
لم أرى أي تعليق بخصوص البيان الخطير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الجمعة الماضي (21/5/14)، حول نتائج زيارة مبعوثها الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، إلى مصر والسودان وإثيوبيا.
حيث قالت الخارجية الأمريكية في البيان، أن فيلتمان ناقش مع قادة مصر والسودان وإثيوبيا استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي بناء على إعلان المبادئ الموقع عام 2015، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ملتزمة بتقديم الدعم السياسي والفني لتسهيل التوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات.
إن البيان الأمريكي يطابق المطالب الاثيوبية بنسبة تكاد تكون مائة بالمئة، حيث تظل المفاوضات تحت الاتحاد الافريقي وتكون مرجعيتها إعلان المبادئ الموقع عام 2015، ذلك الاعلان الذي منح موافقة دولتي المرور المصب، مصر والسودان، على سد الخراب الاثيوبي، المعروف باسم سد النهضة، بدون أي ضمانات حقيقية وقانونية في حصتهم العادلة والمشروعة والتاريخية لمياه النيل.
وهكذا فإن عرائض التذلل العلنية للامريكي والتي جاءت على هيئة مقالة للسفير المصري في واشنطن نشره بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية بعنوان “وحدها واشنطن تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن”، وتحدث فيها عن ضرر اجتماعي واقتصادي وبيئي لا يحصى في اتجاه مجرى النهر في مصر والسودان إذا تم ملء وتشغيل السد من جانب واحد (اثيوبيا)، وضعتها الولايات المتحدة تحت حذائها، واملت مطالب الطرف الاثيوبي بشكل كامل على مصر والسودان!!
لكن الصدمة والرعب جاءت مرة أخرى من الإدارة المصرية نفسها، حينما صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري بتصريحه بتاريخ 21/5/18 بأن “مصر لديها ثقة بأن الملء الثاني للسد لن يكون مؤثرا على المصالح المائية المصرية، وتستطيع مصر أن تتعامل معه من خلال الإجراءات المحكمة في إدارة مواردنا المائية، وأن أي تفاقم للوضع هو مرتبط بوقوع ضرر”..!! بذلك التصريح يمسح سامح شكري كل ما عدده السفير المصري بواشنطن عن الضرر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في مقالته، فها هي مصر تصرح بقدرتها على تحمل تلك الاضرار..!!!! مع محاولة تغطية مرارة الاستسلام، حتى قبل بدأ المفاوضات، أمام اثيوبيا، بإلحاق هذا التصريح القاتل بحديث عن أن مصر لن تدخر أي جهد في الدفاع عن مصالحها المائية واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة للحفاظ على هذه المصالح وضمانها. فما هي هذه المصالح وحدودها، لا أحد يعرف..!!!! وما هي الاجراءات التي يمكن أن تتخذها مصر ساعتها، هل تكون مثلا تسليم السفير الاثيوبي رسالة احتجاج شديدة اللهجة؟؟؟؟!!!!
ففي العموم أحرق سامح شكري أكثر من ثلاثة أرباع اوراق المفاوض المصري، قبل أن حتى تبدأ المفاوضات، بتصريحه هذا، الذي هو بالتأكيد يأتي كخضوع تام للأمريكي، واستسلام شامل لما جاء في بيان وزارة خارجيته..
كثير من المراقبين والمحللين يشرون إلى أن اثيوبيا نفسها ليس لها علاقة بسد النهضة، ويدللون على ذلك بغياب أي بنود مخصصة لهذا سد، بل وسدود اثيوبية أخرى، في الميزانيات المعلنة فيها لسنوات متتالية..!! وبذلك يكون الممول الحقيقي لهذا السد هو البنك الدولي. فهو الطرف المتهم بالتورط في تمويل السدود الكهرومائية الضخمة في إثيوبيا بطرق ملتوية. لذلك فإن كل الاطراف التي ساهمت في تمويل سد النهضة هي فعلت ذلك مدفوعة من البنك الدولي، والبنك الدولي المعروف بتبعيته بشكل كامل للولايات المتحدة الامريكية. فهل عرفنا الان من هو المالك والمشغل الحقيقي لسد الخراب..!!!!
كان وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي قد استطاع، عبر حملة دبلوماسية نشطة وفعالة، وقف جميع تمويلات سد النهضة، ولكن تمت اقالته في يونيو 2014، وبعد ذلك وقع الرئيس السيسي اعلان المبادئ في 2015، لتعطي الدولة المصرية لأول مرة الشرعية الكاملة لسد النهضة بدون أي ضمانات قانونية وحقيقية لحصتها التاريخية في مياه النيل. وبذلك يكون الرئيس السيسي هو المساهم الأول والاساسي في اكتمال هذا السد، الذي يشكل محبس على أحد أهم منابع النيل وسيف مسلط فوق رقبة مصر.. والظاهر أن ذلك كان ومازال لترضية الامريكي….
.