الرئيسية / حوارات ناصرية / بعد مرور نصف قرن على انقلاب مايو 1971:كيف نجح السادات في القضاء على رجال عبد الناصر؟

بعد مرور نصف قرن على انقلاب مايو 1971:كيف نجح السادات في القضاء على رجال عبد الناصر؟

حمادة إمام يجيب على السؤال:بعد مرور نصف قرن على انقلاب مايو 1971:كيف نجح السادات في القضاء على رجال عبد الناصر؟
 
كان الغرض من تقديم الاستقالات الجماعية مساء يوم13مايو1971وإذاعتها على الجماهير قبل أن تُقدَّم إلى رئيس الجمهورية –كما ذكر السادات- هو أن يحدث انهيار دستوري فى البلاد وأن تخرج المظاهرات الضخمة فى صباح اليوم التالى والتى سوف يحركها الاتحاد الاشتراكى كى ترهب رئيس الجمهورية وترغمه على التنحى عن منصبه أى إعادة الوزراء المستقيلين وبذا تنتهى معركة الصراع على القوة ويحسم الوضع لصالح الجماعة التى أعلنت انشقاقها على رئيس الجمهورية.
ولكن السادات تصرف إزاء الموقف الخطير الذى يواجهه تصرفًا سريعًا ففى أقل من نصف ساعة استدعى محمد عبدالسلام الزيات وزير الدولة لشئون مجلس الشعب وكان قد تعين فى هذا المنصب منذ أيام قليلة وطلب منه التوجه فورًا إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون وممارسة عمله هناك بصفته وزيرًا للإعلام وكانت فصيلة من الحرس الجمهورى بقيادة أحد الضباط قد أرسلها اللواء الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون المطل على النيل حيث ضربت نطاقًا من حوله وتمركز أفرادها وراء أكياس الرمل الموضوعة حول المبنى.
…………………….
 
رتب مستشارو السادات الاتهامات بطريقة تقود المتهمين الستة الأوائل من الوزراء إلى حبل المشنقة وهم: شعراوى جمعة سامى شرف محمد فائق (الإعلام) محمد سعد زايد (الإسكان) حلمى السعيد (الكهرباء) وعلى زين العابدين صالح (النقل)؛ فقد نسب إليهم ارتكاب جريمة الخيانة العظمى بأنهم اقترفوا جرائم تمس سلامة الدولة وأمنها الداخلى ونظام الحكم الجمهورى:
أولا: وضعوا مخططًا لتعطيل أحكام الدستور والإطاحة برئيس الجمهورية وتعطيل المؤسسات السياسية وتشكيل مجلس للرئاسة من بعض أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى يرأسه المتهم محمد فوزى بوصفه وزيرًا للحربية والقائد العام للقوات المسلحة لتولى سلطة الحكم فى البلاد. وقد حاولوا تنفيذ هذا المخطط بالقوة!
وقد اتفق هؤلاء المتهمون مع وزير الحربية على تحريك بعض الوحدات فى توقيت معين وقد أمر الوزير برفع درجة استعداد هذه الوحدات فى الفترة من 26 أبريل إلى 13 مايو كما حركوا التنظيم السياسى الوحيد فى البلاد وأمروا بتوزيع منشورات معادية لرئيس الجمهورية وإثارة المظاهرات ضده.
ثانيًا: استقال عدد من المتهمين من وزراء وكبار المسئولين فى التنظيم السياسى ردًا على قرار رئيس الجمهورية بإعفاء شعراوى جمعة من منصب وزير الداخلية وتآمروا مع وزير الإعلام محمد فائق على إذاعة هذه الاستقالات الجماعية قبل عرضها على الرئيس وقد أذيعت بالفعل بعد تغيير برامج الإذاعة المعتادة بأناشيد حماسية وبرامج وطنية (لم يكن للتليفزيون وقتها تلك السطوة الهائلة).
وقد عمدوا بأفعالهم تلك إلى إحداث البلبلة وإثارة الفتنة بين الجماهير والإيهام بانهيار نظام الحكم فى البلاد حتى تتمكن قيادات التنظيم السياسى من تحريك الجماهير ولخلق ذريعة أمام وزير الحربية للزج بالقوات المسلحة فى الأحداث.
………
أصدر السادات قرارًا بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة معارضيه من: حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب رئيسًا والمستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة الدستورية العليا وحسن التهامى مستشار رئيس الجمهورية. ومثل الادعاء الدكتور مصطفى أبوزيد فهمى المدعى العام الاشتراكى.
وقد استغرقت جلسات المحاكمة 33 يومًا. وأصدرت المحكمة أحكامها فى 9 ديسمبر 1971 ونفذت دون أن تذاع أو تنشر حيثياتها لا وقتها ولا بعد ذلك واكتفت المحكمة بإصدار كتيب سرى تضمن أسباب الحكم التى جاءت فى 554 صفحة من القطع المتوسط عنوانه: «محكمة الثورة- الدائرة الأولى- حكم محكمة الثورة فى قضية الجنايات رقم 1 لسنة 1971- المدعى العام الاشتراكى المتهم فيها شعراوى محمد جمعة وآخرون.
…………………………………………………………………………………………
وإذا كان السادات قد نجح فى تأمين الجبهة الخارجية فكان عليه أن يبحث عن تيار يستطيع أن يواجه إمكانية تحرك المؤيدين لأفكار عبد الناصر وكان التيار الوحيد الذى يستطيع السادات أن يعتمد عليه هو التيار الإخوانى الذى فرت عناصره القيادية إلى الخارج وإن كانت جذورها ما زالت موجودة تحت الأرض. بالإضافة إلى أن هذا التيار يحمل ميراثًا عدائيًا مع الناصريين وأن الصدام بين التيارين من شأنه أن يؤمن الجبهة الداخلية ويضمن على الأقل فى ظل عدم تحرك إسرائيل فرصة للسادات لإقامة شرعية جديدة وبدأ السادات رحلة الاتصال لإعداد اتفاقية مع قيادات الإخوان المسلمين.
وبدأ الاتصال بالعناصر الإخوانية من خلال الملك فيصل بالخارج ومن الداخل عثمان أحمد عثمان والدكتور محمود جامع حيث سافر الاثنان إلى السعودية. وتحددت ليلة القدر لعقد اتفاقية عودة الإخوان. وبدأت عقب صلاة العشاء تحت نقطة الإذاعة وعلى يسار الحجر الأسود وعلى يمين حجر سيدنا إبراهيم وحضر من قيادات الإخوان الدكتور سالم نجم ومن الكويت عبد الرؤوف مشهور وعبد المنعم مشهور والدكتور يوسف القرضاوى والدكتور أحمد العسال. وبعد لقاء امتد قرابة ساعتين وضعت شروط الصلح وتضمنت عدة نقاط أساسية تتلخص في: الإفراج عن جميع المساجين والمعتقلين من الإخوان والسماح للهاربين بالعودة وإسقاط الأحكام الصادرة ضدهم وإعادة الجنسية لمن سحبت منه.
الشروط الإخوانية السابقة نقلها عثمان والدكتور محمود جامع إلى السادات وكان السادات يعتبر تنفيذها فى وقتها صعبة إلى حد ما وتتطلب أولا التخلص من العناصر الناصرية والشيوعية المتشددة والتى تمثلت فى على صبرى وشعراوى جمعة اللذين كانا يخشاهما السادات.
…………………………………………………..
وبينما كان السادات ينتهى من الوجود الروسى بتنسيق مع السعودية ومباركة أمريكية كان هناك خط آخر مواز يمشى فيه السادات بالاتفاق مع السعودية إعادة قيادات الإخوان من الخارج.
وإعداد جيل من العناصر الإخوانية تعطى السادات شرعية فى الحكم. ففى صيف 1971 نجح الملك فيصل فى أن يرتب اجتماعًا بين السادات ومجموعة من قيادات الإخوان المسلمين المقيمين بالخارج. هذا الاجتماع عقد فى استراحة السادات فى (جانا كليس) بالإسماعيلية فى إطار من السرية التامة ولم يعلم به إلا الدكتور محمد جامع وعمان أحمد عثمان والملك فيصل والذى تعهد للقيادات الإخوانية بتأمين دخولهم وخروجهم من مصر.
وبدأ الاجتماع بكلام السادات والذى أكد فيه للقيادات الإخوانية أنه يواجه نفس المشاكل التى يواجهها الإخوان من الناصريين والشيوعيين وأنه يشاركهم أهدافهم فى مقاومة الإلحاد والشيوعية.
وعرض السادات فى نهاية الاجتماع على قيادات الإخوان تسهيل عودتهم إلى النشاط العلنى وعقد تحالفًا معهم فى السياق ذاته كانت طلبات قيادات الإخوان من السادات إظهار حسن النوايا وجدية العرض.
وأن ذلك مرهون بالإفراج عن كافة الإخوان المسجونين وإسقاط الأحكام على الهاربين وقد وافق السادات على الطلبات الإخوانية ووافق الإخوان على عقد تحالف إخوانى ساداتي.
ولتأكيد مباركة السعودية للاتفاق فقد قام الملك فيصل بتقديم منحة قدرها 100 مليون دولار إلى الأزهر دفع منها 40 مليون دولار تخصص لقيادة حملة ضد الشيوعية والإلحاد.. وبوصول دولارات الملك فيصل وبموافقة السادات والإخوان انطلق الطرفان فى تنفيذ شروط الاتفاق وكان البادئ بالتنفيذ الذى تمثل فى اففراج عن العناصر الإخوانية وإصدار تعليمات إلى الأجهزة الأمنية بوقف كافة أعمال المراقبة والرصد. وفقًا للتقارير الأمنية فى ذلك الوقت فإن السادات كان يؤمن فى تأسيس شرعيته فى الحكم من إحداث نوع من التوازن داخل الشارع المصرى من خلال الصراع بين اليسار والإخوان. وأن استمرار الصراع بين الطرفين هو الضمان الوحيد لبقائه فى الحكم.
وكانت الجامعات المصرية هى الساحة التى طبق فيها السادات نظريته فى الحكم باعتبارها مصنع المستقبل وأن السيطرة على الحركة الطلابية تضمن له عدم إثارة مظاهرات داخلية فى وقت كانت السعودية تجرى اتصالاتها مع الأمريكان للضغط على إسرائيل وذلك لضمان عدم قيام إسرائيل بأى مغامرة على الجبهة المصرية تهدد مخطط السادات فى القضاء على رجال عبد الناصر وتأسيس شرعية جديدة وخلال الفترة من 1971 وحتى نهاية السبعينيات انطلق السادات والإخوان كل فى طريقه لتنفيذ مخططه..
………………………………………….
المصادر :عرفت السادات محمود جامع
خريف الغضب :محمد حسنين هيكل
من قتل الليثى ناصف: عادل حمودة
البحث عن الذات: انور السادات
انقلاب مايو :عبد الله إمام

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *