الرئيسية / كتاب الوعي العربي / أحوال مصرية وإقليمية لا تسر أحدا! – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

أحوال مصرية وإقليمية لا تسر أحدا! – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

رأ ع

يبدو أن موضوعنا هذا الأسبوع يتجه وجهة أخرى، لها علاقة بوصول المبعوث الأمريكي لشؤون القرن الإفريقي جيفري فيلتمان، الذي بدأ زيارة لمصر وينتقل لإريتريا وإثيوبيا والسودان؛ في مهمة حددها بيان وزارة الخارجية الأمريكية الصادر يوم الإثنين الماضي (03/ 05/ 2021)؛ تتعلق ببحث «تسوية سلمية» في القرن الإفريقي، والزيارة مقررة في الفترة من 4 إلى 13 أيار- مايو الجاري، وجاءت في أجواء زادت فيها تحذيرات السودان ومصر من الموقف الإثيوبي، وتعنته وإصراره على استكمال الملء الثاني للسد خلال موسم الأمطار، الذي يقترب مسرعا خلال أسابيع.
وما زالت إثيوبيا ترفض أي اتفاق يلزمها بعدم الإضرار بمصالح دولتي المصب؛ السودان ومصر، وكثفت أديس أبابا جهودها لحبس مياه النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل، ومنعها من الوصول لدولتي المصب، وأسقطت إثيوبيا عمدا اتفاقيات تاريخية وحقوقا مشروعة كفلها القانون الدولي، وحق الوجود الواجب في علاقة التعاون بين الدول المتشاطئة، وليس العداء الذي أظهرته إثيوبيا ضد شريكتيها.
ومع قناعتي شبه التامة بعدم جدوى الوساطة الأمريكية، فقد تُستغل لإضاعة مزيد من الوقت، ولتعقيد الموقف، وبدا ذلك جليا بإقدام إثيوبيا على تجفيف المعبر الأوسط للسد، واستئناف تعليته، وصب الخرسانة المطلوبة للملء الثاني في 2 تموز- يوليو المقبل؛ بدء الفيضان، وإذا كانت الوساطة الأمريكية قد رفضتها إثيوبيا في السابق، فما هي الأوراق أو الحوافز الجديدة التي تؤدي لنجاحها هذه المرة؟، وهو أمر مشكوك فيه، وقد لا تستطيع إنتزاع فتيل الحرب المشتعل.
وإذا ما دققنا النظر نجد إثيوبيا هي من أعلنت الحرب الفعلية على دولتي المصب، وتضخم لديها الإحساس بقدرتها على الاستئثار وحدها بمياه النيل الأزرق، وهو ما جعل جدوى استئناف أي مفاوضات معدومة، ولم يكن ذلك خافيا طوال سنوات عشر مضت؛ غابت فيها أي مؤشرات أو دلائل عن مرونة أو رغبة إثيوبية للقبول بأي وساطة من البداية، وجعلت من السد ورقة في الصراعات الإثيوبية الداخلية، وفي الانتخابات المقررة في يونيو القادم (2021) وقد تفضي إلى اختيار رئيس وزراء جديد.
ومن اللافت أن واشنطن وقعت مع مصر معاهدة جديدة؛ بمسمى «مذكرة تفاهم» لوجستية عسكرية متبادلة؛ في 27 من إبريل الماضي (2021)؛ وقعها الجنرال جيفري دروشال، مدير القيادة المركزية الأمريكية للخدمات اللوجستية (الإمداد والتموين والخدمات الميدانية) واللواء محمد صلاح مساعد وزير الدفاع المصري للشئون الدولية؛ بحضور جوناثان كوهين سفير الولايات المتحدة بمصر، وجنرال مارك دبليو جيليت الملحق العسكري الأمريكي بالقاهرة، ولفيف من العسكريين المصريين.
ونصت مذكرة التفاهم (المعاهدة) على تقديم الخدمات والتدريبات المشتركة مستقبلا، واعتبار المذكرة (المعاهدة) بديلا للاتفاقات القصيرة والفرعية، والأكثر شمولا من اتفاقات ومعاهدات لأي نشاط عسكري آخر على حدة، ولما لها من دور في تيسير مناورات النجم الساطع لهذا العام (2021)؛ مناورات تتجدد دوريا بين الولايات المتحدة ومصر ومشاركة دول أخرى؛ يعملون معا لمجابهة التهديدات الإقليمية، والحد من خطرها على المصالح الصهيو أمريكية، «ومكافحة الإرهاب، وحفظ السلم والأمن الإقليميين»(!!).

إذا استقر «المشير» على خيار الحرب، فمن الممكن أن تكون فرصة للمتربصين لاصطياد مصر، وتحميلها مسؤولية تهديد السلم والأمن الدوليين، فمقومات الحرب غير متوفرة؛ وفي حاجة لتعبئة كاملة للموارد والإمكانيات

ولا علاقة لهذه المذكرة (المعاهدة) ببحث أزمة السد الإثيوبي، ولا الحفاظ على مصالح دولتي المصب، وكان الأولى «إنجاح» الوساطة السابقة المرفوضة من إثيوبيا، ولا تعدم واشنطن التأثير على حكومات العواصم الثلاث؛ القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وبدا العجز مصطنعا؛ لتمكين أبي أحمد، وبدعم تل أبيب من القرن الإفريقي، بالإضافة لدورها المعلن في إقامة السد وتأمينه وصناعة أزمته.
وذلك أظهر جوانب من انفصام «الرئاسة المصرية» ورهانها الدائم على محاور داعمة ومؤيدة للحركة الصهيونية، وتتخذ من بينها حلفاء، فالمطبعون والمُصَهيِنون لا يصلحون حلفاء ولا أصدقاء أو محايدين بأي معنى، فالحركة الصهيونية هي التي تحدد وتضع سياسات الولايات المتحدة، وتُغَلِّب مصالحها على المصالح الأمريكية ذاتها، وفي الوقت نفسه لا تقبل من أي مسؤول عربي أو إسلامي غير الانصياع، وتلبية ما تملية المصالح الصهيونية، وهذا تسبب في تعنت إثيوبيا لأنها اكتشفت ذلك، وجربت التهافت الرسمي المصري، وحسبت أن موازين القوى تبقى على حالها، وكل ما هنالك إنها أجادت لعب أوراقها بمهارة، وربطت نفسها بقوى دولية وإقليمية وازنة، وتمكن أبي أحمد من الحصول على جائزة نوبل، فالتفتت إليه الأنظار «وجعلته من صناع السلام والاستقرار في القرن الإفريقي» على الرغم من أوضاع إثيوبيا المتردية والمتوترة.
ومفهوم القوة لدى «المشير السيسي»؛ مختزل في القوة العسكرية، وتأييد الغرب، وإقامة علاقة حميمية بنتنياهو، الذي لا يقبل إلا التماهي مع المشروع الصهيوني، الذي يعتمد في نجاحه وتوسعه على إضعاف العرب، وتجريدهم من قوتهم، ويتمنى إبادتهم؛ كما أبيد الهنود الحمر، ويعتبر العربي الجيد هو العربي الميت(!!) والمفروض أن «المشير» يعلم أن القوة العسكرية والبطش لا يكفيان للانتصار في الحرب، ويعلم أن الخيار العسكري صعب بالنسبة لمصر تحت رئاسته، فبتعليماته وتوجيهه جرد الدولة والمجتمع من القوى الخشنة والناعمة، وإضعف الجبهة الداخلية، وقضى على أمل الاكتفاء الذاتي، واعتمد الدولة على مافيا الاستيراد، وقاد تصفية الأصول المملوكة للدولة.
فضلا عن أن الخيار العسكري يحتاج لاقتصاد حرب؛ ووجود اقتصاد الحرب يعطل الطموح في استمرار «المشروعات الشخصية» غير المجدية؛ عاصمة جديدة، وأكبر وأعلى برج في العالم، وتنازل عن مواقع استراتيجية المهمة؛ جزر تيران وصنافير مثلا، وكارثة «اتفاق المبادئ»؛ تلبية لطلب كريستين لا جارد رئيس صندوق النقد الدولي، واعتمد أبي أحمد على الاتفاق في اعتبار النيل الأزرق نهر داخلي إثيوبي؛ يعطيه الحق في منعه عن السودانيين والمصريين، وتغيرت لهجته بعد التوقيع، وبعد ما كان الهدف إنتاج كهرباء تغير لحبس المياه وبيعها لمن يدفع(!!).
ومصر التي اعتادت في حروبها تعويض أي نقص أو ضعف بعقول أبنائها النابهين ومهاراتهم، وظهروا في أبهى صورة أثناء ثورة 25 يناير، وما كان من «المشير» إلا إزاحتهم، وإبعادهم عن أي محفل فكري وعلمي وأكاديمي وعسكري وسياسي. ودخلت مصر عصرا من الظلام الدامس.
والحرب في ظروف مصر الراهنة تحتاج لمعجزة، وهناك قوى عديدة متربصة؛ صهيو غربية، و«صهيو عربية» رافضة استعادة مصر للياقتها وتأثيرها، ولعب دورها القومي والإقليمي؛ هذه قوى تريدها تابعة، محبوسة لا تخرج عن حدودها، وجربت مصر ذلك وكان وبالا عليها، وذلك بعد معاهدة لندن في 15 يوليو 1840؛ الموقعة من الدولة العثمانية، والإمبراطورية الروسية، وبروسيا، والمملكة المتحدة، وإمبراطورية النمسا، وكان هدف المعاهدة المعلن دعم الدولة العثمانية والحد من طموح محمد علي، ومواجهة خطره، وقد تسمح ظروف الفوضى الراهنة بالتكرار؛ فوضى عالمية، وعجز عربي، وتماهي حكام عرب مع المشروع الصهيوني؛ بدءا من كامب ديفيد، ومرورا بوادي عربة، وليس إنتهاءً بأوسلو، ثم الهرولة الخليجية، واستثمار أموال خليجية في المشروعات الصهيونية، وتمويل السد الإثيوبي وتوفير الحماية له، و«المشير» يحسب نفسه على هؤلاء، ولا يتأخر عن تنفيذ ما يأمرون.
وإذا استقر «المشير» على خيار الحرب، فمن الممكن أن تكون فرصة للمتربصين لاصطياد مصر، وتحميلها مسؤولية تهديد السلم والأمن الدوليين، فمقومات الحرب غير متوفرة؛ في حاجة لتعبئة كاملة للموارد والإمكانيات، وظروف غير مواتية، ورئاسة تركز جل اهتمامها على مشروعات أقل جدوى، وأوقفت كل جهد إنتاجي؛ زراعي وصناعي وتقني، وأغلقت المصانع، وتشرف على تصفية أصول الدولة والمجتمع، ونقل ملكيتها إلى «الصندوق السيادي»؛ مؤسسة لقيطة لتبديد هذه الأصول، والتفريط في حقوق الأجيال القادمة، ورهنها ضمانا للديون المتجاوزة حد الأمان؛ كان ذلك وضع الخديوي اسماعيل، وفَرْض الوصاية المالية الفرنسية البريطانية على المالية المصرية، وتم عزله بفرمان الباب العالي، وتعيين ابنه توفيق بفرمان آخر وكي يضمن الابن البقاء، وقف ضد أحمد عرابي، وساند الغزو البريطاني، وساعده خونة مكنوا الغزاة من هزيمة عرابي في موقعة التل الكبير، وبعدها زحفوا على القاهرة!!.

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *