نقولا طعمة
01-10-2019, 07:54 حولت نكبة الفلسطينيين حياتهم من رغد لجحيم
شاركت معظم دول أوروبا الصاعدة في ظلال الثورة الصناعية بزرع اليهود في فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني.
هجرة أو تهجير
اختلجت في مختلف الدول الاوروبية فكرة الاستيطان اليهودي في فلسطين، ولم تقتصر على بريطانيا، لكن ظهور الفكرة بصورة عامة ارتكز اساسا على حاجة اوروبية تنامت مع حاجة الدول الاوروبية كقوى اقتصادية صاعدة أعقاب الثورة الصناعية التي اجتاحت اوروبا.
كان النمو الاقتصادي الأوروبي الهائل بحاجة لفتح أسواق وبلدان، وإقامة محطات تمركز حيث دعت الحاجة، ومن أوائل الأفكار التي اتجه إليها الاوروبيون في حركتهم الاستعمارية، التوجه نحو الأقليات، وخلق نزعة استقلالية لديهم، تشكل موطيء قدم لهم في الشرق، وفي الوقت عينه، تخلق نوعا من النزاعات، والانقسامات في المجتمع الشرقي، وتضعف بنيته السياسية والاجتماعية.
ومن الأفكار الأساسية التي اعتمد الاستعمار الغربي عليها، إنشاء كيان يهودي في فلسطين، فكرة لم تقتصر على دولة واحدة، بل شكلت حاجة لمختلف الدول الساعية للتوسع والاستعمار.
سبق هذه الحلقة، حلقة تمحورت حول دور بريطانيا وفكرة توطين اليهود في فلسطين. لكن بقية الدول لم تكن أقل اهتماما، وفعالية، في إقامة الدولة الصهيونية، ولكل منها حساباتها الخاصة، لكن العام والمشترك بينها، هو حاجتها الاستعمارية، ومن هذه الدول فرنسا، وألمانيا، وروسيا، والنمسا..
كما تشكلت جمعيات في مختلف هذه الدول لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وتأمين الأموال لشراء ونقل الأراضي.
نتابع في هذه الحلقة الدور الفرنسي في توطين اليهود في فلسطين، استنادا إلى البحث الذي أعده عمر حسن الراشد، عضو الملتقى الثقافي الأدبي الفلطسيني.
نابليون بونابرت أول داعية رسمية لتوطين اليهود في فلسطين
عن الدور الفرنسي، كتب عمر الراشد:
خلال القرن التاسع عشر، حاولت فرنسا استغلال اليهود كأداة للتوسع الاستعماري في البلاد العربية، وظهرت دعوات في باريس لتوطين اليهود في فلسطين، وافتتحت فرنسا قنصليتها في القدس عام 1843م.
كان القرار الفرنسي المباشر لهذا التوجه استقطاب اليهود في الشرق ليكونوا عونا لهم في دعم النفوذ الفرنسي، والسيطرة على الشرق العربي، وفي الوقت عينه، الاستفادة من الطاقة المالية اليهودية التي تميزت بها الرأسمالية اليهودية في فرنسا لدعم الخزينة الفرنسية، مقابل تشجيع اليهود على الاستيطان في فلسطين، في مواجهة النفوذ والمصالح البريطانية.
(الوعري، نائلة. “دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين“. دار الشروقـ عمان، الأردن -2007 .. ص: 94-99).
استيلاء الحركة الصهيونية على فلسطين
كان أول من من طرح بشكل جدي فكرة توطين اليهود في فلسطين هي حكومة الإدارة الفرنسية عام ١٧٩٨م، حال نجاح الحملة الفرنسية في احتلال مصر والمشرق العربي بما فيه فلسطين.
(محمود، أمين عبدالله– “مشاريع الاستيطان اليهودي”– عالم المعرفة (74)ـ شباط 1984- الكويت.ص: 14).
ويعتبر نابليون بونابرت أول رجل دولة يقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين، قبل وعد بلفور ب 118 سنة، واعتبر بيان بونابرت لليهود بمثابة اعتراف دولي بوجود قومية يهودية، وببعث أمة يهودية في فلسطين، لتخدم مصالح الاستعمار الفرنسي في منطقة الشرق (الليفانت).
(الشريف، ريجينا. “الصهيونية غير اليهودية“. عالم المعرفة– العدد 96- الكويت، كانون الأول 1985م. ص: 108-110).
وفور أن وطئت أقدام نابليون أرض مصر واحتلاله الاسكندرية في 2 تموز 1798م، أصدر بيانا حث فيه يهود آسيا، وافريقيا للإنضواء تحت رايته، من أجل إعادة “مملكة القدس القديمة”.
(م. س. مشاريع الاستيطان اليهودي. ص: 14-15)
هجرة اليهود إلى فلسطين
لقد جذبت فكرة استيطان (استعمار) فلسطين على يد اليهود، بونابرت، الذي وضع خطة لتحقيق حلمه، بإنشاء امبراطورية في الشرق.
توجه نابليون بونابرت لاحتلال بلاد الشام بما فيها فلسطين في تاريخ 10 شباط (فبراير) 1799م، وخلال حصاره لمدينة عكا، وجه بيانا بتاريخ 20 نيسان (أبريل) 1799م، دعا فيه يهود العالم للانضمام تحت لوائه لإعادة “مجد اسرائيل الضائع في القدس، وتصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين”.
(عودة، بطرس عودة. “القضية الفلسطينية في الواقع العربي”. المطبعة الفنية الحديثة–القاهرة. 1970. ص: 24).
ولما تراجع بونابرت عن مدينة عكا، وانسحب إلى مصر، في 20 أيار (مايو) 1799م، لم يبق من وعده غير الذكرى التاريخية.
لكن هذا لا يعني أن بيان بونابرت كان التفاتة خالية من المعنى، بل أظهر فيما بعد عن محاولات التوسع، والأطماع، الغربية في المشرق العربي التي اتخذت من مشاريع التوطين اليهودي في فلسطين ذريعة للتدخل في مصير هذا الجزء من العالم، الذي يتمتع بموقع جيو-استراتيجي هام بهدف إيجاد حاجز بشري يفصل بين آسيا وافريقيا، لخدمة المصالح الامبريالية الغربية.
وبناء على هذه الرؤية، وجدت فلسطين نفسها تدور فجأة في فلك السياسة الاستعمارية الأوروبية، وواقعة تحت نفوذ القوى المتصارعة للدول الاستعمارية: بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وكل ذلك كان تحت شعار “المسألة الشرقية”، ونقطة ارتكازها الامبراطورية العثمانية، رجل أوروبا المريض، وكانت فلسطين جزءا لا يتجزأ من أملاك الرجل المريض.
(م.س. الصهيونية غير اليهودية. ص: 113-114).
أصدر أرنست لاهاران السكرتير الخاص لنابليون الثالث، كتابه عام 1860م، وجاء فيه: “على أوروبا كلها أن تساعد على انتزاع فلسطين من الامبراطورية العثمانية، وإعطائها لليهود، وإعادة بناء الدولة اليهودية في فلسطين تحت الحماية الفرنسية.
(م.س. الصهيونية غير اليهودية. ص: 112). و (م.س. مشاريع الاستيطان اليهودي. ص: 30).
واقترح لاهاران أن تقوم فرنسا بتوطين اليهود في فلسطين، يؤازرها في ذلك دعم وجهد رجال البنوك، والتجار اليهود في العالم “لشراء وطنهم القديم”، من الدولة العثمانية.
(م.س. مشاريع الاستيطان اليهودي. ص: 30-31).
وعود ما قبل الوعد
أخذت البورجوازية اليهودية في فرنسا،تقوم بإنشاء وتمويل المستعمرات الزراعية اليهودية في فلسطين بهدف خدمة المصالح الاستعمارية لامبراطورية نابليون الثالث، والأطماع الفرنسية التوسعية في منطقة الشرق عن طريق خلق أقلية يهودية قوية، تتحالف مع الأقلية المارونية الموالية لفرنسا، لخلق مراكز نفوذ قوية للمصالح الفرنسية في المنطقة العربية المشرقية.
(م.ن. مشاريع الاستيطان اليهودي. ص: 85).
وازداد اهتمام نابليون الثالث بالمشروع اليهودي في فلسطين خصوصا عندما ظهرت فكرة شق قناة السويس (1866-1869) لاختزال المسافة التجارية عبر الخط الذي يصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، ومن هنا برزت أهمية فلسطين في المخطط الاستعماري الفرنسي.
(العبادي، بسام محمد. “الهجرة اليهودية إلى فلسطين من 1880-1990م“- دار البشير– عمان– الأردن، 1990م. ص: 36).
خدمت فرنسا عن طريق قنصليتها في القدس اليهود، حيث قدمت خدمات لها قيمتها الكبرى، وساعدتهم بقوة على شراء الأراضي باسماء قناصلها، بحجة أن عددا من الرعايا الفرنسيين هم بحاجة لشراء الأراضي لإقامة مصالح اقتصادية ودينية، وعملت القنصليات الفرنسية على تسريب الأراضي لليهود. اشترى قنصل فرنسا في يافا (فليير) من الفلاحين الفلسطينيين سدس قرية “الخضيرة”، وباعها لليهود عام ١٨٧٩م، والتي أصبحت جزءا من مستوطنة “الخضيرة”.
(م.س. دور القنصليات الأجنبية. ص: 149-150).
نابليون الثالث
وفي عام 1884م، باع ابن القنصل الفرنسي في يافا مساحة ثلاثة آلاف دونم، من أراضي قرية “قطرة” في قضاء الرملة، واقيم عليها في نهاية عام 1884م، مستوطنة عرفت باسم “غديرة”، وأبدت فرنسا اهتماما بهجرة اليهود إلى فلسطين، وساعدتهم على إرساء قواعد لهم، وشراء الأراضي لصالح المهاجرين اليهود، ولعبت فرنسا من خلال بعثاتها الدبلوماسية دورا أسست فيه من خلال نشاطها السياسي، والاقتصادي، والتبشيري، حضورا يهوديا ساعد اليهود في بدء هجرة اليهود، وتمكينهم من الاستيطان في فلسطين.