محمد سيف الدولة
دأب المتظاهرون الامريكان على رفع شعار حياة الزنوج مهمة، بعد كل اعتداء من الشرطة الامريكية على احد المواطنين الامريكيين من اصل افريقى مثل جورج فلويد وأمثاله.
ومن ناحية أخرى دائما ما تؤكد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبى على ان “من حق (اسرائيل) أن تدافع عن نفسها” مع كل صاروخ تطلقه المقاومة الفلسطينية فى مواجهة اعتداءات وقنابل ومذابح العدو الصهيونى على قطاع غزة.
واليوم ونحن نخاطب الراى العالمى ونفاوض المجتمع الدولى، بشأن المخاطر الوجودية التى تتهددنا من جراء سد النهضة، فانه يتوجب علينا أن نؤكد لهم بكل السبل واللغات والأدوات الناعمة والخشنة على أن”حياة المصريين ايضا مهمة”، وان “من حق مصر ان تدافع عن نفسها.”
***
هذا المجتمع الدولى:
لا نعلم على وجه التحديد ما هى الخطط والاستراتيجيات التى تتبناها السلطات المصرية لادارة ملف مياه النيل وسد النهضة، وما هى الحكمة والغاية من تصعيد الموضوع الى المجتمع الدولى ممثلا فى مجلس الامن “سئ السمعة”.
فها هم يجتمعون عن بكرة ابيهم، ويستخفون بالشكاوى والتحذيرات المصرية والسودانية الجادة والخطيرة، ويتجاهلون المعضلة الرئيسية فى مسألة السد، وهى المخاطر الوجودية على دولتى المصب المترتبة على الرفض الاثيوبى لتوقيع اى اتفاق ملزم، مع الاصرار على الملء بدون اتفاق وتنسيق مع دول المصب، الى آخر التصريحات الدائمة بأن النهر بحيرة اثيوبية، وعدم الاعتراف بأى حقوق او حصص تاريخية مصرية او سودانية فى مياه النهر.
وبدلا من اجبار او حتى توصية الاثيوبيين بالتوقيع والالتزام بالمواثيق الدولية المنظمة للأنهار الدولية المشتركة العابرة للحدود، تبارت الغالبية العظمى من اعضاء المجلس الدائمين والمؤقتين، باطلاق تصريحات عامة ومرسلة لا تمس صلب المشكلة، وتساوى بين الاطراف الثلاثة ولا تفرق بين المعتدى وبين الضحايا، فتحثهم جميعا على العودة الى المسار الذى ثبت فشله مرارا وتكرارا تحت ادارة الاتحاد الافريقى، مع توجيه طعنة غدر اضافية لمصر صدرت هذه المرة من روسيا وليس من الولايات المتحدة، وهى رفض أى تلويح باستخدام القوة! فى شبه توافق دولى على دعم الموقف الاثيوبى ومباركة الحصار المائى العدوانى المزمع فرضه على مصر والسودان.
***
لتجد مصر مرة أخرى مصيرها يقرره آخرون غيرها، معادون لها أو متربصون بها، مثلما حدث معنا عام ١٩١٩ حين قام مؤتمر الصلح بين المنتصرين فى الحرب العالمية الاولى، بخذلان مصر وطعنها فى ظهرها حين اعترف بالحماية البريطانية على مصر.
وايضا حين رفض مجلس الامن عام ١٩٦٧ اصدار قرار بالانسحاب غير المشروط لقوات الاحتلال الاسرائيلية من سيناء.
والقائمة تطول مصريا وفلسطينيا وعربيا.
فلماذا لم نتعلم الدرس بعد مائتى عام من غدر الغرب الاستعمارى ومجتمعه الدولى، من انهم لن ينصفونا ابدا، بل سيتآمرون علينا على الدوام.
***
ان هذا النظام المسمى بالدولى هو نظام معادى لبلادنا، والتنظيمات الدولية كالامم المتحدة هى ادوات وظيفية لتثبيت واحكام الهيمنة الغربية على العالم، وكل القوى الكبرى المتنفذة فى العالم قوى استعمارية لا استثنى منهم احدا خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.
فما ان تتعرض اى بلد من بلادنا الى مخاطر وتهديدات خارجية تحتاج الى تدخل أو حماية دولية، الا ويسيل لعاب كل الاشرار الدوليين كبارا وصغارا، لاستغلال الفرصة والظروف فيقدمون للضحية قوائم من المطالب والشروط مقابل دعمهم ومساعداتهم فى هذا الملف او غيره.
***
لا امل لنا فى أزمة سد النهضة او فى غيرها، الا بخلع أثواب الخضوع والتبعية التى ألبسونا اياها بعد حرب 1973، ومعاملتهم بالمثل وقلب المائدة فوق رأس الجميع، والتهديد بضرب مصالح اى دولة كبرى او صغرى لا تدعمنا فى قضايانا، ملتحفين بارادة شعوبنا وكل الاحرار من شعوب العالم.
ومن حسن حظنا ان مصر بفضل مكانتها وموقعها فى المنطقة، تملك مئات من الاوراق التى يمكن ان ملكت ارادتها الحرة وقرارها المستقل ان تضغط بها على اكبر شنب دولى فى العالم.
*****
القاهرة فى 10 يوليو 2021