تأتمن الأمم والشعوب أنظمتها الحاكمة مهما كانت طبيعتها السياسية أو تركيبتها الاجتماعية أو انحيازاتها الاقتصادية أو انتماءاتها الثقافية على رعاية المصالح العليا للوطن، أرضا بحماية حدوده والحفاظ على وحدته الجغرافية وأمنه القومي، وشعبا بالحفاظ على وحدته وصلابته . وما عدا ذلك مئات بل آلاف التفاصيل والمهام والأهداف توكل إلى مؤسسات الدولة ، تعمل على إدارتها بما يحقق مصالح الوطن والمواطن، بدءا من حماية الحدود وصولا إلى إشباع إحتياجات كل أفراد الشعب. ولذلك تحرص الدساتير أن يقوم الحاكم العام للدولة بالقسم على الحفاظ على المصالح العليا للوطن، هكذا جملة واحدة لا تحتاج تبريرا لوجودها ولا تفسيرا ولا تفصيلاً، فهى أشمل من أن يتم تفسيرها. ولكل أمة خصوصيات تتميز بها عن غيرها ولا تمتاز، ومن ثم تتعدد المصالح العليا وتشترك في متشابهات وتفترق عند الخصوصيات، فمثلا في مصر يمثل نهر النيل شريان حياة بمعنى الكلمة ودون أى مبالغة للمصريين، ولذلك له في قلب التاريخ وقبلها الحغرافيا بطبيعة الحال مكانة متميزة تجعله واحد من أهم المصالح العليا للوطن، كذلك التركيبة الفريدة للشعب المصري الذي حولته في عملية تاريخية بطيئة وهادئه من القبطية إلى الإسلام ، مما يجعل الحفاظ على الوحدة بين الأقباط والمسلمين أهمية كبرى،
وتصبح هذه الوحدة أحد أهم المصالح العليا للوطن. أما عن قضية الصراع العربي الصهيوني فحدث ولا حرج، فهى بالفعل كما قال جمال عبدالناصر قضية وجود وليست قضية حدود، مما يجعلها دائما هى بؤرة الرعاية والاهتمام، نظرا لما تمثله من خطورة بالغة على حق وجود الأمة العربية وتكامله ووحدته وتطوره، وبالتالي فالقضية الفلسطينية هى المصلحة العليا المصرية الأولى على جدول أعمال الشعب العربي المصري وقيادته، أيا كان توجهها وانحيازاته الاجتماعية والاقتصادية. مما تقدم فإن أى اجتراء أو إهمال أو اعتداء على تلك المصالح العليا للوطن سواء بقصد مبيت أو بحسن نية ناتجة عن جهل أو عدم اكتراث أو عدم تقدير لأهميتها يستلزم تقديم كل من فعل أو ساعد أو شارك في إسقاط المصالح العليا للوطن إلى القضاء بتهمة الخيانة العظمى. وإني أتهمالنظام الحالي بتفريطه في ملف نهر النيل في مواجهة سد النهضة الأثيوبي، وانحيازه للعدو الصهيوني وتلبية طلبات تأمين سيناء، وإعلانه أنه لابد من حماية الدول المجاورة في إشارة لا تقبل اللبس إلى الكيان الصهيوني، واعترافه بأن معاهدة كامب ديفيد في وجدان كل مصري، وهو كذب،
وإلإعلان عن ضرورة توسيع نطاقها وإدخال أقطار عربية لها، مع ما يدركه كل عربي من الخطورة الاستراتيجية وقدرتها على تخريب الثوابت الوطنية بل وتخريب الأساس (الوجودي) بالمعنى الفلسفي للكلمة لهذه الأمة العربية المستباحة، وكذلك التصريحات الفجة عن العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من التناقض البين والواضح في الاستهدافات الاستراتيجية للبلدين. إني أتهم النظام القائم وكل مؤسساته وكل شركائه بمحاولة تغيير العقيدة الوطنية وتحويل وجهتها العربية والتحالف مع أعداء الأمة العربية، والاشتراك في تخريب وحدتها بل وجودها أصلا. هذا بلاغ للناس وللتاريخ وللنائب العام إذا كان في مصر مازال نائبا عاما عن الأمة.