسوم والضرائب على معاملات الصناديق الفرعية التى يساهم فيها الصندوق ( الأم ) ، كما أبقت على الضرائب والرسوم على توزيعات الأرباح الناتجة عن معاملات الصندوق ( الأم )  أو الصناديق والشركات الفرعية .

وقد عرفت المادة (30) من النظام الأساسى الصادر بها قرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 المعاملات البينية بأنها ( جميع التعاملات والتصرفات القانونية التى تتم بين الصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل ، سواء أتخذت هذه الكيانات شكل صناديق فرعية أو شركات متمتعة بالجنسية المصرية أو جنسية أية دولة أجنبية أخرى ) . 

كما ذكرت الفقرة الثانية من المادة (30) من النظام الأساسى ( أن هذا الإعفاء من الرسوم والضرائب سوف يتم طبقا للضوابط التى يصدر بها قرار من وزير المالية بالتشاور مع الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) ، ويندرج تحت إطار المعاملات البينية على سبيل المثال التعاملات التالية : 

*عمليات البيع والشراء والاستغلال والانتفاع . 
• عمليات الإيجار والاستئجار . 
• عمليات الإقراض والإقتراض . 

وهنا مناط جديد للضرر ، خصوصا إذا عرفنا أن هذه التعاملات من الضخامة المالية والاقتصادية  من ناحية ، وكذا فأن إنتقال ملكية هذه الأصول والشركات غيرها إلى هذا الصندوق قد حرم الخزينة العامة من مصادر للدخل والإيرادات  السيادية متمثلة فى الرسوم والضرائب بكافة أنواعها التى كانت تدفعها قبل أنتقال ملكيتها إلى هذا الصندوق ، أى مزيد من الخلل فى الموازنة العامة للدولة . كما أن أعفاء الشركات والصناديق التى يشارك فيها الأجانب سواء كانوا عربا أو عجما يعنى نقل جزء من الثروة المصرية لصالح هؤلاء على حساب الشعب المصرى والخزينة العامة المصرية . 

ولمزيد من الكرم  وعملا بالقول المأثور ( أعطى من لا يملك مزايا لمن لا يستحق ) فقد نصت المادة فى فقرتها الثانية على أنه ( وذلك كله دون الإخلال بأى أعفاءات منصوص عليها فى أى قانون أخر) سواء كان قانون الاستثمار الجديد رقم ( ) لسنة 2018 ، أو قانون الضرائب على الدخل رقم (91) لسنة 2005 وتعديلاته ، أو قانون المجتمعات العمرانية الجديدة ( رقم 59) لسنة 1979 وتعديلاته أو غيرها . 

12-أما المادتين (15) و (18) فقد خصصتا لتشكيل مجلس إدارة هذا الصندوق ، وكذا الجمعية العمومية له ، ووفقا للمادة (15) يشكل مجلس إدارة هذا الصندوق بقرار من رئيس الجمهورية – بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء – ويتكون المجلس من عشرة أشخاص هم : 

• الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) رئيسا لمجلس الإدارة غير التنفيذى . 

• خمسة أعضاء مستقلين – ولا نعرف مستقلين عن من ؟ – من ذوى الخبرة . 

• ممثل عن كل وزارة من الوزرارت المعنية بشئون التخطيط والمالية والاستثمار .

•مدير تنفيذى للصندوق متفرغ لإدراته ويمثله فى صلاته مع الغير وأمام القضاء . 

أما المادة (18) فقد نصت على تشكيل الجمعية العمومية للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية ويتكون من (12) عضوا هم : 

• رئيس مجلس الوزراء رئيسا للجمعية العمومية . 

• الوزير المختص ( وزير التخطيط ) . 

• الوزيرين المعنيين بالشئون المالية والاستثمار . 

• أحد نائبى محافظ البنك المركزى المصرى . 

• بالإضافة إلى سبعة أعضاء من ذوى الخبرة فى المجالات المالية والاقتصادية والقانونية ،وفى إدارة الصناديق النظيرة ، والشركات الاستثمارية العالمية يرشحهم رئيس مجلس الوزراء . 

فإذا تأملنا فى هذا التكوين ، سواء مجلس الإدارة ، أو الجمعية العمومية ، فسوف نكتشف ببساطة أن لدينا حوالى 10 أشخاص على الأكثر يسيطرون تماما على هذا الصندوق الضخم وفروعه وشركاته ، ولرئيس الجمهورية الحق المطلق فى تعيينهم وفى عزلهم .

الطريق المسدود ” 16 الدكتور عبد الخالق فاروق يكتب : الخطوة الأخيرة قبل بيع أصول الدولة المصرية


 يطرح العرض السابق لمجموعة الحلقات السابقة من كتاب ” الطريق المسدود ” تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي نجد  مجموعة من الملاحظات الجديرة بالتسجيل وهى :

أولا : أننا بصدد مشروع يحمل الكثير من المخاطر ، والمرجح عندنا أنه إستكمال لمسار الخصخصة وبيع الأصول العامة ويزيد عليها هذه المرة ، الإقتراض بضمان هذه الأصول . 

ثانيا : أن الدور المنوط للأجانب فى إدارة هذا الصندوق والصناديق الفرعية والشركات دور رئيسى ومؤثر ، ولا نبالغ إذا قلنا أنه المقرر والمخطط والمنفذ على أرض الواقع ، ووفقا للمادة الأولى من النظام الأساسى فأن مدير الاستثمار لهذا الصندوق ( شركة أو مؤسسة متخصصة فى إدارة الأصول يعهد إليها بإدارة الأصول  أوالاستثمارات المنصوص عليها فى المادتين (12) و (13) من قانون الصندوق وفقا لإتفاقية إدارة الاستثمار الموقعة بين الصندوق ومدير الاستثمار . وإذا أضفنا دور  أمين الحفظ الذى عرفته المادة الأولى من النظام الساسى بأنه ( شركة أو مؤسسة متخصصة فى نشاط أمناء الحفظ يعهد إليها بأعمال أمين الحفظ لحافظة الأوراق المالية المملوكة للصندوق وفقا لإتفاقية موقعة بين الصندوق وأمين الحفظ ، وكذا دور المدير التنفيذى الذى من الأرجح أن يكون أجنبيا ، فنحن إزاء سيطرة الأجانب على الأصول المصرية المتبقية فى ذمة الدولة المصرية . 

ثالثا : والغريب أن يكون الصندوق من أشخاص القانون الخاص ولا يتقيد بالقواعد والنظم الحكومية ، ثم تتولى الخزانة العامة تسديد الجزء المدفوع من رأسماله قدرها مليار جنيه دون أن تحصل الخزانة العامة على أى مقابل لهذا 

رابعا : ووفقا للمادة العاشرة من النظام الأساسى للصندوق والخاص بتحديد الحد الأقصى لمدة تنمية الأراضى الفضاء المملوكة للدولة أو شركاتها ، فأن الخطير أن هذه الأراضى التى يركز عليها القائمون على هذا المشروع الخطير خى جزء من الهيكل المالى والاقتصادى لهذه الشركات العامة ، ونزعها أو نقل ملكيتها من هذه الشركات بدعوى عدم الاستغلال ، من شأنه أن يخل بالتوازن المالى والاقتصادى لتلك الشركات العامة .  

خامسا : ولم ينسى القائمون على هذا المشروع الخطير إسترضاء بعض جماعات المصالح وشلل المنتفعين ، فقد نصت المادة (15) من النظام الأساسى ضمن أختصاصات الجمعية العمومية ( أقتراح تشكيل مجلس إستشارى متخصص فى المجالات ذات الصلة بأغراض الصندوق لتقديم المشورة فى سياسات الاستثمار ويصدر بتشكيلة قرار من رئيس الجمهورية ) وهو ما يذكرنا بالجمعيات العمومية التى أنشأها قانون الخصخصة الشهير رقم (203) لسنة 1991 ، والذى كون جمعيات عمومية لكل شركة من الشركات القابضة والشركات التابعة وكل للمكافآت الهائلة التى كان يحصل عليها عؤلاء الأعضاء فعل السحر فى القبول والموافقة على ما جرى من جرائم خصخصة وبيع الشركات العامة بأبخس الأثمان كما سجلته أحكام المحاكم الإدارية . 

ويزيد على ذلك نص المادة (33) من النظام الأساسى بتكوين مجالس إدارات للصناديق الفرعية ويتراوح عدد أعضاء  مجلس إدارة كل صندوق فرعى بين 11 عضوا إلى 15 عضوا ، تكون عضويته لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى ، وغالبا سيكونوا من جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية . 

كما يكون للصندوق الفرعى تعيين مدير للاستثمار قد يكون شركة أو مؤسسة متخصصة مصرية أو أجنبية ، ولكل صندوق فرعى نظام اساسى جديدومستقل ( م 34 ) . وله حق الإقتراض والإقراض . 

سادسا : لم يضع النظام الساسى الضوابط المطلوبة لتجنب تعارض المصالح ، أنما تركها ليضعها النظام الأساسى لكل صندوق فرعى على حدة . 

وتكشف المادة (38) من النظام الأساسى للصندوق ( الأم ) أن  مجلس الإدارة يتولى وضع نظم الرقابة على الصناديق الفرعية وكذا  اللوائح والنظم الداخلية الخاصة بمتابعة أداءها دون الإحلال بإستقلالية تلك  الصناديق الفرعية 

سابعا :وقد أوردت المادة (39) من النظام الأساسى مبدأ ( ترحيل الفائض للصندوق ( الأم ) أو الصناديق الفرعية من عام إلى أخر ، وبالتالى لن يطل الخزانة العامة منها مليما واحدا ، كما نصت المادة (42) على عدم التقيد بالقواعد والنظم الحكومية بشأن مراجعة حساباتها أو الحد الأقصى للأجور وغيرهامن القواعد .

وإذا جاز لنا أن نصف هذا القانون بصفة ، فهو أكبر مثال على الفساد بالقانون ، وإهدار الموارد والقدرات الوطنية بالقانون . 

الخطوة قبل الأخيرة فى بيع كافة أصول الدولة :

وفى 26 ديسمبر من عام 2019 ، خطت الحكومة المصرية والجنرال السيسى خطوة جديدة وخطيرة فى بيع كل أصول الدولة ، وذلك بإدخال  تعديلات جديدة على القانون رقم (177) لسنة 2018 بهدف تحصين قرارات رئيس الجمهورية  وعقود صندوق مصر السيادى ، بما يجعل من المستحيل على أى طرف أو شخص طبيعى أو معنوى الطعن على التصرفات المالية التى يقوم بها هذا الصندوق والقائمين عليه . حيث جاء فى تلك التعديلات  بالقانون رقم (197) لسنة 2020  الأتى (9):

– ينص المشروع في مادته الأولى على أن يستبدل بعبارة ” صندوق مصر”  عبارة ”صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية”  أينما وردت في القانون رقم 177 لسنة 2018 وفي أي من القرارات . 

– ونص مشروع القانون في مادته الثانية على أن يُستبدل بنصوص المواد(  3 و 6 فقرة ثالثة ، و19  فقرة أخيرة من القانون رقم 177 لسنة 2018 (المواد التالية : 

-مادة3)  ) وتنص على أن الصندوق يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله، أو أموال وأصول الجهات والكيانات المملوكة للدولة ، أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة للدولة، أو تساهم فيها التي يُعهد إلى الصندوق بإدارتها، وفقاً للضوابط المنصوص عليها في النظام الأساسي، وتحقيق الاستغلال الأمثل لتلك الأموال والأصول وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية؛ لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة، وللصندوق في سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة.

-كما تنص المادة الثالثة من مشروع القانون على أن يضاف للقانون رقم 177 لسنة 2019 بإنشاء صندوق مصر،  مواد جديدة بأرقام( : (6 مكررا، و6 مكررا أ ، و 6 مكررا ب )  بحيث تنص المادة ( 6 مكررا) على أن يُودع قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول المنصوص عليها بالمادة (6) من القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر مكتب الشهر العقاري المختص، بغير رسوم، ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية.

( أى أن قرارات رئيس الجمهورية الجنرال السيسى سوف تصبح من الأن فصاعدا لها قوة الإشهار القانونى فى نقل وبيع والتصرف فى اصول الدولة دون رقيب أو حسيب ) 

وبهذا أصبح الصندوق مهيمنا هيمنة مطلقة على كافة أصول الدولة إينما كانت وتتبع لأى وزارة ، أو مصلحة حكومية. 

– حظر الطعن فى قرارات رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول أى بيعها : ولعل أخطر ما جاء فى هذا القانون ولم يسبق له أن جرى طوال الخمسين عاما الماضية ، هو ما جاءت به المادة (6 مكرر أ ) حيث نصت على : 

( أنه مع عدم الإخلال بحق التقاضي، يكون الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول، أو الإجراءات أو التي اتخذت بناء على هذا القرار، من الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكية ذلك الأصل دون غيرهما، ولا ترفع الدعاوي ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استناداً لتلك العقود، أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد، دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة أحد أطراف التعاقد،  أو التصرف في إحدى الجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وكان العقد أو التصرف قد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة.
كما نصت المادة (6 مكرر ب ) على :  ( أنه مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضي المحكمة، من تلقاء نفسها، بعدم قبول الطعون، أو الدعاوى المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة(6 مكررا أ) من هذا القانون المقامة من غير الأطراف المذكورين فيها ) . 

وهكذا حصن رئيس الجمهورية قراراته – بالمخالفة لنصوص الدستور المصرى وكل الدساتير فى الدول المتحضرة – من دعاوى الإلغاء ورغبة أطراف وطنية فى حماية الموارد والقدرات والأصول المملوكة للدولة والمجتمع المصرى .

(4) قيد الأصول المحالة لصندوق مصر السيادي بالقيمة السوقية ، فقد نصت  المادة(  6 فقرة ثالثة)  فأصبحت تنص  على أن يتم قيد الأصول في دفاتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقاً لقواعد وإجراءات التقييم التي يحددها النظام الأساسي،  وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون، ولمجلس إدارة الصندوق أن يعهد بإجراء التقييم إلى أحد بيوت الخبرة العالمية في الأحوال التي تقتضي ذلك.

(وهكذا وبنص القانون – وليس أوامر وقرارات إدارية يمكن الطعن عليها  – أصبح اللجوء إلى المؤسسات الدولية وبيوت الخبرة الأجنبية والمكاتب الإستشارية الأجنبية هى صاحبة الولاية فى التقييم وتقدير الأصول ) . 

-أما المادة (19  فقرة أخيرة ) : فتنص على أن ترد الضريبة على القيمة المضافة التي تسدد من الصناديق الفرعية، أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق بنسبة تزيد على 50%من رأسمالها، في حدود نسبة مشاركته فيها، وذلك كله دون الإخلال بأي إعفاءات منصوص عليها في أي قانون آخر.

كما نص القانون على  رد ضريبة القيمة المضافة التي تسددها الصناديق والشركات التابعة لمصر السيادي .

* وقد صدر القانون فعلا برقم (197) لسنة 2020 ، بتاريخ 27/9/2020 ، وتضمن نفس المقترحات مع إجراء مناورات شكلية مثل إدخال مادتين جديدتين هما ( 6 مكرر، و6 مكرر أ ) بدلا من ثلاثة ، ولكنه بسلوك اللصوص الأغبياء قام بضم المواد الثلاثة المقترحة فى مادتين فقط ، والهدف منهما تحصين قرارات نقل الملكية ( بالبيع أو التأجير المنتهى بالتملك أو الترخيص بالانتفاع أو المشاركة كحصة عينية ) التى يقوم بها رئيس الجمهورية وتصدر فى صورة عقود ، وإلزام المحاكم بعدم قبول دعاوى الإبطال أو الإلغاء من طرف ثالث ، مثل النقابات أو العاملين فى تلك المنشأت أو الشخصيات العامة ، أو أى صاحب مصلحة فى إلغاء هذه التصرفات الضارة بالقدرات والموارد المصرية المملوكة للمجتمع المصرى فى مجموعه ، وبأعتبار قرار رئيس الجمهورية بنقل الملكية بمثابة وثيقة توثيق لدى الشهر العقارى بدون سداد رسوم توفيرا للمستثمر أو المنقول إليه الأصل (10).

• كما أدخل القانون المعدل عبارة أو فقرة جديدة على المادة (8) فى غاية الخطورة ، حيث نص على أن يكون ( لمجلس إدارة الصندوق أن يعهد بإجراءات التقييم إلى واحد أو أكثر من بيوت الخبرة العالمية المصرية أو الأجنبية ، وذلك كله وفقا للضوابط التى يضعها مجلس الإدارة ) وهكذا أصبحت بيوت الخبرة الأجنبية أو حتى المصرية المرتبطة بالأجانب ( مثل بيكر أند ماكينزى فى القاهرة ) حاضرة بقوة القانون هذه المرة ، وليس مجرد رأى إستشارى قد نأتى بها أو لا نأتى بها ، وقد عرفنا ما قامت به بيوت الخبرة الأجنبية منذ تطبيق برنامج الخصخصة وبيع الأصول المملوكة للدولة منذ عام 1992 ، ومقدار الخراب ونهب المال العام الذى شاركت فيه ، وبهذا تصبح الأصول المصرية التى فى حوذة هذا الصندوق ( اللقيط ) خاضعة لقوى وأطراف أجنبية ودولية محاطة بالكثير من الشكوك وبعلاقاتها المريبة بدوائر المال والأعمال الأجنبية والصهيونية . 

-كما أدخل أضافة جديدة فى غاية الخبث والدهاء على المادة (11) ، فبعد أن اسندت المادة مراجعة حسابات الصندوق لمراقبا حسابات أحدهما من الجهاز المركزى للمحاسبات ، والأخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزى أو الهيئة العامة للرقابة المالية ( ورؤساء هذا الجهات تخضع لسلطة رئيس الجمهورية خصوصا بعد تجربة العصف بالمستشار هشام جنينة وسجنه خمس سنوات فى تهم محل شك كبير ) ، نصت الفقرة على أن تعرض حسابات الصندوق وخطتها على الجمعية العمومية خلال ثلاثة أشهر من إنتهاء السنة المالية ، وعلى رئيس الجمهورية ، ثم اضاف وعلى رئيس مجلس النواب ، دون أن يقول بالعرض على مجلس النواب ذاته ، وهنا ليس هناك إلزام بأن يقوم رئيس مجلس النواب ، بعرض هذه التقارير الحسابية على الجهاز الرقابى والتشريعى الأول ، فترك أمر العرض متروكا بحرية إلى رئيس المجلس فقط ؟؟ وأخرجها بالتالى من صلاحيات مجلس النواب . 

وأخيرا ووفقاً للمادة الرابعة من مشروع القانون، يصدر رئيس مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص، قراراً بتعديل النظام الأساسي لصندوق مصر لتنفيذ أحكام هذا القانون.

هكذا بوضوح تام نحن إزاء  أخطر وأكبر عملية تلاعب قانونية ، ودستورية من أجل بيع وتهريب الأصول المصرية المملوكة للدولة والتى بناها الشعب المصرى طوال سبعين عاما سابقة ، فالمشترى حاضر ، والبائع متلهف على البيع غير العادل وما أخفى كان أعظم ؟


” الطريق المسدود ” 17 .. عبدالخالق فاروق يكتب : الألية الجديدة لرهن وبيع الأصول المصرية

قانون توريق الحقوق المالية المستقبلية المتوقعة.

أكدت كل المصادر التاريخية الموثوقة – خصوصا فى عصر الخديوى إسماعيل – على حقيقة الدور الذى لعبته عمليات رهن ديون مصر ، وديون الخديوى  و صغار وكبار الملاك لصالح الدائنين ، من خلال أحتجاز الإيرادات المتوقعة للمرافق العمومية ( مثل السكك الحديدبة – إيرادات الجمارك – إيرادات البريد -.. وغيرها ) ، أو الملكيات الخاصة بالخديوى أو المتعثرون من الفلاحين وكبار الملاك ، فى أرتهان الدولة المصرية ومواردها وقراراتها السياسية والاقتصادية للدائنين من ناحية ، وللدول الدائنة أو أصحاب الولاية أو الحماية لهؤلاء الدائنين (11) .

ومنذ أن أعيد إنشاء البورصة المصرية من جديد عام 1992 ( بالقانون رقم 95) ،  فى ظل برنامج ما سمى التعديل أو التصحيح الهيكلى Structural Readjustments  برعاية صندوق النقد والبنك الدوليين ، وهناك مراحل تنتقل فيه أدوار هذه البورصة  وسوق الأوراق المالية من مرحلة إلى مرحلة أخرى ، وهى فى كل واحدة تؤدى دورا خطيرا فى عمليات نهب وإستنزاف الثروة الوطنية المصرية . 

وقد صاحب كل مرحلة من تلك المراحل إجراء بعض التعديلات التشريعية ، واللوائح التنفيذية لعمل البورصة ، فإذا كان البعض يعتبر  سوق الأوراق المالية ( البورصة) أداة هامة لتحويل الموارد المالية من وحدات الفائض إلى وحدات العجز بما تمثله من  فرص استثمارية ممتازة ، وعامل هام فى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية ، وتأمين الموارد التمويلية الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية التى تحتاج للمزيد من الموارد تفوق مدخراتها مقابل إيجاد فرص مواتية للتوظيف الفعال للفوائض التى تتحقق لدى المدخرين بما يفوق إحتياجاتهم الاستثمارية (12) .فأن هؤلاء الخبراء قد توصلوا إلى أن البورصة المصرية قد تخلفت عن أداء وظائفها فى خدمة الاقتصاد القومى وتحولها لأداة لخصخصة الأموال العامة إلى الخاصة ، وسيطرة قلة من ذوى النفوذ والمصالح عليها ، واستغلال المعلومات الداخلية والقوانين الفاسدة التى تطبق على الورق فقط ، وعلى صغار المتعاملين  دون غيرهم وزيادة عمليات التربح دون وجه حق،  مما ترتب عليه ضياع
مدخرات العديد من المستثمرين المصريين ( والمضاربين فيها ) ، وإنتشار أساليب الغش والتدليس والاستغلال الداخلى للمعلومات ، واتباع سياسة التفويتات لبعض الشركات دون شركات أخرى مما ترتب عليه ضياع مدخرات  صغار المستثمرين وخسارة أموالهم .وكذا غياب عنصرى الإفصاح والشفافية بالقدر المناسب والذى يساعد المستثمر فى اتخاذ القرار الصحيح  ، سواء بالنسبة للشركات المقيدة أو لأطراف  المنظومة القائمة على ادارة سوق المال المصرى ، و تحول البورصة لأداة لخصخصة أموال الشعب الى صالح فئة معينة تحقق نفعاً خاصاً دون أن يرتبط ذلك بالنفع العام للمجتمع أو الدولة ككل ، بما يثرى طبقة على حساب طبقة أخرى ويزيد من معدلات الفقر داخل المجتمع المصرى ، فضلاً عن عدم وجود طريق قانونى يحمى هؤلاء المستثمرين حالة التعرض لغش أو تدليس أو خداع ، أو نصب لتعويضهم أو حل مشاكلهم ، وهشاشة المؤسسات القائمة على إدارة سوق المال ، وضعف أدواتها المالية وغياب الرؤية الشاملة لتطوير المنظومة (13) . 

ومن أبرز تلك الجوانب السلبية فى أداء البورصة المصرية طوال عشرين عاما ، تعيين أبناء المشاهير من الممثلين والممثلات وغيرهم من السياسيين وذوى السلطة بمرتبات مرتفعة جداً دون أن يكون لديهم أدنى كفاءة أو خبرة مسبقة فى حين وجود العديد من ذوى الخبرة والكفاءة للعمل بهذا القطاع ولكن دون جدوى فسيطرة المحسوبية والمجاملات تسيطر على هذه المجموعة بشكل فج (14).

وضعف الرقابة  من قبل الجهاز المركزى للمحاسبات على بنود ايرادات ونفقات الأطراف العاملة فى هذه المنظومة متمثلة فى ادارة البورصة وهيئة الرقابة المالية وصندوق المخاطر ومصر للمقاصة .

وتخلى البورصة عن القيام بوظائفها فى خدمة الاقتصاد القومى كونها أداة لتمويل التنمية الاقتصادية , أو وسيلة لتسعير الأصول المالية بقيمتها الحقيقية نظراً للتلاعب بالقيم الحقيقة للأسهم بالبورصة ، إما بأعلى من قيمتها بكثير ، أو أقل من قيمتها بكثير  وتحولها من أداة تجمع بين جمهور المستثمرين وجمهور المدخرين ، إلى أداة لإستنفاذ أموال المدخرين وإعطائها لقلة من رجال الأعمال وذوى المصلحة والسلطة والمحسوبية بدون تكلفة فيما يشبه الاحتيال القانونى على أموال المدخرين من صغار الافراد (15) .

نمو قوة ونفوذ جماعات المصالح الاقتصادية والأجنبية 

بيد أنه مع نمو قوة ونفوذ جماعات المصالح الاقتصادية الخاصة والأجنبية فى مصر ، وتفشى ممارسات الفساد المحمى معظمها من رجال الحكم والإدارة (16) ، تعاظم دور البورصة وسوق الأوراق المالية كوسيلة للتمويل المحدود من جهة ، وكأداة هائلة لعمليات تهريب وغسل الأموال والتهرب الضريبى عبر الملاذات الضريبية الآمنة من جهة أخرى . 

ومن هنا جرى عدة تعديلات قانونية على قانون سوق المال الصادر عام 1992: 

 فصدر التعديل الأول بالقانون رقم (143) لسنة 2004 ، الذى أدخل ” نشاط التوريق ” فى أعمال البورصة المصرية وسوق رأس المال ، والذى يقصد به تأسيس شركات التوريق  ( التى تزاول نشاط اصدار سندات قابلة للتداول فى حدود ما يحال إليها من حقوق مالية ، ومستحقات آجلة الدفع بالضمانات المقررة لها ، وتعد شركات التوريق فى تطبيق أحكام هذا القانون من الشركات العاملة فى مجال الأوراق المالية ، ويطلق على الحقوق والمستحقات والضمانات المحالة أسم ( محفظة التوريق ) ، ويقتصر غرض هذه الشركة على مزاولة النشاط المشار إليه دون غيره ، ولا يجوز بغير ترخيص من مجلس إدارة الهيئة أن يحال إلى الشركة أكثر من محفظة توريق واحدة . أو أن تقوم بأكثر من إصدار واحد للسندات ، وذلك طبقا للقواعد والإجراءات التى يصدر بها قرار من مجلس الإدارة ) (17) .

تتم حوالة محفظة التوريق بموجب اتفاق بين المحيل وشركة التوريق المحال إليها وفقًا للنموذج الذى تعده الهيئة. ويجب أن تكون الحوالة نافذة وناجزة وغير معلقة على شرط وناقلة لجميع الحقوق والمستحقات والضمانات المحالة، وأن يكون المحيل ضامنًا لوجودها وقت الحوالة. ولا يكون مسئولاً عن الوفاء بأى منها بعد إتمام الحوالة إلى شركة التوريق، ويجب إخطار الهيئة بذلك ونشر ملخص واف لاتفاق الحوالة فى جريدتين يوميتين صباحيتين واسعتى الانتشار إحداهما على الأقل باللغة العربية.ويتولى المحيل تحصيل الحقوق والمستحقات المحالة ومباشرة حقوق شركة التوريق فى مواجهة المدينين لصالح حملة السندات التى تصدرها الشركة بصفته نائبًا عنها، فإذا تم الاتفاق على غير ذلك تعين على المحيل إخطار المدينين الملتزمين بالحقوق والمستحقات والضمانات المحالة بهذا الاتفاق، وذلك بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول.وتكون الحوالة فى جميع الأحوال نافذة ومنتجة لأثرها دون اشتراط موافقة المدين أو إخطاره بها(18) .وقد كانت عمليات التوريق من العوامل التى أدت إلى حدوث إنهيارات مالية فى الأسواق المالية بصورة دورية ، كان أخرها ما جرى فى الأزمة المالية العالمية عام 2008 (19) 

وعلى شركات المساهمة من غير شركات التوريق الراغبة فى إصدار سندات توريق بضمان محفظة مستقلة من حقوقها المالية أن تتقدم بطلب إلى الهيئة مرفقًا به بالإضافة إلى المستندات المبينة فى المادة (7) من هذه اللائحة

ويحظر على شركة التوريق أن تعقد اتفاقًا لحوالة محفظة توريق مع محيل تزيد مساهمته سواء كان منفردًا أو مع مجموعة مرتبطة على (20%) من رأس مالها.

ويقصد بالمجموعة المرتبطة الأشخاص الذين يخضعون للسيطرة الفعلية لنفس الأشخاص الطبيعيين أو لذات الأشخاص الاعتبارية أو الذين بجمع بينهم اتفاق يتعلق بالمساهمة فى شركة التوريق.

على أية حال .. جاء التعديل التالى  للقانون رقم (95) لسنة 1992 ، بالقانون رقم (17) لسنة 2018 ، أستجابة لطلبات وضغوط مجموعات البورصجية المحيطون بالجنرال عبد الفتاح السيسى ، ومن ورائهم جماعات المصالح المحلية والعربية والأجنبية التى تمارس عمليات التلاعب بسوق الأوراق المالية والبورصة المصرية . 

الطريق المسدود 20 د. عبدالخالق فاروق يكتب : قانون الخدمة المدنية فى تشريعات السيسى

اخبار التاسعة خط المقالة

banner


في
الحلقة السابقة من ” الطريق المسدود ” ناقش الدكتور عبدالخالق فاروق قانون 18 لسنة 2015، المعروف باسم قانون الخدمة المدنية ويواصل في هذه الحلقة مناقشة باقي مواد القانون الذي أثار الكثير من الجدل أثناء مناقشته ثم في أعقاب صدوره يستكمل عبدالخالق فاروق المناقشة في كتابة قائلا : 

 في مواد الترقية والنقل 

فى الترقية والنقل والندب والإعارة والحلول ، ويضم هذا المحور ستة مواد هى (29، 30، 31، 32، 33، 34،) ، والأجور والعلاوات ويضم هذا المحور ثمانى مواد هى (35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 42)  

ولأول مرة يستخدم المشرع القانونى تعبير أو مصطلح الحلول ، وقد جاء القانون الجديد بمجموعة من الأحكام والمبادىء الجديدة ، بعضها إيجابى والبعض الأخر سلبى ، ومن أبرز تلك المبادىء والأحكام :

• ما نصت عليه المادة (29) من ترك أمور حيوية مثل ضوابط ومعايير الترقية للائحة التنفيذية للقانون ، مما يفتح الباب واسعا لهيمنة الحكومة والسلطة المختصة فى وضع معايير تتفق مع ضوابط مطلوبة فى ظل الوضع الصعب الذى تمر فيه البلاد وهو ما سنراه فى إستسهال نقل وفصل وإبعاد القيادات الإدارية التى قد لا تتناسب مع السياسات العامة أو التوجيهات العامة الحكومية المسكونة بالحرب ضد الإرهاب . 

 • وقدنصت المادة (30) على مبدأ جديد إذ جاء فيها أن الموظف المرقى سوف يحصل على الأجر الوظيفى المقرر للوظيفة الجديدة ، أو أجره السابق مضافا إليها علاوة الترقية على أساس ” نسبة 2.5% من هذا الأجر الوظيفى ، وإن كان القانون ولا اللائحة التنفيذية تحدد هل هذا الأجر الوظيفى يمثل المرتب الأساسى مضافا إليه كل العلاوات الخاصة المضمومة فقط أو تلك المضمومة وغير المضمومة حيث يكون الفارق حوالى 100% من قيمة المرتب الأساسى فى 30/6/2015 . 

 • أما المادة (31) فقد منحت السلطة المختصة – التى تبدأ عادة من رئيس الهيئة أو المصلحة أو الوزير وما فوقه – سلطة نقل الموظف من وحدته إلى وحدة أخرى دون أن تضع أى ضوابط لهذه السلطة التى قد تستخدم فى العسف ببعض العاملين أو النقابيين أو غيرهم ، وحصرت سلطة نقل شاغلى الوظائف العليا فى يد رئيس الوزراء وهى أيضا نصوصا جديدة لم تكن واردة فى قانون العاملين السابق . 

 • فى حال غياب شاغل وظيفة عليا  منحت المادة (33) للسلطة المختصة صلاحية عدم التقيد بالأقدمية فى ندب من يشغلها وسمحت لهذه السلطة بأن تأتى بمن يحل محله . 

 • أما فى مجال الأجر الوظيفى فأن نص المادة (35) الذى أحال إلى الجداول الثلاثة المرفقة بالقانون يمثل إرتباكا ومحاولة للتهرب الحكومى من فكرة تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع العانصر الثلاثة التى على أساسها توضع الأوزان النسبية لأجر الوظيفة وهى : التأهيل العلمى والخبرة العملية والأقدمية ، فنجد أن الأجر الوظيفى لشاغلى الدرجة الثالثة التخصصية (أى حملة التأهيل العالى والجامعى ) يبدأ من 880 جنيها شهريا ، بينما شاغلى الدرجة الرابعة الكتابية والفنية (أى حملة المؤهلات المتوسطة)  يبدأ من 845 جنيها شهريا ، ثم يأتى شاغلى الدرجة السادسة من الخدمات المعاونة ( أى غير المؤهلين ) ليبدأ من 835 جنيها شهريا ، فعلاوة على أن هذا التدرج المالى للوظائف والدرجات المالية يفتقر إلى الموضوعية والعادلة ، فهو أيضا يتجاهل مطلب الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع مستويات معيشية مقبولة وإنسانية ، فضلا على أنه يتجاهل التفاوت الهائل القائم فعلا بين الجهات الحكومية المختلفة فى الأجر المكمل ، أى نظم الحوافز والمكافآت والأجور الأضافية وبقية عناصر الأجور المتغيرة ، ومن ثم فأن هذا النص لا يعالج قضية من أخطر وأهم القضايا المطلوبة من أجل إصلاح الإدارة الحكومية ، ألا وهى نظام أجور ومرتبات عادل ومتوازن . 

 • أحسن القانون فعلا فى نص المادة (36) حينما حدد العلاوة الدورية السنوية للموظف بنسبة 5% من الأجر الوظيفى بدلا من الوضع القديم الذى كانت تحدد فيه العلاوة الدورية بمبلغ مالى متدنى للغاية يبدأ من 2.5 جنيها شهريا ويصل فى أقصاها إلى 7 جنيهات . 

 • كما أحسن بتحديد نسبة العلاوة التشجيعية للموظف بنسبة 2.5% من أجره الوظيفى ( م 37) ، وإن كنا نفضل أن تزيد هذه النسبة إلى 5% على الأقل . كما لم يأت ذكر فى القانون لعلاوة غلاء المعيشة أو علاوة التضخم وإرتفاع الأسعار أسوة بما هو قائم فى النظم الأجرية الحديثة فى كثير من الدول المتحضرة . 

• كما جاء نصت المادة (38) على منح علاوة للموظف الذى يحصل على مؤهل أعلى أثناء الخدمة بنسبة (2.5% من الأجر الوظيفى ) ، وحصرتها فى المؤهلات فوق الجامعية . وأن كنا نفضل أن لا تقتصر على المؤهلات فوق الجامعية فقط ، وكذلك أن تزيد النسبة إلى 5% على الأقل تشجيعا للعاملين على تحسين مستواهم العلمى والمعرفى . 

 • ثم جاءت المادة (40) بنفس الآفه القديمة ووسائل الإلتفاف البيروقراطية المعهودة طوال ثلاثين عاما ، حيث نصت على إمكانية أن يقوم الوزير المختص بعرض نظام للحوافز والأجور الأضافية والمكافآت التشجيعية على رئيس الوزراء – وبعد موافقة وزير المالية مع إسقاط حق الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى هذا المجال وهو إختصاص أصيل له وفقا لقانون إنشائه – للموافقة عليه ، وهنا تأتى ثغرة إبليس التى من شأنها إعادة الكرة مرة أخرى وإستمرار سيرك الأجور والمرتبات فى أجهزة الحكومة ووحداتها قائما . 

• منح المادة (41) لرئيس الجمهورية سلطة أضافية تندرج فى باب المحسوبية والعلاقات الشخصية . 

• أما المادة (42) التى بدأت بتشجيع البحث العلمى والوعى التكنولوجى للعاملين بالحكومة ووحداتها فإنها إنتهت بما هو أخطر ، وهى جواز إنشاء صناديق خاصة وحسابات خاصة فى تلك الوحدات تتكون موارده من حصيلة إستغلال حق هذه الإختراعات والمصنفات ، ويكون الصرف منه طبقا للائحة المالية التى تضعها السلطة المختصة فى تلك الوحدة . وهنا مناط الخطر حيث أن ظاهرة الحسابات والصناديق الخاصة ظلت طوال أربعين عاما تمثل ركيزة من ركائز الفساد والتلاعب بالموارد المالية العامة . 

• أدخل القانون الجديد لأول مرة مبدأ المعاش المبكر ( 50 سنة فأكثر ) للموظف فى الجهاز الإدارى للدولة (م 67)  ، وهو شديد الضرر وإستمرار هذا النهج ضار جدا بفكرة حق العمل ، ووضع العاملين باستمرار تحت الإحساس بعدم الأهمية هو شعور يؤدى إلى خلق بيئة عمل غير إيجابية على الإطلاق . وفى نفس الوقت جاءت بالمادة ( 66) التى نصت على إمكانية مد الخدمة لمن بلغوا سن الستين لمدة أقصاها ثلاث سنوات بموافقة رئيس الجمهورية . 

 • تركت المادة (71) الفوضى المالية لسيرك الأجور المرتبات الراهن على ما هو عليه لحين إعادة تنظيمها بالتنسيق مع وزارة المالية فى حدود الإعتمادات المالية لكل وحدة إدارية ، وهى ثغرة خطيرة سوف تؤدى لا محالة إلى تخبط مالى وإدارى مربك ومحير . 

ثالثا : فى الأجازات ويضم أحدى عشرة مادة هى ( 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53)  . و السلوك الوظيفى والتأديب  ويضم أنتى عشر مادة هى ( 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63 ، 64، 65) ، وإنهاء الخدمة ويضم مادتين فقط هما ( 66، 67) .

تضمن هذا الجزء من القانون مجموعة من المبادىء الجديدة بعضها جيد والبعض الأخر سلبى جدا ويخل بالعلاقة بين الحكومة كصاحب عمل والعاملين لديها على النحو التالى : 

 • من الإضافات الجديدة والجيدة ما نصت عليه المادة (46) من أحقية الموظف من ذوى الإعاقة أجازة أعتيادية سنوية مدتها خمسة وأربعون يوما دون التقيد بعدد سنوات الخدمة ، خروجا على القواعد المعمول بها للفئات الوظيفية وفقا لفترات الخدمة ، وكذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (49) من حق الموظفة أجازة وضع لمدة أربعة شهور بحد أقصى ثلاث مرات طوال مدة عملها بالخدمة المدنية بدلا من ثلاثة شهور التى كان معمول بها فى القوانين السابقة ، فيما عدا ذلك فأن القانون قد جاء منتقصا من حقوق العاملين فى بعض المجالات . 

 • المادة (47) وتخلصا من عبء البدل الخاص برصيد الأجازات المجمع للمحالين إلى التقاعد الذى كان محل نزاع قانونى وحمل الحكومة والموازنة العامة بأعباء مالية جاء نص المادة ليمنع تماما حق الموظف أو الوحدة الإدارية بترحيل إجازات الموظف إلا لأسباب تتعلق بمصلحة العمل وفى حدود الثلث على الأكثر ، وهى إشارة لا تخطئها العين العاقلة فى توجيه معظم الوحدات الإدارية بمنع ترحيل تلك الأجازات فتسد بذلك ثغرة مالية كان المحالين إلى التقاعد يحاولون الاستفادة بها لتعويض تدنى معاشات التقاعد ومكافآت نهاية الخدمة ، والأرجح أن عملية الترحيل سوف تكون قاصرة على أجهزة القوة مثل الأمن ( وزارة الداخلية ) أو غيرها من الجهات المماثلة . 

 • بالنسبة للأجازات المرضية بأجر ، فوفقا للمادة (48) جرى التقيد فيها حيث نصت على أجر وظيفى كامل فى الثلاثة أشهر الأولى ، ثم 75% من الأجرالوظيفى فى الثلاثة أشهر التالية ، و50% من الأجر فى الستة أشهر التالية ( ترفع إلى 75% لمن يجاوز عمره الخمسين ) ، وهذا يخلاف القانون السابق الذى كان يعطى مدد زمنية أطول ، خصوصا وأن هؤلاء المرضى بقرار من المجلس الطبى هم من أصحاب الأمراض الكبيرة التى اصيبوا بها بعد التحاقهم بالخدمة المدنية . 

 •  أما فى السلوك الوظيفى والتأديب فقد أضافت المادة (54) مفاهيم ومصطلحات مطاطة وضارة ، مثل أن يلتزم العاملين بمدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص ، مع التشديد طبعا على حظر العمل السياسى داخل مقار العمل وهذا مفهوم أو جمع تبرعات أو مساهمات لصالح أحزاب سياسية ، والمشكلة ليست هنا بل فيما سوف يصدره الوزير المختص من مدونات وأخلاقيات غالبا مسكونة بالوضع السياسى الراهن . 

• توسعت المادة (57) فى سلطات النيابة الإدارية فى التحقيق وتوقيع الجزاءات إستجابة لمطالب هذه الهيئة القضائية . 

 • تشددت المادة (58) فى الجزاءات التى توقع على الموظف فبدأت بالإنذار وأنتهت سريعا إلى الإحالة إلى المعاش ثم الفصل من الخدمة ، أما شاغلى الوظائف العليا فقد بدأت بالتنبيه ثم اللوم وأنتقلت فورا إلى الإحالة للمعاش ثم الفصل من الخدمة ، وهى هنا كانت تحت تأثير المناخ السياسى العام السائد فى البلاد  حاليا .كما منحت المادة (59) السلطة المختصة والرؤساء المباشرين صلاحيات واسعة وغير معهودة من قبل فى توقيع هذه الجزاءات كل بحسب مستواه الوظيفى . 

• أضافت المادة (60) من القانون مبدأ جديدا وخطيرا إلا وهو وقف العامل أحتياطيا من جانب السلطة المختصة لمدة ثلاثة شهور إذا أقتضت مصلحة التحقيق ذلك ، والصحيح أن تظل هذه الصلاحية فى يد النيابة أو الجهة القضائية التى تمارس التحقيق مع الموظف ، حتى لا تتحول إلى إداة عسف وتصفية حسابات فى يد الوزير أو السلطة المختصة ، ولأن الإيقاف عن العمل بمثابة عقوبة فعلية قبل أن ينتهى التحقيق ، وكل من مارس العمل النقابى والعمل العام فى العهود السابقة يعلم تماما خطورة هذا المبدأ . وهذه أداة قاسية فى يد السلطة المختصة بكل ما تتميز به عادة فى مصر من تعسف فى إستخدام السلطة خاصة فى وجه معارضيها .

 وقد كانت هذه السلطة فى السابق من صلاحيات المحكمة التأديبية المختصة بما يصاحبه ذلك من أضرار مادية ومعنوية كبيرة ، وهنا إخلال جسيم بحق من حقوق العامل وحقوق الانسان .

 •  ويفسر هذا العنف البادى فى صلاحيات السلطة المختصة فى وقف العامل أحتياطيا لمدة ثلاثة شهور النص الوارد فى المادة (63) بعدم جواز ترقية الموظف الموقوف عن العمل ، ويصبح الموظف المعارض للسلطة المختصة ألعوبة فى يد هذه السلطة بأمكانية تجاوزه فى الترقية من خلال إيقافه عن العمل أحتياطيا وقبل حركة الترقيات المستحقة . 

 • وتضم المادة (64) أحكاما تحاول أن تحارب الفساد الصغير الذى يقع من موظف أيا كان مستواه حتى وكيل أول وزارة ، أما المتعلق منها بالوزراء ومن هم أعلى ، فلا يوجد حتى الأن أى نص يعالج جرائمهم ، بل على العكس ، يطالب البعض علنا بنسف حمامك القديم ، وأن يوقعوا ولا يخافوا ، وجمل تقال من الرئيس والإعلاميين التابعين للرئيس فى غاية الخطورة . أما المادة (65) فقد قررت إسقاط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظف بمضى ثلاث سنوات من تاريخ إرتكاب المخالفة ، وهى مده قصيرة حتى لو تعلل البعض ببساطة تلك المخالفات . 

 • وفى إنتهاء الخدمة ، فقد جاءت بالأحكام المعتادة فى هذه الحالات ، ولكن الفقرة الثانية من المادة (66) منحت لرئيس الجمهورية رخصة مد خدمة شاغلى الوظائف العليا لمدة ثلاث سنوات ، دون سقف ، لتتكرر مرة أخرى تجربة الرئيس الأسبق ، وتغلق الوظائف العليا أو جزء مؤثر منها على الحلقة الضيقة للنظام والحكم وشخصياته العليا . 

إدخال المعاش المبكر في الوظائف الحكومية 

 • أما المادة (67) فقد جاءت بسابقة غير معهودة فى تاريخ الوظيفة العامة فى مصر ،وهى جواز الإحالة للمعاش المبكر بعد سن الخمسين بطلب الموظف ، لتتكرر التجربة المؤلمة لشركات القطاع العام ، والتى أضافت للبطالة رافدا جديدا فى البلاد . وتسهيلا لذلك كرغبة ملحة من جانب الحكومة الحالية فى التخلص من عدد كبير من الموظفين منحت الفقرة الثانية من المادة هؤلاء إشتراكه الكامل فى التأمينات الاجتماعية أو خمس سنوات أيهما أقل .  

 • أما الأحكام الانتقالية التى تشملها المواد من (68) حتى (72) ، فأهم ما جاء فيها هو إلغاء وظيفة ( كبير باحثين / كبير إخصائيين / كبير كتاب )  والذين يعادلون درجة مدير عام من الجدول الوظيفى ، على أن يحتفظ أصحابها بوظائفهم بصفة شخصية لحين إنتهاء مدة شغلهم لها أو بلوغ سن التقاعد ( م 69) ، علما بأن هؤلاء يقاربون 800 ألف إلى مليون موظف فى الوقت الحالى . 

 • كما أحتفظ إصحاب اللوائح الخاصة والكادر الخاص بوظائفهم  ( مثل كادر الشرطة – والمخابرات – والقضاء – الكادر الجامعى والسلكين الدبلوماسى والقنصلى ) ، لم يقترب منهم أحد وكذا بجدولهم المالى  ونظم الحوافز والمكافآت والجهود غير العادية والأعمال الإضافية ( م 71)  بعد تحويلها من نسب مئوية – كالعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها – إلى مبالغ مقطوعة وفقا لما كان قائما فى 30/6/2015 . 

 • كما نصت المادة (72) على تحديث الوحدات الإدارية المخاطبة بأحكام هذا القانون هياكلها التنظيمية ، بكل ما يحمله ذلك من سيرك سوف ينصب فى الشهور القليلة القادمة . 

وهنا  لم يترك المشرع فى عهد الجنرال السيسى ، مجالا للقيود والتشدد إلا وأستخدمها ، ولم يجد منفذا أو ثغرة للتقليص من حقوق العاملين بأجر ومزاياهم إلا وأستعملها ، ولم يجد فرصة للفصل والتنكيل بمن تراه جهة الإدارة المهيمن عليها من أجهزة الأمن والمنظور الأمنى فى هذا العهد إلا وطبقها . 

وبالمقابل تسهيلات ومزايا مخلة بحقوق الخزانة العامة والمجتمع والدولة لصالح رجال المال والأعمال وما يسمى المستثمرون ، فهذه هى فلسفة التشريع فى عهد الجنرال السيسى .

ال

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *