القاهرة | تستمرّ الحكومة المصرية في تطبيق خطّة “صندوق النقد الدولي” لإصلاح الهيكل الاقتصادي بمزيد من خطوات رفع الدعم في موازنة العام المالي الجديد، التي بدأ العمل بها بداية الشهر الجاري، والتي تتضمّن إجراءات غير مسبوقة على عدّة مستويات، سيتمّ تطبيقها بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة كما جرت العادة في السنوات السابقة. وبخلاف الزيادات المُعلَنة والمجدولة سلفاً من قِبَل الحكومة في ما يتعلّق بأسعار المياه والكهرباء والمحروقات، يتمّ العمل، مِن خلف الستار، على تعديل قواعد بيانات المستفيدين من الدعم، والحدّين الأدنى والأقصى للأجور اللذين اعتُمدا أخيراً من قِبَل “المجلس القومي للأجور”. يعني ذلك، عملياً، التخلّي عن ملايين المواطنين خلال الشهور المقبلة، بتنقية البطاقات التموينية مِمَّن ترى الحكومة أنهم لا يستحقّون الدعم، استناداً إلى عدّة معايير من بينها الرواتب والضرائب المسدّدة عنها، وما إذا كانت لدى العائلة سيارة حديثة، بالإضافة إلى حجم استهلاك الكهرباء ومصاريف المدارس الخاصة.
وكانت الحكومة بدأت، قبل أكثر من 3 أعوام، بتطبيق هذه الخطّة على استحياء وبشكل تدريجي، معتمدةً على معيار المدارس الخاصة ذات المصاريف المرتفعة، لكن مع مرور الوقت أقرّت باقي الشروط التي استبعدت نحو 14 مليون مواطن من أصل ما يفوق 65 مليوناً يحصلون على الدعم المُقدّر على السلع بنحو 3.5 دولارات، بالإضافة إلى دعم على الخبز بواقع 5 أرغفة لكلّ مواطن يومياً، وهو ما تَقلّص قبل شهور بتخفيض وزن الخبز للإبقاء على سعره كما هو. لكن خطّة الحكومة التي تعرقلت في عام 2019 على خلفية تسريبات المقاول محمد علي، وتسجيلاته الصوتية عن إنفاق النظام ببذخ على مشاريع الجيش، عادت مجدّداً الآن، وبموافقة من الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصياً، على أن يجري الأمر بشكل تدريجي خلال نحو عامين. وترتبط الرؤية التي وافق عليها “الجنرال” بعدّة مسارات، على رأسها اثنان: الإبقاء على الدعم كما هو مالياً من دون تغيير للفرد الواحد، بما يضمن عدم زيادة المخصّصات المالية على رغم ارتفاع أسعار السلع؛ واتّخاذ مزيد من الإجراءات التي تُقصي أسراً وعائلات من دائرة الدعم شرط عدم اختيارها من أماكن واحدة في التوقيت نفسه، تجنّباً لإحداث حالة من الغضب الشعبي على غرار ما حدث في عام 2019.
وتشتدّ حاجة النظام، اليوم، إلى تخفيض فاتورة الدعم بغضّ النظر عن قيمتها، في ما يمثّل أحد اشتراطات “صندوق النقد الدولي” الذي سيَدخل النظام في مفاوضات جديدة معه للحصول على قروض يمكنها معالجة الخلل في الموازنة في السنوات المقبلة، نظراً إلى كثرة الديون التي يتمّ سدادها سنوياً من القروض السابقة. أمّا بخصوص تطبيق المعايير الجديدة، فلا يبدو أنه سيكون صعباً، في ظلّ وجود برامج مهمّتها جمع البيانات الخاصة بالمواطنين على شبكة واحدة، بحيث يمكن للحكومة معرفة ما يملكه المواطن وجميع تحرّكاته من وقت ولادته وحتى رحيله، وهي قاعدة البيانات التي اقتربت من الاكتمال تقريباً، وتتعاون فيها أجهزة الدولة كافّة، بما فيها الداخلية والمخابرات.