الرئيسية / تقارير وملفات / شذرات من سجل ( هنري كورييل) – بقلم : ابراهيم البدراوي

شذرات من سجل ( هنري كورييل) – بقلم : ابراهيم البدراوي

970ggg
شذرات من سجل ” هنري كورييل “
كلما ورد اسم “هنري كورييل” . اليهودي الذي كان يعيش في مصر ، وتم ابعاده وبعض اليهود ممن انتموا الى المنظمات الشيوعية الى  خارجها ، وذلك بعد الافراج عنهم عام 1950 . كلما ورد هذا الاسم ثارت نقاشات طويلة . وتشتد بالتالي عمليات الترويج له كوطني وشيوعي مصري نموذجي. وهذه اكذوبة ساقطة تكشفها مواقفه طوال حياته قبل وبعد الابعاد.
في البداية أود طرح ما يلي :
1 – أن الحركة الشيوعية المصرية ، ربما تمثل حالة فريدة فيما شهدته من تعرجات وانكسارات
لا تتفق مع الازدهار اللافت الذي اتصف به الحزب الشيوعي المصري العلني الذي ظهر الى الوجود (1921 – 1924 ) . حيث وجهت له السلطة البرجوازية بالتعاون مع القصر الملكي والاحتلال البريطاني ضربة هائلة . اذ قامت بحله واعتقال كوادره ومطاردتهم ومصادرة ممتلكاته . غير ان بقايا هذا الحزب المجيد ظلت تعمل كجزر منفصلة ومبعثرة لسنوات طويلة تحت وطأة مطاردات لم تتوقف .
2 –  في عام 1942 حينما كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها، وكانت مصر تحت الاحتلال
البريطاني هى أهم طرق مواصلات قوات الحلفاء العابرة فيما بين جبهات القتال . كانت الجالية اليهودية في حدود 30 ألف شخص . من بينهم 50 أسرة تمتلك وتسيطر على 34 % من الشركات المساهمة المصرية . وقامت أسر المليونيرات اليهود باستقبال واستضافة الضباط والجنود اليهود العابرين ضمن قوات الحلفاء ، حيث أقامت لهم الحفلات ، والأهم نظمت لهم محاضرات لاقناعهم بالأفكار الصهيونية والوطن القومي لليهود في فلسطين . ومن أبرز وأنشط هذه الأسر، أسرة المليونير ” كورييل”  والد ” هنري” الذي كان شريكا ورئيسا لمجلس ادارة بنك مع مليونير يهودي آخر هو ” موصيري ” والد زوجة أحد الكوادر البارزة.
3 –  فجأة تحول الى الشيوعية عدد من أبناء المليونيرات اليهود . من عائلات ” كورييل ” و”عدس” و ” موصيري” و “رولو” و” حزان” وغيرهم وغيرهم . هكذا تحول ” هنري كورييل” الى الشيوعية فجأة في عام 1943 !!
4 –  ازاء تصاعد الحركة الوطنية المصرية . بدأ شباب مصريون نشاطا عارما لاحياء العمل الشيوعي في مصر. وهنا بدأ اليهود الذين كانوا فعليا تحت حماية الاحتلال على اختراق الوضع الوليد استنادا الى ضرورة توحيد الشيوعيين . وأسفرت عمليات التوحيد عن ظهور كيانين هما الحركة المصرية للتحرر الوطني ” حمتو” التي تحولت الى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ” حدتو” . حيث شغل ” هنري كورييل” موقع السكرتير العام لها . والى جانبها منظمة ” حزب العمال والفلاحين ” . لقد كان وراء الأكمة ما وارءها . فقد قام اليهود بتكريس نشأة انقسامية مستعصية على التوحد . وتضمن لليهود السيطرة علي القيادة . ومن ناحية أخرى عملوا على عدم التواصل مع بقايا الحزب القديم . بل وطمس تاريخه .
5 – انكشف سر الهجمة اليهودية على الحركة الشيوعية المصرية الوليدة واختراقها حينما صدر قرار تقسيم فلسطين وموافقة هذه المنظمات عليه . حيث قاد الشهيد ” شهدي عطية الشافعي” و “أنور عبدالملك” انقساما . وقاد الشهيد ” زكي مراد” انقساما آخر. وقاد “عبدالعظيم أنيس”  و
“عبد المعبود الجبيلي” انقساما ثالثا . وكانت الانقسامات الثلاثة بسبب رفضهم لقرار التقسيم  ومواقف هذه المنظمات بتأييده .
لكن انقساما رابعا تم بقيادة ” أوديت حزان” و ” ميشيل كامل” . واتخذ مواقف شديدة التطرف خلف قناع طبقي ( 100 % عمال مثلا) دون اعتراض على موضوع التقسيم . وقد وصفه أحد كوادره وهو “محمد سيدأحمد” بأنه كان يهدف في الجوهر حماية ” حدتو” من الاندثار في ظل موجة الرفض العاتية لموقفها .
أما منظمة ” حزب العمال والفلاحين ” وسكتيرها العام ” ريمون دويك ” التي كانت بدورها تحت سيطرة القيادات اليهودية ، فقد أيدت التقسيم على أساس أن ” اليهود شعب ” وبالتالي فقد انطلقوا من المقولة الصهيونية ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” .
وننوه هنا أن الدكتور فؤاد مرسي الذي كان آنذاك في بعثة دراسية بفرنسا ، أسس لدى عودته عام 1950منظمة جديدة هي الحزب الشيوعي المصري على أساس العداء للصهيونية وسيطرة اليهود على الحركة الشيوعية المصرية .
6 –  بعد طرد كورييل من مصر عام 1950 عملت مجموعته المقربة  على احناء الرأس للعاصفة . وادعوا أن كورييل قد تم ابعاده من القيادة ، ثم ادعوا أنه لم تعد له أى علاقة بالحزب. وكانت هذه مجرد خديعة ليتمكنوا من اعادة توحيد الحزب ، واستمرت عمليات التوحيد في الخمسينيات بين المنظمات التي كانت تشترط  طرد ” هنري كورييل” ، الذي ظل هو القيادي المهيمن والمحرك لمجموعته السرية الوفية لخطه السياسي المؤيد بالمطلق ” للكيان الصهيوني”.
7 – لكن الخدعة الأكبر كانت في حقيقة الأمر تتمثل في توجيه الأنظار فقط الى ” هنري “
دون اليهود الآخرين الذين لا يختلف أي منهم عنه بالنسبة لقضيتهم المركزية !! وهي تأييد اغتصاب فلسطين . ومشاركة يهود المنظمة الأخرى أي منظمة العمال والفلاحين  ” ريمون دويك ” و” يوسف درويش” و ” صادق سعد” الذي اتخذ اسم ” أحمد صادق سعد” وغيرهم وغيرهم في الهجوم على كورييل في قضايا  لا تمس قضية اغتصاب فلسطين . لصرف الأنظار  الى مسائل جانبية بعيدة عن القضية الجوهرية  . وبذلك تمكن الاختراق الصهيوني من تمرير خدعته  في اطار تقسيم الأدوار !! وللأسف فقد حققوا غايتهم .
لقد شهد شاهد من أهلها . ففي شهادة موثقة  ذكر ” محمد سيد أحمد” أحد أهم كوادر هذه المرحلة . أن الحركة الشيوعية المصرية  قد مرت بمرحلتين : الأولى هي المرحلة ” اليهودية ” . أما الثانية فهى المرحلة القومية .
8 – في باريس أسس كورييل ” منظمة تضامن” بحجة مساعدة حركات التحرر الوطني !. وعندما اندلعت ثورة الجزائر قام ” كورييل” ومجموعته في باريس بنشاط واسع لتأييدها . بما في ذلك جمع تبرعات مالية كبيرة لدعم الثوار. وقد سجن ” كورييل” لهذا السبب لمدة عامين. وقد علل في مذكراته هذا الموقف  بأن الدافع وراءه هو ” أن يقوم قادة الثورة الجزائرية بعد انتصارها بالضغط على جمال عبد الناصر لكي يعترف باسرائيل “!! . وينبغي النظر الى دور منظمة ” تضامن” ذات الصلات الواسعة بحركات التحرر الوطني في افريقيا على ضوء تعليل ” كورييل ”  لموقفه من ثورة الجزائر.
وأعتقد أن الأمر واضح ولا يحتاج لتعليق .
9 –  علل ” كورييل ” وفي مذكراته أيضا  عدم رحيله ل ” اسرائيل ” للاقامة فيها بعد طرده من مصر: بأنه حريص على ان لا يؤدي ذلك الى قطع علاقات التواصل مع مصر . وهذا الأمر بدوره لايحتاج الى تعليق . ذلك أن ” كورييل ” بحكم قدراته كان يستطيع الحصول على مواقع سياسية هامة جدا في ” الكيان الصهيوني” بجانب ” بن جوريون” و” موسى شاريت ” و” ليفي أشكول” و ” مناحم بيجين” الخ .. من مؤسسي الكيان . ولكنه رأى أهمية فائقة في خدمة الكيان من خارجه بدوره الذي لعبه حتى هلاكه .
10- في باريس ، ومنذ عام 1950 حتى هلاكه عام 1978 لم يحظ ” كورييل” بثقة الحزب الشيوعي الفرنسي ( حزب موريس توريز) ، ولا بثقة الحزب الشيوعي السوفييتي . حيث كان يرى الحزبان فيه شخصا مريبا ويقيم علاقات مريبة .
0000000000
من فرنسا ظل ” كورييل” على تواصل بمجموعته في مصرعبر رسائل وتقارير كان يضمنها تعليماته . تنصب كلها على ضرورة الاعتراف ب ” اسرائيل ” والسلام معها . هذه الرسائل التي كانت تبدأ بكلمة ” الرفاق” تواصلت حتى أثناء ” فترة حل ” المنظمات الشيوعية  التي بدأت منذ عام 1964 واستمرت حتى بداية بناء الحزب الجديد عام 1971 الذي تم الاعلان عنه عام 1975 ولم يتم الكشف عن هذه الرسائل السرية  سوى عام 1999 عندما ارتأت مجموعته في مصر وخلفائه في باريس أن الظروف قد تهيأت للكشف عن المستور.
وهكذا قام ” محمد يوسف الجندي” مدير دار الثقافة الجديدة بنشر كتاب يحمل عنوان : هنري كورييل      من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط .
تضمن الكتاب  عددا من الرسائل والتقارير ( في الفترة ما بين أعوام 1953 حتي 1975 فقط . وربما ما خفي كان أعظم . خصوصا بعد عام 1975 ثم زيارة السادات للقدس .
سوف أعرض مقتطفات قليلة من هذا الكتاب الخطير . لعلها تزيل الالتباسات التي تحيط بهذا الشخص وتخفي حقيقته .
في البداية  ومن صفحات حررتها مجموعته في باريس ( تعبر عن موقفه)  من كل من : وعد بلفور وحرب فلسطين عام 1948 يرد في صفحات  12 و 14 ما يلي:
” وفي 2 نوفمبر 1945 اليوم العالمي لاعلان وعد بلفور الذي وعد بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . وجد الانجليز والحكومات المصرية الفرصة جيدة لخلق حركة لحرف الأنظار لنسيان المطالب الوطنية المصرية . وعن طريق المنظمات الموالية للفاشية خصوصا الاخوان المسلمين نظموا في القاهرة مظاهرة معادية لليهود فهاجموا الحي اليهودي ، ودمروا معبدا يهوديا الخ. وساندت حملة واسعة من الصحافة هذه المظاهرات . وقرر الشيوعيون المصريون وأساسا الحركة المصرية للتحرر الوطني أن يعارضوا علنا هذا التوجه ….”.
” بينت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني أنه لا يجب السير وراء القادة الرجعيين العرب . وأن اعلان الحرب هو الوقوع في فخ لعبة الاستعمار البريطاني الذي يرمي الى الحفاظ على سيطرته”.
” وحاول مناضلوا حدتو أن ينظموا المقاومة ضد الحرب حتى داخل القوات المسلحة . ومن الأعمال العديدة نذكر بشكل خاص الموقف الشجاع لمجموعة من ميكانيكي سلاح الجو الذين رفضوا في مارس 1948 أن يعملوا ساعات اضافية للاعداد للحرب. قبض على 15 منهم ونفوا الى الواحات “.
كما تضمن نداء وجهه يوسف حلمي أحد العناصر البارزة في مجموعة ” كورييل”  الى شعب اسرائيل  . منتقدا مشاركة الجيش المصري في حرب 1948 فيقول ص63 من الكتاب:
” ألم يكن عجيبا أن يخرج جيش من بلاده الى خارج حدوده ليحارب من لم يمسه بسوء تاركا وراءه جيوشا أجنبية تحتل صميم بلاده وتحمي مصالح الاستغلاليين الأجانب ؟ “
وفي بيان من ” حدتو” صدر في ديسمبر 1947 حول قرار زعماء الجامعة العربية في ص 19:
” أمام هذه الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يرى الاستعمار والرجعية ألا مخرج لهما منها سوى اشعال حرب العنصرية في الشرق العربي ، تلهي الشعوب عن أهدافها الوطنية ومطالبها الاقتصادية والاجتماعية وتحول أنظارها عن العهود الحاضرة المعادية للديمقراطية ، وقد وجدوا في فلسطين نقطة البدء لتحقيق هذه السياسة الاجرامية .
في ضوء هذه الحقائق نستطيع أن نفهم البيان الذي أصدره رؤساء الحكومات العربية ، انه يرمي الى وقف تيار الحركات الوطنية الصاعدة وتحويل حربنا الوطنية المقدسة ضد الاستعمار الى حرب عنصرية دينية تدعم مركز الاستعمار ، انه يرمي الى صرف أنظار الجماهير الكادحة عن الكفاح ، انه يرمي الى تحويل أنظار المعارضة الوطنية الديمقراطية عن العهود الرجعية الحاكمة في الشرق العربي وعن مؤامراتها لتكتيله في كتلة استراتيجية خاضعة للاستعمار “.
في مذكرة حول العلاقات بين اسرائيل والبلاد العربية . ( أغسطس 1953 ) ص 26 يقول :
” ب – ان العلاقات الحالية بين البلاد العربية واسرائيل هى عقبة كأداء في طريق التحرر الوطني للشعوب العربية .
ان العلاقات الحالية تسمح في الواقع للامبرياليين وعملائهم في البلاد العربية أن ينظموا استفزازات لحرف الشعوب العربية عن النضال لتحررها . ان مغامرة 1948 ، الذي كان ذلك
هو أحد أهدافها الرئيسية ، يمكن أن تتكرر في أي لحظة “.
ثم في صفحة 28 من الكتاب وفي نفس ذات المذكرة  يقول :
” (ب) تريد الطبقات الحاكمة العربية الحفاظ على الوضع الحالي للدفاع عن مصالحها الطبقية الأنانية .
ويتلخص الوضع الحالي في نقطتين أساسيتين: وجود توتر ووجود حصار اقتصادي. والحفاظ على هذا الوضع يفيد الطبقات الحاكمة . وقد رأينا بالفعل كيف أن وجود التوتر يسمح للطبقات الحاكمة بحرف انتباه الجماهير. والحصار لا يقدم بأي حال المساعدة للاجئين العرب. انه يمثل خوف الرأسماليين المحليين العاجزين والفاسدين في مواجهة المنافسة الاسرائيلية . والحصار يسمح أيضا للرأسماليين وفي مقدمتهم الرأسماليين المصريين للاحتفاظ بأسواق البلاد العربية…”
ثم يقول في نفس الصفحة :
” (ج) السلطة الحالية في مصر تسير على نفس سياسة السلطة التي سبقتها :
ان السلطة الحالية التي استفادت من المساندة الشعبية لتثبيت سلطتها وعدت بتغيير السياسة. ولكن منطق موقفها المعادي للشعب يجعلها تتبع نفس سياسة أسلافها.”.
ثم في صفحات 32 و 33 وفي نفس المذكرة . ينتقل الى الهجوم على الأحزاب الشيوعية العربية:
” ومن المؤكد أن موقف رفاقنا يختلف عموما عن مواقف الشيوعيين في البلاد العربية الأخرى، تلك المواقف التي استطعنا أن نحكم عليها في المؤتمرات الديمقراطية المختلفة ….”.
ثم يقول :
“…..ولا نستطيع أن نأخذ مثال الأحزاب الشيوعية الأخرى في البلاد العربية ، ولكن هذا كله لا يعني الا شيئا واحدا : هو أن حدتو هى التي عليها أن تتكلم عندما يسكت الآخرون ، وأن على حدتو مرة أخرى أن تكون في الطليعة في هذا المجال.”.
في نفس المذكرة وفي ص 35 من الكتاب يوجه الى الحزب الشيوعي السوري والحزب الشيوعي اللبناني هجوما خاصا فيقول :
” (ح) في البلاد العربية الأخرى توجد قوى ديمقراطية لها قيمتها وقوية نسبيا في سوريا ولبنان. ولكن يجب أن نقول أن أحزابها الشيوعية لا تتخذ مواقف بالقوة والوضوح الكافيين حول مشكلة العلاقات مع اسرائيل . والنتيجة هو سيادة الايديولوجية الشوفينية . واستخدمت هذه الايديولوجية الشوفينية عام 1948 ، وستستخدم بقوة أكبر في المستقبل.”.
وفي نفس المذكرة  يهاجم العرب . ثم يطالب بعلاقات صداقة مع اسرائيل ويؤكد حقها في الوجود فيقول في صفحتي 38 و39 :
” ولكن نضالنا من أجل اقامة علاقات صداقة مع الشعب اليهودي ( والعربي ) في اسرائيل لا يعني تقليل نضالنا ضد الصهيونية ، وانما يتطلب على العكس تقوية هذا النضال . فهذا النضال وحده سيمنع من الخلط بين حق الأمة اليهودية في اسرائيل أن تقيم دولتها المستقلة وبين الصهيونية ، فهذه الأخيرة تحاول أن تجعل من اسرائيل وطنا لكل اليهود…..”.
في عام 1957 يرسل تقريرا بعنوان ” في سبيل نضال متواصل من أجل السلام ” يحث جماعته السرية في حدتو التي يسميها النواة الأكثر ثورية على العمل ويوبخهم . فيقول في صفحتي 48 و 49 :
” من الواضح أنه اذا لم نناضل للدعاية لمواقفنا والدفاع عنها، فسيؤدي ذلك الى أن نترك للطبقات السائدة أن تفرض مواقفها، ويعني أن نترك للطبقات السائدة المبادرة ، والقيادة في هذا المجال ، ويعني ترك الموقف المستقل للبروليتاريا ، ويعني جعل البروليتاريا في ذيل البورجوازية “.
ثم يستطرد:
” ولكن الحالة سرعان ما ساءت . ونعتقد أن الشيوعيين في مصر تركوا أنفسهم ينجذبون في هذا المجال الى التيارات القومية البورجوازية . بالنسبة للنواة الأكثر ثورية في الحزب فعلت ذلك بسبب ضعفها السياسي . يبدو أنه لم يكن لدى الرفاق العناصر التي تسمح لهم باتخاذ موقف ثوري حقا في هذا المجال. وواعين بضعفهم فضلوا ” أن يتهربوا ” في مسألة بدت لهم غامضة من ناحية ، وخطرة أيضا لأنهم كانوا يخاطرون بانعزالهم عن الجماهير . ولهذا قدموا شعار
” التوقيت” . ففي الوقت الذي كانوا يعلنون فيه شكليا بموافقتهم على ضرورة تحقيق السلام مع اسرائيل ، كانوا يرفضون طرح المشكلة على الجماهير بحجة أن اللحظة غير مواتية بعد…”.
وفي استطراد حاسم يقول :
” ولكن هناك في الحزب تيارات أخرى لديها موقف خاطئ حول هذه المسألة ، ولا يرجع ذلك الى نقص العناصر وانما بسبب انحراف قومي” .
وفي مذكرة ايضاحية برسالة معنونة : نداء عالمي للسلام بين اسرائيل والبلدان العربية ( عام 1956 . يواصل كورييل خداعه وأضاليله حول ما يسميه السلام على الصفحة 71 من الكتاب فيقول :
” واذا كان الامبرياليون لا يريدون السلام فان ذلك يستتبع أنه كلما زاد ارتباط  الدول العربية بالامبريالية ، كلما أصبح لهم موقف أكثر تطرفا في المشكلة العربية الاسرائيلية “.
وفي رسالة مؤرخة 23 يوليو 1957 يقول فيها ” كورييل ” ساخرا من الحزب وكانت حدتو قد توحدت مع آخرين يقول في صفحة 85 من الكتاب :
“(…) استلمنا بالأمس المجلة الأسبوعية ( موليير) التي تحتوي على مواد هامة ومن بين المواد كان هناك ذلك ” العمل الفذ” وهو ” برنامج الحزب الشيوعي المصري الموحد”. يقرر البرنامج أن تحقيق السلام مع اسرائيل يساوي دخول حلف بغداد !؟! انها الماركسية الخلاقة !” .
وفي رسالة معنونة : حول العلاقات العربية الاسرائيلية ( عام 1957) . يعاود هجومه على العرب ..فيقول في صفحة 88 من الكتاب في هجوم على التقدميين العرب خصوصا في سوريا ولبنان :
“- ان أحد الأفكار السائدة اليوم والتي تنشرها الأوساط الرجعية العربية والتي تجد لها صدى واسعا عند التقدميين العرب وخصوصا في سوريا ولبنان هى أن الوضع يفرض على اسرائيل تضحيات هائلة بينما لن تعاني البلاد العربية الا أقل القليل . ان اسرائيل هى التي تعاني من الحصار الاقتصادي ومن اغلاق قناة السويس ، وتكلف المصاريف العسكرية عبئا ضخما. وبالتحديد كل هذه العوامل ستؤدي الى انهيار دولة اسرائيل ، ولهذا فان عقد سلام – ولا يهم أي سلام في الواقع – لايمكن الا أن يفيد اسرائيل الذي ستستخدمه لاكتساح أسواق الشرق الأوسط.
وأولئك الذين يدافعون عن وجهة النظر هذه يفكرون في نهاية الأمر مباشرة أو غير مباشرة، أنه يجب مواصلة الحرب ضد اسرائيل حتى تدمير هذه الدولة .
1-  ان أحد مبادئنا الأساسية هو الاعتراف بحق تقرير المصير لكل الشعوب. وان قرار التقسيم الذي اتخذته هيئة الأمم المتحدة عام 1947 كان قائما على هذا المبدأ……”.
في صفحة 92  يعاود ” كورييل ” هجومه على الحزب الشيوعي السوري وعلى شخص آخر فيقول :
” هناك الحجة التي تقول أن اسرائيل يجب أن تخرج من النفوذ الامبريالي. هذه الحجة يرددها كثيرا شيوعيو البلاد العربية . يمكن أن نقرأ هذه الحجة في قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري ونجده أيضا في تقرير الزميل عزيز. يقول قرار الحزب الشيوعي السوري :
“.. ان السلام الأكيد لا يمكن أن يأخذ طابعا دائما الا اذا لم تصبح اسرائيل قاعدة امبريالية وأداة للعدوان بين أيدي الامبرياليين”.”.
وفي صفحة 93 من الكتاب وفي ذات الرسالة يقول :
“…..ان علينا أن ندين بشدة كل الاستفزازات العسكرية التي ستلجأ اليها بالتأكيد حكومات اسرائيل . أما من ناحيتنا فيجب أن تطالب بوقف ارسال الفدائيين الى داخل الأراضي الاسرائيلية، ووقف ارسال المخربين والارهابيين  لأن أعمالهم ليس لها بالقطع أي فائدة الا اثارة النزاعات الحالية ومساعدة حكومة بن جوريون على تحريض شعب اسرائيل أنه لافائدة من انتظار السلام من البلدان العربية ” .
في رسالة خاصة بعمل منظمة تضامن. معنونة : اعتبارات حول القضية الفلسطينية. مؤرخة يناير 1967 (ص105 من الكتاب) . يقول ” كورييل” :
” اننا ننطلق من الحق المقدس والغير قابل للتقادم للجماعات القومية في الوجود القومي. ولهذا فاننا نعترف بحق اسرائيل في الوجود القومي، ولكن يجب في مقابله الاعتراف بنفس الحق لعرب فلسطين “.
وفي نفس السياق والصفحة يكرر:
“… وهكذا فاننا بدفاعنا عن حق الفلسطينيين العرب فاننا  نكافح أولا من أجل قضية عادلة ، ولكننا نخلق أيضا الظروف الملائمة لاعتراف العرب بالحقوق الشرعية لليهود الاسرائيليين.”.
في يوليو 1969 يوجه ” كورييل” الي مجموعته السرية رسالة بعنوان: مذكرة للرفاق المصريين  حول ضرورة مواصلة النضال من أجل السلام . يقول في صفحة 108 و 109 من الكتاب :
” نحن نقترح أن نبحث بطريقة مخنصرة مشكلة الحرب والسلام في الشرق الأوسط.
يجب أن نقول أولا بوضوح أننا ننطلق مع الغالبية العظمى من القوى التقدمية والاشتراكية في العالم من الحقيقة الاسرائيلية باعتبارها شرعية ، ويعتبر شيئا مسلما به أن اليهود في اسرائيل يكونون كيانا قوميا له مثل كل المجموعات القومية الحق في تقرير مصيرها وتكوين دولة قومية . ( يبقى ذلك صحيحا حتى اذا أعلنا أن اسرائيل هى واقع استعماري ، لأن كثيرا من الدول القومية أصلها وقائع استعمارية ، وقد تأكد ذلك بشكل خاص سواء في افريقيا أو الشرق الأوسط ). ونعتبر أيضا أن الجماهير اليهودية الاسرائيلية لها مثل كل شعوب العالم الحق في الأمن من ناحية وأن تتطلع الى ذلك من ناحية أخرى .
ولهذا فلسنا مستعدين لبحث الحلول ليس فقط التي تقترح بابادة اليهود الاسرائيليين ولكن حتى تلك التي تدعو الى أن تفرض عليهم وضعا أيا كان لا يرغبون فيه ” .
في دراسة  موجهة الى رفاقه تعبر عن الأسس التي تنطلق منها تحليلاته . مؤرخة 1971 بعنوان: بعد جمال عبد الناصر. أفكار حول تسوية سلمية للنزاع العربي الاسرائيلي . يقول في صفحة 125 من الكتاب :
” وقد بدأ الوضع  في الواقع في التغيير في ارتباط بتغيير مواقف مصر. ولمدة سنوات طويلة يمكن اعتبار هذا الموقف ” سلبيا ” ، أي أنه كان يرفض وجود اسرائيل ، وحقوق السكان اليهود، وامكانية التعامل مع الدولة الاسرائيلية ، ورفض أي صلة مع التابعين لها ، سواء كانوا معارضين صريحين لسياسة الحكومة أو مدافعين عن المواقف العربية ، وقد توجت هذه الفترة
” بلاءات ” الخرطوم .
وفي نفس الدراسة  يقدم خلاصة نظرته وموقفه من الصراع العربي الاسرائيلي. يقول ” كورييل ” في صفحات 129 و 130 و131 من الكتاب :
” عندما نتحدث عن السلام وعن ” الحل السياسي للأزمة ” هناك رؤية مختلفة في مصر وفي اسرائيل ( صادرة في هذا البلد من أولئك الذين يدعون لهذا الحل ). ففي مصر يعتبرون أن كل شئ سيسوى باعادة الوضع الى ما كان عليه قبل 5 يونيو 1967 . يجب أن نفهم أن الجانب الاسرائيلي لا يمكن أن يقبل ذلك . من الضروري أن ندرك أن الجماهير الاسرائيلية عاشت وسواس الابادة وهو وسواس لم تتوقف الدعاية العربية المحمومة عن ممارستها وأكدتها كثيرا ببعض تصريحات القادة العرب ، ويجب أيضا أن يكون مفهوما لدينا أنه اذا كانت البلاد العربية  تعتبر أحداث يونيو 1967 ” عدوانا اسرائيليا ” فان الرأي العام الاسرائيلي كله ( باستثناء الحزب الشيوعي ” ركاح”) يعتبرونها حربا دفاعية ضد عدوان عربي جرى اعداده . قد لا نتذكر ذلك في مصر ، ولكنهم في اسرائيل لا ينسون تصريحات الرئيس جمال عبدالناصر في القيادة العامة المتقدمة للطيران في 25 مايو 1967 ، ” ان قواتنا الآن موجودة في سينا وهى معبأة بشكل كامل سواء في غزة أو سينا.. ان قواتنا المسلحة مستعدة للحرب .. وقد تكون الحرب فرصة لليهود ، لاسرائيل ولرابين لاختبار قواتهم ضد قواتنا وليروا أن كل ما كتبوه عن معركة 1956 كان كلاما فارغا .. ” وكذلك خطابه للنقابيين العرب في 26 مايو “.. منذ وقت قريب شعرنا بأننا أقوياء بما فيه الكفاية للدخول في معركة مع اسرائيل ..” ( ولنلاحظ في هذا الخطاب التعداد المؤثر لمجموع قوى البلدان العربية ).. كل القوات المسلحة مستعدة لمعركة وجها لوجه بين العرب واسرائيل..”
( وكذلك المقالة ذات الصدى الواسع لمحمد حسنين هيكل في الأهرام يوم 26 مايو 1967 بعنوان ذي دلالة ” الصدام المسلح مع اسرائيل حتمي لماذا “؟ .. وأخيرا نذكر الخطاب الذي ألقي في مجلس النواب في 29 مايو : ” تمت الاستعدادات . نحن الآن مستعدون لمواجهة اسرائيل .. الموضوع الآن .. هو العدوان الذي حدث في فلسطين 1948 ” . الاشارة الى 1948 لم يكن من الممكن اعتباره  في اسرائيل الا التشكيك في وجود اسرائيل نفسها .
ونعتذرعن هذه الاستشهادات : فرغم قصرها الا أنها تسمح بتبيين أثرها في روح الجماهير الاسرائيلية . فهى قد اعتبرت أن الحرب لم تكن عدوانا من اسرائيل وانما نضالا من أجل حياة بلادهم
هل يمكننا بشكل معقول أن نطلب منهم العودة الى هذا الوضع ؟ وضع يخاطرون فيه بأن يصبحوا مهددين بالفناء . وضع عليهم أن يتخلوا فيه عن ثمار تضحياتهم الكبيرة دون أي مقابل؟
لايجب أن نخدع أنفسنا ” .
0000000000
أخيرا فانني أعتقد أن هذه المقتطفات توضح بجلاء أكثر من أي شئ آخر حقيقة ” هنري كورييل” الصهيوني حتى النخاع . ورغم أن ما أوردته حرفيا لايحتاج الى شرح أو توضيح أو تعليق . وان كنت أرجو أن أعود الى تناول موضوع الاختراق الصهيوني  في دراسة مفصلة .  فانني أرى من الضروري  طرح بعض نقاط مختصرة كتتمة للموضوع .
–    أن الحركة الصهيونية  الخطرة للغاية ، والوليد – ربما البكر للرأسمالية – تدرك الأهمية الاستراتيجية الفائقة لمصر ، وبالتالي فان الأحداث والتطورات الجارية والتي تجري كل يوم ليست مسائل صدفية  تحدث فجأة ، ولكنها في اطار استراتيجية  قد تتطور بعض مفرداتها ، ولكن الأهداف الأساسية محددة بدقة . لذا لايجب أن نفاجأ  بالأحداث ، واعتبارها مجرد أحداث عارضة . نتعامل معها بالقطعة . أو نهون منها . ولكن النظر اليها في اطار صراع ضد مشروع معادي لوجودنا لا تتوقف خطورته عند حدود . مهما استخم العدو من أساليب الخداع والتضليل. لذا فان اختراق مصر هو هدف استراتيجي صهيوني .
–    أنها لم تكن محض صدفة مسألة تحول أعداد كبيرة من اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر ،( وعلى وجه الخصوص أبناء المليونيرات اليهود ) الى الشيوعية  عشية اغتصاب فلسطين . اذ استهدف هذا الأمر العمل على اختراق جدار الرفض الشعبي  لغرس هذا الكيان والتغلغل داخل نسيج الحركة الشعبية .
–    لقد تسبب هذا الاحتراق في اهدار نضالات آلاف من العمال والفلاحين والمثقفين والطلاب الذين أعطوا لقضية الشيوعية كل حياتهم  .
–         أن ما أورده ” كورييل ” كله هو ماكان يردده حكام الكيان الصهيوني منذ بدايته وحتي اليوم . ويفيد من ناحية أخرى أنه لافرق بين يمين صهيوني ويسار صهيوني .
–         أنه ينبغي أن نكف عن تصديق ادعاءات كثير من اليهود بأنهم ليسوا صهاينة  ، والتي يرددها للأسف كثير من العرب . فمعيار تحديد من هو الصهيوني ، ومن هو غير الصهيوني تتحدد  بالموقف من الكيان الصهيوني ” اسرائيل ” . فجوهر الصهيونية قائم على الادعاء بأنه توجد أمة يهودية ( شعب يهودى ) ، وبالتالي ضرورة أن يكون لهم وطن ، وهذه عملية تضليل . ان هذا الكيان أخطر واقعة استعمارية قامت على اغتصاب وطن ، وذلك بعد انتهاء ما سمي في العصر الحديث ” المسألة اليهودية” والمطالبة بضرورة حلها . لقد أقيم هذا الكيان العنصري الاستعماري بعد هزيمة النازية آخر من اضطهد اليهود ، وعلى أرض وفي منطقة لم يضطهد أصحابها اليهود بل أكرموا وفادتهم. وبالتالي فان كل من يقول بشرعية الكيان فهو صهيوني مهما أنكر .
–    أن كورييل الذي لم يذكر اطلاقا اغتصاب فلسطين بالقوة ، والذي اعتبر ان لليهود حق تاريخي لا يسقط بالتقادم . قد قدم للكيان الصهيوني خدمات وبذل جهودا لا تقل عما قدمه وبذله مؤسسوه وعلى رأسهم بن جوريون وبيجن وشامير وغيرهم . وأنه قدم ذلك من موقع الصهيوني المتعصب الذي انتحل صفة الشيوعي كذبا . فالشيوعي الذي يرفض اغتصاب الرأسمالي لجزء من قيمة قوة عمل العامل . كما يرفض الاستعمار…الخ لابد أن برفض هذا الكيان لا أن يعطي كل حياته والى آخر لحظة فيها لدعمه .
–    أن جهود ” كورييل ” وجهت لتكوين مجموعات تابعة له ، وشديدة الخطر ، اذ لم يقتصر الأمر على مصر وحدها ، وانما– ودون أي مبالغة – على المستوى العالمي أيضا ، واستخدم في ذلك الامكانيات الصهيونية الهائلة في اختراق حركات التحرر الوطني في العالم خصوصا في افريقيا  عبر ما يسمى ” منظمة تضامن ” . ان هذه المجموعات قد نمت وتوالدت في مصر كما في غيرها . وتمثل خطرا شديدا يحتم اكتشافها وفضحها . ومقاومتها بكل السبل .
ابراهيم البدراوي
مؤسس حركة اليسار المقاوم
مصر-2010

“وثائقي يتحدث عن هنري كوريل، تلك الشخصية الملغزة، حيث يراه البعض قديسا متبتلا محبا لمصر وللفكر الشيوعي وللسلام العالمي، بينما يراه آخرون جاسوسا صهيونيا تاجر بالفكر الشيوعي من أجل إسرائيل حتى تم اغتياله في فرنسا عام 1978 وحتى الان لم يعرف قاتله. الفيلم سيرة ذاتية يتناول حياة هنري كوريل المحيرة وصولا الى لغز اغتياله، ويستعرض مختلف وجهات النظر ويطرح تساؤلات ويحاول الرد على بعضها.”

ضيوف الفلم : صلاح عيسى | إبراهيم البدراوي | شريف حتاتة | ألبير إيرية | جيل بيرو | جيوس بلاو  | رفعت السعيد | د. أنور مغيث | زكريا البنداري | آلان غريش | بهيج نصار  | سيد ندا

 

https://m.youtube.com/watch?v=aOSK3ut1d3k

عن admin

شاهد أيضاً

مطارق الحنين الي فلسطين

مطارق الحنين!! د.شكري الهزَّيل لم يكن يدور بخلدي يوما ان تضرب الاسوار اطنابها حول قلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *