ضرورة وطنية قومية لا غنى عنها
بقلم :ــ أحمد عزت سليم
عضو إتحاد كتاب مصر
تشهد تطورات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحولات متزايدة وفائقة داخل كافة المجتمعات العالمية ونحو التمكين فى كافة المجالات بكل تنوعاتها الأفقية والرأسية والفردية والجماعية والمجتمعية والمؤسسية وبما توفر هذه التطورات الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فوائد هائلة من خلال تحسين الكفاءات والفعالية في تقديم الخدمات ، توفير التكاليف ، تحسين الإنتاجية ، الشفافية فضلا عن المساءلة ، وكما تبرز البنى التحتية الرقمية باعتبارها العمود الفقري لإقتصاد ناجح ، ومجتمع بحثي نابض بالحياة ، ودولة شفافة بالإضافة إلى مجتمع حر .
ومن هذا المنطلق يحتل الأمن السيبراني عالميا الآن مركز الصدارة في ضمان حماية وجود البنية التحتية الحيوية من خلال التقييم المستمر للمخاطر ، والوضع المناسب للتخفيف منها ، وخلق التعاون المناسب طبقا للسياسات الوطنية في الوقت والمكان المناسب وبالقدرات الفعالة في مجال الأمن السيبراني ، والمصحوبة بالوعي بالأمن السيبراني ، ومن هذا المنطلق تتحدد عالميا الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني بإنشاء بيئة تشغيلية مرنة وآمنة وآمنة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلى كافة مستوياتها والتى تبدأ من أفراد الجمهور والصناعة والشركاء المحليين والدوليين والقطاع الخاص والحكومات وكافة أجهزتها ومحتويات بنيتها التحتية والتنظيمية والأفقية والرأسية على كافة مستوياها المحلية والقومية وبما يؤدى إلى والمشاركة والمساهمة في قوة وتقدم وترابط المجتمع ، وفى إطار هذا الإعتماد تزايدت المخاطر والتهديدات والهجمات السيبرانية وصولا إلى الجرائم السيبرانية ، مما تطلب ضرورة وضع سياسات وطنية إعتمادا على تحديد الأمن السيبراني كمسألة حرجة باتخاذ إجراءات استباقية إعتمادا على نهج سيبرانى منهجى شامل وواسع النطاق لضمان التقييم المستمر للمخاطر وتنفيذ إجراءات الحماية والتخفيف ورد الهجمات والتعديات والإختراقات السيبرانية والتهديدات وصولا إلى إيقافها والوصول إلى مرتكبيها ، وتأكيد الثقة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبما يحقق الأمن الوطنى السيبرانى .
وكما أكد تقرير شركة AON العالمية لإدارة وقياس وتقييم المخاطر والمجازفة Risk Management وتطوير إستراتيجيات إدارتها وتجنبها وتقليل آثارها السلبية ووصولا إلى قبول بعض أو كل تبعاتها ” 2015 “Global Cyber Impact Report والذى أجراه اجراها معهد بونيمون Ponemon Institute ، فقد أكد التقرير أن الفضاء السيبرانى هو احد أسرع الاخطار نمواً بالشركات حول العالم وتشمل هذه الاخطار تأثير تقدم تكنولوجيا المحمول mobile technologies والحوسبة السحابية Cloud Computing وتحليلات البيانات الكبيرة وانترنت الاشياء وذلك علي نطاق واسع ، وأكد التقرير أن :ـــ
1 ـــ حوالي 37% من الشركات التي تم اجراء مسح عليها بالتقرير تعرضت لمواد تخريبية أو تعطل بنظام الامن أو خرق للبيانات مرة أو أكثر من مرة خلال العامين الماضيين.
2 ـــ متوسط الاثر الاقتصادي للحدث وصل الي 2.1 مليون دولار أمريكي هذا مع العلم ان نطاق المقارنة كان ما بين صفر دولار امريكي و 200 مليون دولار أمريكي.
ومن منطلق هذه الخطورة أصبح عالميا الأمن السيبرانى الوطنى ضرورة وطنية قومية لا غنى عنها مع تسييد الاستخدام الواسع النطاق لأنظمة تكنولوجيا المعلومات ومن الإستخدام الشخصي إلى الإستخدام المؤسسى العام الحكومى والخاص ووصولا إلى الإعتماد الكامل والكلى على هذه الأنظمة ، ومع الفرص التي توفرها البنية التحتية السيبرانية وتطوراتها التقنية المتواصلة على كافة المستويات الفردية والمؤسسية تأتي المخاطر المتواصلة والمتجددة بمرور الوقت ، فبينما استندت التهديدات الإلكترونية الأولى على النكات والشهرة والدعايات المضادة للأفراد والأنظمة والمؤسسات بمختلف نوعياتها ومستوياتها الأفقية والرأسية ، ظهر القراصنة المدفوعون بالمقابل المادى فى كافة هذه النوعيات والمستويات ووصولا إلى إستخدام الدول لآليات الفضاء السيبرانى كنوع من الوصول والسيطرة الفكرية والدعائية وإلى سيطرة القوة العسكرية ، وبمخططات إستراتيجية ممنهجة للتعامل مع تحديات ومخاطر المجال السيبراني واستغلال فرصه ، وبما يؤدى إلى إعتبار الأمن السيبرانى كجزء لا يتجزأ من الأمن الوطنى القومي والتنمية الإجتماعية والاقتصادية ، وبإعداد استراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية المدمجة في استراتيجيات الأمن القومي للحماية الوطنية من المخاطر واستغلال الفرص في هذا المجال المتطور بقوة تقنية متواصلة .
وقد تزايدت أهمية الحفاظ على الأمن السيبرانى الوطنى بقوة واسعة النطاق فى إطار الحرب السيبرانية بكونها حرب حقيقية مضاعفة للقوة وخاصة قبل الحرب العسكرية الحقيقة وكمثال الحرب السيبرانية بين روسيا وإستونيا عام 2007 وبين وجورجيا عاك 2008 بالهجمات على البنى التحتية للمعلومات الحيوية بقطع الإنترنت ، وفى عام 2010 استخدمت دودة Stuxnet والتى تعابر أول سلاح إلكتروني معروف يستهدف أنظمة SCADA للبنى التحتية للمعلومات الحيوية مباشرة وإستخدمت فى إستهداف في منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية في ناتانز.
يعتمد الفضاء السيبرانى الوطنى وبما يشمل قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على البنية التحتية للمعلومات الحيوية (CII) التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت أو غير ذلك ، والتى تتجاوز أيضًا الحدود الإقليمية ، ومما يجعل حماية هذه البنية التحتية أكثر تعقيدًا ، وحيث ان هذا التجاوز الإقليمى يجلب أطرافًا ثالثة بأشكل متعددة بداية من دول أخرى أو قوى معارضة أو قوى رأسمالية متنافسة فردية أو مؤسسية أو جماعات أو أفراد يحترفون الجريمة الإليكترونية ، والأنشطة والتهديدات السيبرانية مثل غسيل الأموال والخداع عبر الإنترنت والقرصنة والبرامج الضارة والفيروسات والديدان وسرقة الهوية والاحتيال والرسائل الإقتحامية ، وفى إطار فاعليات برمجية سيبرانية تناولتها بقوة مخصصة مؤسسات مختلفة وجماعات وأفراد على كافة المستويات فى العالم ، ومما أدى إلى حقيقة واقعية مؤكدة بأن الأمن السيبرانى أصبح ضرروة وطنية وتحد عالمى ووطنى وبالتالى تطلب ذلك بناء الثقة على كافة المستويات العالمية والقومية والمحلية وإتخاذ الإجراءات الوطنية لهذه المستويات للحفاظ على الأمن الوطنى وبناء ثقة الجمهور والثقة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلى المستوى العالمى بين دول العالم .