الرئيسية / حوارات ناصرية / عبد الناصر يتجه شرقا!

عبد الناصر يتجه شرقا!

 بقلم: عادل حمودة

في تلك الأيام كان العالم العربي يجوب الأزقة الضيقة كالقطط الخائفة المذعورة.. عاجزا عن التأمل والتعلم والتذكر والتحرر.. لم يكن يتحمس لقدوم الصيف.. أو ينفعل لرحيل الشتاء.. أو ينشرح لتفتح الربيع.. لم تكن سماؤه تسطع.. أو أرضه تحبل.. أو عروقه تغضب.. كان نصفه مدفونا في توابيت رخام وكان نصفه الآخر يطير في كل اتجاه كريش النعام.. في تلك الأيام كانت مصر تجدد عروقها.. وتوسع شرايينها.. وتستعد لتصدير العواطف والأحلام الى جيرانها.. فالثورة التي قامت في يوليو 1952 كانت عربية الهوية والجنسية. لم تكن سلطة جمال عبدالناصر قد استقرت بعد في مصر عندما قرر أن يشخص ببصره نحو العالم العربي.. فقد كان مثل محمد علي يؤمن بأن المحيط العربي هو الرحم الذي يحمي مصر من الأنواء والأخطار.. ويمنحها القوة والاستقرار.. وهكذا.. بدأ التفكير في انشاء المخابرات العامة.. أو الجهاز السياسي للثورة على حد وصف واحد من مؤسسيه هو فتحي الديب.. وقد بدأ هذا التفكير فور نجاح الثورة.. وليس بعد كشف عمليات التخريب اليهودية.. فيما سمي بفضيحة (لافون).. كما هو شائع. وعلى حد قول فتحي الديب أيضا فإن إنشاء المخابرات العامة بدأ بعدد من الضباط لا يزيد عددهم عن عشرة.. ولم يجدوا من يزودهم بالخبرة اللازمة.. وقد اختارهم جمال عبدالناصر بنفسه.. وساعده في ذلك زكريا محيي الدين.. أول من أشرف على هذا الجهاز.. وفتحي الديب.. واحد من الضباط الأحرار الذين اكتسبوا ثقة جمال عبدالناصر.. فترك له مهمة تسخين الحياة السياسية في العالم العربي.. فكان وراء الثورات في ليبيا والجزائر واليمن وقد أصدر أهم كتب وثائقية عن علاقة جمال عبدالناصر بهذه الثورات.. وأصدر كتابا كان مفاجأة عن علاقة جمال عبدالناصر بالثورة الخومينية.. وتحت الطبع في مؤسسة الأهرام, أحدث وأخطر كتبه عن (عبدالناصر وتحرير المشرق العربي).. وقد تفضل مشكورا باعطائي نسخة خطية من الكتاب.. كما سمح بعرضه والتعليق عليه قبل أن يطرح في الأسواق. في نهاية أكتوبر عام 1952 بادر جمال عبدالناصر بنقل فتحي الديب من قيادة مدرسة المظلات التي كان قائدا لها الى جهاز المخابرات العامة وكان تحت الانشاء.. وكانت وظيفته الأساسية هي تأمين مسيرة الثورة وحمايتها على المستويين الداخلي والخارجي.. والتقى فتحي الديب وزكريا محيي الدين الذي كلفه بمهمة انشاء فرع الشئون العربية لربط الوطن العربي بكل ساحاته بالقاهرة.. تمهيدا لممارسة دورنا الايجابي لتحرير الأجزاء المحتلة باعتبار أن تحرير مصر يظل قاصرا عن تحقيق أهداف ثورة يوليو وتأمين مسيرتها النضالية ما لم يتم تحرير كافة ساحات الوطن العربي المحتلة. وتفرغ فتحي الديب لوضع الخطوط العريضة لما طلب منه.. وبقى في بيته أسبوعا قبل أن ينتهي الى أنه لا يمكن وضع خطة تفصيلية سليمة قبل أن تتم دراسة ميدانية على الطبيعة للأوضاع السياسية للعالم العربي.. وفي الوقت نفسه اقترح فتحي الديب انشاء اذاعة تتفرغ كاملا لتغطية شئون الوطن العربية واقترح اسما لها.. (صوت العرب).. على أن تكون وظيفتها إيضاح أهداف الثورة وتناول مشاكل الوطن العربي بالتحليل والتصدي.. وفي الوقت نفسه اقترح فتحي الديب أيضا القيام بدراسة ميدانية للواقع العربي.. والقيام بدراسة تفصيلية لواقع الأحزاب السياسية التقدمية.. والاستفادة من الاعداد الكبيرة للمدرسين المصريين المعارين في الدول العربية.. والاستفادة من الأعداد الضخمة من الطلبة العرب الدارسين من المعاهد والجامعات المصرية. والاستفادة من اللاجئين السياسيين الذين يعيشون في القاهرة. وقابله جمال عبدالناصر بابتسامة عريضة مشجعة وقرأ تقريره المبدئي.. ورغم أن التقرير لم يزد عن صفحتين فإن جمال عبدالناصر استغرق نصف ساعة في قراءته.. ثم امتدت المناقشة بعد ذلك ساعات.. وساعات.. وكان رأي جمال عبدالناصر أن الزيارة الميدانية ستمنح دراسة كل شئ على الطبيعة.. وانتهت الجلسة بنصائح تتسم بالدقة و ا لحماس.. مثل البعد عن (أخذ الأمور بظاهرها).. وضرورة أتسام العمل بالسرية التامة.. إن البداية الطبيعية لابد أن تكون في مجال مصر الحيوي.. ليبيا والسودان.. ومراعاة الحذر الشديد عند الاحتكاك بالحزبيين باعتبارهم أخطر فئة يجب تفادي الصدام بها.. وعدم التساهل في اختيار معاونين من العناصر الكتومة وكسب ثقتهم بعيدا عن أي شعور بالغطرسة أو التعالي.. وأنهى جمال عبدالناصر نصائحه بقوله: (وإياكم وكلمة أنا فهي بداية النهاية لكل مناضل بما تولده في نفسه من غرور قاتل لشخصه وعمله). واختار زكريا محيي الدين اليوزباشي (النقيب) سليمان عزت معاونا لفتحي الديب.. وقد كانا زميلين في الكلية الحربية.. وبدأ فتحي الديب في انشاء فرع الشئون العربية متوخيا عدم التوسع في عدد الأفراد.. وقرر هو وسليمان عزت أن تكون البداية بمد جسور الود والاتصال باللاجئين العرب في القاهرة.. وكان أول من قابلوه هو الزعيم اليمني محمد محمود الزبيري.. وقد جاء الى القاهرة في عام 1948 على أثر انقلاب فاشل شارك فيه ضد الإمام يحيي حميد الدين.. وطبقا لهذا اللقاء كانت اليمن هي الملف الأول من ملفات فرع الشئون العربية. وكانت هناك أيضا الجامعة العربية.. لقد قام زكريا محيي الدين بتقديم فتحي الديب لأمين عام الجامعة العربية عبدالخالق حسونة الذي قدمه بدوره الى عبدالمنعم مصطفى الأمين العام المساعد للشئون السياسية.. واكتشف فتحي الديب أن جهاز الأمانة العامة للجامعة العربية يضم تركيبة غريبة في نوعيتها.. وأكثرها من العناصر (المرتزقة).. أو ممن حفل تاريخهم بالعمل في خدمة الاستعمار وأجهزة مخابراته أو من العناصر الرجعية ممن أحيلوا الى التقاعد.. (وبحكم صداقاتهم اتخذوا من جهاز الأمانة العامة مصدر ربح اضافي يزيد من دخلهم على حساب مصر التي تتحمل الجزء الأكبر من ميزانية الجامعة).. وكانت العناصر العربية المشكوك في ولائها لعروبتها تحتل الغالبية العظمى من تعداد الأمانة العامة.. بخلاف الانحلال الخلقي في سلوك بعض موظفي الأمانة العامة بما يؤكد عدم توافر الأمن والسرية في عمل الأمانة العامة أو إمكان الحفاظ على أسرار الاجتماعات أو القرارات السرية والهامة.. وهو ما يعني تسلل أجهزة المخابرات الأجنبية وخاصة البريطانية والفرنسية الى الجامعة العربية وتجنيدها لعناصر من موظفيها تزودها بكل ما يدور في الاجتماعات الرسمية والسرية. وعقدت عدة جلسات مع الصاغ (رائد) صلاح سالم وزير الارشاد القومي (الاعلام فيما بعد) والمسئول عن الاذاعة لمناقشة أهداف وأسلوب عمل (صوت العرب).. وتقرر أن يكون الارسال في البداية نصف ساعة يوميا فقط.. ووافق جمال عبدالناصر على كافة التفاصيل.. ووافق على اختيار أحمد سعيد ليكون نموذجا للمذيع المؤمن بالفكرة والقادر على تنفيذها جاذبا انتباه الجماهير العربية وإقناعها بصدق ما يقول.. وطلب أحمد سعيد الاستعانة بإحدى زميلاته وهي نادية توفيق التي كانت أول مذيعة في (صوت العرب).. وطوال خمسة عشر يوما كانت التجارب تجري بدقة وسرية تمهيدا لساعة الصفر.. وفي الساعة السادسة من مساء يوم 4 يوليو 1953 انطلقت اذاعة (صوت العرب) لتصل الى كافة أنحاء العالم العربي.. شرقه وغربه.. ويصف فتحي الديب هذه اللحظة بأنها كانت لحظة (رهيبة).. وهو لم يجرؤ على استقبالها في بيته أو في الاستوديو.. وخرج لينفرد بنفسه في مكان بعيد.. ومرت الدقائق السابقة للموعد مثل ساعات طويلة مملة.. (وانتابني القلق والاضطراب على غير عادتي في مواجهة الصعاب.. ولا شك أن تعليل ذلك كما حاورت نفسي فيما بعد راجع الى أنها تجربة لها خطورتها وأهميتها.. سيتوقف عليها أساس البناء الذي سيقوم.. ووضع سياستنا العربية التحريرية موضع التنفيذ). ويواصل فتحي الديب: (وحان الوقت.. واستمعت الى دقات قلبي في أذني.. وبدأ صوت العرب يرى النور على الهواء.. وركزت أنفاسي وكلي آذان صاغية أتابع فقراته لفظا.. لفظا كمستمع وناقد.. ومرت الثلاثون دقيقة في سلام.. وهكذا.. أخذ البرنامج طريقه الى الحياة على الهواء مرددا صوت العروبة بآلامها وآمالها.. ولم أكن أنا أو غيري نتصور أن هذا الصوت سيكون له هذا الشأن والخطورة والدور القيادي في تحريك مشاعر الجماهير العربية لتلتحم بفكر ثورة يوليو وبفكر جمال عبدالناصر.. ومسيرته). ويستطرد فتحي الديب: (ولم أكن أتصور وأنا أفكر في انشاء صوت العرب أنه سيكون المطرقة التي ستقض مضاجع الاستعمار وأنه سيكون السلاح القاطع في استئصال جذوره وسيرغمه على أن يحمل عصاه على كتفه ويرحل).. وأصبح (صوت العرب) بمثابة أحد المراكز الأمامية الحيوية لفرع الشئون العربية سواء في مجال الحصول على المعلومات أو الاتصال بالعناصر الوطنية العربية وتقويمها.. وجاءت المفاجأة الكبرى حينما عين اللواء محمد الرحماني مدير الإذاعة في ذلك الوقت الشاعر صالح جودت مديرا لبرنامج (صوت العرب) وبدون إخطار مسبق بهذا التعيين.. وبدأ صالح جودت يلقي التعليق السياسي متناوبا مع أحمد سعيد.. وقد كانت كلماته عذبة ورقيقة لا تتناسب مع طبيعة النضال السياسي وأسلوب التعبير عنه.. وبدا صوت صالح جودت يشكل خطرا على (صوت العرب).. فقرر صلاح سالم استبعاده فورا.. وثار مدير الإذاعة وقدم استقالته.. وعين مديرا جديدا كان يعرف مسبقا بأنه لا حق له في التدخل في (صوت العرب).. فهو خارج نفوذه وسلطاته. ولا جدال أن تجربة (صوت العرب) هي تجربة متميزة وفريدة فيما يمكن وصفه بالإعلام السياسي الذي يلعب دورا مباشر في صناعة السياسة وتغيير النظم المعادية.. وقد كبر (صوت العرب) وتحول من برنامج الى اذاعة.. وقد كان ذلك بسبب التجاوب العاطفي الذي حظى به منذ البداية من ملايين العرب المتعطشين للحرية والعروبة.. وكان هناك سبب آخر هو طريقة الاداء التي كانت مناسبة في تلك الأيام.. يضاف الى ذلك الهجوم الشرس الذي كان خصومه وخصوم جمال عبدالناصر يوجهونه اليه.. إن الهجوم قد يزيد من ثقل هذه الأجهزة ويرفع من شأنها وقيمتها. وقد كانت أولى معارك (صوت العرب)القوية والمؤثرة هي معركة تحدي السلطات الفرنسية والهجوم عليها على أثر خلعها الملك محمد الخامس.. ملك المغرب في ذلك الوقت.. ونفيه في 20 أغسطس عام 1953 وتعيين أحد عملائهم وهو الجلاوي بدلا منه.. كانت هذه الواقعة هي بداية الهجوم على الاستعمار.. وقد جاء الهجوم قبل موعده بفعل ما جرى.. ومن ثم كان لابد من استئذان جمال عبدالناصر.. وبدأت المعركة بصورة واقعية في 21 أغسطس عام 1953 بتعليق سياسي راجعه جمال عبدالناصر بنفسه.. وسانده بتعليق من عنده علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال وكان لاجئا في القاهرة. ويقول فتحي الديب: إن الجماهير العربية تجاوبت بسرعة مذهلة مع (صوت العرب).. ويضيف: إنه (للحقيقة والتاريخ ورغم تسرعنا في دخول صوت العرب أولى معاركه وهو مازال في مرحلة الحضانة الثورية إلا أن النتائج التي حققها كانت أكثر مما توقعنا وبالذات في تمتعه بثقة الجماهير والتفافهم حوله وبدأ أحمد سعيد يحظى باهتمام كبير ويلاقي استحسانا شعبيا وحماسا غير متوقع.. ولعل السبب هو أن صوت العرب كان يعكس قضية حقيقية.. قضية الحلم العربي ورغبته الجارفة في التحرر.. فالإعلام بدون قضية مجرد فقاعات هواء.. مجرد كلام في كلام.. ولو لم يعكس الاعلام الحقيقة انصرف عنه الناس وسقط سقوطا مدويا.. وهو ما حدث فيما بعد.. فكل النجاح الذي حظي به صوت العرب وأحمد سعيد في معارك الأمة العربية قبل عام 1967 تحول الى فشل مرير مغطى بسخرية حادة سوداء بعد عام 1967. نجحت صوت العرب في كسب قضية المغرب.. فقد قامت المظاهرات المضادة للاستعمار الفرنسي وبدأت عمليات التخريب في قواعده العسكرية.. وقدم السفير الفرنسي في القاهرة احتجاجا على صوت العرب.. وكان أول احتجاج من نوعه في تاريخ الاعلام المصري.. ولم يجد جمال عبدالناصر سوى أن يقول لفتحي الديب مداعبا: (إما أن تخف من شدة حملتك على فرنسا وإما سأجد نفسي مضطرا لإيقاف صوت العرب).. ولكن في الحقيقة كانت علامات السعادة والزهو واضحة على صوت وملامح وجه جمال عبدالناصر وهو يكرر هذه العبارة التي كانت في ظاهرها وباطنها مداعبة.. فقد كانت تنتهي عادة بتوجيهات منه بتشديد الحملة أكثر فأكثر. (ولم تكتف السلطات الفرنسية بالاحتجاج الرسمي على صوت العرب.. وإنما بدأت في توجيه حملات صحفية تحمل نقدا عنيفا لصوت العرب والسلطة الثورية في مصر التي تتدخل في شئون فرنسا وتعمل على إثارة سكان شمال افريقيا ضدها.. ولقد جاءت هذه الحملات الصحفية الفرنسية بعكس ما كانوا يتوقعونه بما قدموه لصوت العرب من خدمات جليلة في تعريف كافة أبناء شمال افريقيا بهذا الصوت المدافع عن مصالحهم واهتمام الجميع بموالاة الاستماع الى صوت العرب ومتابعة برنامجه بصورة منتظمة.. كما انعكس ذلك على المشرق العربي من إحساس الجماهير هناك بما يمكن أن يحقق صوت العرب من مكاسب لهم بعدما ظهرت آثاره في تحطيم أعصاب المسئولين الفرنسيين لمجرد قيامه بفضح الارهاب الذي تمارسه السلطة الفرنسية وتمجيد بطولات الفدائيين المغاربة). في منتصف ابريل عام 1954 جمع فتحي الديب محصلة الآراء التي تجمعت في صوت العرب وتوجه بها الى صلاح سالم وطالب بعقد اجتماع يضم مدير الاذاعة وكبير المهندسين الفنيين وأحمد سعيد, وذلك لمناقشة امكانية زيادة فترة الارسال الاذاعي لصوت العرب الى ساعتين يوميا مع تعديل موعد الارسال من السادسة مساء الى الثامنة مساء استجابة لرغبات المستمعين العرب.. وجرى الاجتماع المطلوب في نهاية ابريل عام 1954 ووافق على زيادة الارسال الى ساعتين مع تغيير فترة اذاعته لمواجهة الاذاعة البريطانية.. لتقسم الساعتين على فترتين.. الأولى تبدأ في الساعة الثامنة صباحا لتغطي المشرق العربي.. والثانية تبدأ في العاشرة مساء لتغطي المغرب العربي وشمال افريقيا.. وتقرر دعم صوت العرب بمذيعين جدد وانضم اليه محمد أبو الفتوح والسيد الغضبان وسعد زغلول. وفي عيد ميلاد صوت العرب الأول قدم جمال عبدالناصر تهنئة بصوته قائلا: (أيها الأخوة في العروبة المجيدة.. باسم الله العلي القدير وباسم العروبة الخالدة المجيدة وباسم الأمة العربية الواحدة.. أبعث اليكم بتحية عربية من مصر العربية عبر أثير (صوت العرب) الذي بعثته أمة النيل عربيا صادقا في عروبته يهز عمالقة الاستعمار ويفضح دسائسهم ويكشف أضاليلهم ويسخر من شيوخ الغدر وعجائز الخيانة في عالم العروبة والاسلام.. أطلقت مصر (صوت العرب) من قلبكم القاهرة حربا على المستعمرين وشوكا يدمي ظهور الغادرين.. أطلقته مصر ليعلن ذاتيتكم وقوتكم.. أمة واحدة لا تفصلها الحدود.. ولا تمزقها الشهوات.. ولا يقف بينها وبين الحرية تآمر الاستعمار.. ولم يمض على صوتكم الحر (صوت العرب) عام واحد حتى كان العرب جميعا يلتفون حوله فقد صدر من مصر العربية.. ولذلك كانوا واثقين من عروبته.. فالعروبة شعاره الأسمى.. وهم مؤمنون به.. لأنه من العرب وبالعرب وللعرب. (وكم سعدنا جميعا إذ نرى صوت العرب وقد حقق الوحدة العربية إذ جمع العرب حوله وعقولهم تفكر معه في مشكلات الأمة العربية الواحدة وكفاحهم يتشكل بكفاحه من أجل الحرية العربية الخالدة.. وكان طبيعيا وصوت العرب يسعى الى وحدة الأحرار أن تتكالب عليه قوة المستعمرين والغادرين تريد أن تخنقه ولكن صوت العرب لأنه صوت الحق العربي الثابت على مر الأيام والدهور). ما أجمل رومانسية تلك الأيام التي كان العرب يخرجون فيها من الظلمات الى النور.. ومن عناد التمزق الى حلم الوحدة.. ومن قيود الاستعمار الى نعمة الحرية.. وبالقطع تغيرت الصورة الآن.. وربما عادت الى ما كانت عليه قبل أن يأتي جمال عبدالناصر.. ربما ازدادت سوء.. لكن ذلك لا يمنع من أن نتذكر تلك الأيام الجميلة.. على الأقل لتخفيف قسوة أيامنا العربية القبيحة.. ولو كان (صوت العرب) قد لعب دورا مؤثرا.. كاشفا في وقت مبكر عن دور الاعلام المواكب لحلم الأمة العربية فإن صوت العرب لوحده لم يكن يكفي.. كانت هناك زيارات وعلاقات ومؤامرات ونبوءات ومخابرات.. وهذه قصة أخرى تستحق الانتظار.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. والبحث عن فتحى الديب «جاسوس عبدالناصر الذى أشعل الحدث»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *