الرئيسية / الوحدة العربية / عن القيادة الإقليمية …… بقلم سامى شرف

عن القيادة الإقليمية …… بقلم سامى شرف

1378586_583640265065034_1297327943_n.jpgوطن


إن وجود قيادة إقليمية تخطى بالشرعية والتأييد من قبل الفاعلين الرئيسيين في النظام الإقليمي، بما لديها من الإرادة والأدوات والإمكانيات ما يمكنها من ضبط وتوجيه تفاعلات النظام الإقليمي أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على استقرار هذا النظام، وزيادة مناعته ضد الاختراق الخارجي، وتخفيض أثر التحولات العالمية عليه.

وعلى العكس، فان غياب أو ضعف مثل هذه القيادة أو افتقادها للتأييد والشرعية من الفاعلين الإقليميين يؤدى إلى ضعف مناعة النظام الإقليمي الداخلية، وعدم استقراره، وزيادة قابليته للاختراق الخارجي، وتأثره بالتحولات التي تحدث في النظام العالمي.


ويظل مفهوم الدولة القائد هو المحور الحقيقي لأي نظام إقليمي، فالدولة القائد هي التي تتحمل عبء الحديث باسم الإقليم بما يعنيه ذلك من حقوق والتزامات، وهى التي تتولى عملية تكتيل الإرادة وتوزيع الأدوار، ولكي تستطيع القيام بهذا الدور يجب أن تتميز بعدم الأنانية، وبقدرتها على التجرد بقدر الإمكان من مصالحها القطرية والارتباط بمصالح أكثر اتساعا؛ حيث تنصهر في بوتقتها مصالح الإقليم أجمعه كحقيقة واحدة.

 وفي هذا يقول المرحوم الدكتور حامد ربيع : 

” النظام الإقليمي يفترض معركة بل هو في ذاته معركة حقيقة، وكل معركة يجب ألا يكون لها أكثر من قائد، بل يجب أن يكون ذلك القائد قادراً على أن يربط جميع أجزاء وعناصر القوة التي تسانده بعلاقة تضامن حقيقية لا تسمح لأي عنصر من عناصر التخلخل بأن يتسرب في داخلها، ولو تحقق هذان العنصران فان النظام الإقليمي يصبح قادرا على أن يتحول إلى دولة واحدة متكاملة ” 


وبهذا المفهوم، تلعب التوجهات السياسية والإيديولوجية للقيادة الإقليمية دوراً كبيراً في تشكيل علاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي، ومن ثم في مستوى تأثره بما يحدث من تغييرات في خصائص ذلك الأخير، فعلى سبيل المثال أثرت القيادة المصرية ـ الناصرية للنظام الإقليمي العربي خلال عقدي الخمسينيات والستينيات على توجهات هذا النظام فجعلته أكثر استقلالية، وكفاحية وعداء للسياسات الغربية، أما في ظل زيادة التأثير السعودي على توجهات النظام في عقدي السبعينيات والثمانينيات أصبح أكثر ارتباطاً بالغرب، ومن ثم أكثر قابلية للتأثر بما يحدث من تغييرات في العالم الغربي، وبالتالي في النظام العالمي الجديد.


وطوال عقد الثمانينيات حدث تنافس بين عدة دول عربية مثل سوريا والعراق والسعودية والجزائر على مركز القيادة في النظام العربي، إلا أن أيا من هذه الدول لم يكن لديها من المقومات التي توفرت لمصر وأهلتها لممارسة هذا الدور، وهو الأمر الذي أسهم في تعطيل فاعلية النظام العربي، وتشرذم النظام على نحو خطير أو على الأقل تعددت مراكز القيادة فيه، خاصة أن أية من الدول العربية الأخرى لم تتوافر لها مقومات القيادة الكلية، ولم يكن لديها القدرة على ممارسة دورا ضاغطا نظامياً مثل الذي مارسته مصر ” الناصرية “، ولم يكن لديها مشروع بديل جدي للسياسات التي انتهجتها مصر.


ولقد كشف غزو العراق للكويت عام 1990 عورة النظام الإقليمي العربي من عجز وانقسام، كان أحد مسبباته الرئيسية غياب قائد إقليمي قادر على ضبط تطورات الأزمة وحصر حلها في الإطار العربي – كما حدث في أزمة مماثلة بين العراق والكويت عام 1961، حيث استطاعت مصر الناصرية ضبط الأزمة بما يحفظ للنظام الإقليمي العربي استقراره ومكانته واستقلاله – وهو ما جعل دول الخليج مدعومة بدول عربية رئيسية مثل مصر وسوريا تستعين بالخارج لمواجهة العدوان العراقي، الأمر الذي فتح أبواب النظام الإقليمي العربي لسلسلة من التدخلات الخارجية في شئونه، انتهت باحتلال العراق ذاته عام 2003م. 


ورغم المحاولات التي بذلت فيما بعد من قبل مصر وسوريا والسعودية لاستعادة تماسك النظام واستقراره من خلال قيادة ثلاثية، إلا أن أنماط القوة والتحالفات والسياسات جعلت الدور القيادي دوراً انتقائيا، يغلب عليه الطابع التكتيكي الظرفي تفرضه الظروف والمصالح، وخاضع لتدخلات القوة العظمى – الولايات المتحدة الأمريكية – ودول الجوار الإقليمي.


كما كررت مصر محاولتها لخلق قيادة جماعية عربية عقب ثورة 30 يونيو 2013، وإنشاء قوة دفاع عربي مشتركة لردع أي تدخل خارجي في الإقليم، ومواجهة الإرهاب وداعميه، إلا أن تلك المحاولة – كغيرها – باءت بالفشل لاعتبارات عديدة؛ لعل أبرزها تشكك بعض القوى العربية في جدوى ذلك التحرك، خاصة في ظل المشكلات الداخلية التي كانت تعاني منها مصر –آنذاك- وحالة الفوضى وعدم اليقين التي سادت الإقليم، هذا بالإضافة إلى عامل بالغ الأهمية، وهو الدور الخارجي الذي يسعى دائما لإجهاض مثل تلك المحاولات.

والجدير بالذكر أن هناك توجهات عامة في السياسة الخارجية الأمريكية لها صفة الاستمرارية تحرص على منع قيام أي قوة إقليمية محورية في المنطقة العربية يكون في مقدورها توحيد العالم العربي خلف مشروع قومي موحد، واستراتيجية واحدة هدفها حماية وصيانة الموارد والثروات العربية، وهو ما يتناقض والمصالح الأمريكية في المنطقة.

وهناك وثيقة وضعها فريق في وزارة الدفاع الأمريكية عام 1992 تدعو الولايات المتحدة إلى ردع أي منافسين محتملين في الشرق الأوسط، حتى لو كانوا يطمحون في ممارسة دور إقليمي أكبر أو دور عالمي، وهو ذاته ما تكرر في وثيقة الأمن القومي الصادرة عن البيت الأبيض عام 2002؛ حيث كان من ضمن أهدافها الرئيسية هو منع أي منافسين محتملين يسعون لممارسة دور إقليمي في المنطقة.


وهنا لابد من الإشارة إلى أن مصادر الشرعية الراهنة لوظيفة القيادة في النظام الإقليمي العربي اختلفت عما كان سائدا في فترة الحرب الباردة؛ من حيث الانتقال من مفهوم الزعامة إلى مفهوم القيادة، وارتباط الدور الإقليمي بالإنجاز الوطني قبل أي شيء آخر؛ أي القدرة على إحداث إصلاحات حقيقية وتنمية فعلية في الداخل، والقدرة على بناء الدولة النموذج، أي الرصيد في الانجاز الوطني هو وحده الذي يؤهل الدولة للمنافسة وممارسة الدور الإقليمي في الخارج، وهو ما لا يتحقق في أي دولة عربية الآن، وحتى مصر القائد التاريخي للنظام العربي، والدولة العربية المؤهلة بإمكانياتها لممارسة هذا الدور، مهمومة بمشكلاتها الداخلية الكثيرة، ولا يشغل النظام الحاكم بها حاليا مسألة استعادة مصر لدورها الإقليمي بقدر ما يشغله استعادة الدولة الوطنية قوتها، عبر بناء دولة مدنية حديثة قوية.

 وهكذا يبقى النظام الإقليمي العربي بلا قيادة فاعلة سواء أكانت قيادة فردية أو جماعية، مما يجعله يعانى من العجز وتراجع المكانة، وأكثر عرضة للاختراق الخارجي إقليميا/دولياً، ولا مناص من عبور ذلك الوضع سوى انشاء قيادة عربية جماعية تدرك خطورة ما يتعرض له النظام العربي من تهديد وجودي خطير، وأهمية وجود قيادة إقليمية توجه تفاعلات النظام، وتكون بمثابة درع لحمايته من مخطط التذويب وطمس الهوية. نشر بجريدة الاهرام اليوم 26\11\2020 سامى شرف

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *