من موقع حزب الأتحاد الأشتراكي
ماذا لو كان عبد الناصر حيا؟. ماذا لو كان حيا وشاهد ما يجري على الأرض العربية من أحداث؟. ترى ما يكون موقفه من هذه الأحداث؟.
إن أحد جوانب قيمة جمال عبد الناصر، أنه كان يعبر في كلماته ومواقفه عن حلول لمشاكل قومية يعاني منها المجتمع العربي والأمة العربية ككل، وليست مشاكل وهموم مصر وحدها.
لقد كان في مسلكه ومواقفه وكلماته، دليلا ومرشدا للأجيال القادمة، خصوصا أنه غاب ولم تتحقق بعد الأهداف التي آمن بها وناضل من أجلها.
في هذه (الرسائل) نأخذ من أقوال جمال عبد الناصر، المشار إلى مصادرها، ما يصلح أن يكون خطابا توجيهيا منه إلى كل العرب في هذه المرحلة.
(1)
يقول جمال عبد الناصر:
إن كل المعارك الفرعية والجانبية في العالم العربي يجب أن تتوقف وإلا ضاع أمرنا من يدنا واستنفدنا جهدنا بأيدينا بدل أن ندخره ونحشده ضد عدونا.
نحن نواجه في هذه الأيام التحدي الكبير من الصهيونية والاستعمار للقضاء على القومية العربية وللقضاء على صمود الأمة العربية.
من خطابه في أعضاء المكتب المركزي للاتحاد الدولي للعمال العرب بتاريخ 15/4/1968.
(2)
إنني أريد أن أحدد أمامكم عدة مبادئ:
أولا: إن هناك معركة واحدة وليس هناك معركة أخرى غيرها في العالم العربي، وهذه هي معركة الأمة العربية ضد العنصرية الصهيونية المؤيدة بقوى الاستعمار.
ثانيا: لسنا من أنصار إنشاء محاور عربية إنما تهمنا مساهمة كل بلد عربي في المعركة، نحن مع كل تغيير يزيد من القوة العربية المحتشدة من أجل المعركة وضد أي صراع شخصي أو طائفي أو فكري يكون من شأنه أن يضعف المعركة وأن يأخذ منها.
من خطابه أمام المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي العربي 1969
(3)
منذ القرن العاشر والقرن الثاني عشر تعرضت القومية العربية للعدوان وتعرضت لمحاولات إبادتها والقضاء عليها. وأراد الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى أن يفرق بين أبناء الأمة العربية وبذل في ذلك الجهد الكبير، للدس وللوقيعة ولإثارة الفتن وإثارة الطائفية وإثارة الأقليات واستخدام أبناء الشعب الواحد ضد بعضهم البعض واستخدام الخلافات المحلية، ولكن وعي الشعب العربي في كل بلدٍ عربي هزم هذه الأساليب وقضى عليها، فلم تنفع سياسة التفرقة ولم تنفع سياسة بث الطائفية والفتنة ولم تنفع سياسة استخدام الأقليات وبث الذعر في نفوسها لأن الشعب العربي حينما تسلح بالوعي كان يشعر أن هذه الأساليب إنما هي موجهة إليه وإلى يديه لتضع فيها الأغلال، وإلى حريته وإلى مقدراته، فهب الشعب العربي في كل بلدٍ عربي ضد هذه الأساليب ليحطمها .. وأعلن الجميع بجميع أديانهم وطوائفهم وأعلن الأقليات أنهم عرب يحمون العروبة، وتظللهم راية الوحدة العربية والتضامن العربي، وبهذا استطاع الشعب العربي أن يحافظ على كيانه طوال هذه السنين.
وحينما عبر الشعب عن الوحدة ووضعها موضع التنفيذ كان يعبر أيضا عن غضبته على الفرقة والتنابذ، وكان يعبر عن تصميمه بأنه سيقضي على كل الأساليب التي خلقت الفرقة والبغضاء والتي خلقت التنابذ، والتي خلقت الانتهازية والاستغلال، وسينظم المجتمع الجديد بنفسه وسيقود هذا المجتمع الجديد ليتخلص من كل هذه الأسباب التي قابلها في الماضي.
وحينما سرنا في طريق بناء المجتمع الجديد أعلنا أننا في نفس الوقت نسير على أساس جمع كلمة أبناء الشعب جميعا وعلى أساس نبذ الانتهازية والفردية. إن محاولات أعدائنا ومحاولات من يريدون أن ينتهزوا الفرص ليفرقوا بيننا كانت دائما مبنية على إثارة النعرات الإقليمية والطائفية أو إثارة النعرات الفردية وكانوا يختلقون القصص دائما … إن هذا الشعب سيسير في سبيل تحقيق المجتمع الذي يريده متحدة صفوفه متحدة قلوبه تجمعه المحبة والإخاء، ينبذ من يخرج على هذه القواعد ولا يقبل الفردية ولا يقبل الانتهازية ولا يقبل الأحقاد والكراهية، وهذا هو الطريق الذي سنسير فيه بعون الله.
من خطابه في حلب بتاريخ 18/2/1960
(4)
إسرائيل دائما تهدف إلى التوسع لتقيم ملكها من النيل إلى الفرات ولها أطماع في كل بلدٍ عربي، ولن تستطيع إسرائيل أن تحقق هذا الهدف في سنةٍ أو عشرة ولكن هذا الهدف يمكن أن يتحقق في عشرات السنين، متى؟. إذا تقاعست الأمة العربية وتفرقت وتشتت، بهذا تستطيع إسرائيل أن تنجح وتأخذ من نجاحها مبررا حتى تسير في مخططها ليستمر النجاح لها، تبيد القومية العربية وتقيم قومية أخرى.
والآن إسرائيل تهدم المناطق العربية في القدس وتقيم بدلا من المناطق العربية مناطق أخرى يهودية إسرائيلية، إنها عملية عنصرية استعمارية، إبادة للقومية العربية الأصيلة وإقامة قومية جديدة.
من خطابٍ له في أحد المواقع العسكرية حيث كانت ترابط قوات عراقية وكويتية إلى جانب القوات المصرية.
(5)
إن كل القوى في أمتنا العربية، وكل الأطراف بل وكل الأفراد عليهم أن يدركوا إلى الأعماق أنه ليس أمامنا جميعا بديل عن القتال من أجل الحق الذي نطلبه، ومن أجل السلام الذي نسعى إليه، ولا يمكن أن يكون الحق تفريطا ولا يمكن أن يكون السلام استسلاما، ومن هنا واجب القتال … والقتال شيء غير الاقتتال.
القتال رصاص وهدف ضد عدو يحتل الأرض.
والاقتتال رصاص طائش يعرض الأخ لسلاح أخيه.
القتال شرف، والاقتتال جريمة.
من خطابٍ له بتاريخ 11/6/1970.
الحكمة في القول: (من يجتهد ويصيب يكافأ بأجرين، ومن يجتهد ويخطئ فله أجر واحد)، هي الحض والحث على الاجتهاد وعلى عدم الركون والرضوخ للواقع وما فيه من سلبيات وجمودٍ وتقليد. وبهذا المعيار، فإن جمال عبد الناصر كانت له حسنات عديدة.. لأنه لم يجتهد فقط فكريا ونظريا بل جاهد بحياته وعافيته من أجل العرب كلهم، فجرحه الأول كان في فلسطين، ونوبة القلب الأولى أصابته بسبب الانفصال الذي حدث في سورية يوم 28 أيلول/سبتمبر عام 1961، وإذا بالإرادة الإلهية تجعل يوم موته هو أيضا 28 أيلول/سبتمبر من العام 1970، ومن أجل صون الدماء العربية والفلسطينية التي كانت تهدر في شوارع الأردن.
أيضا، فإن الوفاء قيمة أخلاقية ودينية، ولعل من أدنى واجبات الوفاء العربي تكريم هذا البطل التاريخي الذي- بمعيار الوطنية المصرية- حقق الكثير من الانجازات لمعظم شعب مصر، و- بمعيار القومية العربية- فإنه عمل من أجل تحرر ووحدة الأمة العربية رغم المحاولات كلها التي قامت بها القوى الكبرى منذ مطلع القرن العشرين من أجل تجزئتها وتفتيتها والهيمنة عليها.
أيضا، بمعيار القيم الدينية والخلقية، فإنه كان حاكما وقائدا نزيها ونظيفا وزاهدا بالحياة الدنيا، فلم يعش حياة الثراء والبذخ وتوزيع مناصب الحكم على أفراد عائلته.
فرحمة الله على جمال عبد الناصر الذي جمع في شخصيته بين الإيمان بالله تعالى، وبين العمل الصالح من أجل الإنسان العربي أينما كان.